ﰡ
وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها. فهو آمن من الزوال والخراب، وأنواع النقص. وأهله آمنون فيه من الخروج والنقص، والنكد، والبلد الأمين الذي قد أمن أهله فيه مما يخاف منه سواهم.
وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله :﴿ إن المتقين في مقام أمين ﴾ وفي قوله تعالى :﴿ يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ﴾ [ الدخان : ٥٥ ] فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام. فلا يخافون انقطاع الفاكهة، ولا سوء عاقبتها ومضرتها وأمن الخروج منها. فلا يخافون ذلك، وأمن من الموت، فلا يخافون فيها موتا.
و«الحور » جمع حوراء. وهي المرأة الشابة الحسناء، الجميلة، البيضاء شديدة سواد العين. وقال زيد بن أسلم : الحوراء التي يحار فيها الطرف.
و﴿ عين ﴾ حسان الأعين.
وقال مجاهد : الحوراء التي يحار فيها الطرف، من رقة الجلد، وصفاء اللون.
وقال الحسن : الحوراء شديدة بياض العين، شديدة سواد العين.
واختلف في اشتقاق هذه اللفظة، فقال ابن عباس رضي الله عنه : الحور في كلام العرب البيض. وكذلك قال قتادة : الحور البيض. وقال مقاتل : الحور البيض الوجوه.
وقال مجاهد : الحور العين : التي يحار فيهن الطرف، باديا مخ سوقهن من وراء ثيابهن، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن، كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون، وهذا من الاتفاق. وليست اللفظة مشتقة من الحيرة.
وأصل «الحور » : البياض، والتحوير : التبييض.
والصحيح : أن الحور مأخوذ من الحور في العين، وهو شدة بياضها مع قوة سوادها. فهو يتضمن الأمرين. وفي «الصحاح » للجوهري :«الحور » شدة بياض العين في شدة سوادها، و«امرأة حوراء » : بينة الحور. وقال أبو عمرو : الحور : أن تسود العين كلها، مثل أعين الظباء والبقر. وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء : حور العين ؛ لأنهن شبهن بالظباء والبقر. وقال الأصمعي : ما أدري ما الحور في العين ؟
قلت : خالف أبو عمرو أهل اللغة في اشتقاق اللفظة، ورد الحور إلى السواد، والناس غيره إنما ردوه إلى البياض، وإلى بياض في سواد. والحور في العين معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما، واكتساب كل واحد منهما الحسن من الآخر، ويقال «عين حوراء »، إذا اشتد بياض أبيضها وسواد أسودها. ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون مع حور عينها بياض لون الجسد.
«والعين » جمع «عيناء ». وهي العظيمة العين من نساء، و«رجل أعين » : إذا كان ضخم العين. و«امرأة عيناء ». والجمع «عين ».
والصحيح : أن العين هن اللاتي جمعت أعينهن صفات الحسن والملاحة.
قال مقاتل : العين : حسان الأعين. ومن محاسن المرأة : اتساع عينها في طول. وضيق العين في المرأة من العيوب.
قال أبو عبيدة : جعلناهم أزواجا، كما يزوج النعل بالنعل. جعلناهم اثنين اثنين.
وقال يونس : قرناهم بهن، وليس من عقد التزويج. قال : والعرب لا تقول : تزوجت بها، وإنما تقول : تزوجتها.
قال بن نصر : هذا والتنزيل يدل على ما قاله يونس. وذلك قوله تعالى :﴿ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] ولو كان على تزوجت بها لقال : زوجناك بها.
وقال ابن سلام : تميم تقول : تزوجت امرأة وتزوجت بها. وحكاه الكسائي أيضا.
وقال الأزهري : تقول العرب : زوجته امرأة، وتزوجت امرأة، وليس من كلامهم : تزوجت بامرأة.
قوله تعالى :﴿ وزوجناهم بحور عين ﴾ أي قرناهم، وقال الفراء : هي لغة في أزد شنوءة. قال الواحدي : وقول أبي عبيدة في هذا أحسن، لأنه جعله من التزويج الذي هو بمعنى جعل الشيء زوجا. لا بمعنى عقد النكاح. ومن هذا يجوز أن يقال : كان فردا فزوجته بآخر، كما يقال : شققته بآخر. وإنما تمنع الباء عند من يمنعها إذا كان بمعنى عقد التزويج.
قلت : ولا يمتنع أن يراد الأمران معا. فلفظ التزويج يدل على النكاح. كما قال مجاهد : أنكحناهم الحور. ولفظ الباء تدل على الاقتران والضم. وهذا أبلغ من حذفها والله اعلم.