تفسير سورة الزمر

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة الزمر
في السورة دعوة إلى الله وحده وتنويه بقدرته وعظمة مشاهد الكون، وحكاية لبعض عقائد المشركين وأقوالهم وحملة عليهم ومقايسات بين المؤمنين والكافرين، وتنويه بالقرآن وأثره في النفوس الطيبة، وتصوير رائع للبعث والقضاء بين الناس. وقد تخلل آيات السورة أمثال ومواعظ ومبادئ عامة، وتلهم بعض آياتها أن فيها إذنا للمؤمنين بالهجرة.
والمقايسات التي فيها جاءت بأسلوب نظمي خاص يجعله خصوصية من خصوصيات السورة. وفصولها مترابطة تسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة.
وقد روى المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيات [ ٥٢ – ٥٤ ] مدنية، وانسجامها في السياق موضوعا وسبكا يسوغ الشك في ذلك.
ولقد روى الترمذي عن عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل ) حيث ينطوي في الحديث عناية نبوية خاصة بهاتين السورتين لا بد لهما من حكمة قد يكون منها ما احتوتاه من مواعظ وحكم وتنويه بالقرآن. وفي الحديث دلالة على أن هذه السورة كانت تامة الترتيب معروفة الاسم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

بدأت السورة بتقرير كون الكتاب أي القرآن هو تنزيل من الله العزيز الذي عظمت قدرته وعز جانبه، الحكيم الذي جميع أفعاله حكمة وصواب. ثم وجه الخطاب في الآيات التالية للمطلع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله قد أنزل إليه الكتاب بالحق وأمره بعبادة الله وحده والإخلاص له في الخضوع والاتجاه ؛ لأن ذلك إنما يجب له وحده. وأشير بعد ذلك إلى المشركين إشارة تنطوي على التقريع ؛ لأنهم اتخذوا من دون الله أولياء يشركونهم معه في الخضوع والاتجاه زاعمين أنهم إنما يفعلون ذلك ليكونوا أسباب قربى وحظوة لهم عند الله. ثم قرر بأسلوب إنذاري بأن الله سوف يحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون ومرتكسون، ويجزيهم على ما يزعمون بما يستحقون، وأن الله لا يمكن أن يوفق ويسعد كل كاذب كافر. وانتهت الآيات بحجة جدلية من قبيل المساجلة وهي أن الله لو أراد أن يتخذ ولدا لاصطفى أحسن ما يخلق، ثم أكدت تنزهه عن ذلك فهو الواحد القهار الغني عن الولد والمحيط بكل شيء، والذي يعنو لحكمه كل شيء.
ولم نطلع على رواية في سبب نزول الآيات، ويلوح من حكاية اعتذار المشركين عن شركهم وزعمهم أنهم إنما يعبدون الشركاء ليكونوا لهم سبب قربى إلى الله أن الآيات نزلت بسبيل التعقيب على مشهد مناظرة وجدل بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم، أو بسبيل تسجيله والتنديد بهم من أجله.
والآية الأخيرة توضح مفهوم الأولياء الذين ورد ذكرهم في ما قبلها وتوضح مفهوم عقيدة المشركين فيهم. وبذلك تتضح الحجة الجدلية التي احتوتها من قبيل المساجلة كما قلنا، ونعني عقيدة العرب بكون الملائكة بنات الله وكونهم يعبدونهم ليكونوا شفعاء لهم عنده. وفي أسلوب الآيات التنديدي في هذه العقيدة توكيد جديد بأن أي اتجاه إلى غير الله بأي معنى وصفة – حتى ولو بقصد التوسل والتقرب إليه – يعتبر شركا لا يرضى عنه الله قط مما تكرر كثيرا، ومما هو مبدأ أساسي محكم من مبادئ القرآن والإسلام.
الدين : هنا بمعنى الخضوع والاتجاه والعبادة.
لا يهدي : هنا بمعنى لا يوفق ولا يسعد على ما تلهمه روح الآية.
تعليق على جملة :﴿ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ﴾
وتأويلنا لجملة ﴿ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ﴾ مستمد من وصف الكاذب الكافر المتحقق في أصحابه ؛ لأن هذا الوصف يعني فيما يعنيه أيضا فساد الخلق وسوء النية وعدم الرغبة في الحق والهدى، وأن ذلك هو الدافع للمتصفين به إلى المواقف الباغية التي يقفونها.
ويتبادر لنا إلى هذا معنيان أو مقصدان آخران في الجملة وأمثالها مثل ( إن الله لا يهدي القوم الفاسقين والكافرين والمجرمين والمفسدين ). أولهما : مستلهم من سياق الآيات التي ترد فيها، وهو مقصد التنديد والتبكيت والإنذار وحمل أصحاب الصفات المذكورة على الارعواء والتوبة عن مواقفهم. وثانيهما : أنها قاصرة على من يبقى متصفا به، وأنها لا تعني مع ذلك أنه من المحتم على الموصوفين به أن يبقوا في الضلال والفسق والفساد والظلم والإجرام والكفر والكذب محرومين من توفيق الله وعنايته وهدايته. فما دام أن الله تعالى قد جعل فيهم قابلية للتدبر والتفكر والاختيار فإن احتمال عودتهم عن موقفهم إلى الحق والصواب ونيلهم لرضاء الله وتوفيقه يظل قائما. ويدعم هذا الآيات الكثيرة التي نزلت للتوبة وفتح الباب تجاه الكافرين المجرمين والمنافقين الظالمين الكاذبين لينيبوا إلى الله، على ما شرحناه في سياق سورة البروج وأوردناه من الآيات الكثيرة في صدده. ولقد وقع ذلك فعلا فإن معظم الذين كانت هذه النعوت تعنيهم قد تابوا وأنابوا إلى الله وآمنوا بالقرآن والرسالة المحمدية وغدوا موضعا لعناية الله تعالى وأهلا لرضائه وحملوا مشعل الهداية الإسلامية إلى مشارق الأرض ومغاربها. واستحقوا وصف الله عز وجل :﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ﴾ [ التوبة/ ١٠٠ ].
جاءت هذه الآيات معقبة على ما سبقها وبسبيل توكيد استحقاق الله وحده للخضوع والعبادة، وقد استعمل فيها ضمير المخاطب الجمع كأنما هي موجهة للسامعين وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
وهي قوية رائعة في أسلوبها ولفتها النظر إلى مشاهد عظمة الله ونواميس ملكوته وخلق الناس والأنعام وأفضاله على خلقه، بسبيل البرهنة على استحقاقه وحده للعبادة وضلال الذين يشركون غيره معه فيها.
تعليق على جملة :﴿ خلقكم من نفس واحدة ﴾ وما بعدها :
وقد قرر جمهور المفسرين أن جملة ﴿ خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ﴾ تعني الإشارة إلى أصل خلق بني آدم حيث خلق الله آدم من تراب ثم نفخ فيه من روحه ثم خلق زوجته حواء من ضلع من أضلاعه. وهذا ما ورد في الإصحاح الأول من سفر التكوين.
وقد يكون القصد من الجملة الإشارة العامة إلى النوع الإنساني الذي خلقه من زوجين من جنس واحد فكأنما هما نفس واحدة، وقد يكون ضمير الجميع المخاطب من القرائن على هذا القصد في هذا المقام.
وقد قرر جمهور المفسرين كذلك أن جملة ﴿ خلقا من بعد خلق ﴾ تعني الصور التي تتطور بها الأجنة في بطون الأمهات، وأن جملة ﴿ في ظلمات ثلاث ﴾ تعني ظلمة صلب الرجل ؛ حيث تكون النطفة أولا، ثم ظلمة رحم المرأة حيث تنمو النطفة، ثم ظلمة المشيمة التي تلف الجنين في الرحم.
وقرروا كذلك أن جملة :﴿ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ﴾ [ ٦ ] في معنى خلق لكم من كل نوع من الأنعام الأربعة وهي الضأن والمعز والإبل والبقر على ما جاء بصراحة في آيات سورة الأنعام [ ١٤٣ – ١٤٤ ] التي مر تفسيرها.
ولقد علقنا على ما جاء في الآيتين الأولى والثانية في سياق آيات مماثلة في سورتي الأعراف ويس بما يغني عن التكرار. ونكتفي بالقول هنا بمناسبة ما ورد في الآية الثانية من الإشارات إلى كيفيات الخلق أن أسلوب الآيات ومضمونها ما يدل على أن القصد منها كما هو في أمثالها الكثيرة على ما نبهنا إليه في مناسبات سابقة هو التنبيه إلى مشاهد عظمة الله وقدرته ونعمه على الناس بأسلوب يتسق مع أفهام الناس على اختلاف فئاتهم، وبما هو ماثل أمام أعينهم وفي أنفسهم وما يتمتعون به من وسائل الحياة، وليس تقرير نواميس كونية وخلقية من وجهة فنية، والواجب عدم تجاوز هذا النطاق في هذه الآيات ؛ لأن ذلك ليس من المقاصد القرآنية.
تعليق على جملة :﴿ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ﴾ :
والآية الأخيرة من الآيات الحاسمة في تقرير كون كفر الكافرين وإيمان المؤمنين وما ينشأ عن ذلك من الهدى وعمل الصالحات والضلال والكفر، واقتراف الآثام إنما هو من مكتسبات الإنسان وقابلية الاختيار التي شاء الله أن يودعها فيه. وفي تقرير وتنزيه الله عز وجل عن تحتم الكفر والإثم على أحد تحتيما لا يجعل له مناصا منهما. فهو الغني عن الناس إن كفروا به ولا يرضى بذلك ولا يحبه لهم قط في حين أنه يرضيه منهم أن يعترفوا به ويشكروه ويحبه لهم.
ومع وضوح الآيات ومقاصدها في التنويه بالشكر والتنديد بالكفر فإن أصحاب المذاهب الكلامية تشادوا حولها فقال بعضهم : إن عدم الرضا وعدم الإرادة في معنى واحد، وإن الكفر لا يمكن أن يقع بإرادة الله. ورد عليهم مخالفوهم فقالوا : إن هناك فرقا بين الرضا والإرادة ولا يقع في ملك الله إلا ما أراد وإن كان لا يرضى عن بعض ما يقع. ونحن نرى التشاد حول الآية تكلفا لا تقتضيه ولا تتحمله، ولو كان مقصد كل فريق تقديس الله من وجهة نظره. ونرى الأولى أخذ الآية وأمثالها على مقصدها الواضح فيها، وهو الحث على الإيمان والشكر والتنديد بالكفر والتحذير معه.
أنزل لكم : هنا بمعنى أوجد لكم أو سخر لكم.
ثمانية أزواج : ذكر وأنثى من كل من الضأن والماعز والإبل والبقر وقد عبر عن ذلك بنفس التعبير في آيات سورة الأنعام [ ١٤٣ – ١٤٤ ].
أنى تصرفون : أين تذهب أفكاركم وتنصرف عقولكم.
﴿ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ﴾ :
خوله : بمعنى منحه أو مكنه.
في الآية تنديد بخلق من أخلاق كثير من الناس، فإذا أصاب أحد ضرر أو أحدق به خطر لجأ إلى الله تعالى وحده، واستغاث به فإذا ما استجاب له وكشف عنه ما ألم به وبدله نعمة بعد سوء نسيه وجعل له أندادا وشركاء في الدعاء والعبادة متخليا عن موقفه الأول ضالا بذلك عن سبيل الله. وفي آخر الآية أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول لذلك الإنسان وأمثاله : تمتع بكفرك قليلا في الدنيا فإنك من أصحاب النار جزاء ما أنت فيه من ضلال وتناقض.
ولقد قال البغوي في صدد نزول الآية :( قيل إنها نزلت في عتبة بن ربيعة وقال مقاتل : نزلت في أبي حذيفة بن مغيرة المخزومي، وقيل هي عامة في كل كافر ) ونحن نرجح القول الأخير استلهاما من روحها وعطفها على ما سبقها، ونرى أنها متصلة بالآيات السابقة سياقا وموضوعا في صدد الجدل القائم بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين، وأنها جاءت استطرادية لتندد بموقف التناقض الذي يقفه المشركون من الله عز وجل في حالتي الشدة والفرج. وهذا لا يمنع أن يكون حدث في ظروف نزولها موقف من بعض المشركين مماثل لما حكته الآية، فكان مناسبة لما اقتضته حكمة التنزيل من التنديد بتناقض المشركين.
وفي الآية توكيد لما احتوته آيات في سور أخرى سبق تفسيرها من اعتراف المشركين في قرارة نفوسهم بالله، وبأنه هو وحده كاشف الضر والسوء، ومن عادتهم في اللجوء إليه وحده حينما يحدق بهم خطر أو يلم بهم ضرر. وفي ذلك توكيد حاسم آخر بأن الله لا يقبل من عباده إلا أن يكون اتجاههم إليه وحده في كل ظرف، وبأن غير ذلك هو شرك وكفر.
وفي الآية تلقين مستمر المدى في صدد من لا يذكر الله إلا في وقت الشدة وينساه وينحرف عن جادة الحق والتقوى في وقت الرخاء وما في ذلك من قبح وبشاعة وإثم عند الله.
﴿ أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ﴾ :.
قانت : خاضع أو خاشع أو طائع.
في الآية تساؤل عما إذا لم يكن الأفضل هو الخاضع لله وحده العابد له، آناء الليل وأطراف النهار، والذاكر له وقت الشدة والرخاء معا، يحسب حساب الآخرة وأهوالها، ويرجو من ربه أن يشمله برحمته. وأمر رباني للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتساؤل ثانية عما إذا كان يصح أن يسوى بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون أو أن يكون الفريقان في مقام واحد. وتقرير بأن أرباب العقول الراجحة السليمة هم فقط الذين يتذكرون ويدركون حقائق الأمور.
ولقد روى البغوي عن عطاء أن الآية نزلت في أبي بكر، وعن الضحاك أنها نزلت في أبي بكر وعمر، وعن ابن عمر أنها نزلت في عثمان، وعن الكلبي أنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان رضي الله عنهم جميعا. وليس ذلك واردا في مساند الصحاح، وأسلوب الآية عام مطلق وبينه وبين أسلوب الآية السابقة تناظر. فالموضوع في كلتيهما مطلق عام. وفي كلتيهما أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاستنكار وإعلان الحقيقة الواجب إدراكها. وهذا ما يسوغ القول : إن هذه الآية متصلة أولا بالآية السابقة وإن كلتيهما متصلتان بالسياق، وقد جاءتا على سبيل الاستطراد والتنبيه. ولا نريد بما قلناه أن ننفي خبر استغراق بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأولين في التهجد بالليل بنوع خاص واشتهار ذلك بحيث جعلتهم حكمة التنزيل مناسبة للمفاضلة بينهم وبين أشخاص بطرين مستكبرين من الكفار.
والمتبادر أن التساؤل الأول على سبيل المقايسة بين المؤمن الصالح والكافر المشرك الذي أشارت إليه الآية السابقة والذي لا يذكر الله إلا في وقت الشدة وينحرف عن سبيله وقت الرخاء. وأن التساؤل الثاني تعقيب على الأول وبسبيل التنويه بالفريق الصالح الذي هو وحده يدرك ويعلم، والتنديد بالفريق المنحرف بسبب عدم فهمه وعلمه. وواضح أن الشطر الثاني من الآية ينطوي على التقرير الإيجابي بأفضلية المؤمن الصالح على المشرك المنحرف الضال بقطع النظر عن المركز الاجتماعي لكل منهما. واستنكار التسوية بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وفي هذا – وبخاصة في تقرير أفضلية المؤمن الصالح – تلقين جليل مستمر المدى.
تعليق على جملة :﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ﴾ :
ومع أنه قد يكون المقصود القريب من هذه الجملة المؤمنين والكافرين حيث أدرك الأولون وعلموا حقائق الأمور فاتبعوا طريق الهدى وعميت أبصار الآخرين عن ذلك، فإن في إطلاق عبارتها مسوغا للقول إنها تتناول كل ما يصح أن يكون موضوع مقايسة بين أمرين أو بين رجلين أو بين جماعتين أحدهما يدعم رأيه أو موقفه بالحجة الواضحة ويستند فيه إلى علم وتفكير. والثاني مهوش مضلل لا يعي الحقيقة ولا يدرك موضع الحق ولا يستند في موقفه إلى علم وبينة. ولهذا فإن التعبير قد أصبح مثلا من الأمثلة القرآنية يتمثل به في كثير من المناسبات لما انطوى فيه من حكمة وصواب وحق.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآية حديثا ورد في مسند الإمام عبد بن حميد عن أنس :( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على رجل وهو في الموت فقال له : كيف تجدك ؟ فقال : أرجو وأخاف. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله عز وجل الذي يرجو وأمنه الذي يخافه ). وقد ذكر ابن كثير أن الترمذي والنسائي وابن ماجه قد رووا هذا الحديث أيضا وينطوي في الحديث تطبيق نبوي للتلقين القرآني في المناسبات على سبيل الوعظ والتنبيه.
في الآيات أوامر للنبي عليه السلام، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
وهي كما يتبادر لنا غير منفصلة عن السياق السابق، وقد احتوت تقريرات حاسمة كأنها تقريرات ختامية للموقف الذي ظل فيه الكفار مصرين معاندين وتعقيبا عليه. وقد هتف فيها بالمؤمنين بما هتف تثبيتا لقلوبهم وتطمينا لروعهم وحثا لهم على الصبر والتمسك بأهداب التقوى والإيمان والعمل الصالح. وتبشيرا لهم بالعاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة. واحتوت الآية الأخيرة تنديدا وإنذارا وتعنيفا لاذعا للمشركين متناسبا مع الموقف وباثا في الوقت نفسه الوثوق والاستعلاء في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه. فليعبدوا ما شاءوا من دون الله فهم الخاسرون يوم القيامة، ومن يكن خاسرا يوم القيامة فهو الخاسر لكل شيء.
تعليق على تكرر أمر الله في السورة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده مخلصا له الدين
والمتبادر أن أمر الله عز وجل للنبي عليه السلام بإعلان ما أمر بإعلانه هو لأجل قطع أي أمل لدى في تساهله معهم في صدد آلهتهم وشركائهم وتراجعه عما كان المشركون يبذلون جهدهم في سبيل تحقيقه على ما حكته آيات في سور أخرى سبق تفسيرها مثل سورتي القلم والإسراء.
ويلحظ أن مثل هذا الأمر ورد في مطلع السورة، وقد تكرر هذا لثالث مرة في موضع آخر في أواخر السورة أيضا ؛ حيث يمكن أن يدل على أن المشركين قد جددوا جهودهم واقتراحاتهم في ظروف نزول السورة.
تعليق على إلهام جملة :﴿ وأرض الله واسعة ﴾ بالهجرة إلى الحبشة :
والآية الأولى تلهم بالإضافة إلى ما قلناه أنها تحتوي إذنا ربانيا أو حثا ربانيا للمضطهدين من المؤمنين على الهجرة من مكة، وتبشيرا لمن يهاجر بأنه سوف يجد في أرض الله سعة، وبأن الله سييسر له ما تقر به عينه ويؤتيه أجر صبره وافيا بغير تقتير ولا حساب على ما يناله من أذى وجهد وفراق.
وهذا ما يستفاد من تأويلات الصدر الأول التي رواها المفسرون حيث رووا عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما أن فيها أمر للمسلمين بالهجرة من مكة. ولقد قال البغوي دون عزو إلى أحد : إنها نزلت في مهاجري الحبشة، وقال الخازن دون عزو إلى أحد : قيل إنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين هاجروا إلى الحبشة، ونرجح أن هذا القول من وحي الهجرة التي كانت في أواخر الهجرة الخامسة على ما يستفاد من روايات السيرة وبعبارة أخرى بعد هذه الآيات التي يخمن نزولها في مثل هذا الوقت، إذا ما لوحظ المقدار الذي نزل من القرآن قبلها.
والروايات تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على منعهم. قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم، فخرجت أولى قافلة منهم مؤلفة من عثمان بن عفان وزوجته سهلة بنت سهيل والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وزوجته ليلى وأبو سبرة بن أبي رهم وسهيل بن بيضاء رضي الله عنهم. والأسماء تدل على أن المهاجرين كلهم أو جلهم من بيوتات قريش حيث يزيل هذا ما يقع في الوهم أنهم من الفئات الضعيفة أو الفقيرة. وكل ما كان من أمر هو أن آباءهم وذويهم نقموا عليهم إسلامهم واضطهدوهم، وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الله بالهجرة. والروايات تذكر أنه بلغ المهاجرين خبر إسلام قريش فعادوا إلى مكة بعد أشهر فظهر لهم خطأ ما بلغهم فعاد أكثرهم ثانية إلى الحبشة وهاجر معهم عدد كبير آخر حيث بلغ عدد قافلتهم هذه المرة ٨٣ رجلا و١٧ امرأة جلهم من قريش.
ولقد حقق الله وعده للمهاجرين، وظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم ؛ حيث وجدوا الحماية والعناية من ملك الحبشة فأقاموا فيها آمنين مطمئنين إلى السنة السادسة بعد الهجرة أي إلى أن انعقد صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقريش. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أتى بهم إلى المدينة معززين مكرمين وهكذا ضرب الرعيل الأول من المسلمين أروع الأمثلة في التمسك بدين الله وتحمل مشاق الهجرة ومخاطرها ومفارقة الوطن والحرمان في سبيله.
التلقين المنطوي في الآية ﴿ قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم... ﴾ إلخ :
وبالإضافة إلى ما احتوته هذه الآية من حث المسلمين الأولين على الهجرة إلى أرض الله الواسعة فإنها بأسلوبها العام تتضمن هتافا دائما بما احتوته إلى عباد الله المخلصين. وتتضمن تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم الخنوع للظلم والكفر وبغي أهلهما والهجرة من أرضهما إلى أرض الله الواسعة التي يجد المؤمن فيها الأمن والحرية والطمأنينة، ووعدا ربانيا دائما للمتقين المحسنين الصابرين بالعاقبة الحسنة في الدنيا قبل الآخرة. ولقد تكرر هذا الهتاف والوعد في آيات أخرى منها آية سورة النحل هذه :﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ٤١ ) ﴾ وآية سورة النساء هذه :﴿ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ( ١٠٠ ) ﴾.
ولقد اجتمع في الآية ثلاثة أخلاق من أكثر ما حث عليها القرآن ووعد المتخلقين بها بأحسن العواقب في الدنيا والآخرة وهي التقوى والإحسان والصبر، وبذلك تكون من الآيات المفردة في ذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:في الآيات أوامر للنبي عليه السلام، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
وهي كما يتبادر لنا غير منفصلة عن السياق السابق، وقد احتوت تقريرات حاسمة كأنها تقريرات ختامية للموقف الذي ظل فيه الكفار مصرين معاندين وتعقيبا عليه. وقد هتف فيها بالمؤمنين بما هتف تثبيتا لقلوبهم وتطمينا لروعهم وحثا لهم على الصبر والتمسك بأهداب التقوى والإيمان والعمل الصالح. وتبشيرا لهم بالعاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة. واحتوت الآية الأخيرة تنديدا وإنذارا وتعنيفا لاذعا للمشركين متناسبا مع الموقف وباثا في الوقت نفسه الوثوق والاستعلاء في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه. فليعبدوا ما شاءوا من دون الله فهم الخاسرون يوم القيامة، ومن يكن خاسرا يوم القيامة فهو الخاسر لكل شيء.
تعليق على تكرر أمر الله في السورة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده مخلصا له الدين
والمتبادر أن أمر الله عز وجل للنبي عليه السلام بإعلان ما أمر بإعلانه هو لأجل قطع أي أمل لدى في تساهله معهم في صدد آلهتهم وشركائهم وتراجعه عما كان المشركون يبذلون جهدهم في سبيل تحقيقه على ما حكته آيات في سور أخرى سبق تفسيرها مثل سورتي القلم والإسراء.
ويلحظ أن مثل هذا الأمر ورد في مطلع السورة، وقد تكرر هذا لثالث مرة في موضع آخر في أواخر السورة أيضا ؛ حيث يمكن أن يدل على أن المشركين قد جددوا جهودهم واقتراحاتهم في ظروف نزول السورة.
تعليق على إلهام جملة :﴿ وأرض الله واسعة ﴾ بالهجرة إلى الحبشة :
والآية الأولى تلهم بالإضافة إلى ما قلناه أنها تحتوي إذنا ربانيا أو حثا ربانيا للمضطهدين من المؤمنين على الهجرة من مكة، وتبشيرا لمن يهاجر بأنه سوف يجد في أرض الله سعة، وبأن الله سييسر له ما تقر به عينه ويؤتيه أجر صبره وافيا بغير تقتير ولا حساب على ما يناله من أذى وجهد وفراق.
وهذا ما يستفاد من تأويلات الصدر الأول التي رواها المفسرون حيث رووا عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما أن فيها أمر للمسلمين بالهجرة من مكة. ولقد قال البغوي دون عزو إلى أحد : إنها نزلت في مهاجري الحبشة، وقال الخازن دون عزو إلى أحد : قيل إنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين هاجروا إلى الحبشة، ونرجح أن هذا القول من وحي الهجرة التي كانت في أواخر الهجرة الخامسة على ما يستفاد من روايات السيرة وبعبارة أخرى بعد هذه الآيات التي يخمن نزولها في مثل هذا الوقت، إذا ما لوحظ المقدار الذي نزل من القرآن قبلها.
والروايات تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على منعهم. قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم، فخرجت أولى قافلة منهم مؤلفة من عثمان بن عفان وزوجته سهلة بنت سهيل والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وزوجته ليلى وأبو سبرة بن أبي رهم وسهيل بن بيضاء رضي الله عنهم. والأسماء تدل على أن المهاجرين كلهم أو جلهم من بيوتات قريش حيث يزيل هذا ما يقع في الوهم أنهم من الفئات الضعيفة أو الفقيرة. وكل ما كان من أمر هو أن آباءهم وذويهم نقموا عليهم إسلامهم واضطهدوهم، وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الله بالهجرة. والروايات تذكر أنه بلغ المهاجرين خبر إسلام قريش فعادوا إلى مكة بعد أشهر فظهر لهم خطأ ما بلغهم فعاد أكثرهم ثانية إلى الحبشة وهاجر معهم عدد كبير آخر حيث بلغ عدد قافلتهم هذه المرة ٨٣ رجلا و١٧ امرأة جلهم من قريش.
ولقد حقق الله وعده للمهاجرين، وظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم ؛ حيث وجدوا الحماية والعناية من ملك الحبشة فأقاموا فيها آمنين مطمئنين إلى السنة السادسة بعد الهجرة أي إلى أن انعقد صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقريش. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أتى بهم إلى المدينة معززين مكرمين وهكذا ضرب الرعيل الأول من المسلمين أروع الأمثلة في التمسك بدين الله وتحمل مشاق الهجرة ومخاطرها ومفارقة الوطن والحرمان في سبيله.
التلقين المنطوي في الآية ﴿ قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم... ﴾ إلخ :
وبالإضافة إلى ما احتوته هذه الآية من حث المسلمين الأولين على الهجرة إلى أرض الله الواسعة فإنها بأسلوبها العام تتضمن هتافا دائما بما احتوته إلى عباد الله المخلصين. وتتضمن تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم الخنوع للظلم والكفر وبغي أهلهما والهجرة من أرضهما إلى أرض الله الواسعة التي يجد المؤمن فيها الأمن والحرية والطمأنينة، ووعدا ربانيا دائما للمتقين المحسنين الصابرين بالعاقبة الحسنة في الدنيا قبل الآخرة. ولقد تكرر هذا الهتاف والوعد في آيات أخرى منها آية سورة النحل هذه :﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ٤١ ) ﴾ وآية سورة النساء هذه :﴿ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ( ١٠٠ ) ﴾.
ولقد اجتمع في الآية ثلاثة أخلاق من أكثر ما حث عليها القرآن ووعد المتخلقين بها بأحسن العواقب في الدنيا والآخرة وهي التقوى والإحسان والصبر، وبذلك تكون من الآيات المفردة في ذلك.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:في الآيات أوامر للنبي عليه السلام، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
وهي كما يتبادر لنا غير منفصلة عن السياق السابق، وقد احتوت تقريرات حاسمة كأنها تقريرات ختامية للموقف الذي ظل فيه الكفار مصرين معاندين وتعقيبا عليه. وقد هتف فيها بالمؤمنين بما هتف تثبيتا لقلوبهم وتطمينا لروعهم وحثا لهم على الصبر والتمسك بأهداب التقوى والإيمان والعمل الصالح. وتبشيرا لهم بالعاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة. واحتوت الآية الأخيرة تنديدا وإنذارا وتعنيفا لاذعا للمشركين متناسبا مع الموقف وباثا في الوقت نفسه الوثوق والاستعلاء في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه. فليعبدوا ما شاءوا من دون الله فهم الخاسرون يوم القيامة، ومن يكن خاسرا يوم القيامة فهو الخاسر لكل شيء.
تعليق على تكرر أمر الله في السورة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده مخلصا له الدين
والمتبادر أن أمر الله عز وجل للنبي عليه السلام بإعلان ما أمر بإعلانه هو لأجل قطع أي أمل لدى في تساهله معهم في صدد آلهتهم وشركائهم وتراجعه عما كان المشركون يبذلون جهدهم في سبيل تحقيقه على ما حكته آيات في سور أخرى سبق تفسيرها مثل سورتي القلم والإسراء.
ويلحظ أن مثل هذا الأمر ورد في مطلع السورة، وقد تكرر هذا لثالث مرة في موضع آخر في أواخر السورة أيضا ؛ حيث يمكن أن يدل على أن المشركين قد جددوا جهودهم واقتراحاتهم في ظروف نزول السورة.
تعليق على إلهام جملة :﴿ وأرض الله واسعة ﴾ بالهجرة إلى الحبشة :
والآية الأولى تلهم بالإضافة إلى ما قلناه أنها تحتوي إذنا ربانيا أو حثا ربانيا للمضطهدين من المؤمنين على الهجرة من مكة، وتبشيرا لمن يهاجر بأنه سوف يجد في أرض الله سعة، وبأن الله سييسر له ما تقر به عينه ويؤتيه أجر صبره وافيا بغير تقتير ولا حساب على ما يناله من أذى وجهد وفراق.
وهذا ما يستفاد من تأويلات الصدر الأول التي رواها المفسرون حيث رووا عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما أن فيها أمر للمسلمين بالهجرة من مكة. ولقد قال البغوي دون عزو إلى أحد : إنها نزلت في مهاجري الحبشة، وقال الخازن دون عزو إلى أحد : قيل إنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين هاجروا إلى الحبشة، ونرجح أن هذا القول من وحي الهجرة التي كانت في أواخر الهجرة الخامسة على ما يستفاد من روايات السيرة وبعبارة أخرى بعد هذه الآيات التي يخمن نزولها في مثل هذا الوقت، إذا ما لوحظ المقدار الذي نزل من القرآن قبلها.
والروايات تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على منعهم. قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم، فخرجت أولى قافلة منهم مؤلفة من عثمان بن عفان وزوجته سهلة بنت سهيل والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وزوجته ليلى وأبو سبرة بن أبي رهم وسهيل بن بيضاء رضي الله عنهم. والأسماء تدل على أن المهاجرين كلهم أو جلهم من بيوتات قريش حيث يزيل هذا ما يقع في الوهم أنهم من الفئات الضعيفة أو الفقيرة. وكل ما كان من أمر هو أن آباءهم وذويهم نقموا عليهم إسلامهم واضطهدوهم، وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الله بالهجرة. والروايات تذكر أنه بلغ المهاجرين خبر إسلام قريش فعادوا إلى مكة بعد أشهر فظهر لهم خطأ ما بلغهم فعاد أكثرهم ثانية إلى الحبشة وهاجر معهم عدد كبير آخر حيث بلغ عدد قافلتهم هذه المرة ٨٣ رجلا و١٧ امرأة جلهم من قريش.
ولقد حقق الله وعده للمهاجرين، وظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم ؛ حيث وجدوا الحماية والعناية من ملك الحبشة فأقاموا فيها آمنين مطمئنين إلى السنة السادسة بعد الهجرة أي إلى أن انعقد صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقريش. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أتى بهم إلى المدينة معززين مكرمين وهكذا ضرب الرعيل الأول من المسلمين أروع الأمثلة في التمسك بدين الله وتحمل مشاق الهجرة ومخاطرها ومفارقة الوطن والحرمان في سبيله.
التلقين المنطوي في الآية ﴿ قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم... ﴾ إلخ :
وبالإضافة إلى ما احتوته هذه الآية من حث المسلمين الأولين على الهجرة إلى أرض الله الواسعة فإنها بأسلوبها العام تتضمن هتافا دائما بما احتوته إلى عباد الله المخلصين. وتتضمن تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم الخنوع للظلم والكفر وبغي أهلهما والهجرة من أرضهما إلى أرض الله الواسعة التي يجد المؤمن فيها الأمن والحرية والطمأنينة، ووعدا ربانيا دائما للمتقين المحسنين الصابرين بالعاقبة الحسنة في الدنيا قبل الآخرة. ولقد تكرر هذا الهتاف والوعد في آيات أخرى منها آية سورة النحل هذه :﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ٤١ ) ﴾ وآية سورة النساء هذه :﴿ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ( ١٠٠ ) ﴾.
ولقد اجتمع في الآية ثلاثة أخلاق من أكثر ما حث عليها القرآن ووعد المتخلقين بها بأحسن العواقب في الدنيا والآخرة وهي التقوى والإحسان والصبر، وبذلك تكون من الآيات المفردة في ذلك.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:في الآيات أوامر للنبي عليه السلام، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
وهي كما يتبادر لنا غير منفصلة عن السياق السابق، وقد احتوت تقريرات حاسمة كأنها تقريرات ختامية للموقف الذي ظل فيه الكفار مصرين معاندين وتعقيبا عليه. وقد هتف فيها بالمؤمنين بما هتف تثبيتا لقلوبهم وتطمينا لروعهم وحثا لهم على الصبر والتمسك بأهداب التقوى والإيمان والعمل الصالح. وتبشيرا لهم بالعاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة. واحتوت الآية الأخيرة تنديدا وإنذارا وتعنيفا لاذعا للمشركين متناسبا مع الموقف وباثا في الوقت نفسه الوثوق والاستعلاء في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه. فليعبدوا ما شاءوا من دون الله فهم الخاسرون يوم القيامة، ومن يكن خاسرا يوم القيامة فهو الخاسر لكل شيء.
تعليق على تكرر أمر الله في السورة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده مخلصا له الدين
والمتبادر أن أمر الله عز وجل للنبي عليه السلام بإعلان ما أمر بإعلانه هو لأجل قطع أي أمل لدى في تساهله معهم في صدد آلهتهم وشركائهم وتراجعه عما كان المشركون يبذلون جهدهم في سبيل تحقيقه على ما حكته آيات في سور أخرى سبق تفسيرها مثل سورتي القلم والإسراء.
ويلحظ أن مثل هذا الأمر ورد في مطلع السورة، وقد تكرر هذا لثالث مرة في موضع آخر في أواخر السورة أيضا ؛ حيث يمكن أن يدل على أن المشركين قد جددوا جهودهم واقتراحاتهم في ظروف نزول السورة.
تعليق على إلهام جملة :﴿ وأرض الله واسعة ﴾ بالهجرة إلى الحبشة :
والآية الأولى تلهم بالإضافة إلى ما قلناه أنها تحتوي إذنا ربانيا أو حثا ربانيا للمضطهدين من المؤمنين على الهجرة من مكة، وتبشيرا لمن يهاجر بأنه سوف يجد في أرض الله سعة، وبأن الله سييسر له ما تقر به عينه ويؤتيه أجر صبره وافيا بغير تقتير ولا حساب على ما يناله من أذى وجهد وفراق.
وهذا ما يستفاد من تأويلات الصدر الأول التي رواها المفسرون حيث رووا عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما أن فيها أمر للمسلمين بالهجرة من مكة. ولقد قال البغوي دون عزو إلى أحد : إنها نزلت في مهاجري الحبشة، وقال الخازن دون عزو إلى أحد : قيل إنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين هاجروا إلى الحبشة، ونرجح أن هذا القول من وحي الهجرة التي كانت في أواخر الهجرة الخامسة على ما يستفاد من روايات السيرة وبعبارة أخرى بعد هذه الآيات التي يخمن نزولها في مثل هذا الوقت، إذا ما لوحظ المقدار الذي نزل من القرآن قبلها.
والروايات تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على منعهم. قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم، فخرجت أولى قافلة منهم مؤلفة من عثمان بن عفان وزوجته سهلة بنت سهيل والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وزوجته ليلى وأبو سبرة بن أبي رهم وسهيل بن بيضاء رضي الله عنهم. والأسماء تدل على أن المهاجرين كلهم أو جلهم من بيوتات قريش حيث يزيل هذا ما يقع في الوهم أنهم من الفئات الضعيفة أو الفقيرة. وكل ما كان من أمر هو أن آباءهم وذويهم نقموا عليهم إسلامهم واضطهدوهم، وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الله بالهجرة. والروايات تذكر أنه بلغ المهاجرين خبر إسلام قريش فعادوا إلى مكة بعد أشهر فظهر لهم خطأ ما بلغهم فعاد أكثرهم ثانية إلى الحبشة وهاجر معهم عدد كبير آخر حيث بلغ عدد قافلتهم هذه المرة ٨٣ رجلا و١٧ امرأة جلهم من قريش.
ولقد حقق الله وعده للمهاجرين، وظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم ؛ حيث وجدوا الحماية والعناية من ملك الحبشة فأقاموا فيها آمنين مطمئنين إلى السنة السادسة بعد الهجرة أي إلى أن انعقد صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقريش. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أتى بهم إلى المدينة معززين مكرمين وهكذا ضرب الرعيل الأول من المسلمين أروع الأمثلة في التمسك بدين الله وتحمل مشاق الهجرة ومخاطرها ومفارقة الوطن والحرمان في سبيله.
التلقين المنطوي في الآية ﴿ قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم... ﴾ إلخ :
وبالإضافة إلى ما احتوته هذه الآية من حث المسلمين الأولين على الهجرة إلى أرض الله الواسعة فإنها بأسلوبها العام تتضمن هتافا دائما بما احتوته إلى عباد الله المخلصين. وتتضمن تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم الخنوع للظلم والكفر وبغي أهلهما والهجرة من أرضهما إلى أرض الله الواسعة التي يجد المؤمن فيها الأمن والحرية والطمأنينة، ووعدا ربانيا دائما للمتقين المحسنين الصابرين بالعاقبة الحسنة في الدنيا قبل الآخرة. ولقد تكرر هذا الهتاف والوعد في آيات أخرى منها آية سورة النحل هذه :﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ٤١ ) ﴾ وآية سورة النساء هذه :﴿ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ( ١٠٠ ) ﴾.
ولقد اجتمع في الآية ثلاثة أخلاق من أكثر ما حث عليها القرآن ووعد المتخلقين بها بأحسن العواقب في الدنيا والآخرة وهي التقوى والإحسان والصبر، وبذلك تكون من الآيات المفردة في ذلك.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:في الآيات أوامر للنبي عليه السلام، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
وهي كما يتبادر لنا غير منفصلة عن السياق السابق، وقد احتوت تقريرات حاسمة كأنها تقريرات ختامية للموقف الذي ظل فيه الكفار مصرين معاندين وتعقيبا عليه. وقد هتف فيها بالمؤمنين بما هتف تثبيتا لقلوبهم وتطمينا لروعهم وحثا لهم على الصبر والتمسك بأهداب التقوى والإيمان والعمل الصالح. وتبشيرا لهم بالعاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة. واحتوت الآية الأخيرة تنديدا وإنذارا وتعنيفا لاذعا للمشركين متناسبا مع الموقف وباثا في الوقت نفسه الوثوق والاستعلاء في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه. فليعبدوا ما شاءوا من دون الله فهم الخاسرون يوم القيامة، ومن يكن خاسرا يوم القيامة فهو الخاسر لكل شيء.
تعليق على تكرر أمر الله في السورة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده مخلصا له الدين
والمتبادر أن أمر الله عز وجل للنبي عليه السلام بإعلان ما أمر بإعلانه هو لأجل قطع أي أمل لدى في تساهله معهم في صدد آلهتهم وشركائهم وتراجعه عما كان المشركون يبذلون جهدهم في سبيل تحقيقه على ما حكته آيات في سور أخرى سبق تفسيرها مثل سورتي القلم والإسراء.
ويلحظ أن مثل هذا الأمر ورد في مطلع السورة، وقد تكرر هذا لثالث مرة في موضع آخر في أواخر السورة أيضا ؛ حيث يمكن أن يدل على أن المشركين قد جددوا جهودهم واقتراحاتهم في ظروف نزول السورة.
تعليق على إلهام جملة :﴿ وأرض الله واسعة ﴾ بالهجرة إلى الحبشة :
والآية الأولى تلهم بالإضافة إلى ما قلناه أنها تحتوي إذنا ربانيا أو حثا ربانيا للمضطهدين من المؤمنين على الهجرة من مكة، وتبشيرا لمن يهاجر بأنه سوف يجد في أرض الله سعة، وبأن الله سييسر له ما تقر به عينه ويؤتيه أجر صبره وافيا بغير تقتير ولا حساب على ما يناله من أذى وجهد وفراق.
وهذا ما يستفاد من تأويلات الصدر الأول التي رواها المفسرون حيث رووا عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما أن فيها أمر للمسلمين بالهجرة من مكة. ولقد قال البغوي دون عزو إلى أحد : إنها نزلت في مهاجري الحبشة، وقال الخازن دون عزو إلى أحد : قيل إنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين هاجروا إلى الحبشة، ونرجح أن هذا القول من وحي الهجرة التي كانت في أواخر الهجرة الخامسة على ما يستفاد من روايات السيرة وبعبارة أخرى بعد هذه الآيات التي يخمن نزولها في مثل هذا الوقت، إذا ما لوحظ المقدار الذي نزل من القرآن قبلها.
والروايات تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على منعهم. قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم، فخرجت أولى قافلة منهم مؤلفة من عثمان بن عفان وزوجته سهلة بنت سهيل والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وزوجته ليلى وأبو سبرة بن أبي رهم وسهيل بن بيضاء رضي الله عنهم. والأسماء تدل على أن المهاجرين كلهم أو جلهم من بيوتات قريش حيث يزيل هذا ما يقع في الوهم أنهم من الفئات الضعيفة أو الفقيرة. وكل ما كان من أمر هو أن آباءهم وذويهم نقموا عليهم إسلامهم واضطهدوهم، وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الله بالهجرة. والروايات تذكر أنه بلغ المهاجرين خبر إسلام قريش فعادوا إلى مكة بعد أشهر فظهر لهم خطأ ما بلغهم فعاد أكثرهم ثانية إلى الحبشة وهاجر معهم عدد كبير آخر حيث بلغ عدد قافلتهم هذه المرة ٨٣ رجلا و١٧ امرأة جلهم من قريش.
ولقد حقق الله وعده للمهاجرين، وظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم ؛ حيث وجدوا الحماية والعناية من ملك الحبشة فأقاموا فيها آمنين مطمئنين إلى السنة السادسة بعد الهجرة أي إلى أن انعقد صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقريش. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أتى بهم إلى المدينة معززين مكرمين وهكذا ضرب الرعيل الأول من المسلمين أروع الأمثلة في التمسك بدين الله وتحمل مشاق الهجرة ومخاطرها ومفارقة الوطن والحرمان في سبيله.
التلقين المنطوي في الآية ﴿ قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم... ﴾ إلخ :
وبالإضافة إلى ما احتوته هذه الآية من حث المسلمين الأولين على الهجرة إلى أرض الله الواسعة فإنها بأسلوبها العام تتضمن هتافا دائما بما احتوته إلى عباد الله المخلصين. وتتضمن تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم الخنوع للظلم والكفر وبغي أهلهما والهجرة من أرضهما إلى أرض الله الواسعة التي يجد المؤمن فيها الأمن والحرية والطمأنينة، ووعدا ربانيا دائما للمتقين المحسنين الصابرين بالعاقبة الحسنة في الدنيا قبل الآخرة. ولقد تكرر هذا الهتاف والوعد في آيات أخرى منها آية سورة النحل هذه :﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ٤١ ) ﴾ وآية سورة النساء هذه :﴿ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ( ١٠٠ ) ﴾.
ولقد اجتمع في الآية ثلاثة أخلاق من أكثر ما حث عليها القرآن ووعد المتخلقين بها بأحسن العواقب في الدنيا والآخرة وهي التقوى والإحسان والصبر، وبذلك تكون من الآيات المفردة في ذلك.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:في الآيات أوامر للنبي عليه السلام، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
وهي كما يتبادر لنا غير منفصلة عن السياق السابق، وقد احتوت تقريرات حاسمة كأنها تقريرات ختامية للموقف الذي ظل فيه الكفار مصرين معاندين وتعقيبا عليه. وقد هتف فيها بالمؤمنين بما هتف تثبيتا لقلوبهم وتطمينا لروعهم وحثا لهم على الصبر والتمسك بأهداب التقوى والإيمان والعمل الصالح. وتبشيرا لهم بالعاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة. واحتوت الآية الأخيرة تنديدا وإنذارا وتعنيفا لاذعا للمشركين متناسبا مع الموقف وباثا في الوقت نفسه الوثوق والاستعلاء في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه. فليعبدوا ما شاءوا من دون الله فهم الخاسرون يوم القيامة، ومن يكن خاسرا يوم القيامة فهو الخاسر لكل شيء.
تعليق على تكرر أمر الله في السورة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده مخلصا له الدين
والمتبادر أن أمر الله عز وجل للنبي عليه السلام بإعلان ما أمر بإعلانه هو لأجل قطع أي أمل لدى في تساهله معهم في صدد آلهتهم وشركائهم وتراجعه عما كان المشركون يبذلون جهدهم في سبيل تحقيقه على ما حكته آيات في سور أخرى سبق تفسيرها مثل سورتي القلم والإسراء.
ويلحظ أن مثل هذا الأمر ورد في مطلع السورة، وقد تكرر هذا لثالث مرة في موضع آخر في أواخر السورة أيضا ؛ حيث يمكن أن يدل على أن المشركين قد جددوا جهودهم واقتراحاتهم في ظروف نزول السورة.
تعليق على إلهام جملة :﴿ وأرض الله واسعة ﴾ بالهجرة إلى الحبشة :
والآية الأولى تلهم بالإضافة إلى ما قلناه أنها تحتوي إذنا ربانيا أو حثا ربانيا للمضطهدين من المؤمنين على الهجرة من مكة، وتبشيرا لمن يهاجر بأنه سوف يجد في أرض الله سعة، وبأن الله سييسر له ما تقر به عينه ويؤتيه أجر صبره وافيا بغير تقتير ولا حساب على ما يناله من أذى وجهد وفراق.
وهذا ما يستفاد من تأويلات الصدر الأول التي رواها المفسرون حيث رووا عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما أن فيها أمر للمسلمين بالهجرة من مكة. ولقد قال البغوي دون عزو إلى أحد : إنها نزلت في مهاجري الحبشة، وقال الخازن دون عزو إلى أحد : قيل إنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين هاجروا إلى الحبشة، ونرجح أن هذا القول من وحي الهجرة التي كانت في أواخر الهجرة الخامسة على ما يستفاد من روايات السيرة وبعبارة أخرى بعد هذه الآيات التي يخمن نزولها في مثل هذا الوقت، إذا ما لوحظ المقدار الذي نزل من القرآن قبلها.
والروايات تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على منعهم. قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم، فخرجت أولى قافلة منهم مؤلفة من عثمان بن عفان وزوجته سهلة بنت سهيل والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وزوجته ليلى وأبو سبرة بن أبي رهم وسهيل بن بيضاء رضي الله عنهم. والأسماء تدل على أن المهاجرين كلهم أو جلهم من بيوتات قريش حيث يزيل هذا ما يقع في الوهم أنهم من الفئات الضعيفة أو الفقيرة. وكل ما كان من أمر هو أن آباءهم وذويهم نقموا عليهم إسلامهم واضطهدوهم، وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الله بالهجرة. والروايات تذكر أنه بلغ المهاجرين خبر إسلام قريش فعادوا إلى مكة بعد أشهر فظهر لهم خطأ ما بلغهم فعاد أكثرهم ثانية إلى الحبشة وهاجر معهم عدد كبير آخر حيث بلغ عدد قافلتهم هذه المرة ٨٣ رجلا و١٧ امرأة جلهم من قريش.
ولقد حقق الله وعده للمهاجرين، وظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم ؛ حيث وجدوا الحماية والعناية من ملك الحبشة فأقاموا فيها آمنين مطمئنين إلى السنة السادسة بعد الهجرة أي إلى أن انعقد صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقريش. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أتى بهم إلى المدينة معززين مكرمين وهكذا ضرب الرعيل الأول من المسلمين أروع الأمثلة في التمسك بدين الله وتحمل مشاق الهجرة ومخاطرها ومفارقة الوطن والحرمان في سبيله.
التلقين المنطوي في الآية ﴿ قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم... ﴾ إلخ :
وبالإضافة إلى ما احتوته هذه الآية من حث المسلمين الأولين على الهجرة إلى أرض الله الواسعة فإنها بأسلوبها العام تتضمن هتافا دائما بما احتوته إلى عباد الله المخلصين. وتتضمن تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم الخنوع للظلم والكفر وبغي أهلهما والهجرة من أرضهما إلى أرض الله الواسعة التي يجد المؤمن فيها الأمن والحرية والطمأنينة، ووعدا ربانيا دائما للمتقين المحسنين الصابرين بالعاقبة الحسنة في الدنيا قبل الآخرة. ولقد تكرر هذا الهتاف والوعد في آيات أخرى منها آية سورة النحل هذه :﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ٤١ ) ﴾ وآية سورة النساء هذه :﴿ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ( ١٠٠ ) ﴾.
ولقد اجتمع في الآية ثلاثة أخلاق من أكثر ما حث عليها القرآن ووعد المتخلقين بها بأحسن العواقب في الدنيا والآخرة وهي التقوى والإحسان والصبر، وبذلك تكون من الآيات المفردة في ذلك.

