تفسير سورة غافر

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة غافر من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
أهداف سورة غافر
سورة غافر سورة مكية، نزلت في الفقرة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة، بعد الإسراء وقبيل الهجرة، ولآياتها ٨٥ آية، نزلت بعد صورة الزمر.
ولها أربعة أسماء : تسمى سورة غافر لقوله تعالى في أولها :﴿ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب... ﴾ ( غافر : ٣ )
وتسمى سورة المؤمن لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون- واسمه خربيل – في قوله تعالى :﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون... ﴾ ( غافر : ٢٨ ).
وسورة الطول لقوله تعالى :﴿ ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ﴾. ( غافر : ٣ ).
وتسمى حم الأولى لأنها أول سورة في الحواميم ١.
روح السورة
الروح السارية في سورة غافر هي روح الصراع الدائر بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والدعوة والتكذيب، وأخيرا قضية العلو في الأرض، والتجبر بغير الحق، وبأس الله الذي يأخذ المتجبرين، وفي ثنايا أهداف السورة الأصلية نجد أنها تلم بموقف المؤمنين المهتدين الطائعين، ونصر الله إياهم، واستغفار الملائكة لهم واستجابة لله لدعائهم، وما ينتظرهم في الآخرة من نعيم.
وجو السورة كله – من ثم – كأنه جو معركة، وهي المعركة بين الإيمان والطغيان، وبين الهدى والضلال، وبين المتكبرين المتجبرين في الأرض، وبأس الله الذي يأخذهم بالدمار والتنكيل، وتتنسم خلال هذا الجو نسمات الرحمة والرضوان حين يجيء ذكر المؤمنين.
وتتمثل روح السورة في عرض مصارع الغابرين، كما تتمثل في عرض مشاهد القيامة، وهذه وتلك تتناثر في سياق السورة وتتكرر بشكل ظاهر، وتعرض في صورها العنيفة المرهوبة المخيفة، ومنذ بداية السورة إلى نهايتها نجد آيات تلمس القلب، وتهز الوجدان، وتعصف بكيان المكذبين، وقد ترق آيات السورة فتتحول إلى لمسات وإيقاعات تمس القلب برفق، وهي تعرض صفات الله غافر الذنب وقابل التوب، ثم تصف حملة العرش، وهم يدعون ربهم ليتكرم على عباده المؤمنين، ثم تعرض الآيات الكونية والآيات الكامنة في النفس البشرية.
موضوعات السورة
يمكننا أن نقسم سورة غافر بحسب موضوعاتها إلى أربعة فصول :
الفصل الأول : صفات الله.
تبدأ الآيات من ( ٤-٢٠ ) بعرض افتتاحية السورة، وبيان أن الكتاب منزل من عند الله، ﴿ غافر الذنب وقابل التوب... ﴾ للمؤمنين التائبين، ﴿ شديد العقاب... ﴾ للعصاة المذنبين.
ثم تقرر أن الوجود كله مسلم مستسلم لله، وأنه لا يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فيشذون عن سائر الوجود بهذا الجدال، ومن ثم فهم لا يستحقون أن يأبه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهما تقلبوا في الخير والمتاع، فإنما هم صائرون إلى ما صارت إليه أحزاب المكذبين قبلهم، وقد أخذهم الله أخذا بعقاب يستحق العجب والإعجاب، ومع الأخذ في الدنيا فإن عذاب الآخرة ينتظرهم هناك... ذلك بينما حملة العرش ومن حوله يعلنون إيمانهم بربهم، ويتوجهون إليه بالعبادة، ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض، ويدعون لهم بالمغفرة والنعيم والفلاح.. وفي الوقت ذاته مشهد الكافرين وهم ينادون :﴿ لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ﴾. ( غافر : ١٠ ).
وهم في موقف المذلة والانكسار يقرون بذنبهم، ويعترفون بربهم، فلا ينفعهم الاعتراف والإقرار، ومن هذا الموقف بين يدي الله في الآخرة يعود السياق ليعرض أمام الناس مظاهر أنعم الله عليهم، ليأخذ بأيديهم إلى طريق الإيمان بالله. ﴿ فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ﴾. ( غافر : ١٤، ١٥ ).
ويعرض السياق مشهد ذلك اليوم في صورة حية مؤثرة، فقد برز الجميع أمام الله، العالم بالظواهر والبواطن، وفي هذا المشهد تبلغ الروح الحلقوم، وتذهب صولة الظالمين والطغاة، فلا يجدون حميما ولا شفيعا لا يطاع في شفاعته، لقد أصبح الملك والأمر والقضاء لله الواحد القهار.
الفصل الثاني : رجل مؤمن يجاهد بالكلمة.
يستغرق الفصل الثاني الآيات من ( ٢١-٥٥ ) ويبدأ بلفت أنظار المشركين إلى ما أصاب المكذبين قبلهم، ثم يعرض جانبا من قصة موسى – عليه السلام – مع فرعون وهامان وقارون، يمثل موقف الطغاة من دعوة الحق، ويعرض فيها حلقة جديدة لم تعرض في قصة موسى من قبل، ولا تعرض إلا في هذه السورة وهي حلقة ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، يدافع عن موسى، ويصدع بكلمة الحق والإيمان في تلطف وحذر في أول الأمر، ثم في صراحة ووضوح في النهاية، ويعرض في جدله مع فرعون حجج الحق وبراهينه قوية ناصعة، يحذرهم يوم القيامة، ويمثل لهم بعض مشاهده في أسلوب مؤثر، ويذكرهم موقفهم وموقف الأجيال قبلهم من يوسف عليه السلام ورسالته، ويستطرد السياق بالقصة حتى يصل طرفها بالآخرة فإذا هم هناك، وإذا هم يتحاجون في النار، وإذا حوار بين الضعفاء والذين استكبروا، وحوار لهم جميعا مع خزنة جهنم يطلبون فيه الخلاص، ولات حين خلاص، وفي ظل هذا المشهد يوضح الحق سبحانه أن العاقبة للمرسلين في الدنيا ويوم القيامة، فقد نصر الله موسى رغم جبروت فرعون، ثم يدعو الرسول الأمين إلى الصبر والثقة بوعد الله الحق، والتوجه إلى الله بالتسبيح والحمد والاستغفار.
الفصل الثلث : الترغيب والترهيب.
يستغرق الفصل الثالث الآيات من ( ٦٥-٧٧ ) ويبدأ بتقرير أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان إنما يدفعهم إلى هذا كبر في نفوسهم عن الحق، وهو أصغر وأضأل من هذا الكبر، ويوجه القلوب حينئذ إلى هذا الوجود الكبير الذي خلقه الله، وهو أكبر من الناس جميعا، ولعل المتكبرين يتصاغرون أمام عظمة خلق الله، وتتفتح بصيرتهم فلا يكونون عميا :﴿ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون ﴾. ( غافر : ٥٨ ).
ويذكرهم بمجيء الساعة، ثم يفتح الباب أمامهم إلى دعاء الله والاستجابة لأمره، فأما الذين يستكبرون فسيدخلون جهنم أذلاء صاغرين، ويعرض في هذا الموقف بعض آيات الله الكونية التي يمرون عليها غافلين، يعرض عليهم الليل وقد جعله الله سكنا، والنهار مبصرا، والأرض قرارا، والسماء بناء، ويذكرهم بأنفسهم وقد صورهم، ويوجههم إلى دعوة الله مخلصين له الدين، ويلقن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من عبادتهم، وأن يعلن إسلامه لرب العالمين، ثم يلمس قلوبهم بأن الله الواحد هو الذي أنشأهم من تراب ثم من نطفة.. وهو الذي يحيي ويميت. ثم يعود فيعجب رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر الذين يجادلون في الله وينذرهم عذاب يوم القيامة في مشهد عنيف، تعلق فيه الأغلال في أعناقهم ويسحبون في الحميم، ويحرقون في النار جزاء كفرهم وشركهم بالله، وعلى ضوء هذا المشهد يوجه الله رسوله إلى الصبر والثقة بأن وعد الله حق، سواء أبقاه حتى يشهد ما يعدهم، أو يتوفاه قبل أن يراه فسيتم الوعد هناك.
الفصل الرابع : نهاية الظالمين.
يشمل الفصل الرابع على الآيات الأخيرة في السورة من ( ٧٨-٨٥ ) ويذكر أن الله أرسل رسلا وأنبياء كثيرين لهداية الناس، منهم من ذكر في القرآن ومنهم من لم يذكر :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية... ﴾ وأن يقدم معجزة لقومه :﴿ إلا بإذن الله... ﴾ ( غافر : ٧٨ ). على أن في الكون آيات قائمة وبين أيديهم آيات قريبة، ولكنهم يغفلون عن تدبرها.. هذه الأنعام المسخرة لهم، من سخرها ؟ وهذه الفلك التي تحملهم، أليست آية يرونها ؟ ومصارع الغابرين ألا تثير في قلوبهم العظة والتقوى ؟ وتختم السورة بإيقاع قوي على مصرع من مصارع المكذبين وهم يرون بأس الله فيؤمنون حيث لا ينفعهم الإيمان :﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ﴾. ( غافر : ٨٥ )
١ انظر بصائر ذوي التمييز ١/٣٠٩..

عظمة الخالق، وعقاب المكذبين

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ حم ( ١ ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( ٢ ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( ٣ ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( ٤ ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسلهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( ٥ ) وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا وأنهم أصحاب النار ( ٦ ) ﴾
المفردات :
حم : حروف مقطعة، بدأ الله بها بعض السور للتنبيه، أو للتحدي والإعجاز.
تمهيد :
سورة غافر بداية مجموعة السور التي تسمّى بالحواميم، وقد نزلت هذه السورة متتابعة، وكلها مكية تعنى بأمور العقيدة، وتعظيم الحق سبحانه، وتعرض الصراع بين الحق والباطل، ونهاية الكافرين وفلاح المؤمنين، وهذه السور مجموعها سبع سور، تبدأ كلها بحرفي " حم "، وهي : غافر ثم السجدة، ثم الشورى ثم الزخرف، ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف، ولم يتخللها نزول غيرها، بل نزلت متتابعة كترتيبها في المصحف.
قال ابن عباس : إن لكل شيء لبابا، ولباب القرآن الحواميم.
وروى الحافظ أبو بكر البزار، والترمذي، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ آية الكرسي وأوّل حمَ المؤمن عُصم ذلك اليوم من كل سوء " ١
التفسير :
١، ٢- ﴿ حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ﴾.
حم : حروف للتنبيه، مثل الجرس الذي يُقرع، فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة، أو هي حروف للتحدّي والإعجاز، كما تقدم بيان ذلك في سور سابقة.
﴿ تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ﴾.
هذا الكتاب ليس سحرا ولا شعرا ولا كهانة، ولا افتراء من عند محمد، كما يدعي الكافرون، بل هو تنزيل من عند الله، العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم بعباده ظاهرهم وباطنهم، والمحاسب والمجازي على أفعال العباد.
المفردات :
العزيز : الغالب على مراده.
العليم : العليم بعباده ظاهرا وباطنا حالا ومآلا.
التفسير :
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:عظمة الخالق، وعقاب المكذبين


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ حم ( ١ ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( ٢ ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( ٣ ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( ٤ ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسلهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( ٥ ) وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا وأنهم أصحاب النار ( ٦ ) ﴾

المفردات :

حم : حروف مقطعة، بدأ الله بها بعض السور للتنبيه، أو للتحدي والإعجاز.
تمهيد :
سورة غافر بداية مجموعة السور التي تسمّى بالحواميم، وقد نزلت هذه السورة متتابعة، وكلها مكية تعنى بأمور العقيدة، وتعظيم الحق سبحانه، وتعرض الصراع بين الحق والباطل، ونهاية الكافرين وفلاح المؤمنين، وهذه السور مجموعها سبع سور، تبدأ كلها بحرفي " حم "، وهي : غافر ثم السجدة، ثم الشورى ثم الزخرف، ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف، ولم يتخللها نزول غيرها، بل نزلت متتابعة كترتيبها في المصحف.
قال ابن عباس : إن لكل شيء لبابا، ولباب القرآن الحواميم.
وروى الحافظ أبو بكر البزار، والترمذي، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ آية الكرسي وأوّل حمَ المؤمن عُصم ذلك اليوم من كل سوء " ١

التفسير :

١، ٢- ﴿ حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ﴾.
حم : حروف للتنبيه، مثل الجرس الذي يُقرع، فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة، أو هي حروف للتحدّي والإعجاز، كما تقدم بيان ذلك في سور سابقة.
﴿ تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ﴾.
هذا الكتاب ليس سحرا ولا شعرا ولا كهانة، ولا افتراء من عند محمد، كما يدعي الكافرون، بل هو تنزيل من عند الله، العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم بعباده ظاهرهم وباطنهم، والمحاسب والمجازي على أفعال العباد.

تمهيد :
سورة غافر بداية مجموعة السور التي تسمّى بالحواميم، وقد نزلت هذه السورة متتابعة، وكلها مكية تعنى بأمور العقيدة، وتعظيم الحق سبحانه، وتعرض الصراع بين الحق والباطل، ونهاية الكافرين وفلاح المؤمنين، وهذه السور مجموعها سبع سور، تبدأ كلها بحرفي " حم "، وهي : غافر ثم السجدة، ثم الشورى ثم الزخرف، ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف، ولم يتخللها نزول غيرها، بل نزلت متتابعة كترتيبها في المصحف.
قال ابن عباس : إن لكل شيء لبابا، ولباب القرآن الحواميم.
وروى الحافظ أبو بكر البزار، والترمذي، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ آية الكرسي وأوّل حمَ المؤمن عُصم ذلك اليوم من كل سوء " ١
المفردات :
غافر الذنب : يغفر الذنب لمن تاب إليه ورجع إلى طاعته بعد معصيته.
قابل التوب : يقبل توبة التائب النادم.
شديد العقاب : لمن عصى الله وأعرض عن هديه.
ذي الطول : صاحب الغنى والسعة.
لا إله إلا هو : لا معبود بحق إلا الله.
إليه المصير : إليه مرجع الخلائق.
التفسير :
٣- ﴿ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ﴾.
من صفات الله المغفرة والستر على المذنبين، وقبول توبة التائبين، وهو سبحانه شديد العقاب لمن أعرض عنه، وأصم أذنه عن سماع القرآن وألوان الهداية، وهو سبحانه صاحب الفضل وجلائل النّعم، فمن وجد الله وجد كل شيء، ومن فقد الله فقد كل شيء، وهو سبحانه واحد أحد، فرد صمد، متفرد بالألوهية، متوحّد بالربوبية، فلا معبود بحق إلا الله، وإليه سبحانه المصير والمرجع، فيحاسب العباد ويجازيهم على أعمالهم، بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا.
قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾ ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
روى أن رجلا من أهل الشام ذا بأس كان يفد على عمر بن الخطاب، فافتقده عمر، فسأل عنه فقالوا : تتابع في الشراب، فكتب عمر إليه كتابا قال فيه : أما بعد.. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو :﴿ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ﴾. فجعل الرجل يقرأ الخطاب، ثم بكى ونزع عن المعاصي وتاب إلى الله تعالى، فقال عمر : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زلّ زلة فسددوه ووقفوه. وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه.
تمهيد :
سورة غافر بداية مجموعة السور التي تسمّى بالحواميم، وقد نزلت هذه السورة متتابعة، وكلها مكية تعنى بأمور العقيدة، وتعظيم الحق سبحانه، وتعرض الصراع بين الحق والباطل، ونهاية الكافرين وفلاح المؤمنين، وهذه السور مجموعها سبع سور، تبدأ كلها بحرفي " حم "، وهي : غافر ثم السجدة، ثم الشورى ثم الزخرف، ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف، ولم يتخللها نزول غيرها، بل نزلت متتابعة كترتيبها في المصحف.
قال ابن عباس : إن لكل شيء لبابا، ولباب القرآن الحواميم.
وروى الحافظ أبو بكر البزار، والترمذي، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ آية الكرسي وأوّل حمَ المؤمن عُصم ذلك اليوم من كل سوء " ١
المفردات :
ما يجادل : ما يخاصم.
فلا يغررك : فلا يخدعك عيشهم سالمين.
تقلبهم في البلاد : التصرُّف والتنقل في بلاد الشام واليمن بالتجارات الرابحة، فإن عاقبتهم النار والهلاك.
التفسير :
٤- ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ﴾.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي حاتم، قال : نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي.
وتفيد آيات القرآن الكريم، والسيرة المطهرة أن الجدال نوعان :
جدال بالحق لتبيّن آيات القرآن وتفهم معناها، وهو نقاش محمود.
وجدال بالباطل، مثل قولهم : إن القرآن سحر وشعر وكهانة، وأساطير الأولين وافتراء من عند محمد، محاولة من كفار مكة وأغنيائها لتقرر الباطل، ودحض الحق، وإبطال الإيمان، بالاعتماد على الشبهات بعد وضوح الحق، وسطوع حجة البيان القرآني، والإعجاز لكتاب الله، وقد كان كفار مكة يسخرون من المؤمنين، ويحاولون تشكيك المسلمين في عقيدتهم، ويوجّهون التهم الكاذبة إلى الإسلام والقرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ومعنى الآية :
ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا، فلا يخدعك أيها الرسول الأمين تقلبهم في البلاد، بين الشام واليمن في تجارة رابحة، مع تمتعهم بالغنى والجاه والأمن والرفعة في الدنيا، لأن ذلك إمهال لهم وليس إهمالا، فسوف يرون الهلاك في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ﴾ ( آل عمران ١٩٦، ١٩٧ ).
ويقول سبحانه :﴿ نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ﴾. ( لقمان : ٢٤ ).
وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ". ١
ولقد كان القرآن يحاور المشركين بالحق، فيلفت أنظارهم إلى الكون وما فيه، ويستحضر أمامهم حقائق التاريخ، ومشاهد القيامة، رجاء هدايتهم، وأحيانا يدفعهم الكبر عن قبول الحق، وبيّن أن تكذيب المترفين وعناد المتكبرين أمر عرفته البشرية في تاريخها الطويل، فليس تكذيب أهل مكة بدعا أو غريبا عن تكذيب الكافرين لرسلهم.
١ إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته:
رواه البخاري في التفسير: باب قوله ﴿وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد﴾ (٤٤٠٩)، ومسلم في البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم (٢٥٨٣) وابن ماجة في الفتن باب العقوبات (٤٠١٨) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته". قال: ثم قرأ ﴿وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد﴾..

