تفسير سورة يس

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة يس من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
مكية
وآياتها ثلاث وثمانون
كلماتها : ٧٢٧ : حروفها : ٣٠٠٠.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يس( ١ )والقرآن الحكيم( ٢ )إنك لمن المرسلين( ٣ )على صراط مستقيم( ٤ )تنزيل العزيز الرحيم( ٥ )لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون( ٦ ) ﴾.
يمكن أن يقال في معنى قول المولى- تبارك اسمه- :﴿ يس ﴾ ما قيل في مثيلاتها من فواتح السور التي تكون حروف تهج ؛ مثل( ص ) و( ق ) و( طس ) و( حم ) و( الم ) و( الر ) فهي إما من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اسم من أسماء السورة، أو أريد بها التحدي، فكأنه قيل : الكلام الذي تنطقون به مؤلف من تلك الحروف وكلمات الكتاب الكريم مكونة من تلك الحروف، لكنكم - مع تكون كلمات القرآن من حروف كحروف نطقكم- عجزتم وسيظل الخلق عاجزين عن الإتيان بمثل آيات الذكر الحكيم ؛ فثبت أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام ربّ القوى والقدر ؛ وذهب مفسرون إلى أنه نداء للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام١ ؛ وأقسم الله تعالى بالقرآن المحكم الذي لا تناقض فيه، ولا يلحقه بطلان ولا اختلال أن محمدا-صلى عليه ربنا وسلم- مبعوث من الله سبحانه إلى العباد.
[ جاء قسم... لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته ؛ أقسم الله تعالى.. أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق ؛ قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ؛.. وحكى القشيري : قال ابن عباس : قالت كفار قريش : لست مرسلا، وما أرسلك الله إلينا، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين ؛ و﴿ الحكيم ﴾ المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض ؛ كما قال :(.. أحكمت آياته.. )٢، وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل. ]٣.
- وفي قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ وجهان- أحدهما : أن يكون معناه : إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق، فيكون حينئذ ﴿ على ﴾ من قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ من صلة الإرسال ؛ والآخر : أن يكون خبر مبتدأ[ أي إخبارا عن شأن ليس من جملة الأول ] كأنه قيل : إنك لمن المرسلين ؛ إنك على صراط مستقيم... ومعنى الكلام إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الربّ العزيز في انتقامه من أهل الكفر به، الرحيم بمن تاب إليه وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف جرمه بعد توبته له-٤
ومما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : وكثيرا ما يستعمل القسم بعد إفحام الخصم الألدّ كيلا يقول : إنك قد أفحمت بقوة جدالك، وأنت في نفسك خبير بضعف مقالك... وكانت العرب يتحرزون من الأيمان الفاجرة، ويقولون : إنها تدع الديار بلاقع... وقوله :﴿ على صراط ﴾ كالتأكيد، لأن المرسلين لا يكونون إلا على المنهج القويم، وتنكير ﴿ صراط ﴾ للتعظيم ؛ قيل : فيه دليل على فساد قول المباحية القائلين بأن المكلف إذا صار واصلا لم يبق عليه تكليف، فإن المرسلين لم يستغنوا عن رعاية الشريعة فكيف غيرهم ؟ ! وقوله :﴿ ما أنذر آباؤهم ﴾ كقوله في القصص :(.. لتنذر قوما ما أتاهم من نذير.. )٥ وقد مرّ أنه يشمل اليهود والنصارى لأن آباءهم الأدنين لم ينذروا بعدما ضلوا ﴿ فهم غافلون( ٦ ) ﴾ لهذا السبب ا. ه. وعن قتادة وغيره :﴿ ما ﴾ لا موضع لها من الإعراب لأنها نفي، والمعنى : لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك نذير ؛ وقيل : هي بمعنى الذي، فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم، وقيل : إن﴿ ما ﴾ والفعل مصدر ؛ أي : لتنذر قوما إنذار آبائهم، ويجوز أن يكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء، فالمعنى : لم ينذروا برسول من أنفسهم، ﴿ فهم غافلون ﴾ عن سوء مصير من ضل ؛ ولقد قامت حجة الله، وحذر عز وجل :﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾٦.
١ نقل القرطبي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن معناه: يا إنسان، وقالوا في قوله تعالى (سلام على آل ياسين)أي آل محمد، وقال سعيد ابن جبير: هو اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم، ودليله:﴿إنك لمن المرسلين﴾ يراجع من شاء [الجامع لأحكام القرآن] ج١٥ ص٤، وما بعدها. ونقل ابن كثير أنها من أسماء الله تعالى- ورواه عن مالك عن زيد بن أسلم...
٢ سورة هود. من الآية ١..
٣ مابين العلامتين[ ]مما نقله القرطبي..
٤ ما بين العلامتين من جامع البيان، بتصرف..
٥ من الآية ٤٦، وتمامها: ﴿وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون﴾..
٦ سورة الأعراف. الآية١٧٩..
﴿ الحكيم ﴾ المحكم فلا يتناقض ولا يبطل ولا يختل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يس( ١ )والقرآن الحكيم( ٢ )إنك لمن المرسلين( ٣ )على صراط مستقيم( ٤ )تنزيل العزيز الرحيم( ٥ )لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون( ٦ ) ﴾.
يمكن أن يقال في معنى قول المولى- تبارك اسمه- :﴿ يس ﴾ ما قيل في مثيلاتها من فواتح السور التي تكون حروف تهج ؛ مثل( ص ) و( ق ) و( طس ) و( حم ) و( الم ) و( الر ) فهي إما من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اسم من أسماء السورة، أو أريد بها التحدي، فكأنه قيل : الكلام الذي تنطقون به مؤلف من تلك الحروف وكلمات الكتاب الكريم مكونة من تلك الحروف، لكنكم - مع تكون كلمات القرآن من حروف كحروف نطقكم- عجزتم وسيظل الخلق عاجزين عن الإتيان بمثل آيات الذكر الحكيم ؛ فثبت أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام ربّ القوى والقدر ؛ وذهب مفسرون إلى أنه نداء للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام١ ؛ وأقسم الله تعالى بالقرآن المحكم الذي لا تناقض فيه، ولا يلحقه بطلان ولا اختلال أن محمدا-صلى عليه ربنا وسلم- مبعوث من الله سبحانه إلى العباد.
[ جاء قسم... لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته ؛ أقسم الله تعالى.. أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق ؛ قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ؛.. وحكى القشيري : قال ابن عباس : قالت كفار قريش : لست مرسلا، وما أرسلك الله إلينا، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين ؛ و﴿ الحكيم ﴾ المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض ؛ كما قال :(.. أحكمت آياته.. )٢، وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل. ]٣.

-
وفي قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ وجهان- أحدهما : أن يكون معناه : إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق، فيكون حينئذ ﴿ على ﴾ من قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ من صلة الإرسال ؛ والآخر : أن يكون خبر مبتدأ[ أي إخبارا عن شأن ليس من جملة الأول ] كأنه قيل : إنك لمن المرسلين ؛ إنك على صراط مستقيم... ومعنى الكلام إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الربّ العزيز في انتقامه من أهل الكفر به، الرحيم بمن تاب إليه وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف جرمه بعد توبته له-٤
ومما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : وكثيرا ما يستعمل القسم بعد إفحام الخصم الألدّ كيلا يقول : إنك قد أفحمت بقوة جدالك، وأنت في نفسك خبير بضعف مقالك... وكانت العرب يتحرزون من الأيمان الفاجرة، ويقولون : إنها تدع الديار بلاقع... وقوله :﴿ على صراط ﴾ كالتأكيد، لأن المرسلين لا يكونون إلا على المنهج القويم، وتنكير ﴿ صراط ﴾ للتعظيم ؛ قيل : فيه دليل على فساد قول المباحية القائلين بأن المكلف إذا صار واصلا لم يبق عليه تكليف، فإن المرسلين لم يستغنوا عن رعاية الشريعة فكيف غيرهم ؟ ! وقوله :﴿ ما أنذر آباؤهم ﴾ كقوله في القصص :(.. لتنذر قوما ما أتاهم من نذير.. )٥ وقد مرّ أنه يشمل اليهود والنصارى لأن آباءهم الأدنين لم ينذروا بعدما ضلوا ﴿ فهم غافلون( ٦ ) ﴾ لهذا السبب ا. ه. وعن قتادة وغيره :﴿ ما ﴾ لا موضع لها من الإعراب لأنها نفي، والمعنى : لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك نذير ؛ وقيل : هي بمعنى الذي، فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم، وقيل : إن﴿ ما ﴾ والفعل مصدر ؛ أي : لتنذر قوما إنذار آبائهم، ويجوز أن يكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء، فالمعنى : لم ينذروا برسول من أنفسهم، ﴿ فهم غافلون ﴾ عن سوء مصير من ضل ؛ ولقد قامت حجة الله، وحذر عز وجل :﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾٦.
١ نقل القرطبي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن معناه: يا إنسان، وقالوا في قوله تعالى (سلام على آل ياسين)أي آل محمد، وقال سعيد ابن جبير: هو اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم، ودليله:﴿إنك لمن المرسلين﴾ يراجع من شاء [الجامع لأحكام القرآن] ج١٥ ص٤، وما بعدها. ونقل ابن كثير أنها من أسماء الله تعالى- ورواه عن مالك عن زيد بن أسلم...
٢ سورة هود. من الآية ١..
٣ مابين العلامتين[ ]مما نقله القرطبي..
٤ ما بين العلامتين من جامع البيان، بتصرف..
٥ من الآية ٤٦، وتمامها: ﴿وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون﴾..
٦ سورة الأعراف. الآية١٧٩..

﴿ صراط مستقيم ﴾ طريق معتدل، ودين لا عوج فيه، وهو الإسلام.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يس( ١ )والقرآن الحكيم( ٢ )إنك لمن المرسلين( ٣ )على صراط مستقيم( ٤ )تنزيل العزيز الرحيم( ٥ )لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون( ٦ ) ﴾.
يمكن أن يقال في معنى قول المولى- تبارك اسمه- :﴿ يس ﴾ ما قيل في مثيلاتها من فواتح السور التي تكون حروف تهج ؛ مثل( ص ) و( ق ) و( طس ) و( حم ) و( الم ) و( الر ) فهي إما من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اسم من أسماء السورة، أو أريد بها التحدي، فكأنه قيل : الكلام الذي تنطقون به مؤلف من تلك الحروف وكلمات الكتاب الكريم مكونة من تلك الحروف، لكنكم - مع تكون كلمات القرآن من حروف كحروف نطقكم- عجزتم وسيظل الخلق عاجزين عن الإتيان بمثل آيات الذكر الحكيم ؛ فثبت أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام ربّ القوى والقدر ؛ وذهب مفسرون إلى أنه نداء للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام١ ؛ وأقسم الله تعالى بالقرآن المحكم الذي لا تناقض فيه، ولا يلحقه بطلان ولا اختلال أن محمدا-صلى عليه ربنا وسلم- مبعوث من الله سبحانه إلى العباد.
[ جاء قسم... لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته ؛ أقسم الله تعالى.. أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق ؛ قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ؛.. وحكى القشيري : قال ابن عباس : قالت كفار قريش : لست مرسلا، وما أرسلك الله إلينا، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين ؛ و﴿ الحكيم ﴾ المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض ؛ كما قال :(.. أحكمت آياته.. )٢، وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل. ]٣.

-
وفي قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ وجهان- أحدهما : أن يكون معناه : إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق، فيكون حينئذ ﴿ على ﴾ من قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ من صلة الإرسال ؛ والآخر : أن يكون خبر مبتدأ[ أي إخبارا عن شأن ليس من جملة الأول ] كأنه قيل : إنك لمن المرسلين ؛ إنك على صراط مستقيم... ومعنى الكلام إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الربّ العزيز في انتقامه من أهل الكفر به، الرحيم بمن تاب إليه وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف جرمه بعد توبته له-٤
ومما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : وكثيرا ما يستعمل القسم بعد إفحام الخصم الألدّ كيلا يقول : إنك قد أفحمت بقوة جدالك، وأنت في نفسك خبير بضعف مقالك... وكانت العرب يتحرزون من الأيمان الفاجرة، ويقولون : إنها تدع الديار بلاقع... وقوله :﴿ على صراط ﴾ كالتأكيد، لأن المرسلين لا يكونون إلا على المنهج القويم، وتنكير ﴿ صراط ﴾ للتعظيم ؛ قيل : فيه دليل على فساد قول المباحية القائلين بأن المكلف إذا صار واصلا لم يبق عليه تكليف، فإن المرسلين لم يستغنوا عن رعاية الشريعة فكيف غيرهم ؟ ! وقوله :﴿ ما أنذر آباؤهم ﴾ كقوله في القصص :(.. لتنذر قوما ما أتاهم من نذير.. )٥ وقد مرّ أنه يشمل اليهود والنصارى لأن آباءهم الأدنين لم ينذروا بعدما ضلوا ﴿ فهم غافلون( ٦ ) ﴾ لهذا السبب ا. ه. وعن قتادة وغيره :﴿ ما ﴾ لا موضع لها من الإعراب لأنها نفي، والمعنى : لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك نذير ؛ وقيل : هي بمعنى الذي، فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم، وقيل : إن﴿ ما ﴾ والفعل مصدر ؛ أي : لتنذر قوما إنذار آبائهم، ويجوز أن يكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء، فالمعنى : لم ينذروا برسول من أنفسهم، ﴿ فهم غافلون ﴾ عن سوء مصير من ضل ؛ ولقد قامت حجة الله، وحذر عز وجل :﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾٦.
١ نقل القرطبي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن معناه: يا إنسان، وقالوا في قوله تعالى (سلام على آل ياسين)أي آل محمد، وقال سعيد ابن جبير: هو اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم، ودليله:﴿إنك لمن المرسلين﴾ يراجع من شاء [الجامع لأحكام القرآن] ج١٥ ص٤، وما بعدها. ونقل ابن كثير أنها من أسماء الله تعالى- ورواه عن مالك عن زيد بن أسلم...
٢ سورة هود. من الآية ١..
٣ مابين العلامتين[ ]مما نقله القرطبي..
٤ ما بين العلامتين من جامع البيان، بتصرف..
٥ من الآية ٤٦، وتمامها: ﴿وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون﴾..
٦ سورة الأعراف. الآية١٧٩..

﴿ العزيز ﴾ المنتقم ممن خالفه.
﴿ الرحيم ﴾ واسع الرحمة لمن أطاعه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يس( ١ )والقرآن الحكيم( ٢ )إنك لمن المرسلين( ٣ )على صراط مستقيم( ٤ )تنزيل العزيز الرحيم( ٥ )لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون( ٦ ) ﴾.
يمكن أن يقال في معنى قول المولى- تبارك اسمه- :﴿ يس ﴾ ما قيل في مثيلاتها من فواتح السور التي تكون حروف تهج ؛ مثل( ص ) و( ق ) و( طس ) و( حم ) و( الم ) و( الر ) فهي إما من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اسم من أسماء السورة، أو أريد بها التحدي، فكأنه قيل : الكلام الذي تنطقون به مؤلف من تلك الحروف وكلمات الكتاب الكريم مكونة من تلك الحروف، لكنكم - مع تكون كلمات القرآن من حروف كحروف نطقكم- عجزتم وسيظل الخلق عاجزين عن الإتيان بمثل آيات الذكر الحكيم ؛ فثبت أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام ربّ القوى والقدر ؛ وذهب مفسرون إلى أنه نداء للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام١ ؛ وأقسم الله تعالى بالقرآن المحكم الذي لا تناقض فيه، ولا يلحقه بطلان ولا اختلال أن محمدا-صلى عليه ربنا وسلم- مبعوث من الله سبحانه إلى العباد.
[ جاء قسم... لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته ؛ أقسم الله تعالى.. أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق ؛ قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ؛.. وحكى القشيري : قال ابن عباس : قالت كفار قريش : لست مرسلا، وما أرسلك الله إلينا، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين ؛ و﴿ الحكيم ﴾ المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض ؛ كما قال :(.. أحكمت آياته.. )٢، وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل. ]٣.

-
وفي قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ وجهان- أحدهما : أن يكون معناه : إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق، فيكون حينئذ ﴿ على ﴾ من قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ من صلة الإرسال ؛ والآخر : أن يكون خبر مبتدأ[ أي إخبارا عن شأن ليس من جملة الأول ] كأنه قيل : إنك لمن المرسلين ؛ إنك على صراط مستقيم... ومعنى الكلام إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الربّ العزيز في انتقامه من أهل الكفر به، الرحيم بمن تاب إليه وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف جرمه بعد توبته له-٤
ومما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : وكثيرا ما يستعمل القسم بعد إفحام الخصم الألدّ كيلا يقول : إنك قد أفحمت بقوة جدالك، وأنت في نفسك خبير بضعف مقالك... وكانت العرب يتحرزون من الأيمان الفاجرة، ويقولون : إنها تدع الديار بلاقع... وقوله :﴿ على صراط ﴾ كالتأكيد، لأن المرسلين لا يكونون إلا على المنهج القويم، وتنكير ﴿ صراط ﴾ للتعظيم ؛ قيل : فيه دليل على فساد قول المباحية القائلين بأن المكلف إذا صار واصلا لم يبق عليه تكليف، فإن المرسلين لم يستغنوا عن رعاية الشريعة فكيف غيرهم ؟ ! وقوله :﴿ ما أنذر آباؤهم ﴾ كقوله في القصص :(.. لتنذر قوما ما أتاهم من نذير.. )٥ وقد مرّ أنه يشمل اليهود والنصارى لأن آباءهم الأدنين لم ينذروا بعدما ضلوا ﴿ فهم غافلون( ٦ ) ﴾ لهذا السبب ا. ه. وعن قتادة وغيره :﴿ ما ﴾ لا موضع لها من الإعراب لأنها نفي، والمعنى : لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك نذير ؛ وقيل : هي بمعنى الذي، فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم، وقيل : إن﴿ ما ﴾ والفعل مصدر ؛ أي : لتنذر قوما إنذار آبائهم، ويجوز أن يكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء، فالمعنى : لم ينذروا برسول من أنفسهم، ﴿ فهم غافلون ﴾ عن سوء مصير من ضل ؛ ولقد قامت حجة الله، وحذر عز وجل :﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾٦.
١ نقل القرطبي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن معناه: يا إنسان، وقالوا في قوله تعالى (سلام على آل ياسين)أي آل محمد، وقال سعيد ابن جبير: هو اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم، ودليله:﴿إنك لمن المرسلين﴾ يراجع من شاء [الجامع لأحكام القرآن] ج١٥ ص٤، وما بعدها. ونقل ابن كثير أنها من أسماء الله تعالى- ورواه عن مالك عن زيد بن أسلم...
٢ سورة هود. من الآية ١..
٣ مابين العلامتين[ ]مما نقله القرطبي..
٤ ما بين العلامتين من جامع البيان، بتصرف..
٥ من الآية ٤٦، وتمامها: ﴿وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون﴾..
٦ سورة الأعراف. الآية١٧٩..

﴿ لتنذر ﴾ لتحذر وتخوف.
﴿ ما أنذر آباؤهم ﴾ لم يرسل إلى آبائهم قبلك من نذير.
﴿ غافلون ﴾ صاحبتهم الغفلة فلم يعلموا، أو علموا فأعرضوا وتغافلوا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يس( ١ )والقرآن الحكيم( ٢ )إنك لمن المرسلين( ٣ )على صراط مستقيم( ٤ )تنزيل العزيز الرحيم( ٥ )لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون( ٦ ) ﴾.
يمكن أن يقال في معنى قول المولى- تبارك اسمه- :﴿ يس ﴾ ما قيل في مثيلاتها من فواتح السور التي تكون حروف تهج ؛ مثل( ص ) و( ق ) و( طس ) و( حم ) و( الم ) و( الر ) فهي إما من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اسم من أسماء السورة، أو أريد بها التحدي، فكأنه قيل : الكلام الذي تنطقون به مؤلف من تلك الحروف وكلمات الكتاب الكريم مكونة من تلك الحروف، لكنكم - مع تكون كلمات القرآن من حروف كحروف نطقكم- عجزتم وسيظل الخلق عاجزين عن الإتيان بمثل آيات الذكر الحكيم ؛ فثبت أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام ربّ القوى والقدر ؛ وذهب مفسرون إلى أنه نداء للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام١ ؛ وأقسم الله تعالى بالقرآن المحكم الذي لا تناقض فيه، ولا يلحقه بطلان ولا اختلال أن محمدا-صلى عليه ربنا وسلم- مبعوث من الله سبحانه إلى العباد.
[ جاء قسم... لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته ؛ أقسم الله تعالى.. أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق ؛ قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ؛.. وحكى القشيري : قال ابن عباس : قالت كفار قريش : لست مرسلا، وما أرسلك الله إلينا، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين ؛ و﴿ الحكيم ﴾ المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض ؛ كما قال :(.. أحكمت آياته.. )٢، وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل. ]٣.

-
وفي قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ وجهان- أحدهما : أن يكون معناه : إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق، فيكون حينئذ ﴿ على ﴾ من قوله :﴿ على صراط مستقيم ﴾ من صلة الإرسال ؛ والآخر : أن يكون خبر مبتدأ[ أي إخبارا عن شأن ليس من جملة الأول ] كأنه قيل : إنك لمن المرسلين ؛ إنك على صراط مستقيم... ومعنى الكلام إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الربّ العزيز في انتقامه من أهل الكفر به، الرحيم بمن تاب إليه وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف جرمه بعد توبته له-٤
ومما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : وكثيرا ما يستعمل القسم بعد إفحام الخصم الألدّ كيلا يقول : إنك قد أفحمت بقوة جدالك، وأنت في نفسك خبير بضعف مقالك... وكانت العرب يتحرزون من الأيمان الفاجرة، ويقولون : إنها تدع الديار بلاقع... وقوله :﴿ على صراط ﴾ كالتأكيد، لأن المرسلين لا يكونون إلا على المنهج القويم، وتنكير ﴿ صراط ﴾ للتعظيم ؛ قيل : فيه دليل على فساد قول المباحية القائلين بأن المكلف إذا صار واصلا لم يبق عليه تكليف، فإن المرسلين لم يستغنوا عن رعاية الشريعة فكيف غيرهم ؟ ! وقوله :﴿ ما أنذر آباؤهم ﴾ كقوله في القصص :(.. لتنذر قوما ما أتاهم من نذير.. )٥ وقد مرّ أنه يشمل اليهود والنصارى لأن آباءهم الأدنين لم ينذروا بعدما ضلوا ﴿ فهم غافلون( ٦ ) ﴾ لهذا السبب ا. ه. وعن قتادة وغيره :﴿ ما ﴾ لا موضع لها من الإعراب لأنها نفي، والمعنى : لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك نذير ؛ وقيل : هي بمعنى الذي، فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم، وقيل : إن﴿ ما ﴾ والفعل مصدر ؛ أي : لتنذر قوما إنذار آبائهم، ويجوز أن يكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء، فالمعنى : لم ينذروا برسول من أنفسهم، ﴿ فهم غافلون ﴾ عن سوء مصير من ضل ؛ ولقد قامت حجة الله، وحذر عز وجل :﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾٦.
١ نقل القرطبي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن معناه: يا إنسان، وقالوا في قوله تعالى (سلام على آل ياسين)أي آل محمد، وقال سعيد ابن جبير: هو اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم، ودليله:﴿إنك لمن المرسلين﴾ يراجع من شاء [الجامع لأحكام القرآن] ج١٥ ص٤، وما بعدها. ونقل ابن كثير أنها من أسماء الله تعالى- ورواه عن مالك عن زيد بن أسلم...
٢ سورة هود. من الآية ١..
٣ مابين العلامتين[ ]مما نقله القرطبي..
٤ ما بين العلامتين من جامع البيان، بتصرف..
٥ من الآية ٤٦، وتمامها: ﴿وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون﴾..
٦ سورة الأعراف. الآية١٧٩..

