تفسير سورة فصّلت

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير فصلت١ وهي مكية كلها.
١ في الأصل: حم السجدة. وما بين [ ] سقط من الأصل..

﴿ تنزيل من الرحمن الرحيم( ٢ ) ﴾ يعني القرآن.
﴿ كتاب فصلت ﴾ أي فسرت١ ﴿ آياته ﴾ بالحلال والحرام، والأمر والنهي ﴿ قرآنا عربيا لقوم يعلمون( ٣ ) ﴾ يؤمنون.
١ وهو قول مجاهد؛ وقال الحسن: فصلت بالوعيد، وقال قتادة: بين حلالها وحرامها، والطاعة والمعصية. وانظر: البحر المحيط (٧/٤٨٣)، والقرطبي (١٥/٢٣٧) وفتح القدير للشوكاني (٤/٥٠٥)..
﴿ بشيرا ﴾ بالجنة ﴿ ونذيرا ﴾ من النار.
قال محمد :﴿ تنزيل ﴾ رفع بالابتداء، وخبره ﴿ كتاب ﴾ وجائز أن يرفع بإضمار هذا تنزيل، و﴿ قرآنا عربيا ﴾ نصب على الحال.
﴿ فأعرض أكثرهم ﴾ أي عنه ﴿ فهم لا يسمعون( ٤ ) ﴾ الهدى : سمع قبول.
﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة ﴾ أي : في غلف١ ﴿ مما تدعونا إليه ﴾ يا محمد ؛ فلا نعقله ﴿ وفي آذاننا وقر ﴾ صمم عنه فلا نسمعه { ومن بيننا وبينك
حجاب } فلا نفقه ما تقول ﴿ فاعمل إننا عاملون ﴾ أي : اعمل بدينك ؛ فإنا عاملون بديننا.
١ في البريطانية غفلة وما أثبت هو الأقرب للمعنى كما في الأصل..
قال الله للنبي :﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ ﴾ غير أنه يوحى إلي ﴿ أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه ﴾ أي : فوحدوه ﴿ واستغفروه ﴾ من الشرك ﴿ وويل للمشركين( ٦ ) ﴾ في النار.
﴿ الذين لا يؤتون الزكاة ﴾ أي : لا يوحدون الله.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون( ٨ ) ﴾ تفسير الحسن : أي لا يمن عليهم من أذى.
﴿ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ﴾ يقوله على الاستفهام ؛ أي : قد فعلتم ﴿ وتجعلون له أندادا ﴾ أعدالا تعدلونهم به ؛ فتعبدونهم دونه.
﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها ﴾ يعني : فوق الأرض، والرواسي : الجبال حتى لا تحرك بكم ﴿ وبارك فيها ﴾ أي : جعل فيها بركة، يعني : الأرزاق ﴿ وقدر فيها أقواتها ﴾ أرزاقها ﴿ في أربعة أيام ﴾ في تتمة أربعة أيام، يعني : خلق الأرض في يومين، وأقواتها في يومين، ثم جمع الأربعة الأيام فقال :﴿ في أربعة أيام سواء للسائلين( ١٠ ) ﴾ يعني : لمن كان سائلا عن ذلك، وهي تقرأ ( في أربعة أيام سواء ) أي : مستويات يعني : الأيام. قال محمد : من نصب ﴿ سواء ﴾ فعلى المصدر استوت استواء١.
١ انظر: إتحاف فضلاء البشر(٢/٤٤٢)، والنشر في القراءات العشر (٢/٣٦٦)، ومعاني الأزهري (٤٣٠) والبحر المحيط (٧/٤٨٦)..
﴿ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء﴾ قَالَ محمدٌ: يَعْنِي: عمد لَهَا وَقصد ﴿وَهِي دُخان﴾ ملتصقة بِالْأَرْضِ؛ فِي تَفْسِير الْحَسَن ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَو كرها﴾ عَلَى وجْه السخرة وَالْقُدْرَة؛ قَالَ هَذَا لَهما قبل خلقه إيَّاهُمَا ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين﴾ يَعْنِي: بِمَا فيهمَا. قَالَ محمدٌ: ﴿طَوْعًا أَو كرها﴾ بِمَنْزِلَة: أطيعا طَاعَة، أَو تكرهان كرها.
تَفْسِير سُورَة فصلت الْآيَة ١٢.