تمهيد :
سورة غافر بداية مجموعة السور التي تسمّى بالحواميم، وقد نزلت هذه السورة متتابعة، وكلها مكية تعنى بأمور العقيدة، وتعظيم الحق سبحانه، وتعرض الصراع بين الحق والباطل، ونهاية الكافرين وفلاح المؤمنين، وهذه السور مجموعها سبع سور، تبدأ كلها بحرفي " حم "، وهي : غافر ثم السجدة، ثم الشورى ثم الزخرف، ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف، ولم يتخللها نزول غيرها، بل نزلت متتابعة كترتيبها في المصحف.
قال ابن عباس : إن لكل شيء لبابا، ولباب القرآن الحواميم.
وروى الحافظ أبو بكر البزار، والترمذي، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ آية الكرسي وأوّل حمَ المؤمن عُصم ذلك اليوم من كل سوء " ١
المفردات :
الأحزاب : الجماعات الذين تحزبوا على الرسل في كل أمة.
ليدحضوا به الحق : ليبطلوه ويزيلوه.
التفسير :
٥- ﴿ كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ﴾.
لقد وقف قوم نوح في وجه دعوته زمانا طويلا :﴿ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ﴾. ( هود : ٣٢ ).
وكذلك كذبت الأحزاب الذين تحزبوا على رسلهم، مثل عاد وثمود وفرعون، وحاولت كل دولة ظالمة أن تقيّد الرسول أو تأسره أو تقتله، أو تسكت صوته بأي وسيلة، وجادلت كل أمة رسولها بالباطل، رغبة في إسكات صوت الحق، والتغلّب عليه، فأهلكتُ هؤلاء الكفار هلاكا شديدا، فانظر كيف كان عقابي لهم، لقد أغرق الطوفان قوم نوح، وهلكت عاد وثمود، وغرق فرعون وهامان.
قال تعالى :﴿ وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين * فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾. ( العنكبوت : ٣٩، ٤٠ ).
تمهيد :
سورة غافر بداية مجموعة السور التي تسمّى بالحواميم، وقد نزلت هذه السورة متتابعة، وكلها مكية تعنى بأمور العقيدة، وتعظيم الحق سبحانه، وتعرض الصراع بين الحق والباطل، ونهاية الكافرين وفلاح المؤمنين، وهذه السور مجموعها سبع سور، تبدأ كلها بحرفي " حم "، وهي : غافر ثم السجدة، ثم الشورى ثم الزخرف، ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف، ولم يتخللها نزول غيرها، بل نزلت متتابعة كترتيبها في المصحف.
قال ابن عباس : إن لكل شيء لبابا، ولباب القرآن الحواميم.
وروى الحافظ أبو بكر البزار، والترمذي، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ آية الكرسي وأوّل حمَ المؤمن عُصم ذلك اليوم من كل سوء " ١
٦-﴿ وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا وأنهم أصحاب النار ﴾.
لقد وجبت كلمة الله على الكافرين، وهي قوله سبحانه :﴿ قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ﴾. ( ص : ٨٤ : ٨٥ ).
هؤلاء الكفار هم أصحاب النار، وأهلها المقيمون فيها إقامة دائمة، كما يقيم الرجل في داره لأنه صاحبها، فكذلك هؤلاء الكفار من طول إقامتهم في النار صاروا أصحابها المستمرّين فيها.
إن هؤلاء الكفار كذبوا رسل الله قبل عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وكذبوا رسل الله في عهد نوح ومن جاء بعده من الرسل، فكيف كان عقابهم ؟ لقد كان عذابا أليما أودى بحياتهم في الدنيا، واستحقوا عذاب الله وبقاءهم في النار زمانا طويلا، حتى صاروا أصحابها المستقرين فيها استقرارا دائما بلا انقطاع.
قال ابن جرير الطبري :
﴿ وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ﴾.
أي : وكما حق على الأمم التي كذبت رسلها، والتي قصصت عليك يا محمد قصصها، وحل بها عقابي، كذلك وجبت كلمة ربك على الذين كفروا بالله من قومك، الذين يجادلون في آيات الله لأنهم أصحاب النار. ا ه.
استغفار الملائكة للمؤمنين.
﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويِؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ( ٧ ) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ( ٨ ) وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ( ٩ ) ﴾
المفردات :
الذين يحملون العرش : الملائكة الكروبيون، وحملة العرش عند بعضهم مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له.
العشر : في اللغة بمعنى سرير الملك، وهنا يراد به : مركز تدبير العالم.
يسبحون بحمد ربهم : يقولون : سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
ويؤمنون به : ويؤمنون بالله عن يقين وتصديق.
ويستغفرون : يطلبون المغفرة للمؤمنين.
وسعت كل شيء : يقولون : يا ربنا وسعت كل شيء رحمتك وعلمك.
فاغفر للذين تابوا : سامح من تاب إليك وتجاوز عن سيئاته.
التفسير :
هذه آيات تشير إلى فضل الله وعظمته وجليل نعمائه وتفضله على عباده.
٧-﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ﴾.
الذين يحملون عرش الله من الملائكة، والذين يحفّون به من الملائكة تعظيما لله، هؤلاء يسبّحون بحمد الله، ويذكرون آلاءه ذكرا وتسبيحا مقرونا بالحمد، فيقولون : سبحان الله وبحمد، سبحان الله العظيم، ويؤمنون بوحدانية الله، وعدم الإشراك في عبادته، ويطلبون المغفرة للمؤمنين، وقبول توبة التائبين، ويقولون : يا ربنا شملت رحمتك كل شيء، وأحاط بالجميع علمك، فاغفر يا ربنا لمن تاب إليك، واتبع سبيلك وهديك، وآمن بك وبرسلك، وسار على صراطك المستقيم، واحفظ اللهم هؤلاء المؤمنين من عذاب النار ومن سعير الجحيم.
٨-﴿ ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ﴾.
وهذا استمرار في الدعاء للمؤمنين، بأن يدخلهم الله عز وجل جنات إقامة دائمة في نعيم مقيم، قد وعد الله بها عباده في آيات القرآن حين قال سبحانه :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ﴾. ( الكهف : ١٠٧، ١٠٨ ).
فالله سبحانه لا يخلف الميعاد، وسوف يتفضل على عباده المؤمنين بالجنة، والملائكة تتوسل إلى الله تعالى بفضله وبرحمته وعماه، بأن يشمل بهذا الفضل المؤمنين، وأيضا الصالحين من آبائهم ومن أزواجهم ومن ذرياتهم، تفضلا منه حيث يجمع شمل المؤمنين في الجنة، ويلحق المقصّرين بالمتفوقين، ولا ينزل السابقين إلى مرحلة المتأخرين، فهو سبحانه أهل العدل وأهل الفضل وهو، ﴿ العزيز الحكيم ﴾. القوي الغالب والحكيم في تصرفه بشأن عباده فما أعظمه وما أشد حكمته.
وفي معنى هذه الآية يقول الله تعالى :﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ﴾. ( الطور : ٢١ ).
٩- ﴿ وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ﴾.
وفقهم يا رب للبعد عن الذنوب والسيئات في الدنيا، أو اغفر لهم زلاّتهم وذنوبهم وسيئاتهم، ومن غفرت له ذنوبه في يوم القيامة فقد شملته رحمتك وفضلك، وهذا هو الفوز العظيم بالنجاة من النار وبدخول الجنة.
ألا ما أعظم الصلاح والاستقامة، والتوبة وطاعة الله، حيث ينال هذا العبد المؤمن المستقيم محبة الله، ودعاء الملائكة، والهداية والفضل والرعاية، واجتماع شمله مع الصلحاء من آبائه وأزواجه وذرته، ومغفرة ذنوبه وفوزه بالجنة ونجاته من النار.
والخلاصة : أن أكمل الدعاء ما طُلب فيه ثواب الجنة والنجاة من النار.
قال خلف بن هشام البزّار القارئ : كنت أقرأ على سليم بن عيسى، فلما بلغت :﴿ ويستغفرون للذين آمنوا... ﴾ بكى ثم قال : يا خلف ما أكرم المؤمن على الله، نائم على فراشه، والملائكة يستغفرون له.
وقال سعيد بن جبير : إن المؤمن إذا دخل الجنة، سأل عن أبيه وابنه وأخيه، أين هم ؟ فيقال : إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل، فيقول : إني إنما عملت لي ولهم، فيلحقون به في الدرجة، ثم قرأ سعيد بن جبير هذه الآية :﴿ ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ﴾.
قال أهل التفسير :
وفائدة استغفار الملائكة للمؤمنين التائبين الصالحين الموعودين بالمغفرة، زيادة الكرامة والثواب، وبيان فضل الصلاح، وأن المؤمن الصالح تحبه الملائكة والكون كله، وهو قدَرُ الله وبركته ومشيئته، ومحل فضله وعنايته.
اعتراف الكفار بذنوبهم
والتذكير بقدرة الله وفضله
﴿ إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ( ١٠ ) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ( ١١ ) ذالكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ( ١٢ ) هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب ( ١٣ ) فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ( ١٤ ) رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ( ١٥ ) يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( ١٦ ) اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ( ١٧ ) ﴾
المفردات :
المقت : أشد البغض.
تمهيد :
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، فيه تبكيت للكافرين على كفرهم، بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم رغبة الكافر في الرجوع إلى الدنيا، وهيهات ذلك، ثم بيان فضل الله وعظيم نعمائه.
التفسير :
١٠-﴿ إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ﴾.
حين يرى الكفار جهنم تتلمّظ غيظا على من عصى الله، ويثقون بالمهانة والعذاب الأليم، فيمقتون أنفسهم ويبغضونها، لأن الكفر في الدنيا جرّ عليها عذاب الآخرة، فتناديهم الملائكة : إن مقت الله لكم في الدنيا حين أحجمتم عن الإيمان، كان أكبر وأعظم من مقتكم لأنفسكم في الآخرة، ذكر ذلك قتادة ومجاهد والحسن وابن جرير.
تمهيد :
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، فيه تبكيت للكافرين على كفرهم، بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم رغبة الكافر في الرجوع إلى الدنيا، وهيهات ذلك، ثم بيان فضل الله وعظيم نعمائه.
١١- ﴿ قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ﴾.
الموتة الأولى حيث كانوا في حالة العدم.
والموتة الثانية في نهاية الحياة الدنيا.
والحياة الأولى عند ميلاد الطفل.
والحياة الثانية عند البعث والحشر والحساب.
والكلام هنا فيه تلطف في السؤال، حيث نجد الكافر يشاهد أهوال القيامة، فيتمنى الرجوع إلى الدنيا، فلا يجاب إلى ذلك، فإذا دخل النار ولمس عذابها وعاين أهلها، تلطّف في طلب الرجوع إلى الدنيا، وقال : يا رب، إن قدرتك على الإحياء والإماتة لا حدّ لها، فقد أحييتنا بالميلاد في الدنيا، وبالبعث في الآخرة، أي مرتين، وأمتّنا قبل وجودنا في الدنيا، ثم في نهاية الحياة الدنيا، فهل يمكن بأيّ وسيلة أن نخرج من جهنم، ونعود إلى الدنيا لنعمل صالحا، ونتدارك ما فاتنا ؟
وقد تكر هذا المعنى في القرآن الكريم، حيث نجد أن الكفار يسألون الله الرجعة إلى الدنيا عند مشاهد العذاب، نجد ذلك في الآية ١٢ من سورة السجدة، وفي الآيتين ٢٧، ٢٨ من سورة الأنعام، وفي الآيتين ١٠٧، ١٠٨ من سورة المؤمنون، وفي الآية ٣٧ من سورة فاطر حيث يقول الله تعالى :﴿ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ﴾.
تمهيد :
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، فيه تبكيت للكافرين على كفرهم، بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم رغبة الكافر في الرجوع إلى الدنيا، وهيهات ذلك، ثم بيان فضل الله وعظيم نعمائه.
والقرآن الكريم لا يجيبهم إلى طلبهم، بل يخبرهم عن سبب عذابهم فيقول :
١٢-﴿ ذالكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ﴾.
أي : هذا العذاب الشديد وعدم خروجكم من جهنم عائدين إلى الدنيا، ورفض العودة إليها لأنكم كنتم في الدنيا إذا دعيتم إلى توحيد الله والإيمان به أعرضتم، وإذا دُعي الله وحده لا شريك له كفرتم، وأنكرتم أن تكون الألوهية له خاصة، وأن أشرك به مشرك صدقتموه وآزرتموه.
فالحكم اليوم والأمر اليوم بيد الله العليّ، صاحب الكبرياء والعظمة، الذي ليس كمثله شيء، ومن ثم اشتدت سطوته على من أشركوا به، واقتضت حكمته أن يعذّبوا في جهنم، فلا سبيل إلى خروجكم من جهنم، فقد أعطاكم فرصة سانحة في الدنيا، حين خلقكم ورزقكم، وأرسل إليكم الرسل، وأنزل إليكم الكتب، فجحدتم الإيمان به، وكفرتم برسوله، فاستحققتم عذاب النار، ولا مناص لكم عنها.
تمهيد :
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، فيه تبكيت للكافرين على كفرهم، بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم رغبة الكافر في الرجوع إلى الدنيا، وهيهات ذلك، ثم بيان فضل الله وعظيم نعمائه.
١٣- ﴿ هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب ﴾.
الخطاب في هذه الآية لجميع البشر، فالله تعالى يظهر آيات قدرته في العالم العلوي والعالم السفلي، من آيات ظاهرات في الشمس والقمر، والليل والنهار، والسحاب والأمطار، وخلق الإنسان والحيوان، وإنبات النبات وتيسير الأرزاق.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾.
لا يتعظ بآيات الله إلا من تاب إلى الله، ورجع إليه وصرف نفسه عن الهوى، وعن طاعة الشيطان، وعن عبادة الأوثان والأصنام.
تمهيد :
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، فيه تبكيت للكافرين على كفرهم، بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم رغبة الكافر في الرجوع إلى الدنيا، وهيهات ذلك، ثم بيان فضل الله وعظيم نعمائه.
١٤- ﴿ فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ﴾.
فأخلصوا لله وحده العبادة، فهو الخالق الرازق، المعطي المانع، السميع البصير، الذي بيده الخلق والأمر والأصنام لا تملك لكم نفعا ولا ضرا، فاعبدوه وحده لا شريك له، ولو كره الكافرون هذا الإخلاص.
أخرج الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنّسائي أن عبد الله بن الزبير كان يقول في دبر كل صلاة حين يُسلّم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ١.
قال الإمام أحمد : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلُّ بهنَّ دبر كل صلاة ٢.
قال ابن كثير في تفسيره :
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عقب الصلوات المكتوبات :" إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ". ٣
١ في دبر كل صلاة حين يسلم:
رواه مسلم في المساجد (٥٩٤) من حديث أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة..

٢ أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعا..
٣ مختصر تفسير ابن كثير، تحقيق محمد علي الصابوني، المجلد الثاني ص ٢٣٨..
تمهيد :
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، فيه تبكيت للكافرين على كفرهم، بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم رغبة الكافر في الرجوع إلى الدنيا، وهيهات ذلك، ثم بيان فضل الله وعظيم نعمائه.
المفردات :
الروح : الوحي.
يوم التلاق، يوم القيامة، وسمي بذلك لالتقاء الخالق بالمخلوق، والمخلوقين بعضهم ببعض.
التفسير :
١٥- ﴿ رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ﴾.
هو سبحانه عظيم الشأن والسلطان، صاحب الرفعة والمقام العالي، أو هو سبحانه يرفع عباده إلى الدرجات العلى، وهو سبحانه صاحب العرش العظيم، والملك الكامل لكل شيء في الوجود، وهو الذي ينزّل القرآن على من يختاره للرسالة، وقيل : الروح جبريل، وقيل : الروح الوحي، وكلها متقاربة، وإنما سمى الوحي روحا لأن به حياة النفوس، كما تحيا الأجسام بالطعام، فإن الأرواح تحيا بالوحي، فالله تعالى يختار للرسالة من يشاء من عباده، وهو سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته.
﴿ لينذر يوم التلاق ﴾.
ليخوّف الخلق من الحساب والجزاء في ذلك اليوم، الذي يتلاقى فيه الأولون والآخرون، أو آدم وآخر مخلوق في ذرته، أو أهل السماوات وأهل الأرض، أو الخالق والمخلوق، أو جميع ذلك.
تمهيد :
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، فيه تبكيت للكافرين على كفرهم، بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم رغبة الكافر في الرجوع إلى الدنيا، وهيهات ذلك، ثم بيان فضل الله وعظيم نعمائه.
المفردات :
بارزون : ظاهرون لا يسترهم جبل ولا أكمة ولا نحوها.
التفسير :
١٦- ﴿ يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ﴾.
في هذا اليوم – يوم التلاق – يتلاقى الخلْق والخالق، فيلقى كل إنسان جزاء عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وفي هذا اليوم نجد الجميع بارزين ظاهرين بعضهم لبعض، لا يحجبهم حجاب، ولا جبل، ولا سهل ولا أكمة، فقد سوّيت الأرض، وأزيل منها الجبال والهضاب، فلا ترى عوجا ولا أمْتا، وحينئذ تسأل الملائكة جميع أهل المحشر :﴿ لمن الملك اليوم ﴾. فيجيب الجميع مؤمنهم و كافرهم :﴿ لله الواحد القهار ﴾.
وفي تفسير ابن كثير :
إن إسرافيل ينفخ في الصور، فيصعق الناس جميعا ميتين، فينادي الحق سبحانه وتعالى :﴿ لمن الملك اليوم ﴾. ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، فيجيبه الحق سبحانه :﴿ لله الواحد القهار ﴾. الإله الواحد لا شريك له، الذي قهر كل شيء وغلبه.
تمهيد :
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، فيه تبكيت للكافرين على كفرهم، بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم رغبة الكافر في الرجوع إلى الدنيا، وهيهات ذلك، ثم بيان فضل الله وعظيم نعمائه.
١٧- ﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ﴾.
في ذلك اليوم – يوم القيامة- يلقى كل إنسان جزاء عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ، وفي ذلك اليوم يكون القصاص والجزاء العادل من الله لعباده، ويقتص للمظلوم من الظالم.
جاء في " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " للإمام جلال الدين السيوطي المتوفى ٩١١ ه ما يأتي :
أخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن جابر رضي الله عنه قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى اله عليه وسلم في القصاص، فأتيت بعيرا فشددت علي رحلي، ثم سرت إليه شهرا، حتى قدمت مصرا فأتيت عبد الله بن أنيس، فقلت له : حديث بلغني عنك في القصاص، فقال : سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول :" يحشر الله العباد حفاة عراة غرلا "، قلنا : ما هما ؟ قال : " ليس معهم شيء، ثم يناديهم يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قرُب، أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وعنده مظلمة حتى أقصه منها، حتى اللطمة "، قلنا : كيف وأن نأتي الله غرلا بهما ؟ قال : " بالحسنات والسيئات "، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم... ﴾.
وأخرج عبد بن حميد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذنوب ثلاث : فذنب يُغفر، وذنب لا يُغفر، وذنب لا يترك منه شيء. فالذنب الذي يُغفر، العبد يذنب الذنب فيستغفر الله فيغفر له، وأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك، وأما الذنب الذي لا يترك منه شيء، فمظلمة الرجل أخاه، ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما :﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسب لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ﴾. يؤخذ للشاة الجماء من ذات القرون بفضل نطحها.
وتفيد السنّة المطهرة شدة الهول، ونزاهة القضاء والعدالة في استحقاق المظالم، وأخذ كل ذي حق حقّه، وقصاص المقتول من القاتل، وليس في ذلك اليوم درهم ولا دينار، وإنما هي الحسنات والسيئات، فمن كانت عليه مظالم للعباد، أخذ العباد منه الحسنات ما يكافئ مظالمهم، وإذا فنيت حسناته، طُرحت عليه من سيئات المظلومين ثم ألقى به في جهنم.
قال تعالى :﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ﴾.
فهو سبحانه لا يشغله شأن عن شأن، بل يحاسب الناس جميعا في وقت واحد، كما يرزقهم في وقت واحد.
من أوصاف القيامة
﴿ وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ١٨ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ١٩ والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير ٢٠ * أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ٢١ ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب ٢٢ ﴾
المفردات :
يوم الآزفة : يوم القيامة، سمى بالآزفة لقربه، يقال، أزف الرحيل، يأزف أزفا، إذا قرب، فهو من باب تعب.
الحناجر : الحلوق.
كاظمين : ممتلئين غمّا، حال كونهم كاتمين مع الضيق.
حميم : قريب أو حبيب يهتم بالأمر.
ولا شفيع : صاحب شفاعة تقبل شفاعته.
التفسير :
١٨-﴿ وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ﴾.
تعرض الآية مشهدا مؤثرا من مشاهد يوم القيامة، فقد اشتد الهول بالظالمين، وعظم الكرب وخرجت القلوب من أماكنها، وتوقّفت في الحلقوم من شدة الهول، فلم يتيسر لهم خروج القلوب وتمام الموت، ولم تتيسّر لهم راحة البال، واستقرار القلوب في أماكنها، وقريب منه قول القرآن الكريم :﴿ وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ﴾. ( الأحزاب : ١٠ ).
وهو مجاز عن شدة الكرب الذي أصاب المؤمنين في غزوة الأحزاب.
ومعني الآية :
خوّف الكافرين الظالمين من أهوال يوم القيامة، حيث تصعد القلوب من الهول إلى الرقبة، ويقف الكافر في حالة من الغيظ والقهر، قد كظم غيظه في قهر وإحباط، ويئس من النجاة، ولا أمل من قريب أو حبيب، أو شفيع يطاع في شفاعته، فلا شفاعة للمشركين في ذلك اليوم، إذ لله الشفاعة جميعا، وهؤلاء لم يعملوا عملا صالحا يستحقون به الشفاعة.
وفي معنى الآية قوله تعالى :﴿ فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ﴾. ( الملك : ٢٧ )
قال قتادة :
﴿ إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين... ﴾
وقفت القلوب في الحناجر من الخوف، فلا تخرج ولا تعود إلى أماكنها، وكذلك قال عكرمة والسدّي وغير واحد ١.
١ من تفسير ابن كثير ٧/١٣٧، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، المملكة العربية السعودية، الرياض ط ١٩٩٧..
المفردات :
خائنة الأعين : الأعين الخائنة التي تختلس النظر إلى المحرّم، أي : تنظر خفية إلى ما يعاب في العلانية.
ما تخفي الصدور : ما تكنّه الضمائر.
التفسير :
١٩- ﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾.
الله تعالى مطلع على كل شيء، قد أحاط علمه بجميع الأشياء جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها، هو عالم بالسرّ وبما هو أخفى من السرّ، وهو مطلع وشاهد على ما في النفوس، فليراقب الإنسان خالقه.
قال تعالى :﴿ واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه... ﴾ ( البقرة : ٢٣٥ ).
قال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾.
هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمرّ به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غض، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غضّ بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه ودّ لو اطلع على عورتها، رواه ابن أبي حاتم، وأورده ابن كثير.
وقال مجاهد : هي مسارقة العين إلى ما نهى الله عنه.
أي أنّ الله سبحانه مطلع وشاهد على أفعال العبد، وما يخفيه في صدره.
٢٠- ﴿ والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير ﴾.
الله تعالى حاكم عادل بيده الخلق والأمر، والقضاء بين العباد يوم القيامة، ومجازاة العباد بدون ظلم أو حيف، وهو قادر فقد خلق الكون وأوجد الوجود، وأرسل الرسل، وأوضح لنا الطريق، أمّا الآلهة المدّعاة والأصنام والأوثان، فإنها لا تملك شيئا ولا تحكم بشيء.
﴿ إن الله هو السميع البصير ﴾.
فهو سميع لأقوال خلقه ودعائهم، بصير بهم، مطلع عليهم فيهدي من يشاء، ويُضلُّ من يشاء وهو الحاكم العادل في جميع ذلك.
٢١-﴿ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ﴾.
من شأن القرآن أن يتنقل بالمشاهد من بين مشاهد الآخرة إلى مشاهد التاريخ، فقد كان قوم نوح وعاد وثمود وفرعون وأمثالهم يملكون أسباب العزة والقوة، وتمكنوا في الأرض، وتركوا فيها آثارا تدل على قوتهم وتفوقهم، ثم عتوا عن أمر الله، وكذبوا رسلهم، واشتد عنادهم، فلم ينفعهم ما هم فيه من تقدم وعمران، بل عاقبهم الله بسبب كفرهم، وأهلكهم بسبب عنادهم، ولم يكن لهم مانع يمنعهم من عذاب الله.
قال ابن كثير :
﴿ وما كان لهم من الله من واق ﴾.
أي : ما دفع عنهم عذاب الله أحد، ولا ردّه عنهم راد، ولا وقاهم واق. ا ه.
والآية تحذير لأهل مكة، وتهديد ووعيد.
كما قال تعالى :﴿ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه... ﴾ ( الأحقاب : ٢٦ ).
وقال تعالى :﴿ وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها... ﴾ ( الروم : ٩ ).
٢٢-﴿ ذالك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب ﴾.
أي : ذلك العذاب الذي أصاب المكذبين قبلهم، بسبب أن رسلهم كانوا يأتونهم بالدلائل الواضحة، والمعجزات المؤيدة التي تؤيد صدقهم، وتبيّن أنهم يبلّغون عن الله، فقابلوا ذلك بالكفر والكنود والاستكبار، فعاقبهم الله بالهلاك المدمّر، إنه سبحانه قوي غالب، وعقابه أليم لكل من عصاه، فاعتبروا واتعظوا بما أصابهم، فالسعيد من وعِظ بغيره.
قصة موسى عليه السلام
﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ٢٣ إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ٢٤ فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال ٢٥ وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد٢٦ وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ٢٧ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ٢٨ ﴾.
المفردات :
بآياتنا : جمع آية : وهي المعجزات.
وسلطان : حجة وبرهان.
مبين : ظاهر واضح، والعطف بين الآيات والسلطان لتغاير الوصفين، أي : أعطينا موسى المعجزات زائدا عليها المهابة والجلال والرعاية الإلهية.
تمهيد :
تمثل هذه الآيات ألوانا من جهاد المرسلين، فقد أرسل الله موسى مؤيدا بالمعجزات والبراهين إلى فرعون وقومه، لكنّ فرعون رفض دعوته، واتهمه بالسحر والكذب، كما فعل كفار مكة حين اتهموا محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، وفيه مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فرعون قد أمر بقتل الذكور من بني إسرائيل، حين رأى في منامه نارا تأتي على عرشه فتحرقه، وفسّر الكهان ذلك بأن طفلا سيولد في بني إسرائيل، يكون على يديه ذهاب ملك فرعون، ثم توقّف هذا القتل، فلما أرسل الله موسى رسولا، جدد فرعون الأمر بقتل أبناء المؤمنين، حتى لا يكونوا عونا لموسى، وكان فرعون عاتيا متجبرا، يأمر بالقتل لأهون الأسباب، وكان يحاول قتل موسى، لكن حاشية فرعون تشير عليه بعدم قتل موسى خوفا من عقوبة السماء، ولعل فيهم من كان يؤمن بصدق موسى، لكنّ فرعون يتظاهر بالتجلد، ويقول لحاشيته ذروني أقتل موسى، وليدع ربه ليخلّصه من القتل، إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه، أو يفسد دنياكم، وهنا يتحصن موسى بالله، ويلجأ إليه مستجيرا بقوته من كل ظالم ينسى القيامة والحساب.
التفسير :
٢٣- ﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾.
من شأن القرآن أن ينوِّع في أساليب دعوته إلى الحق والإيمان، وهنا يذكر جانيا من قصة موسى عليه السلام، حيث أرسله الله إلى فرعون رسولا، وأعطى موسى الوحي والتوراة والمعجزات، كما أعطاه الله المهابة والمحبة، وحفظه من القتل، وتعهد سبحانه بحفظه، وقد حكى القرآن تخوُّف موسى وهارون من فرعون في قوله تعالى :﴿ قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى * قالا لا تخافا إني معكما أسمع وأرى ﴾ ( طه : ٤٥، ٤٦ ).
وقال سبحانه :﴿ وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني ﴾. ( طه : ٣٩ ).
ولعل السلطان المبين هو الحجة الواضحة، كما يمكن أن يكون إشارة إلى ما منح الله موسى من المحبة والمهابة، حتى لا يجرؤ فرعون على قتله.
تمهيد :
تمثل هذه الآيات ألوانا من جهاد المرسلين، فقد أرسل الله موسى مؤيدا بالمعجزات والبراهين إلى فرعون وقومه، لكنّ فرعون رفض دعوته، واتهمه بالسحر والكذب، كما فعل كفار مكة حين اتهموا محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، وفيه مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فرعون قد أمر بقتل الذكور من بني إسرائيل، حين رأى في منامه نارا تأتي على عرشه فتحرقه، وفسّر الكهان ذلك بأن طفلا سيولد في بني إسرائيل، يكون على يديه ذهاب ملك فرعون، ثم توقّف هذا القتل، فلما أرسل الله موسى رسولا، جدد فرعون الأمر بقتل أبناء المؤمنين، حتى لا يكونوا عونا لموسى، وكان فرعون عاتيا متجبرا، يأمر بالقتل لأهون الأسباب، وكان يحاول قتل موسى، لكن حاشية فرعون تشير عليه بعدم قتل موسى خوفا من عقوبة السماء، ولعل فيهم من كان يؤمن بصدق موسى، لكنّ فرعون يتظاهر بالتجلد، ويقول لحاشيته ذروني أقتل موسى، وليدع ربه ليخلّصه من القتل، إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه، أو يفسد دنياكم، وهنا يتحصن موسى بالله، ويلجأ إليه مستجيرا بقوته من كل ظالم ينسى القيامة والحساب.
المفردات :
فرعون : ملك مصر.
هامان : وزير فرعون.
قارون : كان ثريا باغيا.
ساحر كذاب : يعنون موسى عليه السلام، وفيه مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
التفسير :
٢٤- ﴿ إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ﴾.
أرسلنا موسى إلى فرعون ملك مصر في تلك العهود، ويقال إنّه منفتاح بن رمسيس الثاني، وهامان وزير فرعون، وقارون أغنى أهل زمانه، فقال هؤلاء الملأ من قوم فرعون : إن موسى ساحر مخادع، وما جاء بهذه الآيات والمعجزات إلا سحرا وتمويها على الناس بسحره، كما أنه كذاب في ادعائه بأن الله أرسله إلى فرعون وقومه، وقد خصّ هنا هؤلاء الثلاثة لأنهم رؤساء المكذبين لموسى، وغيرهم تابع لهم.
وشأن الجبابرة الطغاة عدم الإصغاء إلى الحجة والمنطق، واللجوء إلى المكابرة والعناد.
تمهيد :
تمثل هذه الآيات ألوانا من جهاد المرسلين، فقد أرسل الله موسى مؤيدا بالمعجزات والبراهين إلى فرعون وقومه، لكنّ فرعون رفض دعوته، واتهمه بالسحر والكذب، كما فعل كفار مكة حين اتهموا محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، وفيه مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فرعون قد أمر بقتل الذكور من بني إسرائيل، حين رأى في منامه نارا تأتي على عرشه فتحرقه، وفسّر الكهان ذلك بأن طفلا سيولد في بني إسرائيل، يكون على يديه ذهاب ملك فرعون، ثم توقّف هذا القتل، فلما أرسل الله موسى رسولا، جدد فرعون الأمر بقتل أبناء المؤمنين، حتى لا يكونوا عونا لموسى، وكان فرعون عاتيا متجبرا، يأمر بالقتل لأهون الأسباب، وكان يحاول قتل موسى، لكن حاشية فرعون تشير عليه بعدم قتل موسى خوفا من عقوبة السماء، ولعل فيهم من كان يؤمن بصدق موسى، لكنّ فرعون يتظاهر بالتجلد، ويقول لحاشيته ذروني أقتل موسى، وليدع ربه ليخلّصه من القتل، إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه، أو يفسد دنياكم، وهنا يتحصن موسى بالله، ويلجأ إليه مستجيرا بقوته من كل ظالم ينسى القيامة والحساب.
المفردات :
بالحق : بالصدق
استحيوا نساءهم : أي أبقوا النساء على قيد الحياة، واقتلوا الذكور.
ضلال : ضياع.
التفسير :
٢٥- ﴿ فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال ﴾.
عندما قال فرعون وملؤه عن موسى إنّه ساحر كذاب، لم يمنعه ذلك من تبليغ رسالة ربه، فقدم إليهم حقائق الرسالة وأصولها، وهي الدعوى إلى الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ونبذ عبادة الأصنام، وعدم تأليه فرعون.
وحين عجز فرعون وملؤه عن مجابهة الحق الذي جاء به موسى، أمروا بأن يقتل أبناء المؤمنين بموسى، خوفا من أن يعضدوه وأن يساعدوه، وأن تترك الإناث أحياء للخدمة والإذلال، ولكن الله أبطل كيدهم وهزمهم، وأغرق الله فرعون وجيشه، ونجى موسى وقومه، ليشاهد الناس عاقبة الصبر من المؤمنين، وعاقبة الطغيان من الكافرين.
قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ ).
ومعنى قوله تعالى :
﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال ﴾.
إن عنت فرعون ضدّ موسى وقومه ذهب سدى وضاع، حيث نجى الله المؤمنين وأهلك الكافرين.
تمهيد :
تمثل هذه الآيات ألوانا من جهاد المرسلين، فقد أرسل الله موسى مؤيدا بالمعجزات والبراهين إلى فرعون وقومه، لكنّ فرعون رفض دعوته، واتهمه بالسحر والكذب، كما فعل كفار مكة حين اتهموا محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، وفيه مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فرعون قد أمر بقتل الذكور من بني إسرائيل، حين رأى في منامه نارا تأتي على عرشه فتحرقه، وفسّر الكهان ذلك بأن طفلا سيولد في بني إسرائيل، يكون على يديه ذهاب ملك فرعون، ثم توقّف هذا القتل، فلما أرسل الله موسى رسولا، جدد فرعون الأمر بقتل أبناء المؤمنين، حتى لا يكونوا عونا لموسى، وكان فرعون عاتيا متجبرا، يأمر بالقتل لأهون الأسباب، وكان يحاول قتل موسى، لكن حاشية فرعون تشير عليه بعدم قتل موسى خوفا من عقوبة السماء، ولعل فيهم من كان يؤمن بصدق موسى، لكنّ فرعون يتظاهر بالتجلد، ويقول لحاشيته ذروني أقتل موسى، وليدع ربه ليخلّصه من القتل، إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه، أو يفسد دنياكم، وهنا يتحصن موسى بالله، ويلجأ إليه مستجيرا بقوته من كل ظالم ينسى القيامة والحساب.
المفردات :
وليدع ربه : فيه عدم المبالاة بدعاء موسى ربه، ولعله تجلُّد ظاهري، بينما يرتعد في الباطن من دعاء موسى لربه.
أن يبدل دينكم : أن يغير عبادتكم لي بعبادتكم لغيري.
الفساد : القتل وإثارة الفتن والتحارب وإفساد الدنيا.
التفسير :
٢٦- ﴿ وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ﴾.
كان فرعون إذا همّ بقتل موسى، قال له مستشاروه : لا تعبأ به، ما هو إلا ساحر يبطل عمله بعض السحرة، وقالوا له : إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس، حيث يقولون : لابد أن موسى على الحق، وإن فرعون قد عجز عن معارضته بالحجة.
ولعل فرعون كان يحسُّ أن موسى على الحق، وما هو بساحر، ولكنه كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك.
وهذا الفرعون الذي يرتعد من قتل موسى، يتظاهر بالثبات وعدم الخوف، فيقول للملأ من قومه : دعوني أقتل موسى، وليدع ربه ليخلّصه مني إن كان إلها حقا.
ثم يذكر أسباب قتله فيقول :
﴿ إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ﴾.
ولما كان الدين أهم عند الناس من الدنيا، فقد أَلِفُوا ديانة معينة، تلقنوها صغارا، ومارسوها كبارا، فعزف فرعون على أوتار ديانتهم فقال : إني أخاف أن يبدّل دينكم الذي أنتم عليه، بديانة يدعو هو إليها، أو يفسد دنياكم بالفتنة والصراع بين أتباع دينه وإتباع دينكم، وهكذا يحتال الطغاة لأحكامهم، بأن هدفهم الصالح العام، والحرص على المصلحة العامة، والأمر في حقيقته هو الخوف من الهداة والدعاة والمصلحين والحرص على سلامة العرش والملك.
تمهيد :
تمثل هذه الآيات ألوانا من جهاد المرسلين، فقد أرسل الله موسى مؤيدا بالمعجزات والبراهين إلى فرعون وقومه، لكنّ فرعون رفض دعوته، واتهمه بالسحر والكذب، كما فعل كفار مكة حين اتهموا محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، وفيه مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فرعون قد أمر بقتل الذكور من بني إسرائيل، حين رأى في منامه نارا تأتي على عرشه فتحرقه، وفسّر الكهان ذلك بأن طفلا سيولد في بني إسرائيل، يكون على يديه ذهاب ملك فرعون، ثم توقّف هذا القتل، فلما أرسل الله موسى رسولا، جدد فرعون الأمر بقتل أبناء المؤمنين، حتى لا يكونوا عونا لموسى، وكان فرعون عاتيا متجبرا، يأمر بالقتل لأهون الأسباب، وكان يحاول قتل موسى، لكن حاشية فرعون تشير عليه بعدم قتل موسى خوفا من عقوبة السماء، ولعل فيهم من كان يؤمن بصدق موسى، لكنّ فرعون يتظاهر بالتجلد، ويقول لحاشيته ذروني أقتل موسى، وليدع ربه ليخلّصه من القتل، إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه، أو يفسد دنياكم، وهنا يتحصن موسى بالله، ويلجأ إليه مستجيرا بقوته من كل ظالم ينسى القيامة والحساب.
المفردات :
إني عذت بربي : استعذت واستجرت واعتصمت بربّي، يقال : استعذت بالله وعذت به معاذا وعياذا : اعتصمت.
التفسير :
٢٧- ﴿ وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ﴾.
سمع موسى برغبة فرعون في قتله، فالتجأ إلى الله وتحصّن بجنابه، واستمدّ منه المعونة والحفظ، وخاطب موسى قومه في غيبة فرعون، وقال لهم : إني أستعيذ بالله، والجأ إليه، و أتحصّنُ بالرجاء فيه، والمعونة منه، فهو ربّي وخالقي وربكم، فضم جماعة المؤمنين إليه إذ تآلف الأرواح له شأن كبير في استجلاب الإجابة، ومن أجل ذلك شرعت صلاة الجماعة.
﴿ من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ﴾.
جعل استعاذته عامة ليست لشخص فرعون، بل لكل من اتصف بصفات الكبر والتعاظم على الإيمان بالله، فهذا كِبْر من أسوأ أنواع الكبر، لأن تكبر على المتفرد بالعظمة والكبرياء، فإذا انضم إلى هذا الكبر عدم الإذعان للحق، وعدم الإيمان بالبعث والحساب والجزاء، دلّ ذلك على أنه قد بلغ الغاية في الطغيان، فمن اجتمع فيه التكبر، والتكذيب بالجزاء، وقلة المبالاة بالعاقبة، فقد استكمل القسوة والجرأة على الله سبحانه.
تمهيد :
تمثل هذه الآيات ألوانا من جهاد المرسلين، فقد أرسل الله موسى مؤيدا بالمعجزات والبراهين إلى فرعون وقومه، لكنّ فرعون رفض دعوته، واتهمه بالسحر والكذب، كما فعل كفار مكة حين اتهموا محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، وفيه مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فرعون قد أمر بقتل الذكور من بني إسرائيل، حين رأى في منامه نارا تأتي على عرشه فتحرقه، وفسّر الكهان ذلك بأن طفلا سيولد في بني إسرائيل، يكون على يديه ذهاب ملك فرعون، ثم توقّف هذا القتل، فلما أرسل الله موسى رسولا، جدد فرعون الأمر بقتل أبناء المؤمنين، حتى لا يكونوا عونا لموسى، وكان فرعون عاتيا متجبرا، يأمر بالقتل لأهون الأسباب، وكان يحاول قتل موسى، لكن حاشية فرعون تشير عليه بعدم قتل موسى خوفا من عقوبة السماء، ولعل فيهم من كان يؤمن بصدق موسى، لكنّ فرعون يتظاهر بالتجلد، ويقول لحاشيته ذروني أقتل موسى، وليدع ربه ليخلّصه من القتل، إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه، أو يفسد دنياكم، وهنا يتحصن موسى بالله، ويلجأ إليه مستجيرا بقوته من كل ظالم ينسى القيامة والحساب.
٢٨- ﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ﴾.
هنا رجل من آل فرعون قبطي أخفى إيمانه عن قومه، وآمن بموسى سرّا، وكان ذلك من أسباب استماع فرعون إلى نصيحته، والكفّ عن قتل موسى، قال لهم : كيف تجرؤون على قتل رجل، وإزهاق روح إنسان كل تهمته أنه يقول : ربّي الله، أي الإله الذي خلق الناس جميعا، وهو حرٌّ في اعتقاده كما أنكم أحرار صادقا في قوله، وأنه رسول من عند الله، يصبكم بعض الذي يعدكم به من الهلاك في الدنيا، والعذاب في الآخرة، وقد تلطف في القول معهم، وسلك مسلك الملاينة، وقدّم احتمال كذب موسى استدراجا لهم، واستجلابا لاستماعهم.
وقد روى البخاري أن عقبة بن أبي معيط خنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر فدفع عقبه بن أبي معيط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ١.
وقال الإمام علي : أشجع الناس أبو بكر، لقد دافع عن رسول الله مثل دفاع مؤمن آل فرعون، بيد أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه، فأثنى الله عليه في كتابه، وأبو بكر أعلن إيمانه، وبذل ماله ودمه في سبيل الله
﴿ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ﴾.
أي : لو كان موسى مسرفا كذابا، ما هداه الله إلى إعلان رسالته، وتأييده بالمعجزات، وإعطائه السلطان المبين، ولو كان كذابا لخذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله.
وفي هذه الفقرة تعريض بفرعون وملئه، فإن إسرافهم في القتل وكذبهم على الله، أو تكذيبهم لرسله، يُعرِّضهم لعدم هداية الله لهم إلى السبيل الصواب ومنهاج النجاة.
١ فوضع رداءه في عنقه فخنقه به:
رواه البخاري في المناقب (٣٨٥٦، ٣٦٧٨) وفي التفسير (٤٨١٥) وأحمد في مسنده (٦٨٦٩) من حديث عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم..