﴿ حق القول ﴾ وجب العذاب.
﴿ لا يؤمنون ﴾ لا يصدقون بالحق، ولا يستيقنون بالذي تهدي إليه، ولا بالذي يجب الإيمان به، ولا يتبعون الرشد.
﴿ أغلالا ﴾ قيودا.
﴿ مقمحون ﴾ لا يستطيعون أن يثنوا أعناقهم.
﴿ من بين أيديهم سدا ﴾ من أمامهم وقدامهم حاجزا.
﴿ ومن خلفهم سدا ﴾ ومن ورائهم حاجزا.
﴿ فأغشيناهم ﴾ فغطينا أبصارهم.
﴿ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون( ٧ )إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون( ٨ )وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون( ٩ )وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون( ١٠ ) ﴾.
لما ختمت الآية السادسة بقول الله سبحانه :﴿ فهم غافلون ﴾ وبينت آية كريمة في سورة الأعراف أن الغافلين لا يتفقهون بقلوبهم، ولا يتبصرون بأعينهم، ولا يستمعون بآذانهم، جاءت هذه الآية تبين أنهم وقد استحبوا العمى على الهدى استوجبوا مقت الله وعذابه إلا قليلا منهم، ومن ختم الله على سمعه وقلبه هل تجد له وليا مرشدا ؟ فهؤلاء لا يصدقون بالحق، ولا يستيقنون بالذي يهدي إليه رسول الله مما يوجب الإيمان والعمل به، ولا يتبعون برّا ولا رشدا ؛ وكيف وأنّى لهم أن يؤمنوا وقد زاغوا عن الخير﴿.. وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا.. ﴾١ ؟ لهذا أزاغ الله قلوبهم فلن يهتدوا إذن أبدا ؛ إن القيد الذي غلت به أيديهم قد بلغ بها أعناقهم، ولزق بأذقانهم، فهم لا يحركون رقابهم لينظروا ما حولهم، بل ولا إلى ما تحت أقدامهم ؛ نقل عن مجاهد :﴿ مقمحون ﴾ مُغَلُّون عن كل خير ؛ ومما نقل عن الأصمعي : قامحت إبلك إذا وردت ولم تشرب، ورفعت رأسها من داء يكون بها أو برد ؛ يقال : أقمحه الغُلّ إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه، وشهرا إقماح : أشد ما يكون من البرد، وهما الكانونان ؛ سميا بذلك لأن الإبل إذا وردت آذاها برد الماء فقامحت رؤوسها. اهـ.
[ وقيل الآية إشارة إلى ما يفعل بأقوام غدا في النار من وضع الأغلال في أعناقهم والسلاسل ؛ كما قال تعالى :﴿ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل.. ﴾٢.
وأخبر عنه بلفظ الماضي ]٣ - وكيف يفهم من الغل في العنق المنع من الإيمان حتى يجعل كناية ؟ فيقول : المغلول الذي بلغ الغُلّ ذقنه، وبقي مقمحا رافع الرأس لا يبصر الطريق، فضرب ذلك مثلا للذي يهديه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم العقلي وهو لا يبصره بنظر بصيرته-٤﴿ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ﴾ وصيرنا من قدامهم حاجزا ومن ورائهم حاجزا ؛ مما قال مجاهد وغيره : سدا : عن الحق، فهم يترددون، ومما قال قتادة وغيره :﴿ سدا ﴾ : ضلالات.
ومما أورد صاحب روح المعاني :﴿ لقد حق ﴾ جواب لقسم محذوف، أي : والله لقد ثبت ووجب ﴿ القول ﴾ الذي قلته لإبليس يوم قال :﴿.. لأغوينهم أجمعين ﴾٥ وهو :﴿.. لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾٦.
﴿ على أكثرهم ﴾ متعلق بـ﴿ حق ﴾ ؛ والمراد : سبق في علمي دخول أكثرهم فيمن أملأ منهم جهنم، وهم تبعة إبليس... وظاهر كلام الراغب أن المراد بالقول علم الله تعالى بهم... ﴿ فهم ﴾ أي الأكثر ﴿ لا يؤمنون ﴾ بإنذارك إياهم ؛ والفاء تفريعية داخلة على الحكم المسبب عما قبله، فيفيد أن ثبوت القول عليهم علة لتكذيبهم وكفرهم، وهو علة له باعتبار سبق العلم بسوء اختيارهم، وما هم عليه في نفس الأمر، فإن علمه تعالى لا يتعلق بالأشياء إلا على ما هي عليه في أنفسها، ومآله إلى أن سوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر علة لتكذيبهم وعدم إيمانهم بعد الإنذار، فليس هناك جبر محض، ولا أن المعلوم تابع للعلم...
﴿ ومن خلفهم ﴾ من ورائهم ﴿ سدا ﴾ كذلك، والقدام والوراء كناية عن جميع الجهات..... وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة، فتأذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه، فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا هم لا يبصرون، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ننشدك الله تعالى والرحم يا محمد ! قال : ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم، فنزلت :﴿ يس. والقرآن الحكيم ﴾ إلى قوله سبحانه :﴿.. أم لم تنذرهم لا يؤمنون ﴾ فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.... ﴿ وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ﴾ أي مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه... وانظر هل تجد مانعا من العطف على ﴿ لا يبصرون ﴾ ؟ ليكون خبرا لهم أيضا داخلا في حيز الفاء والتفريع.. كأنه قيل : فهم سواء عليهم.. واختلاف الجملتين بالاسمية والفعلية لا أراك تعده مانعا، وقوله تعالى :﴿ لا يؤمنون ﴾ استئناف مؤكد لما قبله، مبين لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء، أو حال مؤكدة له، أو بدل منه. اهـ.
﴿ أغلالا ﴾ قيودا.
﴿ مقمحون ﴾ لا يستطيعون أن يثنوا أعناقهم.
﴿ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون( ٧ )إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون( ٨ )وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون( ٩ )وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون( ١٠ ) ﴾.
لما ختمت الآية السادسة بقول الله سبحانه :﴿ فهم غافلون ﴾ وبينت آية كريمة في سورة الأعراف أن الغافلين لا يتفقهون بقلوبهم، ولا يتبصرون بأعينهم، ولا يستمعون بآذانهم، جاءت هذه الآية تبين أنهم وقد استحبوا العمى على الهدى استوجبوا مقت الله وعذابه إلا قليلا منهم، ومن ختم الله على سمعه وقلبه هل تجد له وليا مرشدا ؟ فهؤلاء لا يصدقون بالحق، ولا يستيقنون بالذي يهدي إليه رسول الله مما يوجب الإيمان والعمل به، ولا يتبعون برّا ولا رشدا ؛ وكيف وأنّى لهم أن يؤمنوا وقد زاغوا عن الخير﴿.. وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا.. ﴾١ ؟ لهذا أزاغ الله قلوبهم فلن يهتدوا إذن أبدا ؛ إن القيد الذي غلت به أيديهم قد بلغ بها أعناقهم، ولزق بأذقانهم، فهم لا يحركون رقابهم لينظروا ما حولهم، بل ولا إلى ما تحت أقدامهم ؛ نقل عن مجاهد :﴿ مقمحون ﴾ مُغَلُّون عن كل خير ؛ ومما نقل عن الأصمعي : قامحت إبلك إذا وردت ولم تشرب، ورفعت رأسها من داء يكون بها أو برد ؛ يقال : أقمحه الغُلّ إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه، وشهرا إقماح : أشد ما يكون من البرد، وهما الكانونان ؛ سميا بذلك لأن الإبل إذا وردت آذاها برد الماء فقامحت رؤوسها. اهـ.
[ وقيل الآية إشارة إلى ما يفعل بأقوام غدا في النار من وضع الأغلال في أعناقهم والسلاسل ؛ كما قال تعالى :﴿ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل.. ﴾٢.
وأخبر عنه بلفظ الماضي ]٣ - وكيف يفهم من الغل في العنق المنع من الإيمان حتى يجعل كناية ؟ فيقول : المغلول الذي بلغ الغُلّ ذقنه، وبقي مقمحا رافع الرأس لا يبصر الطريق، فضرب ذلك مثلا للذي يهديه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم العقلي وهو لا يبصره بنظر بصيرته-٤﴿ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ﴾ وصيرنا من قدامهم حاجزا ومن ورائهم حاجزا ؛ مما قال مجاهد وغيره : سدا : عن الحق، فهم يترددون، ومما قال قتادة وغيره :﴿ سدا ﴾ : ضلالات.
ومما أورد صاحب روح المعاني :﴿ لقد حق ﴾ جواب لقسم محذوف، أي : والله لقد ثبت ووجب ﴿ القول ﴾ الذي قلته لإبليس يوم قال :﴿.. لأغوينهم أجمعين ﴾٥ وهو :﴿.. لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾٦.
﴿ على أكثرهم ﴾ متعلق بـ﴿ حق ﴾ ؛ والمراد : سبق في علمي دخول أكثرهم فيمن أملأ منهم جهنم، وهم تبعة إبليس... وظاهر كلام الراغب أن المراد بالقول علم الله تعالى بهم... ﴿ فهم ﴾ أي الأكثر ﴿ لا يؤمنون ﴾ بإنذارك إياهم ؛ والفاء تفريعية داخلة على الحكم المسبب عما قبله، فيفيد أن ثبوت القول عليهم علة لتكذيبهم وكفرهم، وهو علة له باعتبار سبق العلم بسوء اختيارهم، وما هم عليه في نفس الأمر، فإن علمه تعالى لا يتعلق بالأشياء إلا على ما هي عليه في أنفسها، ومآله إلى أن سوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر علة لتكذيبهم وعدم إيمانهم بعد الإنذار، فليس هناك جبر محض، ولا أن المعلوم تابع للعلم...
﴿ ومن خلفهم ﴾ من ورائهم ﴿ سدا ﴾ كذلك، والقدام والوراء كناية عن جميع الجهات..... وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة، فتأذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه، فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا هم لا يبصرون، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ننشدك الله تعالى والرحم يا محمد ! قال : ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم، فنزلت :﴿ يس. والقرآن الحكيم ﴾ إلى قوله سبحانه :﴿.. أم لم تنذرهم لا يؤمنون ﴾ فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.... ﴿ وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ﴾ أي مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه... وانظر هل تجد مانعا من العطف على ﴿ لا يبصرون ﴾ ؟ ليكون خبرا لهم أيضا داخلا في حيز الفاء والتفريع.. كأنه قيل : فهم سواء عليهم.. واختلاف الجملتين بالاسمية والفعلية لا أراك تعده مانعا، وقوله تعالى :﴿ لا يؤمنون ﴾ استئناف مؤكد لما قبله، مبين لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء، أو حال مؤكدة له، أو بدل منه. اهـ.
﴿ من بين أيديهم سدا ﴾ من أمامهم وقدامهم حاجزا.
﴿ ومن خلفهم سدا ﴾ ومن ورائهم حاجزا.
﴿ فأغشيناهم ﴾ فغطينا أبصارهم.
﴿ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون( ٧ )إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون( ٨ )وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون( ٩ )وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون( ١٠ ) ﴾.
لما ختمت الآية السادسة بقول الله سبحانه :﴿ فهم غافلون ﴾ وبينت آية كريمة في سورة الأعراف أن الغافلين لا يتفقهون بقلوبهم، ولا يتبصرون بأعينهم، ولا يستمعون بآذانهم، جاءت هذه الآية تبين أنهم وقد استحبوا العمى على الهدى استوجبوا مقت الله وعذابه إلا قليلا منهم، ومن ختم الله على سمعه وقلبه هل تجد له وليا مرشدا ؟ فهؤلاء لا يصدقون بالحق، ولا يستيقنون بالذي يهدي إليه رسول الله مما يوجب الإيمان والعمل به، ولا يتبعون برّا ولا رشدا ؛ وكيف وأنّى لهم أن يؤمنوا وقد زاغوا عن الخير﴿.. وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا.. ﴾١ ؟ لهذا أزاغ الله قلوبهم فلن يهتدوا إذن أبدا ؛ إن القيد الذي غلت به أيديهم قد بلغ بها أعناقهم، ولزق بأذقانهم، فهم لا يحركون رقابهم لينظروا ما حولهم، بل ولا إلى ما تحت أقدامهم ؛ نقل عن مجاهد :﴿ مقمحون ﴾ مُغَلُّون عن كل خير ؛ ومما نقل عن الأصمعي : قامحت إبلك إذا وردت ولم تشرب، ورفعت رأسها من داء يكون بها أو برد ؛ يقال : أقمحه الغُلّ إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه، وشهرا إقماح : أشد ما يكون من البرد، وهما الكانونان ؛ سميا بذلك لأن الإبل إذا وردت آذاها برد الماء فقامحت رؤوسها. اهـ.
[ وقيل الآية إشارة إلى ما يفعل بأقوام غدا في النار من وضع الأغلال في أعناقهم والسلاسل ؛ كما قال تعالى :﴿ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل.. ﴾٢.
وأخبر عنه بلفظ الماضي ]٣ - وكيف يفهم من الغل في العنق المنع من الإيمان حتى يجعل كناية ؟ فيقول : المغلول الذي بلغ الغُلّ ذقنه، وبقي مقمحا رافع الرأس لا يبصر الطريق، فضرب ذلك مثلا للذي يهديه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم العقلي وهو لا يبصره بنظر بصيرته-٤﴿ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ﴾ وصيرنا من قدامهم حاجزا ومن ورائهم حاجزا ؛ مما قال مجاهد وغيره : سدا : عن الحق، فهم يترددون، ومما قال قتادة وغيره :﴿ سدا ﴾ : ضلالات.
ومما أورد صاحب روح المعاني :﴿ لقد حق ﴾ جواب لقسم محذوف، أي : والله لقد ثبت ووجب ﴿ القول ﴾ الذي قلته لإبليس يوم قال :﴿.. لأغوينهم أجمعين ﴾٥ وهو :﴿.. لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾٦.
﴿ على أكثرهم ﴾ متعلق بـ﴿ حق ﴾ ؛ والمراد : سبق في علمي دخول أكثرهم فيمن أملأ منهم جهنم، وهم تبعة إبليس... وظاهر كلام الراغب أن المراد بالقول علم الله تعالى بهم... ﴿ فهم ﴾ أي الأكثر ﴿ لا يؤمنون ﴾ بإنذارك إياهم ؛ والفاء تفريعية داخلة على الحكم المسبب عما قبله، فيفيد أن ثبوت القول عليهم علة لتكذيبهم وكفرهم، وهو علة له باعتبار سبق العلم بسوء اختيارهم، وما هم عليه في نفس الأمر، فإن علمه تعالى لا يتعلق بالأشياء إلا على ما هي عليه في أنفسها، ومآله إلى أن سوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر علة لتكذيبهم وعدم إيمانهم بعد الإنذار، فليس هناك جبر محض، ولا أن المعلوم تابع للعلم...
﴿ ومن خلفهم ﴾ من ورائهم ﴿ سدا ﴾ كذلك، والقدام والوراء كناية عن جميع الجهات..... وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة، فتأذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه، فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا هم لا يبصرون، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ننشدك الله تعالى والرحم يا محمد ! قال : ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم، فنزلت :﴿ يس. والقرآن الحكيم ﴾ إلى قوله سبحانه :﴿.. أم لم تنذرهم لا يؤمنون ﴾ فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.... ﴿ وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ﴾ أي مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه... وانظر هل تجد مانعا من العطف على ﴿ لا يبصرون ﴾ ؟ ليكون خبرا لهم أيضا داخلا في حيز الفاء والتفريع.. كأنه قيل : فهم سواء عليهم.. واختلاف الجملتين بالاسمية والفعلية لا أراك تعده مانعا، وقوله تعالى :﴿ لا يؤمنون ﴾ استئناف مؤكد لما قبله، مبين لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء، أو حال مؤكدة له، أو بدل منه. اهـ.
﴿ تنذر ﴾ تحذر وتخوف.
﴿ الذكر ﴾ القرآن الحكيم.
﴿ بالغيب ﴾ ملتبسا بالغيب أي غائبا عنه، أو غائبا عن أعين الناس.
﴿ إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم( ١١ )إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين( ١٢ ) ﴾.
الخطاب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو له ولكل من هو أهل للخطاب، وكأن المعنى : ما ينفع إنذارك إلا من إذا سمع القول اتبع أحسنه وإذا تليت عليه آيات الله زادته إيمانا، وهو يخاف سخط الله تعالى حال كونه غائبا عنه، أو يراقب ربه غائبا عن أعين الناس منفردا بنفسه، فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴿ أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ﴾١، وثبتت الآية الثانية اليقين في النشور والحشر، والسؤال والحساب، ليزداد الذين آمنوا إيمانا بأنهم ملاقوا ربهم، وليفرحوا بما ينتظرهم من بياض وجوههم، وحسن عاقبتهم، ﴿ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ﴾٢، وليحذر الذين قالوا لا تأتينا الساعة، وقالوا :﴿.. إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ﴾٣ والذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا﴿... وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ﴾٤ فإن يوم التغابن يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، وتوضع الصحائف التي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فاللبيب السعيد من قدم لنفسه وعمل عمل الأبرار، وترك من ورائه الذكر الطيب وأبرك الآثار، فأولئك ينادون :﴿ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ﴾٥.
في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال : أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، قال : والبقاع خالية، قال : فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال :( يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم )فقالوا : ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا، [ قال مجاهد وقتادة وابن زيد : أراد اللوح المحفوظ، وقالت فرقة : أراد صحائف الأعمال. ]٦
ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن :.. ثم توعدهم٧ بذكره كتب الآثار.. فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها، من أثر حسن، كعلم علموه، أو كتاب صنفوه،.. أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك، أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين.. أو شيء أحدثه فيه صدّ عن ذكر الله من ألحان وملاه، وكذلك كل سنة حسنة، أو سيئة يستن بها.. اهـ.
﴿ ما قدموا ﴾ ما أسلفوه.
﴿ وآثارهم ﴾ ما أبقوه بعدهم.
﴿ إمام ﴾ أصل عظيم.
﴿ مبين ﴾ مظهر.
﴿ إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم( ١١ )إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين( ١٢ ) ﴾.
الخطاب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو له ولكل من هو أهل للخطاب، وكأن المعنى : ما ينفع إنذارك إلا من إذا سمع القول اتبع أحسنه وإذا تليت عليه آيات الله زادته إيمانا، وهو يخاف سخط الله تعالى حال كونه غائبا عنه، أو يراقب ربه غائبا عن أعين الناس منفردا بنفسه، فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴿ أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ﴾١، وثبتت الآية الثانية اليقين في النشور والحشر، والسؤال والحساب، ليزداد الذين آمنوا إيمانا بأنهم ملاقوا ربهم، وليفرحوا بما ينتظرهم من بياض وجوههم، وحسن عاقبتهم، ﴿ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ﴾٢، وليحذر الذين قالوا لا تأتينا الساعة، وقالوا :﴿.. إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ﴾٣ والذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا﴿... وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ﴾٤ فإن يوم التغابن يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، وتوضع الصحائف التي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فاللبيب السعيد من قدم لنفسه وعمل عمل الأبرار، وترك من ورائه الذكر الطيب وأبرك الآثار، فأولئك ينادون :﴿ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ﴾٥.
في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال : أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، قال : والبقاع خالية، قال : فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال :( يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم )فقالوا : ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا، [ قال مجاهد وقتادة وابن زيد : أراد اللوح المحفوظ، وقالت فرقة : أراد صحائف الأعمال. ]٦
ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن :.. ثم توعدهم٧ بذكره كتب الآثار.. فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها، من أثر حسن، كعلم علموه، أو كتاب صنفوه،.. أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك، أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين.. أو شيء أحدثه فيه صدّ عن ذكر الله من ألحان وملاه، وكذلك كل سنة حسنة، أو سيئة يستن بها.. اهـ.
﴿ واضرب لهم مثلا ﴾ واذكر لهم حالا عجيبة تطابق حالهم، وقولا غريبا حكيما، أو قصة فيها عبرة.
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( ١٣ )إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون( ١٤ )قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمان من شيء إن أنتم إلا تكذبون( ١٥ )قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون( ١٦ )وما علينا إلا البلاغ المبين( ١٧ )قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( ١٨ )قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون( ١٩ ) ﴾.
علّم الله تعالى نبيه وعلّمنا أن نقُصّ القصص الحق ليكون عبرة ومدّكرا ؛ به يثبت مولانا قلوب المؤمنين فيزداد يقينهم في تأييد ربهم لهم، كما أيّد أهل الصدق من أسلافهم، وفيه تحذير ووعيد للمعاندين الباغين أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم، وجمهور المفسرين على أن القرية هي إنطاكية، وأن الرسل إليها كانوا من بعد عيسى عليه السلام، وهل كان إرسالهم من الله سبحانه مباشرة، أو كانوا رسلا لعيسى صلى الله عليه وسلم، دعا أهل القرية أول ما دعا رسولان، فسارع القوم إلى التكذيب، فقوّى الله القوي القدير رسولي عيسى إلى هذه المدينة برسول ثالث، فما ازداد القوم إلا تماديا في الإنكار، وإصرارا على التكذيب، واستبعادا على أن يبعث الله بشرا رسولا، فذكرتهم رسلهم بأن الرب العلي الأعلى يعلم أنهم دعاته إلى أهل هذه المدينة، ولو كانوا مفترين في دعوى الرسالة لأكذبهم أو لأهلكهم، ثم علموهم أنهم لا يملكون هدايتهم، وإنما عهد الله إليهم بتبليغهم ودعوتهم، قال أكثر أهل المدينة لرسلهم : إنا تشاءمنا بكم، لئن لم تسكتوا عما تقولون، ولئن لم ترجعوا عما إليه تدعون لنقتلنكم ولنعذبنكم عذابا موجعا، فكان رد رسلهم عليهم : سبب شؤمكم ملازمكم، فإن كفران النعم مجلبة للنقم، وفي مثل هذا المعنى يقول الحق جلّ علاه :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ﴾١. ويقول تبارك اسمه :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾٢ كما جاء في آية كريمة أخرى :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ﴾٣ وفي آية :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.. ﴾٤ وفي آية :﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.. ﴾٥.
والكفر ملة واحدة، فكلما جاء أمة رسولها سارع الأكثرون إلى الصد عنه، ومضوا يسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب المفسدين، ونسبوا ما يحلّ بهم من البلاء إلى نحس الرسول، وحاشا ! وصلوات الله على كليم ربنا ورسوله موسى عليه السلام، فقد أبى الناس الذين أرسل إليهم أن يدخلوا في الملة التي جاء بها.
﴿.. وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه.. ﴾٦.
وضرب المثل يستعمل تارة في حالة غريبة بأخرى مثلها، كما في قوله تعالى :﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح.. ﴾٧الآية، وأخرى في ذكر حالة غريبة، وبيانها للناس، من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها، كما في قوله تعالى :﴿.. وضربنا لكم الأمثال ﴾٨_في وجه_أي : بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال...
﴿ فعززنا ﴾ فقوينا وشددنا.
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( ١٣ )إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون( ١٤ )قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمان من شيء إن أنتم إلا تكذبون( ١٥ )قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون( ١٦ )وما علينا إلا البلاغ المبين( ١٧ )قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( ١٨ )قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون( ١٩ ) ﴾.
علّم الله تعالى نبيه وعلّمنا أن نقُصّ القصص الحق ليكون عبرة ومدّكرا ؛ به يثبت مولانا قلوب المؤمنين فيزداد يقينهم في تأييد ربهم لهم، كما أيّد أهل الصدق من أسلافهم، وفيه تحذير ووعيد للمعاندين الباغين أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم، وجمهور المفسرين على أن القرية هي إنطاكية، وأن الرسل إليها كانوا من بعد عيسى عليه السلام، وهل كان إرسالهم من الله سبحانه مباشرة، أو كانوا رسلا لعيسى صلى الله عليه وسلم، دعا أهل القرية أول ما دعا رسولان، فسارع القوم إلى التكذيب، فقوّى الله القوي القدير رسولي عيسى إلى هذه المدينة برسول ثالث، فما ازداد القوم إلا تماديا في الإنكار، وإصرارا على التكذيب، واستبعادا على أن يبعث الله بشرا رسولا، فذكرتهم رسلهم بأن الرب العلي الأعلى يعلم أنهم دعاته إلى أهل هذه المدينة، ولو كانوا مفترين في دعوى الرسالة لأكذبهم أو لأهلكهم، ثم علموهم أنهم لا يملكون هدايتهم، وإنما عهد الله إليهم بتبليغهم ودعوتهم، قال أكثر أهل المدينة لرسلهم : إنا تشاءمنا بكم، لئن لم تسكتوا عما تقولون، ولئن لم ترجعوا عما إليه تدعون لنقتلنكم ولنعذبنكم عذابا موجعا، فكان رد رسلهم عليهم : سبب شؤمكم ملازمكم، فإن كفران النعم مجلبة للنقم، وفي مثل هذا المعنى يقول الحق جلّ علاه :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ﴾١. ويقول تبارك اسمه :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾٢ كما جاء في آية كريمة أخرى :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ﴾٣ وفي آية :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.. ﴾٤ وفي آية :﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.. ﴾٥.
والكفر ملة واحدة، فكلما جاء أمة رسولها سارع الأكثرون إلى الصد عنه، ومضوا يسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب المفسدين، ونسبوا ما يحلّ بهم من البلاء إلى نحس الرسول، وحاشا ! وصلوات الله على كليم ربنا ورسوله موسى عليه السلام، فقد أبى الناس الذين أرسل إليهم أن يدخلوا في الملة التي جاء بها.
﴿.. وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه.. ﴾٦.
وضرب المثل يستعمل تارة في حالة غريبة بأخرى مثلها، كما في قوله تعالى :﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح.. ﴾٧الآية، وأخرى في ذكر حالة غريبة، وبيانها للناس، من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها، كما في قوله تعالى :﴿.. وضربنا لكم الأمثال ﴾٨_في وجه_أي : بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال...
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( ١٣ )إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون( ١٤ )قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمان من شيء إن أنتم إلا تكذبون( ١٥ )قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون( ١٦ )وما علينا إلا البلاغ المبين( ١٧ )قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( ١٨ )قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون( ١٩ ) ﴾.
علّم الله تعالى نبيه وعلّمنا أن نقُصّ القصص الحق ليكون عبرة ومدّكرا ؛ به يثبت مولانا قلوب المؤمنين فيزداد يقينهم في تأييد ربهم لهم، كما أيّد أهل الصدق من أسلافهم، وفيه تحذير ووعيد للمعاندين الباغين أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم، وجمهور المفسرين على أن القرية هي إنطاكية، وأن الرسل إليها كانوا من بعد عيسى عليه السلام، وهل كان إرسالهم من الله سبحانه مباشرة، أو كانوا رسلا لعيسى صلى الله عليه وسلم، دعا أهل القرية أول ما دعا رسولان، فسارع القوم إلى التكذيب، فقوّى الله القوي القدير رسولي عيسى إلى هذه المدينة برسول ثالث، فما ازداد القوم إلا تماديا في الإنكار، وإصرارا على التكذيب، واستبعادا على أن يبعث الله بشرا رسولا، فذكرتهم رسلهم بأن الرب العلي الأعلى يعلم أنهم دعاته إلى أهل هذه المدينة، ولو كانوا مفترين في دعوى الرسالة لأكذبهم أو لأهلكهم، ثم علموهم أنهم لا يملكون هدايتهم، وإنما عهد الله إليهم بتبليغهم ودعوتهم، قال أكثر أهل المدينة لرسلهم : إنا تشاءمنا بكم، لئن لم تسكتوا عما تقولون، ولئن لم ترجعوا عما إليه تدعون لنقتلنكم ولنعذبنكم عذابا موجعا، فكان رد رسلهم عليهم : سبب شؤمكم ملازمكم، فإن كفران النعم مجلبة للنقم، وفي مثل هذا المعنى يقول الحق جلّ علاه :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ﴾١. ويقول تبارك اسمه :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾٢ كما جاء في آية كريمة أخرى :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ﴾٣ وفي آية :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.. ﴾٤ وفي آية :﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.. ﴾٥.
والكفر ملة واحدة، فكلما جاء أمة رسولها سارع الأكثرون إلى الصد عنه، ومضوا يسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب المفسدين، ونسبوا ما يحلّ بهم من البلاء إلى نحس الرسول، وحاشا ! وصلوات الله على كليم ربنا ورسوله موسى عليه السلام، فقد أبى الناس الذين أرسل إليهم أن يدخلوا في الملة التي جاء بها.
﴿.. وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه.. ﴾٦.
وضرب المثل يستعمل تارة في حالة غريبة بأخرى مثلها، كما في قوله تعالى :﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح.. ﴾٧الآية، وأخرى في ذكر حالة غريبة، وبيانها للناس، من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها، كما في قوله تعالى :﴿.. وضربنا لكم الأمثال ﴾٨_في وجه_أي : بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال...
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( ١٣ )إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون( ١٤ )قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمان من شيء إن أنتم إلا تكذبون( ١٥ )قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون( ١٦ )وما علينا إلا البلاغ المبين( ١٧ )قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( ١٨ )قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون( ١٩ ) ﴾.
علّم الله تعالى نبيه وعلّمنا أن نقُصّ القصص الحق ليكون عبرة ومدّكرا ؛ به يثبت مولانا قلوب المؤمنين فيزداد يقينهم في تأييد ربهم لهم، كما أيّد أهل الصدق من أسلافهم، وفيه تحذير ووعيد للمعاندين الباغين أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم، وجمهور المفسرين على أن القرية هي إنطاكية، وأن الرسل إليها كانوا من بعد عيسى عليه السلام، وهل كان إرسالهم من الله سبحانه مباشرة، أو كانوا رسلا لعيسى صلى الله عليه وسلم، دعا أهل القرية أول ما دعا رسولان، فسارع القوم إلى التكذيب، فقوّى الله القوي القدير رسولي عيسى إلى هذه المدينة برسول ثالث، فما ازداد القوم إلا تماديا في الإنكار، وإصرارا على التكذيب، واستبعادا على أن يبعث الله بشرا رسولا، فذكرتهم رسلهم بأن الرب العلي الأعلى يعلم أنهم دعاته إلى أهل هذه المدينة، ولو كانوا مفترين في دعوى الرسالة لأكذبهم أو لأهلكهم، ثم علموهم أنهم لا يملكون هدايتهم، وإنما عهد الله إليهم بتبليغهم ودعوتهم، قال أكثر أهل المدينة لرسلهم : إنا تشاءمنا بكم، لئن لم تسكتوا عما تقولون، ولئن لم ترجعوا عما إليه تدعون لنقتلنكم ولنعذبنكم عذابا موجعا، فكان رد رسلهم عليهم : سبب شؤمكم ملازمكم، فإن كفران النعم مجلبة للنقم، وفي مثل هذا المعنى يقول الحق جلّ علاه :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ﴾١. ويقول تبارك اسمه :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾٢ كما جاء في آية كريمة أخرى :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ﴾٣ وفي آية :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.. ﴾٤ وفي آية :﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.. ﴾٥.
والكفر ملة واحدة، فكلما جاء أمة رسولها سارع الأكثرون إلى الصد عنه، ومضوا يسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب المفسدين، ونسبوا ما يحلّ بهم من البلاء إلى نحس الرسول، وحاشا ! وصلوات الله على كليم ربنا ورسوله موسى عليه السلام، فقد أبى الناس الذين أرسل إليهم أن يدخلوا في الملة التي جاء بها.
﴿.. وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه.. ﴾٦.
وضرب المثل يستعمل تارة في حالة غريبة بأخرى مثلها، كما في قوله تعالى :﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح.. ﴾٧الآية، وأخرى في ذكر حالة غريبة، وبيانها للناس، من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها، كما في قوله تعالى :﴿.. وضربنا لكم الأمثال ﴾٨_في وجه_أي : بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال...
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( ١٣ )إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون( ١٤ )قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمان من شيء إن أنتم إلا تكذبون( ١٥ )قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون( ١٦ )وما علينا إلا البلاغ المبين( ١٧ )قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( ١٨ )قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون( ١٩ ) ﴾.
علّم الله تعالى نبيه وعلّمنا أن نقُصّ القصص الحق ليكون عبرة ومدّكرا ؛ به يثبت مولانا قلوب المؤمنين فيزداد يقينهم في تأييد ربهم لهم، كما أيّد أهل الصدق من أسلافهم، وفيه تحذير ووعيد للمعاندين الباغين أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم، وجمهور المفسرين على أن القرية هي إنطاكية، وأن الرسل إليها كانوا من بعد عيسى عليه السلام، وهل كان إرسالهم من الله سبحانه مباشرة، أو كانوا رسلا لعيسى صلى الله عليه وسلم، دعا أهل القرية أول ما دعا رسولان، فسارع القوم إلى التكذيب، فقوّى الله القوي القدير رسولي عيسى إلى هذه المدينة برسول ثالث، فما ازداد القوم إلا تماديا في الإنكار، وإصرارا على التكذيب، واستبعادا على أن يبعث الله بشرا رسولا، فذكرتهم رسلهم بأن الرب العلي الأعلى يعلم أنهم دعاته إلى أهل هذه المدينة، ولو كانوا مفترين في دعوى الرسالة لأكذبهم أو لأهلكهم، ثم علموهم أنهم لا يملكون هدايتهم، وإنما عهد الله إليهم بتبليغهم ودعوتهم، قال أكثر أهل المدينة لرسلهم : إنا تشاءمنا بكم، لئن لم تسكتوا عما تقولون، ولئن لم ترجعوا عما إليه تدعون لنقتلنكم ولنعذبنكم عذابا موجعا، فكان رد رسلهم عليهم : سبب شؤمكم ملازمكم، فإن كفران النعم مجلبة للنقم، وفي مثل هذا المعنى يقول الحق جلّ علاه :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ﴾١. ويقول تبارك اسمه :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾٢ كما جاء في آية كريمة أخرى :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ﴾٣ وفي آية :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.. ﴾٤ وفي آية :﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.. ﴾٥.
والكفر ملة واحدة، فكلما جاء أمة رسولها سارع الأكثرون إلى الصد عنه، ومضوا يسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب المفسدين، ونسبوا ما يحلّ بهم من البلاء إلى نحس الرسول، وحاشا ! وصلوات الله على كليم ربنا ورسوله موسى عليه السلام، فقد أبى الناس الذين أرسل إليهم أن يدخلوا في الملة التي جاء بها.
﴿.. وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه.. ﴾٦.
وضرب المثل يستعمل تارة في حالة غريبة بأخرى مثلها، كما في قوله تعالى :﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح.. ﴾٧الآية، وأخرى في ذكر حالة غريبة، وبيانها للناس، من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها، كما في قوله تعالى :﴿.. وضربنا لكم الأمثال ﴾٨_في وجه_أي : بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال...
﴿ تطيرنا ﴾ تشاءمنا.
﴿ تنتهوا ﴾ تسكتوا وترجعوا عما تقولون.
﴿ لنرجمنكم ﴾ لنقتلنكم، أو لنقذفنكم بالحجارة، ولنعذبنكم.
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( ١٣ )إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون( ١٤ )قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمان من شيء إن أنتم إلا تكذبون( ١٥ )قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون( ١٦ )وما علينا إلا البلاغ المبين( ١٧ )قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( ١٨ )قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون( ١٩ ) ﴾.
علّم الله تعالى نبيه وعلّمنا أن نقُصّ القصص الحق ليكون عبرة ومدّكرا ؛ به يثبت مولانا قلوب المؤمنين فيزداد يقينهم في تأييد ربهم لهم، كما أيّد أهل الصدق من أسلافهم، وفيه تحذير ووعيد للمعاندين الباغين أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم، وجمهور المفسرين على أن القرية هي إنطاكية، وأن الرسل إليها كانوا من بعد عيسى عليه السلام، وهل كان إرسالهم من الله سبحانه مباشرة، أو كانوا رسلا لعيسى صلى الله عليه وسلم، دعا أهل القرية أول ما دعا رسولان، فسارع القوم إلى التكذيب، فقوّى الله القوي القدير رسولي عيسى إلى هذه المدينة برسول ثالث، فما ازداد القوم إلا تماديا في الإنكار، وإصرارا على التكذيب، واستبعادا على أن يبعث الله بشرا رسولا، فذكرتهم رسلهم بأن الرب العلي الأعلى يعلم أنهم دعاته إلى أهل هذه المدينة، ولو كانوا مفترين في دعوى الرسالة لأكذبهم أو لأهلكهم، ثم علموهم أنهم لا يملكون هدايتهم، وإنما عهد الله إليهم بتبليغهم ودعوتهم، قال أكثر أهل المدينة لرسلهم : إنا تشاءمنا بكم، لئن لم تسكتوا عما تقولون، ولئن لم ترجعوا عما إليه تدعون لنقتلنكم ولنعذبنكم عذابا موجعا، فكان رد رسلهم عليهم : سبب شؤمكم ملازمكم، فإن كفران النعم مجلبة للنقم، وفي مثل هذا المعنى يقول الحق جلّ علاه :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ﴾١. ويقول تبارك اسمه :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾٢ كما جاء في آية كريمة أخرى :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ﴾٣ وفي آية :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.. ﴾٤ وفي آية :﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.. ﴾٥.
والكفر ملة واحدة، فكلما جاء أمة رسولها سارع الأكثرون إلى الصد عنه، ومضوا يسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب المفسدين، ونسبوا ما يحلّ بهم من البلاء إلى نحس الرسول، وحاشا ! وصلوات الله على كليم ربنا ورسوله موسى عليه السلام، فقد أبى الناس الذين أرسل إليهم أن يدخلوا في الملة التي جاء بها.
﴿.. وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه.. ﴾٦.
وضرب المثل يستعمل تارة في حالة غريبة بأخرى مثلها، كما في قوله تعالى :﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح.. ﴾٧الآية، وأخرى في ذكر حالة غريبة، وبيانها للناس، من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها، كما في قوله تعالى :﴿.. وضربنا لكم الأمثال ﴾٨_في وجه_أي : بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال...
﴿ طائركم ﴾ حظكم من خير أو شر، أو شؤونكم.
﴿ مسرفون ﴾ متجاوزون الحد.
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( ١٣ )إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون( ١٤ )قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمان من شيء إن أنتم إلا تكذبون( ١٥ )قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون( ١٦ )وما علينا إلا البلاغ المبين( ١٧ )قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( ١٨ )قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون( ١٩ ) ﴾.
علّم الله تعالى نبيه وعلّمنا أن نقُصّ القصص الحق ليكون عبرة ومدّكرا ؛ به يثبت مولانا قلوب المؤمنين فيزداد يقينهم في تأييد ربهم لهم، كما أيّد أهل الصدق من أسلافهم، وفيه تحذير ووعيد للمعاندين الباغين أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم، وجمهور المفسرين على أن القرية هي إنطاكية، وأن الرسل إليها كانوا من بعد عيسى عليه السلام، وهل كان إرسالهم من الله سبحانه مباشرة، أو كانوا رسلا لعيسى صلى الله عليه وسلم، دعا أهل القرية أول ما دعا رسولان، فسارع القوم إلى التكذيب، فقوّى الله القوي القدير رسولي عيسى إلى هذه المدينة برسول ثالث، فما ازداد القوم إلا تماديا في الإنكار، وإصرارا على التكذيب، واستبعادا على أن يبعث الله بشرا رسولا، فذكرتهم رسلهم بأن الرب العلي الأعلى يعلم أنهم دعاته إلى أهل هذه المدينة، ولو كانوا مفترين في دعوى الرسالة لأكذبهم أو لأهلكهم، ثم علموهم أنهم لا يملكون هدايتهم، وإنما عهد الله إليهم بتبليغهم ودعوتهم، قال أكثر أهل المدينة لرسلهم : إنا تشاءمنا بكم، لئن لم تسكتوا عما تقولون، ولئن لم ترجعوا عما إليه تدعون لنقتلنكم ولنعذبنكم عذابا موجعا، فكان رد رسلهم عليهم : سبب شؤمكم ملازمكم، فإن كفران النعم مجلبة للنقم، وفي مثل هذا المعنى يقول الحق جلّ علاه :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ﴾١. ويقول تبارك اسمه :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾٢ كما جاء في آية كريمة أخرى :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ﴾٣ وفي آية :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.. ﴾٤ وفي آية :﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.. ﴾٥.
والكفر ملة واحدة، فكلما جاء أمة رسولها سارع الأكثرون إلى الصد عنه، ومضوا يسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب المفسدين، ونسبوا ما يحلّ بهم من البلاء إلى نحس الرسول، وحاشا ! وصلوات الله على كليم ربنا ورسوله موسى عليه السلام، فقد أبى الناس الذين أرسل إليهم أن يدخلوا في الملة التي جاء بها.
﴿.. وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه.. ﴾٦.
وضرب المثل يستعمل تارة في حالة غريبة بأخرى مثلها، كما في قوله تعالى :﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح.. ﴾٧الآية، وأخرى في ذكر حالة غريبة، وبيانها للناس، من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها، كما في قوله تعالى :﴿.. وضربنا لكم الأمثال ﴾٨_في وجه_أي : بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال...
﴿ أقصى المدينة ﴾ أبعد نواحيها.
﴿ يسعى ﴾ يشتد ويسرع الجري.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ فطرني ﴾ خلقني وأنشأني.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ شفاعتهم ﴾ رجاؤهم، وعونهم لي في طلب الخلاص.
﴿ ينقذون ﴾ يدركوني قبل هلاكي.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ صيحة ﴾ : صوت شديد.
﴿ خامدون ﴾ : ميتون، هامدون.
﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ )وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ )أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون( ٢٣ )إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني آمنت بربكم فاسمعون( ٢٥ )قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ )بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ )*وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين( ٢٨ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون( ٢٩ ) ﴾.
وبينما ينذر الرسل قومهم، ويهمّ القوم بقتل رسلهم، يأتي رجل من أطراف المدينة يحث الخطى، ويسرع نحو مجتمع قومه الذين كذبوا المرسلين وعزموا على الفتك بهم، وينادي داعيا إلى الحق، متلطفا مع من يدعوهم : يا قوم أطيعوا من بعثوا إليكم، واقتدوا بهم، وسيروا على منهاجهم، فهم أهل أن يطاعوا ويقتدى بهم، لأنهم ما ابتغوا ببلاغهم ونصحهم وإرشادهم لكم جزاء منكم، إنما يترقبون ثواب الله ورضاه، وهم لا يخالف فعلهم قولهم، بل هم أسوة حسنة، وشأن الدعاة أن يكونوا أئمة في الاستمساك بما إليه يرشدون، وأن يعفوا عن ترقب أجر ممن يدعون، إن أجرهم إلا على المولى الذي به يعتزون، ولقد علمنا الكتاب الحكيم من دعوة نوح عليه الصلوات والتسليم :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله.. ﴾١ وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أمر أن يعذر إلى الله فيمن يدعوهم :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله.. ﴾٢ ﴿.. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ﴾٣، وبينهما عليهما الصلاة والسلام هود عليه السلام يقول لقومه :﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني.. ﴾٤ وصالح عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٥ولوط عليه السلام يقول :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٦ وشعيب عليه السلام يقول لأصحاب الأيكة :﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾٧.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : قال أهل البيان : يجب زيادة المؤكدات في الجملة الخبرية بحسب تزايد الإنكار من السامع، فلهذا قال الرسل أولا :﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ مقتصرين على [ إنّ ] وثانيا :﴿ ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ مجموعا بين إن واللام، وما يجري مجرى القسم، ولا يخفى أن اليمين بعد إظهار البينة وإفحام الخصم مؤكد قوي.. وفي قولهم :﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ تسلية لأنفسهم، أي : نحن خرجنا من عهدة ما علينا، ولم يبق إلا التفكر منكم والتذكر... ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل ﴾ هو حبيب النجار... وتنكير ﴿ رجل ﴾ للتعظيم، أي رجل كامل في الرجولية.. والسعي بمعنى المشي أو القيام في المهام، أي يهتم بشأن المؤمنين ويسعى في نصرتهم وهدايتهم ونصحهم، ثم حثهم على اتباع الرسل، ولم يقل( اتبعوني ) كما قال مؤمن آل فرعون :﴿.. اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ﴾٨ لأنه جاءهم فنصحهم في أول مجيئه وما رأوا سيرته بعد، فقال : اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل... ثم أراد كمال التوحيد فقال :﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ فقوله :﴿.. ما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ فيه إقرار بوجود الصانع الفاطر، وقوله :﴿ أأتخذ ﴾ على سبيل الإنكار نفي لغيره ممن يسمى إلها٩.. ثم شبه هلاكهم بخمود النار، وهي صيرورتها رمادا... أ هـ.
وينقل ابن جرير-بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله-يعني لهذا المؤمن لاستضعافهم إياه- غضبة لم تبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ يقول : ما كاثرناهم بالجموع، أي١٠ : الأمر أيسر علينا من ذلك﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ فأهلك الله ذلك الملك وأهل إنطاكية١١ فبادوا عن وجه الأرض فلم تبق منهم باقية، وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية. اهـ.
﴿ يا حسرة ﴾ : يا ندم احضر.
﴿ يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون( ٣٠ )ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون( ٣١ )وإن كل لما جميع لدينا محضرون( ٣٢ ) ﴾.
النداء لكل من تأتي منه الحسرة والندم على ما فات، فكأن الكلام : يا حسرة احضري فهذا هو أوان حضورك، وعما قليل سيعض الظالم على يديه﴿.. يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ﴾١، والعباد الذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ويسخرون منهم ويستهزئون بهم، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ولو كانت عندهم بقية من عقل لاعتبروا بحال المستهزئين برسلهم من قبلهم، كيف كان عاقبة سخريتهم واستهزائهم، و﴿ القرون ﴾ : جمع قرن، وهو الفترة من الزمان، وقد يراد به القوم الذين يعيشون في زمان واحد، فكأن المعنى : أهل قرون وأزمان كذبوا فأخذناهم بذنوبهم ﴿.. وما كان لهم من الله من واق ﴾٢.
﴿ وإن كل لما جميع لدينا محضرون ﴾ : وما كل هؤلاء إلا مجموعون٣ عندنا، وموقوفون بين يدينا، لنحاسبهم على ما أسلفوا، ونجازيهم بالحق، قال قتادة : يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضيعت من أمر الله وفرطت في جنب الله اهـ.
﴿ وإن كل لما جميع ﴾-ولتشديدهم ذلك عندنا وجهان :[ أحدهما ]أن يكون الكلام عندهم كان مرادا به : وإن كل لما جميع، ثم حذفت إحدى الميمات لما كثرت.. [ والآخر ] أن يكونوا أرادوا أن تكون ﴿ لما ﴾ بمعنى إلا مع إن خاصة، فتكون نظيرة إنما إذا وضعت موضع إلا، وقد كان بعض نحويي الكوفة يقول : كأنها لم، ضمت إليها ما، فصارتا جميعا استثناء، وخرجتا من حد الجحد٤-