﴿فقضاهن﴾ يَعْنِي: خَلقهنَّ ﴿سبع سماوات﴾ فِي يَوْمَيْنِ ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أمرهَا﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: أمره الَّذِي جعل فِيهَا مِمَّا أَرَادَ ﴿وزينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح﴾ يَعْنِي: النُّجُوم ﴿وحفظا﴾ أَي: جعلنَا النُّجُوم حفظا للسماء من الشَّيَاطِين لَا يسمعُونَ الْوَحْي، وَذَلِكَ بعد بعث محمدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
147
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ١٣ إِلَى آيَة ١٦.
148
﴿فَإِن أَعرضُوا﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود﴾ يَعْنِي: الْعَذَاب
﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْديهم وَمن خَلفهم﴾ أَي: أنذروهم عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة.
﴿قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنزل مَلَائِكَة﴾ أَي: يخبروننا أَنكُمْ رسل اللَّه؛ يَقُوله كل قوم لرسولهم.
قَالَ الله: (ل ٣٠٧) ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ منا قُوَّة﴾ عجبوا من شدتهم، قَالَ اللَّه ﴿أَو لم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾.
﴿فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا﴾ يَعْنِي: شَدِيدَة الْبرد؛ وَهِي الدبور.
قَالَ مُحَمَّد: الصرصر: الشَّدِيدَة الْبرد الَّتِي لَهَا صوتٌ، وَهِي الصَّرَّة أَيْضا.
148
﴿فِي أَيَّام نحسات﴾ أَي: مشئومات، وَهِي الثَّمَانِية الْأَيَّام الَّتِي فِي الحاقة، كَانَ أَولهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى الْأَرْبَعَاء الآخر.
قَالَ محمدٌ: قِرَاءَة نَافِع (نحْسات) بتسكين الْحَاء، وَاحِدهَا نَحْسٌ الْمَعْنى: هِيَ نحسات عَلَيْهِم.
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ١٧ إِلَى آيَة ٢٠.
149
﴿وَأما ثَمُود فهديناهم﴾ أَي: بيَّنا لَهُم سَبِيل الْهدى وسبيل الضلال ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهدى﴾ أَي: اخْتَارُوا الضَّلَالَة عَلَى الْهدى ﴿فَأَخَذتهم صَاعِقَة الْعَذَاب الْهون﴾ من: الهوان
﴿فهم يُوزعُونَ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: لَهُمْ وَزَعَةٌ تَرُدُّ أولاهم عَلَى أخراهم.
قَالَ محمدٌ: وأصل الْكَلِمَة من: وزعته إِذا كففته.
﴿يَوْم يشَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ﴾ جوارحهم.
قَالَ محمدٌ: وأصل الْكَلِمَة: أَن الْجُلُود كنايةٌ عَن الْفروج.
149
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٢١ إِلَى آيَة ٢٤.
150
﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ انْقَطع ذكر كَلَامهم هَا هُنَا، قَالَ اللَّه: ﴿وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مرّة﴾ يَقُوله للأحياء ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
﴿وَمَا كُنْتُم تستترون﴾ أَي: تَتَّقُون؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد ﴿أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ﴾ حسبتم ﴿أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كثيرا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾
﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أرداكم﴾ أهلككم ﴿فأصبحتم﴾ يَعْنِي: فصرتم ﴿مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
﴿وَإِن يستعتبوا﴾ أَي: يطلبوا إِلَى اللَّه أَن يخرجهم من النَّار؛ فيردّهم إِلَى الدُّنْيَا ليؤمنوا ﴿فَمَا هُمْ مِنَ المعتبين﴾ أَي: لَا يستعتبون.
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٢٥ إِلَى آيَة ٢٩.
﴿وقيضنا لَهُم قرناء﴾ يَعْنِي: شياطين ﴿فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم﴾ قَالَ الْحَسَن: مَا بَين أَيْديهم، يَعْنِي: حب مَا كَانَ عَلَيْهِ آباؤهم من الشّرك وتكذيبهم الرُّسُل، وَمَا خَلفهم: تكذيبهم بِالْبَعْثِ ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِم القَوْل﴾ أَي: وَجب عَلَيْهِم الْغَضَب؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة ﴿فِي أُمَمٍ قَدْ خلت من قبلهم﴾ أَي: مَعَ أُمَم.