ألوان من الحجج والبراهين
﴿ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ٢٩ وقال الذين آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب٣٠ مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ٣١ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ٣٢ يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد ٣٣ ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ٣٤ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على قلب متكبر جبار ٣٥ ﴾
المفردات :
ظاهرين في الأرض : غالبين عالين على بني إسرائيل في أرض مصر.
من بأس الله : من عذاب الله.
ما أريكم إلا ما أرى : ما أشير عليكم إلا بما أشير به على نفسي، وهو قتل موسى.
إلا سبيل الرشاد : إلا طريق الصلاح والصواب.
تمهيد :
ما أحرص هذا المؤمن الذي كتم إيمانه عن قومه، وأخذ يقدم إليهم النصائح المفيدة والحجج البينة، وتتمثل في هذه الأمور :

١-
موسى يقدم دعوة فلا يجوز أن يُقتل، بل تناقش أفكاره بالحجة، فإن كان كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه، وإن كان صادقا وقتلناه أصابنا بعض عقاب الله، [ ويطلق البعض ويراد به الكل، أو المراد على الأقل البعض ].

٢-
المُلك لكم اليوم، والغلبة والسلطان، وذلك يحتاج إلى شكر للنعمة، وإلاّ تعرضنا لبأس الله وعذابه.

٣-
أُحذركم نقمة الله، التي أصابت الأمم التي تحزَّبت على رسلها وكذبتهم، فنزل الغرق بقوم نوح، والهلاك بعاد وثمود، والخسف بقوم لوط، وكان العقاب عادلا غير ظالم، ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٩ ).

٤-
أحذركم يوم القيامة حيث تساقون إلى النار، ما لكم من الله من عاصم ولا نصير.

٥-
أذكّركم تكذيب آبائكم ليوسف الصديق، وقد أيّده الله بالمعجزات الظاهرة، حتى إذا مات قام أجدادكم : لن يجئ رسول من بعده، عنادا وكفرا.

٦-
الجدال في آيات الله بالباطل يعرض صاحبه لمقت الله وغضبه، كما يعرضه لمقت المؤمنين وغضبهم، ويعرضه لأن يسلب الله عنه الهدى، ويتركه ضالا متحيرا، لا يهتدي إلى الإيمان ولا يجد برد اليقين.
التفسير :
٢٩- ﴿ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾.
يا قومي ويا عشيرتي، أنتم اليوم تتمتعون بملك مصر، ولكم الغلبة والدولة والعلوّ على بني إسرائيل، وإنّي أحذركم من قتل موسى ظلما، فنستحق حينئذ بطش الله الشديد، الذي لا يغلبه غالب.
وتوجه إليهم بهذا الاستفهام الإنكاري قائلا :﴿ فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾. ؟
أي : من يمنعنا من عقوبة الله وعذابه إذا نزل بنا ؟.
والجواب : لا أحد.
قال تعالى :﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ﴾. ( هود : ١٠٢ )
﴿ قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾.
أي : قال فرعون معقبا على نصيحة هذا المؤمن : ما أريكم من الرأي والنصيحة إلا ما أراه لنفسي، وما أُشير عليكم إلا بالذي أراه وأستصوبه لنفسي من قتل موسى، وما أقدم لكم إلا طريق الصواب والصلاح، فأنا لا أغشكم، ولا أظهر لكم خلاف ما أبطن، وقد كَذَب فرعون وغشّ أمته في ذلك، وسيلقى عقوبة الحاكم الغاشّ لأمته، حين يملأ ركنا من أركان جهنم، ولا يجد ريح الجنة، لقد كان فرعون يرتعد فرقا من قتل موسى، ويتظاهر بالتجلد.
تمهيد :
ما أحرص هذا المؤمن الذي كتم إيمانه عن قومه، وأخذ يقدم إليهم النصائح المفيدة والحجج البينة، وتتمثل في هذه الأمور :

١-
موسى يقدم دعوة فلا يجوز أن يُقتل، بل تناقش أفكاره بالحجة، فإن كان كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه، وإن كان صادقا وقتلناه أصابنا بعض عقاب الله، [ ويطلق البعض ويراد به الكل، أو المراد على الأقل البعض ].

٢-
المُلك لكم اليوم، والغلبة والسلطان، وذلك يحتاج إلى شكر للنعمة، وإلاّ تعرضنا لبأس الله وعذابه.

٣-
أُحذركم نقمة الله، التي أصابت الأمم التي تحزَّبت على رسلها وكذبتهم، فنزل الغرق بقوم نوح، والهلاك بعاد وثمود، والخسف بقوم لوط، وكان العقاب عادلا غير ظالم، ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٩ ).

٤-
أحذركم يوم القيامة حيث تساقون إلى النار، ما لكم من الله من عاصم ولا نصير.

٥-
أذكّركم تكذيب آبائكم ليوسف الصديق، وقد أيّده الله بالمعجزات الظاهرة، حتى إذا مات قام أجدادكم : لن يجئ رسول من بعده، عنادا وكفرا.

٦-
الجدال في آيات الله بالباطل يعرض صاحبه لمقت الله وغضبه، كما يعرضه لمقت المؤمنين وغضبهم، ويعرضه لأن يسلب الله عنه الهدى، ويتركه ضالا متحيرا، لا يهتدي إلى الإيمان ولا يجد برد اليقين.
المفردات :
يا قوم : يطلق القول على الرجال ليس فيهم امرأة، والواحد : رجل أو امرأة من غير لفظه.
مثل يوم الأحزاب : أيام الأمم الماضية، أي : وقائعهم.
الأحزاب : الأقوام الذين تحزبوا على أنبيائهم وكذّبوهم.
التفسير :
٣٠- ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ﴾.
ويا قوم إني أخاف عليكم إذا كذّبتم موسى وآذيتموه، أن يصيبكم من العذاب ما أصاب الأمم التي تحزّبت على رسلها، وكذبتهم فأهلكهم الله بالعذاب.
تمهيد :
ما أحرص هذا المؤمن الذي كتم إيمانه عن قومه، وأخذ يقدم إليهم النصائح المفيدة والحجج البينة، وتتمثل في هذه الأمور :

١-
موسى يقدم دعوة فلا يجوز أن يُقتل، بل تناقش أفكاره بالحجة، فإن كان كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه، وإن كان صادقا وقتلناه أصابنا بعض عقاب الله، [ ويطلق البعض ويراد به الكل، أو المراد على الأقل البعض ].

٢-
المُلك لكم اليوم، والغلبة والسلطان، وذلك يحتاج إلى شكر للنعمة، وإلاّ تعرضنا لبأس الله وعذابه.

٣-
أُحذركم نقمة الله، التي أصابت الأمم التي تحزَّبت على رسلها وكذبتهم، فنزل الغرق بقوم نوح، والهلاك بعاد وثمود، والخسف بقوم لوط، وكان العقاب عادلا غير ظالم، ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٩ ).

٤-
أحذركم يوم القيامة حيث تساقون إلى النار، ما لكم من الله من عاصم ولا نصير.

٥-
أذكّركم تكذيب آبائكم ليوسف الصديق، وقد أيّده الله بالمعجزات الظاهرة، حتى إذا مات قام أجدادكم : لن يجئ رسول من بعده، عنادا وكفرا.

٦-
الجدال في آيات الله بالباطل يعرض صاحبه لمقت الله وغضبه، كما يعرضه لمقت المؤمنين وغضبهم، ويعرضه لأن يسلب الله عنه الهدى، ويتركه ضالا متحيرا، لا يهتدي إلى الإيمان ولا يجد برد اليقين.
المفردات :
مثل دأب قوم نوح : مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر، وإيذاء الرسل، حيث عذبهم الله واستأصلهم.
التفسير :
٣١- ﴿ مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ﴾.
أي : أخاف عليكم أن يكون حالكم وشأنكم كحال قوم نوح، حين كذبوا نوحا فأغرقهم الله، ومثل عاد الذين أهلكهم الله بريح صرصر عاتية، ومثل ثمود الذين أهلكهم الله بالطاغية، ومثل قوم لوط الذين دمّر الله عليهم قريتهم، وجعل عاليها سافلها، وهؤلاء وأشباههم كذّبوا رسلهم، فاستحقوا عذاب الله عقابا عادلا على تجرؤهم على الرسل، وعلى كفرهم بالله ورسله، والله تعالى عادل منصف، فلا يعاقب إلا بذنب، وهو سبحانه لا يريد أن يظلم العباد، لأنه كريم حليم.
وفي هذا المعنى قال تعالى :﴿ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم... ﴾ ( النساء : ١٤٧ ).
وقال سبحانه :﴿ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ﴾. ( يونس : ٤٤ ).
تمهيد :
ما أحرص هذا المؤمن الذي كتم إيمانه عن قومه، وأخذ يقدم إليهم النصائح المفيدة والحجج البينة، وتتمثل في هذه الأمور :

١-
موسى يقدم دعوة فلا يجوز أن يُقتل، بل تناقش أفكاره بالحجة، فإن كان كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه، وإن كان صادقا وقتلناه أصابنا بعض عقاب الله، [ ويطلق البعض ويراد به الكل، أو المراد على الأقل البعض ].

٢-
المُلك لكم اليوم، والغلبة والسلطان، وذلك يحتاج إلى شكر للنعمة، وإلاّ تعرضنا لبأس الله وعذابه.

٣-
أُحذركم نقمة الله، التي أصابت الأمم التي تحزَّبت على رسلها وكذبتهم، فنزل الغرق بقوم نوح، والهلاك بعاد وثمود، والخسف بقوم لوط، وكان العقاب عادلا غير ظالم، ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٩ ).

٤-
أحذركم يوم القيامة حيث تساقون إلى النار، ما لكم من الله من عاصم ولا نصير.

٥-
أذكّركم تكذيب آبائكم ليوسف الصديق، وقد أيّده الله بالمعجزات الظاهرة، حتى إذا مات قام أجدادكم : لن يجئ رسول من بعده، عنادا وكفرا.

٦-
الجدال في آيات الله بالباطل يعرض صاحبه لمقت الله وغضبه، كما يعرضه لمقت المؤمنين وغضبهم، ويعرضه لأن يسلب الله عنه الهدى، ويتركه ضالا متحيرا، لا يهتدي إلى الإيمان ولا يجد برد اليقين.
المفردات :
يوم التناد : يوم القيامة، ينادي بعضهم بعضا للاستغاثة، ويكثر فيه نداء أصحاب الجنة، وأصحاب النار.
التفسير :
٣٢- ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾.
إنّي أشفق عليكم من عذاب يوم القيامة، حين ينادي أهل الجنة أهل النار، وحين ينادي أهلُ النار أهل الجنة، وحين ينادي أصحاب الأعراف أهل النار، كما ورد في الآيات ٤٤، ٤٨، ٥٠ من سورة الأعراف، وفي ذلك اليوم تنادي الملائكة أهل السعادة لدخول الجنة، وعلى أهل الشقاء لدخول النار، فلفظ التناد بتخفيف الدال، - وحذف الياء – تفاعل من النداء، يقال : تنادى القوم، إذ نادى بعضهم بعضا.
تمهيد :
ما أحرص هذا المؤمن الذي كتم إيمانه عن قومه، وأخذ يقدم إليهم النصائح المفيدة والحجج البينة، وتتمثل في هذه الأمور :

١-
موسى يقدم دعوة فلا يجوز أن يُقتل، بل تناقش أفكاره بالحجة، فإن كان كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه، وإن كان صادقا وقتلناه أصابنا بعض عقاب الله، [ ويطلق البعض ويراد به الكل، أو المراد على الأقل البعض ].

٢-
المُلك لكم اليوم، والغلبة والسلطان، وذلك يحتاج إلى شكر للنعمة، وإلاّ تعرضنا لبأس الله وعذابه.

٣-
أُحذركم نقمة الله، التي أصابت الأمم التي تحزَّبت على رسلها وكذبتهم، فنزل الغرق بقوم نوح، والهلاك بعاد وثمود، والخسف بقوم لوط، وكان العقاب عادلا غير ظالم، ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٩ ).

٤-
أحذركم يوم القيامة حيث تساقون إلى النار، ما لكم من الله من عاصم ولا نصير.

٥-
أذكّركم تكذيب آبائكم ليوسف الصديق، وقد أيّده الله بالمعجزات الظاهرة، حتى إذا مات قام أجدادكم : لن يجئ رسول من بعده، عنادا وكفرا.

٦-
الجدال في آيات الله بالباطل يعرض صاحبه لمقت الله وغضبه، كما يعرضه لمقت المؤمنين وغضبهم، ويعرضه لأن يسلب الله عنه الهدى، ويتركه ضالا متحيرا، لا يهتدي إلى الإيمان ولا يجد برد اليقين.
المفردات :
مدبرين : منصرفين عن موقف الحساب إلى النار.
التفسير :
٣٣- ﴿ يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾.
قال الضحاك :
إذا سمع الكفار زفير جهنم فرّوا هربا، باحثين عن ملجأ يقيهم ويمنعهم من النار، فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا، فبينما هم يموج بعضهم في بعض إذ سمعوا مناديا : أقبلوا للحساب.
والمعنى :
يوم تفرّون هاربين، ليس لكم ملجأ ولا عاصم يعصمكم ويمنعكم من عذاب الله.
﴿ ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾.
من غضب اله عليه لسوء عمله، فلن يجد هاديا يهديه، بعد أن سلب الله عنه الهدى والتوفيق، فأصبح حائرا ضالا، مظلم القلب معصوب العين، حيران لا يهتدي إلى الحق والصواب.
تمهيد :
ما أحرص هذا المؤمن الذي كتم إيمانه عن قومه، وأخذ يقدم إليهم النصائح المفيدة والحجج البينة، وتتمثل في هذه الأمور :

١-
موسى يقدم دعوة فلا يجوز أن يُقتل، بل تناقش أفكاره بالحجة، فإن كان كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه، وإن كان صادقا وقتلناه أصابنا بعض عقاب الله، [ ويطلق البعض ويراد به الكل، أو المراد على الأقل البعض ].