﴿ كم ﴾ بمعنى : كثير.
﴿ القرون ﴾ : الأمم، جمع قرن أي : أهل قرن، وهم القوم الذين يعيشون في زمان واحد.
﴿ يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون( ٣٠ )ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون( ٣١ )وإن كل لما جميع لدينا محضرون( ٣٢ ) ﴾.
النداء لكل من تأتي منه الحسرة والندم على ما فات، فكأن الكلام : يا حسرة احضري فهذا هو أوان حضورك، وعما قليل سيعض الظالم على يديه﴿.. يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ﴾١، والعباد الذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ويسخرون منهم ويستهزئون بهم، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ولو كانت عندهم بقية من عقل لاعتبروا بحال المستهزئين برسلهم من قبلهم، كيف كان عاقبة سخريتهم واستهزائهم، و﴿ القرون ﴾ : جمع قرن، وهو الفترة من الزمان، وقد يراد به القوم الذين يعيشون في زمان واحد، فكأن المعنى : أهل قرون وأزمان كذبوا فأخذناهم بذنوبهم ﴿.. وما كان لهم من الله من واق ﴾٢.
﴿ وإن كل لما جميع لدينا محضرون ﴾ : وما كل هؤلاء إلا مجموعون٣ عندنا، وموقوفون بين يدينا، لنحاسبهم على ما أسلفوا، ونجازيهم بالحق، قال قتادة : يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضيعت من أمر الله وفرطت في جنب الله اهـ.
﴿ وإن كل لما جميع ﴾-ولتشديدهم ذلك عندنا وجهان :[ أحدهما ]أن يكون الكلام عندهم كان مرادا به : وإن كل لما جميع، ثم حذفت إحدى الميمات لما كثرت.. [ والآخر ] أن يكونوا أرادوا أن تكون ﴿ لما ﴾ بمعنى إلا مع إن خاصة، فتكون نظيرة إنما إذا وضعت موضع إلا، وقد كان بعض نحويي الكوفة يقول : كأنها لم، ضمت إليها ما، فصارتا جميعا استثناء، وخرجتا من حد الجحد٤-
مكية
وآياتها ثلاث وثمانون
كلماتها : ٧٢٧ : حروفها : ٣٠٠٠.
﴿ آية ﴾ : علامة.
﴿ ميتة ﴾ : هامدة لا زرع بها.
﴿ أحييناها ﴾ : أنبتنا زرعها.
﴿ حبا ﴾ : جنس الحب الذي يقتات به.
﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون( ٣٣ )وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون( ٣٤ )ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون( ٣٥ )سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون( ٣٦ ) ﴾ :
وعلامة لمن لم يستيقنوا بالبعث، لتكون حجة على اقتدارنا على إحياء الموتى، وبرهان وسلطان يرونه بأعينهم أن الأرض التي يعاينونها، حينا تكون صعيدا جرزا جرداء، ثم نحييها بأمرنا إذ نشاء، فننبت بها ألوان الزرع وصنوف الحب مما به القوت والنماء، كالقمح والأرز والشعير وغيرها، ومن هذا المعنى ما جاء في قول الحق سبحانه :﴿.. وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾، ١ –وقوله تبارك اسمه :﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ﴾٢، - والنكرة قد تعم، كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه.
﴿ فمنه ﴾ أي : من الحب بعد إخراجنا إياه، والفاء داخلة على المسبب، و[ من ]ابتدائية أو تبعيضية، والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى :﴿ يأكلون ﴾ والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به، لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به، حتى كأنه لا مأكول غيره٣-
﴿ وجعلنا ﴾ : وصيرنا ﴿ فيها ﴾ : في الأرض التي كانت ميتة فأحييناها ﴿ جنات ﴾ : أشجار ملتفة الأغصان، متشابكة الأوراق حتى تغطي الأرض التي تحتها ﴿ من نخيل ﴾ : من أنواع النخل-إذ النخيل، جمع نخل، كعبيد جمع عبد، أو النخيل والنخل بمعنى واحد، لكن الأول أولى، يقول الراغب : الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنة، أهـ، ﴿ وأعناب ﴾ : وأصناف العنب-شجره أو ثمره-
﴿ وفجرنا فيها من العيون ﴾ : وشققنا في الأرض من المنابع ما فيه النفع، ﴿ ليأكلوا من ثمره ﴾ : ليتفكهوا بالأكل من ثمار شجر هذه الجنات، وقد مننت عليهم بالحب الذي هو عماد الأقوات ﴿ وما عملته أيديهم ﴾ : وليأكلوا من الذي عملته أيديهم بالحرث والسقي، ولعل ذكر هذا في معرض الامتنان يشير إليه ما روي عن نبينا عليه الصلاة والسلام :( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ). ﴿ أفلا يشكرون ﴾ : فهلا شكروا نعمة المنعم فأفردوه سبحانه بالطاعة والتقديس، ليزيدهم منها في عاجلهم، ويبدي لهم خيرا منها في آجلهم ؟ ! ﴿ سبحان الذي خلق الأزواج كلها ﴾ : تنزه وتقدس المبدع الوهاب الذي أوجد الأصناف كلها، و﴿ الأزواج ﴾ : جمع زوج، ويقال لكل واحد من القرينين، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا، ﴿ مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ﴾ : فمن نبات الأرض أزواج، ومن بني آدم أزواج، ومما لم نحط به علما أزواج، إلا المولى عز وجل، فإنه واحد أحد، فرد صمد، مما جاء في تفسير غرائب القرآن : قال المحققون : إنما قال ﴿ لهم ﴾ ؛ لأن الأرض ليست آية٤للنبي ولغيره من أهل الإخلاص الذين هم بالله عرفوا الله قبل النظر إلى الأرض والسماء كقوله :﴿ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾٥ ؟ !.. فنفس الأرض آية، فإنها مهدهم الذي فيه تحريكهم واستكنانهم،.. وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم، ثم إحياؤها مخضرة نعمة ثانية، فإنها أحسن وأنزه، ثم إخراج الحب منها نعمة ثالثة، فإن قوتهم إذا كان في مكانهم كان أجمع للقوة والفراغ، ثم جعل الجنات فيها نعمة رابعة، موجبة للتفكه وسعة العيش، ثم تفجير العيون فيها نعمة خامسة.. والضمير في قوله ﴿ من ثمره ﴾ يعود إلى الله، وفائدة الالتفاف أن الثمار بعد وجود الأشجار وجريان الأنهار لا توجد إلا بتخليق الملك الجبار، ويحتمل أن يعود إلى المذكور وهو الجنات.. أ هـ.
﴿ جنات ﴾ : جمع جنة، وهي الحديقة، وموطن الأشجار التي كثر ورقها، حتى غطت وسترت ما تحتها.
﴿ نخيل ﴾ : جمع نخل، أو اسم جمع له.
﴿ وأعناب ﴾ : وأشجار عنب، أو : ثمراته.
﴿ وفجرنا ﴾ : وشققنا.
﴿ العيون ﴾ : منابع الماء في الأرض.
﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون( ٣٣ )وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون( ٣٤ )ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون( ٣٥ )سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون( ٣٦ ) ﴾ :
وعلامة لمن لم يستيقنوا بالبعث، لتكون حجة على اقتدارنا على إحياء الموتى، وبرهان وسلطان يرونه بأعينهم أن الأرض التي يعاينونها، حينا تكون صعيدا جرزا جرداء، ثم نحييها بأمرنا إذ نشاء، فننبت بها ألوان الزرع وصنوف الحب مما به القوت والنماء، كالقمح والأرز والشعير وغيرها، ومن هذا المعنى ما جاء في قول الحق سبحانه :﴿.. وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾، ١ –وقوله تبارك اسمه :﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ﴾٢، - والنكرة قد تعم، كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه.
﴿ فمنه ﴾ أي : من الحب بعد إخراجنا إياه، والفاء داخلة على المسبب، و[ من ]ابتدائية أو تبعيضية، والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى :﴿ يأكلون ﴾ والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به، لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به، حتى كأنه لا مأكول غيره٣-
﴿ وجعلنا ﴾ : وصيرنا ﴿ فيها ﴾ : في الأرض التي كانت ميتة فأحييناها ﴿ جنات ﴾ : أشجار ملتفة الأغصان، متشابكة الأوراق حتى تغطي الأرض التي تحتها ﴿ من نخيل ﴾ : من أنواع النخل-إذ النخيل، جمع نخل، كعبيد جمع عبد، أو النخيل والنخل بمعنى واحد، لكن الأول أولى، يقول الراغب : الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنة، أهـ، ﴿ وأعناب ﴾ : وأصناف العنب-شجره أو ثمره-
﴿ وفجرنا فيها من العيون ﴾ : وشققنا في الأرض من المنابع ما فيه النفع، ﴿ ليأكلوا من ثمره ﴾ : ليتفكهوا بالأكل من ثمار شجر هذه الجنات، وقد مننت عليهم بالحب الذي هو عماد الأقوات ﴿ وما عملته أيديهم ﴾ : وليأكلوا من الذي عملته أيديهم بالحرث والسقي، ولعل ذكر هذا في معرض الامتنان يشير إليه ما روي عن نبينا عليه الصلاة والسلام :( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ). ﴿ أفلا يشكرون ﴾ : فهلا شكروا نعمة المنعم فأفردوه سبحانه بالطاعة والتقديس، ليزيدهم منها في عاجلهم، ويبدي لهم خيرا منها في آجلهم ؟ ! ﴿ سبحان الذي خلق الأزواج كلها ﴾ : تنزه وتقدس المبدع الوهاب الذي أوجد الأصناف كلها، و﴿ الأزواج ﴾ : جمع زوج، ويقال لكل واحد من القرينين، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا، ﴿ مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ﴾ : فمن نبات الأرض أزواج، ومن بني آدم أزواج، ومما لم نحط به علما أزواج، إلا المولى عز وجل، فإنه واحد أحد، فرد صمد، مما جاء في تفسير غرائب القرآن : قال المحققون : إنما قال ﴿ لهم ﴾ ؛ لأن الأرض ليست آية٤للنبي ولغيره من أهل الإخلاص الذين هم بالله عرفوا الله قبل النظر إلى الأرض والسماء كقوله :﴿ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾٥ ؟ !.. فنفس الأرض آية، فإنها مهدهم الذي فيه تحريكهم واستكنانهم،.. وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم، ثم إحياؤها مخضرة نعمة ثانية، فإنها أحسن وأنزه، ثم إخراج الحب منها نعمة ثالثة، فإن قوتهم إذا كان في مكانهم كان أجمع للقوة والفراغ، ثم جعل الجنات فيها نعمة رابعة، موجبة للتفكه وسعة العيش، ثم تفجير العيون فيها نعمة خامسة.. والضمير في قوله ﴿ من ثمره ﴾ يعود إلى الله، وفائدة الالتفاف أن الثمار بعد وجود الأشجار وجريان الأنهار لا توجد إلا بتخليق الملك الجبار، ويحتمل أن يعود إلى المذكور وهو الجنات.. أ هـ.
﴿ وما عملته ﴾ والذي عملته.
﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون( ٣٣ )وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون( ٣٤ )ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون( ٣٥ )سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون( ٣٦ ) ﴾ :
وعلامة لمن لم يستيقنوا بالبعث، لتكون حجة على اقتدارنا على إحياء الموتى، وبرهان وسلطان يرونه بأعينهم أن الأرض التي يعاينونها، حينا تكون صعيدا جرزا جرداء، ثم نحييها بأمرنا إذ نشاء، فننبت بها ألوان الزرع وصنوف الحب مما به القوت والنماء، كالقمح والأرز والشعير وغيرها، ومن هذا المعنى ما جاء في قول الحق سبحانه :﴿.. وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾، ١ –وقوله تبارك اسمه :﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ﴾٢، - والنكرة قد تعم، كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه.
﴿ فمنه ﴾ أي : من الحب بعد إخراجنا إياه، والفاء داخلة على المسبب، و[ من ]ابتدائية أو تبعيضية، والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى :﴿ يأكلون ﴾ والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به، لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به، حتى كأنه لا مأكول غيره٣-
﴿ وجعلنا ﴾ : وصيرنا ﴿ فيها ﴾ : في الأرض التي كانت ميتة فأحييناها ﴿ جنات ﴾ : أشجار ملتفة الأغصان، متشابكة الأوراق حتى تغطي الأرض التي تحتها ﴿ من نخيل ﴾ : من أنواع النخل-إذ النخيل، جمع نخل، كعبيد جمع عبد، أو النخيل والنخل بمعنى واحد، لكن الأول أولى، يقول الراغب : الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنة، أهـ، ﴿ وأعناب ﴾ : وأصناف العنب-شجره أو ثمره-
﴿ وفجرنا فيها من العيون ﴾ : وشققنا في الأرض من المنابع ما فيه النفع، ﴿ ليأكلوا من ثمره ﴾ : ليتفكهوا بالأكل من ثمار شجر هذه الجنات، وقد مننت عليهم بالحب الذي هو عماد الأقوات ﴿ وما عملته أيديهم ﴾ : وليأكلوا من الذي عملته أيديهم بالحرث والسقي، ولعل ذكر هذا في معرض الامتنان يشير إليه ما روي عن نبينا عليه الصلاة والسلام :( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ). ﴿ أفلا يشكرون ﴾ : فهلا شكروا نعمة المنعم فأفردوه سبحانه بالطاعة والتقديس، ليزيدهم منها في عاجلهم، ويبدي لهم خيرا منها في آجلهم ؟ ! ﴿ سبحان الذي خلق الأزواج كلها ﴾ : تنزه وتقدس المبدع الوهاب الذي أوجد الأصناف كلها، و﴿ الأزواج ﴾ : جمع زوج، ويقال لكل واحد من القرينين، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا، ﴿ مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ﴾ : فمن نبات الأرض أزواج، ومن بني آدم أزواج، ومما لم نحط به علما أزواج، إلا المولى عز وجل، فإنه واحد أحد، فرد صمد، مما جاء في تفسير غرائب القرآن : قال المحققون : إنما قال ﴿ لهم ﴾ ؛ لأن الأرض ليست آية٤للنبي ولغيره من أهل الإخلاص الذين هم بالله عرفوا الله قبل النظر إلى الأرض والسماء كقوله :﴿ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾٥ ؟ !.. فنفس الأرض آية، فإنها مهدهم الذي فيه تحريكهم واستكنانهم،.. وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم، ثم إحياؤها مخضرة نعمة ثانية، فإنها أحسن وأنزه، ثم إخراج الحب منها نعمة ثالثة، فإن قوتهم إذا كان في مكانهم كان أجمع للقوة والفراغ، ثم جعل الجنات فيها نعمة رابعة، موجبة للتفكه وسعة العيش، ثم تفجير العيون فيها نعمة خامسة.. والضمير في قوله ﴿ من ثمره ﴾ يعود إلى الله، وفائدة الالتفاف أن الثمار بعد وجود الأشجار وجريان الأنهار لا توجد إلا بتخليق الملك الجبار، ويحتمل أن يعود إلى المذكور وهو الجنات.. أ هـ.
﴿ سبحان ﴾ : تنزه وتقدس.
﴿ الأزواج ﴾ : الأصناف.
﴿ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون( ٣٣ )وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون( ٣٤ )ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون( ٣٥ )سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون( ٣٦ ) ﴾ :
وعلامة لمن لم يستيقنوا بالبعث، لتكون حجة على اقتدارنا على إحياء الموتى، وبرهان وسلطان يرونه بأعينهم أن الأرض التي يعاينونها، حينا تكون صعيدا جرزا جرداء، ثم نحييها بأمرنا إذ نشاء، فننبت بها ألوان الزرع وصنوف الحب مما به القوت والنماء، كالقمح والأرز والشعير وغيرها، ومن هذا المعنى ما جاء في قول الحق سبحانه :﴿.. وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾، ١ –وقوله تبارك اسمه :﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ﴾٢، - والنكرة قد تعم، كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه.
﴿ فمنه ﴾ أي : من الحب بعد إخراجنا إياه، والفاء داخلة على المسبب، و[ من ]ابتدائية أو تبعيضية، والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى :﴿ يأكلون ﴾ والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به، لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به، حتى كأنه لا مأكول غيره٣-
﴿ وجعلنا ﴾ : وصيرنا ﴿ فيها ﴾ : في الأرض التي كانت ميتة فأحييناها ﴿ جنات ﴾ : أشجار ملتفة الأغصان، متشابكة الأوراق حتى تغطي الأرض التي تحتها ﴿ من نخيل ﴾ : من أنواع النخل-إذ النخيل، جمع نخل، كعبيد جمع عبد، أو النخيل والنخل بمعنى واحد، لكن الأول أولى، يقول الراغب : الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنة، أهـ، ﴿ وأعناب ﴾ : وأصناف العنب-شجره أو ثمره-
﴿ وفجرنا فيها من العيون ﴾ : وشققنا في الأرض من المنابع ما فيه النفع، ﴿ ليأكلوا من ثمره ﴾ : ليتفكهوا بالأكل من ثمار شجر هذه الجنات، وقد مننت عليهم بالحب الذي هو عماد الأقوات ﴿ وما عملته أيديهم ﴾ : وليأكلوا من الذي عملته أيديهم بالحرث والسقي، ولعل ذكر هذا في معرض الامتنان يشير إليه ما روي عن نبينا عليه الصلاة والسلام :( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ). ﴿ أفلا يشكرون ﴾ : فهلا شكروا نعمة المنعم فأفردوه سبحانه بالطاعة والتقديس، ليزيدهم منها في عاجلهم، ويبدي لهم خيرا منها في آجلهم ؟ ! ﴿ سبحان الذي خلق الأزواج كلها ﴾ : تنزه وتقدس المبدع الوهاب الذي أوجد الأصناف كلها، و﴿ الأزواج ﴾ : جمع زوج، ويقال لكل واحد من القرينين، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا، ﴿ مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ﴾ : فمن نبات الأرض أزواج، ومن بني آدم أزواج، ومما لم نحط به علما أزواج، إلا المولى عز وجل، فإنه واحد أحد، فرد صمد، مما جاء في تفسير غرائب القرآن : قال المحققون : إنما قال ﴿ لهم ﴾ ؛ لأن الأرض ليست آية٤للنبي ولغيره من أهل الإخلاص الذين هم بالله عرفوا الله قبل النظر إلى الأرض والسماء كقوله :﴿ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾٥ ؟ !.. فنفس الأرض آية، فإنها مهدهم الذي فيه تحريكهم واستكنانهم،.. وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم، ثم إحياؤها مخضرة نعمة ثانية، فإنها أحسن وأنزه، ثم إخراج الحب منها نعمة ثالثة، فإن قوتهم إذا كان في مكانهم كان أجمع للقوة والفراغ، ثم جعل الجنات فيها نعمة رابعة، موجبة للتفكه وسعة العيش، ثم تفجير العيون فيها نعمة خامسة.. والضمير في قوله ﴿ من ثمره ﴾ يعود إلى الله، وفائدة الالتفاف أن الثمار بعد وجود الأشجار وجريان الأنهار لا توجد إلا بتخليق الملك الجبار، ويحتمل أن يعود إلى المذكور وهو الجنات.. أ هـ.
﴿ نسلخ ﴾ : نخرج، ونصرم.
﴿ العرجون ﴾ : القنو من الأصل المتصل بجذع النخلة إلى الشماريخ.
﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون( ٣٧ )والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم( ٣٨ )والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم( ٣٩ )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون( ٤٠ ) ﴾.
بعد أن بينت الآيات السابقات حجة لله تعالى وبرهان اقتدار في المكان، جاءت هذه اللاحقات لها تبين شيئا من عجيب صنعه وحكيم تدبيره في الزمان، فهي سلطان وعلامة لهم على تفرد الكبير المتعال بالعزة والجلال، أن الليل يخرج منه النهار، فإذا الظلام يغشاهم، وتلك العجيبة فوق كونها آية على السلطان والقهر. فإنها نعمة تستوجب الحمد والشكر ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ﴾١، والشمس التي هي سبب النهار ومصدر ضوئه تسير في فلك ومسار لا تتجاوزه ولا تتعداه ﴿.. والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ﴾٢ كل هذا التسخير بتقدير مولانا الغالب على كل شيء، والعليم بكل معلوم، ومنه ما فيه صلاح العباد ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ﴾٣ ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾٤
﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ وصيرنا نور القمر منازل، أو صيرنا مسير القمر ومحله الذي يسير فيه منازل، وقدرناها لا يتجاوزها، ولا يتخلف عنها، حتى يعود في نهاية وأواخر مسيره-في رأي العين-منحنيا منعرجا، معوجا منعطفا، كالقنو العتيق الذي تقوس-ولا يرى معتدلا إذ ذاك أبدا، وهكذا كل مسخر وميسر لما خلق له، لا يتعداه ولا يقصر عنه حتى يأتي أمر الله، وتبارك الذي يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴿ وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى.. ﴾٥ أليس في تسخير ربنا لما حولنا من مكان وزمان، وما قضت به حكمته سبحانه أن يتعاقب الجديدان٦، ويتلاحق النيران٧ أليس في ذلك ما يدل على عظمة الملك الديان ؟ بلى !.
ولله في كل تحريكة *** وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
ومما يقول ابن كثير-رحمه الله- : قال جل وعلا :﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ أي : جعلناه يسير سيرا آخر يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال عز وجل :﴿ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج.. ﴾٨ وقال تعالى :﴿ هو الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.. ﴾٩ وقال تبارك وتعالى :﴿ وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا ﴾١٠ فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل : يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشر، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم، أ هـ،
وقال عكرمة في قوله عز وجل :﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ﴾ يعني أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل، وقوله تعالى :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يقول : لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل.
وقال مجاهد :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يطلبان حثيثين يسلخ أحدهما من الآخر، والمعنى في هذا : أنه لا فترة بين الليل والنهار، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ، لأنهما مسخران، دائبين، يتطالبان طلبا حثيثا، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وكل في فلك يسبحون ﴾ يعني : الليل والنهار، والشمس والقمر، كلهم يسبحون أي : يدورون في فلك السماء، قاله ابن عباس... وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في فلك بين السماء والأرض... أ هـ.
﴿ العرجون ﴾ : القنو من الأصل المتصل بجذع النخلة إلى الشماريخ.
﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون( ٣٧ )والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم( ٣٨ )والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم( ٣٩ )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون( ٤٠ ) ﴾.
بعد أن بينت الآيات السابقات حجة لله تعالى وبرهان اقتدار في المكان، جاءت هذه اللاحقات لها تبين شيئا من عجيب صنعه وحكيم تدبيره في الزمان، فهي سلطان وعلامة لهم على تفرد الكبير المتعال بالعزة والجلال، أن الليل يخرج منه النهار، فإذا الظلام يغشاهم، وتلك العجيبة فوق كونها آية على السلطان والقهر. فإنها نعمة تستوجب الحمد والشكر ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ﴾١، والشمس التي هي سبب النهار ومصدر ضوئه تسير في فلك ومسار لا تتجاوزه ولا تتعداه ﴿.. والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ﴾٢ كل هذا التسخير بتقدير مولانا الغالب على كل شيء، والعليم بكل معلوم، ومنه ما فيه صلاح العباد ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ﴾٣ ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾٤
﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ وصيرنا نور القمر منازل، أو صيرنا مسير القمر ومحله الذي يسير فيه منازل، وقدرناها لا يتجاوزها، ولا يتخلف عنها، حتى يعود في نهاية وأواخر مسيره-في رأي العين-منحنيا منعرجا، معوجا منعطفا، كالقنو العتيق الذي تقوس-ولا يرى معتدلا إذ ذاك أبدا، وهكذا كل مسخر وميسر لما خلق له، لا يتعداه ولا يقصر عنه حتى يأتي أمر الله، وتبارك الذي يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴿ وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى.. ﴾٥ أليس في تسخير ربنا لما حولنا من مكان وزمان، وما قضت به حكمته سبحانه أن يتعاقب الجديدان٦، ويتلاحق النيران٧ أليس في ذلك ما يدل على عظمة الملك الديان ؟ بلى !.
ولله في كل تحريكة *** وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
ومما يقول ابن كثير-رحمه الله- : قال جل وعلا :﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ أي : جعلناه يسير سيرا آخر يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال عز وجل :﴿ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج.. ﴾٨ وقال تعالى :﴿ هو الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.. ﴾٩ وقال تبارك وتعالى :﴿ وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا ﴾١٠ فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل : يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشر، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم، أ هـ،
وقال عكرمة في قوله عز وجل :﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ﴾ يعني أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل، وقوله تعالى :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يقول : لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل.
وقال مجاهد :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يطلبان حثيثين يسلخ أحدهما من الآخر، والمعنى في هذا : أنه لا فترة بين الليل والنهار، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ، لأنهما مسخران، دائبين، يتطالبان طلبا حثيثا، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وكل في فلك يسبحون ﴾ يعني : الليل والنهار، والشمس والقمر، كلهم يسبحون أي : يدورون في فلك السماء، قاله ابن عباس... وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في فلك بين السماء والأرض... أ هـ.
﴿ العرجون ﴾ القنو من الأصل المتصل بجذع النخلة إلى الشماريخ.
﴿ العرجون ﴾ : القنو من الأصل المتصل بجذع النخلة إلى الشماريخ.
﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون( ٣٧ )والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم( ٣٨ )والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم( ٣٩ )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون( ٤٠ ) ﴾.
بعد أن بينت الآيات السابقات حجة لله تعالى وبرهان اقتدار في المكان، جاءت هذه اللاحقات لها تبين شيئا من عجيب صنعه وحكيم تدبيره في الزمان، فهي سلطان وعلامة لهم على تفرد الكبير المتعال بالعزة والجلال، أن الليل يخرج منه النهار، فإذا الظلام يغشاهم، وتلك العجيبة فوق كونها آية على السلطان والقهر. فإنها نعمة تستوجب الحمد والشكر ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ﴾١، والشمس التي هي سبب النهار ومصدر ضوئه تسير في فلك ومسار لا تتجاوزه ولا تتعداه ﴿.. والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ﴾٢ كل هذا التسخير بتقدير مولانا الغالب على كل شيء، والعليم بكل معلوم، ومنه ما فيه صلاح العباد ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ﴾٣ ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾٤
﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ وصيرنا نور القمر منازل، أو صيرنا مسير القمر ومحله الذي يسير فيه منازل، وقدرناها لا يتجاوزها، ولا يتخلف عنها، حتى يعود في نهاية وأواخر مسيره-في رأي العين-منحنيا منعرجا، معوجا منعطفا، كالقنو العتيق الذي تقوس-ولا يرى معتدلا إذ ذاك أبدا، وهكذا كل مسخر وميسر لما خلق له، لا يتعداه ولا يقصر عنه حتى يأتي أمر الله، وتبارك الذي يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴿ وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى.. ﴾٥ أليس في تسخير ربنا لما حولنا من مكان وزمان، وما قضت به حكمته سبحانه أن يتعاقب الجديدان٦، ويتلاحق النيران٧ أليس في ذلك ما يدل على عظمة الملك الديان ؟ بلى !.
ولله في كل تحريكة *** وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
ومما يقول ابن كثير-رحمه الله- : قال جل وعلا :﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ أي : جعلناه يسير سيرا آخر يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال عز وجل :﴿ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج.. ﴾٨ وقال تعالى :﴿ هو الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.. ﴾٩ وقال تبارك وتعالى :﴿ وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا ﴾١٠ فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل : يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشر، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم، أ هـ،
وقال عكرمة في قوله عز وجل :﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ﴾ يعني أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل، وقوله تعالى :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يقول : لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل.
وقال مجاهد :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يطلبان حثيثين يسلخ أحدهما من الآخر، والمعنى في هذا : أنه لا فترة بين الليل والنهار، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ، لأنهما مسخران، دائبين، يتطالبان طلبا حثيثا، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وكل في فلك يسبحون ﴾ يعني : الليل والنهار، والشمس والقمر، كلهم يسبحون أي : يدورون في فلك السماء، قاله ابن عباس... وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في فلك بين السماء والأرض... أ هـ.
﴿ ينبغي ﴾ يتسخر ويتسهل.
﴿ تدرك ﴾ تلحق.
﴿ العرجون ﴾ : القنو من الأصل المتصل بجذع النخلة إلى الشماريخ.
﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون( ٣٧ )والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم( ٣٨ )والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم( ٣٩ )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون( ٤٠ ) ﴾.
بعد أن بينت الآيات السابقات حجة لله تعالى وبرهان اقتدار في المكان، جاءت هذه اللاحقات لها تبين شيئا من عجيب صنعه وحكيم تدبيره في الزمان، فهي سلطان وعلامة لهم على تفرد الكبير المتعال بالعزة والجلال، أن الليل يخرج منه النهار، فإذا الظلام يغشاهم، وتلك العجيبة فوق كونها آية على السلطان والقهر. فإنها نعمة تستوجب الحمد والشكر ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ﴾١، والشمس التي هي سبب النهار ومصدر ضوئه تسير في فلك ومسار لا تتجاوزه ولا تتعداه ﴿.. والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ﴾٢ كل هذا التسخير بتقدير مولانا الغالب على كل شيء، والعليم بكل معلوم، ومنه ما فيه صلاح العباد ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ﴾٣ ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾٤
﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ وصيرنا نور القمر منازل، أو صيرنا مسير القمر ومحله الذي يسير فيه منازل، وقدرناها لا يتجاوزها، ولا يتخلف عنها، حتى يعود في نهاية وأواخر مسيره-في رأي العين-منحنيا منعرجا، معوجا منعطفا، كالقنو العتيق الذي تقوس-ولا يرى معتدلا إذ ذاك أبدا، وهكذا كل مسخر وميسر لما خلق له، لا يتعداه ولا يقصر عنه حتى يأتي أمر الله، وتبارك الذي يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴿ وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى.. ﴾٥ أليس في تسخير ربنا لما حولنا من مكان وزمان، وما قضت به حكمته سبحانه أن يتعاقب الجديدان٦، ويتلاحق النيران٧ أليس في ذلك ما يدل على عظمة الملك الديان ؟ بلى !.
ولله في كل تحريكة *** وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
ومما يقول ابن كثير-رحمه الله- : قال جل وعلا :﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ أي : جعلناه يسير سيرا آخر يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال عز وجل :﴿ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج.. ﴾٨ وقال تعالى :﴿ هو الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.. ﴾٩ وقال تبارك وتعالى :﴿ وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا ﴾١٠ فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل : يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشر، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم، أ هـ،
وقال عكرمة في قوله عز وجل :﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ﴾ يعني أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل، وقوله تعالى :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يقول : لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل.
وقال مجاهد :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يطلبان حثيثين يسلخ أحدهما من الآخر، والمعنى في هذا : أنه لا فترة بين الليل والنهار، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ، لأنهما مسخران، دائبين، يتطالبان طلبا حثيثا، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وكل في فلك يسبحون ﴾ يعني : الليل والنهار، والشمس والقمر، كلهم يسبحون أي : يدورون في فلك السماء، قاله ابن عباس... وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في فلك بين السماء والأرض... أ هـ.
﴿ آية ﴾ دلالة على قدرتنا، وعلامة.
﴿ ذريتهم ﴾ فرعهم ونسلهم، أو أصلهم وآباءهم.
﴿ الفلك ﴾ السفينة.
﴿ المشحون ﴾المملوء.
﴿ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون( ٤١ ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون( ٤٢ )وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون( ٤٣ )إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين( ٤٤ ) ﴾.
بينت الآيات السابقة من هذه السورة طائفة من برهان قدرة الله تعالى وعظيم امتنانه في الأنفس والآفاق، في الزمان والمكان، في الأرض وفي السماء، وفي هذه الآيات الأربع دليل من ربنا سبحانه وسلطان يتجلى في طائفة من أنعمه علينا بتيسير الرزق، وتسخير البحر ﴿.. وما كنا له مقرنين ﴾١ فسبحان من قدر ويسر وسخّر ﴿ وآية أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ وعلامة على قدرتنا بيناها، ونعمة من أنعمنا وهبناها، وقوى من الكون سخرناها، ومن ذلك حملنا ذريتهم في السفينة المملوءة، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح٢-﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ وكما حملنا أسلافهم في مركب نوح عليه السلام وكانت علامة من علامات اقتدارنا، فكذا خلقنا لهم من مثل مركب نبينا نوح ما يركبونه من السفن والزوارق، ﴿ وإن نشأ نغرقهم ﴾ فالفلك تجري في البحر بأمر ربنا وتسخيره، وإن أراد إغراق الذين على ظهور السفن فلن يعجزه ذلك ﴿ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم.. ﴾٣. ﴿ فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون ﴾ إذا أنزلنا بهم بأسنا فلن يجدوا مغيثا ينصرهم ولا يستطيعون النجاة من الهلاك الذي أحللناه بهم، ﴿ إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ﴾ لكنا برحمة منا ننجيهم ليتمتعوا إلى حين وقت آجالهم، والوقت الذي قدرناه لمماتهم، [ قوله تعالى :﴿ وآية لهم ﴾ يحتمل ثلاثة معان : أحدها عبرة لهم، لأن في الآيات اعتبارا، الثاني-نعمة عليهم، لأن في الآيات إنعاما، الثالث-إنذار لهم، لأن في الآيات إنذارا. ﴿ أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ من أشكل ما في السورة، لأنهم هم المحملون، فقيل : المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية ﴿ في الفلك المشحون ﴾ فالضميران مختلفان، ذكره المهدوي.. وقيل : الضميران جميعا لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم، فالفلك على القول الأول سفينة نوح، وعلى الثاني يكون اسما للجنس، أخبر عز وجل بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذرية والضعفاء،.. وقيل : الذرية الآباء والأجداد، حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام، فالآباء ذرية، والأبناء ذرية، بدليل هذه الآية، قاله أبو عثمان وسمى الآباء ذرية، لأن منهم ذرأ الأبناء... ]٤.
﴿ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون( ٤١ ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون( ٤٢ )وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون( ٤٣ )إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين( ٤٤ ) ﴾.
بينت الآيات السابقة من هذه السورة طائفة من برهان قدرة الله تعالى وعظيم امتنانه في الأنفس والآفاق، في الزمان والمكان، في الأرض وفي السماء، وفي هذه الآيات الأربع دليل من ربنا سبحانه وسلطان يتجلى في طائفة من أنعمه علينا بتيسير الرزق، وتسخير البحر ﴿.. وما كنا له مقرنين ﴾١ فسبحان من قدر ويسر وسخّر ﴿ وآية أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ وعلامة على قدرتنا بيناها، ونعمة من أنعمنا وهبناها، وقوى من الكون سخرناها، ومن ذلك حملنا ذريتهم في السفينة المملوءة، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح٢-﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ وكما حملنا أسلافهم في مركب نوح عليه السلام وكانت علامة من علامات اقتدارنا، فكذا خلقنا لهم من مثل مركب نبينا نوح ما يركبونه من السفن والزوارق، ﴿ وإن نشأ نغرقهم ﴾ فالفلك تجري في البحر بأمر ربنا وتسخيره، وإن أراد إغراق الذين على ظهور السفن فلن يعجزه ذلك ﴿ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم.. ﴾٣. ﴿ فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون ﴾ إذا أنزلنا بهم بأسنا فلن يجدوا مغيثا ينصرهم ولا يستطيعون النجاة من الهلاك الذي أحللناه بهم، ﴿ إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ﴾ لكنا برحمة منا ننجيهم ليتمتعوا إلى حين وقت آجالهم، والوقت الذي قدرناه لمماتهم، [ قوله تعالى :﴿ وآية لهم ﴾ يحتمل ثلاثة معان : أحدها عبرة لهم، لأن في الآيات اعتبارا، الثاني-نعمة عليهم، لأن في الآيات إنعاما، الثالث-إنذار لهم، لأن في الآيات إنذارا. ﴿ أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ من أشكل ما في السورة، لأنهم هم المحملون، فقيل : المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية ﴿ في الفلك المشحون ﴾ فالضميران مختلفان، ذكره المهدوي.. وقيل : الضميران جميعا لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم، فالفلك على القول الأول سفينة نوح، وعلى الثاني يكون اسما للجنس، أخبر عز وجل بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذرية والضعفاء،.. وقيل : الذرية الآباء والأجداد، حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام، فالآباء ذرية، والأبناء ذرية، بدليل هذه الآية، قاله أبو عثمان وسمى الآباء ذرية، لأن منهم ذرأ الأبناء... ]٤.
﴿ فلا صريخ ﴾فلا مغيث، فهو فعيل بمعنى فاعل، فكأنه في الأصل : مُصْرِخْ.
﴿ ينقذون ﴾ ينجون من الهلاك.
﴿ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون( ٤١ ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون( ٤٢ )وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون( ٤٣ )إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين( ٤٤ ) ﴾.
بينت الآيات السابقة من هذه السورة طائفة من برهان قدرة الله تعالى وعظيم امتنانه في الأنفس والآفاق، في الزمان والمكان، في الأرض وفي السماء، وفي هذه الآيات الأربع دليل من ربنا سبحانه وسلطان يتجلى في طائفة من أنعمه علينا بتيسير الرزق، وتسخير البحر ﴿.. وما كنا له مقرنين ﴾١ فسبحان من قدر ويسر وسخّر ﴿ وآية أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ وعلامة على قدرتنا بيناها، ونعمة من أنعمنا وهبناها، وقوى من الكون سخرناها، ومن ذلك حملنا ذريتهم في السفينة المملوءة، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح٢-﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ وكما حملنا أسلافهم في مركب نوح عليه السلام وكانت علامة من علامات اقتدارنا، فكذا خلقنا لهم من مثل مركب نبينا نوح ما يركبونه من السفن والزوارق، ﴿ وإن نشأ نغرقهم ﴾ فالفلك تجري في البحر بأمر ربنا وتسخيره، وإن أراد إغراق الذين على ظهور السفن فلن يعجزه ذلك ﴿ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم.. ﴾٣. ﴿ فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون ﴾ إذا أنزلنا بهم بأسنا فلن يجدوا مغيثا ينصرهم ولا يستطيعون النجاة من الهلاك الذي أحللناه بهم، ﴿ إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ﴾ لكنا برحمة منا ننجيهم ليتمتعوا إلى حين وقت آجالهم، والوقت الذي قدرناه لمماتهم، [ قوله تعالى :﴿ وآية لهم ﴾ يحتمل ثلاثة معان : أحدها عبرة لهم، لأن في الآيات اعتبارا، الثاني-نعمة عليهم، لأن في الآيات إنعاما، الثالث-إنذار لهم، لأن في الآيات إنذارا. ﴿ أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ من أشكل ما في السورة، لأنهم هم المحملون، فقيل : المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية ﴿ في الفلك المشحون ﴾ فالضميران مختلفان، ذكره المهدوي.. وقيل : الضميران جميعا لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم، فالفلك على القول الأول سفينة نوح، وعلى الثاني يكون اسما للجنس، أخبر عز وجل بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذرية والضعفاء،.. وقيل : الذرية الآباء والأجداد، حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام، فالآباء ذرية، والأبناء ذرية، بدليل هذه الآية، قاله أبو عثمان وسمى الآباء ذرية، لأن منهم ذرأ الأبناء... ]٤.
﴿ حين ﴾ : مدة وزمان.
﴿ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون( ٤١ ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون( ٤٢ )وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون( ٤٣ )إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين( ٤٤ ) ﴾.
بينت الآيات السابقة من هذه السورة طائفة من برهان قدرة الله تعالى وعظيم امتنانه في الأنفس والآفاق، في الزمان والمكان، في الأرض وفي السماء، وفي هذه الآيات الأربع دليل من ربنا سبحانه وسلطان يتجلى في طائفة من أنعمه علينا بتيسير الرزق، وتسخير البحر ﴿.. وما كنا له مقرنين ﴾١ فسبحان من قدر ويسر وسخّر ﴿ وآية أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ وعلامة على قدرتنا بيناها، ونعمة من أنعمنا وهبناها، وقوى من الكون سخرناها، ومن ذلك حملنا ذريتهم في السفينة المملوءة، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح٢-﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ وكما حملنا أسلافهم في مركب نوح عليه السلام وكانت علامة من علامات اقتدارنا، فكذا خلقنا لهم من مثل مركب نبينا نوح ما يركبونه من السفن والزوارق، ﴿ وإن نشأ نغرقهم ﴾ فالفلك تجري في البحر بأمر ربنا وتسخيره، وإن أراد إغراق الذين على ظهور السفن فلن يعجزه ذلك ﴿ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم.. ﴾٣. ﴿ فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون ﴾ إذا أنزلنا بهم بأسنا فلن يجدوا مغيثا ينصرهم ولا يستطيعون النجاة من الهلاك الذي أحللناه بهم، ﴿ إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ﴾ لكنا برحمة منا ننجيهم ليتمتعوا إلى حين وقت آجالهم، والوقت الذي قدرناه لمماتهم، [ قوله تعالى :﴿ وآية لهم ﴾ يحتمل ثلاثة معان : أحدها عبرة لهم، لأن في الآيات اعتبارا، الثاني-نعمة عليهم، لأن في الآيات إنعاما، الثالث-إنذار لهم، لأن في الآيات إنذارا. ﴿ أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ من أشكل ما في السورة، لأنهم هم المحملون، فقيل : المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية ﴿ في الفلك المشحون ﴾ فالضميران مختلفان، ذكره المهدوي.. وقيل : الضميران جميعا لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم، فالفلك على القول الأول سفينة نوح، وعلى الثاني يكون اسما للجنس، أخبر عز وجل بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذرية والضعفاء،.. وقيل : الذرية الآباء والأجداد، حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام، فالآباء ذرية، والأبناء ذرية، بدليل هذه الآية، قاله أبو عثمان وسمى الآباء ذرية، لأن منهم ذرأ الأبناء... ]٤.
﴿ اتقوا ﴾ احذروا، وخافوا وتوقوا، أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية.
﴿ ما بين أيديكم ﴾ ما سبقكم، وما تقدم.
﴿ وما خلفكم ﴾ ما يأتي بعد.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ آية ﴾ جملة من الكلمات المنزلة الربانية القرآنية، أو : علامة من بدائع مخلوقات الله التكوينية.
﴿ معرضين ﴾ تاركين لها، متولين عنها.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ : ما أنتم إلا في حيرة واضحة، وحيدة عن الصواب ظاهرة.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ متى هذا الوعد ﴾ أي : حين وزمان يأتي فيه ما وعدتم من البعث وإحياء الموتى ؟
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ ينظرون ﴾ : ينتظرون.
﴿ صيحة ﴾ : صوت مفزع.
﴿ تأخذهم ﴾ : تهلكهم وتميتهم.
﴿ يخصمون ﴾ : يختصمون ويتنازعون في معاملاتهم ومعايشهم.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ توصية ﴾ عهدا بما يجب أن يكون، يوصى به قبل موته.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ الصور ﴾ قرن من نور ينفخ فيه ملك بإذن الله نفخة يبعث على أثرها الموتى.
﴿ الأجداث ﴾ : جمع جدث وهو القبر.
﴿ ينسلون ﴾ : يسرعون السير.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ بعثنا من مرقدنا ﴾ أيقظنا وأهبنا من مضاجعنا وموطن وحال رقادنا ونومنا ؟ !
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ إن كانت ﴾ ما كانت.
﴿ لدينا محضرون ﴾ عندنا محشورون، وبين يدينا موقوفون أجمعون.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ إلا ما كنتم تعملون ﴾ إلا جزاء ما كنتم تفعلون في الدنيا.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون( ٤٥ )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين( ٤٦ )وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين( ٤٧ )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٤٨ )ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون( ٤٩ )فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون( ٥٠ )ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون( ٥١ )قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون( ٥٢ )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون( ٥٣ )فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون( ٥٤ ) ﴾.
من الآية الواحدة والثلاثين إلى هذه الآيات في السورة يتبين البرهان تلو البرهان على أن الله تعالى حق، وأن لقاءه حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، ومهما رأى الكافرون من آيات، ومهما سمعوا من حجة بالغة ونذر وعظات، فإنهم عن كل شيء من هذا الهدى متولون، ولكل سبيل رشد تاركون، ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ وإذا نصح الجاحدون المكذبون بما يجب الإيمان والتصديق به، ونودوا أن احذروا وخافوا وتوقوا- أي أقيموا بينكم وبين المهالك وقاية- واجتنبوا أن تفعلوا ما فعل أسلافكم من المكذبين لكيلا ينالكم ما نالهم من التدمير، واعملوا ما ينجيكم من عذاب يأتي بعد يصلاه كل مرتاب في ملاقاة الملك الكبير، إذا ذكروا بذلك تولوا وأعرضوا، وكذبوا واستكبروا، نقل الثعلبي عن ابن عباس. ﴿ ما بين أيديكم ﴾ من أمر الآخرة وما عملوا لها- فإنهم قادمون عليه- ﴿ وما خلفكم ﴾ من أمر الدنيا- فإنهم تاركوها وراء ظهورهم-فاحذروها ولا تغتروا بها. أ هـ.
ومما جاء في تفسير غرائب القرآن : لا مثل الذين يبتغون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي –عنه-خوفا من تبعته... أ هـ.
﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ وما تجيئهم من آية من آيات ربنا المتلوة القرآنية، أو آية وعلامة من بدائع مخلوقاته الكونية إلا وكان شأن الكافرين الإعراض والتولي ؛ [ وما نافية، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، و﴿ من ﴾ الأولى.. لتأكيد العموم، والثانية تبعيضية، متعلقة بمحذوف.... والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان، وإيتاؤها : نزول الوحي بها، أي : ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا، وإيتاؤها : ظهورها لهم، أي : ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين، تاركين للنظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به عز وجل ]١.