﴿لَا تَسْمَعُوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ﴾ قَالَ السُّدي: نزلت فِي أَبِي جهل بْن هِشَام كَانَ يَقُولُ لأَصْحَابه: إِذا سَمِعْتُمْ قِرَاءَة محمدٍ؛ فارفعوا أَصْوَاتكُم بالأشعار حَتَّى تَلْتَبِس عَلَى محمدٍ قِرَاءَته ﴿لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ لَعَلَّ دينكُمْ يغلب دين محمدٍ.
قَالَ محمدٌ: اللَّغْو فِي اللُّغَة: الْكَلَام الَّذِي لَا يحصل مِنْهُ على نفع وَلَا على فَائِدَة، وَلَا تفهم حَقِيقَته، يُقَال مِنْهُ لَغَا، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: لغي.
﴿وَقَالَ الَّذين كفرُوا﴾ فِي النَّار ﴿رَبنَا أرنا﴾ يَعْنِي: الرُّؤْيَة، وَمن قَرَأَهَا (أرنا) بتسكين الرَّاء، فَالْمَعْنى: أعطنا ﴿الَّذَيْنِ أضلانا من الْجِنّ وَالْإِنْس﴾ يعنون إِبْلِيس، وَقَاتل ابْن آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ ﴿نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أقدامنا ليكونا من الأسفلين﴾ فِي النَّار يَقُولُونَ ذَلِك من شدَّة الغيظ عَلَيْهِم.
151
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٣٠ إِلَى آيَة ٣٢.
152
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ مُخلصين لَهُ ﴿ثمَّ استقاموا﴾ عَلَيْهَا ﴿تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة﴾ عِنْد الْمَوْت ﴿أَلا تخافوا﴾ الْآيَة.
تَفْسِير الْحسن: أَن قَول الْمَلَائِكَة لَهُم: لَا تخافوا وَلَا تحزنوا؛ تستقبلهم بِهَذَا إِذا خَرجُوا من قُبُورهم
﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أَي: نَحن كُنَّا أولياءكم إِذْ كُنْتُم فِي الدُّنْيَا، وَنحن أولياؤكم فِي الْآخِرَة، قَالَ بَعضهم: هم الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا يَكْتُبُونَ أَعْمَالهم ﴿وَلكم فِيهَا مَا تدعون﴾ أَي: مَا تشتهون
﴿نزلا من غَفُور رَحِيم﴾.
قَالَ مُحَمَّد: (نزلا) مَنْصُوب بِمَعْنى أَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ تنزلونها نزلا، وَمعنى نزلا: رزقا.
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٣٣ إِلَى آيَة ٣٨.
﴿وَمن أحسن قولا﴾ الْآيَة، وَهَذَا على الِاسْتِفْهَام؛ أَي: لَا أحد أحسن قولا مِنْهُ
﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ﴾ الْحَسَنَة فِي هَذَا الْموضع الْعَفو والصفح، والسيئة مَا يكون بَين النَّاس من الشتم والبغضاء.
قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وَلَا تستوي الْحَسَنَة والسيئة و (لَا) زَائِدَة.
﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (ل ٣٠٨) يَقُولُ: ادْفَعْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْقَوْلَ الْقَبِيح والأذى، كَانَ ذَلِك فِيمَا بَينهم وَبَين الْمُشْركين قبل أَن يؤمروا بقتالهم.
يَحْيَى: عَنْ فِطْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّ لِي جَارًا وَإِنَّهُ يُسِيءُ مُجَاوَرَتِي؛ أَفَأَفْعَلُ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ بِي؟ قَالَ: لَا، إِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى.
153
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ولي حميم﴾ أَي: قريب قرَابَته
154
﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ فَيَقُول: لَا يعْفُو الْعَفو الَّذِي يقبله الله إِلَّا أهل الْجنَّة، وَهِي الْحَظ الْعَظِيم
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ قَالَ قَتَادَة: النزغ: الْغَضَب.
﴿وَمن آيَاته﴾ من عَلَامَات توحيده ﴿اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلقهنَّ﴾ خلق آيَاته
﴿فَإِن استكبروا﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين عَن السُّجُود لله ﴿فَالَّذِينَ عِنْد رَبك﴾ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وهم لَا يسأمون﴾ أَي: يملون.
قَالَ (مجاهدٌ): سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن السَّجْدَة فِي " حم " فَقَالَ: اسجدوا بِالآخِرَة من الْآيَتَيْنِ. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلَيْسَ فِي الْمفصل سُجُود.