ظلل : جمع ظلة وهي ما يخيم فوق الرأس ويحيط فوق الشيء. وهي بمعنى إحاطة النار بهم من فوقهم ومن تحتهم.
في الآيات :
بيان لمصير الخاسرين الذين ذكروا في الآية السابقة لها، فالنار ستحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم.
ولفت نظر عباد الله الصالحين إلى ما في هذا المصير من هون.
وتقرير كون الله إنما يوحي بذلك ليحذرهم منه ويدعوهم إلى اتقائه بالإيمان وصالح الأعمال.
وثناء وتنويه بالذين يجتنبون عبادة الأصنام ويخلصون في الاتجاه إلى الله وحده. فلهؤلاء البشرى وعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبشر عباد الله الذين يتروون فيما يسمعون ثم يتبعون أحسن ما فيه وهو دعوة الخير والهدى، فهم الذين يكون الله قد هداهم وهم ذوو العقول السليمة.
وتساؤل في معنى المقايسة بين من استحق العذاب بالكفر وبين المؤمنين المتقين. فإن مصير الأولين النار في حين أن الآخرين يحلون في الغرف العالية التي تجري من تحتها الأنهار.
وتقرير بكون هذا هو وعد الله الحق وأن الله لن يخلف الوعد.
وسؤال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عما إذا كان مستطيعا إنقاذ من في النار كأنما أريد بهذا السؤال تقرير كون الكافرين الذين استحقوا النار قد بيتوا الجحود والعناد فهم بمثابة من ألقى نفسه في النار، وإفهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل التطمين والتسلية أنه ليس من مهمته إرغام هؤلاء على الإيمان ولا هو بمستطيع ذلك.
الطاغوت : الراجح أنها صيغة مبالغة من الطغيان على وزن جبروت وملكوت. واستعملت في القرآن في معان متعددة متقاربة حيث استعملت في معنى الأصنام وفي معنى الشرك وفي معنى الشيطان وإبليس وفي معنى الشخص الشديد الكفر والبغي. والجامع في هذه المعاني شدة الطغيان والبغي والشر وأسبابها.
ولقد روي أن الآية [ ١٧ ] نزلت في إسلام عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد الذي تم على يد أبي بكر، كما روي أنها نزلت في زيد بن عمرو وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي رضي الله عنهم جميعا، ويلحظ أن الآية منسجمة مع السياق قبلها وبعدها انسجاما تاما، وأن معظم الذين ذكرت الرواية أسماءهم أسلموا منذ عهد مبكر، ومنهم من أسلم في العهد المدني مثل أبي ذر وسلمان في بعض الروايات. على أن هناك من قال إنها بقصد التنويه بالمؤمنين بصورة عامة. وهو الأوجه لاسيما أنه لم يرو أحد أنها نزلت لحدتها وإنما هي من سلسلة تامة متصلة السياق بما قبلها وما بعدها على ما هو المتبادر.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق الآية الأخيرة حديثا عن أبي سعيد الخدري قال :( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغهم غيرهم ؟ قال : بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ). وأورد ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن علي قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها. فقال أعرابي : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام ). وصيغة أخرى لهذا الحديث رواها الإمام أحمد أيضا عن مالك الأشعري قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى والناس نيام ). حيث ينطوي في الأحاديث صورة مما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلق به على الآيات القرآنية على سبيل التبشير والتشويق والتوضيح.
ويلفت النظر إلى الآية [ ١٨ ] وما في شطرها الأول بخاصة من قوة التنويه والتلقين والمدى. فذو العقل السليم واللب الطيب هو الذي يتروى في كل ما يسمعه ثم يتبع ما يكون فيه من الصواب والهدى دون أن يؤثر فيه غرض وهوى ؛ ولذلك فإنه يصح أن يكون من تلقينات القرآن العامة المدى والاستمرار في صدد من يتروى فيما يسمع ويتبع الصواب منه وفي وجوب ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات :
بيان لمصير الخاسرين الذين ذكروا في الآية السابقة لها، فالنار ستحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم.
ولفت نظر عباد الله الصالحين إلى ما في هذا المصير من هون.
وتقرير كون الله إنما يوحي بذلك ليحذرهم منه ويدعوهم إلى اتقائه بالإيمان وصالح الأعمال.
وثناء وتنويه بالذين يجتنبون عبادة الأصنام ويخلصون في الاتجاه إلى الله وحده. فلهؤلاء البشرى وعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبشر عباد الله الذين يتروون فيما يسمعون ثم يتبعون أحسن ما فيه وهو دعوة الخير والهدى، فهم الذين يكون الله قد هداهم وهم ذوو العقول السليمة.
وتساؤل في معنى المقايسة بين من استحق العذاب بالكفر وبين المؤمنين المتقين. فإن مصير الأولين النار في حين أن الآخرين يحلون في الغرف العالية التي تجري من تحتها الأنهار.
وتقرير بكون هذا هو وعد الله الحق وأن الله لن يخلف الوعد.
وسؤال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عما إذا كان مستطيعا إنقاذ من في النار كأنما أريد بهذا السؤال تقرير كون الكافرين الذين استحقوا النار قد بيتوا الجحود والعناد فهم بمثابة من ألقى نفسه في النار، وإفهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل التطمين والتسلية أنه ليس من مهمته إرغام هؤلاء على الإيمان ولا هو بمستطيع ذلك.
ويلفت النظر إلى الآية [ ١٨ ] وما في شطرها الأول بخاصة من قوة التنويه والتلقين والمدى. فذو العقل السليم واللب الطيب هو الذي يتروى في كل ما يسمعه ثم يتبع ما يكون فيه من الصواب والهدى دون أن يؤثر فيه غرض وهوى ؛ ولذلك فإنه يصح أن يكون من تلقينات القرآن العامة المدى والاستمرار في صدد من يتروى فيما يسمع ويتبع الصواب منه وفي وجوب ذلك.
ولقد روي١ أن الآية [ ١٧ ] نزلت في إسلام عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد الذي تم على يد أبي بكر، كما روي أنها نزلت في زيد بن عمرو وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي رضي الله عنهم جميعا، ويلحظ أن الآية منسجمة مع السياق قبلها وبعدها انسجاما تاما، وأن معظم الذين ذكرت الرواية أسماءهم أسلموا منذ عهد مبكر، ومنهم من أسلم في العهد المدني مثل أبي ذر وسلمان في بعض الروايات. على أن هناك من قال إنها بقصد التنويه بالمؤمنين بصورة عامة٢. وهو الأوجه لاسيما أنه لم يرو أحد أنها نزلت لحدتها وإنما هي من سلسلة تامة متصلة السياق بما قبلها وما بعدها على ما هو المتبادر.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق الآية الأخيرة حديثا عن أبي سعيد الخدري قال :( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغهم غيرهم ؟ قال : بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ). وأورد ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن علي قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها. فقال أعرابي : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام ). وصيغة أخرى لهذا الحديث رواها الإمام أحمد أيضا عن مالك الأشعري قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى والناس نيام ). حيث ينطوي في الأحاديث صورة مما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلق به على الآيات القرآنية على سبيل التبشير والتشويق والتوضيح.