-
فإن قال قائل : وأين جواب قوله :﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ ؟ قيل : جوابه وجواب قوله :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ قوله :﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله :﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ وعن قوله :﴿ وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا وإذا أتتهم آية أعرضوا. { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾... يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم قال الذين أنكروا وحدانية الله وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله : أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه-٢ ؟ !مما أورد النيسابوري : ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله، ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق.... وقوله :﴿ قال الذين كفروا ﴾ دون أن يقول : قالوا تسجيل عليهم بالكفر... وقوله :﴿ أنطعم ﴾ دون أننفق إظهار لغاية خستهم، فإن الإطعام أدون من الإنفاق، ومن بخل بالأدون فهو أن يبخل بالأكثر أولى، وقوله :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ كلام في نفسه حسن، لكنهم ذكروه في معرض الدفع، فلهذا استوجبوا الذم، وقد بين الله خطأهم بقوله :﴿ مما رزقكم الله ﴾ فإن من في خزائنه مال، وله في يد الغير مال، فإنه مخير، إن أراد أعطى.. مما في خزائنه، وإن شاء أعطى مما في يد الغير، وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ ؟.. اهـ.
ومما جاء في جامع البيان : وفي قوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ وجهان : أحدهما أن يكون من قبل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا : أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد، مبين لمن تأمله وتدبره أنه في ضلال، وهذا هو أولى وجهيه بتأويله... أ هـ.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقول الكافرون المكذبون بالبعث مستعجلين مجيء القيامة مستهزئين : متى يتحقق ما تعدوننا به من النشور والحساب والجزاء إن كنتم صدقتم فيما وعدتم ؟ ! يقولون ذلك لرسول الله وللمؤمنين، -وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم، ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل إن ذاك لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث... -٣، والقرآن يشهد عليهم في مثل هذا الادعاء كما في قول الله سبحانه :﴿ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾٤وكذا القول الرباني الكريم :﴿ ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.. ﴾٥، ﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وما ينتظر المستعجلون بالساعة إلا نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي يهلك عندها كل حي إلا الله سبحانه- وتأتيهم بغتة وهم يتحاورون في أمورهم، تفجأهم وتسرع بفنائهم جميعا، فلا يقدرون على توصية بما يريدون قبل موتهم، ولا يملكون الرجوع إلى أهليهم-وعبر بالانتظار نظرا إلى ظاهر قولهم :﴿ متى هذا الوعد ﴾ أولا لأن الصيحة لما كانت لابد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها-٦.
[ ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء والإنفاق، قائلين : إن كنتم أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب ؟ فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾ كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا، وتنكير ﴿ صيحة ﴾ للتهويل، ووصفها بـ﴿ واحدة ﴾ تعظيم للصيحة : وتقصير لشأنهم، أي : صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله :﴿ تأخذهم ﴾ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله :﴿ وهم يخصمون ﴾ أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم، وسائر ما يتخاصمون فيه، ومع ذلك يصعقون،.. ثم بالغ في شدة الأخذ بقوله :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾.. من أداء الواجبات ورد المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة، لكنه يكون عند مجيئها في غاية العجز عنها وعن غيرها٧ ].
روى الإمام مسلم-رحمه الله-في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ٨ليتا ورفع ليتا٩-قال : وأول من يسمعه رجل يلوط١٠حوض إبله-قال : فيصعق١١ويصعق الناس )، ومما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ورجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ). اهـ.
﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ ويأمر الله تعالى الملك الموكل بالنفخ، فينفخ في الصور-وهو قرن من نور- فإذا الموتى قد أحياهم القوي القدير، فالنفخة الأولى كانت للإماتة، وهذه الثانية للإحياء، فإذا بالقبور تنشق عمن فيها تبعثرهم، يخرجون منها سراعا، يساقون ويحشرون، ويجمعون لملاقاة ربهم وبين يديه يوقفون، وعندها ينتبهون، ويشتد عليهم الهول ويتحسرون، وينادون : يا هلاكنا احضر، ثم يتساءلون : من بعثنا من مرقدنا، وأحيانا بعد مماتنا ؟ ثم يجيبون أنفسهم شاهدين عليها بما كانت قد كذبت وجحدت :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ ﴿ ما ﴾ موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون، أي صدقوا فيه، قال ابن زيد : الجواب من قبل الكفار.. أ هـ.
ولعل مما يشهد لهذا المعنى قول الحق جل ثناؤه :﴿.. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾١٢وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة :.. ﴿ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.. ﴾١٣، ونقل عن الفراء أنه جواب من جهته عز وجل، ونقل عن قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين
اهـ.
ما كانت النفخة الثانية-في الصور- إلا صرخة وصوتا، - وقيل : هي قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء١٤ فإذا الكل مجتمع حاضر بين يدي خير الفاتحين، ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾١٥ فلا تظلم نفس من النفوس برة كانت أو فاجرة في هذا اليوم المعهود شيئا من الأشياء، ولا يلحقكم إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا.
﴿ شغل ﴾ شأن يشغله.
﴿ فاكهون ﴾ فرحون مسرورون، طيبة نفوسهم منعمون.
﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون( ٥٥ )هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون( ٥٦ )لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون( ٥٧ )سلام قولا من رب رحيم( ٥٨ ) ﴾.
لما توعدت الآيات التي سبقت أهل الجحود والكفران، جاءت هذه ببشرى المؤمنين الموعودين بنعيم الجنان، فهم يوم الفصل قد فازوا في القضاء، وأدخلوا دار الخلد والكرامة ولزموه، فتراهم أصحابها لا يبغون عنها حولا، ولا يصادفون فيها مللا، بل شغلهم النعيم فهم بما آتاهم مولاهم فرحين، ولأنعم البر الرحيم شاكرين :﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ﴾١، ويدخل الله تعالى معهم من صلح من آباءهم وأزواجهم وذرياتهم ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم ﴾٢ وتلك كانت دعوات الملائكة لهم :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ﴾٣ ويزوجهم الله تعالى من نساء الجنة من الحور العين، فالمؤمن وأهله لا يضحون ولا يذوقون حر الشمس بل يتنسمون أطيب هواء، ويجلسون ويستقلون على الأسرة المفروشة تكتنفها وتحيط بها الستور، ويرزقون في الجنة فاكهة كثيرة، لا تنقطع ولا تمتنع، بل تتشابه ويتلاحق تقديمها ﴿.. كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها.. ﴾٤، وتدنوا قطوفها وتقترب ﴿ قطوفها دانية ﴾٥، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فكل ما يطلبونه يأتيهم، وفوق ذلك فلهم من الله تعالى البر الرحيم سلام ﴿.. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾٦﴿.. وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ﴾٧﴿.. وكان بالمؤمنين رحيما. تحيتهم يوم يلقونه سلام.. ﴾٨ وقوله تعالى :﴿ قولا ﴾ مفعول مطلق لفعل محذوف، والجملة صفة ﴿ سلام ﴾ وقوله تعالى :﴿ من رب رحيم ﴾ صفة ﴿ قولا ﴾ أي : سلاما يقال لهم من جهة رب رحيم، أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيما لهم.
﴿ ظلال ﴾ جمع ظل.
﴿ الأرائك ﴾ جمع أريكة، وهي السرير في الحجال، تحوطه الستور.
﴿ متكئون ﴾ مستلقون عليه، يتحاملون على مرافق أيديهم.
﴿ فاكهون ﴾ فرحون مسرورون، طيبة نفوسهم منعمون.
﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون( ٥٥ )هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون( ٥٦ )لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون( ٥٧ )سلام قولا من رب رحيم( ٥٨ ) ﴾.
لما توعدت الآيات التي سبقت أهل الجحود والكفران، جاءت هذه ببشرى المؤمنين الموعودين بنعيم الجنان، فهم يوم الفصل قد فازوا في القضاء، وأدخلوا دار الخلد والكرامة ولزموه، فتراهم أصحابها لا يبغون عنها حولا، ولا يصادفون فيها مللا، بل شغلهم النعيم فهم بما آتاهم مولاهم فرحين، ولأنعم البر الرحيم شاكرين :﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ﴾١، ويدخل الله تعالى معهم من صلح من آباءهم وأزواجهم وذرياتهم ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم ﴾٢ وتلك كانت دعوات الملائكة لهم :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ﴾٣ ويزوجهم الله تعالى من نساء الجنة من الحور العين، فالمؤمن وأهله لا يضحون ولا يذوقون حر الشمس بل يتنسمون أطيب هواء، ويجلسون ويستقلون على الأسرة المفروشة تكتنفها وتحيط بها الستور، ويرزقون في الجنة فاكهة كثيرة، لا تنقطع ولا تمتنع، بل تتشابه ويتلاحق تقديمها ﴿.. كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها.. ﴾٤، وتدنوا قطوفها وتقترب ﴿ قطوفها دانية ﴾٥، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فكل ما يطلبونه يأتيهم، وفوق ذلك فلهم من الله تعالى البر الرحيم سلام ﴿.. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾٦﴿.. وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ﴾٧﴿.. وكان بالمؤمنين رحيما. تحيتهم يوم يلقونه سلام.. ﴾٨ وقوله تعالى :﴿ قولا ﴾ مفعول مطلق لفعل محذوف، والجملة صفة ﴿ سلام ﴾ وقوله تعالى :﴿ من رب رحيم ﴾ صفة ﴿ قولا ﴾ أي : سلاما يقال لهم من جهة رب رحيم، أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيما لهم.
﴿ لهم فيها فاكهة ﴾ لهم في الجنة فاكهة عظيمة الشأن.
﴿ ولهم ما يدعون ﴾ ولهم ما يطلبونه.
﴿ فاكهون ﴾ فرحون مسرورون، طيبة نفوسهم منعمون.
﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون( ٥٥ )هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون( ٥٦ )لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون( ٥٧ )سلام قولا من رب رحيم( ٥٨ ) ﴾.
لما توعدت الآيات التي سبقت أهل الجحود والكفران، جاءت هذه ببشرى المؤمنين الموعودين بنعيم الجنان، فهم يوم الفصل قد فازوا في القضاء، وأدخلوا دار الخلد والكرامة ولزموه، فتراهم أصحابها لا يبغون عنها حولا، ولا يصادفون فيها مللا، بل شغلهم النعيم فهم بما آتاهم مولاهم فرحين، ولأنعم البر الرحيم شاكرين :﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ﴾١، ويدخل الله تعالى معهم من صلح من آباءهم وأزواجهم وذرياتهم ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم ﴾٢ وتلك كانت دعوات الملائكة لهم :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ﴾٣ ويزوجهم الله تعالى من نساء الجنة من الحور العين، فالمؤمن وأهله لا يضحون ولا يذوقون حر الشمس بل يتنسمون أطيب هواء، ويجلسون ويستقلون على الأسرة المفروشة تكتنفها وتحيط بها الستور، ويرزقون في الجنة فاكهة كثيرة، لا تنقطع ولا تمتنع، بل تتشابه ويتلاحق تقديمها ﴿.. كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها.. ﴾٤، وتدنوا قطوفها وتقترب ﴿ قطوفها دانية ﴾٥، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فكل ما يطلبونه يأتيهم، وفوق ذلك فلهم من الله تعالى البر الرحيم سلام ﴿.. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾٦﴿.. وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ﴾٧﴿.. وكان بالمؤمنين رحيما. تحيتهم يوم يلقونه سلام.. ﴾٨ وقوله تعالى :﴿ قولا ﴾ مفعول مطلق لفعل محذوف، والجملة صفة ﴿ سلام ﴾ وقوله تعالى :﴿ من رب رحيم ﴾ صفة ﴿ قولا ﴾ أي : سلاما يقال لهم من جهة رب رحيم، أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيما لهم.
﴿ فاكهون ﴾ فرحون مسرورون، طيبة نفوسهم منعمون.
﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون( ٥٥ )هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون( ٥٦ )لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون( ٥٧ )سلام قولا من رب رحيم( ٥٨ ) ﴾.
لما توعدت الآيات التي سبقت أهل الجحود والكفران، جاءت هذه ببشرى المؤمنين الموعودين بنعيم الجنان، فهم يوم الفصل قد فازوا في القضاء، وأدخلوا دار الخلد والكرامة ولزموه، فتراهم أصحابها لا يبغون عنها حولا، ولا يصادفون فيها مللا، بل شغلهم النعيم فهم بما آتاهم مولاهم فرحين، ولأنعم البر الرحيم شاكرين :﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ﴾١، ويدخل الله تعالى معهم من صلح من آباءهم وأزواجهم وذرياتهم ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم ﴾٢ وتلك كانت دعوات الملائكة لهم :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ﴾٣ ويزوجهم الله تعالى من نساء الجنة من الحور العين، فالمؤمن وأهله لا يضحون ولا يذوقون حر الشمس بل يتنسمون أطيب هواء، ويجلسون ويستقلون على الأسرة المفروشة تكتنفها وتحيط بها الستور، ويرزقون في الجنة فاكهة كثيرة، لا تنقطع ولا تمتنع، بل تتشابه ويتلاحق تقديمها ﴿.. كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها.. ﴾٤، وتدنوا قطوفها وتقترب ﴿ قطوفها دانية ﴾٥، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فكل ما يطلبونه يأتيهم، وفوق ذلك فلهم من الله تعالى البر الرحيم سلام ﴿.. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾٦﴿.. وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ﴾٧﴿.. وكان بالمؤمنين رحيما. تحيتهم يوم يلقونه سلام.. ﴾٨ وقوله تعالى :﴿ قولا ﴾ مفعول مطلق لفعل محذوف، والجملة صفة ﴿ سلام ﴾ وقوله تعالى :﴿ من رب رحيم ﴾ صفة ﴿ قولا ﴾ أي : سلاما يقال لهم من جهة رب رحيم، أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيما لهم.
﴿ وامتازوا ﴾ وتميزوا وانفردوا.
﴿ المجرمون ﴾ المرتكبون للجرائم.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ أعهد ﴾ أوص.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ جبلا ﴾ خلقا.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ جهنم ﴾ اسم من أسماء نار الآخرة دار العذاب.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ اصلوها ﴾ الزموا العذاب بها.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ نختم على أفواههم ﴾ نمنع أفواههم عن التكلم.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ لطمسنا ﴾ لمحونا الأثر وأزلناه.
﴿ الصراط ﴾ الطريق.
﴿ فأنى ﴾ فكيف ؟.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ لمسخناهم ﴾ لحولنا صورهم.
﴿ مكانتهم ﴾ مكانهم.
﴿ مضيا ﴾ ذهابا.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ نعمره ﴾ نطل عمره.
﴿ ننكسه ﴾ نقلبه.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون( ٥٩ )*ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين( ٦٠ )وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم( ٦١ )ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون( ٦٢ )هذه جهنم التي كنتم توعدون ( ٦٣ )اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون( ٦٤ )اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٦٥ )ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون( ٦٦ )ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون( ٦٧ )ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون( ٦٨ ) ﴾.
وبعد بيان حسن مآب المؤمنين، جاءت هذه الآيات تخوف من مصير وعقاب الكافرين، ولن يكونا سواء، بل يفرد المجرمون، بمعزل عن الذين كانوا لربهم يرهبون، ثم يحسرون على ما فرطوا في جنب الله، وما خالفوا عن أمره، ونقضوا من عهده، فيقال لهم من جهة الحق جل علاه : ألم أوصيكم أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه، وأن أدّوا العبادات التي شرعتها لكم تقربكم مني، وتدخلكم في رحمتي، وتبلغ بكم رضاي، هذا هو الطريق القويم، والدين الذي ارتضيت لكم، ولقد علمتم أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴿.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا.. ﴾١ وأن إبليس اللعين إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ووعدتكم وعد الحق، ووعدكم الشيطان غرورا، فاستجبتم له، فاستحوذ عليكم كما استحوذ على من أطاعوه قبلكم فحقت عليهم كلمة العذاب، فهلا أعملتم عقولكم، واعتبرتم بما أشقى به من كان قبلكم فاتخذتموه عدوا ! ولقد أعذر الله تعالى وأنذر وحذر :﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾٢ ﴿ وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾٣.
﴿ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ﴾ يؤمر بهم إلى السعير، ويقال لهم زيادة في التحسير : قاسوا حرها، وصيروا وقودها، وافترشوا لهيبها، وعيشوا تحته :﴿ لهم من فوقهم ظلل من نار ومن تحتهم ظلل.. ﴾٤ذلك جزيناكم بسبب كفركم بالحق، وصدكم عن الرشد.
مما جاء في روح المعاني :﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ على أن ﴿ أَنْ ﴾ فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه، أو مصدرية حذف عنها الجار، أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان، وفي عبادتي ! وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية، قيل : وليتصل به قوله تعالى :﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى، لأنه المعروف في الصراط المستقيم... والتنكير للمبالغة والتعظيم، أي : هذا صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف... وفيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها، وقليلها كثير. ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ استئناف مسوق لتشديد التوبيخ، وتأكيد التقريع، ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم، إثر بيان نقضهم العهد... وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء، والجبل-قال الراغب : الجماعة العظيمة، أطلق عليها تشبيها بالجبل في العظم.... ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم... فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم ؟ !اهـ.
﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ ليوم الفصل أهوال نسأل الله أن ينجينا من الكرب، وله أحوال تختلف من موطن إلى موطن، فحين يأذن الفتاح العليم لكل محاسب أن يجادل عن نفسه ﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. ﴾٥، فإذا كذبوا أخرس الله تعالى ألسنتهم، ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ﴾٦ ﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٧، فهذا يوم لا ينطقون ﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾٨. وكذا ما أشار إليه قول الحق تبارك وتعالى :﴿.. ولا يكتمون الله حديثا ﴾٩. وقوله تبارك اسمه :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ﴾١٠وما جاء في الآية الكريمة :﴿... اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾١١ فموطن يتكلمون فيه، وموطن لا يقدرون فيه على الكلام، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال( هل تدرون مما أضحك ؟ )قلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل ) خرّجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه :( ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه )، جاء في آية كريمة :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾١٢ وفي آيات أخر :﴿ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾١٣.
﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾ ولو أردنا أن نمحو أبصارهم، ونزيل أثر أعينهم لفعلنا، وإذا لو حاولوا سلوك طريق غيهم الذي كانوا فيه لما أبصروه، وكيف لأعمى أن ينظر ويرى ؟ !مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم، وتأولها على أنها في يوم القيامة، وقال : إذا كان يوم القيامة، ومُدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فيقومون برّهم وفاجرهم، فاستبقوا الصراط. فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه.... اهـ.
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾ ولو أردنا أن نبدل خلقتهم ونقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة لفعلنا، قال الحسن : أي : لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. اهـ.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ من شاء الله تعالى له أن يمتد به العمر فإنه ينقص بعد زيادة، ويهن بعد جلادة، قال قتادة : يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، وتبارك ربنا القائل :﴿.. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.. ﴾١٤، وقال مولانا جل ثناؤه :﴿.. ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ﴾١٥مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذا هو الغالب، وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر.. اهـ.
مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، وعن بعضهم :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشر وطيّ
أراني كل يوم في انتقاص *** وهل يبقى على النقصان شيّ