٢-
المُلك لكم اليوم، والغلبة والسلطان، وذلك يحتاج إلى شكر للنعمة، وإلاّ تعرضنا لبأس الله وعذابه.

٣-
أُحذركم نقمة الله، التي أصابت الأمم التي تحزَّبت على رسلها وكذبتهم، فنزل الغرق بقوم نوح، والهلاك بعاد وثمود، والخسف بقوم لوط، وكان العقاب عادلا غير ظالم، ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٩ ).

٤-
أحذركم يوم القيامة حيث تساقون إلى النار، ما لكم من الله من عاصم ولا نصير.

٥-
أذكّركم تكذيب آبائكم ليوسف الصديق، وقد أيّده الله بالمعجزات الظاهرة، حتى إذا مات قام أجدادكم : لن يجئ رسول من بعده، عنادا وكفرا.

٦-
الجدال في آيات الله بالباطل يعرض صاحبه لمقت الله وغضبه، كما يعرضه لمقت المؤمنين وغضبهم، ويعرضه لأن يسلب الله عنه الهدى، ويتركه ضالا متحيرا، لا يهتدي إلى الإيمان ولا يجد برد اليقين.
المفردات :
يوسف : هو يوسف بن يعقوب عليه السلام.
هلك : مات.
من هو مسرف مرتاب : مشرك مستكثر من المعاصي، شاك في وحدانية الله.
التفسير :
٣٤- ﴿ ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ﴾.
كان بين رسالة يوسف ورسالة موسى أكثر من أربعة قرون، وكان يوسف على خزائن أرض مصر، وأعطاه الله الرسالة والدعوة إلى توحيد الله، ولقي من قبط مصر ما لقيه الرُّسل من الشك والارتياب، وكان الله قد أعطى يوسف تفسير الرؤيا، وغير ذلك من المعجزات، والبيانات المؤيدة لرسالته، وقد قابله أهل مصر بالكنود مع شيء من المجاملة لتمتعه بالوزارة، حتى إذا مات داعيا الله قائلا :﴿ رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ﴾. ( يوسف : ١٠١ ).
وهنا يذكّر الرجُل المؤمن معاصريه بأن أجدادكم قابلوا رسالة يوسف بالشك والارتياب، حتى إذا مات يوسف قال الأجداد : لن يبعث الله من بعده رسولا إلينا، وقد استرحنا منهم، وهذا لون من الإسراف. في العصيان والتمرد على التوحيد، والارتياب في صدق الرُّسل.
﴿ كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ﴾.
أي : مثل ذلك الإضلال الشديد يضلّ الله به من أسرف في تقليد الآباء، وتشكك في هدي السماء، ولم يفتح قلبه لوحي الله، وللدعوة إلى الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر.
تمهيد :
ما أحرص هذا المؤمن الذي كتم إيمانه عن قومه، وأخذ يقدم إليهم النصائح المفيدة والحجج البينة، وتتمثل في هذه الأمور :

١-
موسى يقدم دعوة فلا يجوز أن يُقتل، بل تناقش أفكاره بالحجة، فإن كان كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه، وإن كان صادقا وقتلناه أصابنا بعض عقاب الله، [ ويطلق البعض ويراد به الكل، أو المراد على الأقل البعض ].

٢-
المُلك لكم اليوم، والغلبة والسلطان، وذلك يحتاج إلى شكر للنعمة، وإلاّ تعرضنا لبأس الله وعذابه.

٣-
أُحذركم نقمة الله، التي أصابت الأمم التي تحزَّبت على رسلها وكذبتهم، فنزل الغرق بقوم نوح، والهلاك بعاد وثمود، والخسف بقوم لوط، وكان العقاب عادلا غير ظالم، ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٩ ).

٤-
أحذركم يوم القيامة حيث تساقون إلى النار، ما لكم من الله من عاصم ولا نصير.

٥-
أذكّركم تكذيب آبائكم ليوسف الصديق، وقد أيّده الله بالمعجزات الظاهرة، حتى إذا مات قام أجدادكم : لن يجئ رسول من بعده، عنادا وكفرا.

٦-
الجدال في آيات الله بالباطل يعرض صاحبه لمقت الله وغضبه، كما يعرضه لمقت المؤمنين وغضبهم، ويعرضه لأن يسلب الله عنه الهدى، ويتركه ضالا متحيرا، لا يهتدي إلى الإيمان ولا يجد برد اليقين.
المفردات :
سلطان : حجة قوية وبرهان ظاهر.
كبر مقتا عند الله : عظم جدالهم بغضا عند الله.
كذلك يطبع الله : كما ختم الله على قلوب هؤلاء المجادلين، فكذلك يختم على كل قلب متكبر جبار، حتى لا يعقل الرشاد ولا يقبل الحق.
التفسير :
٣٥- الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على قلب متكبر جبار }.
كأني بمؤمن آل فرعون وقد حرص على هداية قومه واستمالتهم، فقدم لهم عددا من الأدلة والبراهين تحثهم على الإيمان برسول الله موسى، فهو يخوفهم بطش الله حينا، ويذكّرهم بما أصاب المكذبين للرسل حينا، ويذكرهم بأهوال القيامة حينا ثالثا، وبسيرة يوسف الصديق مع أجدادهم، وهنا يوضّح أن الجدال نوعان :
١- جدال لاستيضاح الحق، فهو نقاش يتبين منه الإنسان ما يريد أن يستوضحه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمح لأصحابه بمثل هذه المناقشة، ويردّ عليهم بما يقنعهم.
وقد أشار عليه أحد أصحابه في غزوة بدر باتخاذ موقع أكثر قربا من الماء، وأكثر ملائمة للمعركة فقبل مشورته، وفي غزوة الخندق سمع مشورة الأنصار في عدم إعطاء هوازن ثلث ثمار المدينة، وغير ذلك. وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشورة لأصحابه مع أن الوحي ينزل عليه، ومع ذلك كان يقول : " أشيروا عليّ أيها الناس " ١.
٢- جدال يراد به المكابرة بدون حجة صالحة لا نقلية ولا عقلية، وهو جدال ممقوت، يحمل الكبر والتعصب والتقليد الأعمى.
ومعنى الآية :
لله تعالى رسالات سماوية، وأدلة عقلية بثّها في هذا الكون، فهناك من يستجيب لهدي السماء، لكن من يتكبر عن قبول الحق ويتجبر بالباطل، هؤلاء الذين يفعلون ذلك كبر وعظم بغضا جدالهم عند الله، وعند الذين آمنوا.
قال الزجاج :
المراد بالذين يجادلون كل مسرف مرتاب، وهم يجادلون في الله بغير حجة صالحة للتمسك بها، لا هي حجة نقلية أتتهم من جهته تعالى على أيدي الرسل، ولا هي حجة عقلية استنبطوها من الكون ا ه.
أي أن هذه الآية مرتبطة بالآية السابقة، فهؤلاء المسرفون المرتابون في هدي السماء، من شأنهم الجدال في آيات الله بغير سلطان، وعليهم غضب الله تعالى، وغضب الذين آمنوا.
جاء في حاشية الجمل على الجلالين :
وهذه الصفة – وهي الجدال بالباطل بدون برهان- موجودة في فرعون وقومه، ويكون الرجل المؤمن قد عدل عن مخاطبتهم إلى الاسم الغائب، لحسن محاورته لهم، واستجلاب قلوبهم، وأبرز ذلك في صورة تذكّرهم، فلم يخصهم بالخطاب، وقوله :﴿ كبر مقتا ﴾، ضرب من التعجب والاستفهام لجدالهم... ا ه.
أي ما أكبر غضب الله عليهم، وما أعظم مقت المؤمنين لهم.
﴿ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾.
أي : مثل ذلك الطبع العجيب يطبع الله تعالى، ويختم بالكفر والعمى على قلب كل إنسان متكبر عن الاستماع للحق، متطاول ومتجبر على خلق الله تعالى بالعدوان والإيذاء.
١ أشيروا عليّ أيها الناس.:
ذكره البيهقي في دلائل النبوة..

استمرار الرجل المؤمن في محاورة قومه.
﴿ وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب ٣٦ أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ٣٧ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ٣٨ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ٣٩ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ٤٠ *ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار٤١ تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ٤٢ لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار ٤٣ فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ٤٤ فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآب فرعون سوء العذاب ٤٥ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ٤٦ ﴾
المفردات :
ابن لي صرحا : بناء عاليا كالقصر، من صرح الشيء إذا ظهر.
أبلغ الأسباب : الأبواب أو الطرق.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
التفسير :
٣٦- ﴿ وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب ﴾.
بعد أن قدّم مؤمن آل فرعون نصيحته حاول فرعون البحث عن مخرج، وحاول إيهام الناس أن يريد أن يبحث عن إله موسى.
فطلب من هامان أن يبني له صرحا عاليا مكشوفا ليشاهده من يراه، يحاول البحث عن الطرق والأبواب التي يتوصل بها لرؤية إله موسى.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
المفردات :
تباب : خسران وهلاك، ومنه :﴿ تبت يدا أبي لهب وتب ﴾. ( المسد : ١ ) أي : هلكت أو خسرت.
٣٧- ﴿ أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ﴾.
أي لعلّي أصل إلى طرق السماء أو أبوابها، فإذا وصلت إليها بحثت عن إله موسى.
" وهو لا يريد بذلك إلا التمويه والتخطيط والتلبيس على قومه، فكأنه يقول لهم : لو كان إله موسى موجودا لكان له محلّ، ومحله إمّا في الأرض وإما في السماء، ولم نره في الأرض فينبغي أن يكون في السماء، والسماء لا يتوصل إليها إلا بسلم " ١.
وما عَلْمَ هذا الفرعون أن الله تعالى لا يحدّه مكان، فالإله سبحانه ليس كمّا ولا كيفا وليس له طول أو عرض، بل هو علة العلل، وهو سر وجود الكون.
قال تعالى :﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾. ( الشورى : ١١ ).
وبمثل هذه المغالطة :﴿ زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ﴾.
لقد زين الشيطان لفرعون عمله الرديء في تكذيب الحق والمغالطة، وخداع الجماهير حتى تظل تابعة له، وقد سلبه الله الهدى : فعاش ضالا عن سبيل الحق ونور الإيمان.
وقد أحبط الله كيد فرعون، وثَلَّ عرشه، ومات غريقا في ماء النيل، ونجّى الله جثته لتحنّط وتظل آية وعبرة لكل الظالمين.
١ حاشية الجمل على الجلالين..
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
المفردات :
سبيل الرشاد : أدلكم على طريق الهدى وهو الجنة، أو طريق الصواب والسداد.
التفسير :
٣٨- ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ﴾.
قال هذا المؤمن لقومه : اتبعوا نصيحتي حتى أدلكم على طريق الرشاد والخير، وهو اتباع دين الله الذي جاء به موسى.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
المفردات :
متاع : تمتع يسير لسرعة زوالها، يُتمتع بها زمنا قليلا ثم تزول.
دار القرار : دار البقاء والدوام والخلود.
التفسير :
٣٩- ﴿ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ﴾.
ما أخلص هذا المؤمن لدينه ولقومه، حيث يفتح عيون القبط المصريين على أنّ الدنيا فانية، ومتعتها زائلة، وآن الآخرة هي الحياة الباقية، ودار الاستقرار والخلود والدوام.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
المفردات :
سيئة : خطيئة.
بمثلها : بما يعادلها.
بغير حساب : بغير تقدير وموازنة، بل أضعافا مضاعفة.
التفسير :
٤٠- ﴿ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ﴾.
من عدالة الله تعالى أن يكافئ على السيئة بالسيئة بدون زيادة، أما المؤمن إذا عمل عملا صالحا – سواء أكان ذكرا أم أنثى- فإن الله يدخله الجنة، ويتمتع فيها بألوان النعيم، حين يرزقه الله فيها بغير حساب، بل بكرم الله وفضله وعدله ومعونته الإلهية.
وهذا تفضل من الله على عباده، أن يضاعف الحسنات إلى أضعاف مضاعفة لا يعلمها غيره، بينما السيئات لا يجازى عليها الإنسان إلا بمثلها.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
٤١- ﴿ ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ﴾.
ونجد هذا المؤمن يتحبب إلى قومه، ويدخل عليهم من كل باب، ويكرر كلمة : يا قوم : ليذكرهم بأنه منهم، وأنهم قومه، أي : عزيز عليه هلاكهم، حبيب إليه هدايتهم.
ومعنى الآية :
ما لكم يا قوم ؟ أخبروني عن حالكم معي، فأنا أدعوكم إلى طريق النجاة من غضب الله وعذابه، وذلك بتوحيد الله سبحانه، وعبادته وحده لا شريك له، وتصديق رسوله المبعوث إليكم من عند ربكم، وتدعونني إلى عمل أهل النار بعبادة الأوثان والشرك والعصيان.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
المفردات :
ما ليس لي به علم : ما لم يقم على ربوبيته دليل ولا برهان.
التفسير :
٤٢- ﴿ تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ﴾.
تدعونني لأنكر وحدانية الله، وأشرك به آلهة أخرى باطلة زائفة لم يقم دليل على ألوهيتها، ولا علم لي من وجه صحيح على أهمية هذه الآلهة، فهي لم تخلق هذا الكون، ولم توجد السماء أو الأرض، أو الليل أو النهار، أو الشمس أو القمر.
بينما أنا أدعوكم إلى العزيز الغالب، القاهر الخالق، الذي يقهر المبطلين الظالمين، وهو سبحانه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
المفردات :
لا جرم : حق وثبت، أو لا محالة.
ليس له دعوة : مستجابة أو استجابة دعوة.
مردنا إلى الله : رجوعنا بعد الموت إليه تعالى.
المسرفين : المجاوزين الحدّ.
التفسير :
٤٣- ﴿ لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار ﴾.
أي : حقّ وثبت وصحّ عقلا وواقعا أن الذي تدعونني إليه من عبادة الأوثان ليس له أي دعوة مستجابة، فلا يجيب داعيه لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه جماد لا يسمع ولا يبصر، ولا ينفع ولا يضر.
﴿ وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار ﴾.
وأن مرجعنا إلى الله تعالى يوم القيامة، حيث يكون الجزاء الحسن للطائعين العابدين المخلصين، أما من أسرف في المعاصي وأشرك بالله، وتعدّى حدود الله، وانغمس في الشرك والوثنية، فإنه من أصحاب النار، الخالدين فيها بإسرافهم.
وفي معنى الآية قوله تعالى :﴿ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ﴾. ( فاطر : ١٤ ).
وقوله سبحانه :﴿ ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ﴾. ( الأحقاف : ٦، ٥ ).
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
٤٤- ﴿ فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ﴾.
فستعلمون صدق ما دعوتكم إليه، وتتذكرونه يوم القيامة، فتندمون على عدم استجابتكم لي حيث لا ينفع الندم، أي : غدا يوم القيامة، ستعلمون صدق دعوتي، وسوء عاقبة الإعراض عن هداية الرسل.
﴿ وأفوض أمري إلى الله... ﴾.
وسوف أتوكل على الله مفوضا إليه أمري، مستعينا به ليعصمني من كل سوء في مقاطعتي لكم ومباعدتكم.
﴿ إن الله بصير بالعباد ﴾.
مطلع على شئونهم، ومحاسبهم على أعمالهم، فأنا أَكِلُ إليه أمري، راجيا هدايته وتوفيقه لي في الدنيا، آملا ثوابه يوم القيامة، فلله الحجة البالغة، والحكمة التامة، والقدرة النافذة.
قال مقاتل : هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
المفردات :
حاق : أحاط أو نزل.
التفسير :
٤٥- ﴿ فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ﴾.
فنجى الله هذا المؤمن وحفظه من قوم فرعون، حيث رغبوا في قتله فحفظه الله منهم، كما نجى موسى ومن آمن معه، أما قوم فرعون فقد أهلكهم الله تعالى، حيث غرقوا وهلكوا وتعرضوا لعذاب الدنيا، وأشد عذاب الآخرة.
تمهيد :
هذه مرحلة أخيرة في عنت فرعون وتضليله لمن معه، حيث طلب من هامان أن يبني له بناء عاليا ظاهرا مكشوفا، ليتلمّس طريقه إلى السماء، أو لينتقل من سماء إلى سماء حتى ينظر هناك إلى إله موسى، لكن الله أفشل كيده، وانتهى أمره إلى الغرق، بينما نجد مؤمن آل فرعون ينصح قومه باتباعه، فهو يدعوهم إلى أسباب الهدى والرشاد، وهم يعرضون عليه الكفر المؤدّي إلى النار، ويبين لهم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الله هو الإله الواحد، وأنّ ما عداه من الأوثان والأصنام أو فرعون ليس له أثر أو دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، وسيتذكرون نصيحته عند رؤيته البعث والحشر والجنة والنار.
وقد حاول قوم فرعون إيذاء هذا المؤمن، فتحصّن بقدرة الله، والتجأ إلى الله القوي العزيز، فحفظه الله منهم، أما آل فرعون فقد أهلكهم الغرق، وهم يشاهدون منازلهم في جهنم كل يوم بالغداة والعشي، وفي يوم القيامة يدخلون أشد ألوان العذاب جزاء كبرهم وعتوهم وظلمهم.
المفردات :
غدوا وعشيا : صباحا ومساء، أو دائما في البرزخ، والمراد به : عذاب القبر، حيث يشاهدون مكانهم في جهنم.
أشد العذاب : عذاب جهنم.
التفسير :
التفسير :
٤٦- ﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ﴾.
يعذَّب آل فرعون في قبورهم، فتُعرض أرواحهم على جهنم في الصباح والمساء، لتزداد حسرتهم بمنازلهم في النار، وفي القيامة يدخلون أشد العذاب في جهنم.
وتفيد الآية عذاب القبر ونعيمه، حين تخرج الأرواح إلى البرزخ، وتجد من ألوان السعادة والنعيم في القبر، حيث تعرض الروح على الجنة في الصباح والمساء ؛ لتشاهد المنزلة التي أعدت لها يوم القيامة، أما الكفّار فإن أرواحهم تُعرض على جهنم بالغداة والعشيّ، لترى المنزلة التي ستكون عليها الروح بعد البعث.
وقد ذكر الشيخ محمد عبده أن عذاب القبر ونعيمه أشبه بما يراه النائم حين نومه، فقد نجد اثنين في سرير واحد، يقوم أحدهما مذعورا كئيبا وجلا مما شاهد، بينما نجد الثاني يقوم من نومه مستبشرا فرحا سعيدا بما شاهده من ألوان المسرة والنعيم.
أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة "، ثم قرأ صلى اله عليه وسلم :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا... ﴾ ١.
وروى ابن أبي حاتم، والبزار في مسنده، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال :" ما أحسن محسن من مسلم أو كافر إلاّ أثابه الله تعالى "، قلنا : يا رسول الله، ما إثابة الكافر ؟ فقال : " إن كان قد وصل رحما، أو تصدق بصدقة، أو عمل حسنة أثابه الله تعالى المال والولد والصحة وأشباه ذلك "، قلنا : فما إثابته في الآخرة ؟ قال صلى الله عليه وسلم :" عذابا دون العذاب " وقرأ :﴿ أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ﴾.
وقال جمهور المفسرين : هذه الآية تدل على عذاب القبر ونعيمه في الدنيا، ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة :﴿ أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ﴾.
١ إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده.
رواه البخاري في الجنائز (١٣٧٩) وفي بدء الخلق (٣٢٤٠) وفي الرقاق (٦٥١٥) ومسلم في الجنة (٢٨٦٦) والترمذي في الجنائز (١٠٧٢) وأحمد في مسنده (٤٦٤٤) ومالك في الموطأ كتاب الجنائز (٥٦٤) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ".
تنبيه: قوله: ثم قرأ صلى الله عليه وسلم ﴿النار يعرضون عليها...﴾ قال السيوطي في الدر المنثور، وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده..." الحديث. ثم قال: زاد ابن مردويه ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا﴾. فَعُلِم من ذلك أن هذه الزيادة لم يذكرها الشيخان، فلينتبه..