غرف : جمع غرفة. وأصل معناها العلية أو المسكن العالي، والقصد هنا بيان أن أصحاب الجنة يسكنون القصور العالية المشرفة.
يهيج : يتم جفافه.
حطاما : فتاتا أو محطما مهشما.
المتبادر أن الآية غير منفصلة عن سابقاتها، وأنها جاءت بمثابة استطراد وتعقيب عليها لتنبيه الناس إلى ما يقع تحت مشاهدتهم من نزول المطر من السماء وتسربه إلى باطن الأرض ثم خروجه منها ينابيع وانسياحه على سطحها وما ينبت به من زرع مختلف الألوان، ثم يتم نضجه وجفافه ثم يصفر ثم يصبح حطاما. وفي كل هذا ذكرى لذوي العقول والإذعان. وقد قال بعض المفسرين : إن فيها تنبيها على أنه لا بد أن يكون للكون صانع مدبر، ودليلا على قدرة الله على بعث الناس وإعادتهم ثانية. وقال بعضهم : إن فيها تمثيلا لمظاهر الحياة للتحذير من الاغترار بها فكل ما يبدو فيها بهيجا عاقبته إلى الجفاف والدمار.
وكلا القولين وجيه، مع التنبيه إلى أن ما في القول الثاني من قصد التحذير من الاغترار بالدنيا لا يعني الدعوة إلى نفض اليد منها. فذلك ما نفاه القرآن في مواضيع عديدة، بل واستنكره في آية الأعراف هذه :﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ( ٣٢ ) ﴾ وإنما يعني التحذير من الاستغراق فيها استغراقا مسرفا ينسي المرء واجبه نحو الله والناس والمصير الأخروي الذي سوف يلقى فيه جزاء ما قدم بين يديه من خير وشر.
﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ( ٢٢ ) ﴾ [ ٢٢ ].
تساءلت الآية تساؤلا إنكاريا عمن هو الأفضل، أليس هو الذي شرح الله صدره فاهتدى وهو على نور من ربه ؟ ثم أنذرت ذوي القلوب القاسية التي لا تخشع ولا تلين عند ذكر الله وقررت أنهم في ضلال مبين.
وقد انطوى في الآية كما هو المتبادر جواب إيجابي بأفضلية الأولين كما احتوت تنويها بهم وتقريعا للكافرين وذوي القلوب القاسية.
والآية كما يبدو جاءت معقبة على الآية السابقة في صدد استخراج العبرة التي انطوت فيها والتي دعي أولو الألباب إلى تدبرها، فإذا كان الناس متنوعين في مشاربهم وميولهم فالأفضلية بطبيعة الحال هي للصالحين المهتدين بهدى الله ونوره.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآية حديثا عن عبد الله بن مسعود قال :( تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية فقلنا : يا رسول الله كيف انشراح صدره ؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، قلنا : يا رسول الله وما علامة ذلك، قال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت ). حيث ينطوي في الحديث صورة من ما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من محاورات في صدد الآيات القرآنية ومداها، وما كان من انتهاز الرسول صلوات الله عليه الفرصة لوعظ أصحابه وتهذيبهم وحفزهم على صالح الأعمال.
﴿ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾ :
متشابها : الراجح أن الكلمة هنا بمعنى حسن التساوق والانسجام في نظم القرآن ومحتوياته وأنها غير ما تعنيه جملة ﴿ وأخر متشابهات ﴾ في آية سورة آل عمران هذه :﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله.... ﴾.
مثاني : جمع مثنى، وهي إما أن تكون من التثنية بمعنى التكرار والترديد مرة بعد مرة، وإما من الثناء. وكلاهما مما يتحمله مفهوم الآية. فالمعنى الأول يعني ما جاء الأسلوب القرآني به من تكرار الوعظ والقصص والأمثال وترديدها. والمعنى الثاني يعني ما احتواه القرآن من صفات الله وأسمائه ومشاهد قدرته وتقرير استحقاقه للثناء والحمد.
في الآية تنويه بالقرآن الكريم وأثره، فالله قد أنزل على رسوله أحسن الكلام. وقد جاء في حسن التساوق والانسجام والمواعظ الروحانية أساليب الإنذار والتبشير والقصص وصفات الله وأسمائه الحسنى ومشاهد قدرته وعظمته ما من شأنه أن يثير في الذين يؤمنون بالله ويخافون شعور الرهبة والهيبة والخشوع فتقشعر جلودهم لذكر الله، ثم لا تلبث أن تستشعر بالسكينة والطمأنينة. وهذا من أثر هداية الله التي يوفق الله إليها من يشاء من عباده، أما من لم يوفقه إليها فلن ينتفع بذلك.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا له : لو حدثتنا فنزلت الآية. ومقتضى الرواية التي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة أن الله أنزل الآية ردا عليهم. والرواية في المعنى المتبادر منها محل توقف من دون ريب لأن أصحاب رسول الله الأولين رضوان الله عليهم أجل من أن يظنوا أن حديث رسول الله يضارع حديث الله أو يغني عنه. والشطر الثاني من الآية يدعم ذلك ويفسر مدى شطرها الأول ؛ حيث يسوغ القول إنها في صدد التنويه بالمؤمنين الأولين الذين اهتدوا وتأثروا بالقرآن ومواعظه وتساوقه وانسجامه وروحانيته أقوى التأثر. والآية بعد فيما هو المتبادر متصلة بسابقتها ومعقبة عليها. فقد احتوت السابقة تنويها بمن شرح الله صدره للإسلام وتنديدا بقساة القلوب عند ذكر الله، فجاءت هذه الآية تبين ما هو ذكر الله وما هو أثره في القلوب الصافية السليمة.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآية عن عروة بن الزبير قال : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر : كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعلون إذا قرىء عليهم القرآن ؟ قالت : كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم ). حيث ينطوي في الحديث توكيد تطبيقي لأثر القرآن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأولين رضي الله عنهم.
ومعجزة الآية في المؤمنين مستمرة المدى في كل ظرف ومكان، فلن يسمع القرآن مؤمن يخاف الله ولا يكابر في آية إلا استشعر بروحانيته وخشع قلبه له. ويستوي في هذا العربي الذي يفهم لغة القرآن والأعجمي إذا سمع ترجمة معانيه ترجمة صادقة.
هذا، وليس من محل للاستشكال في الآية بسبب الإطلاق في عبارة :﴿ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ( ٢٣ ) ﴾ فإن الإشكال يزول بآيات عديدة أخرى قرنت فيها هداية الله وإضلاله بأسبابها ونص فيها على أن الله إنما يضل الفاسقين والظالمين أي الذين فسدت أخلاقهم وساءت نياتهم، وإنما يهدي إليه من أناب أي من رغب في الحق والهدى على ما نبهنا إليه في مناسبات عديدة سابقة.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآية حديثا عن ابن عباس بن عبد المطلب قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها ). وحديثا آخر جاء فيه :( إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله حرمه الله على النار ). حيث ينطوي في الحديثين حث وترغيب للمسلمين في صدد مدى هذه الآية.
هذا، ولقد علقنا على موضوع ذكر الله وأثره وأوردنا ما ورد في ذلك من آثار فنكتفي هنا بهذا التنبيه بمناسبة ما احتوته الآيات من أثر ذكر الله في المؤمنين المخلصين.
في الآيات : تساؤل في معنى المقايسة بين الذي لا يجد ما يتقي به عذاب الله يوم القيامة إلا وجهه لأنه لم يقدم عملا صالحا يتقي به، وبين من يقدم هذا العمل الذي يتقي به من النار.
وحكاية تتضمن معنى الإنذار والتبكيت لما سوف يقال للظالمين الذين جنوا على نفوسهم بالكفر والانحراف عن طريق الحق والخير حينما يذوقون طعم ذلك العذاب حيث يقال لهم ذوقوا اليوم جزاء ما اجترحتم من الآثام.
وتذكير للكفار بالأمم السابقة التي كذبت رسلها مثلهم فحل فيها عذاب الله من حيث لا تشعر ولا تحسب وأذاقها الخزي في الحياة الدنيا.
وتقرير ينطوي على الإنذار بأن عذاب الآخرة الذي ينتظرهم سيكون أكبر وأشد لو فكروا وعلموا.
والآيات كما هو المتبادر متصلة بسابقاتها كذلك اتصال سياق وأسلوب وموضوع وقد جاءت في معرض التوكيد والبيان.
ومما يلفت النظر إليه تكرر التساؤل في معرض المقايسة في آيات السورة مما يسوغ القول إنها في صدد حكاية مواقف جدل ومناظرة أو ما هو بسبيل ذلك. ولعلها في ذات الوقت ردود على بعض كفار غلوا في الزهو والاعتدال بالنفس والمال والقوة، وفي الاستخفاف بالمؤمنين وضعفهم وفقرهم. فردت الآيات في معرض المناظرة والجدل ردودا متتابعة استهدفت بيان الفضل الحقيقي والتفوق الحقيقي في تقوى الله والمصير السعيد الذي سيصير إليه المؤمنون، والعذاب الأكبر الذي سيكون من نصيب الكافرين.
وفي مضامين الآيات يمكن أن يرى المتمعن قرائن على هذا أولا، كما أن مثل هذا الزهو والتبجح والاستخفاف مما حكته آيات قرآنية عديدة ثانيا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:في الآيات : تساؤل في معنى المقايسة بين الذي لا يجد ما يتقي به عذاب الله يوم القيامة إلا وجهه لأنه لم يقدم عملا صالحا يتقي به، وبين من يقدم هذا العمل الذي يتقي به من النار.
وحكاية تتضمن معنى الإنذار والتبكيت لما سوف يقال للظالمين الذين جنوا على نفوسهم بالكفر والانحراف عن طريق الحق والخير حينما يذوقون طعم ذلك العذاب حيث يقال لهم ذوقوا اليوم جزاء ما اجترحتم من الآثام.
وتذكير للكفار بالأمم السابقة التي كذبت رسلها مثلهم فحل فيها عذاب الله من حيث لا تشعر ولا تحسب وأذاقها الخزي في الحياة الدنيا.
وتقرير ينطوي على الإنذار بأن عذاب الآخرة الذي ينتظرهم سيكون أكبر وأشد لو فكروا وعلموا.
والآيات كما هو المتبادر متصلة بسابقاتها كذلك اتصال سياق وأسلوب وموضوع وقد جاءت في معرض التوكيد والبيان.
ومما يلفت النظر إليه تكرر التساؤل في معرض المقايسة في آيات السورة مما يسوغ القول إنها في صدد حكاية مواقف جدل ومناظرة أو ما هو بسبيل ذلك. ولعلها في ذات الوقت ردود على بعض كفار غلوا في الزهو والاعتدال بالنفس والمال والقوة، وفي الاستخفاف بالمؤمنين وضعفهم وفقرهم. فردت الآيات في معرض المناظرة والجدل ردودا متتابعة استهدفت بيان الفضل الحقيقي والتفوق الحقيقي في تقوى الله والمصير السعيد الذي سيصير إليه المؤمنون، والعذاب الأكبر الذي سيكون من نصيب الكافرين.
وفي مضامين الآيات يمكن أن يرى المتمعن قرائن على هذا أولا، كما أن مثل هذا الزهو والتبجح والاستخفاف مما حكته آيات قرآنية عديدة ثانيا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:في الآيات : تساؤل في معنى المقايسة بين الذي لا يجد ما يتقي به عذاب الله يوم القيامة إلا وجهه لأنه لم يقدم عملا صالحا يتقي به، وبين من يقدم هذا العمل الذي يتقي به من النار.
وحكاية تتضمن معنى الإنذار والتبكيت لما سوف يقال للظالمين الذين جنوا على نفوسهم بالكفر والانحراف عن طريق الحق والخير حينما يذوقون طعم ذلك العذاب حيث يقال لهم ذوقوا اليوم جزاء ما اجترحتم من الآثام.
وتذكير للكفار بالأمم السابقة التي كذبت رسلها مثلهم فحل فيها عذاب الله من حيث لا تشعر ولا تحسب وأذاقها الخزي في الحياة الدنيا.
وتقرير ينطوي على الإنذار بأن عذاب الآخرة الذي ينتظرهم سيكون أكبر وأشد لو فكروا وعلموا.
والآيات كما هو المتبادر متصلة بسابقاتها كذلك اتصال سياق وأسلوب وموضوع وقد جاءت في معرض التوكيد والبيان.
ومما يلفت النظر إليه تكرر التساؤل في معرض المقايسة في آيات السورة مما يسوغ القول إنها في صدد حكاية مواقف جدل ومناظرة أو ما هو بسبيل ذلك. ولعلها في ذات الوقت ردود على بعض كفار غلوا في الزهو والاعتدال بالنفس والمال والقوة، وفي الاستخفاف بالمؤمنين وضعفهم وفقرهم. فردت الآيات في معرض المناظرة والجدل ردودا متتابعة استهدفت بيان الفضل الحقيقي والتفوق الحقيقي في تقوى الله والمصير السعيد الذي سيصير إليه المؤمنون، والعذاب الأكبر الذي سيكون من نصيب الكافرين.
وفي مضامين الآيات يمكن أن يرى المتمعن قرائن على هذا أولا، كما أن مثل هذا الزهو والتبجح والاستخفاف مما حكته آيات قرآنية عديدة ثانيا.

في هذه الآيات :
تنويه بما احتواه القرآن من الأمثال المتنوعة التي ضربها الله تعالى للناس فيه بقصد حملهم على التدبر والتذكر.
وإشارة إلى أن القرآن الذي احتوى هذه الأمثال هو قرآن عربي لا عوج فيه ولا إغراب ولا تعقيد، وقد جعله الله كذلك حتى يفهمه السامعون بسهولة وتبعث فيهم أمثاله شعور تقوى الله.
ومثل مستأنف من جملة هذه الأمثال على سبيل المقايسة : فحالة المشركين والموحدين مثل حالة مملوكين أحدهما يملكه شركاء عديدون متنازعون عليه كل واحد منهم يجذبه إليه، وآخر لمالك واحد خالصا له لا ينازعه فيه أحد. فكما أن حالة هذين المملوكين ليست متساوية وكما أن المنطق يؤدي إلى تفضيل حالة المملوك لصاحب واحد، كذلك المشرك والموحد لا يمكن أن تكون متساوية ؛ لأن المشرك مقسم بين معبودات عديدة هو بينها بين جدب ودفع في حيرة من أمره لا يدري أيها أنفع وأيها يجب أن يخلص له الاتجاه أكثر من غيره في حين أن الموحد قد نجا من هذه الحيرة حيث عرف له ربا واحدا فأسلم نفسه إليه وجعل اعتماده عليه وحده. والمنطق يؤدي إلى تفضيل حالة الموحد على المشرك.
وانتهت الآيات بتقرير استحقاق الله وحده للحمد بعبارة أريد بها عدم تجويز العقل والمنطق أن يسوى بين الله والشركاء وتقريع المشركين على ما يبدو منهم من حمق وعدم إدراك وعلم ؛ لما في شركهم من سخف وضلال.
الآيات كما هو المتبادر تعقيب على سابقاتها واستمرار لها في السياق. والمثل الذي احتوته الآيات مقتطع من حياة العرب الذين كانوا أول من وجه القرآن إليهم ؛ حيث كان المملوك الواحد يقع أحيانا في ملك عدة شركاء وارثين فيكون في صدده مشادات ومشاحنات فيما بينهم. ومع ذلك فإنه مما يصح أن يكون عاما أيضا لأنه قائم على منطق صحيح يتسق مع كل ظرف وحال.
تعليق على جملة :﴿ قرآنا عربيا غير ذي عوج ﴾ : واستطراد إلى ما روي من معاني حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ومداه وإلى كتابة القرآن
والمتبادر أن الآية الثانية ليست في صدد تقرير كون لغة القرآن هي اللغة العربية ؛ لأن هذا تحصيل الحاصل، وإنما هي في صدد تقرير كون لغته العربية سليمة مأنوسة لا إغراب فيها ولا تعقيد ليستطيع السامعون على مختلف طبقاتهم أن يفهموه ويفهموا ما فيه من مواعظ وأمثال. وفي هذا رد قرآني على من قال : إن لغة القرآن كانت فوق مستوى مدارك العرب وأفهامهم وتوكيد بأن لغته هي اللغة التي كان يفهمها السامعون أو معظمهم على اختلاف فئاتهم ومنازلهم.
ولقد أشرنا إشارة عرضية إلى حدوث نزول القرآن على سبعة أحرف في سياق تعليقنا على التوراة والإنجيل في سورة الأعراف. وقد رأينا أن نستوفي الكلام عن ذلك، ونستطرد إلى قراءات القرآن في الوقت نفسه في مناسبات هذه الجملة، فنقول : إن هناك أحاديث وردت في الكتب الخمسة عن نزول القرآن على سبعة أحرف. منها حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي بن كعب جاء فيه :( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطبق ذلك. ثم أتاه الثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا ). ولفظ الترمذي :( يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط، قال : يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ). وحديث رواه مسلم عن أبي قال :( كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضيا الصلاة دخلنا جميعا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل هذا فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأا، فحسن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا، فقال لي : يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكما مسألة تسألنيها، فقلت : اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم ). وحديث رواه الشيخان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الله قال :( أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ). وحديث رواه الأربعة أن عمر بن الخطاب قال :( سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل إليه ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أرسله، ثم قال : اقرأ يا هشام، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هكذا أنزلت. ثم قال لي : اقرأ فقرأت فقال : هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه ).
ولقد تعددت تخريجات علماء القرآن للأحرف السبعة حتى بلغت اثنين وعشرين تخريجا منها الغريب الذي لا علاقة له بقراءة النص القرآني. وأوجهها وأرجحها عندنا هو أن المراد به سبعة أوجه للقراءة، أو سبعة أوجه يقع فيها تغاير في فتح ورفع وكسر وتقديم وتأخير وتخفيف وتشديد وإدغام. وروح الأحاديث تدعم ذلك فيما هو المتبادر، ويتسق مع روح الآية التي نحن في صددها، ومن الجدير بالتنبيه أن الاختلاف بين القراءات الصحيحة التي يعدها بعضهم سبعا وبعضهم عشرا يدور على الأغلب على : مخارج الحروف كالترقيق والتفخيم والميل إلى المخارج المجاورة. والأداء كالمد والقصر والوصل والتسكين والإمالة والإشمام. والرسم كالتشديد والتخفيف والإدغام والإظهار والهمز.
والتنقيط والحركات النحوية. وهذا كما هو واضح متصل بأمر التيسير والتسهيل في القراءة وبالتالي متسق مع وجهة النظر التي رجحناها.
وهناك مسألة هامة متفرعة عن هذه المسألة وهي كتابة القرآن، فإن من العلماء وقراء القرآن من أوجب الاحتفاظ في كتابة القرآن برسم المصحف العثماني، ومنهم من كره كتابته برسم آخر، ومنهم من حرمها. ولم نطلع على أقوال وأحاديث موثوقة متصلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أصحابه في هذا الشأن ؛ حيث يسوغ أن يقال إنها أقوال اجتهادية. ولما كان من المتواتر السائغ عند جميع المسلمين كتابة القرآن بخط غير خط مصحف عثمان الذي هو قريب من الرقعة حيث كتب المسلمون مصاحفهم بالخط الكوفي والخط الفارسي والخط الهمايوني والخط المغربي والخط المعلق والخط الثلث الخ…بدون حرج ولا إنكار فيكون التشديد هو في صدد طريقة الكتابة أي إملائها وليس في صدد الخط ذاته.
ويبدو أن التشديد متصل بروايات القراءات السبع أو العشر وبالقول إن هذه القراءات صحيحة كلها لأنها تقع في نطاق وحدة الرسم من ناحية، ومتصلة بالسماع المتسلسل الواصل إلى قراء الصحابة الذين تلقوا القرآن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ناحية أخرى، بحيث يراد القول : إن من شأن كتابة القرآن بغير الرسم العثماني، وبالخطوط الدارجة في الأزمنة التالية أن تحول دون قراءة الكلمات القرآنية بقراءات مختلفة يحتملها الرسم العثماني ومتصلة بقراء الصحابة فيكون في ذلك تحكم في تصويب قراءة وإبطال قراءة دون قراءة أو مؤد إليهما. وإن هذا هو ما تحرز العلماء والقراء في مختلف العصور تورعا وزيادة في التحري في تلاوة القرآن تلاوة قويمة صحيحة متصلة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين سمعوا منه وتلقوا عنه.
ومهما يبدو من وجاهة القول ونتائجه وبخاصة فوائده التي من أهمها احتفاظ المصاحف خلال ثلاثة عشر قرنا برسم واحد قد كتب وفاقا لما يكتب في عهد النبي وبإملائه وحفظ القرآن بذلك من التحريف والتشويه، ومن الخلافات التي لا بد من أن تنشأ بسبب تطور الخطوط من وقت لآخر وتبدلها في زمن لم يكن فيه مطابع ولا تصوير شمسي. والحيلولة دون تكرر المأساة التي أفزعت الخليفة عثمان بن عفان حينما علم أن المسلمين يقرأون القرآن قراءات مختلفة من مصاحف مختلفة في الإملاء والهجاء، وكل يدعي أن قراءته هي الصحيحة فحمله ذلك على توحيد هجاء القرآن وكتابته، فإننا نعتقد أنه ليس من شأن ذلك أن يمنع جواز كتابة المصحف بالخط الدارج على شرط مراعاة قراءة من القراءات المشهورة والنص على ذلك في مقدمة المصحف ؛ لأنه لا يوجد نص صريح ثابت متصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه يمنع ذلك فيما اطلعنا عليه، ولأننا نعتقد أن في ذلك تيسيرا واجبا لتعليم القرآن وتعلمه وحسن ضبطه وإلقائه. والرسم العثماني ليس توقيفيا كما قد يظن البعض، فليس هناك نص وثيق بل وغير وثيق متصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أصحابه في ذلك، وإنما هو في حقيقة الأمر الطريقة الدارجة للكتابة في ذلك العصر ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ ويكتب كان يملي ما يوحى إليه به على كتابه فيكتبونه وفق ما يعرفونه من طريقة الكتابة. وبين الرسم العثماني والخط الدارج فروق غير يسيرة، ومن العسير أن يتعلم القارئ الرسم العثماني بالإضافة إلى الرسم الدارج الذي ألفه في كتابته وقراءاته الأخرى. وما دامت طريقة الكتابة قد تطورت فإن تسويغ كتابة المصحف وفق الطريق الدارجة طبيعي أيضا، وخاصة بعد أن صار الاحتفاظ بالرسم العثماني ليكون المرجع والإمام مطبوعا ومصورا كما قلنا ممكنا إلى ما شاء الله. ويجب أن يلاحظ أن هناك مسلمين وغير مسلمين لا يتيسر لهم تلقي القرآن من قراء مجازين أو قراء تلقوا أو قرأوا أو سمعوا من قراء مجازين مما يصعب معه إتقان تلاوة القرآن برسمه العثماني بدونه. والمصاحف في متناول جميع الناس على اختلاف الملل والأجناس. وفي كتابته بالرسم الدارج منع لمغبة الغلط في قراءة كتاب الله وتشويهه وسوء فهمه وتفسيره، وتيسير واجب لنشر القرآن الذي هو من أهم واجبات المسلمين أيضا. ولاسيما أن الرسم العثماني محفوظ لن يبيد بما يوجد منه من ملايين النسخ المطبوعة وغير المطبوعة وبالتصوير الشمسي الذي فيه ضمانة لبقائه المرجع الإمام أبد الدهر. وقد رأينا للإمام ابن كثير في كتابه ( فضائل القرآن ) قولا يبيح كتابة المصحف على غير الرسم العثماني، وفي هذا توكيد وتوثيق لوجهة نظرنا.
متشاكسون : متنازعون.
سلما : بمعنى خالصا بدون منازع.
﴿ إنك ميت وإنهم ميتون ﴾ : وجه الخطاب في الآية الأولى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقررة أنه سوف يموت وأنهم سوف يموتون والراجح أن ضمير ( إنهم ) عائد إلى المشركين.
ووجه الخطاب في الآية الثانية للجميع بأسلوب الجمع المخاطب أي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين معا على ما هو المتبادر، مقررة أنهم سيقفون يوم القيامة أمام الله موقف الخصومة والتقاضي.
ولم نطلع على رواية في سبب نزول الآيات. ويتبادر لنا أنها ليست منقطعة عن السياق السابق وأنها في سلسلة الجدل والمناظرة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين.
ولقد ورد في سورة الطور هذه الآيات :﴿ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ( ٣٠ ) قل تربصوا فإني معكم من المتربصين( ٣١ ) ﴾ التي تفيد أن المشركين الكفار كانوا يقولون إن محمداً لن يلبث أن يموت فتنتهي حركته. ولقد ورد في سورة الأنبياء هذه الآية :﴿ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين مت فهم الخالدون( ٣٤ ) ﴾ التي تفيد ذلك أيضا ؛ حيث ينطوي في هذا صورة من صور السيرة النبوية والتشاد الناشب بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين.
والظاهر أنهم قالوا هذا أيضا في ظروف نزول السورة فاحتوت الآية الأولى ترديدا لقولهم واحتوت الثانية استدراكا وإنذارا بأن أمر الفريقين لن ينتهي بالموت حيث يرجعان إلى الله جميعا فيقضي بينهما بالحق.
تختصمون : تقفون موقف الخصومة والتقاضي.
تعليق على أحاديث مروية في سياق جملة ﴿ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ﴾ :
لقد روى البغوي وابن كثير وغيرهما في سياق هذه الآية حديثا جاء فيه :( أنه لما نزلت هذه الآية قال الزبير : يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه. قال الزبير : والله إن الأمر لشديد ). حيث ينطوي في هذا الحديث صورة من صور تعليق أصحاب رسول الله على الآيات وتوضيح نبوي ينطوي فيه العظة والتنبيه. إلى هذا الحديث روى المفسران المشار إليهما بضعة أحاديث أخرى منها حديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال : عشنا برهة من الدهر، وكنا نرى هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين. قلنا : كيف نختصم وديننا واحد ؟ وكتابنا واحد ؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت أنها فينا نزلت. ورووا مثل ذلك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نقول ربنا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة ؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا : نعم هو هذا. ورووا أيضا حديثا ثالثا عن إبراهيم قال : لما نزلت هذه الآية قالوا كيف نختصم ونحن إخوان ؟ فلما قتل عثمان قالوا : هذه خصومتنا. وهذه الأحاديث لم ترد في مساند الصحاح. والمتبادر أنها مما أخذ يروى أو يساق على هامش الآيات القرآنية نتيجة للخلاف والنزاع الذي وقع في آخر عهد عثمان وبعده واندمج فيه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأن نص الآية وما قبلها وما بعدها يدل دلالة قاطعة على أنها في حق فريقي الكفار المشركين والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين ولا يتحمل أن يصرف إلى المسلمين فقط في حال.
﴿ فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ( ٣٢ ) والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( ٣٣ ) لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ( ٣٤ ) ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ( ٣٥ ) ﴾ [ ٣٢ – ٣٥ ].
مثوى : مقام أو منزل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:عبارة الآيات واضحة، وقد تضمنت تقريرا تنديديا بأنه ليس من أحد أشد ظلما وجناية على نفسه ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه وهو القرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبأنه من الطبيعي أن تكون جهنم مثواه. ثم تقريرا تنويهيا بالمقابلة بمن جاء بالصدق وصدق به الذين هم المتقون والذين من الطبيعي أن يكون لهم عند الله ما يشتهون ويشاؤون ؛ لأن هذا هو جزاء المحسنين عنده. ولسوف يكفر الله عنهم أسوأ ما فرط منهم من ذنوب ويغفرها ويجزيهم أجرهم بأحسن ما عملوا جزاء استجابتهم وتصديقهم وتقواهم.
ولقد روى المفسرون أقوالا عديدة عن علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم في المقصود بمن ﴿ جاء بالصدق وصدق به ﴾ منها : أن الأول جبريل والثاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني أبو بكر. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني علي. وهذه الرواية انفرد فيها الطبرسي الذي عزاها إلى ابن عباس وقال : إنها المروية عن أئمة الهدى من آل محمد. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني كل مصدق مؤمن إلى يوم القيامة.
والذي يتبادر لنا أن الآيات جاءت معقبة على الآيتين السابقتين لها لتقرر نتائج الخصومة بين يدي الله استكمالا للاستدراك والإنذار ولتطهر حالة فريقي المؤمنين والمكذبين، وأنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والارعواء في المشركين وتبشير المؤمنين وتطمينهم. وأنها والحالة هذه عامة بحق الفريقين حاضرين ثم مستمرتا الشمول لكل مكذب كافر، ولكل مصدق مؤمن. وأن ذكر أبي بكر وعلي رضي الله عنهما هو قبيل ما أخذ يروى على هامش الآيات القرآنية من روايات تنافسية نتيجة لما صار يقع من تشاد بين الأحزاب الإسلامية في صدد الإسلام وما كان يساق من روايات وأقوال في المفاضلة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الآية الأخيرة تلقين جليل مستمر المدى في بث الأمل بالغفران الرباني لما يمكن أن يقترفه المؤمن المخلص من ذنوب. وهو ما تضمنته آيات عديدة مرت أمثلة منها.