وقال آخر :
أرى الأيام تتركني وتمضي وأوشك أنها تبقى وأمضي
علامة ذاك شيب قد علاني*** وضعف عند إبرامي ونقضي
وما كذب الذي قد قال قبلي *** إذا ما مرّ يوم مرّ بعضي
﴿ أفلا يعقلون ﴾-أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم-١٦ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : والمراد من هذا-والله أعلم-الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل :﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى سن الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.. اهـ.
وذهب صاحب روح المعاني مذهبا في تفسير هذه الكلمات الكريمة فقال : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما. اهـ.
﴿ وما علّمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين( ٦٩ )لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين( ٧٠ ) ﴾.
وبعد أن تتابعت الآيات في ترسيخ اليقين بالمعاد، جاءت هاتان الآيتان تبينان حقيقة الرسالة، فالرسول لم يعلّم من ربه شعرا، ولا يسوغ عقلا أن يكون شاعرا، لأنه مبعوث بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة، وما هذا الذي يتلوه عليكم إلا عظة وذكرى، وكلام رباني حكيم ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ﴾١ وهذا الذكر والكتاب المجيد يبين الرشد من الغي، وينير مسالك الإحسان والبر، ومنهاج السعادة والفوز، ﴿ لينذر ﴾ القرآن، أو لينذر المبعوث به-عليه الصلاة والسلام- ﴿ من كان حيا ﴾ من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، من كان ذا عقل ولب، ﴿ .. إنما يتذكر أولوا الألباب ﴾٢ قال قتادة : أي : حي القلب، [ وقيل : المعنى : لتنذر من كان مؤمنا.. ]٣-وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع بذلك-٤ وتقوم الحجة به على الكافرين، فيستوجبون العذاب.
١ سورة فصلت. الآية٤٢..
٢ سورة الرعد. من الآية ١٩..
٣ ما بين العلامتين[ ]من الجامع لأحكام القرآن..
٤ ما بين العارضتين من روح المعاني..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٩:﴿ وما علّمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين( ٦٩ )لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين( ٧٠ ) ﴾.
وبعد أن تتابعت الآيات في ترسيخ اليقين بالمعاد، جاءت هاتان الآيتان تبينان حقيقة الرسالة، فالرسول لم يعلّم من ربه شعرا، ولا يسوغ عقلا أن يكون شاعرا، لأنه مبعوث بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة، وما هذا الذي يتلوه عليكم إلا عظة وذكرى، وكلام رباني حكيم ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ﴾١ وهذا الذكر والكتاب المجيد يبين الرشد من الغي، وينير مسالك الإحسان والبر، ومنهاج السعادة والفوز، ﴿ لينذر ﴾ القرآن، أو لينذر المبعوث به-عليه الصلاة والسلام- ﴿ من كان حيا ﴾ من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، من كان ذا عقل ولب، ﴿.. إنما يتذكر أولوا الألباب ﴾٢ قال قتادة : أي : حي القلب، [ وقيل : المعنى : لتنذر من كان مؤمنا.. ]٣-وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع بذلك-٤ وتقوم الحجة به على الكافرين، فيستوجبون العذاب.
١ سورة فصلت. الآية٤٢..
٢ سورة الرعد. من الآية ١٩..
٣ ما بين العلامتين[ ]من الجامع لأحكام القرآن..
٤ ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ أنعاما ﴾ حيوانات وبهائم، أبركها : الإبل والبقر والغنم.
﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون( ٧١ )وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون( ٧٢ )ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون٧٣واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون( ٧٤ )لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون( ٧٥ )فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون( ٧٦ ) ﴾.