المناظرة بين الرؤساء والأتباع.
﴿ وإذا يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ٤٧ قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ٤٨ وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ٤٩ قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ٥٠ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ٥١ يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ٥٢ ﴾.
المفردات :
المحاجة : المجادلة والخصام بين اثنين فأكثر.
الضعفاء : الأتباع والمرءوسون.
الذين استكبروا : القادة والسادة أولو الرأي فيهم.
التبع : وادهم تابع، كخدم وخادم.
مغنون : حاملون أو دافعون.
نصيبا : قسطا وجزءا.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهدا من مشاهد القيامة ؛ حيث يعاتب الضعفاء الكبراء، لأن الكبراء زيّنوا للضعفاء السير خلفهم، وإتباعهم فاتبعوهم كالأغنام، بدون أن يُعمِلوا عقولهم، وبعد خراب البصرة ودخول جهنم، يُقرِّع الأتباعُ المتبوعين، فيقولون لهم : لقد اتبعناكم، ودخلنا جهنم بسبب سيرنا خلفكم، فهل تتحملون عنا جانبا من عذاب جهنم ؟
وهنا يقول الكبراء : إن العذاب لنا جميعا في جهنم، نحن وأنتم في دركات النار، ولو نملك تخفيف العذاب لخففناه عن أنفسنا، إن الله قد قضى بأن يعذب جميع الكفار في النار، وحين يئس الكفار جميعا من تخفيف العذاب، اتجهوا إلى حرّاس جهنم يستشفعون بهم إلى الله، حتى يخفف عنهم يوما واحدا من العذاب، ليستريحوا قليلا، ويستعدوا لعذاب يوم مقبل، وتوجّه خزنة جهنم بسؤال توبيخ إلى الكفار : هل جاءتكم الرسل بالمعجزات والأدلة الواضحة على صدقهم وصدق الوحي والبعث ؟ قالوا : بلى جاءت الرسل بهذه الأدلة لكنّا لم نصدقهم وكذبناهم، عندئذ انسحب الملائكة من الشفاعة والدعاء لهم، وقالوا : ادعوا أنتم لأنفسكم ولن يسمع لكم دعاء، لأن دعاءكم في ضياع وخسران.
التفسير :
٤٧- ﴿ وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ﴾.
واذكر يا محمد لقومك هذا الموقف ليعتبروا ويتعظوا به، حين يقوم جدال وخصام بين الضعفاء التابعين والأقوياء المتبوعين، يقال فيه الضعفاء للكبراء : لقد اتبعناكم وسرنا خلفكم على وعد منكم بهدايتنا وقيادتنا إلى الفلاح، وها نحن الآن نلقى عذاب جهنم بسببكم، فهل تتحملون عنا جانبا منه، أو تشفعون لنا لتخفيف جزء من العذاب عنّا ؟ وهو سؤال تبكيت وتقريع ؛ لأن الضعفاء يشاهدون الكبراء أمامهم يعذبون مثلهم أو أشّد منهم.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهدا من مشاهد القيامة ؛ حيث يعاتب الضعفاء الكبراء، لأن الكبراء زيّنوا للضعفاء السير خلفهم، وإتباعهم فاتبعوهم كالأغنام، بدون أن يُعمِلوا عقولهم، وبعد خراب البصرة ودخول جهنم، يُقرِّع الأتباعُ المتبوعين، فيقولون لهم : لقد اتبعناكم، ودخلنا جهنم بسبب سيرنا خلفكم، فهل تتحملون عنا جانبا من عذاب جهنم ؟
وهنا يقول الكبراء : إن العذاب لنا جميعا في جهنم، نحن وأنتم في دركات النار، ولو نملك تخفيف العذاب لخففناه عن أنفسنا، إن الله قد قضى بأن يعذب جميع الكفار في النار، وحين يئس الكفار جميعا من تخفيف العذاب، اتجهوا إلى حرّاس جهنم يستشفعون بهم إلى الله، حتى يخفف عنهم يوما واحدا من العذاب، ليستريحوا قليلا، ويستعدوا لعذاب يوم مقبل، وتوجّه خزنة جهنم بسؤال توبيخ إلى الكفار : هل جاءتكم الرسل بالمعجزات والأدلة الواضحة على صدقهم وصدق الوحي والبعث ؟ قالوا : بلى جاءت الرسل بهذه الأدلة لكنّا لم نصدقهم وكذبناهم، عندئذ انسحب الملائكة من الشفاعة والدعاء لهم، وقالوا : ادعوا أنتم لأنفسكم ولن يسمع لكم دعاء، لأن دعاءكم في ضياع وخسران.
المفردات :
حكم : قضى وفصل.
التفسير :
٤٨- ﴿ قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ﴾.
أجاب الكبراء والقادة قائلين : لو كنّا نملك الشفاعة أو تخفيف العذاب عنكم لأتينا بذلك لأنفسنا، فنحن جميعا نعذّب في جهنم، لأن الله تعالى قد قضى وألزم بأن يلقى كل إنسان جزاء عمله، وأن يعاقب على اختياره وسعيه، لقد كانت لكم عقول واختيار فألغيتم عقولكم، وسرتم خلفنا بدون تبصر أو روية، فتحملوا جزاء اختياركم، فقد قضى الله تعالى بدخول أهل الجنة الجنة، كما قضى بدخول أهل النار النار، وقدّر لكل منّا ومنكم عذابا لا يُدفع عنه، ولا يتحمله عنه غيره.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهدا من مشاهد القيامة ؛ حيث يعاتب الضعفاء الكبراء، لأن الكبراء زيّنوا للضعفاء السير خلفهم، وإتباعهم فاتبعوهم كالأغنام، بدون أن يُعمِلوا عقولهم، وبعد خراب البصرة ودخول جهنم، يُقرِّع الأتباعُ المتبوعين، فيقولون لهم : لقد اتبعناكم، ودخلنا جهنم بسبب سيرنا خلفكم، فهل تتحملون عنا جانبا من عذاب جهنم ؟
وهنا يقول الكبراء : إن العذاب لنا جميعا في جهنم، نحن وأنتم في دركات النار، ولو نملك تخفيف العذاب لخففناه عن أنفسنا، إن الله قد قضى بأن يعذب جميع الكفار في النار، وحين يئس الكفار جميعا من تخفيف العذاب، اتجهوا إلى حرّاس جهنم يستشفعون بهم إلى الله، حتى يخفف عنهم يوما واحدا من العذاب، ليستريحوا قليلا، ويستعدوا لعذاب يوم مقبل، وتوجّه خزنة جهنم بسؤال توبيخ إلى الكفار : هل جاءتكم الرسل بالمعجزات والأدلة الواضحة على صدقهم وصدق الوحي والبعث ؟ قالوا : بلى جاءت الرسل بهذه الأدلة لكنّا لم نصدقهم وكذبناهم، عندئذ انسحب الملائكة من الشفاعة والدعاء لهم، وقالوا : ادعوا أنتم لأنفسكم ولن يسمع لكم دعاء، لأن دعاءكم في ضياع وخسران.
المفردات :
خزنة جهنم : القُوّام على تعذيب أهلها.
التفسير :
٤٩- ﴿ وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ﴾.
عندما يئس الصغار والكبار من تخفيف العذاب عنهم، اتجهوا على جهة أخرى، حيث ذهبوا إلى خزنة جهنم والقائمين على تعذيب الكفار، وقالوا لهم : ادعوا ربكم أن يخفف عنا يوما واحدا من العذاب، حتى نستريح قليلا، ونستعد في ذلك اليوم لما يُستقبل من العذاب.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهدا من مشاهد القيامة ؛ حيث يعاتب الضعفاء الكبراء، لأن الكبراء زيّنوا للضعفاء السير خلفهم، وإتباعهم فاتبعوهم كالأغنام، بدون أن يُعمِلوا عقولهم، وبعد خراب البصرة ودخول جهنم، يُقرِّع الأتباعُ المتبوعين، فيقولون لهم : لقد اتبعناكم، ودخلنا جهنم بسبب سيرنا خلفكم، فهل تتحملون عنا جانبا من عذاب جهنم ؟
وهنا يقول الكبراء : إن العذاب لنا جميعا في جهنم، نحن وأنتم في دركات النار، ولو نملك تخفيف العذاب لخففناه عن أنفسنا، إن الله قد قضى بأن يعذب جميع الكفار في النار، وحين يئس الكفار جميعا من تخفيف العذاب، اتجهوا إلى حرّاس جهنم يستشفعون بهم إلى الله، حتى يخفف عنهم يوما واحدا من العذاب، ليستريحوا قليلا، ويستعدوا لعذاب يوم مقبل، وتوجّه خزنة جهنم بسؤال توبيخ إلى الكفار : هل جاءتكم الرسل بالمعجزات والأدلة الواضحة على صدقهم وصدق الوحي والبعث ؟ قالوا : بلى جاءت الرسل بهذه الأدلة لكنّا لم نصدقهم وكذبناهم، عندئذ انسحب الملائكة من الشفاعة والدعاء لهم، وقالوا : ادعوا أنتم لأنفسكم ولن يسمع لكم دعاء، لأن دعاءكم في ضياع وخسران.
المفردات :
بالبينات : بالمعجزات والآيات.
بلى : نعم جاءونا.
ضلال : ضياع وبطلان.
التفسير :
٥٠- ﴿ قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ﴾.
أي : قالت الملائكة للكافرين على سبيل التقريع والتوبيخ : ألم يرسل الله إليكم رسلا معهم معجزات وآيات ظاهرة تؤكد صدقهم ؟ قال الكفّار لخزنة جهنم : بلى جاءت لنا الرسل، ومعهم المعجزات البينات، لكنا لم نسمع سماع تأمّل، ولم نتفهم ولم نتعقل لرسالتهم، وأعرضنا عن إتباعهم، عندئذ قالت الملائكة لهم : إذا كان هذا شأنكم فادعوا أنتم لأنفسكم، ودعاؤكم ضائع باطل لا أمل في إجابته.
وعندئذ يصاب الكافرون بشدة الخذلان والإحباط، فهم في جهنم لم يجدوا عونّا من القادة والرؤساء، ولم يجدوا عونا من خزنة جهنم، ولم يبق أمامهم إلا صنوف العذاب، جزاء اختيارهم الضلال وتركهم الهدى.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ﴾. ( الزمر : ٧١ ).
وقوله سبحانه :﴿ تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ﴾. ( الملك : ٩، ٨ ).
والآيات تفتح عيون الناس جميعا على هذه المواقف قبل أن يقعوا فيها، وحتى ينقذوا أنفسهم من النار قبل ضياع الفرصة، والندم بعد فوات الأوان.
قال تعالى :﴿ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير* فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ﴾. ( الملك : ١١، ١٠ ).
تمهيد :
تعرض الآيات مشهدا من مشاهد القيامة ؛ حيث يعاتب الضعفاء الكبراء، لأن الكبراء زيّنوا للضعفاء السير خلفهم، وإتباعهم فاتبعوهم كالأغنام، بدون أن يُعمِلوا عقولهم، وبعد خراب البصرة ودخول جهنم، يُقرِّع الأتباعُ المتبوعين، فيقولون لهم : لقد اتبعناكم، ودخلنا جهنم بسبب سيرنا خلفكم، فهل تتحملون عنا جانبا من عذاب جهنم ؟
وهنا يقول الكبراء : إن العذاب لنا جميعا في جهنم، نحن وأنتم في دركات النار، ولو نملك تخفيف العذاب لخففناه عن أنفسنا، إن الله قد قضى بأن يعذب جميع الكفار في النار، وحين يئس الكفار جميعا من تخفيف العذاب، اتجهوا إلى حرّاس جهنم يستشفعون بهم إلى الله، حتى يخفف عنهم يوما واحدا من العذاب، ليستريحوا قليلا، ويستعدوا لعذاب يوم مقبل، وتوجّه خزنة جهنم بسؤال توبيخ إلى الكفار : هل جاءتكم الرسل بالمعجزات والأدلة الواضحة على صدقهم وصدق الوحي والبعث ؟ قالوا : بلى جاءت الرسل بهذه الأدلة لكنّا لم نصدقهم وكذبناهم، عندئذ انسحب الملائكة من الشفاعة والدعاء لهم، وقالوا : ادعوا أنتم لأنفسكم ولن يسمع لكم دعاء، لأن دعاءكم في ضياع وخسران.
المفردات :
الأشهاد : جمع شاهد، كصاحب وأصحاب، والمراد : الأنبياء والحفظة، ويوم يقوم الأشهاد : هو يوم القيامة.
التفسير :
٥١- ﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ﴾.
هذه الآية تقرير لحقيقة عظمى، أي : ومن سنتنا أن ننصر رسلنا والذين آمنوا بهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
أما نصر الرسل في الدنيا فيكون بتوفيقهم في تبليغ الرسالة، وإقامة الحجة، واستمالة الأتباع، ورعاية المؤمنين، وذلك بشرح الرسالة، وتعميق ألوان الهداية.
ونصر الرسل قد يكون حسيّا، كما نجده في غرق فرعون ونجاة موسى، وكما في نجاة نوح ومن جاء بعده من المرسلين، كما في انتصار محمد صلى الله عليه وسلم في غزوات بدر وأحد والخندق والحديبية وفي فتح مكة وفي حنين، بعد أن خرج في الهجرة ثاني اثنين إذ هما في الغار، فالنصر قد يكون قريبا، وقد يتأخر النصر لحكمة.
وقد يكون النصر معنويا، وذلك باقتناع المؤمنين بالدعوة، وتحملهم الموت في سبيل الحق، فَوضْع إبراهيم في النار انتصار له، ونجاته من النار انتصار آخر، وامتثال إبراهيم لذبح إسماعيل انتصار، ونجاة إسماعيل وذبح الفداء انتصار آخر، وقصة أصحاب الأخدود تحكي استبسالهم وانتصارهم بعقيدتهم، وموت يحيى بن زكريا ثم الانتقام من قاتليه انتصار. واستشهاد الحسين، ثمّ توجّع الناس لهذه الشهادة انتصار، حتى قال بعض المؤرخين : نصر الحسين ميتا أكثر منه حيّا، فالنصر في الدنيا قد يكون حسيا، وقد يكون معنويا.
لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام لا يزال في بلاد العرب، ولم تمض عشر سنوات على وفاته حتى فتح المسلمون بلا د الفرس وبلاد الروم مصر وغيرها.
أما النصر في الآخرة فهو النصر الحقيقي، بدخول المؤمنين الجنة، ودخول الكافرين النار، بعد أن يقوم الرسل بالشهادة على أممهم، بأنهم بلغوهم الرسالة، وتشهد أيضّا الملائكة للرسل بتبليغ الرسالة، وللمؤمنين بأداء الأمانة، كما تشهد على الكفرة بالتكذيب والجحود.
قال تعالى :﴿ ويوم يقوم الأشهاد ﴾.
وهم الرسل والملائكة، عند جمع الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم.
تمهيد :
تعرض الآيات مشهدا من مشاهد القيامة ؛ حيث يعاتب الضعفاء الكبراء، لأن الكبراء زيّنوا للضعفاء السير خلفهم، وإتباعهم فاتبعوهم كالأغنام، بدون أن يُعمِلوا عقولهم، وبعد خراب البصرة ودخول جهنم، يُقرِّع الأتباعُ المتبوعين، فيقولون لهم : لقد اتبعناكم، ودخلنا جهنم بسبب سيرنا خلفكم، فهل تتحملون عنا جانبا من عذاب جهنم ؟
وهنا يقول الكبراء : إن العذاب لنا جميعا في جهنم، نحن وأنتم في دركات النار، ولو نملك تخفيف العذاب لخففناه عن أنفسنا، إن الله قد قضى بأن يعذب جميع الكفار في النار، وحين يئس الكفار جميعا من تخفيف العذاب، اتجهوا إلى حرّاس جهنم يستشفعون بهم إلى الله، حتى يخفف عنهم يوما واحدا من العذاب، ليستريحوا قليلا، ويستعدوا لعذاب يوم مقبل، وتوجّه خزنة جهنم بسؤال توبيخ إلى الكفار : هل جاءتكم الرسل بالمعجزات والأدلة الواضحة على صدقهم وصدق الوحي والبعث ؟ قالوا : بلى جاءت الرسل بهذه الأدلة لكنّا لم نصدقهم وكذبناهم، عندئذ انسحب الملائكة من الشفاعة والدعاء لهم، وقالوا : ادعوا أنتم لأنفسكم ولن يسمع لكم دعاء، لأن دعاءكم في ضياع وخسران.
المفردات :
اللعنة : الإبعاد والطرد من رحمة الله.
ولهم سوء الدار : ولهم شدة عذاب الآخرة في جهنم.
التفسير :
٥٢- ﴿ يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ﴾.
في ذلك اليوم العظيم ينال الظالمون العذاب الأكبر، ويلقون الهوان والذلّ، ولا يقبل منهم اعتذارهم وتحلّ عليهم اللعنة والطرد من الرحمة، ويدخلون جهنم التي يسوؤهم ويشقيهم عذابها، وينالون المذلة في أسوأ دار وهي جهنم، فدارهم دار شقاء وعذاب ومهانة.
وقريب من ذلك قوله تعالى :﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾. ( المرسلات : ٣٦ ).
أي : ليس لهم عذر مقبول فيلتفت إليهم، لأن أعذارهم ساقطة وجاءت في غير وقتها، لذلك فقد رفضت أعذارهم.
جانب من قصة موسى.
﴿ ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب ٥٣ هدى وذكرى لأولي الألباب٥٤ فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ٥٥ إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير٥٦ ﴾.
المفردات :
الهدى : ما يهتدي به من المعجزات والصحف والشرائع.
الكتاب : التوراة.
التفسير :
٥٣-٥٤- ﴿ ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب* هدى وذكرى لأولي الألباب ﴾.
تالله لقد أعطينا موسى التوراة والنبوة، فاشتملت التوراة على الأحكام والشرائع الهادية لقومه، وتأيدت نبوته بالمعجزات الظاهرة، كاليد والعصا، ثم أبقينا التوراة بعد موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، يتوارثها الخلف عن السلف، هداية لهم وتذكرة لذوي العقول الصحيحة السليمة.
قال تعالى :﴿ إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذي أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء... ﴾ ( المائدة : ٤٤ ).
المفردات :
الألباب : العقول : جمع لُبّ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:جانب من قصة موسى.
﴿ ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب ٥٣ هدى وذكرى لأولي الألباب٥٤ فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ٥٥ إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير٥٦ ﴾.

المفردات :

الهدى : ما يهتدي به من المعجزات والصحف والشرائع.
الكتاب : التوراة.

التفسير :


٥٣-
٥٤- ﴿ ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب* هدى وذكرى لأولي الألباب ﴾.
تالله لقد أعطينا موسى التوراة والنبوة، فاشتملت التوراة على الأحكام والشرائع الهادية لقومه، وتأيدت نبوته بالمعجزات الظاهرة، كاليد والعصا، ثم أبقينا التوراة بعد موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، يتوارثها الخلف عن السلف، هداية لهم وتذكرة لذوي العقول الصحيحة السليمة.
قال تعالى :﴿ إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذي أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء... ﴾ ( المائدة : ٤٤ ).

المفردات :
العشي : من نصف النهار إلى آخره.
الإبكار : من أول النهار إلى نصف.
التفسير :
٥٥-﴿ فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ﴾.
أي : إذا علمت أن النصر من عند الله، وأنه تعهد بنصر المرسلين، وبنصر المؤمنين، وقد نصر موسى، وأغرق فرعون، فَدُمْ يا محمد على الصبر والثبات، وتَحمّل أذى المشركين، واثقا أن وعد الله بالنصر حق ثابت لا ريب فيه، وللصبر ثمن هو تزكية النفس والتوبة النصوح، فاستغفر الله كثيرا من ذنبك، أو من فعل خلاف الأولى، وهذا الاستغفار إما أن يكون لرفع درجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون لتعليم أمته.
وفي الحديث الشريف : " إني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم والليلة مائة مرة " ١
ودوام على ذكر الله وتسبيحه وتحميده آناء النهار، ﴿ بالعشي ﴾. في النصف الأخير من النهار، ﴿ والإبكار ﴾. في النصف الأول من النهار.
وقيل المراد صلّ الوقتين – صلاة العصر وصلاة الصبح – أو صل الصلوات الخمس، كما قال تعالى :﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل... ﴾ ( هود : ١١٤ ).
وفي الآية دليل على أهمية الصبر والاستغفار، وذكر الله تعالى والالتجاء إليه، وكلها وسائل النصر والظفر، وقد أشار الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير إلى وجوب البدء بالتوبة النصوح، وتخلية القلب مما لا ينبغي، ثم تنزيه الله تعالى عما لا يليق به.
حيث قال تعالى :﴿ واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك... ﴾
أي استغفر أولا، واذكر الله ثانيا، رفعا لدرجتك، وتعليما لأمتك، وخصّ العشي والإبكار لأن القلب يكون في المساء والصباح في حالة تهيؤ واستعداد لذكر الله وتعظيمه، وتعداد نعمه وشكره، أو المراد : اذكر الله في كل وقت وآن.
وكان صلى الله عليه وسلم يسبّح الله في الركوع، ثم يقول : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي " يتأوّل القرآن.
١ والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه:
رواه البخاري في الدعوات (٦٣٠٧) والترمذي في التفسير (٣٢٥٩) وابن ماجة في الأدب (٣٨١٥) من حديث أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ".
ورواه مسلم في الذكر (٢٧٠٢) وأبو داود في الصلاة (١٥١٥) من حديث الأغر المزني وكانت له صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"..