جاء بالصدق : كناية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء برسالة الله وقرآنه وأصحابه الذين صدقوا به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:عبارة الآيات واضحة، وقد تضمنت تقريرا تنديديا بأنه ليس من أحد أشد ظلما وجناية على نفسه ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه وهو القرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبأنه من الطبيعي أن تكون جهنم مثواه. ثم تقريرا تنويهيا بالمقابلة بمن جاء بالصدق وصدق به الذين هم المتقون والذين من الطبيعي أن يكون لهم عند الله ما يشتهون ويشاؤون ؛ لأن هذا هو جزاء المحسنين عنده. ولسوف يكفر الله عنهم أسوأ ما فرط منهم من ذنوب ويغفرها ويجزيهم أجرهم بأحسن ما عملوا جزاء استجابتهم وتصديقهم وتقواهم.
ولقد روى المفسرون أقوالا عديدة عن علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم في المقصود بمن ﴿ جاء بالصدق وصدق به ﴾ منها : أن الأول جبريل والثاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني أبو بكر. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني علي. وهذه الرواية انفرد فيها الطبرسي الذي عزاها إلى ابن عباس وقال : إنها المروية عن أئمة الهدى من آل محمد. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني كل مصدق مؤمن إلى يوم القيامة.
والذي يتبادر لنا أن الآيات جاءت معقبة على الآيتين السابقتين لها لتقرر نتائج الخصومة بين يدي الله استكمالا للاستدراك والإنذار ولتطهر حالة فريقي المؤمنين والمكذبين، وأنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والارعواء في المشركين وتبشير المؤمنين وتطمينهم. وأنها والحالة هذه عامة بحق الفريقين حاضرين ثم مستمرتا الشمول لكل مكذب كافر، ولكل مصدق مؤمن. وأن ذكر أبي بكر وعلي رضي الله عنهما هو قبيل ما أخذ يروى على هامش الآيات القرآنية من روايات تنافسية نتيجة لما صار يقع من تشاد بين الأحزاب الإسلامية في صدد الإسلام وما كان يساق من روايات وأقوال في المفاضلة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الآية الأخيرة تلقين جليل مستمر المدى في بث الأمل بالغفران الرباني لما يمكن أن يقترفه المؤمن المخلص من ذنوب. وهو ما تضمنته آيات عديدة مرت أمثلة منها.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:عبارة الآيات واضحة، وقد تضمنت تقريرا تنديديا بأنه ليس من أحد أشد ظلما وجناية على نفسه ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه وهو القرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبأنه من الطبيعي أن تكون جهنم مثواه. ثم تقريرا تنويهيا بالمقابلة بمن جاء بالصدق وصدق به الذين هم المتقون والذين من الطبيعي أن يكون لهم عند الله ما يشتهون ويشاؤون ؛ لأن هذا هو جزاء المحسنين عنده. ولسوف يكفر الله عنهم أسوأ ما فرط منهم من ذنوب ويغفرها ويجزيهم أجرهم بأحسن ما عملوا جزاء استجابتهم وتصديقهم وتقواهم.
ولقد روى المفسرون أقوالا عديدة عن علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم في المقصود بمن ﴿ جاء بالصدق وصدق به ﴾ منها : أن الأول جبريل والثاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني أبو بكر. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني علي. وهذه الرواية انفرد فيها الطبرسي الذي عزاها إلى ابن عباس وقال : إنها المروية عن أئمة الهدى من آل محمد. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني كل مصدق مؤمن إلى يوم القيامة.
والذي يتبادر لنا أن الآيات جاءت معقبة على الآيتين السابقتين لها لتقرر نتائج الخصومة بين يدي الله استكمالا للاستدراك والإنذار ولتطهر حالة فريقي المؤمنين والمكذبين، وأنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والارعواء في المشركين وتبشير المؤمنين وتطمينهم. وأنها والحالة هذه عامة بحق الفريقين حاضرين ثم مستمرتا الشمول لكل مكذب كافر، ولكل مصدق مؤمن. وأن ذكر أبي بكر وعلي رضي الله عنهما هو قبيل ما أخذ يروى على هامش الآيات القرآنية من روايات تنافسية نتيجة لما صار يقع من تشاد بين الأحزاب الإسلامية في صدد الإسلام وما كان يساق من روايات وأقوال في المفاضلة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الآية الأخيرة تلقين جليل مستمر المدى في بث الأمل بالغفران الرباني لما يمكن أن يقترفه المؤمن المخلص من ذنوب. وهو ما تضمنته آيات عديدة مرت أمثلة منها.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:عبارة الآيات واضحة، وقد تضمنت تقريرا تنديديا بأنه ليس من أحد أشد ظلما وجناية على نفسه ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه وهو القرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبأنه من الطبيعي أن تكون جهنم مثواه. ثم تقريرا تنويهيا بالمقابلة بمن جاء بالصدق وصدق به الذين هم المتقون والذين من الطبيعي أن يكون لهم عند الله ما يشتهون ويشاؤون ؛ لأن هذا هو جزاء المحسنين عنده. ولسوف يكفر الله عنهم أسوأ ما فرط منهم من ذنوب ويغفرها ويجزيهم أجرهم بأحسن ما عملوا جزاء استجابتهم وتصديقهم وتقواهم.
ولقد روى المفسرون أقوالا عديدة عن علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم في المقصود بمن ﴿ جاء بالصدق وصدق به ﴾ منها : أن الأول جبريل والثاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني أبو بكر. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني علي. وهذه الرواية انفرد فيها الطبرسي الذي عزاها إلى ابن عباس وقال : إنها المروية عن أئمة الهدى من آل محمد. ومنها أن الأول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثاني كل مصدق مؤمن إلى يوم القيامة.
والذي يتبادر لنا أن الآيات جاءت معقبة على الآيتين السابقتين لها لتقرر نتائج الخصومة بين يدي الله استكمالا للاستدراك والإنذار ولتطهر حالة فريقي المؤمنين والمكذبين، وأنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والارعواء في المشركين وتبشير المؤمنين وتطمينهم. وأنها والحالة هذه عامة بحق الفريقين حاضرين ثم مستمرتا الشمول لكل مكذب كافر، ولكل مصدق مؤمن. وأن ذكر أبي بكر وعلي رضي الله عنهما هو قبيل ما أخذ يروى على هامش الآيات القرآنية من روايات تنافسية نتيجة لما صار يقع من تشاد بين الأحزاب الإسلامية في صدد الإسلام وما كان يساق من روايات وأقوال في المفاضلة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الآية الأخيرة تلقين جليل مستمر المدى في بث الأمل بالغفران الرباني لما يمكن أن يقترفه المؤمن المخلص من ذنوب. وهو ما تضمنته آيات عديدة مرت أمثلة منها.

﴿ أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ( ٣٦ ) ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ( ٣٧ ) ﴾ [ ٣٦ – ٣٧ ].
كاف : بمعنى كافل وحافظ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات سؤال في معنى التقرير والتوكيد بأن الله حافظ لعبده ورسوله وكافله. وإشارة وجه الخطاب فيها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تخويف المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بشركائهم من دون الله وتعقيب على ذلك بأن الذي يضله الله لا يمكن أن يهديه أحد والذي يهديه لا يمكن أن يضله أحد. وسؤال آخر في معنى التقرير والتوكيد والإنذار بأن الله قوي منتقم لن يعجز عن جاحديه ولن يفوته الانتقام منهم.
وقد روى المفسرون١ في سياق الآيات أن المشركين كانوا يخوفون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من انتقام معبوداتهم بسبب ما كان يوجهه إليهم من تسفيه وتنديد كما رووا ٢ أن المشركين خوفوا خالد بن الوليد من بطش العزى حينما أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليهدم بيتها. والحادث الأخير كان بعد فتح مكة. والخطاب موجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحيث يجب استبعاد الرواية الثانية والأخذ بالرواية الأولى مع القول إن الآيات لم تنزل لمناسبة جديدة من ذلك وإنما جاءت لتردد أقوال المشركين وترد عليها في سياق سلسلة الجدل والمناظرة التي هي حلقة منها وليست منفصلة عنها. وعلى كل حال ففي الآيات صورة أخرى مما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين.
ولقد نبهنا في مناسبات سابقة إلى وجوب الرجوع إلى الآيات التي تفيد إضلال الله للظالمين والفاسقين وهداية الله للمنيبين إليه المتقين لإزالة الإشكال الذي قد يرد في الآيات التي يرد ذلك فيها مطلقا. ونكرر هذا التنبيه بمناسبة هذه الآيات

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات سؤال في معنى التقرير والتوكيد بأن الله حافظ لعبده ورسوله وكافله. وإشارة وجه الخطاب فيها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تخويف المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بشركائهم من دون الله وتعقيب على ذلك بأن الذي يضله الله لا يمكن أن يهديه أحد والذي يهديه لا يمكن أن يضله أحد. وسؤال آخر في معنى التقرير والتوكيد والإنذار بأن الله قوي منتقم لن يعجز عن جاحديه ولن يفوته الانتقام منهم.
وقد روى المفسرون١ في سياق الآيات أن المشركين كانوا يخوفون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من انتقام معبوداتهم بسبب ما كان يوجهه إليهم من تسفيه وتنديد كما رووا ٢ أن المشركين خوفوا خالد بن الوليد من بطش العزى حينما أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليهدم بيتها. والحادث الأخير كان بعد فتح مكة. والخطاب موجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحيث يجب استبعاد الرواية الثانية والأخذ بالرواية الأولى مع القول إن الآيات لم تنزل لمناسبة جديدة من ذلك وإنما جاءت لتردد أقوال المشركين وترد عليها في سياق سلسلة الجدل والمناظرة التي هي حلقة منها وليست منفصلة عنها. وعلى كل حال ففي الآيات صورة أخرى مما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين.
ولقد نبهنا في مناسبات سابقة إلى وجوب الرجوع إلى الآيات التي تفيد إضلال الله للظالمين والفاسقين وهداية الله للمنيبين إليه المتقين لإزالة الإشكال الذي قد يرد في الآيات التي يرد ذلك فيها مطلقا. ونكرر هذا التنبيه بمناسبة هذه الآيات

﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ( ٣٨ ) ﴾ [ ٣٨ ].
جاءت الآية معقبة على ما سبقها ؛ حيث تقرر أولا تناقض المشركين العجيب في اتخاذهم شركاء مع الله مع أنهم لو سألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمن خلق السماوات والأرض لاعترفوا بأنه الله عز وجل، وحيث تأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثانيا بسؤالهم سؤالا يتضمن جواب النفي والتحدي والتهوين عما إذا كان هؤلاء الشركاء قادرين على دفع ضر يريده الله به أو منع رحمة يناله بها، وحيث تأمر النبي ثالثا بأن يعلن أن الله هو حسبه وكافيه وهو وحده الجدير بأن يتوكل عليه المتوكلون. والآية كما هو ظاهر قوية نافذة في سؤالها وتحديها وأمرها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعلن أن حسبه الله الذي يتوكل عليه المتوكلون.
والآية وإن كانت موجهة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتثبيته إزاء موقف المشركين فإن تلقيها مستمر المدى لكل مسلم في كل وقت. يستمد منها القوة والطمأنينة وعدم الخوف من غير الله وعدم الاعتماد والتوكل على غير الله، والوقوف في وجه المشركين به المنحرفين عن صراطه موقف القوة والتحدي والنضال. ولقد علقنا في مناسبة سابقة على التوكل عليه وما يهدف القرآن من الأمر بذلك من معالجة وتثبيت للمؤمنين المتوكلين على الله فنكتفي بهذا التنبيه.
﴿ قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون ( ٣٩ ) من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ( ٤٠ ) ﴾ [ ٣٩ –٤٠ ].
مكانتكم : هنا بمعنى على حالتكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:والآيتان معقبتان أيضا على ما سبقهما، وقد احتوتا أمرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول للمشركين استمروا إذا شئتم على حالتكم وضلالكم وأنا مستمر على ما أنا عليه. ولسوف تعلمون وترون أيا منا يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم دائم.
وفي ما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوله للمشركين تثبيت له من ناحية وإشعار بأنه في موقف المستعلي عليهم المتحدي لهم الواثق بأن عذاب الله وخزيه إنما سوف يحلان فيهم، وقد تكرر هذا في المناسبات العديدة المماثلة.

سورة الزمر
في السورة دعوة إلى الله وحده وتنويه بقدرته وعظمة مشاهد الكون، وحكاية لبعض عقائد المشركين وأقوالهم وحملة عليهم ومقايسات بين المؤمنين والكافرين، وتنويه بالقرآن وأثره في النفوس الطيبة، وتصوير رائع للبعث والقضاء بين الناس. وقد تخلل آيات السورة أمثال ومواعظ ومبادئ عامة، وتلهم بعض آياتها أن فيها إذنا للمؤمنين بالهجرة.
والمقايسات التي فيها جاءت بأسلوب نظمي خاص يجعله خصوصية من خصوصيات السورة. وفصولها مترابطة تسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة.
وقد روى المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيات [ ٥٢ – ٥٤ ] مدنية، وانسجامها في السياق موضوعا وسبكا يسوغ الشك في ذلك.
ولقد روى الترمذي عن عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل ) حيث ينطوي في الحديث عناية نبوية خاصة بهاتين السورتين لا بد لهما من حكمة قد يكون منها ما احتوتاه من مواعظ وحكم وتنويه بالقرآن. وفي الحديث دلالة على أن هذه السورة كانت تامة الترتيب معروفة الاسم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
﴿ إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل ( ٤١ ) ﴾ [ ٤١ ].
والآية أيضا استمرار في التعقيب. وقد وجه الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فالله قد أنزل عليه الكتاب لإنذار الناس ودعوتهم إلى الحق ثم هم وشأنهم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه وينقذ نفسه، ومن ضل فإنما يضر نفسه ويهلك نفسه وليس هو وكيلا عليهم ولا مسؤولا عنهم.
ولعل الآية قد جاءت إنهاء لموقف الجدل والمناظرة التي ما فتئت الآيات السابقة تذكر صوره، مما تكرر في المواقف المماثلة ومرت منه أمثلة عديدة.
وجملة ﴿ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ من التعبيرات الحاسمة والمحكمة المقررة لقابلية الناس للإختيار بين الهدى والضلال وتحمل مسؤولية اختيارهم والتي تكررت كثيرا ومرت أمثلة عديدة منها في السور السابقة. وتصح أن تكون ضابطا من الضوابط القرآنية في مداها، ومرجعا لإزالة ما قد يبدو في بعض الآيات من إشكالات ظاهرة.
﴿ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( ٤٢ ) ﴾ [ ٤٢ ].
تعددت الأقوال والتأويلات التي أوردها المفسرون١ للشطر الأول من الآية. من ذلك أنه يعني أن الله يقبض أرواح الناس إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتلتقي وتتعارف ما شاء الله، ثم يمسك التي تكون ماتت ويرسل الأخرى لتعود إلى أجسام أصحابها إلى أن ينتهي الأجل المعين لها. ومن ذلك أنه يعني أن لكل إنسان نفسين نفس الحياة، وهي التي تفارقه عند الموت فيكون الموت ونفس التمييز، وهي التي تفارقه عند النوم وإن الله تعالى يتوفاهما كلتيهما فيمسك التي قضى على أصحابها الموت ويرسل التي لم يكن قضاه على أصحابها. ومنها أن للروح شعاعا مخيما تخرج الروح من الجسم بالنوم يبقى شعاعها الذي فيه مظاهر حياته فإذا ما قضى الله على صاحبها الموت يخرج الشعاع أيضا. وإذا لم يكن قضى عليه الموت تعود إليه الروح فتكون اليقظة. وليس شيء من هذه التعريفات معزوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو واردا في مساند الصحاح.
والذي يتبادر لنا أولا أن الآية غير منقطعة عن السياق الذي قررت بعض آياته أن الله هو وحده النافع الضار، خالق الأكوان والمتصرف فيها وأن المعبودات التي يشركها المشركون قد لا تملك جلب نفع ولا دفع ضر فجاءت هذه الآية تقرر شيئا آخر مماثلا في صدد الموت والحياة وكونهما في يد الله وحده كذلك. وأن أسلوبها تمثيلي بسبيل التدليل على شمول حكم الله وتصرفه في كونه ومخلوقاته تصرفا مطلقا في كل حال، وأن ما جاء فيها هو مستمد مما كان السامعون يشاهدونه ويعتقدونه في حالات النوم واليقظة والموت. وفي الشطر الثاني من الآية دليل على هذا القصد حيث يهتف بالسامعين بأن في ذلك آيات دالة على قدرة الله ومطلق تصرفه لمن يريد ويتفكر في آياته. ولسنا نرى والحالة هذه طائلا في التخمين أو التوفيق بين ما جاء في الآية وما عرف من نواميس الحياة ونرى الأولى الوقوف في الأمر ؛ حيث وقف القرآن واستهدفه من العبرة والتدليل في نطاق ما شرحناه ونرجو أن يكون فيه الصواب إن شاء الله.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي..
﴿ أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ( ٤٣ ) قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون ( ٤٤ ) ﴾ [ ٤٣ – ٤٤ ].
في الآيات تساؤل ينطوي على التقريع والتسفيه عن حقيقة الشفعاء الذين اتخذهم المشركون من دون الله وأشركوهم معه في العبادة والدعاء، وأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسألهم سؤالا ينطوي على التحدي والتنديد عما إذا كان يجوز في عقل ومنطق أن يشركوهم مع الله ولو لم يكن لهم من أمر الكون شيء ولو لم يعقلوا شيئا مما يوجه إليهم من دعاء وعبادة. وأمر آخر له بأن يقرر أن الشفاعة جميعا هي لله وحده الذي له ملك السماوات والأرض وإليه مرجع الجميع في النهاية.
في الآيات عود على بدء في صدد محاججة الكفار وحكاية عقائدهم وتسفيههم عليها. وهي من هذه الناحية ليست منقطعة الصلة بالآيات السابقة سياقا وموضوعا، ولعلها من ناحية ما استمرار لما احتوته تلك الآيات من حجج مفحمة بسبيل توكيد عجز شفعائهم وشركائهم عجزا تاما في جميع الحالات.
وتعبير ﴿ لله الشفاعة ﴾ هنا تعبير أسلوبي على ما يتبادر لمقابلة تعبير ﴿ شفعاء ﴾ وما يرتجى منهم من الشفاعة. والمقصد منه تقرير كون دفع الضرر وجلب الخير اللذين يتوسل بالشفعاء لدى الله لنيلهما هما في يد الله وحده وأنه هو وحده المرجى.
وتعبير ﴿ ولا يعقلون ( ٤٣ ) ﴾ في الآية الأولى يلهم أن المقصود من الشفعاء هنا هو الأصنام لا الملائكة. هذا في حين أن آيات عديدة أخرى، ومنها ما ورد في هذه السورة تقرر أن المشركين كانوا يتخذون الملائكة شفعاء لهم عند الله. ولقد ذكرنا في سياق تفسير سورة النجم أن المشركين كانوا يعبدون أصنام اللاة والعزى ومناة على اعتبار أنها رموز للملائكة أو هياكل لها في الأرض، استلهاما من روح الآيات ومضامينها. فيقيمون عندها طقوسهم ويقربون عندها قرابينهم على هذا الاعتبار، وبهذا يزول الإشكال ويتم التساوق كما هو المتبادر.
على أن من المحتمل أن يكون بعض المشركين كانوا ينسون الرمزية في الأصنام ويتوسلون بها إلى الله مباشرة، وأن الآية قد قصدت ذلك في تنديدها ووصفها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:﴿ أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ( ٤٣ ) قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون ( ٤٤ ) ﴾ [ ٤٣ – ٤٤ ].
في الآيات تساؤل ينطوي على التقريع والتسفيه عن حقيقة الشفعاء الذين اتخذهم المشركون من دون الله وأشركوهم معه في العبادة والدعاء، وأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسألهم سؤالا ينطوي على التحدي والتنديد عما إذا كان يجوز في عقل ومنطق أن يشركوهم مع الله ولو لم يكن لهم من أمر الكون شيء ولو لم يعقلوا شيئا مما يوجه إليهم من دعاء وعبادة. وأمر آخر له بأن يقرر أن الشفاعة جميعا هي لله وحده الذي له ملك السماوات والأرض وإليه مرجع الجميع في النهاية.
في الآيات عود على بدء في صدد محاججة الكفار وحكاية عقائدهم وتسفيههم عليها. وهي من هذه الناحية ليست منقطعة الصلة بالآيات السابقة سياقا وموضوعا، ولعلها من ناحية ما استمرار لما احتوته تلك الآيات من حجج مفحمة بسبيل توكيد عجز شفعائهم وشركائهم عجزا تاما في جميع الحالات.
وتعبير ﴿ لله الشفاعة ﴾ هنا تعبير أسلوبي على ما يتبادر لمقابلة تعبير ﴿ شفعاء ﴾ وما يرتجى منهم من الشفاعة. والمقصد منه تقرير كون دفع الضرر وجلب الخير اللذين يتوسل بالشفعاء لدى الله لنيلهما هما في يد الله وحده وأنه هو وحده المرجى.
وتعبير ﴿ ولا يعقلون ( ٤٣ ) ﴾ في الآية الأولى يلهم أن المقصود من الشفعاء هنا هو الأصنام لا الملائكة. هذا في حين أن آيات عديدة أخرى، ومنها ما ورد في هذه السورة تقرر أن المشركين كانوا يتخذون الملائكة شفعاء لهم عند الله. ولقد ذكرنا في سياق تفسير سورة النجم أن المشركين كانوا يعبدون أصنام اللاة والعزى ومناة على اعتبار أنها رموز للملائكة أو هياكل لها في الأرض، استلهاما من روح الآيات ومضامينها. فيقيمون عندها طقوسهم ويقربون عندها قرابينهم على هذا الاعتبار، وبهذا يزول الإشكال ويتم التساوق كما هو المتبادر.
على أن من المحتمل أن يكون بعض المشركين كانوا ينسون الرمزية في الأصنام ويتوسلون بها إلى الله مباشرة، وأن الآية قد قصدت ذلك في تنديدها ووصفها.

﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ( ٤٥ ) قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ( ٤٦ ) ﴾ [ ٤٥ – ٤٦ ].
اشمأزت : نفرت وانقبضت.
يستبشرون : يظهرون البشر والفرح والسرور.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآية الأولى صورة من صور مواقف الكفار. فإذا ذكر الله وحده انقبضت قلوبهم ونفروا في حين أنهم يسرون ويستبشرون إذا ما ذكر شركاؤه. وفي الآية الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتجاه إلى الله تجاه هذا الموقف الباطل السخيف قائلا : اللهم خالق السماوات والأرض عالم الخفي والظاهر والحاضر والمستقبل أنت الذي تقضي بين عبادك فيما هم فيه مختلفون فتؤيد الحق وأهله وتزهق الباطل وحزبه وتجزي كلا منهم بما يستحقه.
والآيتان متصلتان بما سبقهما اتصال سياق وموضوع كما هو واضح، وقد انطوى فيهما تبكيت على سخف المشركين وضلالهم في موقفهم بعد أن لزمتهم الحجة التي كان من مظاهرها إظهار عجز الشركاء عجزا مطلقا في كل شيء. كما انطوى فيهما تثبيت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإشعار بالوثوق والاستعلاء في موقفه من المشركين.
وجملة ﴿ الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ كوصف للمشركين تنطوي على توكيد كون موقفهم ناشئا عن عدم إيمانهم بالآخرة، وبعبارة أخرى عن عدم خوفهم من العواقب بعد الموت. وقد تكرر هذا أكثر من مرة. ومرت أمثلة منه. ؟ وينطوي فيه حكمة من حكم الله عز وجل في الحياة الأخروية والإنذار القرآني المستمر بها ؛ لأن الخوف منها يجعل الإنسان يرعوي عن موقف الإثم والضلال والانحراف.
ولقد روى البغوي في سياق الآية الثانية أن عائشة قالت :( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفتتح صلاة الليل بقوله : اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ). وأورد ابن كثير في سياقها حديثا رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من قال اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد إلا قال عز وجل لملائكته يوم القيامة : إن عبدي قد عهد إلي عهدا فأوفوه إياه فيدخله الله الجنة ). وحديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي راشد الحبراني قال :( أتيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقلت له حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فألقى بين يدي صحيفة فقال : هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظرت فيها فإذا فيها أن أبا بكر الصديق قال : يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت ؟ فقال له : قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه أن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم ) حيث ينطوي في الأحاديث صورة من صور استلهام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية في مناجاة ربه في الليل وتعليمه مثل ذلك لأصحابه.

عالم الغيب والشهادة : العالم الظاهر والخفي أو الحاضر والمستقبل والشهادة تعني الحاضر أو الظاهر.
تحكم : تقضي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآية الأولى صورة من صور مواقف الكفار. فإذا ذكر الله وحده انقبضت قلوبهم ونفروا في حين أنهم يسرون ويستبشرون إذا ما ذكر شركاؤه. وفي الآية الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتجاه إلى الله تجاه هذا الموقف الباطل السخيف قائلا : اللهم خالق السماوات والأرض عالم الخفي والظاهر والحاضر والمستقبل أنت الذي تقضي بين عبادك فيما هم فيه مختلفون فتؤيد الحق وأهله وتزهق الباطل وحزبه وتجزي كلا منهم بما يستحقه.
والآيتان متصلتان بما سبقهما اتصال سياق وموضوع كما هو واضح، وقد انطوى فيهما تبكيت على سخف المشركين وضلالهم في موقفهم بعد أن لزمتهم الحجة التي كان من مظاهرها إظهار عجز الشركاء عجزا مطلقا في كل شيء. كما انطوى فيهما تثبيت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإشعار بالوثوق والاستعلاء في موقفه من المشركين.
وجملة ﴿ الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ كوصف للمشركين تنطوي على توكيد كون موقفهم ناشئا عن عدم إيمانهم بالآخرة، وبعبارة أخرى عن عدم خوفهم من العواقب بعد الموت. وقد تكرر هذا أكثر من مرة. ومرت أمثلة منه. ؟ وينطوي فيه حكمة من حكم الله عز وجل في الحياة الأخروية والإنذار القرآني المستمر بها ؛ لأن الخوف منها يجعل الإنسان يرعوي عن موقف الإثم والضلال والانحراف.
ولقد روى البغوي في سياق الآية الثانية أن عائشة قالت :( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفتتح صلاة الليل بقوله : اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ). وأورد ابن كثير في سياقها حديثا رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من قال اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد إلا قال عز وجل لملائكته يوم القيامة : إن عبدي قد عهد إلي عهدا فأوفوه إياه فيدخله الله الجنة ). وحديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي راشد الحبراني قال :( أتيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقلت له حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فألقى بين يدي صحيفة فقال : هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظرت فيها فإذا فيها أن أبا بكر الصديق قال : يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت ؟ فقال له : قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه أن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم ) حيث ينطوي في الأحاديث صورة من صور استلهام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية في مناجاة ربه في الليل وتعليمه مثل ذلك لأصحابه.

﴿ ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( ٤٧ ) وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( ٤٨ ) ﴾ [ ٤٧ – ٤٨ ].
ما لم يكونوا يحتسبون : ما لم يكن قد خطر ببالهم من هول وعذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيتين إشارة إلى هول ما سوف يلقاه المشركون الظالمون لأنفسهم يوم القيامة، حيث يعرضون لعذاب يكون من الشدة ما يهون عليهم معه أن يفتدوا منه بملك الدنيا وما فيها ومثله معه لو كانوا يملكونه، وحيث يرون من نكال الله وغضبه ما لم يكن يخطر لهم ببال وحساب، وحيث يعاينون سوء آثامهم التي ارتكبوها، وحيث يحيق بهم ما كانوا يستخفون به ويستهزئون منه.
والآيتان متصلتان بما سبقهما اتصال سياق وموضوع أيضا، وقد استهدفتا فيما استهدفتاه على ما هو المتبادر إثارة الرعب في قلوب المشركين وحملهم على الارتداع والارعواء، وينطوي فيهما صورة لما كان عليه المشركون من شدة عناد ومكابرة وما كان يبدوا منهم من استخفاف واستهتار وهزء بالدعوة النبوية والنذر الأخروية.

سيئات ما كسبوا : سوء نتائج آثامهم التي ارتكبوها بظلمهم وشركهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيتين إشارة إلى هول ما سوف يلقاه المشركون الظالمون لأنفسهم يوم القيامة، حيث يعرضون لعذاب يكون من الشدة ما يهون عليهم معه أن يفتدوا منه بملك الدنيا وما فيها ومثله معه لو كانوا يملكونه، وحيث يرون من نكال الله وغضبه ما لم يكن يخطر لهم ببال وحساب، وحيث يعاينون سوء آثامهم التي ارتكبوها، وحيث يحيق بهم ما كانوا يستخفون به ويستهزئون منه.
والآيتان متصلتان بما سبقهما اتصال سياق وموضوع أيضا، وقد استهدفتا فيما استهدفتاه على ما هو المتبادر إثارة الرعب في قلوب المشركين وحملهم على الارتداع والارعواء، وينطوي فيهما صورة لما كان عليه المشركون من شدة عناد ومكابرة وما كان يبدوا منهم من استخفاف واستهتار وهزء بالدعوة النبوية والنذر الأخروية.

﴿ فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ٤٩ ) قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( ٥٠ ) فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين ( ٥١ ) أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( ٥٢ ) ﴾ [ ٤٩ – ٥٢ ].
فتنة : اختبار وامتحان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآية الأولى تشير إلى خلق في الناس، فإذا ما نزل في إنسان ضر وضيق وعسر دعا الله لكشفه فإذا استجاب له وأزاله عنه وبدله نعمة ويسرا جحد الله وزعم أن ما ناله إنما بسعيه وعلمه وبراعته. وقد احتوت الآية ردا على هذا الجحود ؛ حيث قررت أن ما يمنحه الناس من نعم وما يصابون به من مصائب هو من قبيل الامتحان الرباني ولكن أكثر الناس يغفلون عن هذه الحقيقة.
والآيتان الثانية والثالثة تقرران أن مثل هذا الجحود وتلكم الدعوى قد كان من الأمم السابقة فلم ينفعهم ما نالوه وكسبوه ولم يلبثوا أن وقعوا في شر جحودهم وأصابهم ما استحقوا من عقاب الله عليه. وأن الظالمين من السامعين للقرآن هم أيضا سيقعون في شر آثامهم ويصيبهم ما يستحقون من عقاب الله بدورهم، وليس الله عاجزا عنهم ولن يستطيعوا الإفلات منه.
أما الآية الرابعة فقد احتوت سؤالا استنكاريا موجها لهؤلاء السامعين الظالمين عما إذا كانوا لا يعلمون أن بسط الرزق وقبضه هما في يد الله يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء وفقا لمقتضيات حكمته. ثم انتهت بتقرير كون هذا ينطوي على آيات ربانية لينتفع بتدبرها المؤمنون، وصيغة السؤال وروح الآية معا تلهمان أن السامعين يعلمون ما قررته الآية، ولهذا فإن التنديد جاء قويا محكما. وقد سجلت آيات عديدة عليهم ذلك من جملتها الآية [ ٣٩ ] من هذه السورة، والآية [ ٣١ ] من سورة يونس هذه :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ( ٣١ ) ﴾.
وهذه الآيات أيضا متصلة بالسياق أو استمرار له في صدد تقريع الكفار المشركين على مواقف عنادهم وجحودهم على مختلف صورها، و( فاء ) التعقيب التي بدأت بها قرينة على ذلك بالإضافة إلى ما فيها من تساوق في صدد مواقف الكفار التي ما فتئت الآيات السابقة تحكيها.
تعليق على جملة
﴿ فإذا مس الإنسان ضر ﴾
وما بعدها وما فيها من تلقين
ومع ما يتبادر من خصوصية هذه الآيات الزمنية فإنها تصح أن تكون موعظة من مواعظ القرآن وتلقيناته الشاملة المستمرة في صدد تنبيه الناس أولا : إلى ما في جحود نعم الله وما في ذكره في الشدة ونسيانه في الرخاء من تناقض وإثم. وثانيا : إلى كون ما يمنحه الناس من نعمة ويسر بدءا أو بعد شدة وضر هو اختبار رباني وليس حظوة منه واختصاصا. وثالثا : إلى ما يجب على أمثال هؤلاء الناس من ذكر الله وشكره والقيام بواجباتهم نحوه ونحو الناس وعدم الاستشعار بالبطر والزهو والاعتداد بالنفس في حالة اليسر والصبر في حالة العسر.
وقد انطوى في الفقرة الأخيرة من الآية تلقين جليل خاص وهو تقرير أثر الإيمان في رضاء النفس وطمأنينتها ؛ حيث يساعد صاحبه على لمس يد الله وقدرته في جميع الأمور فيشكره في حالة اليسر ويتحمل صابرا راضي النفس مطمئن القلب في حالة الشدة والعسر.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٥٢ ] مدنية، ويلحظ أنها منسجمة انسجاما تاما مع الآيات سبكا وموضوعا، وأن فيها تتمة لما قبلها، وكل هذا مما يسوغ الشك في رواية مدنيتها.