-
الهمزة للإنكار والتعجيب، والواو للعطف على جملة منفية مقدرة... زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى :﴿ ألم يروا كم أهلكنا... ﴾ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم، وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى :﴿ أنا خلقنا لهم ﴾أي : لأجلهم وانتفاعهم.. -١.
[ قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم ﴾ هذه رؤية القلب، أي : أولم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا ]٢.
مما أورد الألوسي-رحمه الله- : وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف، وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة، أفردت ﴿.. يد الله فوق أيديهم.. ﴾٣أو ثنيت، كـ﴿.. خلقت بيدي.. ﴾٤ أو جمعت كما هنا، بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه، مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه :﴿.. ليس كمثله شيء.. ﴾٥. اهـ.
﴿ أنعاما ﴾ مفعول ﴿ خلقنا ﴾، مما نقل ابن جرير-رحمه الله- عم ابن زيد وقد سئل : أهي الإبل ؟ فقال : نعم، قال : والبقر من الأنعام، وليس بداخلة في هذه الآية، قال : والإبل والبقر والغنم من الأنعام. اهـ.
﴿ فهم لها مالكون ﴾-أي ممتلكون لها بتمليكنا إياهم لها، والفاء، قيل : للتفريع على مقدر، أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها.. وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها٦
﴿ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ﴾ وسخرناها وطوعناها لتنقاد لهم، فمنها يكون مركبهم الذي يركبون عليه تحملهم وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، ﴿ ومنها يأكلون ﴾ ويأكلون من لحمها، وينحرون ويجزرون.
﴿ ولهم فيها منافع ﴾ ويبيعونها ويقبضون ثمنها، ويأخذون نسلها، ﴿... ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾٧، ويجرون بها ويحرثون، ويستمتعون برؤيتها حين يمسون ويصبحون ﴿ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ﴾٨، ﴿ ومشارب ﴾ يشربون من لبنها وسمنها، ﴿ أفلا يشكرون ﴾ الله تعالى على ما أولاهم ؟ !-﴿ فهم لها مالكون ﴾ إشارة إلى إتمام الإنعام في خلق الأنعام، وقوله :﴿ وذللناها لهم ﴾ إشارة إلى ما فوق التمام، فقد يملك الشيء ولا يكون مسخرا، ومن الذي يقدر على تذليل الإبل لولا أمر الله بتسخيرها ؟ !حتى قال بعضهم :
[ لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير ]٩
يصرفه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير
والجرير : حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدابة-١٠﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ﴾ ضل سعي المشركين، إذ اتخذوا من دون المعبود بحق، ما ادعوه من أنداد وشركاء لله جل علاه، زاعمين أن هذه الأوثان والطواغيت تدفع عنهم ضرا، أو تقدم لهم خيرا، أو تقربهم من الله زلفى، وذلك هو الضلال المبين، ﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾ إن الذين يدعون من دون الله لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴿ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته... ﴾١١ إنهم لا يملكون نصرة أنفسهم، فكيف يرتجى منهم أن ينصروا غيرهم ؟ !﴿ وهم لهم جند محضرون ﴾ والمشركون لسفههم يدفعون عن معبوديهم، ويجندون أنفسهم لحماية أصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تغني عنهم شيئا.
[ ﴿ واتخذوا من دون الله ﴾ أي : متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة، والنعم الظاهرة، وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها ﴿ آلهة ﴾ من الأصنام، وأشركوها به عز وجل في العبادة ﴿ لعلهم ينصرون ﴾ رجاء أن ينصروا، أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد، أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى :﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾.. استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم، وخيبة رجائهم، وانعكاس تدبيرهم، أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم..... ﴿ وهم ﴾ أي أولئك المتخذون المشركون ﴿ لهم ﴾ أي لآلهتهم ﴿ جند محضرون ﴾ أي معدون لحفظهم والذبّ عنهم في الدنيا ]١٢ –وقيل : الآلهة جند لهم محضرون لهم يوم القيامة لإعانتهم في ظنونهم، وفي الخبر : إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله فيتبعونه إلى النار فهم لهم جند محضرون، قلت : ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، وفي الترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم ربّ العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون ).. -١٣، ﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ فلا يسؤك يا محمد ما يقوله المبطلون، ولا تحزن لما رموك به من السحر والشعر والجنون، ولا تبتئس بتكذيبهم بآياتي، وجحودهم نبوتك، ﴿ إنا نعلم ما يسرون ﴾ من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحود ذلك بألسنتهم علانية، ونعلم ما يسرون من النفاق والحسد والغيظ وسوء الطوية، ﴿ وما يعلنون ﴾ من الشرك والتكذيب والبغي والإيذاء وسائر القبائح.
﴿ وذللناها ﴾ وطوعناها وسخرناها.
﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون( ٧١ )وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون( ٧٢ )ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون٧٣واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون( ٧٤ )لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون( ٧٥ )فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون( ٧٦ ) ﴾.