المفردات :
يجادلون : يخاصمون في آيات الله بالباطل.
سلطان : برهان وحجة.
إن : بمعنى ما.
كبير : تكبر عن الحق.
ما هم ببالغيه : ببالغي مرادهم.
فاستعذ بالله : فالتجئ إليه من شرّهم.
التفسير :
٥٦- ﴿ إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير ﴾.
إن الذين يكابرون ويمتنعون عن قبول الحق، ويردّون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله، ما في صدورهم إلاّ كبر عن اتباع الحق، وأنفة من هدي الرسل، واحتقار لأنبياء الله، وتكبّر عن السير وراء هدى السماء، وليس ما يرومونه من إخماد نور الحق، ورفع راية الباطل بحاصل لهم، بل الحق هو المرفوع، وتكبرهم وعنادهم هو الموضوع، فاستعذ بالله من شرورهم، والجأ إليه سبحانه وتحصّن بحماه من كيدهم، فهو سبحانه سميع لدعائك، بصير بمكرهم وكيدهم، ومن سنته أن ينصر المتقين، وأن يخذل الكافرين.
تأمل ودعاء
﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٥٧ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون ٥٨ إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ٥٩ وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ٦٠ ﴾
٥٧-﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾.
كان الكفار ينكرون البعث والحشر والحساب والجزاء، ويستبعدون الإحياء بعد موت الناس وتحلل أجسامهم، مع اعترافهم بأن خالق السماوات والأرض هو الله، فيعترفون بالأعظم ويستبعدون الأقلّ، فذكّرهم القرآن الكريم بأن من قدر على خلق السماء والأرض، والجبال والبحار والأنهار وسائر الأكوان، من قدر على خلق هذا الكون البديع المشاهد أمامك، يكون أقدر عليه أن يعيد خلق الناس مرة أخرى يوم القيامة.
قال تعالى :﴿ أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾. ( الأحقاف : ٣٣ ).
وقال تعالى :﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾. ( يس : ٨١، ٨٢ ).
﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾.
ولكن أكثر الناس من الكفرة والمشركين لا يعلمون ذلك، ولا يتدبرونه ولا يتأملون ما فيه لفرط غفلتهم وإتباعهم لأهوائهم.
المفردات :
الأعمى والبصير : الغافل والمستبصر.
التفسير :
٥٨-﴿ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون ﴾.
كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا، مع البصير الذي يرى الظلام والنور، والنافع والضارّ، كذلك لا يستوي المؤمن الصالح المستنير القلب، والمسيء الكافر الجاحد.
﴿ قليلا ما تتذكرون ﴾.
أي : ما أقل ما يتذكر الناس أنه لا يستوي رجل عاقل يستخدم عقله وبصره ولبّه، فيتأمل في خلق الكون، كيف رفع الله السماء ؟ وكيف زينها بالنجوم ؟ وكيف بسط الأرض ؟ وكيف أرسى الجبال ؟ وكيف أظلم الليل وأضاء النهار ؟ وكيف سخر الشمس والقمر ؟ وذلل كل شيء وسخره ليستفيد به الإنسان والحيوان والنبات، وبذلك يعمر الكون، لا يستوي هذا مع كافر جاحد، وهل يستوي الكافر الجاحد الذي طمس الله بصيرته، فعمى قلبه وبصره عن رؤية أدلة الإيمان، مع المؤمن الذي شرح الله صدره للإسلام، فهو على نور من ربّه، يرى أنعم الله وقدرته، في شروق الشمس وبَسْمة الوليد، وتألق القمر وازدهار النجوم، وحركة الليل والنهار ؟
قال ابن كثير :
والمراد أنه كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا، والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره، كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار والكفرة الفجّار، وما أقل ما يتذكر كثير من الناس. ا ه.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ﴾. ( هود : ٢٤ ).
المفردات :
الساعة : القيامة.
لا ريب فيها : لا شك في وقوعها وحدوثها.
التفسير :
٥٩- ﴿ إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾.
إن القيامة لآتية حقا لا شك في ذلك، وعندما ينفخ إسرافيل في الصّور، فيصعق الناس جميعا، ويموتون مدة أربعين سنة، ثم ينفخ مرة أخرى فيقوم الناس جميعا، وهذا هو البعث، وبعده الحشر والحساب والجزاء، ودخول الجنة أو النار.
﴿ ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾.
أكثر الكافرين والمشركين لا يؤمنون بمجيء القيامة، ولا يصدقون بالبعث والحشر والجزاء، بسبب سيطرة الأوهام على عقولهم، وبسبب تقليدهم الأعمى لآبائهم وأجدادهم، وعدم تفتح عقولهم وقلوبهم لهدى المرسلين، ولوحي رب العالمين.
المفردات :
داخرين : صاغرين أذلاء.
التفسير :
٦٠- ﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ﴾.
فتح الله بابه للداعين، وفتح رحمته للمسترحمين، وحث عباده على الالتجاء إليه، وذلك بعد التوبة النصوح، وأكل الحلال والبعد عن الحرام، ونظافة القلب، وخشوع الإنسان وتذلله لخالقه، والصدق في الدعاء، عندئذ يقبل الله عبادة العابد، ودعاء الداعي، ويطلق الدعاء على العبادة، وفي الحديث : " الدعاء مع العبادة "
والعبادة توجه إلى الله في إخلاص ومحبة وتوقير، والدعاء اعتراف لله بان بيده الخلق والأمر، والنفع والضرّ.
ويمكن أن نفسر الدعاء بواحد من اثنين :
١- الدعاء بمعنى سؤال الله.
٢- العبادة كالصلاة والصيام.
أي : اتجهوا إليّ بالدعاء فإني أستجيب لكم، أو اعبدوني حق العبادة أحقق لكم سعادة الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة.
﴿ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ﴾.
إن الذين يتكبرون عن عبادة الله، ويستعلون عن الخضوع لأوامره، ويتّبعون أهواءهم ولا يخضعون لأمر ربهم، هؤلاء الذين تكبروا على عبادة الله، ولم يتجهوا إلى دعاء الله والتضرع إليه، سيدخلون النار أذلاء صاغرين، فالعزّ الحقيقي في طاعة الله والخضوع لأمره، وإتباع ما أمر به والبعد عما نهى عنه.
قال المفسرون :
ولا تنافي بين تفسير الدعاء هنا بالسؤال والتضرع إلى الله تعالى، وبين تفسيره بالعبادة، لأن الدعاء هو لون من ألوان العبادة، بل هو مخّها، أي أهم شيء فيها، حيث يشتمل الدعاء على التوجه إلى الله واليقين بقدرته.
قال تعالى :﴿ ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له... ﴾ ( الأنبياء : ٧٦ ).
كما أجاب الله دعاء زكريا وأيوب وداود وسليمان ويونس وامرأة عمران، وغيرهم من الصالحين والصالحات.
وقد أورد القرطبي وابن كثير وغيرهما طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المقام، ومن ذلك ما ورد في تفسير القرطبي :
حكى قتادة أن كعب الأحبار قال : أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم تعطهن أمة قبلها إلاّ نبي : كان إذا أرسل نبي قيل له : أنت شاهد على أمتك، وقال تعالى لهذه الأمة :﴿ لتكونوا شهداء على الناس... ﴾ ( البقرة : ١٤٣ ).
وكان يقال للنبي : ليس عليك في الدين من حرج، وقال الله لهذه الأمة :﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ( الحج : ٧٨ ).
وكان يقال للنبي : ادعني أستجيب لك، وقال لهذه الأمة :﴿ ادعوني أستجب لكم... ﴾.
قال القرطبي :
ومثل هذا لا يقال من جهة الرأي وقد جاء مرفوعا، رواه ليث، عن شهر بن حوشب، عن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أعطيت أمتي ثلاثا لم تُعط إلا للأنبياء : كان الله تعالى إذا بعث النبي قال : ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة :﴿ ادعوني أستجب لكم... ﴾ وكان الله إذا بعث النبي قال : ما جعل عليك في الدين من حرج. وقال لهذه الأمة :﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج... ﴾ وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه، وجعل هذه الأمة شهداء على الناس ".
ذكره الترمذي الحكيم في ( نوادر الأصول ) ١.
١ تفسير القرطبي مجلد ٧ ص ٥٩٤٤، طبعة دار الغد العربي، القاهرة..
أنعم الله على عباده
﴿ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ٦١ ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ٦٢ كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ٦٣ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ٦٤ هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ٦٥* ﴾.
المفردات :
لتسكنوا فيه : لتخلدوا فيه إلي السكون والراحة.
مبصرا : مضيئا صالحا للحركة والعمل.
تمهيد :
تعدد هذه الآيات أفضال الله على عباده، ومن هذه الأفضال ما يأتي :
( أ‌ ) جعل الليل ساكنا مظلما هادئا، ليهدأ الإنسان وينام ويستريح.
( ب ) جعل النهار مبصرا مضيئا لنبصر الأشياء، ونجتهد في العمل والسعي والحركة.
( ج ) هناك أفضال من الله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، تستحق الاعتبار والشكر.
( د ) الله خالق كل شيء، فهذه المخلوقات لم يدّع أحد أنه خلقها، وبديهي أنها لم تخلق نفسها.
( هـ ) كيف يُصرف الكافر عن الاعتبار، والاعتراف لله وحده بالألوهية.
( و ) لقد جعل الله أرض قرارا يستقر عليها الإنسان، وجعل السماء قبة أشبه بسقف المنزل، وأبدع خلق الإنسان على غير مثال سابق، فوضْع العين والأذن والفكين واللسان واليدين والرجلين والمخ والقلب، وسائر الأجهزة، كالجهاز الهضمي، والعصبي، واللمفاوي وغيرها تقدير الحكيم الخبير.
( ز ) رزقنا سبحانه من الطيبات، وهو سبحانه دائم الحياة، مستحق للحمد والثناء، وهو رب العالمين.
التفسير :
٦١-﴿ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ﴾.
تلفت الآيات النظر إلى بعض أنعم الله على عباده.
ومعنى الآية :
الله الذي جعل لكم الليل مظلما ساكنا هادئا، حتى ينام الناس ويستردّوا عافيتهم، ويستعيدوا طاقتهم، كما جعل سبحانه النهار مبصرا، ليبصر الإنسان الأشياء، فيعمل ويربح ويكسب الرزق.
وهناك أفضال متعددة من الله على عباده، فهذا التكامل والتوافق في خلق الكون، وجعله صالحا لحياة الناس بنسب دقيقة، أثر من آثار قدرة الله تعالى.
فوجود الكون، ودورة الأرض حول الشمس، ودورة الأرض حول نفسها، تؤدي إلى وجود الفصول الأربعة، ونسبة الأكسجين في الهواء – وهي ٢١ % - تؤدي إلى حفظ الكون وحفظ الإنسان، فلو زادت نسبة الأكسجين في الهواء إلى ٥٠% مثلا لكثرت الحرائق، بحيث لو حدثت شرارة واحدة في الغابة لكان ذلك كفيلا باحتراقها، ولو قلّت نسبة الأكسجين عن المعدّل وهو ٢١% فأصبحت ١٠% لاقترب الإنسان من الاختناق، ولقلّت قدرته على التمدن والابتكار.
وكذلك تناسق العين لترى، والأذن لتسمع، والفكّ ليأكل ويتكلم، واليد لتعمل، والرّجل لتمشي، والعقل ليفكر، وسائر الأجهزة المتعددة، التي يسفر عنها نظام هذه الآلة البديعة. التي هي الإنسان، ثم تناسقها مع هذا الكون، ليكون الإنسان خليفة لله في هذه الأرض، يعمل على عمارتها، واستثمار خيراتها، والاستفادة منها، والإفادة لعباد الله من خيراتها.
﴿ إن الله لذو فضل على الناس... ﴾.
أي : له أنعم متعددة على الناس أجمعين، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم.
﴿ ولكن أكثر الناس لا يشكرون ﴾.
أي : لا يؤدون حق الشكر لهذه النعم لجهلهم، وغفلتهم عن التأمل في نعم الله عليهم.
تمهيد :
تعدد هذه الآيات أفضال الله على عباده، ومن هذه الأفضال ما يأتي :
( أ‌ ) جعل الليل ساكنا مظلما هادئا، ليهدأ الإنسان وينام ويستريح.
( ب ) جعل النهار مبصرا مضيئا لنبصر الأشياء، ونجتهد في العمل والسعي والحركة.
( ج ) هناك أفضال من الله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، تستحق الاعتبار والشكر.
( د ) الله خالق كل شيء، فهذه المخلوقات لم يدّع أحد أنه خلقها، وبديهي أنها لم تخلق نفسها.
( هـ ) كيف يُصرف الكافر عن الاعتبار، والاعتراف لله وحده بالألوهية.
( و ) لقد جعل الله أرض قرارا يستقر عليها الإنسان، وجعل السماء قبة أشبه بسقف المنزل، وأبدع خلق الإنسان على غير مثال سابق، فوضْع العين والأذن والفكين واللسان واليدين والرجلين والمخ والقلب، وسائر الأجهزة، كالجهاز الهضمي، والعصبي، واللمفاوي وغيرها تقدير الحكيم الخبير.
( ز ) رزقنا سبحانه من الطيبات، وهو سبحانه دائم الحياة، مستحق للحمد والثناء، وهو رب العالمين.
المفردات :
تؤفكون : تصرفون عن عباد الله.
التفسير :
٦٢- ﴿ ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ﴾.
هذا هو الله سبحانه ربكم وخالقكم، وهو خالق كلّ شيء من هذه المخلوقات.
فالكون والسماء والأرض، والبحار والجبال، والشمس والقمر، والليل والنهار، والإنسان والحيوان والنبات والفضاء، وكل هذه المخلوقات التي أمامكم خلقها الله، وسخرها لخدمة الإنسان، ولم يدّع إنسان أنه خلقها، وهي لا تخلق نفسها، فلا بد لكل صنعة من صانع، فالكون كلّه محدَث، ولا بد لكل محدَث من خالق، وهذا الخالق هو الله سبحانه وتعالى، مُتّصف بالقدرة والإرادة، والعلم والسمع والبصر وسائر الكمالات، إن الله على كل شيء قدير، إن الله سميع بصير.
﴿ لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ﴾.
لا معبود بحق سواه، فهو رب العالمين، وما سواه مخلوق، فكيف تُصرفون عن عبادة الله وتوحيده
تمهيد :
تعدد هذه الآيات أفضال الله على عباده، ومن هذه الأفضال ما يأتي :
( أ‌ ) جعل الليل ساكنا مظلما هادئا، ليهدأ الإنسان وينام ويستريح.
( ب ) جعل النهار مبصرا مضيئا لنبصر الأشياء، ونجتهد في العمل والسعي والحركة.
( ج ) هناك أفضال من الله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، تستحق الاعتبار والشكر.
( د ) الله خالق كل شيء، فهذه المخلوقات لم يدّع أحد أنه خلقها، وبديهي أنها لم تخلق نفسها.
( هـ ) كيف يُصرف الكافر عن الاعتبار، والاعتراف لله وحده بالألوهية.
( و ) لقد جعل الله أرض قرارا يستقر عليها الإنسان، وجعل السماء قبة أشبه بسقف المنزل، وأبدع خلق الإنسان على غير مثال سابق، فوضْع العين والأذن والفكين واللسان واليدين والرجلين والمخ والقلب، وسائر الأجهزة، كالجهاز الهضمي، والعصبي، واللمفاوي وغيرها تقدير الحكيم الخبير.
( ز ) رزقنا سبحانه من الطيبات، وهو سبحانه دائم الحياة، مستحق للحمد والثناء، وهو رب العالمين.
المفردات :
يجحدون : ينكرون ويكذّبون.
التفسير :
٦٣- ﴿ كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ﴾.
بمثل هذا الإفك والضلال بعبادة غير الله، ضلّ وأفك الجاحدون في كل زمان ومكان، مع توافر الأدلة أمامكم، وأمام الكافرين السابقين، صرفكم العناد والهوى عن الإيمان الخالص بالله وحده، كما صرف الكافرين المكذبين بإيثارهم الهوى على الحق، والضلال على الهوى، والجحود بآيات الله على الإيمان بها.
تمهيد :
تعدد هذه الآيات أفضال الله على عباده، ومن هذه الأفضال ما يأتي :
( أ‌ ) جعل الليل ساكنا مظلما هادئا، ليهدأ الإنسان وينام ويستريح.
( ب ) جعل النهار مبصرا مضيئا لنبصر الأشياء، ونجتهد في العمل والسعي والحركة.
( ج ) هناك أفضال من الله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، تستحق الاعتبار والشكر.
( د ) الله خالق كل شيء، فهذه المخلوقات لم يدّع أحد أنه خلقها، وبديهي أنها لم تخلق نفسها.
( هـ ) كيف يُصرف الكافر عن الاعتبار، والاعتراف لله وحده بالألوهية.
( و ) لقد جعل الله أرض قرارا يستقر عليها الإنسان، وجعل السماء قبة أشبه بسقف المنزل، وأبدع خلق الإنسان على غير مثال سابق، فوضْع العين والأذن والفكين واللسان واليدين والرجلين والمخ والقلب، وسائر الأجهزة، كالجهاز الهضمي، والعصبي، واللمفاوي وغيرها تقدير الحكيم الخبير.
( ز ) رزقنا سبحانه من الطيبات، وهو سبحانه دائم الحياة، مستحق للحمد والثناء، وهو رب العالمين.
المفردات :
قرارا : مسكنا ومستقرا تستقرّون فيه.
بناء : سقفا وقبة مضروبة عليكم.
وصوّركم : خلقكم في تناسب واستعداد لمزاولة أعباء الحياة، فجعل للإنسان عينين ويدين ورجلين ولسانا وشفتين.
الطيبات : الحلائل والمستلذات من المطعم والمشرب، والملبس وغيرها.
التفسير :
٦٤- ﴿ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ﴾.
تستمر الآيات في تعدد أنعم الله على الإنسان، فقد خلق الأرض مستقرة لينام الإنسان عليها، ويزرع ويتاجر ويسافر، ويتكسب على ظهرها، كما جعل السماء سقفا مرفوعا كالقبة المبنية، وبارك في الأرض وقدّر فيها أقواتها، وبارك في السماء، وزينها بالنجوم والشموس والأقمار، وجعل الفضاء والهواء والرياح، والأمطار والبحار والأنهار لعمارة هذا الكون.
كما امتن على الإنسان بأن خلقه في أحسن تقويم، وجعله منتصب القامة، مهيأ للاستفادة بالنعم، فخلق له للنظر عينين، وللسمع أذنين، وللبطش يدين، وللمشي رجلين، وخلق له لسانا وشفتين، وأبدع الخلقة بقدرته، وهو على كلّ شيء قدير، فبين الفكّين توازن، لو ارتفع أحدهما مقدار ورقة سيجارة، أو تضخّم ضرس أكثر مما هو عليه، لأدّى إلى عرقلة الكلام وتلكؤ اللسان.
﴿ ورزقكم من الطيبات... ﴾.
ورزقكم من الحلال، ومن لذائد المطعم والمشرب، وما يستحق الشكر والثناء على الله الخالق الرازق.
﴿ ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ﴾.
ذلكم المتصف بهذه الصفات المذكورة، خالق الكون والإنسان، وهو الله ربكم وخالقكم، الذي لا تصلح الربوبية لغيره، فتقدس وتنزّه الله، ﴿ ربّ العالمين ﴾، خالق الإنس والجن والطير والملائكة، فتنزه الله عن صفات النقص، وعما لا يليق به من الصاحبة والولد، وكثرت بركاته وعطاياه فأنعم به من خالق حافظ منعم متفضل.
تمهيد :
تعدد هذه الآيات أفضال الله على عباده، ومن هذه الأفضال ما يأتي :
( أ‌ ) جعل الليل ساكنا مظلما هادئا، ليهدأ الإنسان وينام ويستريح.
( ب ) جعل النهار مبصرا مضيئا لنبصر الأشياء، ونجتهد في العمل والسعي والحركة.
( ج ) هناك أفضال من الله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، تستحق الاعتبار والشكر.
( د ) الله خالق كل شيء، فهذه المخلوقات لم يدّع أحد أنه خلقها، وبديهي أنها لم تخلق نفسها.
( هـ ) كيف يُصرف الكافر عن الاعتبار، والاعتراف لله وحده بالألوهية.
( و ) لقد جعل الله أرض قرارا يستقر عليها الإنسان، وجعل السماء قبة أشبه بسقف المنزل، وأبدع خلق الإنسان على غير مثال سابق، فوضْع العين والأذن والفكين واللسان واليدين والرجلين والمخ والقلب، وسائر الأجهزة، كالجهاز الهضمي، والعصبي، واللمفاوي وغيرها تقدير الحكيم الخبير.
( ز ) رزقنا سبحانه من الطيبات، وهو سبحانه دائم الحياة، مستحق للحمد والثناء، وهو رب العالمين.
المفردات :
هو الحي : المتفرد بالحياة الذاتية غير المستمدة من آخر.
التفسير :
٦٥- ﴿ هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ﴾.
هو الحي الذي لا يموت، والإنس والجنّ يموتون، فهو سبحانه دائم الحياة، أوّل بلا ابتداء، وآخر بلا انتهاء.
قال تعالى :﴿ كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ﴾. ( الرحمان : ٢٦، ٢٧ ).
﴿ لا إله إلا هو... ﴾ لا معبود للعالمين إلا الله.
﴿ فادعوه مخلصين له الدين... ﴾.
أي : اعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا، موحدين له مخلصين له العبادة، معترفين له بالحمد والشكر والفضل والنعمة.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس قال : من قال لا إله إلا الله، فليقل على أثرها : الحمد لله رب العالمين.
وذلك قوله تعالى :﴿ فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ﴾.
النهي عن عبادة غير الله، وسبب النهي
﴿ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين ٦٦ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون ٦٧ هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ٦٨ ﴾
المفردات :
البينات : البراهين والآيات الواضحة التي تدلّ على التوحيد.
أسلم : انقاد وأخلص.
تمهيد :
ذكر في الآيات السابقة أدلة القدرة الإلهية في خلق الكون وما فيه، وهنا يوضح للنبّي أن يكون صريحا في قوله وإعلان أن الله نهاه عن عبادة الأوثان والأصنام، فقد جاءته الرسالة واضحة، وأُمر بإخلاص العبادة لله تعالى، فهو الذي خلق الجنين في بطن أمّه، ومرّ بمراحل متعددة حتى صار وليدا، ثم مرّ بمراحل الطفولة والشباب. والشيخوخة ثم الموت.

سبب النزول :

أخرج جويبر، عن ابن عباس، أن الوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة قالا : يا محمد، ارجع عما تقول بدين آبائك، فأنزل الله :﴿ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين ﴾.
التفسير :
٦٦-﴿ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين ﴾.
هذه الآية مرتبطة بما قبلها، فقد بينت الآيات السابقة أن الله تعالى متصف بصفات الجلال والكمال، وهنا تقول الآية : قل لهم يا محمد : إن الله تعالى نهاني أن أعبد الأصنام أو الأوثان أو الأحجار التي تعبدونها من دون الله، بعد أن اختارني رسولا، وأنزل عليّ الوحي، وظهرت لي البينات والدلائل على قدرة الله البالغة، فهو سبحانه خالق الأكوان وخالق الأنفس، وهو الذي صوركم فأحسن صوركم، وهو خالق كل شيء، لذلك أمرنا أن نعبده وحده، وأن نخلص له العبادة، ولا نعبد أحدا سواه.
تمهيد :
ذكر في الآيات السابقة أدلة القدرة الإلهية في خلق الكون وما فيه، وهنا يوضح للنبّي أن يكون صريحا في قوله وإعلان أن الله نهاه عن عبادة الأوثان والأصنام، فقد جاءته الرسالة واضحة، وأُمر بإخلاص العبادة لله تعالى، فهو الذي خلق الجنين في بطن أمّه، ومرّ بمراحل متعددة حتى صار وليدا، ثم مرّ بمراحل الطفولة والشباب. والشيخوخة ثم الموت.

سبب النزول :

أخرج جويبر، عن ابن عباس، أن الوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة قالا : يا محمد، ارجع عما تقول بدين آبائك، فأنزل الله :﴿ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين ﴾.
المفردات :
خلقكم من تراب : خلق أباكم آدم.
نطفة : منّي.
علقة : دم غليظ يعلق بجدار الرّحم.
أشدكم : كمال عقلكم وقوتكم، فيما بين الثلاثين والأربعين.
أجلا مسمى : وقتا محددا، وهو وقت الموت.
التفسير :
٦٧-﴿ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون ﴾.
الله تعالى هو الذي يكّون الجنين في بطن أمّه، حيث يمر بمراحل متعددة، فقد خلق الله آدم من تراب، وخلق ذريته من المنّي، والمنّي يتكون من الدم، والدم من الأكل، والأكل من النبات، والنبات يتكون من التراب والماء.
إن الجنين يمر بمراحل متعددة، تبدأ بالتقاء البويضة من الذكر وتلقيحها لبويضة الأنثى، ثم تتحول من نطفة إلى قطعة دم جامدة، تعلق بجدار الرحم وتسمّى علقة، ثم تمر بمراحل في بطن أمّه حتى يصير طفلا ينزل إلى الدنيا، وفيه وسائل النظر والسمع، والبطش والمشي، والأكل والنموّ، ويمر بمراحل الطفولة ثم الشباب والقوة، ثم الشيخوخة والضعف، ومن الناس من يموت في مرحلة الشباب أو قبلها، ومنهم من يعمر حيث يمكث كل إنسان في هذه الدنيا إلى الأجل الذي حدده الله له في هذه الحياة.
﴿ ولعلكم تعقلون ﴾.
أن هذا الإله الخالق للجنين في بطن أمّه، الذي تعهده إلى أن صار طفلا، والذي تعهد الطفل إلى أن صار شيخا، هذا هو الإله الذي يستحق العبادة.
تمهيد :
ذكر في الآيات السابقة أدلة القدرة الإلهية في خلق الكون وما فيه، وهنا يوضح للنبّي أن يكون صريحا في قوله وإعلان أن الله نهاه عن عبادة الأوثان والأصنام، فقد جاءته الرسالة واضحة، وأُمر بإخلاص العبادة لله تعالى، فهو الذي خلق الجنين في بطن أمّه، ومرّ بمراحل متعددة حتى صار وليدا، ثم مرّ بمراحل الطفولة والشباب. والشيخوخة ثم الموت.

سبب النزول :

أخرج جويبر، عن ابن عباس، أن الوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة قالا : يا محمد، ارجع عما تقول بدين آبائك، فأنزل الله :﴿ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين ﴾.
المفردات :
قضى أمرا : أراد إيجاد شيء.
كن فيكون : تمثيل لسرعة إيجاده، وتصوير لتأثير قدرته تعالى في المقدورات عند تعلق إرادته بها، من غير أن يكون هناك آمر أو مأمور، والخلاصة أنه إذا أراد إيجاد شيء أوجده في لمح البصر.
التفسير :
٦٨- ﴿ هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ﴾.
الحياة بيد الله والموت بيده، والنهار والليل، الهدى والضلال، الخلق والموت، كل ذلك بقدرته، فولادة الوليد وتطوره طفلا ثم فتى ثم شابا ثم شيخا، ثم موته ودفنه وبعثه وحسابه، كل ذلك بيد القدرة الإلهية التي تفعل ما تريد، وتنفّذ ما تشاء في أقل من لمح البصر.
والآية تمثيل لكمال القدرة، وتصوير لتنفيذ مراده سبحانه، فإذا أراد الله أمرا وُجد، وكان في سرعة استجابة المأمور والمطيع للآمر المطاع، والله أعلم.
قال المفسرون :
والمراد من الآية التنبيه على قدرة الله في الإحياء والإماتة، وعلى سرعة إنجاز الخلق والتكوين بمجرد إرادة الله تعالى الفعل.
وقال الزمخشري :
والآية تشير إلى قدرته على الإحياء والإماتة، وسائر ما ذكر من أفعاله الدالة على أن مقدورا لا يمتنع عليه، كأنه قال : فلذلك الاقتدار، إذا قضى أمرا كان أهون شيء عليه وأيسره.
وقال الآلوسي في تفسيره :
وهذا عند الخلف تمثيل لتأثير قدرته تعالى في المقدورات، عند تعلق إرادته – سبحانه – بها، وتصوير لسرعة ترتيب المكونات على تكوينه، من غير أن يكون هناك آمر ومأمور.
جزاء المجادلين بالباطل في آيات الله
﴿ ألم ترى إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ٦٩ الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون ٧٠ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ٧١ في الحميم ثم في النار يسجرون ٧٢ ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون ٧٣ من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ٧٤ ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ٧٥ ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ٧٦ ﴾
المفردات :
يجادلون : كرّر ذم المجادلة لتعدد المُجادل، أو المُجادَل فيه، أو للتأكيد.
أنى يصرفون : كيف يُبعدون عن الإيمان بالله ؟
تمهيد :
تستعرض الآيات بعض مشاهد القيامة من باب التهديد والوعيد، وعرض أمور المستقبل أمام الكافر ليتبين مآله، وليتعظ به غيره، فهؤلاء الكفار يجادلون في صدق القرآن، ويكذّبون الرّسل، وما أُرسلوا به من الإيمان بالله وملائكته وكتب ورسله واليوم الآخر، وسوف يعلم هؤلاء سوء عاقبتهم، حين يشاهدون الأغلال تربط في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل يسحبون بها إلى جهنم، حيث يقذفون في النار، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
ويوجه إلى هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وعتاب ومؤاخذة، وهو : أين الآلهة التي عبدتموها من دون الله، كالأصنام والأوثان وغيرها ؟
فيقول الكفار : غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا يروننا، لقد تبينّا حقيقة ضلالنا، وأن ما عبدناه ليس له حقيقة، فلا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فكأننا ما عبدنا شيئا، ثم يقال لهم : هذا العذاب بسبب بطركم وتكبركم وعُتوّكم وامتناعكم عن سماع الحق، فادخلوا أبواب جهنم السبعة، وأقيموا فيها إقامة دائمة، وساءت إقامة الكافرين في جهنم.
التفسير :
٦٩-﴿ ألم ترى إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ﴾.
انظر يا محمد إلى أولئك الكفار، الذين أُغرموا بالجدال في صدق القرآن، كيف يصرفون عن الاهتداء به، والاستفادة مما فيه من علوم ومعارف وهدايات، فلا تتفتح قلوبهم لمعرفة القرآن والاستجابة لهدايته، بل يتكبرون عن الإيمان به.
تمهيد :
تستعرض الآيات بعض مشاهد القيامة من باب التهديد والوعيد، وعرض أمور المستقبل أمام الكافر ليتبين مآله، وليتعظ به غيره، فهؤلاء الكفار يجادلون في صدق القرآن، ويكذّبون الرّسل، وما أُرسلوا به من الإيمان بالله وملائكته وكتب ورسله واليوم الآخر، وسوف يعلم هؤلاء سوء عاقبتهم، حين يشاهدون الأغلال تربط في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل يسحبون بها إلى جهنم، حيث يقذفون في النار، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
ويوجه إلى هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وعتاب ومؤاخذة، وهو : أين الآلهة التي عبدتموها من دون الله، كالأصنام والأوثان وغيرها ؟
فيقول الكفار : غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا يروننا، لقد تبينّا حقيقة ضلالنا، وأن ما عبدناه ليس له حقيقة، فلا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فكأننا ما عبدنا شيئا، ثم يقال لهم : هذا العذاب بسبب بطركم وتكبركم وعُتوّكم وامتناعكم عن سماع الحق، فادخلوا أبواب جهنم السبعة، وأقيموا فيها إقامة دائمة، وساءت إقامة الكافرين في جهنم.
المفردات :
وبما أرسلنا به رسلنا : من سائر الكتب والوحي، والبعث والشرائع.
فسوف يعلمون : عقوبة تكذيبهم، وهذا وعيد لهم.
التفسير :
٧٠-﴿ الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون ﴾.
الذين كذبوا بالقرآن، وكفروا بأدلة التوحيد، ولم يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، سوف يعلمون عاقبة تكذيبهم حين يرون ألوان العذاب في جهنم.
تمهيد :
تستعرض الآيات بعض مشاهد القيامة من باب التهديد والوعيد، وعرض أمور المستقبل أمام الكافر ليتبين مآله، وليتعظ به غيره، فهؤلاء الكفار يجادلون في صدق القرآن، ويكذّبون الرّسل، وما أُرسلوا به من الإيمان بالله وملائكته وكتب ورسله واليوم الآخر، وسوف يعلم هؤلاء سوء عاقبتهم، حين يشاهدون الأغلال تربط في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل يسحبون بها إلى جهنم، حيث يقذفون في النار، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
ويوجه إلى هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وعتاب ومؤاخذة، وهو : أين الآلهة التي عبدتموها من دون الله، كالأصنام والأوثان وغيرها ؟
فيقول الكفار : غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا يروننا، لقد تبينّا حقيقة ضلالنا، وأن ما عبدناه ليس له حقيقة، فلا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فكأننا ما عبدنا شيئا، ثم يقال لهم : هذا العذاب بسبب بطركم وتكبركم وعُتوّكم وامتناعكم عن سماع الحق، فادخلوا أبواب جهنم السبعة، وأقيموا فيها إقامة دائمة، وساءت إقامة الكافرين في جهنم.
المفردات :
الأغلال : القيود تجمع الأيدي إلى الأعناق.
يسحبون : يجرّون بعنف بالسلاسل.
الحميم : الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة.
يسجرون : يحرقون، يقال : سجر التنور، إذا ملأه بالوقود ومنه :﴿ والبحر المسجور ﴾. ( الطور : ٦ ) أي : المملوء.
التفسير :
٧١، ٧٢ –﴿ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون ﴾.
أي : سوف يعلمون عاقبة كفرهم يوم القيامة، حين تكون الأغلال والقيود في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل في أرجلهم، والزبانية يجرونهم بها إلى جهنم، ليكونوا وقودا لها، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
﴿ في الحميم ثم في النار يسجرون ﴾.
يوضعون في الحميم، وهو الماء المتناهي في الحرارة، فتتقطّع جلودهم، وتنسلخ لحومهم، ثم يحرقون في النار التي توقد بهم، وتحيط بهم.
قال تعالى :﴿ خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون ﴾. ( الدخان : ٥٠، ٤٧ ).
وقال تعالى :﴿ هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون* يطوفون بينها وبين حميم آن ﴾. ( الرحمن : ٤٣، ٤٤ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١:تمهيد :
تستعرض الآيات بعض مشاهد القيامة من باب التهديد والوعيد، وعرض أمور المستقبل أمام الكافر ليتبين مآله، وليتعظ به غيره، فهؤلاء الكفار يجادلون في صدق القرآن، ويكذّبون الرّسل، وما أُرسلوا به من الإيمان بالله وملائكته وكتب ورسله واليوم الآخر، وسوف يعلم هؤلاء سوء عاقبتهم، حين يشاهدون الأغلال تربط في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل يسحبون بها إلى جهنم، حيث يقذفون في النار، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
ويوجه إلى هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وعتاب ومؤاخذة، وهو : أين الآلهة التي عبدتموها من دون الله، كالأصنام والأوثان وغيرها ؟
فيقول الكفار : غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا يروننا، لقد تبينّا حقيقة ضلالنا، وأن ما عبدناه ليس له حقيقة، فلا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فكأننا ما عبدنا شيئا، ثم يقال لهم : هذا العذاب بسبب بطركم وتكبركم وعُتوّكم وامتناعكم عن سماع الحق، فادخلوا أبواب جهنم السبعة، وأقيموا فيها إقامة دائمة، وساءت إقامة الكافرين في جهنم.