فما أغنى عنهم : فما نفعهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآية الأولى تشير إلى خلق في الناس، فإذا ما نزل في إنسان ضر وضيق وعسر دعا الله لكشفه فإذا استجاب له وأزاله عنه وبدله نعمة ويسرا جحد الله وزعم أن ما ناله إنما بسعيه وعلمه وبراعته. وقد احتوت الآية ردا على هذا الجحود ؛ حيث قررت أن ما يمنحه الناس من نعم وما يصابون به من مصائب هو من قبيل الامتحان الرباني ولكن أكثر الناس يغفلون عن هذه الحقيقة.
والآيتان الثانية والثالثة تقرران أن مثل هذا الجحود وتلكم الدعوى قد كان من الأمم السابقة فلم ينفعهم ما نالوه وكسبوه ولم يلبثوا أن وقعوا في شر جحودهم وأصابهم ما استحقوا من عقاب الله عليه. وأن الظالمين من السامعين للقرآن هم أيضا سيقعون في شر آثامهم ويصيبهم ما يستحقون من عقاب الله بدورهم، وليس الله عاجزا عنهم ولن يستطيعوا الإفلات منه.
أما الآية الرابعة فقد احتوت سؤالا استنكاريا موجها لهؤلاء السامعين الظالمين عما إذا كانوا لا يعلمون أن بسط الرزق وقبضه هما في يد الله يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء وفقا لمقتضيات حكمته. ثم انتهت بتقرير كون هذا ينطوي على آيات ربانية لينتفع بتدبرها المؤمنون، وصيغة السؤال وروح الآية معا تلهمان أن السامعين يعلمون ما قررته الآية، ولهذا فإن التنديد جاء قويا محكما. وقد سجلت آيات عديدة عليهم ذلك من جملتها الآية [ ٣٩ ] من هذه السورة، والآية [ ٣١ ] من سورة يونس هذه :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ( ٣١ ) ﴾.
وهذه الآيات أيضا متصلة بالسياق أو استمرار له في صدد تقريع الكفار المشركين على مواقف عنادهم وجحودهم على مختلف صورها، و( فاء ) التعقيب التي بدأت بها قرينة على ذلك بالإضافة إلى ما فيها من تساوق في صدد مواقف الكفار التي ما فتئت الآيات السابقة تحكيها.
تعليق على جملة
﴿ فإذا مس الإنسان ضر ﴾
وما بعدها وما فيها من تلقين
ومع ما يتبادر من خصوصية هذه الآيات الزمنية فإنها تصح أن تكون موعظة من مواعظ القرآن وتلقيناته الشاملة المستمرة في صدد تنبيه الناس أولا : إلى ما في جحود نعم الله وما في ذكره في الشدة ونسيانه في الرخاء من تناقض وإثم. وثانيا : إلى كون ما يمنحه الناس من نعمة ويسر بدءا أو بعد شدة وضر هو اختبار رباني وليس حظوة منه واختصاصا. وثالثا : إلى ما يجب على أمثال هؤلاء الناس من ذكر الله وشكره والقيام بواجباتهم نحوه ونحو الناس وعدم الاستشعار بالبطر والزهو والاعتداد بالنفس في حالة اليسر والصبر في حالة العسر.
وقد انطوى في الفقرة الأخيرة من الآية تلقين جليل خاص وهو تقرير أثر الإيمان في رضاء النفس وطمأنينتها ؛ حيث يساعد صاحبه على لمس يد الله وقدرته في جميع الأمور فيشكره في حالة اليسر ويتحمل صابرا راضي النفس مطمئن القلب في حالة الشدة والعسر.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٥٢ ] مدنية، ويلحظ أنها منسجمة انسجاما تاما مع الآيات سبكا وموضوعا، وأن فيها تتمة لما قبلها، وكل هذا مما يسوغ الشك في رواية مدنيتها.

والذين ظلموا : هنا بمعنى والذين أجرموا وأثموا وانحرفوا عن الحق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآية الأولى تشير إلى خلق في الناس، فإذا ما نزل في إنسان ضر وضيق وعسر دعا الله لكشفه فإذا استجاب له وأزاله عنه وبدله نعمة ويسرا جحد الله وزعم أن ما ناله إنما بسعيه وعلمه وبراعته. وقد احتوت الآية ردا على هذا الجحود ؛ حيث قررت أن ما يمنحه الناس من نعم وما يصابون به من مصائب هو من قبيل الامتحان الرباني ولكن أكثر الناس يغفلون عن هذه الحقيقة.
والآيتان الثانية والثالثة تقرران أن مثل هذا الجحود وتلكم الدعوى قد كان من الأمم السابقة فلم ينفعهم ما نالوه وكسبوه ولم يلبثوا أن وقعوا في شر جحودهم وأصابهم ما استحقوا من عقاب الله عليه. وأن الظالمين من السامعين للقرآن هم أيضا سيقعون في شر آثامهم ويصيبهم ما يستحقون من عقاب الله بدورهم، وليس الله عاجزا عنهم ولن يستطيعوا الإفلات منه.
أما الآية الرابعة فقد احتوت سؤالا استنكاريا موجها لهؤلاء السامعين الظالمين عما إذا كانوا لا يعلمون أن بسط الرزق وقبضه هما في يد الله يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء وفقا لمقتضيات حكمته. ثم انتهت بتقرير كون هذا ينطوي على آيات ربانية لينتفع بتدبرها المؤمنون، وصيغة السؤال وروح الآية معا تلهمان أن السامعين يعلمون ما قررته الآية، ولهذا فإن التنديد جاء قويا محكما. وقد سجلت آيات عديدة عليهم ذلك من جملتها الآية [ ٣٩ ] من هذه السورة، والآية [ ٣١ ] من سورة يونس هذه :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ( ٣١ ) ﴾.
وهذه الآيات أيضا متصلة بالسياق أو استمرار له في صدد تقريع الكفار المشركين على مواقف عنادهم وجحودهم على مختلف صورها، و( فاء ) التعقيب التي بدأت بها قرينة على ذلك بالإضافة إلى ما فيها من تساوق في صدد مواقف الكفار التي ما فتئت الآيات السابقة تحكيها.
تعليق على جملة
﴿ فإذا مس الإنسان ضر ﴾
وما بعدها وما فيها من تلقين
ومع ما يتبادر من خصوصية هذه الآيات الزمنية فإنها تصح أن تكون موعظة من مواعظ القرآن وتلقيناته الشاملة المستمرة في صدد تنبيه الناس أولا : إلى ما في جحود نعم الله وما في ذكره في الشدة ونسيانه في الرخاء من تناقض وإثم. وثانيا : إلى كون ما يمنحه الناس من نعمة ويسر بدءا أو بعد شدة وضر هو اختبار رباني وليس حظوة منه واختصاصا. وثالثا : إلى ما يجب على أمثال هؤلاء الناس من ذكر الله وشكره والقيام بواجباتهم نحوه ونحو الناس وعدم الاستشعار بالبطر والزهو والاعتداد بالنفس في حالة اليسر والصبر في حالة العسر.
وقد انطوى في الفقرة الأخيرة من الآية تلقين جليل خاص وهو تقرير أثر الإيمان في رضاء النفس وطمأنينتها ؛ حيث يساعد صاحبه على لمس يد الله وقدرته في جميع الأمور فيشكره في حالة اليسر ويتحمل صابرا راضي النفس مطمئن القلب في حالة الشدة والعسر.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٥٢ ] مدنية، ويلحظ أنها منسجمة انسجاما تاما مع الآيات سبكا وموضوعا، وأن فيها تتمة لما قبلها، وكل هذا مما يسوغ الشك في رواية مدنيتها.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآية الأولى تشير إلى خلق في الناس، فإذا ما نزل في إنسان ضر وضيق وعسر دعا الله لكشفه فإذا استجاب له وأزاله عنه وبدله نعمة ويسرا جحد الله وزعم أن ما ناله إنما بسعيه وعلمه وبراعته. وقد احتوت الآية ردا على هذا الجحود ؛ حيث قررت أن ما يمنحه الناس من نعم وما يصابون به من مصائب هو من قبيل الامتحان الرباني ولكن أكثر الناس يغفلون عن هذه الحقيقة.
والآيتان الثانية والثالثة تقرران أن مثل هذا الجحود وتلكم الدعوى قد كان من الأمم السابقة فلم ينفعهم ما نالوه وكسبوه ولم يلبثوا أن وقعوا في شر جحودهم وأصابهم ما استحقوا من عقاب الله عليه. وأن الظالمين من السامعين للقرآن هم أيضا سيقعون في شر آثامهم ويصيبهم ما يستحقون من عقاب الله بدورهم، وليس الله عاجزا عنهم ولن يستطيعوا الإفلات منه.
أما الآية الرابعة فقد احتوت سؤالا استنكاريا موجها لهؤلاء السامعين الظالمين عما إذا كانوا لا يعلمون أن بسط الرزق وقبضه هما في يد الله يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء وفقا لمقتضيات حكمته. ثم انتهت بتقرير كون هذا ينطوي على آيات ربانية لينتفع بتدبرها المؤمنون، وصيغة السؤال وروح الآية معا تلهمان أن السامعين يعلمون ما قررته الآية، ولهذا فإن التنديد جاء قويا محكما. وقد سجلت آيات عديدة عليهم ذلك من جملتها الآية [ ٣٩ ] من هذه السورة، والآية [ ٣١ ] من سورة يونس هذه :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ( ٣١ ) ﴾.
وهذه الآيات أيضا متصلة بالسياق أو استمرار له في صدد تقريع الكفار المشركين على مواقف عنادهم وجحودهم على مختلف صورها، و( فاء ) التعقيب التي بدأت بها قرينة على ذلك بالإضافة إلى ما فيها من تساوق في صدد مواقف الكفار التي ما فتئت الآيات السابقة تحكيها.
تعليق على جملة
﴿ فإذا مس الإنسان ضر ﴾
وما بعدها وما فيها من تلقين
ومع ما يتبادر من خصوصية هذه الآيات الزمنية فإنها تصح أن تكون موعظة من مواعظ القرآن وتلقيناته الشاملة المستمرة في صدد تنبيه الناس أولا : إلى ما في جحود نعم الله وما في ذكره في الشدة ونسيانه في الرخاء من تناقض وإثم. وثانيا : إلى كون ما يمنحه الناس من نعمة ويسر بدءا أو بعد شدة وضر هو اختبار رباني وليس حظوة منه واختصاصا. وثالثا : إلى ما يجب على أمثال هؤلاء الناس من ذكر الله وشكره والقيام بواجباتهم نحوه ونحو الناس وعدم الاستشعار بالبطر والزهو والاعتداد بالنفس في حالة اليسر والصبر في حالة العسر.
وقد انطوى في الفقرة الأخيرة من الآية تلقين جليل خاص وهو تقرير أثر الإيمان في رضاء النفس وطمأنينتها ؛ حيث يساعد صاحبه على لمس يد الله وقدرته في جميع الأمور فيشكره في حالة اليسر ويتحمل صابرا راضي النفس مطمئن القلب في حالة الشدة والعسر.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٥٢ ] مدنية، ويلحظ أنها منسجمة انسجاما تاما مع الآيات سبكا وموضوعا، وأن فيها تتمة لما قبلها، وكل هذا مما يسوغ الشك في رواية مدنيتها.

﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ( ٥٣ ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( ٥٤ ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( ٥٥ ) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( ٥٦ ) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( ٥٧ ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( ٥٨ ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٣ – ٥٩ ].
في الآيات :
أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم، وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت، وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى إتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.
وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثار مواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين : إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم : لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.
والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما، ولعل مما يصح أن يقال : إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني، وقد مر منه أمثلة عديدة.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾
وما بعدها
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.
وروى المفسرون بعض الروايات١ في سبب نزول الآية [ ٥٣ ] منها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أنها نزلت في حق وحشي الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقعة أحد حيث استعظم ذنبه فأنزل الله آية الفرقان [ ٧٠ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ﴾ فقال وحشي : هذا شرط شديد. فأنزل الله آية سورة النساء [ ٤٨ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فقال : أراني بعد في شبهة فأنزل الله آية الزمر [ ٥٣ ] التي نحن في صددها فقال : هذا نعم، ثم جاء فأسلم. فسأل المسلمون : هل هذه له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : بل هي للمسلمين عامة٢. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عمر أن الآيات نزلت في نفر من المسلمين منهم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد كانوا أسلموا ثم عذبوا وفتنوا فافتتنوا فكان المهاجرون يقولون : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أسلموا ثم تركوا دينهم من العذاب. فأنزل الله الآيات فكتبها عمر بن الخطاب وأرسلها إليهم فأسلموا وهاجروا٣. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أيضا أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾ الخ الفرقان :[ ٦٨ ] ونزل :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ الزمر :[ ٥٣ ] ورواية ابن عباس الأخيرة قد رواها البخاري أيضا٤.
وقال المفسرون فيما قالوه بصدد الآية : إنها موجهة للمؤمنين وفي حقهم عامة وإنها أرجى آية في القرآن وأبعثها أملا وسكينة لقلوب المذنبين منهم٥. بل قال بعضهم : إن الإطلاق في الآية يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة خلاف الظاهر٦ واستندوا في قولهم هذا إلى آية النساء [ ٤٧ ] المار ذكرها ونصها. وقد أوردوا في مناسبتها أحاديث نبوية منها حديث رواه أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( لولا أنكم تذنبون لخلق الله عز وجل قوما يذنبون فيغفر لهم ). وحديث رواه أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم. والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم )٧.
ومنها حديث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات )٨. وحديث عن عمرو بن عنبسة قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي ؟ قال : ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله. فقال : قد غفر لك غدراتك وفجراتك )٩. وحديث عن علي بن أبي طالب قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب )١٠.
ويلحظ أولا : أن روايات وحشي غريبة في مناسبتها وظرفها ثم في تدرجها لأجل إقناعه وجعله يسلم وهي لم ترد في كتب الصحاح. وفضلا عن ذلك إن آية النساء [ ٤٨ ] التي تروي هذه الروايات أنها نزلت لإقناعه ليست في صدد تأميل غير المشركين، وإنما هي في صدد تعظيم جريمة الشرك بالله كما هو ظاهر بقوة في أسلوبها.
وثانيا : إنها مروية عن ابن عباس مع أن رواية كون الآية نزلت بمناسبة مراجعة أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها البخاري قد رواها ابن عباس أيضا.
وثالثا : إن الآية منسجمة انسجاما تاما مع الآيات التالية لها إلى آخر الآية [ ٥٩ ] وإن القول إنها أو إنها والآية [ ٥٤ ] فقط مدنيتان غير مستقيم. وتبعا لذلك نشك في رواية مدنية الآية أو الآيتين ونشك بالتالي في رواية كونهما نزلتا في شأن وحشي، أو شأن النفر الذين ارتدوا ولم يهاجروا مع المهاجرين. وكل ما يمكن احتماله أن تكون الآية ذكرت لهم أو لهم ولوحشي على سبيل الترغيب والتشجيع والتأميل. والرواية الثانية التي رواها البخاري هي الأكثر احتمالا ولا يضعف هذا الاحتمال جمع الرواية هذه الآية مع الفرقان التي نزلت قبلها بمدة طويلة. فمن الممكن أن يفرض أن مراجعات أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قد تكررت فنزلت أولا آيات الفرقان ثم آيات الزمر التي نحن في صددها فجمع ابن عباس رضي الله عنه المناسبات المتكررة مع بعضها في روايته. وروح الآيات ومضمونها تدعم هذه الرواية أو بعبارة ثانية تدعم كون الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين والكفار. ؟ وقد حكت ما سوف يبدونه من ندم وحسرة لإضاعتهم الفرصة. وفي الآية الأخيرة دليل حاسم. وكل هذا يسوغ القول بجزم أن الآيات سلسلة واحدة متماسكة لا يصح فصل بعضها عن بعض وهي في مجموعها في صدد حث الكفار على الإنابة إلى الله والاستجابة إلى دعوة الإسلام والترغيب في ذلك وهم في سعة من الوقت والتحذير من إضاعة الفرصة بالإهمال والتباطؤ.
وروح الآيات ومضمونها مجتمعة تسوغ استغراب ما قاله بعض المفسرين أو رووه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الآية الأولى أرجى آية في القرآن أو أن الإطلاق فيها يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة هو خلاف الظاهر. فإذا كانت الآية تقول :﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ فإن الآية التي تلتها ردفت ذلك بالحث على سرعة الإنابة إلى الله وإتباع أحسن ما أنزل بالتحذير من التباطؤ والإهمال وما يجرانه من حسرة وندم. وهذا فضلا عن أن القول إن الله يغفر جميع الذنوب والآثام دون توبة وندم وتلاف للذنوب بصالح العمل والإصلاح هو إفراط لا يتسق مع آيات القرآن التي لا تكاد تحصى كثرة في صدد الإنذار والتبشير والوعد والوعيد وتقبيح القبيح وتحسين الحسن وتوفية الناس جزاء أعمالهم كلا بحسب عمله. وما ورد من الأحاديث النبوية يحمل فيما نعتقد في حالة صحتها ولا ننفي ذلك على قصد الترغيب في التوبة والحث عليها وعلى تقرير كون الله تعالى يغفر للنادم والتائب المستغفر، وبهذا يتم التساوق ويزول التناقض.
على أن الآيات تتضمن تلقينا بليغا مستمر المدى يتسق مع مبدأ التوبة القرآني الذي شرحناه في سياق تفسير سورة الفرقان، وهو عدم إيئاس أي كائن دون تلافي أخطائه والرجوع عن آثامه المتنوعة من كفر ومما دون الكفر، وإصلاح نفسه دينيا ودنيويا وإبقاء باب العفو مفتوحا لمن حسنت فيهم النيات واستيقظت الضمائر إذا ما ترووا وندموا وأنابوا إلى الله واتبعوا أحسن ما أنزل منه وهم في متسع من الوقت وفسحة من العمر والعافية.
ونقطة أخرى جديرة بالتسجيل عن الآيات، من حيث إنها تنطوي على تقرير محكم حاسم يضاف إلى التقريرات المحكمة الحاسمة الكثيرة بأهلية الإنسان للكسب والاختيار بين الهدى والضلال وبمسؤوليته عن كسبه واختياره. والآية [ ٥٧ ] بخاصة قوية جديرة بالتنويه في هذا الباب ؛ حيث تندد بالذي يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. وقد ردت عليه الآية التي تلتها فقررت أن الله قد أراه طريق الهدى بآياته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه كذب واستكبر وكان من الكافرين فاستحق عذاب الله.
تعلق على جملة
﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾
وقد يوهم تعبير ﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ أن فيما نزل ما هو حسن وما هو أحسن. ولسنا نرى محلا للتوهم ونرى أن التعبير أسلوبي. هذا فضلا عن إمكان صرف تعبير ﴿ أحسن ﴾ إلى الهدى والخير والحث عليهما بالنسبة لما حذر منه القرآن من الشر والضلال والآثام. فالله قد بين طريق الخير وحقيقة الخير وأنواعه ودعا إليه، وبين طريق الشر وحقيقة الشر وأنواعه وحذر منه. وأحسن ما أنزل هو الأول، والناس مدعوون إلى إتباعه دون الثاني. وجميع المأمورات الإيمانية والأخلاقية تدخل في شمول الأول كما هو المتبادر.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي، وانظر أيضا تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧..
٢ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٣ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٤ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٥ انظر كتب التفسير السابقة أيضا..
٦ انظر تفسير الخازن.
٧ انظر تفسير ابن كثير..
٨ النصوص من ابن كثير..
٩ فارغ؟؟؟؟؟؟.
١٠ فارغ؟؟؟؟؟؟.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ( ٥٣ ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( ٥٤ ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( ٥٥ ) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( ٥٦ ) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( ٥٧ ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( ٥٨ ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٣ – ٥٩ ].

في الآيات :

أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم، وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت، وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى إتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.
وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثار مواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين : إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم : لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.
والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما، ولعل مما يصح أن يقال : إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني، وقد مر منه أمثلة عديدة.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾
وما بعدها
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.
وروى المفسرون بعض الروايات١ في سبب نزول الآية [ ٥٣ ] منها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أنها نزلت في حق وحشي الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقعة أحد حيث استعظم ذنبه فأنزل الله آية الفرقان [ ٧٠ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ﴾ فقال وحشي : هذا شرط شديد. فأنزل الله آية سورة النساء [ ٤٨ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فقال : أراني بعد في شبهة فأنزل الله آية الزمر [ ٥٣ ] التي نحن في صددها فقال : هذا نعم، ثم جاء فأسلم. فسأل المسلمون : هل هذه له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : بل هي للمسلمين عامة٢. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عمر أن الآيات نزلت في نفر من المسلمين منهم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد كانوا أسلموا ثم عذبوا وفتنوا فافتتنوا فكان المهاجرون يقولون : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أسلموا ثم تركوا دينهم من العذاب. فأنزل الله الآيات فكتبها عمر بن الخطاب وأرسلها إليهم فأسلموا وهاجروا٣. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أيضا أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾ الخ الفرقان :[ ٦٨ ] ونزل :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ الزمر :[ ٥٣ ] ورواية ابن عباس الأخيرة قد رواها البخاري أيضا٤.
وقال المفسرون فيما قالوه بصدد الآية : إنها موجهة للمؤمنين وفي حقهم عامة وإنها أرجى آية في القرآن وأبعثها أملا وسكينة لقلوب المذنبين منهم٥. بل قال بعضهم : إن الإطلاق في الآية يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة خلاف الظاهر٦ واستندوا في قولهم هذا إلى آية النساء [ ٤٧ ] المار ذكرها ونصها. وقد أوردوا في مناسبتها أحاديث نبوية منها حديث رواه أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( لولا أنكم تذنبون لخلق الله عز وجل قوما يذنبون فيغفر لهم ). وحديث رواه أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم. والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم )٧.
ومنها حديث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات )٨. وحديث عن عمرو بن عنبسة قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي ؟ قال : ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله. فقال : قد غفر لك غدراتك وفجراتك )٩. وحديث عن علي بن أبي طالب قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب )١٠.
ويلحظ أولا : أن روايات وحشي غريبة في مناسبتها وظرفها ثم في تدرجها لأجل إقناعه وجعله يسلم وهي لم ترد في كتب الصحاح. وفضلا عن ذلك إن آية النساء [ ٤٨ ] التي تروي هذه الروايات أنها نزلت لإقناعه ليست في صدد تأميل غير المشركين، وإنما هي في صدد تعظيم جريمة الشرك بالله كما هو ظاهر بقوة في أسلوبها.
وثانيا : إنها مروية عن ابن عباس مع أن رواية كون الآية نزلت بمناسبة مراجعة أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها البخاري قد رواها ابن عباس أيضا.
وثالثا : إن الآية منسجمة انسجاما تاما مع الآيات التالية لها إلى آخر الآية [ ٥٩ ] وإن القول إنها أو إنها والآية [ ٥٤ ] فقط مدنيتان غير مستقيم. وتبعا لذلك نشك في رواية مدنية الآية أو الآيتين ونشك بالتالي في رواية كونهما نزلتا في شأن وحشي، أو شأن النفر الذين ارتدوا ولم يهاجروا مع المهاجرين. وكل ما يمكن احتماله أن تكون الآية ذكرت لهم أو لهم ولوحشي على سبيل الترغيب والتشجيع والتأميل. والرواية الثانية التي رواها البخاري هي الأكثر احتمالا ولا يضعف هذا الاحتمال جمع الرواية هذه الآية مع الفرقان التي نزلت قبلها بمدة طويلة. فمن الممكن أن يفرض أن مراجعات أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قد تكررت فنزلت أولا آيات الفرقان ثم آيات الزمر التي نحن في صددها فجمع ابن عباس رضي الله عنه المناسبات المتكررة مع بعضها في روايته. وروح الآيات ومضمونها تدعم هذه الرواية أو بعبارة ثانية تدعم كون الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين والكفار. ؟ وقد حكت ما سوف يبدونه من ندم وحسرة لإضاعتهم الفرصة. وفي الآية الأخيرة دليل حاسم. وكل هذا يسوغ القول بجزم أن الآيات سلسلة واحدة متماسكة لا يصح فصل بعضها عن بعض وهي في مجموعها في صدد حث الكفار على الإنابة إلى الله والاستجابة إلى دعوة الإسلام والترغيب في ذلك وهم في سعة من الوقت والتحذير من إضاعة الفرصة بالإهمال والتباطؤ.
وروح الآيات ومضمونها مجتمعة تسوغ استغراب ما قاله بعض المفسرين أو رووه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الآية الأولى أرجى آية في القرآن أو أن الإطلاق فيها يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة هو خلاف الظاهر. فإذا كانت الآية تقول :﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ فإن الآية التي تلتها ردفت ذلك بالحث على سرعة الإنابة إلى الله وإتباع أحسن ما أنزل بالتحذير من التباطؤ والإهمال وما يجرانه من حسرة وندم. وهذا فضلا عن أن القول إن الله يغفر جميع الذنوب والآثام دون توبة وندم وتلاف للذنوب بصالح العمل والإصلاح هو إفراط لا يتسق مع آيات القرآن التي لا تكاد تحصى كثرة في صدد الإنذار والتبشير والوعد والوعيد وتقبيح القبيح وتحسين الحسن وتوفية الناس جزاء أعمالهم كلا بحسب عمله. وما ورد من الأحاديث النبوية يحمل فيما نعتقد في حالة صحتها ولا ننفي ذلك على قصد الترغيب في التوبة والحث عليها وعلى تقرير كون الله تعالى يغفر للنادم والتائب المستغفر، وبهذا يتم التساوق ويزول التناقض.
على أن الآيات تتضمن تلقينا بليغا مستمر المدى يتسق مع مبدأ التوبة القرآني الذي شرحناه في سياق تفسير سورة الفرقان، وهو عدم إيئاس أي كائن دون تلافي أخطائه والرجوع عن آثامه المتنوعة من كفر ومما دون الكفر، وإصلاح نفسه دينيا ودنيويا وإبقاء باب العفو مفتوحا لمن حسنت فيهم النيات واستيقظت الضمائر إذا ما ترووا وندموا وأنابوا إلى الله واتبعوا أحسن ما أنزل منه وهم في متسع من الوقت وفسحة من العمر والعافية.
ونقطة أخرى جديرة بالتسجيل عن الآيات، من حيث إنها تنطوي على تقرير محكم حاسم يضاف إلى التقريرات المحكمة الحاسمة الكثيرة بأهلية الإنسان للكسب والاختيار بين الهدى والضلال وبمسؤوليته عن كسبه واختياره. والآية [ ٥٧ ] بخاصة قوية جديرة بالتنويه في هذا الباب ؛ حيث تندد بالذي يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. وقد ردت عليه الآية التي تلتها فقررت أن الله قد أراه طريق الهدى بآياته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه كذب واستكبر وكان من الكافرين فاستحق عذاب الله.
تعلق على جملة
﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾
وقد يوهم تعبير ﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ أن فيما نزل ما هو حسن وما هو أحسن. ولسنا نرى محلا للتوهم ونرى أن التعبير أسلوبي. هذا فضلا عن إمكان صرف تعبير ﴿ أحسن ﴾ إلى الهدى والخير والحث عليهما بالنسبة لما حذر منه القرآن من الشر والضلال والآثام. فالله قد بين طريق الخير وحقيقة الخير وأنواعه ودعا إليه، وبين طريق الشر وحقيقة الشر وأنواعه وحذر منه. وأحسن ما أنزل هو الأول، والناس مدعوون إلى إتباعه دون الثاني. وجميع المأمورات الإيمانية والأخلاقية تدخل في شمول الأول كما هو المتبادر.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي، وانظر أيضا تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧..
٢ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٣ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٤ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٥ انظر كتب التفسير السابقة أيضا..
٦ انظر تفسير الخازن.
٧ انظر تفسير ابن كثير..
٨ النصوص من ابن كثير..
٩ فارغ؟؟؟؟؟؟.
١٠ فارغ؟؟؟؟؟؟.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ( ٥٣ ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( ٥٤ ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( ٥٥ ) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( ٥٦ ) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( ٥٧ ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( ٥٨ ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٣ – ٥٩ ].