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٣٩ إِلَى آيَة ٤٢.
قَوْله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْض خاشعة﴾ يَعْنِي: غبراء متهشمة ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت﴾ يَعْنِي: انتفخت [فِيهَا تَقْدِيم ﴿ربت﴾] للنبات ﴿واهتزت﴾ بنباتها إِذا أنبتت ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لمحيي الْمَوْتَى﴾ وَهَذَا مثل للبعث
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي: يميلون إِلَى غير الْحق.
قَالَ محمدٌ: معنى يلحدون يجْعَلُونَ الْكَلَام على غير جِهَته، وَهُوَ مَذْهَب الْكَلْبِيّ، وَمن هَذَا اللَّحْد؛ لِأَنَّهُ الْحفر فِي جَانب الْقَبْر، يُقَال: لحد وألحد [بِمَعْنى] وَاحِد.
﴿أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أمَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أَي إِن الَّذِي يَأْتِي آمنا خير ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ وَهَذَا وَعِيد
﴿إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن.
﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ أَي: منيع
﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل﴾ يَعْنِي: إِبْلِيس ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه﴾ تَفْسِير الْكَلْبِيّ ﴿لَا يَأْتِيهِ من بَين يَدَيْهِ﴾ يَعْنِي: من قبل
155
التَّوْرَاة، وَلَا من قبل الْإِنْجِيل وَلَا الزبُور، لَيْسَ مِنْهَا شَيْء يكذب بِالْقُرْآنِ وَلَا يُبطلهُ ﴿وَلا من خَلفه﴾ لَا يَأْتِيهِ من بعده كتاب يُبطلهُ ﴿تَنْزِيل من حَكِيم﴾ فِي أمره ﴿حميد﴾ استحمد إِلَى خلقه؛ أَي: اسْتوْجبَ عَلَيْهِم أَن يحمدوه.
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٤٣ إِلَى آيَة ٤٦.
156
﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ يَعْنِي: مَا قَالَ لَهُم قَومهمْ من الْأَذَى، كَانُوا يَقُولُونَ للرسول: إِنَّكَ مَجْنُونٌ، وَإِنَّكَ سَاحِرٌ، وَإِنَّكَ كَاذِب ﴿إِن رَبك لذُو مغْفرَة﴾ لمن آمن ﴿وَذُو عِقَاب﴾ لمن لم يُؤمن.
﴿وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا لقالوا لَوْلَا﴾ هلا ﴿فصلت آيَاته﴾ أَي: بيّنت ﴿أعجمي وعربي﴾ أَي: بالعجمية والعربية على مقرأ من قَرَأَهَا بِغَيْر اسْتِفْهَام وَمن قَرَأَهَا على الِاسْتِفْهَام مدّها ﴿أعجمي وعربي﴾ أَي: لقالوا: كتاب أعجمي (وَنَبِي) عَرَبِيّ يحتجون بذلك؛ أَي: كَيفَ يكون هَذَا؟!
156
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَهَا بِلَا مدٍّ فَالْمَعْنى: جعل بعضه بَيَانا للعجم، وَبَعضه بَيَانا للْعَرَب.
قَالَ الله: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هدى وشفاء﴾ لصدورهم يشفيهم مِمَّا كَانُوا فِيهِ من الشَّك والشرك ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ فِي آذانهم وقر﴾ أَي: صممٌ عَن الْإِيمَان ﴿وَهُوَ عَلَيْهِم عمى﴾ [يزدادون عمى] إِلَى عماهم إِذْ لم يُؤمنُوا ﴿أُولَئِكَ ينادون﴾ بِالْإِيمَان ﴿من مَكَان بعيد﴾ تَفْسِير بَعضهم [بعيد من] قُلُوبهم.
157
﴿وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب﴾ التَّوْرَاة ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ عمل بِهِ قوم، وَكفر بِهِ قَوْمٌ ﴿وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبك﴾ أَلا يُحَاسِبَ بِحِسَابِ الآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا لحاسبهم فِي الدُّنْيَا، فَأَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجنَّة، وَأهل النَّار النارَ، وَهَذَا تَفْسِير الْحسن ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ﴾ من الْعَذَاب ﴿مريب﴾ من الرِّيبَة.
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٤٧ إِلَى آيَة ٥٠.
﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا﴾ تَفْسِير الْحسن هَذَا فِي النّخل خَاصَّة حِين (ل ٣٠٩) يطلع لَا يعلم أحدٌ كَيفَ يُخرجهُ الله ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ﴾ (يَقُول: لَا يعلم وَقت قيام السَّاعَة، وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا، وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تضع؛ إِلَّا هُوَ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ).
قَالَ مُحَمَّدٌ: الِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة " وَمَا يخرج " بِالْيَاءِ؛ لِأَن مَا ذكر مُذَكّر، الْمَعْنى: وَالَّذِي يخرج.
قَوْله: ﴿مِنْ أكمامها﴾ يَعْنِي: الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَت فِيهِ مستترة، وغلاف كل شَيْء كُمُّه، وَمن هَذَا قيل: كم الْقَمِيص.
﴿وَيَوْم يناديهم﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذين زعمتم﴾ أَنهم شركائي ﴿قَالُوا آذَنَّاكَ﴾ سمعناك ﴿مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ يشْهد الْيَوْم أَن مَعَك آلِهَة.
قَالَ الله: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يدعونَ من قبل﴾ فِي الدُّنْيَا؛ ضلت عَنْهُم أوثانهم الَّتِي كَانُوا يعْبدُونَ، فَلَنْ تَسْتَجِيب لَهُم.
قَالَ مُحَمَّد: (آذناك) حَقِيقَته فِي اللُّغَة: أعلمناك.
﴿وَظَنُّوا﴾ علمُوا ﴿مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ من ملْجأ.
﴿لَا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْر﴾ أَي: لَا يملُّ ﴿وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ فالخير عِنْد الْمُشرك: الدُّنْيَا وَالصِّحَّة فِيهَا والرخاء ﴿وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ فِي ذهَاب مالٍ، أَو مرضٍ لم تكن لَهُ حِسْبة، وَلم يرجُ ثَوابًا فِي الْآخِرَة، وَلَا أَن يرجع إِلَى مَا كَانَ فِيهِ من الرخَاء
﴿وَلَئِن أذقناه رَحْمَة﴾ يَعْنِي: رخاء وعافية ﴿مِنْ بَعْدِ ضراء﴾ أَي: شدَّة ﴿مسته﴾ فِي ذهَاب مالٍ، أَو مرضٍ ﴿ليَقُولن هَذَا لي﴾ أَي: بعلمي، وَأَنا محقوق بِهَذَا! ﴿وَمَا أَظن السَّاعَة قَائِمَة﴾ أَي: لَيست بقائمة ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾ كَمَا يَقُولُونَ ﴿إِنَّ لِي عِنْدَهُ للحسنى﴾ للجنة؛ إِن كَانَت جنَّة.
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٥١ إِلَى آيَة ٥٤.
﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ ونأى بجانبه﴾ أَي: تبَاعد ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ الضّر ﴿فذو دُعَاء عريض﴾ أَي: كَبِير.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْد الله﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شقَاق﴾ فِي فِرَاق للنَّبِي وَمَا جَاءَ بِهِ ﴿بعيد﴾ من الْحق، أَي: لَا أحد أضلّ مِنْهُ.
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أنفسهم﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي: مَا أهلك بِهِ
159
الْأُمَم السالفة فِي الْبلدَانِ، فقد رَأَوْا آثَار ذَلِك ﴿وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ أخبر بِأَنَّهُم تصيبهم البلايا، فَكَانَ ذَلِك كَمَا قَالَ فأظهره الله عَلَيْهِم، وابتلاهم بِمَا ابْتَلَاهُم بِهِ.
قَالَ يحيى: يَعْنِي: من الْجُوع بِمَكَّة، وَالسيف يَوْم بدر.
﴿حَتَّى يتَبَيَّن لَهُم أَنه الْحق﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ أَي: شاهدٌ على كفرهم وأعمالهم، أَي: بلَى كفى بِهِ شَهِيدا عَلَيْهِم.
قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: أَو لم يكف [بِرَبِّك].
160
﴿أَلا إِنَّهُم فِي مرية﴾ فِي شكٍّ ﴿مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ﴾ يَقُولُونَ: لَا نبعث وَلَا نلقى الله ﴿أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾ أحَاط علمه بِكُل شيءٍ.
160
S٤٢
تَفْسِير سُورَة " حم عسق "
وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٦.
161
Icon