المفردات :

الأغلال : القيود تجمع الأيدي إلى الأعناق.
يسحبون : يجرّون بعنف بالسلاسل.
الحميم : الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة.
يسجرون : يحرقون، يقال : سجر التنور، إذا ملأه بالوقود ومنه :﴿ والبحر المسجور ﴾. ( الطور : ٦ ) أي : المملوء.

التفسير :

٧١، ٧٢ –﴿ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون ﴾.
أي : سوف يعلمون عاقبة كفرهم يوم القيامة، حين تكون الأغلال والقيود في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل في أرجلهم، والزبانية يجرونهم بها إلى جهنم، ليكونوا وقودا لها، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
﴿ في الحميم ثم في النار يسجرون ﴾.
يوضعون في الحميم، وهو الماء المتناهي في الحرارة، فتتقطّع جلودهم، وتنسلخ لحومهم، ثم يحرقون في النار التي توقد بهم، وتحيط بهم.
قال تعالى :﴿ خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون ﴾. ( الدخان : ٥٠، ٤٧ ).
وقال تعالى :﴿ هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون* يطوفون بينها وبين حميم آن ﴾. ( الرحمن : ٤٣، ٤٤ ).

تمهيد :
تستعرض الآيات بعض مشاهد القيامة من باب التهديد والوعيد، وعرض أمور المستقبل أمام الكافر ليتبين مآله، وليتعظ به غيره، فهؤلاء الكفار يجادلون في صدق القرآن، ويكذّبون الرّسل، وما أُرسلوا به من الإيمان بالله وملائكته وكتب ورسله واليوم الآخر، وسوف يعلم هؤلاء سوء عاقبتهم، حين يشاهدون الأغلال تربط في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل يسحبون بها إلى جهنم، حيث يقذفون في النار، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
ويوجه إلى هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وعتاب ومؤاخذة، وهو : أين الآلهة التي عبدتموها من دون الله، كالأصنام والأوثان وغيرها ؟
فيقول الكفار : غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا يروننا، لقد تبينّا حقيقة ضلالنا، وأن ما عبدناه ليس له حقيقة، فلا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فكأننا ما عبدنا شيئا، ثم يقال لهم : هذا العذاب بسبب بطركم وتكبركم وعُتوّكم وامتناعكم عن سماع الحق، فادخلوا أبواب جهنم السبعة، وأقيموا فيها إقامة دائمة، وساءت إقامة الكافرين في جهنم.
المفردات :
ضلوا عنا : غابوا عن أعيننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم.
التفسير :
٧٣- ٧٤- ﴿ ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ﴾.
تسألهم الملائكة سؤال توبيخ وتقريع، فتقول لهم : أين الآلهة التي عبدتموها وأشركتموها بالله في عبادتكم ؟ بل إنكم جعلتموها آلهة، واتجهتم لها بالعبادة من دون الله الذي يستحق العبادة وحده، أين هذه الأصنام والأوثان وغيرها من الآلهة المدّعاة ؟
وأجاب الكافرون : لا نراهم ولا يروننا، لقد تبينا بعد فوات الأوان أننا لم نكن نعبد شيئا يستحق العبادة، تبينّا الآن أن الذين عبدناهم لا يسمعون ولا يبصرون، ولا يجيبون ولا يشفعون، وأن عبادتنا لهم كانت باطلة ضائعة، وهكذا يتبين بطلان جميع أعمال الكافرين، وتنقطع العلائق والصلات بين العابدين والمعبودين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٣:تمهيد :
تستعرض الآيات بعض مشاهد القيامة من باب التهديد والوعيد، وعرض أمور المستقبل أمام الكافر ليتبين مآله، وليتعظ به غيره، فهؤلاء الكفار يجادلون في صدق القرآن، ويكذّبون الرّسل، وما أُرسلوا به من الإيمان بالله وملائكته وكتب ورسله واليوم الآخر، وسوف يعلم هؤلاء سوء عاقبتهم، حين يشاهدون الأغلال تربط في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل يسحبون بها إلى جهنم، حيث يقذفون في النار، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
ويوجه إلى هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وعتاب ومؤاخذة، وهو : أين الآلهة التي عبدتموها من دون الله، كالأصنام والأوثان وغيرها ؟
فيقول الكفار : غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا يروننا، لقد تبينّا حقيقة ضلالنا، وأن ما عبدناه ليس له حقيقة، فلا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فكأننا ما عبدنا شيئا، ثم يقال لهم : هذا العذاب بسبب بطركم وتكبركم وعُتوّكم وامتناعكم عن سماع الحق، فادخلوا أبواب جهنم السبعة، وأقيموا فيها إقامة دائمة، وساءت إقامة الكافرين في جهنم.

المفردات :

ضلوا عنا : غابوا عن أعيننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم.

التفسير :


٧٣-
٧٤- ﴿ ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ﴾.
تسألهم الملائكة سؤال توبيخ وتقريع، فتقول لهم : أين الآلهة التي عبدتموها وأشركتموها بالله في عبادتكم ؟ بل إنكم جعلتموها آلهة، واتجهتم لها بالعبادة من دون الله الذي يستحق العبادة وحده، أين هذه الأصنام والأوثان وغيرها من الآلهة المدّعاة ؟
وأجاب الكافرون : لا نراهم ولا يروننا، لقد تبينا بعد فوات الأوان أننا لم نكن نعبد شيئا يستحق العبادة، تبينّا الآن أن الذين عبدناهم لا يسمعون ولا يبصرون، ولا يجيبون ولا يشفعون، وأن عبادتنا لهم كانت باطلة ضائعة، وهكذا يتبين بطلان جميع أعمال الكافرين، وتنقطع العلائق والصلات بين العابدين والمعبودين.

أهداف سورة غافر
سورة غافر سورة مكية، نزلت في الفقرة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة، بعد الإسراء وقبيل الهجرة، ولآياتها ٨٥ آية، نزلت بعد صورة الزمر.
ولها أربعة أسماء : تسمى سورة غافر لقوله تعالى في أولها :﴿ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب... ﴾ ( غافر : ٣ )
وتسمى سورة المؤمن لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون- واسمه خربيل – في قوله تعالى :﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون... ﴾ ( غافر : ٢٨ ).
وسورة الطول لقوله تعالى :﴿ ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ﴾. ( غافر : ٣ ).
وتسمى حم الأولى لأنها أول سورة في الحواميم ١.
روح السورة
الروح السارية في سورة غافر هي روح الصراع الدائر بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والدعوة والتكذيب، وأخيرا قضية العلو في الأرض، والتجبر بغير الحق، وبأس الله الذي يأخذ المتجبرين، وفي ثنايا أهداف السورة الأصلية نجد أنها تلم بموقف المؤمنين المهتدين الطائعين، ونصر الله إياهم، واستغفار الملائكة لهم واستجابة لله لدعائهم، وما ينتظرهم في الآخرة من نعيم.
وجو السورة كله – من ثم – كأنه جو معركة، وهي المعركة بين الإيمان والطغيان، وبين الهدى والضلال، وبين المتكبرين المتجبرين في الأرض، وبأس الله الذي يأخذهم بالدمار والتنكيل، وتتنسم خلال هذا الجو نسمات الرحمة والرضوان حين يجيء ذكر المؤمنين.
وتتمثل روح السورة في عرض مصارع الغابرين، كما تتمثل في عرض مشاهد القيامة، وهذه وتلك تتناثر في سياق السورة وتتكرر بشكل ظاهر، وتعرض في صورها العنيفة المرهوبة المخيفة، ومنذ بداية السورة إلى نهايتها نجد آيات تلمس القلب، وتهز الوجدان، وتعصف بكيان المكذبين، وقد ترق آيات السورة فتتحول إلى لمسات وإيقاعات تمس القلب برفق، وهي تعرض صفات الله غافر الذنب وقابل التوب، ثم تصف حملة العرش، وهم يدعون ربهم ليتكرم على عباده المؤمنين، ثم تعرض الآيات الكونية والآيات الكامنة في النفس البشرية.
موضوعات السورة
يمكننا أن نقسم سورة غافر بحسب موضوعاتها إلى أربعة فصول :
الفصل الأول : صفات الله.
تبدأ الآيات من ( ٤-٢٠ ) بعرض افتتاحية السورة، وبيان أن الكتاب منزل من عند الله، ﴿ غافر الذنب وقابل التوب... ﴾ للمؤمنين التائبين، ﴿ شديد العقاب... ﴾ للعصاة المذنبين.
ثم تقرر أن الوجود كله مسلم مستسلم لله، وأنه لا يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فيشذون عن سائر الوجود بهذا الجدال، ومن ثم فهم لا يستحقون أن يأبه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهما تقلبوا في الخير والمتاع، فإنما هم صائرون إلى ما صارت إليه أحزاب المكذبين قبلهم، وقد أخذهم الله أخذا بعقاب يستحق العجب والإعجاب، ومع الأخذ في الدنيا فإن عذاب الآخرة ينتظرهم هناك... ذلك بينما حملة العرش ومن حوله يعلنون إيمانهم بربهم، ويتوجهون إليه بالعبادة، ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض، ويدعون لهم بالمغفرة والنعيم والفلاح.. وفي الوقت ذاته مشهد الكافرين وهم ينادون :﴿ لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ﴾. ( غافر : ١٠ ).
وهم في موقف المذلة والانكسار يقرون بذنبهم، ويعترفون بربهم، فلا ينفعهم الاعتراف والإقرار، ومن هذا الموقف بين يدي الله في الآخرة يعود السياق ليعرض أمام الناس مظاهر أنعم الله عليهم، ليأخذ بأيديهم إلى طريق الإيمان بالله. ﴿ فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ﴾. ( غافر : ١٤، ١٥ ).
ويعرض السياق مشهد ذلك اليوم في صورة حية مؤثرة، فقد برز الجميع أمام الله، العالم بالظواهر والبواطن، وفي هذا المشهد تبلغ الروح الحلقوم، وتذهب صولة الظالمين والطغاة، فلا يجدون حميما ولا شفيعا لا يطاع في شفاعته، لقد أصبح الملك والأمر والقضاء لله الواحد القهار.
الفصل الثاني : رجل مؤمن يجاهد بالكلمة.
يستغرق الفصل الثاني الآيات من ( ٢١-٥٥ ) ويبدأ بلفت أنظار المشركين إلى ما أصاب المكذبين قبلهم، ثم يعرض جانبا من قصة موسى – عليه السلام – مع فرعون وهامان وقارون، يمثل موقف الطغاة من دعوة الحق، ويعرض فيها حلقة جديدة لم تعرض في قصة موسى من قبل، ولا تعرض إلا في هذه السورة وهي حلقة ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، يدافع عن موسى، ويصدع بكلمة الحق والإيمان في تلطف وحذر في أول الأمر، ثم في صراحة ووضوح في النهاية، ويعرض في جدله مع فرعون حجج الحق وبراهينه قوية ناصعة، يحذرهم يوم القيامة، ويمثل لهم بعض مشاهده في أسلوب مؤثر، ويذكرهم موقفهم وموقف الأجيال قبلهم من يوسف عليه السلام ورسالته، ويستطرد السياق بالقصة حتى يصل طرفها بالآخرة فإذا هم هناك، وإذا هم يتحاجون في النار، وإذا حوار بين الضعفاء والذين استكبروا، وحوار لهم جميعا مع خزنة جهنم يطلبون فيه الخلاص، ولات حين خلاص، وفي ظل هذا المشهد يوضح الحق سبحانه أن العاقبة للمرسلين في الدنيا ويوم القيامة، فقد نصر الله موسى رغم جبروت فرعون، ثم يدعو الرسول الأمين إلى الصبر والثقة بوعد الله الحق، والتوجه إلى الله بالتسبيح والحمد والاستغفار.
الفصل الثلث : الترغيب والترهيب.
يستغرق الفصل الثالث الآيات من ( ٦٥-٧٧ ) ويبدأ بتقرير أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان إنما يدفعهم إلى هذا كبر في نفوسهم عن الحق، وهو أصغر وأضأل من هذا الكبر، ويوجه القلوب حينئذ إلى هذا الوجود الكبير الذي خلقه الله، وهو أكبر من الناس جميعا، ولعل المتكبرين يتصاغرون أمام عظمة خلق الله، وتتفتح بصيرتهم فلا يكونون عميا :﴿ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون ﴾. ( غافر : ٥٨ ).
ويذكرهم بمجيء الساعة، ثم يفتح الباب أمامهم إلى دعاء الله والاستجابة لأمره، فأما الذين يستكبرون فسيدخلون جهنم أذلاء صاغرين، ويعرض في هذا الموقف بعض آيات الله الكونية التي يمرون عليها غافلين، يعرض عليهم الليل وقد جعله الله سكنا، والنهار مبصرا، والأرض قرارا، والسماء بناء، ويذكرهم بأنفسهم وقد صورهم، ويوجههم إلى دعوة الله مخلصين له الدين، ويلقن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من عبادتهم، وأن يعلن إسلامه لرب العالمين، ثم يلمس قلوبهم بأن الله الواحد هو الذي أنشأهم من تراب ثم من نطفة.. وهو الذي يحيي ويميت. ثم يعود فيعجب رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر الذين يجادلون في الله وينذرهم عذاب يوم القيامة في مشهد عنيف، تعلق فيه الأغلال في أعناقهم ويسحبون في الحميم، ويحرقون في النار جزاء كفرهم وشركهم بالله، وعلى ضوء هذا المشهد يوجه الله رسوله إلى الصبر والثقة بأن وعد الله حق، سواء أبقاه حتى يشهد ما يعدهم، أو يتوفاه قبل أن يراه فسيتم الوعد هناك.
الفصل الرابع : نهاية الظالمين.
يشمل الفصل الرابع على الآيات الأخيرة في السورة من ( ٧٨-٨٥ ) ويذكر أن الله أرسل رسلا وأنبياء كثيرين لهداية الناس، منهم من ذكر في القرآن ومنهم من لم يذكر :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية... ﴾ وأن يقدم معجزة لقومه :﴿ إلا بإذن الله... ﴾ ( غافر : ٧٨ ). على أن في الكون آيات قائمة وبين أيديهم آيات قريبة، ولكنهم يغفلون عن تدبرها.. هذه الأنعام المسخرة لهم، من سخرها ؟ وهذه الفلك التي تحملهم، أليست آية يرونها ؟ ومصارع الغابرين ألا تثير في قلوبهم العظة والتقوى ؟ وتختم السورة بإيقاع قوي على مصرع من مصارع المكذبين وهم يرون بأس الله فيؤمنون حيث لا ينفعهم الإيمان :﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ﴾. ( غافر : ٨٥ )
١ انظر بصائر ذوي التمييز ١/٣٠٩..

المفردات :
تفرحون : تبطرون، دون تفكير في الآخرة.
تمرحون : تتوسعون في الفرح والبطر، وقيل : المرح : الفخر والخيلاء.
التفسير :
٧٥- ﴿ ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ﴾.
أي : هذا العذاب الذي تعرضتم له في جهنم، وأغلالها وسلاسلها، وحميمها وألوان عذابها، بسبب ما كنتم تظهرون في الدنيا من الفرح بمعاصي الله، والسرور بمخالفة رسله وكتبه، وبسبب ما كنتم تبطرون وتأشرون، وهو جزاء المرح بغير الحق، والتكبر بالباطل، والشرك وعبادة الأوثان.
تمهيد :
تستعرض الآيات بعض مشاهد القيامة من باب التهديد والوعيد، وعرض أمور المستقبل أمام الكافر ليتبين مآله، وليتعظ به غيره، فهؤلاء الكفار يجادلون في صدق القرآن، ويكذّبون الرّسل، وما أُرسلوا به من الإيمان بالله وملائكته وكتب ورسله واليوم الآخر، وسوف يعلم هؤلاء سوء عاقبتهم، حين يشاهدون الأغلال تربط في أعناقهم وأيديهم، والسلاسل يسحبون بها إلى جهنم، حيث يقذفون في النار، كما قال تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
ويوجه إلى هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وعتاب ومؤاخذة، وهو : أين الآلهة التي عبدتموها من دون الله، كالأصنام والأوثان وغيرها ؟
فيقول الكفار : غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا يروننا، لقد تبينّا حقيقة ضلالنا، وأن ما عبدناه ليس له حقيقة، فلا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فكأننا ما عبدنا شيئا، ثم يقال لهم : هذا العذاب بسبب بطركم وتكبركم وعُتوّكم وامتناعكم عن سماع الحق، فادخلوا أبواب جهنم السبعة، وأقيموا فيها إقامة دائمة، وساءت إقامة الكافرين في جهنم.
المفردات :
مثوى : مأوى ومقر، أي : قبح مقر المتكبرين جهنم.
التفسير :
٧٦- ﴿ ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ﴾.
بسبب كفركم وعنادكم وسروركم بالباطل، وتعاليكم على المؤمنين والمرسلين، ادخلوا أبواب جهنم السبعة، وأقيموا في جهنم إقامة دائمة، يتحقق لكم فيها الذلّ والهوان، وألوان العذاب الأليم، فبئست جهنم مآلا ومقاما للمتكبرين عن قبول الحق، والممتنعين عن الإيمان بالرسل.
وفي معنى الآية قوله تعالى :﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين* وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾. ( الحجر : ٤٢-٤٤ ).
من تفسير القرطبي :
﴿ ذلكم ﴾. أي : ذلكم العذاب.
﴿ بما كنتم تفرحون ﴾. بالمعاصي، يقال لهم ذلك توبيخا، أي إنّما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية، وكثرة المال والأتباع والصحة، وقيل : إن فرحهم بما عندهم أنهم قالوا للرسل : نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذّب، وكذا قال مجاهد في قوله جل وعزّ :﴿ فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم... ﴾ ( غافر : ٨٣ ).
﴿ وبما كنتم تمرحون ﴾.
قال مجاهد، وغيره : أي تَبْطرون وتأشرون، وقال الضحاك : الفرح والسرور والمرح : العدوان.
وروى خالد، عن ثور، عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعض البذخين الفرحين، ويحب كل قلب حزين، ويبغض أهل بيت لحمين، ويبغض كل حبر سمين "، فأما أهل بيت لحمين، فالذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة، وأما الحبر السمين، فالمتبحر بعلمه، ولا يخبر بعلمه الناس، يعني المستكثر من علمه، ولا ينفع به الناس، ذكره الماوردي.
وقد قيل في اللحمين : إنهم يكثرون أكل اللحم، ومنه قول عمر : اتقوا هذا المجازر، فإن لها ضراوة كضراوة الخمر، ذكره المهدوي، والأول قول سفيان الثوري.
﴿ أدخلوا أبواب جهنم... ﴾ أي : يقال لهم ذلك اليوم.
وقد قال تعالى :﴿ لها سبعة أبواب ﴾ ( الحجر : ٤٤ ).
﴿ فبئس مثوى المتكبرين ﴾.
أي : ادخلوا أبواب جهنم المفتوحة أمامكم، حال كونكم خالدين فيها خلودا أبديا، فبئس مكان المتكبرين عن قبول الحقّ.
تعقيب
كيف نوفق بين قوله تعالى :﴿ ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون * ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ﴾.
وبين ما ورد في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أعوذ بك من الهّم والحزن، وأعوذ بك من العَجْز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدّين وقهر الرجال ".
وهل يفهم من الآيتين أن الإسلام يكره الفرح والسرور والبشر والحبور ؟
الجواب :
الإسلام يكره فرح الإنسان بما عنده من الباطل أو الكفر أو الشرك، كان يكره البطر والكبر والأشر والتعالي على عباد الله، فالفرح الممقوت هنا هو الفرح في الأرض بغير الحق، والمرح بارتكاب المعاصي والفسوق، والفجور والمعصية، والبعد عن هدى السماء، والترفع عن الإيمان برسل الله، والإسلام دين وسط يحث على الاعتدال واليسر والبشر.
قال تعالى :﴿ ونيسرك لليسرى ﴾. ( الأعلى : ٨ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر... ﴾ ( البقرة ١٨٥ ).
وقال صلى الله عليه وسلم : " يسيروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا " ١.
وقال تعالى :﴿ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا... ﴾ ( يونس : ٥٨ ).
وقال تعالى :﴿ رضي الله عنهم ورضوا عنه... ﴾ ( البينة : ٨ ).
وتقول عائشة رضي الله عنها : كان صلى الله عليه وسلم أفكه الناس في بيته، ضحوكا بساما ٢.
وكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا٣.
وقال صلى الله عليه وسلم : " روحوا القلوب ساعة، فإنها إذا تعبت كلّت، وإذا كلّت عميت " ٤.
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن لربك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه " ٥.
وقال صلى الله عليه وسلم : " حبب إلي من دنياكم ثلاث : النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة " ٦.
وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أتقاكم لله أنا، وإن أعلمكم بالله أنا، وإن أخوفكم من الله أنا، ومع هذا فإني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منّي " ٧.
وروى البخاري أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستمع إلى جاريتين من الأنصار تغنّيان في يوم عيد، فدخل أبو بكر الصديق فقال : أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " دعهما يا أبا بكر، فإن اليوم يوم عيد، دعهما يا أبا بكر، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة " ٨.
لقد كان صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في خُلُقِه وهديه وسمته، ودلّه وسلوكه، وكان مثلا أعلى في السلوك، فهو من أصحابه كأحدكم، إن أخذوا في أمر الدين أخذ معهم، وإن أخذوا في أمر الدنيا أخذ معهم، لا يترفع على أصحابه، إذا فرح ظهر السرور في وجهه كأنه مذهبه، أي ظهر الرضا في وجهه كأن الذهب وبريقه يلمع في بشرته، وكان أسيل الخدين، أدعج العينين، سبط الشعر، طويل الرقبة، ما تعرّض من وجهه للشمس كأنه الذهب، وما خفي من رقبته عن الشمس كأنه الفضة، فكان كأنه إبريق فضة مطعّم بالذهب، يجري ماء الحسن في وجهه، إنسان بكل معاني الإنسانية.
والخلاصة :
إن هدي القرآن الكريم وروح السنّة المطهرة فيهما إرشاد وتوجيه إلى السلوك السوّي المعتدل، فإذا فرح الإنسان ظهر الرضا في وجهه في اعتدال، وإذا حزن في موقف أظهر ذلك في اعتدال، والإنسان المسلم إنسان كامل الإنسانية، جيّاش العواطف، مؤمن بالقضاء والقدر، راض بالقدر خيره وشرّه، حُلوه ومرّه، وهو عامل مجتهد نافع كادح، يعتبر أن البِشْر والرضا والكلمة الطيبة صدقة.
وفي الحديث الصحيح : " تبسُّمك في وجه أخيك صدقة " ٩.
وفي الأثر : " البرّ شيء هين، وجه طليق، وكلام ليّن "
وفي الحديث الشريف : " إن أحبّكم إليّ وأقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، والموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني منازل يوم القيامة الثرثارون المتشدقون، المتفيهقون ( المتكبرون ) " ١٠.
وفي أذكار الصباح والمساء نجد لمسة الفرح والسرور، والرضا والاستبشار، والفرح بالجمال والنور والنعمة، والاستعاذة بالله من الهموم والأحزان.
من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم
" رضينا بالله تعالى ربّا، بالإسلام دينا، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا "
" يا ربّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك " ١١.
اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، وذهاب غمّي وحزني " ١٢.
وهذا الدعاء علمه النبي صلى الله عليه وسلم لرجل مهموم حزين، فأذهب الله عنه الهموم والأحزان.
إن الإسلام يدعونا إلى الرضا والفرح والسرور بنعم الله تعالى علينا، ويعلمنا أن نستعيذ بالله تعالى من الهمّ والحزن.
وعندما أنشد كعب بن زُهير قصيدته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيها :
وقال كل صديق كنت أمله لا ألفينّك إني عنك مشغول.
فقلت خلّوا سبيلي لا أبا لكم فكل ما قدّر الرحمان مفعول.
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
إن الرسول لنور يستضاء به مهنّد من سيوف الله مسلول.
فرح الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه القصيدة، وعفا عن كعب بن زهير، وخلع بردته وكسا بها هذا الشاعر، إعلانا عن رضاه وسروره بما قال.
ونحن نأخذ الإسلام بجميع أركانه وآدابه ومشتملاته، وسنجد أنه نظام يكفل السعادة والرضا والبشر، ويهتم بإنسانية الإنسان، ويشيع البسمة والرضا، ويقاوم الخوف والحزن واليأس والإحباط.
قال تعالى :﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ﴾ ( آل عمران : ١٣٩ ).
وقال سبحانه :﴿ إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ﴾. ( يوسف : ٨٧ ).
صحيح أن القرآن حذّرنا من معصية الله، ومن التجرؤ على مخالفة أوامره، قال تعالى :﴿ وخافون إن كنتم مؤمنين ﴾ ( آل عمران : ١٧٥ ).
وفي نفس الوقت حثنا على الرجاء والأمل في رحمة الله الواسعة فقال سبحانه :﴿ ورحمتي وسعت كل شيء... ﴾ ( الأعراف : ١٥٦ ).
وعند الشباب نغلّب الخوف على الرجاء، وعند الشيخوخة نغلّب الرجاء على الخوف، ونرفع رصيد الأمل في رحمة الله ومغفرته، ومعونته وفضله، وكريم عفوه، وسابغ فضله، وبهذا تتكامل إنسانية الإنسان واستقامة سلوكه في جميع مراحل حياته.
قال تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم ﴾. ( فصلت : ٣٠-٣٢ )
١ بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا:
رواه البخاري في العلم (٦٩) من حديث أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". ومسلم في الجهاد (١٧٣٢) وأبو داود في الأدب (٤٨٣٥) وأحمد في مسنده (٢٧٦٨١) من حديث أبي موسى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا"..