في الآيات :

أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم، وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت، وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى إتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.
وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثار مواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين : إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم : لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.
والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما، ولعل مما يصح أن يقال : إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني، وقد مر منه أمثلة عديدة.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾
وما بعدها
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.
وروى المفسرون بعض الروايات١ في سبب نزول الآية [ ٥٣ ] منها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أنها نزلت في حق وحشي الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقعة أحد حيث استعظم ذنبه فأنزل الله آية الفرقان [ ٧٠ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ﴾ فقال وحشي : هذا شرط شديد. فأنزل الله آية سورة النساء [ ٤٨ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فقال : أراني بعد في شبهة فأنزل الله آية الزمر [ ٥٣ ] التي نحن في صددها فقال : هذا نعم، ثم جاء فأسلم. فسأل المسلمون : هل هذه له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : بل هي للمسلمين عامة٢. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عمر أن الآيات نزلت في نفر من المسلمين منهم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد كانوا أسلموا ثم عذبوا وفتنوا فافتتنوا فكان المهاجرون يقولون : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أسلموا ثم تركوا دينهم من العذاب. فأنزل الله الآيات فكتبها عمر بن الخطاب وأرسلها إليهم فأسلموا وهاجروا٣. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أيضا أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾ الخ الفرقان :[ ٦٨ ] ونزل :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ الزمر :[ ٥٣ ] ورواية ابن عباس الأخيرة قد رواها البخاري أيضا٤.
وقال المفسرون فيما قالوه بصدد الآية : إنها موجهة للمؤمنين وفي حقهم عامة وإنها أرجى آية في القرآن وأبعثها أملا وسكينة لقلوب المذنبين منهم٥. بل قال بعضهم : إن الإطلاق في الآية يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة خلاف الظاهر٦ واستندوا في قولهم هذا إلى آية النساء [ ٤٧ ] المار ذكرها ونصها. وقد أوردوا في مناسبتها أحاديث نبوية منها حديث رواه أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( لولا أنكم تذنبون لخلق الله عز وجل قوما يذنبون فيغفر لهم ). وحديث رواه أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم. والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم )٧.
ومنها حديث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات )٨. وحديث عن عمرو بن عنبسة قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي ؟ قال : ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله. فقال : قد غفر لك غدراتك وفجراتك )٩. وحديث عن علي بن أبي طالب قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب )١٠.
ويلحظ أولا : أن روايات وحشي غريبة في مناسبتها وظرفها ثم في تدرجها لأجل إقناعه وجعله يسلم وهي لم ترد في كتب الصحاح. وفضلا عن ذلك إن آية النساء [ ٤٨ ] التي تروي هذه الروايات أنها نزلت لإقناعه ليست في صدد تأميل غير المشركين، وإنما هي في صدد تعظيم جريمة الشرك بالله كما هو ظاهر بقوة في أسلوبها.
وثانيا : إنها مروية عن ابن عباس مع أن رواية كون الآية نزلت بمناسبة مراجعة أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها البخاري قد رواها ابن عباس أيضا.
وثالثا : إن الآية منسجمة انسجاما تاما مع الآيات التالية لها إلى آخر الآية [ ٥٩ ] وإن القول إنها أو إنها والآية [ ٥٤ ] فقط مدنيتان غير مستقيم. وتبعا لذلك نشك في رواية مدنية الآية أو الآيتين ونشك بالتالي في رواية كونهما نزلتا في شأن وحشي، أو شأن النفر الذين ارتدوا ولم يهاجروا مع المهاجرين. وكل ما يمكن احتماله أن تكون الآية ذكرت لهم أو لهم ولوحشي على سبيل الترغيب والتشجيع والتأميل. والرواية الثانية التي رواها البخاري هي الأكثر احتمالا ولا يضعف هذا الاحتمال جمع الرواية هذه الآية مع الفرقان التي نزلت قبلها بمدة طويلة. فمن الممكن أن يفرض أن مراجعات أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قد تكررت فنزلت أولا آيات الفرقان ثم آيات الزمر التي نحن في صددها فجمع ابن عباس رضي الله عنه المناسبات المتكررة مع بعضها في روايته. وروح الآيات ومضمونها تدعم هذه الرواية أو بعبارة ثانية تدعم كون الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين والكفار. ؟ وقد حكت ما سوف يبدونه من ندم وحسرة لإضاعتهم الفرصة. وفي الآية الأخيرة دليل حاسم. وكل هذا يسوغ القول بجزم أن الآيات سلسلة واحدة متماسكة لا يصح فصل بعضها عن بعض وهي في مجموعها في صدد حث الكفار على الإنابة إلى الله والاستجابة إلى دعوة الإسلام والترغيب في ذلك وهم في سعة من الوقت والتحذير من إضاعة الفرصة بالإهمال والتباطؤ.
وروح الآيات ومضمونها مجتمعة تسوغ استغراب ما قاله بعض المفسرين أو رووه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الآية الأولى أرجى آية في القرآن أو أن الإطلاق فيها يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة هو خلاف الظاهر. فإذا كانت الآية تقول :﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ فإن الآية التي تلتها ردفت ذلك بالحث على سرعة الإنابة إلى الله وإتباع أحسن ما أنزل بالتحذير من التباطؤ والإهمال وما يجرانه من حسرة وندم. وهذا فضلا عن أن القول إن الله يغفر جميع الذنوب والآثام دون توبة وندم وتلاف للذنوب بصالح العمل والإصلاح هو إفراط لا يتسق مع آيات القرآن التي لا تكاد تحصى كثرة في صدد الإنذار والتبشير والوعد والوعيد وتقبيح القبيح وتحسين الحسن وتوفية الناس جزاء أعمالهم كلا بحسب عمله. وما ورد من الأحاديث النبوية يحمل فيما نعتقد في حالة صحتها ولا ننفي ذلك على قصد الترغيب في التوبة والحث عليها وعلى تقرير كون الله تعالى يغفر للنادم والتائب المستغفر، وبهذا يتم التساوق ويزول التناقض.
على أن الآيات تتضمن تلقينا بليغا مستمر المدى يتسق مع مبدأ التوبة القرآني الذي شرحناه في سياق تفسير سورة الفرقان، وهو عدم إيئاس أي كائن دون تلافي أخطائه والرجوع عن آثامه المتنوعة من كفر ومما دون الكفر، وإصلاح نفسه دينيا ودنيويا وإبقاء باب العفو مفتوحا لمن حسنت فيهم النيات واستيقظت الضمائر إذا ما ترووا وندموا وأنابوا إلى الله واتبعوا أحسن ما أنزل منه وهم في متسع من الوقت وفسحة من العمر والعافية.
ونقطة أخرى جديرة بالتسجيل عن الآيات، من حيث إنها تنطوي على تقرير محكم حاسم يضاف إلى التقريرات المحكمة الحاسمة الكثيرة بأهلية الإنسان للكسب والاختيار بين الهدى والضلال وبمسؤوليته عن كسبه واختياره. والآية [ ٥٧ ] بخاصة قوية جديرة بالتنويه في هذا الباب ؛ حيث تندد بالذي يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. وقد ردت عليه الآية التي تلتها فقررت أن الله قد أراه طريق الهدى بآياته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه كذب واستكبر وكان من الكافرين فاستحق عذاب الله.
تعلق على جملة
﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾
وقد يوهم تعبير ﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ أن فيما نزل ما هو حسن وما هو أحسن. ولسنا نرى محلا للتوهم ونرى أن التعبير أسلوبي. هذا فضلا عن إمكان صرف تعبير ﴿ أحسن ﴾ إلى الهدى والخير والحث عليهما بالنسبة لما حذر منه القرآن من الشر والضلال والآثام. فالله قد بين طريق الخير وحقيقة الخير وأنواعه ودعا إليه، وبين طريق الشر وحقيقة الشر وأنواعه وحذر منه. وأحسن ما أنزل هو الأول، والناس مدعوون إلى إتباعه دون الثاني. وجميع المأمورات الإيمانية والأخلاقية تدخل في شمول الأول كما هو المتبادر.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي، وانظر أيضا تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧..
٢ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٣ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٤ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٥ انظر كتب التفسير السابقة أيضا..
٦ انظر تفسير الخازن.
٧ انظر تفسير ابن كثير..
٨ النصوص من ابن كثير..
٩ فارغ؟؟؟؟؟؟.
١٠ فارغ؟؟؟؟؟؟.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ( ٥٣ ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( ٥٤ ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( ٥٥ ) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( ٥٦ ) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( ٥٧ ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( ٥٨ ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٣ – ٥٩ ].

في الآيات :

أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم، وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت، وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى إتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.
وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثار مواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين : إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم : لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.
والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما، ولعل مما يصح أن يقال : إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني، وقد مر منه أمثلة عديدة.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾
وما بعدها
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.
وروى المفسرون بعض الروايات١ في سبب نزول الآية [ ٥٣ ] منها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أنها نزلت في حق وحشي الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقعة أحد حيث استعظم ذنبه فأنزل الله آية الفرقان [ ٧٠ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ﴾ فقال وحشي : هذا شرط شديد. فأنزل الله آية سورة النساء [ ٤٨ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فقال : أراني بعد في شبهة فأنزل الله آية الزمر [ ٥٣ ] التي نحن في صددها فقال : هذا نعم، ثم جاء فأسلم. فسأل المسلمون : هل هذه له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : بل هي للمسلمين عامة٢. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عمر أن الآيات نزلت في نفر من المسلمين منهم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد كانوا أسلموا ثم عذبوا وفتنوا فافتتنوا فكان المهاجرون يقولون : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أسلموا ثم تركوا دينهم من العذاب. فأنزل الله الآيات فكتبها عمر بن الخطاب وأرسلها إليهم فأسلموا وهاجروا٣. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أيضا أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾ الخ الفرقان :[ ٦٨ ] ونزل :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ الزمر :[ ٥٣ ] ورواية ابن عباس الأخيرة قد رواها البخاري أيضا٤.
وقال المفسرون فيما قالوه بصدد الآية : إنها موجهة للمؤمنين وفي حقهم عامة وإنها أرجى آية في القرآن وأبعثها أملا وسكينة لقلوب المذنبين منهم٥. بل قال بعضهم : إن الإطلاق في الآية يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة خلاف الظاهر٦ واستندوا في قولهم هذا إلى آية النساء [ ٤٧ ] المار ذكرها ونصها. وقد أوردوا في مناسبتها أحاديث نبوية منها حديث رواه أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( لولا أنكم تذنبون لخلق الله عز وجل قوما يذنبون فيغفر لهم ). وحديث رواه أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم. والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم )٧.
ومنها حديث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات )٨. وحديث عن عمرو بن عنبسة قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي ؟ قال : ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله. فقال : قد غفر لك غدراتك وفجراتك )٩. وحديث عن علي بن أبي طالب قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب )١٠.
ويلحظ أولا : أن روايات وحشي غريبة في مناسبتها وظرفها ثم في تدرجها لأجل إقناعه وجعله يسلم وهي لم ترد في كتب الصحاح. وفضلا عن ذلك إن آية النساء [ ٤٨ ] التي تروي هذه الروايات أنها نزلت لإقناعه ليست في صدد تأميل غير المشركين، وإنما هي في صدد تعظيم جريمة الشرك بالله كما هو ظاهر بقوة في أسلوبها.
وثانيا : إنها مروية عن ابن عباس مع أن رواية كون الآية نزلت بمناسبة مراجعة أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها البخاري قد رواها ابن عباس أيضا.
وثالثا : إن الآية منسجمة انسجاما تاما مع الآيات التالية لها إلى آخر الآية [ ٥٩ ] وإن القول إنها أو إنها والآية [ ٥٤ ] فقط مدنيتان غير مستقيم. وتبعا لذلك نشك في رواية مدنية الآية أو الآيتين ونشك بالتالي في رواية كونهما نزلتا في شأن وحشي، أو شأن النفر الذين ارتدوا ولم يهاجروا مع المهاجرين. وكل ما يمكن احتماله أن تكون الآية ذكرت لهم أو لهم ولوحشي على سبيل الترغيب والتشجيع والتأميل. والرواية الثانية التي رواها البخاري هي الأكثر احتمالا ولا يضعف هذا الاحتمال جمع الرواية هذه الآية مع الفرقان التي نزلت قبلها بمدة طويلة. فمن الممكن أن يفرض أن مراجعات أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قد تكررت فنزلت أولا آيات الفرقان ثم آيات الزمر التي نحن في صددها فجمع ابن عباس رضي الله عنه المناسبات المتكررة مع بعضها في روايته. وروح الآيات ومضمونها تدعم هذه الرواية أو بعبارة ثانية تدعم كون الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين والكفار. ؟ وقد حكت ما سوف يبدونه من ندم وحسرة لإضاعتهم الفرصة. وفي الآية الأخيرة دليل حاسم. وكل هذا يسوغ القول بجزم أن الآيات سلسلة واحدة متماسكة لا يصح فصل بعضها عن بعض وهي في مجموعها في صدد حث الكفار على الإنابة إلى الله والاستجابة إلى دعوة الإسلام والترغيب في ذلك وهم في سعة من الوقت والتحذير من إضاعة الفرصة بالإهمال والتباطؤ.
وروح الآيات ومضمونها مجتمعة تسوغ استغراب ما قاله بعض المفسرين أو رووه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الآية الأولى أرجى آية في القرآن أو أن الإطلاق فيها يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة هو خلاف الظاهر. فإذا كانت الآية تقول :﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ فإن الآية التي تلتها ردفت ذلك بالحث على سرعة الإنابة إلى الله وإتباع أحسن ما أنزل بالتحذير من التباطؤ والإهمال وما يجرانه من حسرة وندم. وهذا فضلا عن أن القول إن الله يغفر جميع الذنوب والآثام دون توبة وندم وتلاف للذنوب بصالح العمل والإصلاح هو إفراط لا يتسق مع آيات القرآن التي لا تكاد تحصى كثرة في صدد الإنذار والتبشير والوعد والوعيد وتقبيح القبيح وتحسين الحسن وتوفية الناس جزاء أعمالهم كلا بحسب عمله. وما ورد من الأحاديث النبوية يحمل فيما نعتقد في حالة صحتها ولا ننفي ذلك على قصد الترغيب في التوبة والحث عليها وعلى تقرير كون الله تعالى يغفر للنادم والتائب المستغفر، وبهذا يتم التساوق ويزول التناقض.
على أن الآيات تتضمن تلقينا بليغا مستمر المدى يتسق مع مبدأ التوبة القرآني الذي شرحناه في سياق تفسير سورة الفرقان، وهو عدم إيئاس أي كائن دون تلافي أخطائه والرجوع عن آثامه المتنوعة من كفر ومما دون الكفر، وإصلاح نفسه دينيا ودنيويا وإبقاء باب العفو مفتوحا لمن حسنت فيهم النيات واستيقظت الضمائر إذا ما ترووا وندموا وأنابوا إلى الله واتبعوا أحسن ما أنزل منه وهم في متسع من الوقت وفسحة من العمر والعافية.
ونقطة أخرى جديرة بالتسجيل عن الآيات، من حيث إنها تنطوي على تقرير محكم حاسم يضاف إلى التقريرات المحكمة الحاسمة الكثيرة بأهلية الإنسان للكسب والاختيار بين الهدى والضلال وبمسؤوليته عن كسبه واختياره. والآية [ ٥٧ ] بخاصة قوية جديرة بالتنويه في هذا الباب ؛ حيث تندد بالذي يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. وقد ردت عليه الآية التي تلتها فقررت أن الله قد أراه طريق الهدى بآياته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه كذب واستكبر وكان من الكافرين فاستحق عذاب الله.
تعلق على جملة
﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾
وقد يوهم تعبير ﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ أن فيما نزل ما هو حسن وما هو أحسن. ولسنا نرى محلا للتوهم ونرى أن التعبير أسلوبي. هذا فضلا عن إمكان صرف تعبير ﴿ أحسن ﴾ إلى الهدى والخير والحث عليهما بالنسبة لما حذر منه القرآن من الشر والضلال والآثام. فالله قد بين طريق الخير وحقيقة الخير وأنواعه ودعا إليه، وبين طريق الشر وحقيقة الشر وأنواعه وحذر منه. وأحسن ما أنزل هو الأول، والناس مدعوون إلى إتباعه دون الثاني. وجميع المأمورات الإيمانية والأخلاقية تدخل في شمول الأول كما هو المتبادر.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي، وانظر أيضا تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧..
٢ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٣ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٤ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٥ انظر كتب التفسير السابقة أيضا..
٦ انظر تفسير الخازن.
٧ انظر تفسير ابن كثير..
٨ النصوص من ابن كثير..
٩ فارغ؟؟؟؟؟؟.
١٠ فارغ؟؟؟؟؟؟.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ( ٥٣ ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( ٥٤ ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( ٥٥ ) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( ٥٦ ) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( ٥٧ ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( ٥٨ ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٣ – ٥٩ ].

في الآيات :

أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم، وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت، وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى إتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.
وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثار مواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين : إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم : لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.
والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما، ولعل مما يصح أن يقال : إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني، وقد مر منه أمثلة عديدة.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾
وما بعدها
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.
وروى المفسرون بعض الروايات١ في سبب نزول الآية [ ٥٣ ] منها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أنها نزلت في حق وحشي الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقعة أحد حيث استعظم ذنبه فأنزل الله آية الفرقان [ ٧٠ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ﴾ فقال وحشي : هذا شرط شديد. فأنزل الله آية سورة النساء [ ٤٨ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فقال : أراني بعد في شبهة فأنزل الله آية الزمر [ ٥٣ ] التي نحن في صددها فقال : هذا نعم، ثم جاء فأسلم. فسأل المسلمون : هل هذه له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : بل هي للمسلمين عامة٢. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عمر أن الآيات نزلت في نفر من المسلمين منهم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد كانوا أسلموا ثم عذبوا وفتنوا فافتتنوا فكان المهاجرون يقولون : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أسلموا ثم تركوا دينهم من العذاب. فأنزل الله الآيات فكتبها عمر بن الخطاب وأرسلها إليهم فأسلموا وهاجروا٣. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أيضا أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾ الخ الفرقان :[ ٦٨ ] ونزل :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ الزمر :[ ٥٣ ] ورواية ابن عباس الأخيرة قد رواها البخاري أيضا٤.
وقال المفسرون فيما قالوه بصدد الآية : إنها موجهة للمؤمنين وفي حقهم عامة وإنها أرجى آية في القرآن وأبعثها أملا وسكينة لقلوب المذنبين منهم٥. بل قال بعضهم : إن الإطلاق في الآية يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة خلاف الظاهر٦ واستندوا في قولهم هذا إلى آية النساء [ ٤٧ ] المار ذكرها ونصها. وقد أوردوا في مناسبتها أحاديث نبوية منها حديث رواه أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( لولا أنكم تذنبون لخلق الله عز وجل قوما يذنبون فيغفر لهم ). وحديث رواه أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم. والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم )٧.
ومنها حديث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات )٨. وحديث عن عمرو بن عنبسة قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي ؟ قال : ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله. فقال : قد غفر لك غدراتك وفجراتك )٩. وحديث عن علي بن أبي طالب قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب )١٠.
ويلحظ أولا : أن روايات وحشي غريبة في مناسبتها وظرفها ثم في تدرجها لأجل إقناعه وجعله يسلم وهي لم ترد في كتب الصحاح. وفضلا عن ذلك إن آية النساء [ ٤٨ ] التي تروي هذه الروايات أنها نزلت لإقناعه ليست في صدد تأميل غير المشركين، وإنما هي في صدد تعظيم جريمة الشرك بالله كما هو ظاهر بقوة في أسلوبها.
وثانيا : إنها مروية عن ابن عباس مع أن رواية كون الآية نزلت بمناسبة مراجعة أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها البخاري قد رواها ابن عباس أيضا.
وثالثا : إن الآية منسجمة انسجاما تاما مع الآيات التالية لها إلى آخر الآية [ ٥٩ ] وإن القول إنها أو إنها والآية [ ٥٤ ] فقط مدنيتان غير مستقيم. وتبعا لذلك نشك في رواية مدنية الآية أو الآيتين ونشك بالتالي في رواية كونهما نزلتا في شأن وحشي، أو شأن النفر الذين ارتدوا ولم يهاجروا مع المهاجرين. وكل ما يمكن احتماله أن تكون الآية ذكرت لهم أو لهم ولوحشي على سبيل الترغيب والتشجيع والتأميل. والرواية الثانية التي رواها البخاري هي الأكثر احتمالا ولا يضعف هذا الاحتمال جمع الرواية هذه الآية مع الفرقان التي نزلت قبلها بمدة طويلة. فمن الممكن أن يفرض أن مراجعات أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قد تكررت فنزلت أولا آيات الفرقان ثم آيات الزمر التي نحن في صددها فجمع ابن عباس رضي الله عنه المناسبات المتكررة مع بعضها في روايته. وروح الآيات ومضمونها تدعم هذه الرواية أو بعبارة ثانية تدعم كون الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين والكفار. ؟ وقد حكت ما سوف يبدونه من ندم وحسرة لإضاعتهم الفرصة. وفي الآية الأخيرة دليل حاسم. وكل هذا يسوغ القول بجزم أن الآيات سلسلة واحدة متماسكة لا يصح فصل بعضها عن بعض وهي في مجموعها في صدد حث الكفار على الإنابة إلى الله والاستجابة إلى دعوة الإسلام والترغيب في ذلك وهم في سعة من الوقت والتحذير من إضاعة الفرصة بالإهمال والتباطؤ.
وروح الآيات ومضمونها مجتمعة تسوغ استغراب ما قاله بعض المفسرين أو رووه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الآية الأولى أرجى آية في القرآن أو أن الإطلاق فيها يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة هو خلاف الظاهر. فإذا كانت الآية تقول :﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ فإن الآية التي تلتها ردفت ذلك بالحث على سرعة الإنابة إلى الله وإتباع أحسن ما أنزل بالتحذير من التباطؤ والإهمال وما يجرانه من حسرة وندم. وهذا فضلا عن أن القول إن الله يغفر جميع الذنوب والآثام دون توبة وندم وتلاف للذنوب بصالح العمل والإصلاح هو إفراط لا يتسق مع آيات القرآن التي لا تكاد تحصى كثرة في صدد الإنذار والتبشير والوعد والوعيد وتقبيح القبيح وتحسين الحسن وتوفية الناس جزاء أعمالهم كلا بحسب عمله. وما ورد من الأحاديث النبوية يحمل فيما نعتقد في حالة صحتها ولا ننفي ذلك على قصد الترغيب في التوبة والحث عليها وعلى تقرير كون الله تعالى يغفر للنادم والتائب المستغفر، وبهذا يتم التساوق ويزول التناقض.
على أن الآيات تتضمن تلقينا بليغا مستمر المدى يتسق مع مبدأ التوبة القرآني الذي شرحناه في سياق تفسير سورة الفرقان، وهو عدم إيئاس أي كائن دون تلافي أخطائه والرجوع عن آثامه المتنوعة من كفر ومما دون الكفر، وإصلاح نفسه دينيا ودنيويا وإبقاء باب العفو مفتوحا لمن حسنت فيهم النيات واستيقظت الضمائر إذا ما ترووا وندموا وأنابوا إلى الله واتبعوا أحسن ما أنزل منه وهم في متسع من الوقت وفسحة من العمر والعافية.
ونقطة أخرى جديرة بالتسجيل عن الآيات، من حيث إنها تنطوي على تقرير محكم حاسم يضاف إلى التقريرات المحكمة الحاسمة الكثيرة بأهلية الإنسان للكسب والاختيار بين الهدى والضلال وبمسؤوليته عن كسبه واختياره. والآية [ ٥٧ ] بخاصة قوية جديرة بالتنويه في هذا الباب ؛ حيث تندد بالذي يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. وقد ردت عليه الآية التي تلتها فقررت أن الله قد أراه طريق الهدى بآياته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه كذب واستكبر وكان من الكافرين فاستحق عذاب الله.
تعلق على جملة
﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾
وقد يوهم تعبير ﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ أن فيما نزل ما هو حسن وما هو أحسن. ولسنا نرى محلا للتوهم ونرى أن التعبير أسلوبي. هذا فضلا عن إمكان صرف تعبير ﴿ أحسن ﴾ إلى الهدى والخير والحث عليهما بالنسبة لما حذر منه القرآن من الشر والضلال والآثام. فالله قد بين طريق الخير وحقيقة الخير وأنواعه ودعا إليه، وبين طريق الشر وحقيقة الشر وأنواعه وحذر منه. وأحسن ما أنزل هو الأول، والناس مدعوون إلى إتباعه دون الثاني. وجميع المأمورات الإيمانية والأخلاقية تدخل في شمول الأول كما هو المتبادر.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي، وانظر أيضا تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧..
٢ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٣ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٤ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٥ انظر كتب التفسير السابقة أيضا..
٦ انظر تفسير الخازن.
٧ انظر تفسير ابن كثير..
٨ النصوص من ابن كثير..
٩ فارغ؟؟؟؟؟؟.
١٠ فارغ؟؟؟؟؟؟.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ( ٥٣ ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( ٥٤ ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( ٥٥ ) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( ٥٦ ) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( ٥٧ ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( ٥٨ ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٣ – ٥٩ ].