-
الهمزة للإنكار والتعجيب، والواو للعطف على جملة منفية مقدرة... زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى :﴿ ألم يروا كم أهلكنا... ﴾ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم، وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى :﴿ أنا خلقنا لهم ﴾أي : لأجلهم وانتفاعهم.. -١.
[ قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم ﴾ هذه رؤية القلب، أي : أولم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا ]٢.
مما أورد الألوسي-رحمه الله- : وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف، وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة، أفردت ﴿.. يد الله فوق أيديهم.. ﴾٣أو ثنيت، كـ﴿.. خلقت بيدي.. ﴾٤ أو جمعت كما هنا، بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه، مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه :﴿.. ليس كمثله شيء.. ﴾٥. اهـ.
﴿ أنعاما ﴾ مفعول ﴿ خلقنا ﴾، مما نقل ابن جرير-رحمه الله- عم ابن زيد وقد سئل : أهي الإبل ؟ فقال : نعم، قال : والبقر من الأنعام، وليس بداخلة في هذه الآية، قال : والإبل والبقر والغنم من الأنعام. اهـ.
﴿ فهم لها مالكون ﴾-أي ممتلكون لها بتمليكنا إياهم لها، والفاء، قيل : للتفريع على مقدر، أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها.. وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها٦
﴿ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ﴾ وسخرناها وطوعناها لتنقاد لهم، فمنها يكون مركبهم الذي يركبون عليه تحملهم وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، ﴿ ومنها يأكلون ﴾ ويأكلون من لحمها، وينحرون ويجزرون.
﴿ ولهم فيها منافع ﴾ ويبيعونها ويقبضون ثمنها، ويأخذون نسلها، ﴿... ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾٧، ويجرون بها ويحرثون، ويستمتعون برؤيتها حين يمسون ويصبحون ﴿ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ﴾٨، ﴿ ومشارب ﴾ يشربون من لبنها وسمنها، ﴿ أفلا يشكرون ﴾ الله تعالى على ما أولاهم ؟ !-﴿ فهم لها مالكون ﴾ إشارة إلى إتمام الإنعام في خلق الأنعام، وقوله :﴿ وذللناها لهم ﴾ إشارة إلى ما فوق التمام، فقد يملك الشيء ولا يكون مسخرا، ومن الذي يقدر على تذليل الإبل لولا أمر الله بتسخيرها ؟ !حتى قال بعضهم :
[ لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير ]٩
يصرفه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير
والجرير : حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدابة-١٠﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ﴾ ضل سعي المشركين، إذ اتخذوا من دون المعبود بحق، ما ادعوه من أنداد وشركاء لله جل علاه، زاعمين أن هذه الأوثان والطواغيت تدفع عنهم ضرا، أو تقدم لهم خيرا، أو تقربهم من الله زلفى، وذلك هو الضلال المبين، ﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾ إن الذين يدعون من دون الله لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴿ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته... ﴾١١ إنهم لا يملكون نصرة أنفسهم، فكيف يرتجى منهم أن ينصروا غيرهم ؟ !﴿ وهم لهم جند محضرون ﴾ والمشركون لسفههم يدفعون عن معبوديهم، ويجندون أنفسهم لحماية أصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تغني عنهم شيئا.
[ ﴿ واتخذوا من دون الله ﴾ أي : متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة، والنعم الظاهرة، وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها ﴿ آلهة ﴾ من الأصنام، وأشركوها به عز وجل في العبادة ﴿ لعلهم ينصرون ﴾ رجاء أن ينصروا، أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد، أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى :﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾.. استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم، وخيبة رجائهم، وانعكاس تدبيرهم، أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم..... ﴿ وهم ﴾ أي أولئك المتخذون المشركون ﴿ لهم ﴾ أي لآلهتهم ﴿ جند محضرون ﴾ أي معدون لحفظهم والذبّ عنهم في الدنيا ]١٢ –وقيل : الآلهة جند لهم محضرون لهم يوم القيامة لإعانتهم في ظنونهم، وفي الخبر : إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله فيتبعونه إلى النار فهم لهم جند محضرون، قلت : ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، وفي الترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم ربّ العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون ).. -١٣، ﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ فلا يسؤك يا محمد ما يقوله المبطلون، ولا تحزن لما رموك به من السحر والشعر والجنون، ولا تبتئس بتكذيبهم بآياتي، وجحودهم نبوتك، ﴿ إنا نعلم ما يسرون ﴾ من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحود ذلك بألسنتهم علانية، ونعلم ما يسرون من النفاق والحسد والغيظ وسوء الطوية، ﴿ وما يعلنون ﴾ من الشرك والتكذيب والبغي والإيذاء وسائر القبائح.
﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون( ٧١ )وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون( ٧٢ )ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون٧٣واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون( ٧٤ )لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون( ٧٥ )فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون( ٧٦ ) ﴾.

-
الهمزة للإنكار والتعجيب، والواو للعطف على جملة منفية مقدرة... زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى :﴿ ألم يروا كم أهلكنا... ﴾ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم، وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى :﴿ أنا خلقنا لهم ﴾أي : لأجلهم وانتفاعهم.. -١.
[ قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم ﴾ هذه رؤية القلب، أي : أولم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا ]٢.
مما أورد الألوسي-رحمه الله- : وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف، وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة، أفردت ﴿.. يد الله فوق أيديهم.. ﴾٣أو ثنيت، كـ﴿.. خلقت بيدي.. ﴾٤ أو جمعت كما هنا، بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه، مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه :﴿.. ليس كمثله شيء.. ﴾٥. اهـ.
﴿ أنعاما ﴾ مفعول ﴿ خلقنا ﴾، مما نقل ابن جرير-رحمه الله- عم ابن زيد وقد سئل : أهي الإبل ؟ فقال : نعم، قال : والبقر من الأنعام، وليس بداخلة في هذه الآية، قال : والإبل والبقر والغنم من الأنعام. اهـ.
﴿ فهم لها مالكون ﴾-أي ممتلكون لها بتمليكنا إياهم لها، والفاء، قيل : للتفريع على مقدر، أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها.. وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها٦
﴿ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ﴾ وسخرناها وطوعناها لتنقاد لهم، فمنها يكون مركبهم الذي يركبون عليه تحملهم وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، ﴿ ومنها يأكلون ﴾ ويأكلون من لحمها، وينحرون ويجزرون.
﴿ ولهم فيها منافع ﴾ ويبيعونها ويقبضون ثمنها، ويأخذون نسلها، ﴿... ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾٧، ويجرون بها ويحرثون، ويستمتعون برؤيتها حين يمسون ويصبحون ﴿ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ﴾٨، ﴿ ومشارب ﴾ يشربون من لبنها وسمنها، ﴿ أفلا يشكرون ﴾ الله تعالى على ما أولاهم ؟ !-﴿ فهم لها مالكون ﴾ إشارة إلى إتمام الإنعام في خلق الأنعام، وقوله :﴿ وذللناها لهم ﴾ إشارة إلى ما فوق التمام، فقد يملك الشيء ولا يكون مسخرا، ومن الذي يقدر على تذليل الإبل لولا أمر الله بتسخيرها ؟ !حتى قال بعضهم :
[ لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير ]٩
يصرفه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير
والجرير : حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدابة-١٠﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ﴾ ضل سعي المشركين، إذ اتخذوا من دون المعبود بحق، ما ادعوه من أنداد وشركاء لله جل علاه، زاعمين أن هذه الأوثان والطواغيت تدفع عنهم ضرا، أو تقدم لهم خيرا، أو تقربهم من الله زلفى، وذلك هو الضلال المبين، ﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾ إن الذين يدعون من دون الله لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴿ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته... ﴾١١ إنهم لا يملكون نصرة أنفسهم، فكيف يرتجى منهم أن ينصروا غيرهم ؟ !﴿ وهم لهم جند محضرون ﴾ والمشركون لسفههم يدفعون عن معبوديهم، ويجندون أنفسهم لحماية أصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تغني عنهم شيئا.
[ ﴿ واتخذوا من دون الله ﴾ أي : متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة، والنعم الظاهرة، وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها ﴿ آلهة ﴾ من الأصنام، وأشركوها به عز وجل في العبادة ﴿ لعلهم ينصرون ﴾ رجاء أن ينصروا، أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد، أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى :﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾.. استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم، وخيبة رجائهم، وانعكاس تدبيرهم، أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم..... ﴿ وهم ﴾ أي أولئك المتخذون المشركون ﴿ لهم ﴾ أي لآلهتهم ﴿ جند محضرون ﴾ أي معدون لحفظهم والذبّ عنهم في الدنيا ]١٢ –وقيل : الآلهة جند لهم محضرون لهم يوم القيامة لإعانتهم في ظنونهم، وفي الخبر : إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله فيتبعونه إلى النار فهم لهم جند محضرون، قلت : ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، وفي الترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم ربّ العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون ).. -١٣، ﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ فلا يسؤك يا محمد ما يقوله المبطلون، ولا تحزن لما رموك به من السحر والشعر والجنون، ولا تبتئس بتكذيبهم بآياتي، وجحودهم نبوتك، ﴿ إنا نعلم ما يسرون ﴾ من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحود ذلك بألسنتهم علانية، ونعلم ما يسرون من النفاق والحسد والغيظ وسوء الطوية، ﴿ وما يعلنون ﴾ من الشرك والتكذيب والبغي والإيذاء وسائر القبائح.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١:﴿ أنعاما ﴾ حيوانات وبهائم، أبركها : الإبل والبقر والغنم.
﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون( ٧١ )وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون( ٧٢ )ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون٧٣واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون( ٧٤ )لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون( ٧٥ )فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون( ٧٦ ) ﴾.


-
الهمزة للإنكار والتعجيب، والواو للعطف على جملة منفية مقدرة... زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى :﴿ ألم يروا كم أهلكنا... ﴾ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم، وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى :﴿ أنا خلقنا لهم ﴾أي : لأجلهم وانتفاعهم.. -١.
[ قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم ﴾ هذه رؤية القلب، أي : أولم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا ]٢.
مما أورد الألوسي-رحمه الله- : وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف، وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة، أفردت ﴿.. يد الله فوق أيديهم.. ﴾٣أو ثنيت، كـ﴿.. خلقت بيدي.. ﴾٤ أو جمعت كما هنا، بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه، مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه :﴿.. ليس كمثله شيء.. ﴾٥. اهـ.
﴿ أنعاما ﴾ مفعول ﴿ خلقنا ﴾، مما نقل ابن جرير-رحمه الله- عم ابن زيد وقد سئل : أهي الإبل ؟ فقال : نعم، قال : والبقر من الأنعام، وليس بداخلة في هذه الآية، قال : والإبل والبقر والغنم من الأنعام. اهـ.
﴿ فهم لها مالكون ﴾-أي ممتلكون لها بتمليكنا إياهم لها، والفاء، قيل : للتفريع على مقدر، أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها.. وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها٦
﴿ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ﴾ وسخرناها وطوعناها لتنقاد لهم، فمنها يكون مركبهم الذي يركبون عليه تحملهم وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، ﴿ ومنها يأكلون ﴾ ويأكلون من لحمها، وينحرون ويجزرون.
﴿ ولهم فيها منافع ﴾ ويبيعونها ويقبضون ثمنها، ويأخذون نسلها، ﴿... ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾٧، ويجرون بها ويحرثون، ويستمتعون برؤيتها حين يمسون ويصبحون ﴿ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ﴾٨، ﴿ ومشارب ﴾ يشربون من لبنها وسمنها، ﴿ أفلا يشكرون ﴾ الله تعالى على ما أولاهم ؟ !-﴿ فهم لها مالكون ﴾ إشارة إلى إتمام الإنعام في خلق الأنعام، وقوله :﴿ وذللناها لهم ﴾ إشارة إلى ما فوق التمام، فقد يملك الشيء ولا يكون مسخرا، ومن الذي يقدر على تذليل الإبل لولا أمر الله بتسخيرها ؟ !حتى قال بعضهم :
[ لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير ]٩
يصرفه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير
والجرير : حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدابة-١٠﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ﴾ ضل سعي المشركين، إذ اتخذوا من دون المعبود بحق، ما ادعوه من أنداد وشركاء لله جل علاه، زاعمين أن هذه الأوثان والطواغيت تدفع عنهم ضرا، أو تقدم لهم خيرا، أو تقربهم من الله زلفى، وذلك هو الضلال المبين، ﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾ إن الذين يدعون من دون الله لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴿ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته... ﴾١١ إنهم لا يملكون نصرة أنفسهم، فكيف يرتجى منهم أن ينصروا غيرهم ؟ !﴿ وهم لهم جند محضرون ﴾ والمشركون لسفههم يدفعون عن معبوديهم، ويجندون أنفسهم لحماية أصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تغني عنهم شيئا.
[ ﴿ واتخذوا من دون الله ﴾ أي : متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة، والنعم الظاهرة، وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها ﴿ آلهة ﴾ من الأصنام، وأشركوها به عز وجل في العبادة ﴿ لعلهم ينصرون ﴾ رجاء أن ينصروا، أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد، أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى :﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾.. استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم، وخيبة رجائهم، وانعكاس تدبيرهم، أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم..... ﴿ وهم ﴾ أي أولئك المتخذون المشركون ﴿ لهم ﴾ أي لآلهتهم ﴿ جند محضرون ﴾ أي معدون لحفظهم والذبّ عنهم في الدنيا ]١٢ –وقيل : الآلهة جند لهم محضرون لهم يوم القيامة لإعانتهم في ظنونهم، وفي الخبر : إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله فيتبعونه إلى النار فهم لهم جند محضرون، قلت : ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، وفي الترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم ربّ العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون ).. -١٣، ﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ فلا يسؤك يا محمد ما يقوله المبطلون، ولا تحزن لما رموك به من السحر والشعر والجنون، ولا تبتئس بتكذيبهم بآياتي، وجحودهم نبوتك، ﴿ إنا نعلم ما يسرون ﴾ من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحود ذلك بألسنتهم علانية، ونعلم ما يسرون من النفاق والحسد والغيظ وسوء الطوية، ﴿ وما يعلنون ﴾ من الشرك والتكذيب والبغي والإيذاء وسائر القبائح.

﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون( ٧١ )وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون( ٧٢ )ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون٧٣واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون( ٧٤ )لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون( ٧٥ )فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون( ٧٦ ) ﴾.

-
الهمزة للإنكار والتعجيب، والواو للعطف على جملة منفية مقدرة... زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى :﴿ ألم يروا كم أهلكنا... ﴾ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم، وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى :﴿ أنا خلقنا لهم ﴾أي : لأجلهم وانتفاعهم.. -١.
[ قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم ﴾ هذه رؤية القلب، أي : أولم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا ]٢.
مما أورد الألوسي-رحمه الله- : وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف، وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة، أفردت ﴿.. يد الله فوق أيديهم.. ﴾٣أو ثنيت، كـ﴿.. خلقت بيدي.. ﴾٤ أو جمعت كما هنا، بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه، مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه :﴿.. ليس كمثله شيء.. ﴾٥. اهـ.
﴿ أنعاما ﴾ مفعول ﴿ خلقنا ﴾، مما نقل ابن جرير-رحمه الله- عم ابن زيد وقد سئل : أهي الإبل ؟ فقال : نعم، قال : والبقر من الأنعام، وليس بداخلة في هذه الآية، قال : والإبل والبقر والغنم من الأنعام. اهـ.
﴿ فهم لها مالكون ﴾-أي ممتلكون لها بتمليكنا إياهم لها، والفاء، قيل : للتفريع على مقدر، أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها.. وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها٦
﴿ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ﴾ وسخرناها وطوعناها لتنقاد لهم، فمنها يكون مركبهم الذي يركبون عليه تحملهم وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، ﴿ ومنها يأكلون ﴾ ويأكلون من لحمها، وينحرون ويجزرون.
﴿ ولهم فيها منافع ﴾ ويبيعونها ويقبضون ثمنها، ويأخذون نسلها، ﴿... ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾٧، ويجرون بها ويحرثون، ويستمتعون برؤيتها حين يمسون ويصبحون ﴿ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ﴾٨، ﴿ ومشارب ﴾ يشربون من لبنها وسمنها، ﴿ أفلا يشكرون ﴾ الله تعالى على ما أولاهم ؟ !-﴿ فهم لها مالكون ﴾ إشارة إلى إتمام الإنعام في خلق الأنعام، وقوله :﴿ وذللناها لهم ﴾ إشارة إلى ما فوق التمام، فقد يملك الشيء ولا يكون مسخرا، ومن الذي يقدر على تذليل الإبل لولا أمر الله بتسخيرها ؟ !حتى قال بعضهم :
[ لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير ]٩
يصرفه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير
والجرير : حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدابة-١٠﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ﴾ ضل سعي المشركين، إذ اتخذوا من دون المعبود بحق، ما ادعوه من أنداد وشركاء لله جل علاه، زاعمين أن هذه الأوثان والطواغيت تدفع عنهم ضرا، أو تقدم لهم خيرا، أو تقربهم من الله زلفى، وذلك هو الضلال المبين، ﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾ إن الذين يدعون من دون الله لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴿ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته... ﴾١١ إنهم لا يملكون نصرة أنفسهم، فكيف يرتجى منهم أن ينصروا غيرهم ؟ !﴿ وهم لهم جند محضرون ﴾ والمشركون لسفههم يدفعون عن معبوديهم، ويجندون أنفسهم لحماية أصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تغني عنهم شيئا.
[ ﴿ واتخذوا من دون الله ﴾ أي : متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة، والنعم الظاهرة، وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها ﴿ آلهة ﴾ من الأصنام، وأشركوها به عز وجل في العبادة ﴿ لعلهم ينصرون ﴾ رجاء أن ينصروا، أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد، أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى :﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾.. استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم، وخيبة رجائهم، وانعكاس تدبيرهم، أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم..... ﴿ وهم ﴾ أي أولئك المتخذون المشركون ﴿ لهم ﴾ أي لآلهتهم ﴿ جند محضرون ﴾ أي معدون لحفظهم والذبّ عنهم في الدنيا ]١٢ –وقيل : الآلهة جند لهم محضرون لهم يوم القيامة لإعانتهم في ظنونهم، وفي الخبر : إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله فيتبعونه إلى النار فهم لهم جند محضرون، قلت : ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، وفي الترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم ربّ العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون ).. -١٣، ﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ فلا يسؤك يا محمد ما يقوله المبطلون، ولا تحزن لما رموك به من السحر والشعر والجنون، ولا تبتئس بتكذيبهم بآياتي، وجحودهم نبوتك، ﴿ إنا نعلم ما يسرون ﴾ من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحود ذلك بألسنتهم علانية، ونعلم ما يسرون من النفاق والحسد والغيظ وسوء الطوية، ﴿ وما يعلنون ﴾ من الشرك والتكذيب والبغي والإيذاء وسائر القبائح.
﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون( ٧١ )وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون( ٧٢ )ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون٧٣واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون( ٧٤ )لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون( ٧٥ )فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون( ٧٦ ) ﴾.