٢ كان من أفكه الناس:
ذكر السيوطي في الجامع الصغير (٦٨٦٥) من حديث أنس، ونسبه لابن عساكر وقال: ضعيف.
قال المناوي في" الفيض": رواه الحسن بن سفيان في مسنده من حديث أنس دون قوله: "مع نسائه". ورواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط فقالا: "مع صبي". وفي إسناده ابن لهيعة..

٣ يمزح ولا يقول إلا حقا.
رواه الترمذي في البر (١٩٩٠) وأحمد في مسنده (٨٥٠٢، ٨٢٧٦) من حديث أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال: "إني لا أقول إلا حقا". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح..

٤ روحوا القلوب ساعة فساعة:
ذكره السيوطي في الجامع الصغير (٤٤٨٤)بلفظ: " روحوا القلوب ساعة فساعة"..

٥ وإن لزوجك عليك حقا:
رواه البخاري في الصوم (١٩٦٨) وفي الأدب (٦١٣٩) والترمذي في الزهد (٢٤١٣) من حديث أبي جحيفة قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كُلْ، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" صدق سلمان". ورواه البخاري في الصوم (١٩٧٤، ١٩٧٥) وفي النكاح (٥١٩٩) وفي الأدب (٦١٣٤) ومسلم في الصيام (١١٥٩) والنسائي في الصيام (٢٣٩١) وأحمد في مسنده (٦٨٢٨) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكر الحديث يعني: إن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا فقلت: وما صوم داود قال: " نصف الدهر". ورواه أبو داود في الصلاة (١٣٦٩) وأحمد في مسنده (٢٥٧٧٦) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال: " يا عثمان أرغبت عن سنتي"؟، قال: لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب، قال: " فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر وصل ونم"..

٦ حبب إليّ الطيب والنساء:
رواه النسائي (٣٩٤٠، ٣٩٣٩) وأحمد (١١٨٨٤، ١١٨٨٥، ١٢٦٤٤) من حديث أنس بن مالك. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبب إليّ من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة". قال العراقي: رواه النسائي والحاكم من حديث أنس بإسناد جيد، وضعفه العقيلي. قال المناوي في "الفيض": قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد، وقال ابن حجر: حسن، واعلم أن المصنف جعل الخطبة حم رمزا لأحمد في مسنده فاقتضى ذلك أن أحمد روى في المسند وهو باطل فإنه لم يخرجه فيه وإنما خرجه في كتاب الزهد فعزوه إلى المسند سبق ذهن أو قلم. قلت: وكلام المناوي فيه نظر فإن الحديث رواه أحمد في مسنده كما تقدم من حديث أنس بن مالك وذكره في ثلاثة مواضع، فتأمل..

٧ من رغب عن سنتي فليس مني:
رواه البخاري في النكاح (٥٠٦٣) ومسلم في النكاح (١٤٠١)، والنسائي في النكاح (٣٢١٧)، وأحمد (١٣١٢٢، ١٣٣١٦، ١٣٦٣١). ورواه ابن ماجة في النكاح (١٨٤٦) بلفظ " النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني..." الحديث. كلهم من حديث أنس، ورواه أحمد (٢٢٩٣٦) عن مجاهد عن رجل من الأنصار. ورواه الدارمي في النكاح (٢١٦٩) من حديث سعد بن أبي وقاص..

٨ مزمار الشيطان:
رواه البخاري في الجمعة (٩٥٠، ٩٨٨) وفي الجهاد (٢٩٠٧) وفي المناقب (٣٩٣١، ٣٥٣٠) ومسلم في صلاة العيدين (٨٩٢) من حديث عائشة، أن أبا بكر دخل عليها والنبي صلى الله عليه وسلم عندها يوم فطر أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث فقل أبو بكر: مزمار الشيطان، مرتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وإن عيدنا هذا اليوم"..

٩ تبسمك في وجه أخيك لك صدقة:
رواه الترمذي (١٩٥٦) من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة". وقال الترمذي: وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وحذيفة وعائشة وأبي هريرة وقال: هذا حديث حسن غريب وأبو زميل اسمه سماك بن الوليد الحنفي، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (٣٢٣١) ونسبه للبخاري في الأدب المفرد للترمذي وابن حبان في صحيحه. قال المناوي في "الفيض": أورده في الميزان في ترجمة عكرمة عن عمار العجلى من حديثه قال: قال أبو حاتم: ثقة ربما يهم. وقال أحمد: ضعيف، وقال البخاري: لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه. قال الهيثمي في المجمع: وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن تبسمك في وجه أخيك يكتب لك به صدقة وإن إفراغك من دلوك في دلو أخيك يكتب لك به صدقة وإماطتك الأذى عن الطريق يكتب لك به صدقة وإن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر يكتب لك به صدقة وإرشادك الضال يكتب لك به صدقة". رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه يحيى بن أبي عطاء وهو مجهول..

١٠ إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة:
رواه الترمذي في البر (٢٠١٨) من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال: " المتكبرون". وقال الترمذي: حديث حسن غريب، ورواه أحمد في مسنده (١٧٢٧٨) من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أحبكم إلي وأقربكم مني المتشدقون". ورواه أحمد في مسنده (٨٦٠٤) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا أنبئكم بشراركم"؟ فقال: " هم الثرثارون المتشدقون، ألا أنبئكم بخياركم ؟ أحاسنكم أخلاقا"..

١١ يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك:
رواه ابن ماجة في الأدب (٣٧٩١)، من حديث عبد الله بن عمر..

١٢ اللهم إني عبدك وابن عبدك:
رواه أحمد في مسنده (٣٧٠٤، ٤٣٠٦) من حديث عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحد من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا " قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال: "بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها"..

الصبر والتصبّر.
﴿ فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ٧٧ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ٧٨ ﴾
المفردات :
حق : كائن لا محالة.
بعض الذي نعدهم : بعض الذي نعدهم من العذاب بالقتل أو الأسر لهم في حياتك، وجواب الشرط تقديره : فذاك.
أو نتوفينك : أي : نميتك قبل تعذيبهم.
فإلينا يرجعون : فإلينا وحدنا يُرجعون يوم القيامة، فنجازهم بأعمالهم.
التفسير :
٧٧- ﴿ فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ﴾.
ناقش القرآن أهل مكة طويلا فيما سبق، وكانوا يتقولون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتربصون به الموت أملا في التخلص منه، وهنا يحث القرآن الرسول صلى الله عليه وسلم على الصبر الجميل، مؤكدا أن وعد الله حق، بِنَصر الرسل والمؤمنين في حياتهم أو بعد وفاتهم، وكان القرآن الكريم يشير إلى أن الرسول له غاية وهدف وهو البلاغ، أما الهداية أو النصر فذلك في مشيئة الله وحكمته.
ومقصود الآية كالآتي :
اصبر أيها الرسول على إيذاء المشركين واثقا بالنصر، سواء وجدت ذلك في حياتك كالنصر عليهم يوم بدر، أي إذا أريناك النصر في حياتك فبها ونعمت، وإذا توفيناك قبل تحقيق النصر فلا تحزن، فإن مصيرهم إلينا، وسيلقون الجزاء كاملا بيد الإله العادل، ولا يظلم ربك أحدا، وهو سبحانه مالك يوم الدين، وبيده الجزاء العادل في ذلك اليوم، وإلى الله وحده يُرجعون.
المفردات :
بآية : بمعجزة.
أمر الله : قضاء الله، أو يوم القيامة.
بالحق : بالعدل.
المبطلون : أهل الباطل.
التفسير :
٧٨-﴿ ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ﴾.
إن رسالة محمد لم تكن بدعا من الرسل، بل قد سبقه رسل وأنبياء كثيرون، ذكر القرآن الكريم طائفة منهم، ولم يذكر طائفة منهم، فقد سجل القرآن الكريم قصص آدم ونوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وزكريا ويحيى وأيوب وداود وسليمان ويونس وإسماعيل وإدريس، ومجموع من ذكرهم القرآن الكريم من الرسل خمسة وعشرون رسولا، ومن الرسل من لم يذكر القرآن أخبارهم، وهم أكثر من ذلك بأضعاف أضعاف.
كما قال تعالى :﴿ ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك... ﴾ ( النساء : ١٦٤ ).
أخرج الإمام أحمد، عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله كم عدد الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جمّا غفيرا " ١.
لقد ذكر القرآن الكريم أخبار المرسلين وكفاحهم، وأحيا ذكراهم، واقتصر في الذكر على نماذج محدودة، ولم يذكر جميع الرسل لحكمة إلهية عليا، فالقرآن ليس كتاب إحصاء، وليس كتاب تاريخ أو معارف، لكنه ذكر نماذج من الرسل، وعينات من العلوم والمعارف، وقبسات من تاريخ الأمم والملوك والرسل للعظة والاعتبار.
قال تعالى :﴿ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ﴾. ( يوسف : ١١١ ).
وقد أيد الله الرسل بالمعجزات، وأنزل عليهم الآيات والصحف والكتب وألوان الهداية.
﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله... ﴾.
إن مجيء الآيات والمعجزات يتم بحكمة إلهية، وباختيار الله لكل رسول بما يناسبه، فقد أيد الله إبراهيم بأن جعل النار بردا وسلاما عليه، وأيّد موسى باليد والعصا وتسع آيات بينات، كما أيّد عيسى بإحياء الموتى بإذن الله، وشفاء المرضى بإذن الله، وجعل معجزة محمد صلى الله عليه وسلم من جنس ما برع فيه قومه، وهو البيان والقصائد والخطب والنظام والنثر، فجاء القرآن في الذروة العليا من الفصاحة لكنه ليس شعرا، وليس أساطير الأولين، وليس كهانة، ولكنه وحي الله إلى رسوله، وقد اقترح كفار مكة ألوانا من المعجزات تشبه ناقة صالح، أو عصا موسى، كما اقترحوا أن يأتي لهم الرسل بالأنهار والبساتين حتى تصبح مكة مثل قرى الشام في الزراعة وطيب النسيم، والقرآن يذكر أن مجيء الآيات والمعجزات أمر إلهي، ولا دخل للرسل في اقتراحها أو المجيء بها، وإن كانت طبيعة الرسول البشرية تتمنى أن يتحقق للناس ما يتطلعون إلى وقوعه من المعجزات، ليكون ذلك باعثا لهم عن الإيمان والتصديق، ولكن الله تعالى لا يعجل لعجلة العباد، ويريد لعباده المؤمنين أن ينالوا قسطا من الصبر والبتلاء، حتى يكون الإيمان عن قناعة ورغبة وجهاد وتضحية.
﴿ وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ﴾. ( آل عمران : ١٤١ ).
﴿ فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ﴾.
أي : إن الله يمهل مجيء الآيات ليأخذ الناس فرصة واسعة قبل نزول العذاب، فإذا جاء أمر الله ووعده بإهلاك الكافرين في الدنيا، أو عذابهم في الآخرة ؛ جعل ذلك بالعدل والحق، ولا مجال لاعتذار أو تراجع بل عذاب رادع في الدنيا، أو دخول جهنم في الآخرة، كما حدث في غرق نوح، أو هلاك عاد وثمود، أو غرق فرعون وملئه.
وعندئذ يخسر المبطلون، ويحيق العذاب الشديد بأهل الباطل في الدنيا والآخرة.
﴿ وما ربك بظلام للعبيد ﴾. ( فصلت : ٤٦ ).
١ كم المرسلون:
رواه أحمد في مسنده (٢١٠٣٦) من حديث أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: " يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا، قال: " قم فصل..." الحديث وفيه: قلت: يا رسول الله، أي الأنبياء كان أول ؟ قال: "آدم"، قلت: يا رسول الله ونبي كان؟ قال: "نعم نبي مكلم" قال: قلت: يا رسول الله، كم المرسلون ؟ قال:" ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا"، وقال مرة:" خمسة عشر" قال: قلت: يا رسول الله آدم أنبي كان ؟ قال: " نعم نبي مكلم"، قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم ؟ قال: " آية الكرسي ﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيم﴾..

منافع الأنعام
﴿ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ٧٩ ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ٨٠ ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون ٨١ ﴾
المفردات :
الأنعام : الإبل والبقر والغنم والمعز.
تمهيد :
كان أهل مكة يطلبون طائفة من خوارق الآيات للدلالة على صدق الرسول الأمين، فبينت الآيات السابقة أنّ مجيء المعجزات أمر خاضع لإرادة الله واختياره سبحانه، ثم لفت أنظارهم إلى طائفة من النعم التي أنعم الله بها على عباده، وهي شاهدة لله تعالى بكمال القدرة والوحدانية، ولبطلان أي ادعاء بأن أحدا غير الله خلقها، وأيّ ادعاء كذلك بأنها خُلقت بلا خالق مدبّر مريد.
التفسير :
٧٩-﴿ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ﴾.
يطلق بعض المفسرين الأنعام على الإبل وحدها، ففيها منافع متعددة للركوب والأكل والاستفادة بأوبارها، وحمل الأثقال عليها، حتى قالوا :( الجمل سفينة الصحراء )، وقد خلق الله الجمل حمولا صبورا، يتحمل الجوع والعطش والمشي على الرمال في الصحراء.
وذكر بعض المفسرين أن الأنعام تطلق على الإبل والبقر والغنم والمعز، وقد امتن الله بها علينا في الآيات من ١٤٢-١٤٤ من سورة الأنعام.
حيث قال تعالى :﴿ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين... ﴾ ( الأنعام : ١٤٣ ).
وقال سبحانه :﴿ ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين... ﴾ ( الأنعام : ١٤٤ ).
وقريب من ذلك ما ورد في قوله تعالى :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم ﴾. ( النحل : ٥-٧ ).
لقد كانت هذه الإبل هي الوسيلة الوحيدة في ذلك الوقت للانتقال من مفاوز الصحراء، ولا تزال بعض الطرق الضيقة إلى الآن وكذلك المفاوز الرملية، والمعابر الجبلية وأشباهها، تعتمد على بعض الحيوانات في ارتيادها.
وقد أشار القرآن إلى استخدام الآلة في السير وفي غيره، وذلك في قوله تعالى :﴿ والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ﴾. ( النحل : ٨ )
عود إلى التفسير :
﴿ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ﴾.
لقد سخر الله لكم الأنعام بجميع أصنافها، حتى تستفيدوا بركوب بعضها، والكل من بعضها، فالإبل تُؤكل وتُركب ويُشرب لبنها، وتُحمل عليها الأمتعة، والبقر تؤكل ويشرب لبنها وينتفع بها في الحرث والسقي، والغنم تؤكل ويشرب لبنها، والجميع تتناسل وتجز أصوافها وأشعارها وأوبارها، ويستفاد بذلك في الأثاث والثياب والأمتعة.
تمهيد :
كان أهل مكة يطلبون طائفة من خوارق الآيات للدلالة على صدق الرسول الأمين، فبينت الآيات السابقة أنّ مجيء المعجزات أمر خاضع لإرادة الله واختياره سبحانه، ثم لفت أنظارهم إلى طائفة من النعم التي أنعم الله بها على عباده، وهي شاهدة لله تعالى بكمال القدرة والوحدانية، ولبطلان أي ادعاء بأن أحدا غير الله خلقها، وأيّ ادعاء كذلك بأنها خُلقت بلا خالق مدبّر مريد.
المفردات :
حاجة في صدوركم : أمرا ذا بال تهتمون به.
التفسير :
٨٠- ﴿ ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ﴾.
أي : لكم في مجموع الأنعام طائفة من المنافع، مثل الأكل وشرب الألبان والركوب، والانتفاع بالأصواف والأشعار والجلود.
﴿ ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم... ﴾
أي : تنتقلون على الإبل، وتنقلون بها أمتعتكم، وتصلون بها إلى أهدافكم الكبيرة، خصوصا عند الكرّ والفرّ والبحث عن الكلأ والمرعى.
﴿ وعليها وعلى الفلك تحملون ﴾.
تحملون أمتعتكم في البرّ على الإبل وبعض الحيوانات الأخرى، وفي البحر تحملون أمتعتكم على السفن التي تمخُر عُباب البحر، وتنقل التجارة والسيّاح والأمتعة والمنافع.
تمهيد :
كان أهل مكة يطلبون طائفة من خوارق الآيات للدلالة على صدق الرسول الأمين، فبينت الآيات السابقة أنّ مجيء المعجزات أمر خاضع لإرادة الله واختياره سبحانه، ثم لفت أنظارهم إلى طائفة من النعم التي أنعم الله بها على عباده، وهي شاهدة لله تعالى بكمال القدرة والوحدانية، ولبطلان أي ادعاء بأن أحدا غير الله خلقها، وأيّ ادعاء كذلك بأنها خُلقت بلا خالق مدبّر مريد.
المفردات :
آياته : دلائل قدرته في الآفاق وفي أنفسكم.
فأي آيات الله تنكرون : الدالة على ما ذكر من تلك الآيات، فإنها لوضوحها وظهورها لا تقبل الإنكار.
التفسير :
٨١- ﴿ ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون ﴾.
الله تعالى يريكم دلائل قدرته في البر والبحر والجوّ، والليل والنهار، والشمس والقمر، والنور والظلام، والصيف والشتاء، والتقدم العلمي، وأدلة القدرة في الأنفس والآفاق، فأيّ هذه الآيات الباهرات تنكرون دلالتها على قدرة الله، إن هذه المخلوقات البديعة لم يَدّع أحد أنه خلقها، ثم هي لم تخلُقْ نفسها، فلم يبق إلا أن تكون مخلوقة لله رب العالمين.
وقد ختمت الآية بهذا الاستفهام الإنكاري، منكرة على المخاطبين الجحود والكفر، وقريب من ذلك ما ورد في الآيتين٦٠، ٦١ من سورة النمل، حيث يقول الله تعالى :﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون * أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ﴾. ( النمل : ٦٠، ٦١ ).
ويقول سبحانه وتعالى :﴿ أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها ﴾. ( النازعات : ٢٨، ٢٧ ).
تهديد المكذبين
﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ٨٢ فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ٨٣ فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ٨٤ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون٨٥ ﴾
المفردات :
وآثارا في الأرض : ما أبقوه من القصور والحصون والمصانع ونحوها.
التفسير :
٨٢-﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينذروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ﴾.
تلفت الآية أنظار المشركين من أهل مكة إلى التأمل والتفكر في عاقبة المكذبين لرسلهم، مثل قوم نوح، ومثل عاد وثمود، ومثل فرعون وملئه، حين أهلك الله المكذبين بصنوف الهلاك : كالغرق، والخسف، وإرسال الصواعق المهلكة، وغير ذلك، وأن هؤلاء الذين أهلكوا كانوا أكثر من أهل مكة مالا وعددا، ولا تزال قصورهم وأبنيتهم الضخمة وآثارهم تشهد بمدى تفوقهم، لكن ذلك لم ينفعهم، ولم يدفع العذاب عنهم.
المفردات :
بالبينات : بالمعجزات والشرائع الواضحات.
فرحوا بما عندهم من العلم : رضي الكفار عن أنفسهم وعن معارفهم، بأنه لا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء. واحتقروا شرائع الرسل ولم يتبعوها.
حاق بهم : أحاط ونزل بهم ما استهزأوا به من العذاب.
التفسير :
٨٣-﴿ فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ﴾.
فلما جاءت الرسل إليهم بالشرائع والمعجزات والوحي الإلهي، أعرضوا عن هدي السماء، وفرح الكفار بما هم عليه من العلم الدنيوي الخالي من نور الهداية والوحي، وكان فرح بطر وأشر، واغتروا بذلك العلم، ونزل بهم جزاء كفرهم واستهزائهم بالرسل والآيات.
المفردات :
بأسنا : شدة عذابنا.
وكفرنا بما كنا به مشركين : كفرنا بالأصنام والأوثان، وسائر الآلهة الباطلة.
التفسير :
٨٤- ﴿ فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ﴾.
فلما شاهدوا بأعينهم شدة العذاب الذي نزل بهم، وعاينوا أهواله وشدائده، قالوا : آمنا بالله الواحد الأحد، وكفرنا بالأصنام والأوثان وسائر المعبودات التي عبدناها من دون الله.
المفردات :
فلم يك ينفعهم إيمانهم : فلم يصح ولم يستقم، لامتناع قبول الإيمان بعد فوات الأوان.
سنة الله : أي : سنّ الله ذلك سنة ماضية في العباد، ألا ينفعهم الإيمان وقت نزول العذاب.
وخسر هنالك الكافرون : وهلك في مكان نزول العذاب الكافرون.
التفسير :
٨٥- ﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ﴾.
أعطى الله الإنسان العقل والإرادة والاختيار، وجعل ذلك مناط التكليف، ومن سنة الله تعالى الماضية في السابقين واللاحقين أنه لا يقبل الإيمان في حالة الإلجاء والاضطرار، كإيمان فرعون حين رأى الغرق أعلن إيمانه بعد أن عصى واستكبر وأعلن الفساد والعناد ؛ فلم يقبل منه الإيمان، ونجى الله بدنه فقط ليحنط ويظل دليلا ملموسا على عاقبة الظلم والفساد، وعلى أن الإيمان لا ينفع صاحبه عند رؤية العذاب ؛ لأنه إيمان عن إلجاء واضطرار لا عن رويّة واختيار.
قال ابن كثير :
وحدّوا الله وكفروا بالطاغوت، ولكن حيث لا تقال العثرات، ولا تنفع المعذرة، وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق :﴿ آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ﴾. ( يونس : ٩٠ )، فلم يقبل الله منه، لأنه قد استجاب لنبيه موسى عليه السلام ١.
وهكذا قال تعالى : ههنا :﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده... ﴾
أي : هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنّه لا يقبل، ولهذا جاء في الحديث : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر " ٢، ولهذا قال تعالى :﴿ وخسر هنالك الكافرون ﴾. ا ه.
١ علّه يقصد دعاء موسى عليه السلام المذكور في القرآن :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربّنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون﴾ (يونس: ٨٨، ٨٩)..
٢ أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي في شُعب الإيمان، عن ابن عمر..
Icon