في الآيات :

أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم، وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت، وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى إتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.
وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثار مواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين : إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم : لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.
والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما، ولعل مما يصح أن يقال : إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني، وقد مر منه أمثلة عديدة.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾
وما بعدها
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.
وروى المفسرون بعض الروايات١ في سبب نزول الآية [ ٥٣ ] منها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أنها نزلت في حق وحشي الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقعة أحد حيث استعظم ذنبه فأنزل الله آية الفرقان [ ٧٠ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ﴾ فقال وحشي : هذا شرط شديد. فأنزل الله آية سورة النساء [ ٤٨ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فقال : أراني بعد في شبهة فأنزل الله آية الزمر [ ٥٣ ] التي نحن في صددها فقال : هذا نعم، ثم جاء فأسلم. فسأل المسلمون : هل هذه له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : بل هي للمسلمين عامة٢. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عمر أن الآيات نزلت في نفر من المسلمين منهم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد كانوا أسلموا ثم عذبوا وفتنوا فافتتنوا فكان المهاجرون يقولون : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أسلموا ثم تركوا دينهم من العذاب. فأنزل الله الآيات فكتبها عمر بن الخطاب وأرسلها إليهم فأسلموا وهاجروا٣. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أيضا أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾ الخ الفرقان :[ ٦٨ ] ونزل :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ الزمر :[ ٥٣ ] ورواية ابن عباس الأخيرة قد رواها البخاري أيضا٤.
وقال المفسرون فيما قالوه بصدد الآية : إنها موجهة للمؤمنين وفي حقهم عامة وإنها أرجى آية في القرآن وأبعثها أملا وسكينة لقلوب المذنبين منهم٥. بل قال بعضهم : إن الإطلاق في الآية يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة خلاف الظاهر٦ واستندوا في قولهم هذا إلى آية النساء [ ٤٧ ] المار ذكرها ونصها. وقد أوردوا في مناسبتها أحاديث نبوية منها حديث رواه أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( لولا أنكم تذنبون لخلق الله عز وجل قوما يذنبون فيغفر لهم ). وحديث رواه أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم. والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم )٧.
ومنها حديث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات )٨. وحديث عن عمرو بن عنبسة قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي ؟ قال : ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله. فقال : قد غفر لك غدراتك وفجراتك )٩. وحديث عن علي بن أبي طالب قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب )١٠.
ويلحظ أولا : أن روايات وحشي غريبة في مناسبتها وظرفها ثم في تدرجها لأجل إقناعه وجعله يسلم وهي لم ترد في كتب الصحاح. وفضلا عن ذلك إن آية النساء [ ٤٨ ] التي تروي هذه الروايات أنها نزلت لإقناعه ليست في صدد تأميل غير المشركين، وإنما هي في صدد تعظيم جريمة الشرك بالله كما هو ظاهر بقوة في أسلوبها.
وثانيا : إنها مروية عن ابن عباس مع أن رواية كون الآية نزلت بمناسبة مراجعة أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها البخاري قد رواها ابن عباس أيضا.
وثالثا : إن الآية منسجمة انسجاما تاما مع الآيات التالية لها إلى آخر الآية [ ٥٩ ] وإن القول إنها أو إنها والآية [ ٥٤ ] فقط مدنيتان غير مستقيم. وتبعا لذلك نشك في رواية مدنية الآية أو الآيتين ونشك بالتالي في رواية كونهما نزلتا في شأن وحشي، أو شأن النفر الذين ارتدوا ولم يهاجروا مع المهاجرين. وكل ما يمكن احتماله أن تكون الآية ذكرت لهم أو لهم ولوحشي على سبيل الترغيب والتشجيع والتأميل. والرواية الثانية التي رواها البخاري هي الأكثر احتمالا ولا يضعف هذا الاحتمال جمع الرواية هذه الآية مع الفرقان التي نزلت قبلها بمدة طويلة. فمن الممكن أن يفرض أن مراجعات أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قد تكررت فنزلت أولا آيات الفرقان ثم آيات الزمر التي نحن في صددها فجمع ابن عباس رضي الله عنه المناسبات المتكررة مع بعضها في روايته. وروح الآيات ومضمونها تدعم هذه الرواية أو بعبارة ثانية تدعم كون الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين والكفار. ؟ وقد حكت ما سوف يبدونه من ندم وحسرة لإضاعتهم الفرصة. وفي الآية الأخيرة دليل حاسم. وكل هذا يسوغ القول بجزم أن الآيات سلسلة واحدة متماسكة لا يصح فصل بعضها عن بعض وهي في مجموعها في صدد حث الكفار على الإنابة إلى الله والاستجابة إلى دعوة الإسلام والترغيب في ذلك وهم في سعة من الوقت والتحذير من إضاعة الفرصة بالإهمال والتباطؤ.
وروح الآيات ومضمونها مجتمعة تسوغ استغراب ما قاله بعض المفسرين أو رووه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الآية الأولى أرجى آية في القرآن أو أن الإطلاق فيها يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة هو خلاف الظاهر. فإذا كانت الآية تقول :﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ فإن الآية التي تلتها ردفت ذلك بالحث على سرعة الإنابة إلى الله وإتباع أحسن ما أنزل بالتحذير من التباطؤ والإهمال وما يجرانه من حسرة وندم. وهذا فضلا عن أن القول إن الله يغفر جميع الذنوب والآثام دون توبة وندم وتلاف للذنوب بصالح العمل والإصلاح هو إفراط لا يتسق مع آيات القرآن التي لا تكاد تحصى كثرة في صدد الإنذار والتبشير والوعد والوعيد وتقبيح القبيح وتحسين الحسن وتوفية الناس جزاء أعمالهم كلا بحسب عمله. وما ورد من الأحاديث النبوية يحمل فيما نعتقد في حالة صحتها ولا ننفي ذلك على قصد الترغيب في التوبة والحث عليها وعلى تقرير كون الله تعالى يغفر للنادم والتائب المستغفر، وبهذا يتم التساوق ويزول التناقض.
على أن الآيات تتضمن تلقينا بليغا مستمر المدى يتسق مع مبدأ التوبة القرآني الذي شرحناه في سياق تفسير سورة الفرقان، وهو عدم إيئاس أي كائن دون تلافي أخطائه والرجوع عن آثامه المتنوعة من كفر ومما دون الكفر، وإصلاح نفسه دينيا ودنيويا وإبقاء باب العفو مفتوحا لمن حسنت فيهم النيات واستيقظت الضمائر إذا ما ترووا وندموا وأنابوا إلى الله واتبعوا أحسن ما أنزل منه وهم في متسع من الوقت وفسحة من العمر والعافية.
ونقطة أخرى جديرة بالتسجيل عن الآيات، من حيث إنها تنطوي على تقرير محكم حاسم يضاف إلى التقريرات المحكمة الحاسمة الكثيرة بأهلية الإنسان للكسب والاختيار بين الهدى والضلال وبمسؤوليته عن كسبه واختياره. والآية [ ٥٧ ] بخاصة قوية جديرة بالتنويه في هذا الباب ؛ حيث تندد بالذي يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. وقد ردت عليه الآية التي تلتها فقررت أن الله قد أراه طريق الهدى بآياته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه كذب واستكبر وكان من الكافرين فاستحق عذاب الله.
تعلق على جملة
﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾
وقد يوهم تعبير ﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ أن فيما نزل ما هو حسن وما هو أحسن. ولسنا نرى محلا للتوهم ونرى أن التعبير أسلوبي. هذا فضلا عن إمكان صرف تعبير ﴿ أحسن ﴾ إلى الهدى والخير والحث عليهما بالنسبة لما حذر منه القرآن من الشر والضلال والآثام. فالله قد بين طريق الخير وحقيقة الخير وأنواعه ودعا إليه، وبين طريق الشر وحقيقة الشر وأنواعه وحذر منه. وأحسن ما أنزل هو الأول، والناس مدعوون إلى إتباعه دون الثاني. وجميع المأمورات الإيمانية والأخلاقية تدخل في شمول الأول كما هو المتبادر.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي، وانظر أيضا تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧..
٢ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٣ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٤ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٥ انظر كتب التفسير السابقة أيضا..
٦ انظر تفسير الخازن.
٧ انظر تفسير ابن كثير..
٨ النصوص من ابن كثير..
٩ فارغ؟؟؟؟؟؟.
١٠ فارغ؟؟؟؟؟؟.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ( ٥٣ ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( ٥٤ ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( ٥٥ ) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( ٥٦ ) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( ٥٧ ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( ٥٨ ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٣ – ٥٩ ].

في الآيات :

أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم، وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت، وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى إتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.
وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثار مواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين : إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم : لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.
والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما، ولعل مما يصح أن يقال : إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني، وقد مر منه أمثلة عديدة.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾
وما بعدها
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.
وروى المفسرون بعض الروايات١ في سبب نزول الآية [ ٥٣ ] منها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أنها نزلت في حق وحشي الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقعة أحد حيث استعظم ذنبه فأنزل الله آية الفرقان [ ٧٠ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ﴾ فقال وحشي : هذا شرط شديد. فأنزل الله آية سورة النساء [ ٤٨ ] التي فيها هذه الجملة :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ فقال : أراني بعد في شبهة فأنزل الله آية الزمر [ ٥٣ ] التي نحن في صددها فقال : هذا نعم، ثم جاء فأسلم. فسأل المسلمون : هل هذه له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : بل هي للمسلمين عامة٢. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عمر أن الآيات نزلت في نفر من المسلمين منهم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد كانوا أسلموا ثم عذبوا وفتنوا فافتتنوا فكان المهاجرون يقولون : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أسلموا ثم تركوا دينهم من العذاب. فأنزل الله الآيات فكتبها عمر بن الخطاب وأرسلها إليهم فأسلموا وهاجروا٣. ومنها ما ذكر عزوا إلى ابن عباس أيضا أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾ الخ الفرقان :[ ٦٨ ] ونزل :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ الزمر :[ ٥٣ ] ورواية ابن عباس الأخيرة قد رواها البخاري أيضا٤.
وقال المفسرون فيما قالوه بصدد الآية : إنها موجهة للمؤمنين وفي حقهم عامة وإنها أرجى آية في القرآن وأبعثها أملا وسكينة لقلوب المذنبين منهم٥. بل قال بعضهم : إن الإطلاق في الآية يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة خلاف الظاهر٦ واستندوا في قولهم هذا إلى آية النساء [ ٤٧ ] المار ذكرها ونصها. وقد أوردوا في مناسبتها أحاديث نبوية منها حديث رواه أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( لولا أنكم تذنبون لخلق الله عز وجل قوما يذنبون فيغفر لهم ). وحديث رواه أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم. والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم )٧.
ومنها حديث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات )٨. وحديث عن عمرو بن عنبسة قال :( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي ؟ قال : ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله. فقال : قد غفر لك غدراتك وفجراتك )٩. وحديث عن علي بن أبي طالب قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب )١٠.
ويلحظ أولا : أن روايات وحشي غريبة في مناسبتها وظرفها ثم في تدرجها لأجل إقناعه وجعله يسلم وهي لم ترد في كتب الصحاح. وفضلا عن ذلك إن آية النساء [ ٤٨ ] التي تروي هذه الروايات أنها نزلت لإقناعه ليست في صدد تأميل غير المشركين، وإنما هي في صدد تعظيم جريمة الشرك بالله كما هو ظاهر بقوة في أسلوبها.
وثانيا : إنها مروية عن ابن عباس مع أن رواية كون الآية نزلت بمناسبة مراجعة أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها البخاري قد رواها ابن عباس أيضا.
وثالثا : إن الآية منسجمة انسجاما تاما مع الآيات التالية لها إلى آخر الآية [ ٥٩ ] وإن القول إنها أو إنها والآية [ ٥٤ ] فقط مدنيتان غير مستقيم. وتبعا لذلك نشك في رواية مدنية الآية أو الآيتين ونشك بالتالي في رواية كونهما نزلتا في شأن وحشي، أو شأن النفر الذين ارتدوا ولم يهاجروا مع المهاجرين. وكل ما يمكن احتماله أن تكون الآية ذكرت لهم أو لهم ولوحشي على سبيل الترغيب والتشجيع والتأميل. والرواية الثانية التي رواها البخاري هي الأكثر احتمالا ولا يضعف هذا الاحتمال جمع الرواية هذه الآية مع الفرقان التي نزلت قبلها بمدة طويلة. فمن الممكن أن يفرض أن مراجعات أناس من المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قد تكررت فنزلت أولا آيات الفرقان ثم آيات الزمر التي نحن في صددها فجمع ابن عباس رضي الله عنه المناسبات المتكررة مع بعضها في روايته. وروح الآيات ومضمونها تدعم هذه الرواية أو بعبارة ثانية تدعم كون الآيات موجهة في الدرجة الأولى إلى المشركين والكفار. ؟ وقد حكت ما سوف يبدونه من ندم وحسرة لإضاعتهم الفرصة. وفي الآية الأخيرة دليل حاسم. وكل هذا يسوغ القول بجزم أن الآيات سلسلة واحدة متماسكة لا يصح فصل بعضها عن بعض وهي في مجموعها في صدد حث الكفار على الإنابة إلى الله والاستجابة إلى دعوة الإسلام والترغيب في ذلك وهم في سعة من الوقت والتحذير من إضاعة الفرصة بالإهمال والتباطؤ.
وروح الآيات ومضمونها مجتمعة تسوغ استغراب ما قاله بعض المفسرين أو رووه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن الآية الأولى أرجى آية في القرآن أو أن الإطلاق فيها يجعل تقييد غفران الذنوب بالتوبة هو خلاف الظاهر. فإذا كانت الآية تقول :﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ فإن الآية التي تلتها ردفت ذلك بالحث على سرعة الإنابة إلى الله وإتباع أحسن ما أنزل بالتحذير من التباطؤ والإهمال وما يجرانه من حسرة وندم. وهذا فضلا عن أن القول إن الله يغفر جميع الذنوب والآثام دون توبة وندم وتلاف للذنوب بصالح العمل والإصلاح هو إفراط لا يتسق مع آيات القرآن التي لا تكاد تحصى كثرة في صدد الإنذار والتبشير والوعد والوعيد وتقبيح القبيح وتحسين الحسن وتوفية الناس جزاء أعمالهم كلا بحسب عمله. وما ورد من الأحاديث النبوية يحمل فيما نعتقد في حالة صحتها ولا ننفي ذلك على قصد الترغيب في التوبة والحث عليها وعلى تقرير كون الله تعالى يغفر للنادم والتائب المستغفر، وبهذا يتم التساوق ويزول التناقض.
على أن الآيات تتضمن تلقينا بليغا مستمر المدى يتسق مع مبدأ التوبة القرآني الذي شرحناه في سياق تفسير سورة الفرقان، وهو عدم إيئاس أي كائن دون تلافي أخطائه والرجوع عن آثامه المتنوعة من كفر ومما دون الكفر، وإصلاح نفسه دينيا ودنيويا وإبقاء باب العفو مفتوحا لمن حسنت فيهم النيات واستيقظت الضمائر إذا ما ترووا وندموا وأنابوا إلى الله واتبعوا أحسن ما أنزل منه وهم في متسع من الوقت وفسحة من العمر والعافية.
ونقطة أخرى جديرة بالتسجيل عن الآيات، من حيث إنها تنطوي على تقرير محكم حاسم يضاف إلى التقريرات المحكمة الحاسمة الكثيرة بأهلية الإنسان للكسب والاختيار بين الهدى والضلال وبمسؤوليته عن كسبه واختياره. والآية [ ٥٧ ] بخاصة قوية جديرة بالتنويه في هذا الباب ؛ حيث تندد بالذي يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. وقد ردت عليه الآية التي تلتها فقررت أن الله قد أراه طريق الهدى بآياته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه كذب واستكبر وكان من الكافرين فاستحق عذاب الله.
تعلق على جملة
﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾
وقد يوهم تعبير ﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ أن فيما نزل ما هو حسن وما هو أحسن. ولسنا نرى محلا للتوهم ونرى أن التعبير أسلوبي. هذا فضلا عن إمكان صرف تعبير ﴿ أحسن ﴾ إلى الهدى والخير والحث عليهما بالنسبة لما حذر منه القرآن من الشر والضلال والآثام. فالله قد بين طريق الخير وحقيقة الخير وأنواعه ودعا إليه، وبين طريق الشر وحقيقة الشر وأنواعه وحذر منه. وأحسن ما أنزل هو الأول، والناس مدعوون إلى إتباعه دون الثاني. وجميع المأمورات الإيمانية والأخلاقية تدخل في شمول الأول كما هو المتبادر.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي، وانظر أيضا تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧..
٢ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٣ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٤ انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وانظر التاج جـ ٤ فصل التفسير ص ١٩٩..
٥ انظر كتب التفسير السابقة أيضا..
٦ انظر تفسير الخازن.
٧ انظر تفسير ابن كثير..
٨ النصوص من ابن كثير..
٩ فارغ؟؟؟؟؟؟.
١٠ فارغ؟؟؟؟؟؟.

﴿ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ( ٦٠ ) وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( ٦١ ) الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ( ٦٢ ) له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( ٦٣ ) ﴾ [ ٦٠ – ٦٣ ].
الآيات معقبة على ما قبلها تعقيب توضيح وتقرير كما هو المتبادر حيث احتوت بيان مصير الكافرين الذين كذبوا على الله بالشرك حيث تسود وجوههم وتكون جهنم مثواهم، وبيان مصير المؤمنين بالمقابلة جريا على الأسلوب القرآني ؛ حيث ينجيهم الله لأنهم فازوا برضائه بسبب تقواهم. فالله خالق كل شيء وهو شهيد على كل شيء وعالم بكل شيء. وفي يده مقاليد السماوات والأرض. فمن يكفر بهذه الحقائق فهم الخاسرون حتما.
والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته تدعيم الإنذار والتحذير والتخويف للذين يهملون اغتنام الفرصة وهم في فسحة من العمر والوقت والتنويه والتطمين لمن آمن واتقى، مع التنبيه على واجب الإيمان بما احتوته من مشهد أخروي.
مفازتهم : بمعنى فوزهم أي بما فازوا به من رضاء الله بسبب تقواهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:﴿ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ( ٦٠ ) وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( ٦١ ) الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ( ٦٢ ) له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( ٦٣ ) ﴾ [ ٦٠ – ٦٣ ].
الآيات معقبة على ما قبلها تعقيب توضيح وتقرير كما هو المتبادر حيث احتوت بيان مصير الكافرين الذين كذبوا على الله بالشرك حيث تسود وجوههم وتكون جهنم مثواهم، وبيان مصير المؤمنين بالمقابلة جريا على الأسلوب القرآني ؛ حيث ينجيهم الله لأنهم فازوا برضائه بسبب تقواهم. فالله خالق كل شيء وهو شهيد على كل شيء وعالم بكل شيء. وفي يده مقاليد السماوات والأرض. فمن يكفر بهذه الحقائق فهم الخاسرون حتما.
والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته تدعيم الإنذار والتحذير والتخويف للذين يهملون اغتنام الفرصة وهم في فسحة من العمر والوقت والتنويه والتطمين لمن آمن واتقى، مع التنبيه على واجب الإيمان بما احتوته من مشهد أخروي.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:﴿ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ( ٦٠ ) وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( ٦١ ) الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ( ٦٢ ) له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( ٦٣ ) ﴾ [ ٦٠ – ٦٣ ].
الآيات معقبة على ما قبلها تعقيب توضيح وتقرير كما هو المتبادر حيث احتوت بيان مصير الكافرين الذين كذبوا على الله بالشرك حيث تسود وجوههم وتكون جهنم مثواهم، وبيان مصير المؤمنين بالمقابلة جريا على الأسلوب القرآني ؛ حيث ينجيهم الله لأنهم فازوا برضائه بسبب تقواهم. فالله خالق كل شيء وهو شهيد على كل شيء وعالم بكل شيء. وفي يده مقاليد السماوات والأرض. فمن يكفر بهذه الحقائق فهم الخاسرون حتما.
والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته تدعيم الإنذار والتحذير والتخويف للذين يهملون اغتنام الفرصة وهم في فسحة من العمر والوقت والتنويه والتطمين لمن آمن واتقى، مع التنبيه على واجب الإيمان بما احتوته من مشهد أخروي.

مقاليد : هنا بمعنى أمور وشؤون وحكم. ويؤول المؤولون من التابعين كلمة مقاليد بمفاتح خزائن السماوات والأرض أيضا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:﴿ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ( ٦٠ ) وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( ٦١ ) الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ( ٦٢ ) له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( ٦٣ ) ﴾ [ ٦٠ – ٦٣ ].
الآيات معقبة على ما قبلها تعقيب توضيح وتقرير كما هو المتبادر حيث احتوت بيان مصير الكافرين الذين كذبوا على الله بالشرك حيث تسود وجوههم وتكون جهنم مثواهم، وبيان مصير المؤمنين بالمقابلة جريا على الأسلوب القرآني ؛ حيث ينجيهم الله لأنهم فازوا برضائه بسبب تقواهم. فالله خالق كل شيء وهو شهيد على كل شيء وعالم بكل شيء. وفي يده مقاليد السماوات والأرض. فمن يكفر بهذه الحقائق فهم الخاسرون حتما.
والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته تدعيم الإنذار والتحذير والتخويف للذين يهملون اغتنام الفرصة وهم في فسحة من العمر والوقت والتنويه والتطمين لمن آمن واتقى، مع التنبيه على واجب الإيمان بما احتوته من مشهد أخروي.

﴿ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( ٦٤ ) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( ٦٥ ) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ( ٦٦ ) ﴾ [ ٦٤ – ٦٦ ].
في الآيات أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه سؤال استنكاري فيه معنى التقريع للكفار عما إذا كانوا يريدونه أن يعبد غير الله كما يفعلون بجهلهم في حين أن الله قد أوحى إليه وإلى الأنبياء من قبله أن الذي يشرك بالله يحبط عمله ويكون خاسرا، وأن عليه أن يعبد الله وحده ويكون له شاكرا.
وفي توجيه الخطاب في الآية الأولى للكافرين عود على بدء في صدد محاججتهم والتنديد بهم، وربط بين هذه الآيات وما قبلها سياقا وموضوعا، وقرينة على أن الآيات السابقة لها متصلة أيضا بموقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار وبسبيل دعوة الكفار إلى الله وحده.
ولقد قال المفسرون١ في سياق تفسير الآية الأولى : إنها جواب لطلب الكفار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعبد آلهتهم ليعبدوا إلهه. وروى ابن كثير عن ابن عباس أن ذلك سبب نزول الآية. ونحن نرجح أن الآية متصلة بالسياق السابق واللاحق ولم تنزل منفصلة لسبب جديد. وهذه ثالث مرة يتكرر فيها مثل هذا الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في السورة، ولقد نبهنا إلى ذلك في مناسبة سابقة منها وعللناه بما تبادر لنا، ونرجو أنه الصواب فنكتفي بذلك.
١ انظر تفسير الآية في كتب تفسير الخازن وابن كثير والزمخشري..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:﴿ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( ٦٤ ) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( ٦٥ ) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ( ٦٦ ) ﴾ [ ٦٤ – ٦٦ ].
في الآيات أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه سؤال استنكاري فيه معنى التقريع للكفار عما إذا كانوا يريدونه أن يعبد غير الله كما يفعلون بجهلهم في حين أن الله قد أوحى إليه وإلى الأنبياء من قبله أن الذي يشرك بالله يحبط عمله ويكون خاسرا، وأن عليه أن يعبد الله وحده ويكون له شاكرا.
وفي توجيه الخطاب في الآية الأولى للكافرين عود على بدء في صدد محاججتهم والتنديد بهم، وربط بين هذه الآيات وما قبلها سياقا وموضوعا، وقرينة على أن الآيات السابقة لها متصلة أيضا بموقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار وبسبيل دعوة الكفار إلى الله وحده.
ولقد قال المفسرون١ في سياق تفسير الآية الأولى : إنها جواب لطلب الكفار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعبد آلهتهم ليعبدوا إلهه. وروى ابن كثير عن ابن عباس أن ذلك سبب نزول الآية. ونحن نرجح أن الآية متصلة بالسياق السابق واللاحق ولم تنزل منفصلة لسبب جديد. وهذه ثالث مرة يتكرر فيها مثل هذا الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في السورة، ولقد نبهنا إلى ذلك في مناسبة سابقة منها وعللناه بما تبادر لنا، ونرجو أنه الصواب فنكتفي بذلك.
١ انظر تفسير الآية في كتب تفسير الخازن وابن كثير والزمخشري..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:﴿ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( ٦٤ ) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( ٦٥ ) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ( ٦٦ ) ﴾ [ ٦٤ – ٦٦ ].
في الآيات أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه سؤال استنكاري فيه معنى التقريع للكفار عما إذا كانوا يريدونه أن يعبد غير الله كما يفعلون بجهلهم في حين أن الله قد أوحى إليه وإلى الأنبياء من قبله أن الذي يشرك بالله يحبط عمله ويكون خاسرا، وأن عليه أن يعبد الله وحده ويكون له شاكرا.
وفي توجيه الخطاب في الآية الأولى للكافرين عود على بدء في صدد محاججتهم والتنديد بهم، وربط بين هذه الآيات وما قبلها سياقا وموضوعا، وقرينة على أن الآيات السابقة لها متصلة أيضا بموقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار وبسبيل دعوة الكفار إلى الله وحده.
ولقد قال المفسرون١ في سياق تفسير الآية الأولى : إنها جواب لطلب الكفار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعبد آلهتهم ليعبدوا إلهه. وروى ابن كثير عن ابن عباس أن ذلك سبب نزول الآية. ونحن نرجح أن الآية متصلة بالسياق السابق واللاحق ولم تنزل منفصلة لسبب جديد. وهذه ثالث مرة يتكرر فيها مثل هذا الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في السورة، ولقد نبهنا إلى ذلك في مناسبة سابقة منها وعللناه بما تبادر لنا، ونرجو أنه الصواب فنكتفي بذلك.
١ انظر تفسير الآية في كتب تفسير الخازن وابن كثير والزمخشري..

﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( ٦٧ ) ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ٦٨ ) وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ( ٦٩ ) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ( ٧٠ ) ﴾ [ ٦٧ – ٧٠ ].
في الآيات إشارة تعنيفية إلى الكفار المشركين على عدم إدراكهم حق الإدراك وتقديرهم حق التقدير مدى عظمة الله وقدرته وشأنه واستحقاقه وحده للخضوع والعبادة وتنزهه وتعاليه عن الشركاء. واستطراد إلى ذكر ما يكون يوم القيامة من دلائل عظمته وقدرته وشمول تصرفه ؛ حيث تكون الأرض في قبضته والسماوات مطويات بيمينه. وحيث ينفخ في الصور للمرة الأولى فيخر من في السماوات والأرض إلا من شاء الله مصعوقا. ثم ينفخ فيه للمرة الثانية فيقومون جميعا مندهشين ينتظرون مصائرهم. وحيث يتجلى الله حينئذ على الأرض فتمتلئ إشراقا بنوره. وينعقد مجلس القضاء ويؤتى بكتب أعمال الناس وبالنبيين والشهداء ويقضي بين الناس بالحق دونما إجحاف وظلم وتوفى كل نفس ما عملت والله أعلم بما يفعلون.
تعليقات على الآية
﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾
والآيات الثلاث التي بعدها
ولقد روى الترمذي عن ابن عباس قال :( مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : يا يهودي حدثنا، فقال : كيف يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرض على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه ؟ وأشار الراوي محمد بن الصلت بخنصره أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام فأنزل الله تعالى :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( ٦٧ ) ﴾١. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية وأن تكون نزلت لحدتها. ولم يرو أحد مدنية الآية، وارتباطها بما بعدها قوي. وهي بعد معطوفة على ما قبلها. وضمير الفاعل في ﴿ وما قدروا الله ﴾ هو عائد على المعطوف عليه وهم الكفار موضوع الكلام في الآية السابقة.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات عن عبد الله بن مسعود قال :( جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله، فقال : يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرض على إصبع والشجر على إصبع والماء على إصبع والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع فيقول : أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ﴾ ولعل التباسا ما وقع في الرواية حيث يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تلا هذه الآية حين ما سأل اليهود فظن الراوي أنها نزلت في مناسبة السؤال.
وكل ما تقدم يسوغ التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية في المدينة والقول إن الآيات وحدة تامة ومعطوفة على ما قبلها ومتصلة به. وأنها استهدفت كما قلنا في شرحنا فيما استهدفته التنويه بعظم قدرة الله تعالى ومطلق تصرفه في خلقه ثم توكيد البعث الأخروي ومحاسبة الناس على أعمالهم وجزائهم بما يستحقون عليها.
ولقد روى البغوي في سياق الآية حديثا عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون ). ولقد روى ابن كثير هذا الحديث من إخراج الإمام أحمد بصيغة أخرى فيها مماثلة وفيها زيادات قال :( قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم على المنبر :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ﴾ ورسول الله يقول هكذا بيده يحركها. يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فيرجف المنبر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قلنا ليخرن به ).
والحديث لم يرد بهذا النص أو ذاك في كتب الصحاح ولكن ورد شيء منه فيها حيث روى الشيخان حديثا جاء فيه :( يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين الملوك )٢. وفي هذه الأحاديث صورة من تعليقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الآية للتنويه بعظمة الله بما هو إلهام من عند الله عز وجل.
والنفخ في الصور في الآيات رافقه صعق واستثناء، ومع أن القرآن استعمل الصعق بمعنى الإغماء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك ﴾ فإن الجمهور على أنها هنا بمعنى الموت الصاعق. وفي جملة :﴿ ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ٦٨ ) ﴾ ما قد يدعم هذا الرأي.
ولقد كرر المفسرون هنا ما قالوه في سياق آيات سورة النمل [ ٨٧ – ٩٠ ] في جملة ﴿ إلا من شاء الله ﴾ حيث قالوا إن المستثنين هم الشهداء أو كبار الملائكة. ثم يقضي الله على هؤلاء بالموت فلا يبقى إلا الله عز وجل. ونص الاستثناء صريح بأن هناك فريقا قد يشاء الله تعالى أن يستثنى من الصعق. وهذا ما يجعل ما يقولونه موضوع توقف في نطاق النص القرآني. وليس هناك حديث صحيح في ذلك فنرى الوقوف عندما اقتضته حكمة التنزيل التي قد يلمح أن منها قصد بيان ما يكون عليه وقت البعث والحشر من رهبة وهول.
ولقد اختلفت الأقوال في مدى تعبيري قبضته ويمينه. وقد ألمحنا بهذا الموضوع في تعليق عقدناه في آخر تفسير سورة القصص فنكتفي بهذا التنبيه.
ويلحظ ما بين المشهد الذي احتوته الآية [ ٦٩ ] وما اعتاده الناس في الدنيا من مجالس القضاء لإحقاق الحق والعدل ؛ حيث يتسق هذا مع حكمة التنزيل التي نوهنا بها في تعليقاتنا على الحياة الأخروية بوصف مشاهد هذه الحياة بأوصاف مألوفة للناس على سبيل التقريب والتمثيل مع التنبيه على واجب الإيمان بحقيقة المشهد المذكور في الآية.
وقد يكون في الآيتين [ ٦٩ – ٧٠ ] تعليم رباني للناس وبخاصة للحكام بوجوب حرصهم على إظهار الحق والعدل بالبينات بقطع النظر عن ما يمكن أن يكون لهم علم بحقيقة وواقع القضايا المعروضة عليهم، مما عبر عنه بالقاعدة المشهورة ( الحاكم لا يحكم بعلمه ).
١ التاج جـ ٣ ص ١٩٩ – ٢٠٠..
٢ التاج جـ ٤ ص ٢٠٠..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( ٦٧ ) ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ٦٨ ) وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ( ٦٩ ) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ( ٧٠ ) ﴾ [ ٦٧ – ٧٠ ].
في الآيات إشارة تعنيفية إلى الكفار المشركين على عدم إدراكهم حق الإدراك وتقديرهم حق التقدير مدى عظمة الله وقدرته وشأنه واستحقاقه وحده للخضوع والعبادة وتنزهه وتعاليه عن الشركاء. واستطراد إلى ذكر ما يكون يوم القيامة من دلائل عظمته وقدرته وشمول تصرفه ؛ حيث تكون الأرض في قبضته والسماوات مطويات بيمينه. وحيث ينفخ في الصور للمرة الأولى فيخر من في السماوات والأرض إلا من شاء الله مصعوقا. ثم ينفخ فيه للمرة الثانية فيقومون جميعا مندهشين ينتظرون مصائرهم. وحيث يتجلى الله حينئذ على الأرض فتمتلئ إشراقا بنوره. وينعقد مجلس القضاء ويؤتى بكتب أعمال الناس وبالنبيين والشهداء ويقضي بين الناس بالحق دونما إجحاف وظلم وتوفى كل نفس ما عملت والله أعلم بما يفعلون.
تعليقات على الآية
﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾
والآيات الثلاث التي بعدها
ولقد روى الترمذي عن ابن عباس قال :( مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : يا يهودي حدثنا، فقال : كيف يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرض على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه ؟ وأشار الراوي محمد بن الصلت بخنصره أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام فأنزل الله تعالى :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( ٦٧ ) ﴾١. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية وأن تكون نزلت لحدتها. ولم يرو أحد مدنية الآية، وارتباطها بما بعدها قوي. وهي بعد معطوفة على ما قبلها. وضمير الفاعل في ﴿ وما قدروا الله ﴾ هو عائد على المعطوف عليه وهم الكفار موضوع الكلام في الآية السابقة.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات عن عبد الله بن مسعود قال :( جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله، فقال : يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرض على إصبع والشجر على إصبع والماء على إصبع والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع فيقول : أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ﴾ ولعل التباسا ما وقع في الرواية حيث يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تلا هذه الآية حين ما سأل اليهود فظن الراوي أنها نزلت في مناسبة السؤال.
وكل ما تقدم يسوغ التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية في المدينة والقول إن الآيات وحدة تامة ومعطوفة على ما قبلها ومتصلة به. وأنها استهدفت كما قلنا في شرحنا فيما استهدفته التنويه بعظم قدرة الله تعالى ومطلق تصرفه في خلقه ثم توكيد البعث الأخروي ومحاسبة الناس على أعمالهم وجزائهم بما يستحقون عليها.
ولقد روى البغوي في سياق الآية حديثا عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون ). ولقد روى ابن كثير هذا الحديث من إخراج الإمام أحمد بصيغة أخرى فيها مماثلة وفيها زيادات قال :( قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم على المنبر :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ﴾ ورسول الله يقول هكذا بيده يحركها. يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فيرجف المنبر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قلنا ليخرن به ).
والحديث لم يرد بهذا النص أو ذاك في كتب الصحاح ولكن ورد شيء منه فيها حيث روى الشيخان حديثا جاء فيه :( يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين الملوك )٢. وفي هذه الأحاديث صورة من تعليقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الآية للتنويه بعظمة الله بما هو إلهام من عند الله عز وجل.
والنفخ في الصور في الآيات رافقه صعق واستثناء، ومع أن القرآن استعمل الصعق بمعنى الإغماء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك ﴾ فإن الجمهور على أنها هنا بمعنى الموت الصاعق. وفي جملة :﴿ ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ٦٨ ) ﴾ ما قد يدعم هذا الرأي.
ولقد كرر المفسرون هنا ما قالوه في سياق آيات سورة النمل [ ٨٧ – ٩٠ ] في جملة ﴿ إلا من شاء الله ﴾ حيث قالوا إن المستثنين هم الشهداء أو كبار الملائكة. ثم يقضي الله على هؤلاء بالموت فلا يبقى إلا الله عز وجل. ونص الاستثناء صريح بأن هناك فريقا قد يشاء الله تعالى أن يستثنى من الصعق. وهذا ما يجعل ما يقولونه موضوع توقف في نطاق النص القرآني. وليس هناك حديث صحيح في ذلك فنرى الوقوف عندما اقتضته حكمة التنزيل التي قد يلمح أن منها قصد بيان ما يكون عليه وقت البعث والحشر من رهبة وهول.
ولقد اختلفت الأقوال في مدى تعبيري قبضته ويمينه. وقد ألمحنا بهذا الموضوع في تعليق عقدناه في آخر تفسير سورة القصص فنكتفي بهذا التنبيه.
ويلحظ ما بين المشهد الذي احتوته الآية [ ٦٩ ] وما اعتاده الناس في الدنيا من مجالس القضاء لإحقاق الحق والعدل ؛ حيث يتسق هذا مع حكمة التنزيل التي نوهنا بها في تعليقاتنا على الحياة الأخروية بوصف مشاهد هذه الحياة بأوصاف مألوفة للناس على سبيل التقريب والتمثيل مع التنبيه على واجب الإيمان بحقيقة المشهد المذكور في الآية.
وقد يكون في الآيتين [ ٦٩ – ٧٠ ] تعليم رباني للناس وبخاصة للحكام بوجوب حرصهم على إظهار الحق والعدل بالبينات بقطع النظر عن ما يمكن أن يكون لهم علم بحقيقة وواقع القضايا المعروضة عليهم، مما عبر عنه بالقاعدة المشهورة ( الحاكم لا يحكم بعلمه ).
١ التاج جـ ٣ ص ١٩٩ – ٢٠٠..
٢ التاج جـ ٤ ص ٢٠٠..