-
الهمزة للإنكار والتعجيب، والواو للعطف على جملة منفية مقدرة... زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى :﴿ ألم يروا كم أهلكنا... ﴾ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم، وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى :﴿ أنا خلقنا لهم ﴾أي : لأجلهم وانتفاعهم.. -١.
[ قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم ﴾ هذه رؤية القلب، أي : أولم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا ]٢.
مما أورد الألوسي-رحمه الله- : وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف، وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة، أفردت ﴿.. يد الله فوق أيديهم.. ﴾٣أو ثنيت، كـ﴿.. خلقت بيدي.. ﴾٤ أو جمعت كما هنا، بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه، مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه :﴿.. ليس كمثله شيء.. ﴾٥. اهـ.
﴿ أنعاما ﴾ مفعول ﴿ خلقنا ﴾، مما نقل ابن جرير-رحمه الله- عم ابن زيد وقد سئل : أهي الإبل ؟ فقال : نعم، قال : والبقر من الأنعام، وليس بداخلة في هذه الآية، قال : والإبل والبقر والغنم من الأنعام. اهـ.
﴿ فهم لها مالكون ﴾-أي ممتلكون لها بتمليكنا إياهم لها، والفاء، قيل : للتفريع على مقدر، أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها.. وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها٦
﴿ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ﴾ وسخرناها وطوعناها لتنقاد لهم، فمنها يكون مركبهم الذي يركبون عليه تحملهم وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، ﴿ ومنها يأكلون ﴾ ويأكلون من لحمها، وينحرون ويجزرون.
﴿ ولهم فيها منافع ﴾ ويبيعونها ويقبضون ثمنها، ويأخذون نسلها، ﴿... ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾٧، ويجرون بها ويحرثون، ويستمتعون برؤيتها حين يمسون ويصبحون ﴿ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ﴾٨، ﴿ ومشارب ﴾ يشربون من لبنها وسمنها، ﴿ أفلا يشكرون ﴾ الله تعالى على ما أولاهم ؟ !-﴿ فهم لها مالكون ﴾ إشارة إلى إتمام الإنعام في خلق الأنعام، وقوله :﴿ وذللناها لهم ﴾ إشارة إلى ما فوق التمام، فقد يملك الشيء ولا يكون مسخرا، ومن الذي يقدر على تذليل الإبل لولا أمر الله بتسخيرها ؟ !حتى قال بعضهم :
[ لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير ]٩
يصرفه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير
والجرير : حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدابة-١٠﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ﴾ ضل سعي المشركين، إذ اتخذوا من دون المعبود بحق، ما ادعوه من أنداد وشركاء لله جل علاه، زاعمين أن هذه الأوثان والطواغيت تدفع عنهم ضرا، أو تقدم لهم خيرا، أو تقربهم من الله زلفى، وذلك هو الضلال المبين، ﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾ إن الذين يدعون من دون الله لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴿ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته... ﴾١١ إنهم لا يملكون نصرة أنفسهم، فكيف يرتجى منهم أن ينصروا غيرهم ؟ !﴿ وهم لهم جند محضرون ﴾ والمشركون لسفههم يدفعون عن معبوديهم، ويجندون أنفسهم لحماية أصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تغني عنهم شيئا.
[ ﴿ واتخذوا من دون الله ﴾ أي : متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة، والنعم الظاهرة، وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها ﴿ آلهة ﴾ من الأصنام، وأشركوها به عز وجل في العبادة ﴿ لعلهم ينصرون ﴾ رجاء أن ينصروا، أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد، أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى :﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾.. استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم، وخيبة رجائهم، وانعكاس تدبيرهم، أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم..... ﴿ وهم ﴾ أي أولئك المتخذون المشركون ﴿ لهم ﴾ أي لآلهتهم ﴿ جند محضرون ﴾ أي معدون لحفظهم والذبّ عنهم في الدنيا ]١٢ –وقيل : الآلهة جند لهم محضرون لهم يوم القيامة لإعانتهم في ظنونهم، وفي الخبر : إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله فيتبعونه إلى النار فهم لهم جند محضرون، قلت : ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، وفي الترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم ربّ العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون ).. -١٣، ﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ فلا يسؤك يا محمد ما يقوله المبطلون، ولا تحزن لما رموك به من السحر والشعر والجنون، ولا تبتئس بتكذيبهم بآياتي، وجحودهم نبوتك، ﴿ إنا نعلم ما يسرون ﴾ من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحود ذلك بألسنتهم علانية، ونعلم ما يسرون من النفاق والحسد والغيظ وسوء الطوية، ﴿ وما يعلنون ﴾ من الشرك والتكذيب والبغي والإيذاء وسائر القبائح.
﴿ ير ﴾يتفكر ويعلم.
﴿ نطفة ﴾ أصلها في اللغة : القليل من الماء، ويراد بها الماء الدافق من كل رجل حين يقضي شهوته، ومنها يكون الولد.
﴿ خصيم ﴾ مبالغ في الخصومة والجدال الباطل.
﴿ مبين ﴾ ظاهر متجاهر.
﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين( ٧٧ )وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم( ٧٨ )قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم( ٧٩ )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون( ٨٠ )أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم( ٨١ )إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ٨٢ )فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون( ٨٣ ) ﴾.
الآيات الست السابقات من الآية٧١وحتى الآية السادسة والسبعين بينت بطلان إشراكهم بالله عز وجل، بعدما عاينوا ما يوجب التوحيد والإسلام :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما.. ﴾ ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون. واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم.. ﴾ الآيات، ثم جاءت هذه التي ختم الله تعالى بها السورة المباركة لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب اليقين الراسخ به، أي : أولم يتفكر الإنسان ويعلم أنا أوجدناه من شيء يسير مهين من ماء دافق، من مني يمنيه الرجل فيقر الله تعالى منه ما يشاء في رحم المرأة، ثم يطوره العليم القدير فيكون علقة ثم مضغة، ثم يكون عظما ثم يكسوا اللطيف الخبير العظم لحما، ثم يصوره سبحانه كيف يشاء، ثم يخرجه طفلا، ويهبه السمع والبصر والعقل، ويمنحه ما قسم له من عطاء. ورزق ؟ !أولم يتفكر هذا الإنسان في أحوال نفسه، فيتذكر نشأته لينقاد ويخضع ؟ ! فالاستفهام هنا للإنكار والتعجيب، ﴿ فإذا هو خصيم ﴾ الفاء وإذا الفجائية تقوي التعجيب ؛ و﴿ خصيم ﴾ أي : مبالغ في الخصومة والجدال بالباطل ﴿ مبين ﴾ ظاهر متجاهر في ذلك، -أي : أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ؟ ! فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين... فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ !_١. ﴿ وضرب ﴾ وأورد وساق لنبينا ﴿ مثلا ﴾ شأنا عجيبا وقصة غريبة، هذا الإنسان الذي غفل عن بدايته استبعد البعث والإعادة والقضاء والجزاء حتى قال ما حكاه رب العزة والجلال :﴿.. وما أظن الساعة قائمة.. ﴾٢ ﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. ﴾٣، ﴿ ونسي خلقه ﴾ وترك التذكر في نشأته، وصار كالناس لها لعدم جريه على ما يستوجبه التفكر والعلم، ﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾.
[ ﴿ قال ﴾ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل، كأنه قيل : أي مثل ضرب ؟ أو : ماذا قال ؟ فقيل :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ منكرا ذلك، ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد، وهي كونها رميما، أي بالية أشد البلى، والظاهر أن﴿ رميم ﴾ صفة لا اسم جامد، فإن كان من رمّ اللازم بمعنى : بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فألحق بالأسماء الجامدة... لم يقل : رميمة، لأنه معدول عن فاعلة، فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله ﴿ بغيا ﴾ في قوله تعالى :﴿.. وما كانت أمك بغيا ﴾٤ أسقط الهاء منها لأنها مصروفة عن باغية... وإن كان من رم المتعدي بمعنى : أبلى.. وأصل معناه الأكل.. من رمت الإبل الحشيش فكأن ما بلى أكلته الأرض.. وتذكيره على هذا ظاهر، للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث.. ]٥.
﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾ علم الله تعالى نبيه وعلمنا حجته على منكري الإحياء بعد الإماتة، وأن الذي خلق العظام والأجساد التي كانت فيها، هو الذي يخرجها من القبور بعد أن بليت ويحييها، وقد علم ما تنقص الأرض من الموتى، قال أهل البيان : سمى قولهم :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ :﴿ مثلا ﴾ لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة، وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة، الجاهل بما يجري عليه من الأحوال...
واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول، فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانا مختلف الأبعاض والأعضاء، مودعا فيه : الفهم والعقل، وسائر أسباب المزيّة، فهو على إعادتها أقدر، ومنهم من ذكر شبهة كقولهم : إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد ؟ !.. فأجاب الله تعالى.. بقوله :﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا فإنه يعيده وإن لم يكن شيئا.... ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ فيجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع والسباع، وهكذا يعلم الأصلي من الفضلي.. -٦.
﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾ ﴿ والذي ﴾ بدل من الموصول ﴿ الذي ﴾ الأول، صير الله تعالى-الذي أحياكم أول مرة-صير ويسر لكم من الشجر الندي الرطب المخضر المكتنز الماء نارا حارة، فأخرج المحرق من العود الغض الطري، [ والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار، يتخذ من المرخ.. الزند.. ومن العفار.... ويسحق الأول على الثاني وهما خضروان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى...
وعن ابن عباس والكلبي : في كل شجر نار إلا العناب... وأنشد الخفاجي لنفسه :
أيا شجر العناب نارك أوقدت بقلبي وما العناب من شجر النار
واشتهر العموم وعدم الاستثناء، ففي المثل : في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي : استكثرا من النار.... واختار بعضهم حمل ﴿ الشجر الأخضر ﴾ على الجنس، وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا، وأكثر نارا، كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل : المرخ والعفار لا يلدان غير النار.. وأشار سبحانه بقوله ﴿ الذي ﴾ الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته، فإن الماء بارد رطب، والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلى... ]٧، ﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ﴾ أليس الذي أنشأ أول مرة أوليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا، الذي خلق السماوات والأرض- وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس- أوليس ذلك بقادر على أن يخلق مثل هؤلاء المنكرين للحشر، ومثل الأناسي، ومثل سائر الخلق ؟ !﴿ بلى ﴾ إنه على ذلك وعلى كل ما أراد لقدير، وهذه الآية كقوله تبارك اسمه :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾٨.
﴿ وهو الخلاق العليم ﴾ كثير خلقه، بديع صنعه، يخلق ما يشاء، وخلقه عجيب كما وكيفا فهو الفعال لما يريد وهو العليم بكل ما خلق ويخلق، لا تخفى عليه خافية، -ومثل لنا شبها بقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد- يقول فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ﴿ ونسي خلقه ﴾ يقول : ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة فجعلناها خلقا سويا ناطقا-يقول : فلم يفكر في خلقنا له فيعلم أن من خلقه من نطفة حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا لا يعجز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرميم بشرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء- يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهذا المشرك القائل لك :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ !﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يقول : يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ يقول : وهو بجميع خلقه ذو علم، كيف يميت وكيف يحيي، وكيف يبدئ وكيف يعيد، لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه-٩.
﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ يأمر سبحانه بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد، وهذه كالآية المباركة :﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾١٠.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ﴾ فتنزه وتقدس الملك المهيمن الذي له السلطان والتدبير، وله مقاليد جميع الأمور.
﴿ وإليه ترجعون ﴾ وإليه عز وجل تردون، تحيون بعد موتكم وعلى ربكم تعرضون، وعما عملتم تسألون وتحاسبون، وتجزون فمنكم معذب، وأهل اليقين لهم عند ربهم ما يشاءون، في الصحيحين ( أن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا متّ- : أو : أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذرّوا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح-أي كثير الهواء-ففعلوا ذلك فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت قال مخافتك وأنت تعلم فما تلافاه أن غفر له )١١. [ والملكوت مبالغة في الملك.. فهو الملك التام١٢.. وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب، فتخصيصه بالذكر قيل : لاختصاص التعرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة... ﴿ وإليه ترجعون ﴾ لا إلى غيره تعالى، وهذا وعد للمقربين، ووعيد للمنكرين، فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين...
﴿ ضرب ﴾ أورد، وساق.
﴿ مثلا ﴾ شأنا عجيبا، وقصة غريبة.
﴿ رميم ﴾ بليت أشد البلى.
﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين( ٧٧ )وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم( ٧٨ )قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم( ٧٩ )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون( ٨٠ )أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم( ٨١ )إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ٨٢ )فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون( ٨٣ ) ﴾.
الآيات الست السابقات من الآية٧١وحتى الآية السادسة والسبعين بينت بطلان إشراكهم بالله عز وجل، بعدما عاينوا ما يوجب التوحيد والإسلام :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما.. ﴾ ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون. واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم.. ﴾ الآيات، ثم جاءت هذه التي ختم الله تعالى بها السورة المباركة لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب اليقين الراسخ به، أي : أولم يتفكر الإنسان ويعلم أنا أوجدناه من شيء يسير مهين من ماء دافق، من مني يمنيه الرجل فيقر الله تعالى منه ما يشاء في رحم المرأة، ثم يطوره العليم القدير فيكون علقة ثم مضغة، ثم يكون عظما ثم يكسوا اللطيف الخبير العظم لحما، ثم يصوره سبحانه كيف يشاء، ثم يخرجه طفلا، ويهبه السمع والبصر والعقل، ويمنحه ما قسم له من عطاء. ورزق ؟ !أولم يتفكر هذا الإنسان في أحوال نفسه، فيتذكر نشأته لينقاد ويخضع ؟ ! فالاستفهام هنا للإنكار والتعجيب، ﴿ فإذا هو خصيم ﴾ الفاء وإذا الفجائية تقوي التعجيب ؛ و﴿ خصيم ﴾ أي : مبالغ في الخصومة والجدال بالباطل ﴿ مبين ﴾ ظاهر متجاهر في ذلك، -أي : أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ؟ ! فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين... فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ !_١. ﴿ وضرب ﴾ وأورد وساق لنبينا ﴿ مثلا ﴾ شأنا عجيبا وقصة غريبة، هذا الإنسان الذي غفل عن بدايته استبعد البعث والإعادة والقضاء والجزاء حتى قال ما حكاه رب العزة والجلال :﴿.. وما أظن الساعة قائمة.. ﴾٢ ﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. ﴾٣، ﴿ ونسي خلقه ﴾ وترك التذكر في نشأته، وصار كالناس لها لعدم جريه على ما يستوجبه التفكر والعلم، ﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾.
[ ﴿ قال ﴾ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل، كأنه قيل : أي مثل ضرب ؟ أو : ماذا قال ؟ فقيل :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ منكرا ذلك، ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد، وهي كونها رميما، أي بالية أشد البلى، والظاهر أن﴿ رميم ﴾ صفة لا اسم جامد، فإن كان من رمّ اللازم بمعنى : بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فألحق بالأسماء الجامدة... لم يقل : رميمة، لأنه معدول عن فاعلة، فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله ﴿ بغيا ﴾ في قوله تعالى :﴿.. وما كانت أمك بغيا ﴾٤ أسقط الهاء منها لأنها مصروفة عن باغية... وإن كان من رم المتعدي بمعنى : أبلى.. وأصل معناه الأكل.. من رمت الإبل الحشيش فكأن ما بلى أكلته الأرض.. وتذكيره على هذا ظاهر، للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث.. ]٥.
﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾ علم الله تعالى نبيه وعلمنا حجته على منكري الإحياء بعد الإماتة، وأن الذي خلق العظام والأجساد التي كانت فيها، هو الذي يخرجها من القبور بعد أن بليت ويحييها، وقد علم ما تنقص الأرض من الموتى، قال أهل البيان : سمى قولهم :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ :﴿ مثلا ﴾ لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة، وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة، الجاهل بما يجري عليه من الأحوال...
واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول، فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانا مختلف الأبعاض والأعضاء، مودعا فيه : الفهم والعقل، وسائر أسباب المزيّة، فهو على إعادتها أقدر، ومنهم من ذكر شبهة كقولهم : إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد ؟ !.. فأجاب الله تعالى.. بقوله :﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا فإنه يعيده وإن لم يكن شيئا.... ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ فيجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع والسباع، وهكذا يعلم الأصلي من الفضلي.. -٦.
﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾ ﴿ والذي ﴾ بدل من الموصول ﴿ الذي ﴾ الأول، صير الله تعالى-الذي أحياكم أول مرة-صير ويسر لكم من الشجر الندي الرطب المخضر المكتنز الماء نارا حارة، فأخرج المحرق من العود الغض الطري، [ والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار، يتخذ من المرخ.. الزند.. ومن العفار.... ويسحق الأول على الثاني وهما خضروان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى...
وعن ابن عباس والكلبي : في كل شجر نار إلا العناب... وأنشد الخفاجي لنفسه :
أيا شجر العناب نارك أوقدت بقلبي وما العناب من شجر النار
واشتهر العموم وعدم الاستثناء، ففي المثل : في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي : استكثرا من النار.... واختار بعضهم حمل ﴿ الشجر الأخضر ﴾ على الجنس، وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا، وأكثر نارا، كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل : المرخ والعفار لا يلدان غير النار.. وأشار سبحانه بقوله ﴿ الذي ﴾ الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته، فإن الماء بارد رطب، والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلى... ]٧، ﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ﴾ أليس الذي أنشأ أول مرة أوليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا، الذي خلق السماوات والأرض- وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس- أوليس ذلك بقادر على أن يخلق مثل هؤلاء المنكرين للحشر، ومثل الأناسي، ومثل سائر الخلق ؟ !﴿ بلى ﴾ إنه على ذلك وعلى كل ما أراد لقدير، وهذه الآية كقوله تبارك اسمه :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾٨.
﴿ وهو الخلاق العليم ﴾ كثير خلقه، بديع صنعه، يخلق ما يشاء، وخلقه عجيب كما وكيفا فهو الفعال لما يريد وهو العليم بكل ما خلق ويخلق، لا تخفى عليه خافية، -ومثل لنا شبها بقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد- يقول فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ﴿ ونسي خلقه ﴾ يقول : ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة فجعلناها خلقا سويا ناطقا-يقول : فلم يفكر في خلقنا له فيعلم أن من خلقه من نطفة حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا لا يعجز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرميم بشرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء- يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهذا المشرك القائل لك :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ !﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يقول : يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ يقول : وهو بجميع خلقه ذو علم، كيف يميت وكيف يحيي، وكيف يبدئ وكيف يعيد، لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه-٩.
﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ يأمر سبحانه بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد، وهذه كالآية المباركة :﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾١٠.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ﴾ فتنزه وتقدس الملك المهيمن الذي له السلطان والتدبير، وله مقاليد جميع الأمور.
﴿ وإليه ترجعون ﴾ وإليه عز وجل تردون، تحيون بعد موتكم وعلى ربكم تعرضون، وعما عملتم تسألون وتحاسبون، وتجزون فمنكم معذب، وأهل اليقين لهم عند ربهم ما يشاءون، في الصحيحين ( أن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا متّ- : أو : أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذرّوا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح-أي كثير الهواء-ففعلوا ذلك فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت قال مخافتك وأنت تعلم فما تلافاه أن غفر له )١١. [ والملكوت مبالغة في الملك.. فهو الملك التام١٢.. وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب، فتخصيصه بالذكر قيل : لاختصاص التعرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة... ﴿ وإليه ترجعون ﴾ لا إلى غيره تعالى، وهذا وعد للمقربين، ووعيد للمنكرين، فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين...
﴿ خلق ﴾ مخلوق.
﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين( ٧٧ )وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم( ٧٨ )قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم( ٧٩ )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون( ٨٠ )أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم( ٨١ )إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ٨٢ )فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون( ٨٣ ) ﴾.
الآيات الست السابقات من الآية٧١وحتى الآية السادسة والسبعين بينت بطلان إشراكهم بالله عز وجل، بعدما عاينوا ما يوجب التوحيد والإسلام :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما.. ﴾ ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون. واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم.. ﴾ الآيات، ثم جاءت هذه التي ختم الله تعالى بها السورة المباركة لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب اليقين الراسخ به، أي : أولم يتفكر الإنسان ويعلم أنا أوجدناه من شيء يسير مهين من ماء دافق، من مني يمنيه الرجل فيقر الله تعالى منه ما يشاء في رحم المرأة، ثم يطوره العليم القدير فيكون علقة ثم مضغة، ثم يكون عظما ثم يكسوا اللطيف الخبير العظم لحما، ثم يصوره سبحانه كيف يشاء، ثم يخرجه طفلا، ويهبه السمع والبصر والعقل، ويمنحه ما قسم له من عطاء. ورزق ؟ !أولم يتفكر هذا الإنسان في أحوال نفسه، فيتذكر نشأته لينقاد ويخضع ؟ ! فالاستفهام هنا للإنكار والتعجيب، ﴿ فإذا هو خصيم ﴾ الفاء وإذا الفجائية تقوي التعجيب ؛ و﴿ خصيم ﴾ أي : مبالغ في الخصومة والجدال بالباطل ﴿ مبين ﴾ ظاهر متجاهر في ذلك، -أي : أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ؟ ! فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين... فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ !_١. ﴿ وضرب ﴾ وأورد وساق لنبينا ﴿ مثلا ﴾ شأنا عجيبا وقصة غريبة، هذا الإنسان الذي غفل عن بدايته استبعد البعث والإعادة والقضاء والجزاء حتى قال ما حكاه رب العزة والجلال :﴿.. وما أظن الساعة قائمة.. ﴾٢ ﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. ﴾٣، ﴿ ونسي خلقه ﴾ وترك التذكر في نشأته، وصار كالناس لها لعدم جريه على ما يستوجبه التفكر والعلم، ﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾.
[ ﴿ قال ﴾ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل، كأنه قيل : أي مثل ضرب ؟ أو : ماذا قال ؟ فقيل :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ منكرا ذلك، ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد، وهي كونها رميما، أي بالية أشد البلى، والظاهر أن﴿ رميم ﴾ صفة لا اسم جامد، فإن كان من رمّ اللازم بمعنى : بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فألحق بالأسماء الجامدة... لم يقل : رميمة، لأنه معدول عن فاعلة، فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله ﴿ بغيا ﴾ في قوله تعالى :﴿.. وما كانت أمك بغيا ﴾٤ أسقط الهاء منها لأنها مصروفة عن باغية... وإن كان من رم المتعدي بمعنى : أبلى.. وأصل معناه الأكل.. من رمت الإبل الحشيش فكأن ما بلى أكلته الأرض.. وتذكيره على هذا ظاهر، للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث.. ]٥.
﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾ علم الله تعالى نبيه وعلمنا حجته على منكري الإحياء بعد الإماتة، وأن الذي خلق العظام والأجساد التي كانت فيها، هو الذي يخرجها من القبور بعد أن بليت ويحييها، وقد علم ما تنقص الأرض من الموتى، قال أهل البيان : سمى قولهم :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ :﴿ مثلا ﴾ لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة، وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة، الجاهل بما يجري عليه من الأحوال...
واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول، فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانا مختلف الأبعاض والأعضاء، مودعا فيه : الفهم والعقل، وسائر أسباب المزيّة، فهو على إعادتها أقدر، ومنهم من ذكر شبهة كقولهم : إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد ؟ !.. فأجاب الله تعالى.. بقوله :﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا فإنه يعيده وإن لم يكن شيئا.... ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ فيجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع والسباع، وهكذا يعلم الأصلي من الفضلي.. -٦.
﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾ ﴿ والذي ﴾ بدل من الموصول ﴿ الذي ﴾ الأول، صير الله تعالى-الذي أحياكم أول مرة-صير ويسر لكم من الشجر الندي الرطب المخضر المكتنز الماء نارا حارة، فأخرج المحرق من العود الغض الطري، [ والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار، يتخذ من المرخ.. الزند.. ومن العفار.... ويسحق الأول على الثاني وهما خضروان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى...
وعن ابن عباس والكلبي : في كل شجر نار إلا العناب... وأنشد الخفاجي لنفسه :
أيا شجر العناب نارك أوقدت بقلبي وما العناب من شجر النار
واشتهر العموم وعدم الاستثناء، ففي المثل : في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي : استكثرا من النار.... واختار بعضهم حمل ﴿ الشجر الأخضر ﴾ على الجنس، وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا، وأكثر نارا، كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل : المرخ والعفار لا يلدان غير النار.. وأشار سبحانه بقوله ﴿ الذي ﴾ الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته، فإن الماء بارد رطب، والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلى... ]٧، ﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ﴾ أليس الذي أنشأ أول مرة أوليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا، الذي خلق السماوات والأرض- وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس- أوليس ذلك بقادر على أن يخلق مثل هؤلاء المنكرين للحشر، ومثل الأناسي، ومثل سائر الخلق ؟ !﴿ بلى ﴾ إنه على ذلك وعلى كل ما أراد لقدير، وهذه الآية كقوله تبارك اسمه :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾٨.
﴿ وهو الخلاق العليم ﴾ كثير خلقه، بديع صنعه، يخلق ما يشاء، وخلقه عجيب كما وكيفا فهو الفعال لما يريد وهو العليم بكل ما خلق ويخلق، لا تخفى عليه خافية، -ومثل لنا شبها بقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد- يقول فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ﴿ ونسي خلقه ﴾ يقول : ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة فجعلناها خلقا سويا ناطقا-يقول : فلم يفكر في خلقنا له فيعلم أن من خلقه من نطفة حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا لا يعجز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرميم بشرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء- يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهذا المشرك القائل لك :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ !﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يقول : يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ يقول : وهو بجميع خلقه ذو علم، كيف يميت وكيف يحيي، وكيف يبدئ وكيف يعيد، لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه-٩.
﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ يأمر سبحانه بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد، وهذه كالآية المباركة :﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾١٠.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ﴾ فتنزه وتقدس الملك المهيمن الذي له السلطان والتدبير، وله مقاليد جميع الأمور.
﴿ وإليه ترجعون ﴾ وإليه عز وجل تردون، تحيون بعد موتكم وعلى ربكم تعرضون، وعما عملتم تسألون وتحاسبون، وتجزون فمنكم معذب، وأهل اليقين لهم عند ربهم ما يشاءون، في الصحيحين ( أن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا متّ- : أو : أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذرّوا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح-أي كثير الهواء-ففعلوا ذلك فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت قال مخافتك وأنت تعلم فما تلافاه أن غفر له )١١. [ والملكوت مبالغة في الملك.. فهو الملك التام١٢.. وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب، فتخصيصه بالذكر قيل : لاختصاص التعرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة... ﴿ وإليه ترجعون ﴾ لا إلى غيره تعالى، وهذا وعد للمقربين، ووعيد للمنكرين، فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين...
﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين( ٧٧ )وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم( ٧٨ )قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم( ٧٩ )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون( ٨٠ )أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم( ٨١ )إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ٨٢ )فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون( ٨٣ ) ﴾.
الآيات الست السابقات من الآية٧١وحتى الآية السادسة والسبعين بينت بطلان إشراكهم بالله عز وجل، بعدما عاينوا ما يوجب التوحيد والإسلام :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما.. ﴾ ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون. واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم.. ﴾ الآيات، ثم جاءت هذه التي ختم الله تعالى بها السورة المباركة لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب اليقين الراسخ به، أي : أولم يتفكر الإنسان ويعلم أنا أوجدناه من شيء يسير مهين من ماء دافق، من مني يمنيه الرجل فيقر الله تعالى منه ما يشاء في رحم المرأة، ثم يطوره العليم القدير فيكون علقة ثم مضغة، ثم يكون عظما ثم يكسوا اللطيف الخبير العظم لحما، ثم يصوره سبحانه كيف يشاء، ثم يخرجه طفلا، ويهبه السمع والبصر والعقل، ويمنحه ما قسم له من عطاء. ورزق ؟ !أولم يتفكر هذا الإنسان في أحوال نفسه، فيتذكر نشأته لينقاد ويخضع ؟ ! فالاستفهام هنا للإنكار والتعجيب، ﴿ فإذا هو خصيم ﴾ الفاء وإذا الفجائية تقوي التعجيب ؛ و﴿ خصيم ﴾ أي : مبالغ في الخصومة والجدال بالباطل ﴿ مبين ﴾ ظاهر متجاهر في ذلك، -أي : أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ؟ ! فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين... فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ !_١. ﴿ وضرب ﴾ وأورد وساق لنبينا ﴿ مثلا ﴾ شأنا عجيبا وقصة غريبة، هذا الإنسان الذي غفل عن بدايته استبعد البعث والإعادة والقضاء والجزاء حتى قال ما حكاه رب العزة والجلال :﴿.. وما أظن الساعة قائمة.. ﴾٢ ﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. ﴾٣، ﴿ ونسي خلقه ﴾ وترك التذكر في نشأته، وصار كالناس لها لعدم جريه على ما يستوجبه التفكر والعلم، ﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾.
[ ﴿ قال ﴾ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل، كأنه قيل : أي مثل ضرب ؟ أو : ماذا قال ؟ فقيل :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ منكرا ذلك، ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد، وهي كونها رميما، أي بالية أشد البلى، والظاهر أن﴿ رميم ﴾ صفة لا اسم جامد، فإن كان من رمّ اللازم بمعنى : بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فألحق بالأسماء الجامدة... لم يقل : رميمة، لأنه معدول عن فاعلة، فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله ﴿ بغيا ﴾ في قوله تعالى :﴿.. وما كانت أمك بغيا ﴾٤ أسقط الهاء منها لأنها مصروفة عن باغية... وإن كان من رم المتعدي بمعنى : أبلى.. وأصل معناه الأكل.. من رمت الإبل الحشيش فكأن ما بلى أكلته الأرض.. وتذكيره على هذا ظاهر، للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث.. ]٥.
﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾ علم الله تعالى نبيه وعلمنا حجته على منكري الإحياء بعد الإماتة، وأن الذي خلق العظام والأجساد التي كانت فيها، هو الذي يخرجها من القبور بعد أن بليت ويحييها، وقد علم ما تنقص الأرض من الموتى، قال أهل البيان : سمى قولهم :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ :﴿ مثلا ﴾ لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة، وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة، الجاهل بما يجري عليه من الأحوال...
واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول، فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانا مختلف الأبعاض والأعضاء، مودعا فيه : الفهم والعقل، وسائر أسباب المزيّة، فهو على إعادتها أقدر، ومنهم من ذكر شبهة كقولهم : إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد ؟ !.. فأجاب الله تعالى.. بقوله :﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا فإنه يعيده وإن لم يكن شيئا.... ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ فيجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع والسباع، وهكذا يعلم الأصلي من الفضلي.. -٦.
﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾ ﴿ والذي ﴾ بدل من الموصول ﴿ الذي ﴾ الأول، صير الله تعالى-الذي أحياكم أول مرة-صير ويسر لكم من الشجر الندي الرطب المخضر المكتنز الماء نارا حارة، فأخرج المحرق من العود الغض الطري، [ والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار، يتخذ من المرخ.. الزند.. ومن العفار.... ويسحق الأول على الثاني وهما خضروان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى...
وعن ابن عباس والكلبي : في كل شجر نار إلا العناب... وأنشد الخفاجي لنفسه :
أيا شجر العناب نارك أوقدت بقلبي وما العناب من شجر النار
واشتهر العموم وعدم الاستثناء، ففي المثل : في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي : استكثرا من النار.... واختار بعضهم حمل ﴿ الشجر الأخضر ﴾ على الجنس، وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا، وأكثر نارا، كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل : المرخ والعفار لا يلدان غير النار.. وأشار سبحانه بقوله ﴿ الذي ﴾ الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته، فإن الماء بارد رطب، والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلى... ]٧، ﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ﴾ أليس الذي أنشأ أول مرة أوليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا، الذي خلق السماوات والأرض- وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس- أوليس ذلك بقادر على أن يخلق مثل هؤلاء المنكرين للحشر، ومثل الأناسي، ومثل سائر الخلق ؟ !﴿ بلى ﴾ إنه على ذلك وعلى كل ما أراد لقدير، وهذه الآية كقوله تبارك اسمه :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾٨.
﴿ وهو الخلاق العليم ﴾ كثير خلقه، بديع صنعه، يخلق ما يشاء، وخلقه عجيب كما وكيفا فهو الفعال لما يريد وهو العليم بكل ما خلق ويخلق، لا تخفى عليه خافية، -ومثل لنا شبها بقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد- يقول فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ﴿ ونسي خلقه ﴾ يقول : ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة فجعلناها خلقا سويا ناطقا-يقول : فلم يفكر في خلقنا له فيعلم أن من خلقه من نطفة حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا لا يعجز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرميم بشرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء- يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهذا المشرك القائل لك :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ !﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يقول : يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ يقول : وهو بجميع خلقه ذو علم، كيف يميت وكيف يحيي، وكيف يبدئ وكيف يعيد، لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه-٩.
﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ يأمر سبحانه بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد، وهذه كالآية المباركة :﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾١٠.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ﴾ فتنزه وتقدس الملك المهيمن الذي له السلطان والتدبير، وله مقاليد جميع الأمور.
﴿ وإليه ترجعون ﴾ وإليه عز وجل تردون، تحيون بعد موتكم وعلى ربكم تعرضون، وعما عملتم تسألون وتحاسبون، وتجزون فمنكم معذب، وأهل اليقين لهم عند ربهم ما يشاءون، في الصحيحين ( أن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا متّ- : أو : أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذرّوا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح-أي كثير الهواء-ففعلوا ذلك فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت قال مخافتك وأنت تعلم فما تلافاه أن غفر له )١١. [ والملكوت مبالغة في الملك.. فهو الملك التام١٢.. وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب، فتخصيصه بالذكر قيل : لاختصاص التعرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة... ﴿ وإليه ترجعون ﴾ لا إلى غيره تعالى، وهذا وعد للمقربين، ووعيد للمنكرين، فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين...
﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين( ٧٧ )وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم( ٧٨ )قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم( ٧٩ )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون( ٨٠ )أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم( ٨١ )إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ٨٢ )فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون( ٨٣ ) ﴾.
الآيات الست السابقات من الآية٧١وحتى الآية السادسة والسبعين بينت بطلان إشراكهم بالله عز وجل، بعدما عاينوا ما يوجب التوحيد والإسلام :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما.. ﴾ ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون. واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم.. ﴾ الآيات، ثم جاءت هذه التي ختم الله تعالى بها السورة المباركة لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب اليقين الراسخ به، أي : أولم يتفكر الإنسان ويعلم أنا أوجدناه من شيء يسير مهين من ماء دافق، من مني يمنيه الرجل فيقر الله تعالى منه ما يشاء في رحم المرأة، ثم يطوره العليم القدير فيكون علقة ثم مضغة، ثم يكون عظما ثم يكسوا اللطيف الخبير العظم لحما، ثم يصوره سبحانه كيف يشاء، ثم يخرجه طفلا، ويهبه السمع والبصر والعقل، ويمنحه ما قسم له من عطاء. ورزق ؟ !أولم يتفكر هذا الإنسان في أحوال نفسه، فيتذكر نشأته لينقاد ويخضع ؟ ! فالاستفهام هنا للإنكار والتعجيب، ﴿ فإذا هو خصيم ﴾ الفاء وإذا الفجائية تقوي التعجيب ؛ و﴿ خصيم ﴾ أي : مبالغ في الخصومة والجدال بالباطل ﴿ مبين ﴾ ظاهر متجاهر في ذلك، -أي : أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ؟ ! فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين... فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ !_١. ﴿ وضرب ﴾ وأورد وساق لنبينا ﴿ مثلا ﴾ شأنا عجيبا وقصة غريبة، هذا الإنسان الذي غفل عن بدايته استبعد البعث والإعادة والقضاء والجزاء حتى قال ما حكاه رب العزة والجلال :﴿.. وما أظن الساعة قائمة.. ﴾٢ ﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. ﴾٣، ﴿ ونسي خلقه ﴾ وترك التذكر في نشأته، وصار كالناس لها لعدم جريه على ما يستوجبه التفكر والعلم، ﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾.
[ ﴿ قال ﴾ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل، كأنه قيل : أي مثل ضرب ؟ أو : ماذا قال ؟ فقيل :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ منكرا ذلك، ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد، وهي كونها رميما، أي بالية أشد البلى، والظاهر أن﴿ رميم ﴾ صفة لا اسم جامد، فإن كان من رمّ اللازم بمعنى : بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فألحق بالأسماء الجامدة... لم يقل : رميمة، لأنه معدول عن فاعلة، فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله ﴿ بغيا ﴾ في قوله تعالى :﴿.. وما كانت أمك بغيا ﴾٤ أسقط الهاء منها لأنها مصروفة عن باغية... وإن كان من رم المتعدي بمعنى : أبلى.. وأصل معناه الأكل.. من رمت الإبل الحشيش فكأن ما بلى أكلته الأرض.. وتذكيره على هذا ظاهر، للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث.. ]٥.
﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾ علم الله تعالى نبيه وعلمنا حجته على منكري الإحياء بعد الإماتة، وأن الذي خلق العظام والأجساد التي كانت فيها، هو الذي يخرجها من القبور بعد أن بليت ويحييها، وقد علم ما تنقص الأرض من الموتى، قال أهل البيان : سمى قولهم :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ :﴿ مثلا ﴾ لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة، وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة، الجاهل بما يجري عليه من الأحوال...
واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول، فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانا مختلف الأبعاض والأعضاء، مودعا فيه : الفهم والعقل، وسائر أسباب المزيّة، فهو على إعادتها أقدر، ومنهم من ذكر شبهة كقولهم : إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد ؟ !.. فأجاب الله تعالى.. بقوله :﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا فإنه يعيده وإن لم يكن شيئا.... ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ فيجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع والسباع، وهكذا يعلم الأصلي من الفضلي.. -٦.
﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾ ﴿ والذي ﴾ بدل من الموصول ﴿ الذي ﴾ الأول، صير الله تعالى-الذي أحياكم أول مرة-صير ويسر لكم من الشجر الندي الرطب المخضر المكتنز الماء نارا حارة، فأخرج المحرق من العود الغض الطري، [ والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار، يتخذ من المرخ.. الزند.. ومن العفار.... ويسحق الأول على الثاني وهما خضروان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى...
وعن ابن عباس والكلبي : في كل شجر نار إلا العناب... وأنشد الخفاجي لنفسه :
أيا شجر العناب نارك أوقدت بقلبي وما العناب من شجر النار
واشتهر العموم وعدم الاستثناء، ففي المثل : في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي : استكثرا من النار.... واختار بعضهم حمل ﴿ الشجر الأخضر ﴾ على الجنس، وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا، وأكثر نارا، كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل : المرخ والعفار لا يلدان غير النار.. وأشار سبحانه بقوله ﴿ الذي ﴾ الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته، فإن الماء بارد رطب، والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلى... ]٧، ﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ﴾ أليس الذي أنشأ أول مرة أوليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا، الذي خلق السماوات والأرض- وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس- أوليس ذلك بقادر على أن يخلق مثل هؤلاء المنكرين للحشر، ومثل الأناسي، ومثل سائر الخلق ؟ !﴿ بلى ﴾ إنه على ذلك وعلى كل ما أراد لقدير، وهذه الآية كقوله تبارك اسمه :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾٨.
﴿ وهو الخلاق العليم ﴾ كثير خلقه، بديع صنعه، يخلق ما يشاء، وخلقه عجيب كما وكيفا فهو الفعال لما يريد وهو العليم بكل ما خلق ويخلق، لا تخفى عليه خافية، -ومثل لنا شبها بقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد- يقول فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ﴿ ونسي خلقه ﴾ يقول : ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة فجعلناها خلقا سويا ناطقا-يقول : فلم يفكر في خلقنا له فيعلم أن من خلقه من نطفة حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا لا يعجز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرميم بشرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء- يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهذا المشرك القائل لك :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ !﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يقول : يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ يقول : وهو بجميع خلقه ذو علم، كيف يميت وكيف يحيي، وكيف يبدئ وكيف يعيد، لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه-٩.
﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ يأمر سبحانه بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد، وهذه كالآية المباركة :﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾١٠.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ﴾ فتنزه وتقدس الملك المهيمن الذي له السلطان والتدبير، وله مقاليد جميع الأمور.
﴿ وإليه ترجعون ﴾ وإليه عز وجل تردون، تحيون بعد موتكم وعلى ربكم تعرضون، وعما عملتم تسألون وتحاسبون، وتجزون فمنكم معذب، وأهل اليقين لهم عند ربهم ما يشاءون، في الصحيحين ( أن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا متّ- : أو : أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذرّوا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح-أي كثير الهواء-ففعلوا ذلك فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت قال مخافتك وأنت تعلم فما تلافاه أن غفر له )١١. [ والملكوت مبالغة في الملك.. فهو الملك التام١٢.. وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب، فتخصيصه بالذكر قيل : لاختصاص التعرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة... ﴿ وإليه ترجعون ﴾ لا إلى غيره تعالى، وهذا وعد للمقربين، ووعيد للمنكرين، فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين...
﴿ أمره ﴾ قوله تعالى النافذ، أو : شأنه سبحانه.
﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين( ٧٧ )وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم( ٧٨ )قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم( ٧٩ )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون( ٨٠ )أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم( ٨١ )إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ٨٢ )فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون( ٨٣ ) ﴾.
الآيات الست السابقات من الآية٧١وحتى الآية السادسة والسبعين بينت بطلان إشراكهم بالله عز وجل، بعدما عاينوا ما يوجب التوحيد والإسلام :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما.. ﴾ ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون. واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم.. ﴾ الآيات، ثم جاءت هذه التي ختم الله تعالى بها السورة المباركة لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب اليقين الراسخ به، أي : أولم يتفكر الإنسان ويعلم أنا أوجدناه من شيء يسير مهين من ماء دافق، من مني يمنيه الرجل فيقر الله تعالى منه ما يشاء في رحم المرأة، ثم يطوره العليم القدير فيكون علقة ثم مضغة، ثم يكون عظما ثم يكسوا اللطيف الخبير العظم لحما، ثم يصوره سبحانه كيف يشاء، ثم يخرجه طفلا، ويهبه السمع والبصر والعقل، ويمنحه ما قسم له من عطاء. ورزق ؟ !أولم يتفكر هذا الإنسان في أحوال نفسه، فيتذكر نشأته لينقاد ويخضع ؟ ! فالاستفهام هنا للإنكار والتعجيب، ﴿ فإذا هو خصيم ﴾ الفاء وإذا الفجائية تقوي التعجيب ؛ و﴿ خصيم ﴾ أي : مبالغ في الخصومة والجدال بالباطل ﴿ مبين ﴾ ظاهر متجاهر في ذلك، -أي : أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ؟ ! فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين... فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ !_١. ﴿ وضرب ﴾ وأورد وساق لنبينا ﴿ مثلا ﴾ شأنا عجيبا وقصة غريبة، هذا الإنسان الذي غفل عن بدايته استبعد البعث والإعادة والقضاء والجزاء حتى قال ما حكاه رب العزة والجلال :﴿.. وما أظن الساعة قائمة.. ﴾٢ ﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. ﴾٣، ﴿ ونسي خلقه ﴾ وترك التذكر في نشأته، وصار كالناس لها لعدم جريه على ما يستوجبه التفكر والعلم، ﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾.
[ ﴿ قال ﴾ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل، كأنه قيل : أي مثل ضرب ؟ أو : ماذا قال ؟ فقيل :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ منكرا ذلك، ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد، وهي كونها رميما، أي بالية أشد البلى، والظاهر أن﴿ رميم ﴾ صفة لا اسم جامد، فإن كان من رمّ اللازم بمعنى : بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فألحق بالأسماء الجامدة... لم يقل : رميمة، لأنه معدول عن فاعلة، فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله ﴿ بغيا ﴾ في قوله تعالى :﴿.. وما كانت أمك بغيا ﴾٤ أسقط الهاء منها لأنها مصروفة عن باغية... وإن كان من رم المتعدي بمعنى : أبلى.. وأصل معناه الأكل.. من رمت الإبل الحشيش فكأن ما بلى أكلته الأرض.. وتذكيره على هذا ظاهر، للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث.. ]٥.
﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾ علم الله تعالى نبيه وعلمنا حجته على منكري الإحياء بعد الإماتة، وأن الذي خلق العظام والأجساد التي كانت فيها، هو الذي يخرجها من القبور بعد أن بليت ويحييها، وقد علم ما تنقص الأرض من الموتى، قال أهل البيان : سمى قولهم :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ :﴿ مثلا ﴾ لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة، وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة، الجاهل بما يجري عليه من الأحوال...
واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول، فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانا مختلف الأبعاض والأعضاء، مودعا فيه : الفهم والعقل، وسائر أسباب المزيّة، فهو على إعادتها أقدر، ومنهم من ذكر شبهة كقولهم : إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد ؟ !.. فأجاب الله تعالى.. بقوله :﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا فإنه يعيده وإن لم يكن شيئا.... ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ فيجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع والسباع، وهكذا يعلم الأصلي من الفضلي.. -٦.
﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾ ﴿ والذي ﴾ بدل من الموصول ﴿ الذي ﴾ الأول، صير الله تعالى-الذي أحياكم أول مرة-صير ويسر لكم من الشجر الندي الرطب المخضر المكتنز الماء نارا حارة، فأخرج المحرق من العود الغض الطري، [ والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار، يتخذ من المرخ.. الزند.. ومن العفار.... ويسحق الأول على الثاني وهما خضروان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى...
وعن ابن عباس والكلبي : في كل شجر نار إلا العناب... وأنشد الخفاجي لنفسه :
أيا شجر العناب نارك أوقدت بقلبي وما العناب من شجر النار
واشتهر العموم وعدم الاستثناء، ففي المثل : في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي : استكثرا من النار.... واختار بعضهم حمل ﴿ الشجر الأخضر ﴾ على الجنس، وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا، وأكثر نارا، كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل : المرخ والعفار لا يلدان غير النار.. وأشار سبحانه بقوله ﴿ الذي ﴾ الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته، فإن الماء بارد رطب، والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلى... ]٧، ﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ﴾ أليس الذي أنشأ أول مرة أوليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا، الذي خلق السماوات والأرض- وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس- أوليس ذلك بقادر على أن يخلق مثل هؤلاء المنكرين للحشر، ومثل الأناسي، ومثل سائر الخلق ؟ !﴿ بلى ﴾ إنه على ذلك وعلى كل ما أراد لقدير، وهذه الآية كقوله تبارك اسمه :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾٨.
﴿ وهو الخلاق العليم ﴾ كثير خلقه، بديع صنعه، يخلق ما يشاء، وخلقه عجيب كما وكيفا فهو الفعال لما يريد وهو العليم بكل ما خلق ويخلق، لا تخفى عليه خافية، -ومثل لنا شبها بقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد- يقول فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ﴿ ونسي خلقه ﴾ يقول : ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة فجعلناها خلقا سويا ناطقا-يقول : فلم يفكر في خلقنا له فيعلم أن من خلقه من نطفة حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا لا يعجز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرميم بشرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء- يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهذا المشرك القائل لك :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ !﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يقول : يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ يقول : وهو بجميع خلقه ذو علم، كيف يميت وكيف يحيي، وكيف يبدئ وكيف يعيد، لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه-٩.
﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ يأمر سبحانه بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد، وهذه كالآية المباركة :﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾١٠.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ﴾ فتنزه وتقدس الملك المهيمن الذي له السلطان والتدبير، وله مقاليد جميع الأمور.
﴿ وإليه ترجعون ﴾ وإليه عز وجل تردون، تحيون بعد موتكم وعلى ربكم تعرضون، وعما عملتم تسألون وتحاسبون، وتجزون فمنكم معذب، وأهل اليقين لهم عند ربهم ما يشاءون، في الصحيحين ( أن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا متّ- : أو : أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذرّوا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح-أي كثير الهواء-ففعلوا ذلك فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت قال مخافتك وأنت تعلم فما تلافاه أن غفر له )١١. [ والملكوت مبالغة في الملك.. فهو الملك التام١٢.. وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب، فتخصيصه بالذكر قيل : لاختصاص التعرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة... ﴿ وإليه ترجعون ﴾ لا إلى غيره تعالى، وهذا وعد للمقربين، ووعيد للمنكرين، فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين...
﴿ فسبحان ﴾ فنزه المولى الذي ليس كمثله شيء، وقدسه.
﴿ ملكوت ﴾ ملك تام، وتدبير بإحكام.
﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين( ٧٧ )وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم( ٧٨ )قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم( ٧٩ )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون( ٨٠ )أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم( ٨١ )إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ٨٢ )فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون( ٨٣ ) ﴾.
الآيات الست السابقات من الآية٧١وحتى الآية السادسة والسبعين بينت بطلان إشراكهم بالله عز وجل، بعدما عاينوا ما يوجب التوحيد والإسلام :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما.. ﴾ ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون. واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم.. ﴾ الآيات، ثم جاءت هذه التي ختم الله تعالى بها السورة المباركة لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب اليقين الراسخ به، أي : أولم يتفكر الإنسان ويعلم أنا أوجدناه من شيء يسير مهين من ماء دافق، من مني يمنيه الرجل فيقر الله تعالى منه ما يشاء في رحم المرأة، ثم يطوره العليم القدير فيكون علقة ثم مضغة، ثم يكون عظما ثم يكسوا اللطيف الخبير العظم لحما، ثم يصوره سبحانه كيف يشاء، ثم يخرجه طفلا، ويهبه السمع والبصر والعقل، ويمنحه ما قسم له من عطاء. ورزق ؟ !أولم يتفكر هذا الإنسان في أحوال نفسه، فيتذكر نشأته لينقاد ويخضع ؟ ! فالاستفهام هنا للإنكار والتعجيب، ﴿ فإذا هو خصيم ﴾ الفاء وإذا الفجائية تقوي التعجيب ؛ و﴿ خصيم ﴾ أي : مبالغ في الخصومة والجدال بالباطل ﴿ مبين ﴾ ظاهر متجاهر في ذلك، -أي : أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ؟ ! فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين... فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ !_١. ﴿ وضرب ﴾ وأورد وساق لنبينا ﴿ مثلا ﴾ شأنا عجيبا وقصة غريبة، هذا الإنسان الذي غفل عن بدايته استبعد البعث والإعادة والقضاء والجزاء حتى قال ما حكاه رب العزة والجلال :﴿.. وما أظن الساعة قائمة.. ﴾٢ ﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. ﴾٣، ﴿ ونسي خلقه ﴾ وترك التذكر في نشأته، وصار كالناس لها لعدم جريه على ما يستوجبه التفكر والعلم، ﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾.
[ ﴿ قال ﴾ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل، كأنه قيل : أي مثل ضرب ؟ أو : ماذا قال ؟ فقيل :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ منكرا ذلك، ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد، وهي كونها رميما، أي بالية أشد البلى، والظاهر أن﴿ رميم ﴾ صفة لا اسم جامد، فإن كان من رمّ اللازم بمعنى : بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فألحق بالأسماء الجامدة... لم يقل : رميمة، لأنه معدول عن فاعلة، فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله ﴿ بغيا ﴾ في قوله تعالى :﴿.. وما كانت أمك بغيا ﴾٤ أسقط الهاء منها لأنها مصروفة عن باغية... وإن كان من رم المتعدي بمعنى : أبلى.. وأصل معناه الأكل.. من رمت الإبل الحشيش فكأن ما بلى أكلته الأرض.. وتذكيره على هذا ظاهر، للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث.. ]٥.
﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾ علم الله تعالى نبيه وعلمنا حجته على منكري الإحياء بعد الإماتة، وأن الذي خلق العظام والأجساد التي كانت فيها، هو الذي يخرجها من القبور بعد أن بليت ويحييها، وقد علم ما تنقص الأرض من الموتى، قال أهل البيان : سمى قولهم :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ :﴿ مثلا ﴾ لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة، وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة، الجاهل بما يجري عليه من الأحوال...
واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول، فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانا مختلف الأبعاض والأعضاء، مودعا فيه : الفهم والعقل، وسائر أسباب المزيّة، فهو على إعادتها أقدر، ومنهم من ذكر شبهة كقولهم : إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد ؟ !.. فأجاب الله تعالى.. بقوله :﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا فإنه يعيده وإن لم يكن شيئا.... ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ فيجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع والسباع، وهكذا يعلم الأصلي من الفضلي.. -٦.
﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾ ﴿ والذي ﴾ بدل من الموصول ﴿ الذي ﴾ الأول، صير الله تعالى-الذي أحياكم أول مرة-صير ويسر لكم من الشجر الندي الرطب المخضر المكتنز الماء نارا حارة، فأخرج المحرق من العود الغض الطري، [ والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار، يتخذ من المرخ.. الزند.. ومن العفار.... ويسحق الأول على الثاني وهما خضروان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى...
وعن ابن عباس والكلبي : في كل شجر نار إلا العناب... وأنشد الخفاجي لنفسه :
أيا شجر العناب نارك أوقدت بقلبي وما العناب من شجر النار
واشتهر العموم وعدم الاستثناء، ففي المثل : في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي : استكثرا من النار.... واختار بعضهم حمل ﴿ الشجر الأخضر ﴾ على الجنس، وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا، وأكثر نارا، كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل : المرخ والعفار لا يلدان غير النار.. وأشار سبحانه بقوله ﴿ الذي ﴾ الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته، فإن الماء بارد رطب، والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلى... ]٧، ﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ﴾ أليس الذي أنشأ أول مرة أوليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا، الذي خلق السماوات والأرض- وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس- أوليس ذلك بقادر على أن يخلق مثل هؤلاء المنكرين للحشر، ومثل الأناسي، ومثل سائر الخلق ؟ !﴿ بلى ﴾ إنه على ذلك وعلى كل ما أراد لقدير، وهذه الآية كقوله تبارك اسمه :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾٨.
﴿ وهو الخلاق العليم ﴾ كثير خلقه، بديع صنعه، يخلق ما يشاء، وخلقه عجيب كما وكيفا فهو الفعال لما يريد وهو العليم بكل ما خلق ويخلق، لا تخفى عليه خافية، -ومثل لنا شبها بقوله :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد- يقول فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ﴿ ونسي خلقه ﴾ يقول : ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة فجعلناها خلقا سويا ناطقا-يقول : فلم يفكر في خلقنا له فيعلم أن من خلقه من نطفة حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا لا يعجز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرميم بشرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء- يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهذا المشرك القائل لك :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾ !﴿ يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ يقول : يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا ﴿ وهو بكل خلق عليم ﴾ يقول : وهو بجميع خلقه ذو علم، كيف يميت وكيف يحيي، وكيف يبدئ وكيف يعيد، لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه-٩.
﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ يأمر سبحانه بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد، وهذه كالآية المباركة :﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾١٠.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ﴾ فتنزه وتقدس الملك المهيمن الذي له السلطان والتدبير، وله مقاليد جميع الأمور.
﴿ وإليه ترجعون ﴾ وإليه عز وجل تردون، تحيون بعد موتكم وعلى ربكم تعرضون، وعما عملتم تسألون وتحاسبون، وتجزون فمنكم معذب، وأهل اليقين لهم عند ربهم ما يشاءون، في الصحيحين ( أن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا متّ- : أو : أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذرّوا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح-أي كثير الهواء-ففعلوا ذلك فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت قال مخافتك وأنت تعلم فما تلافاه أن غفر له )١١. [ والملكوت مبالغة في الملك.. فهو الملك التام١٢.. وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب، فتخصيصه بالذكر قيل : لاختصاص التعرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة... ﴿ وإليه ترجعون ﴾ لا إلى غيره تعالى، وهذا وعد للمقربين، ووعيد للمنكرين، فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين...
Icon