الشهداء : الجمهور على أن الشهداء هنا هم الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم ويكتبونها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( ٦٧ ) ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ٦٨ ) وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ( ٦٩ ) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ( ٧٠ ) ﴾ [ ٦٧ – ٧٠ ].
في الآيات إشارة تعنيفية إلى الكفار المشركين على عدم إدراكهم حق الإدراك وتقديرهم حق التقدير مدى عظمة الله وقدرته وشأنه واستحقاقه وحده للخضوع والعبادة وتنزهه وتعاليه عن الشركاء. واستطراد إلى ذكر ما يكون يوم القيامة من دلائل عظمته وقدرته وشمول تصرفه ؛ حيث تكون الأرض في قبضته والسماوات مطويات بيمينه. وحيث ينفخ في الصور للمرة الأولى فيخر من في السماوات والأرض إلا من شاء الله مصعوقا. ثم ينفخ فيه للمرة الثانية فيقومون جميعا مندهشين ينتظرون مصائرهم. وحيث يتجلى الله حينئذ على الأرض فتمتلئ إشراقا بنوره. وينعقد مجلس القضاء ويؤتى بكتب أعمال الناس وبالنبيين والشهداء ويقضي بين الناس بالحق دونما إجحاف وظلم وتوفى كل نفس ما عملت والله أعلم بما يفعلون.
تعليقات على الآية
﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾
والآيات الثلاث التي بعدها
ولقد روى الترمذي عن ابن عباس قال :( مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : يا يهودي حدثنا، فقال : كيف يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرض على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه ؟ وأشار الراوي محمد بن الصلت بخنصره أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام فأنزل الله تعالى :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( ٦٧ ) ﴾١. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية وأن تكون نزلت لحدتها. ولم يرو أحد مدنية الآية، وارتباطها بما بعدها قوي. وهي بعد معطوفة على ما قبلها. وضمير الفاعل في ﴿ وما قدروا الله ﴾ هو عائد على المعطوف عليه وهم الكفار موضوع الكلام في الآية السابقة.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات عن عبد الله بن مسعود قال :( جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله، فقال : يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرض على إصبع والشجر على إصبع والماء على إصبع والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع فيقول : أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ﴾ ولعل التباسا ما وقع في الرواية حيث يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تلا هذه الآية حين ما سأل اليهود فظن الراوي أنها نزلت في مناسبة السؤال.
وكل ما تقدم يسوغ التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية في المدينة والقول إن الآيات وحدة تامة ومعطوفة على ما قبلها ومتصلة به. وأنها استهدفت كما قلنا في شرحنا فيما استهدفته التنويه بعظم قدرة الله تعالى ومطلق تصرفه في خلقه ثم توكيد البعث الأخروي ومحاسبة الناس على أعمالهم وجزائهم بما يستحقون عليها.
ولقد روى البغوي في سياق الآية حديثا عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون ). ولقد روى ابن كثير هذا الحديث من إخراج الإمام أحمد بصيغة أخرى فيها مماثلة وفيها زيادات قال :( قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم على المنبر :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ﴾ ورسول الله يقول هكذا بيده يحركها. يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فيرجف المنبر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قلنا ليخرن به ).
والحديث لم يرد بهذا النص أو ذاك في كتب الصحاح ولكن ورد شيء منه فيها حيث روى الشيخان حديثا جاء فيه :( يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين الملوك )٢. وفي هذه الأحاديث صورة من تعليقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الآية للتنويه بعظمة الله بما هو إلهام من عند الله عز وجل.
والنفخ في الصور في الآيات رافقه صعق واستثناء، ومع أن القرآن استعمل الصعق بمعنى الإغماء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك ﴾ فإن الجمهور على أنها هنا بمعنى الموت الصاعق. وفي جملة :﴿ ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ٦٨ ) ﴾ ما قد يدعم هذا الرأي.
ولقد كرر المفسرون هنا ما قالوه في سياق آيات سورة النمل [ ٨٧ – ٩٠ ] في جملة ﴿ إلا من شاء الله ﴾ حيث قالوا إن المستثنين هم الشهداء أو كبار الملائكة. ثم يقضي الله على هؤلاء بالموت فلا يبقى إلا الله عز وجل. ونص الاستثناء صريح بأن هناك فريقا قد يشاء الله تعالى أن يستثنى من الصعق. وهذا ما يجعل ما يقولونه موضوع توقف في نطاق النص القرآني. وليس هناك حديث صحيح في ذلك فنرى الوقوف عندما اقتضته حكمة التنزيل التي قد يلمح أن منها قصد بيان ما يكون عليه وقت البعث والحشر من رهبة وهول.
ولقد اختلفت الأقوال في مدى تعبيري قبضته ويمينه. وقد ألمحنا بهذا الموضوع في تعليق عقدناه في آخر تفسير سورة القصص فنكتفي بهذا التنبيه.
ويلحظ ما بين المشهد الذي احتوته الآية [ ٦٩ ] وما اعتاده الناس في الدنيا من مجالس القضاء لإحقاق الحق والعدل ؛ حيث يتسق هذا مع حكمة التنزيل التي نوهنا بها في تعليقاتنا على الحياة الأخروية بوصف مشاهد هذه الحياة بأوصاف مألوفة للناس على سبيل التقريب والتمثيل مع التنبيه على واجب الإيمان بحقيقة المشهد المذكور في الآية.
وقد يكون في الآيتين [ ٦٩ – ٧٠ ] تعليم رباني للناس وبخاصة للحكام بوجوب حرصهم على إظهار الحق والعدل بالبينات بقطع النظر عن ما يمكن أن يكون لهم علم بحقيقة وواقع القضايا المعروضة عليهم، مما عبر عنه بالقاعدة المشهورة ( الحاكم لا يحكم بعلمه ).
١ التاج جـ ٣ ص ١٩٩ – ٢٠٠..
٢ التاج جـ ٤ ص ٢٠٠..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( ٦٧ ) ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ٦٨ ) وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ( ٦٩ ) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ( ٧٠ ) ﴾ [ ٦٧ – ٧٠ ].
في الآيات إشارة تعنيفية إلى الكفار المشركين على عدم إدراكهم حق الإدراك وتقديرهم حق التقدير مدى عظمة الله وقدرته وشأنه واستحقاقه وحده للخضوع والعبادة وتنزهه وتعاليه عن الشركاء. واستطراد إلى ذكر ما يكون يوم القيامة من دلائل عظمته وقدرته وشمول تصرفه ؛ حيث تكون الأرض في قبضته والسماوات مطويات بيمينه. وحيث ينفخ في الصور للمرة الأولى فيخر من في السماوات والأرض إلا من شاء الله مصعوقا. ثم ينفخ فيه للمرة الثانية فيقومون جميعا مندهشين ينتظرون مصائرهم. وحيث يتجلى الله حينئذ على الأرض فتمتلئ إشراقا بنوره. وينعقد مجلس القضاء ويؤتى بكتب أعمال الناس وبالنبيين والشهداء ويقضي بين الناس بالحق دونما إجحاف وظلم وتوفى كل نفس ما عملت والله أعلم بما يفعلون.
تعليقات على الآية
﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾
والآيات الثلاث التي بعدها
ولقد روى الترمذي عن ابن عباس قال :( مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : يا يهودي حدثنا، فقال : كيف يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرض على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه ؟ وأشار الراوي محمد بن الصلت بخنصره أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام فأنزل الله تعالى :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( ٦٧ ) ﴾١. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية وأن تكون نزلت لحدتها. ولم يرو أحد مدنية الآية، وارتباطها بما بعدها قوي. وهي بعد معطوفة على ما قبلها. وضمير الفاعل في ﴿ وما قدروا الله ﴾ هو عائد على المعطوف عليه وهم الكفار موضوع الكلام في الآية السابقة.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات عن عبد الله بن مسعود قال :( جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله، فقال : يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرض على إصبع والشجر على إصبع والماء على إصبع والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع فيقول : أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ﴾ ولعل التباسا ما وقع في الرواية حيث يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تلا هذه الآية حين ما سأل اليهود فظن الراوي أنها نزلت في مناسبة السؤال.
وكل ما تقدم يسوغ التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية في المدينة والقول إن الآيات وحدة تامة ومعطوفة على ما قبلها ومتصلة به. وأنها استهدفت كما قلنا في شرحنا فيما استهدفته التنويه بعظم قدرة الله تعالى ومطلق تصرفه في خلقه ثم توكيد البعث الأخروي ومحاسبة الناس على أعمالهم وجزائهم بما يستحقون عليها.
ولقد روى البغوي في سياق الآية حديثا عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون ). ولقد روى ابن كثير هذا الحديث من إخراج الإمام أحمد بصيغة أخرى فيها مماثلة وفيها زيادات قال :( قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم على المنبر :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ﴾ ورسول الله يقول هكذا بيده يحركها. يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فيرجف المنبر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قلنا ليخرن به ).
والحديث لم يرد بهذا النص أو ذاك في كتب الصحاح ولكن ورد شيء منه فيها حيث روى الشيخان حديثا جاء فيه :( يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين الملوك )٢. وفي هذه الأحاديث صورة من تعليقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الآية للتنويه بعظمة الله بما هو إلهام من عند الله عز وجل.
والنفخ في الصور في الآيات رافقه صعق واستثناء، ومع أن القرآن استعمل الصعق بمعنى الإغماء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك ﴾ فإن الجمهور على أنها هنا بمعنى الموت الصاعق. وفي جملة :﴿ ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ٦٨ ) ﴾ ما قد يدعم هذا الرأي.
ولقد كرر المفسرون هنا ما قالوه في سياق آيات سورة النمل [ ٨٧ – ٩٠ ] في جملة ﴿ إلا من شاء الله ﴾ حيث قالوا إن المستثنين هم الشهداء أو كبار الملائكة. ثم يقضي الله على هؤلاء بالموت فلا يبقى إلا الله عز وجل. ونص الاستثناء صريح بأن هناك فريقا قد يشاء الله تعالى أن يستثنى من الصعق. وهذا ما يجعل ما يقولونه موضوع توقف في نطاق النص القرآني. وليس هناك حديث صحيح في ذلك فنرى الوقوف عندما اقتضته حكمة التنزيل التي قد يلمح أن منها قصد بيان ما يكون عليه وقت البعث والحشر من رهبة وهول.
ولقد اختلفت الأقوال في مدى تعبيري قبضته ويمينه. وقد ألمحنا بهذا الموضوع في تعليق عقدناه في آخر تفسير سورة القصص فنكتفي بهذا التنبيه.
ويلحظ ما بين المشهد الذي احتوته الآية [ ٦٩ ] وما اعتاده الناس في الدنيا من مجالس القضاء لإحقاق الحق والعدل ؛ حيث يتسق هذا مع حكمة التنزيل التي نوهنا بها في تعليقاتنا على الحياة الأخروية بوصف مشاهد هذه الحياة بأوصاف مألوفة للناس على سبيل التقريب والتمثيل مع التنبيه على واجب الإيمان بحقيقة المشهد المذكور في الآية.
وقد يكون في الآيتين [ ٦٩ – ٧٠ ] تعليم رباني للناس وبخاصة للحكام بوجوب حرصهم على إظهار الحق والعدل بالبينات بقطع النظر عن ما يمكن أن يكون لهم علم بحقيقة وواقع القضايا المعروضة عليهم، مما عبر عنه بالقاعدة المشهورة ( الحاكم لا يحكم بعلمه ).
١ التاج جـ ٣ ص ١٩٩ – ٢٠٠..
٢ التاج جـ ٤ ص ٢٠٠..

﴿ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ( ٧١ ) قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ( ٧٢ ) وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ( ٧٣ ) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ( ٧٤ ) وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ( ٧٥ ) ﴾ [ ٧١ – ٧٥ ].
زمرا : جمع زمرة، والكلمة هنا كناية عن الأفواج أو الجماعات بعضها وراء بعض.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآيات استمرار للسياق، وتتمة لما سبقها من مشاهد المحاسبة والقضاء. وعبارتها واضحة.
والصور التي احتوتها الآيات رائعة من شأنها أن تثير في المؤمنين المتقين شعور السكينة والغبطة وفي الكفار شعور الخوف والرهبة. وهذا مما استهدفته كما هو المتبادر مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي المغيب المذكور فيها.
وقد جاءت خاتمة لفصول الجدل والحجاج وحكاية مواقف الكفار كما جاءت خاتمة للسورة بطابع ختامي رائع شأن كثير من السور وبخاصة المكية.
وما احتوته الآيات من استقبال خزنة الجنة والنار للمؤمنين والكفار وكون الملائكة حافين بالعرش يسبحون بحمد ربهم بعد القضاء بين الناس هو متصل بأمر الملائكة المغيب الواجب الإيمان به مع الإيمان بأن لا بد من أن يكون لوروده بالصيغة التي ورد بها حكمة ربانية، ويتبادر لنا أن ما كان في أذهان السامعين من صورة فخمة عن الملائكة وأن قصد تصوير عظمة الله تعالى وروعة سلطانه من هذه الحكمة والله أعلم.
ويلحظ أن المشاهد المذكورة في الآيات من سوق أهل الجنة وأهل النار وقيام خزنة على النار ووجود أبواب للجنة والنار مشابهة لما في الحياة الدنيا مما هو متساوق مع الحكمة المتوخاة من اتساق كثير من أصناف المشاهد الأخروية مع مألوف الدنيا للتأثير والتمثيل مع واجب الإيمان بحقيقتها المغيبة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية التي تذكر سوق المتقين إلى الجنة أحاديث نبوية عديدة في وصف الجنة ومشاهد منازل المتقين فيها أوردنا بعضها في مناسبات سابقة١ وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة.
ولقد أورد هذا المفسر أيضا في سياق الآيات أحاديث عديدة عن أبواب الجنة. ومنها حديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم )٢. وحديث رواه مسلم عن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ). وحديث روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( يقول الله تعالى : يا محمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر. والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وفي رواية مكة وبصرى ). وحديث روي عن سهل بن سعد قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ). وواضح من روح الأحاديث أنها تنطوي على البشرى للمؤمنين وإثارة الغبطة في قلوبهم مع الرغبة في الاستكثار من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى والمؤدية إلى الجنة الموعودة مما هو متساوق مع الهدف القرآني العام.
ولقد ذكر في الآية [ ٤٤ ] من سورة الحجر أن لجهنم سبعة أبواب. فاكتفى المفسرون بالإشارة إلى ذلك في سياق الآيات. ولقد أوردنا ما روي في صدد أبواب جهنم السبعة وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآيات استمرار للسياق، وتتمة لما سبقها من مشاهد المحاسبة والقضاء. وعبارتها واضحة.
والصور التي احتوتها الآيات رائعة من شأنها أن تثير في المؤمنين المتقين شعور السكينة والغبطة وفي الكفار شعور الخوف والرهبة. وهذا مما استهدفته كما هو المتبادر مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي المغيب المذكور فيها.
وقد جاءت خاتمة لفصول الجدل والحجاج وحكاية مواقف الكفار كما جاءت خاتمة للسورة بطابع ختامي رائع شأن كثير من السور وبخاصة المكية.
وما احتوته الآيات من استقبال خزنة الجنة والنار للمؤمنين والكفار وكون الملائكة حافين بالعرش يسبحون بحمد ربهم بعد القضاء بين الناس هو متصل بأمر الملائكة المغيب الواجب الإيمان به مع الإيمان بأن لا بد من أن يكون لوروده بالصيغة التي ورد بها حكمة ربانية، ويتبادر لنا أن ما كان في أذهان السامعين من صورة فخمة عن الملائكة وأن قصد تصوير عظمة الله تعالى وروعة سلطانه من هذه الحكمة والله أعلم.
ويلحظ أن المشاهد المذكورة في الآيات من سوق أهل الجنة وأهل النار وقيام خزنة على النار ووجود أبواب للجنة والنار مشابهة لما في الحياة الدنيا مما هو متساوق مع الحكمة المتوخاة من اتساق كثير من أصناف المشاهد الأخروية مع مألوف الدنيا للتأثير والتمثيل مع واجب الإيمان بحقيقتها المغيبة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية التي تذكر سوق المتقين إلى الجنة أحاديث نبوية عديدة في وصف الجنة ومشاهد منازل المتقين فيها أوردنا بعضها في مناسبات سابقة١ وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة.
ولقد أورد هذا المفسر أيضا في سياق الآيات أحاديث عديدة عن أبواب الجنة. ومنها حديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم )٢. وحديث رواه مسلم عن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ). وحديث روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( يقول الله تعالى : يا محمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر. والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وفي رواية مكة وبصرى ). وحديث روي عن سهل بن سعد قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ). وواضح من روح الأحاديث أنها تنطوي على البشرى للمؤمنين وإثارة الغبطة في قلوبهم مع الرغبة في الاستكثار من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى والمؤدية إلى الجنة الموعودة مما هو متساوق مع الهدف القرآني العام.
ولقد ذكر في الآية [ ٤٤ ] من سورة الحجر أن لجهنم سبعة أبواب. فاكتفى المفسرون بالإشارة إلى ذلك في سياق الآيات. ولقد أوردنا ما روي في صدد أبواب جهنم السبعة وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآيات استمرار للسياق، وتتمة لما سبقها من مشاهد المحاسبة والقضاء. وعبارتها واضحة.
والصور التي احتوتها الآيات رائعة من شأنها أن تثير في المؤمنين المتقين شعور السكينة والغبطة وفي الكفار شعور الخوف والرهبة. وهذا مما استهدفته كما هو المتبادر مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي المغيب المذكور فيها.
وقد جاءت خاتمة لفصول الجدل والحجاج وحكاية مواقف الكفار كما جاءت خاتمة للسورة بطابع ختامي رائع شأن كثير من السور وبخاصة المكية.
وما احتوته الآيات من استقبال خزنة الجنة والنار للمؤمنين والكفار وكون الملائكة حافين بالعرش يسبحون بحمد ربهم بعد القضاء بين الناس هو متصل بأمر الملائكة المغيب الواجب الإيمان به مع الإيمان بأن لا بد من أن يكون لوروده بالصيغة التي ورد بها حكمة ربانية، ويتبادر لنا أن ما كان في أذهان السامعين من صورة فخمة عن الملائكة وأن قصد تصوير عظمة الله تعالى وروعة سلطانه من هذه الحكمة والله أعلم.
ويلحظ أن المشاهد المذكورة في الآيات من سوق أهل الجنة وأهل النار وقيام خزنة على النار ووجود أبواب للجنة والنار مشابهة لما في الحياة الدنيا مما هو متساوق مع الحكمة المتوخاة من اتساق كثير من أصناف المشاهد الأخروية مع مألوف الدنيا للتأثير والتمثيل مع واجب الإيمان بحقيقتها المغيبة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية التي تذكر سوق المتقين إلى الجنة أحاديث نبوية عديدة في وصف الجنة ومشاهد منازل المتقين فيها أوردنا بعضها في مناسبات سابقة١ وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة.
ولقد أورد هذا المفسر أيضا في سياق الآيات أحاديث عديدة عن أبواب الجنة. ومنها حديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم )٢. وحديث رواه مسلم عن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ). وحديث روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( يقول الله تعالى : يا محمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر. والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وفي رواية مكة وبصرى ). وحديث روي عن سهل بن سعد قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ). وواضح من روح الأحاديث أنها تنطوي على البشرى للمؤمنين وإثارة الغبطة في قلوبهم مع الرغبة في الاستكثار من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى والمؤدية إلى الجنة الموعودة مما هو متساوق مع الهدف القرآني العام.
ولقد ذكر في الآية [ ٤٤ ] من سورة الحجر أن لجهنم سبعة أبواب. فاكتفى المفسرون بالإشارة إلى ذلك في سياق الآيات. ولقد أوردنا ما روي في صدد أبواب جهنم السبعة وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآيات استمرار للسياق، وتتمة لما سبقها من مشاهد المحاسبة والقضاء. وعبارتها واضحة.
والصور التي احتوتها الآيات رائعة من شأنها أن تثير في المؤمنين المتقين شعور السكينة والغبطة وفي الكفار شعور الخوف والرهبة. وهذا مما استهدفته كما هو المتبادر مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي المغيب المذكور فيها.
وقد جاءت خاتمة لفصول الجدل والحجاج وحكاية مواقف الكفار كما جاءت خاتمة للسورة بطابع ختامي رائع شأن كثير من السور وبخاصة المكية.
وما احتوته الآيات من استقبال خزنة الجنة والنار للمؤمنين والكفار وكون الملائكة حافين بالعرش يسبحون بحمد ربهم بعد القضاء بين الناس هو متصل بأمر الملائكة المغيب الواجب الإيمان به مع الإيمان بأن لا بد من أن يكون لوروده بالصيغة التي ورد بها حكمة ربانية، ويتبادر لنا أن ما كان في أذهان السامعين من صورة فخمة عن الملائكة وأن قصد تصوير عظمة الله تعالى وروعة سلطانه من هذه الحكمة والله أعلم.
ويلحظ أن المشاهد المذكورة في الآيات من سوق أهل الجنة وأهل النار وقيام خزنة على النار ووجود أبواب للجنة والنار مشابهة لما في الحياة الدنيا مما هو متساوق مع الحكمة المتوخاة من اتساق كثير من أصناف المشاهد الأخروية مع مألوف الدنيا للتأثير والتمثيل مع واجب الإيمان بحقيقتها المغيبة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية التي تذكر سوق المتقين إلى الجنة أحاديث نبوية عديدة في وصف الجنة ومشاهد منازل المتقين فيها أوردنا بعضها في مناسبات سابقة١ وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة.
ولقد أورد هذا المفسر أيضا في سياق الآيات أحاديث عديدة عن أبواب الجنة. ومنها حديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم )٢. وحديث رواه مسلم عن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ). وحديث روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( يقول الله تعالى : يا محمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر. والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وفي رواية مكة وبصرى ). وحديث روي عن سهل بن سعد قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ). وواضح من روح الأحاديث أنها تنطوي على البشرى للمؤمنين وإثارة الغبطة في قلوبهم مع الرغبة في الاستكثار من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى والمؤدية إلى الجنة الموعودة مما هو متساوق مع الهدف القرآني العام.
ولقد ذكر في الآية [ ٤٤ ] من سورة الحجر أن لجهنم سبعة أبواب. فاكتفى المفسرون بالإشارة إلى ذلك في سياق الآيات. ولقد أوردنا ما روي في صدد أبواب جهنم السبعة وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآيات استمرار للسياق، وتتمة لما سبقها من مشاهد المحاسبة والقضاء. وعبارتها واضحة.
والصور التي احتوتها الآيات رائعة من شأنها أن تثير في المؤمنين المتقين شعور السكينة والغبطة وفي الكفار شعور الخوف والرهبة. وهذا مما استهدفته كما هو المتبادر مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي المغيب المذكور فيها.
وقد جاءت خاتمة لفصول الجدل والحجاج وحكاية مواقف الكفار كما جاءت خاتمة للسورة بطابع ختامي رائع شأن كثير من السور وبخاصة المكية.
وما احتوته الآيات من استقبال خزنة الجنة والنار للمؤمنين والكفار وكون الملائكة حافين بالعرش يسبحون بحمد ربهم بعد القضاء بين الناس هو متصل بأمر الملائكة المغيب الواجب الإيمان به مع الإيمان بأن لا بد من أن يكون لوروده بالصيغة التي ورد بها حكمة ربانية، ويتبادر لنا أن ما كان في أذهان السامعين من صورة فخمة عن الملائكة وأن قصد تصوير عظمة الله تعالى وروعة سلطانه من هذه الحكمة والله أعلم.
ويلحظ أن المشاهد المذكورة في الآيات من سوق أهل الجنة وأهل النار وقيام خزنة على النار ووجود أبواب للجنة والنار مشابهة لما في الحياة الدنيا مما هو متساوق مع الحكمة المتوخاة من اتساق كثير من أصناف المشاهد الأخروية مع مألوف الدنيا للتأثير والتمثيل مع واجب الإيمان بحقيقتها المغيبة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية التي تذكر سوق المتقين إلى الجنة أحاديث نبوية عديدة في وصف الجنة ومشاهد منازل المتقين فيها أوردنا بعضها في مناسبات سابقة١ وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة.
ولقد أورد هذا المفسر أيضا في سياق الآيات أحاديث عديدة عن أبواب الجنة. ومنها حديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم )٢. وحديث رواه مسلم عن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ). وحديث روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( يقول الله تعالى : يا محمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر. والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وفي رواية مكة وبصرى ). وحديث روي عن سهل بن سعد قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ). وواضح من روح الأحاديث أنها تنطوي على البشرى للمؤمنين وإثارة الغبطة في قلوبهم مع الرغبة في الاستكثار من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى والمؤدية إلى الجنة الموعودة مما هو متساوق مع الهدف القرآني العام.
ولقد ذكر في الآية [ ٤٤ ] من سورة الحجر أن لجهنم سبعة أبواب. فاكتفى المفسرون بالإشارة إلى ذلك في سياق الآيات. ولقد أوردنا ما روي في صدد أبواب جهنم السبعة وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.

Icon