تفسير سورة الجاثية

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة الجاثية
مكية كلها في قول الحسن وعطاء وجابر وعكرمة. وقال ابن عباس وقتادة إلا آية هي " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
بسم الله الرحمان الرحيم

﴿حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون﴾ قوله عز وجل: ﴿حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ﴾ يعني القرآن. ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ وفي إضافة التنزيل إليه في هذا الموضع وفي أمثاله وجهان: أحدهما: افتتاح كتابه منه كما يفتتح الكاتب كتابه به. الثاني: تعظيماً لقدره وتضخيماً لشأنه عليه في الابتداء بإضافته إليه. قوله عز وجل: ﴿وَاخْتِلاَفِ الليْلِ وَالنَّهَارِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: يعني اختلافهما بالطول والقصر.
260
الثاني: اختلافهما بذهاب أحدهما ومجيء الآخر. ﴿وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: المطر الذي ينبت به الزرع وتحيا به الأرض. الثاني: ما قضاه في السماء من أرزاق العباد. ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: تصريفها بإرسالها حيث يشاء. الثاني: ينقل الشمال جنوباً والجنوب شمالاً، قاله الحسن. الثالث: أن يجعلها تارة رحمة وتارة نقمة؛ قاله قتادة.
261
قوله عز وجل :﴿ تَنزِيلُ الكِتَابِ ﴾ يعني القرآن.
﴿ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ﴾ وفي إضافة التنزيل إليه في هذا الموضع وفي أمثاله وجهان :
أحدهما : افتتاح كتاب منه كما يفتتح الكاتب كتابه به.
الثاني : تعظيماً لقدره وتضخيماً لشأنه عليه في الابتداء بإضافته إليه.
قوله عز وجل :﴿ وَاخْتِلاَفِ الليْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يعني اختلافهما بالطول والقصر.
الثاني : اختلافهما بذهاب أحدهما ومجيء الآخر.
﴿ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن رزْقٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : المطر الذي ينبت به الزرع وتحيا به الأرض.
الثاني : ما قضاه في السماء من أرزاق العباد.
﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : تصريفها بإرسالها حيث يشاء.
الثاني : ينقل الشمال جنوباً والجنوب شمالاً، قاله الحسن.
الثالث : أن يجعلها تارة رحمة وتارة نقمة ؛ قاله قتادة.
﴿تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم﴾ قوله عز وجل: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الأفاك: الكذاب، قاله ابن جريج. الثاني: أنه المكذب بربه. الثالث: أنه الكاهن، قاله قتادة. ﴿يَسْمَعُءَآيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيهِ﴾ يعني القرآن. ﴿ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً﴾ فيه تأويلان: أحدها: يقيم على شركه مستكبراً عن طاعة ربه، وهو معنى قول يحيى بن سلام. الثاني: أن الإصرار على الشيء العقد بالعزم عليه، وهو مأخوذ من صَرَّ الصُّرَّةَ إذا شدها، قاله ابن عيسى.
261
﴿كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا﴾ في عدم الاتعاظ بها والقبول لها. ﴿فَبِشَّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ قال ابن جريج نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث.
262
قوله عز وجل :﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الأفاك : الكذاب، قاله ابن جريج.
الثاني : أنه المكذب بربه١.
الثالث : أنه الكاهن، قاله قتادة.
١ في ك المكذب به..
﴿ يَسْمَعُ ءَآيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيهِ ﴾ يعني القرآن.
﴿ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدها : يقيم على شركه مستكبراً عن طاعة ربه، وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني : أن الإصرار على الشيء العقد بالعزم عليه. وهو مأخوذ من صَرَّ الصُّرَّةَ إذا شدها، قاله ابن عيسى.
﴿ كَأَن لمْ يَسْمَعْهَا ﴾ في عدم الاتعاظ بها والقبول لها.
﴿ فَبَشَّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ قال ابن جريج نزلت١ هذه الآية في النضر بن الحارث.
١ في ع نزلت هذه..
﴿الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون﴾ قوله عز وجل: ﴿قُلْ لِّلَّذِينَءَامَنُوا يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا ينالون نعم الله، قاله مجاهد. الثاني: لا يخشون عذاب الله، قاله الكلبي ومقاتل. الثالث: لا يطمعون في نصر الله في الدنيا ولا في الآخرة، قاله ابن بحر. وفي المراد بأيام الله وجهان: أحدهما: أيام إنعامه وانتقامه في الدنيا، لأنه ليس في الآخرة، وتكون الأيام وقتاً وإن تكن أياماً على الحقيقة. وفي الكلام أمر محذوف فتقديره: قل للذين آمنوا إغفروا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله. الغفران ها هنا العفو وترك المجازاة على الأذى. وحكى الكلبي أن هذه الآية نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد شتمه رجل من المشركين فهمَّ أن يبطش به، فلما نزل ذلك فيه كف عنه. وفي نسخ هذه الآية قولان:
262
أحدهما: أنها ثابتة في العفو عن الأذى في غير الدين. الثاني: أنها منسوخة وفيما نسخها قولان: أحدهما: بقوله سبحانه ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ قاله قتادة. الثاني: بقوله ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُواْ﴾ قاله أبو صالح.
263
قوله عز وجل :﴿ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا ينالون نعم الله، قاله مجاهد.
الثاني : لا يخشون عذاب الله، قاله الكلبي ومقاتل.
الثالث : لا يطمعون في نصر الله في الدنيا ولا في الآخرة، قاله ابن بحر.
وفي المراد بأيام الله وجهان :
أحدهما : أيام إنعامه وانتقامه في الدنيا، لأنه ليس في الآخرة أيام بين ليل ونهار.
الثاني : أنها أيام الثواب والعقاب في الآخرة. وتكون الأيام وقتاً وإن تكن أياماً على الحقيقة.
وفي الكلام أمر محذوف فتقديره : قل للذين آمنوا١ اغفروا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله. الغفران ها هنا العفو وترك المجازاة على الأذى.
وحكى الكلبي أن هذه الآية نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد شتمه رجل من المشركين فهمَّ أن يبطش به، فلما نزل ذلك فيه كف عنه.
وفي نسخ هذه الآية قولان :
أحدهما : أنها ثابتة في العفو عن الأذى في غير الدين.
الثاني : أنها منسوخة وفيما٢ نسخها قولان :
أحدهما : بقوله سبحانه ﴿ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ٣ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ قاله قتادة.
الثاني : بقوله ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم٤ ظُلِمُوا ﴾ قاله أبو صالح.
١ في ع قل للذين غفروا نغفروا..
٢ في ك وفي نسخها..
٣ الآية ٥ من سورة التوبة..
٤ الآية ٣٩ من سورة الحج..
﴿ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون﴾ قوله عز وجل: ﴿وَءَاتَينَاهُم بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: ذكر الرسول وشواهد نبوته. الثاني: بيان الحلال والحرام، قاله السدي. ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ فيه قولان: أحدهما: من بعد يوشع بن نون فآمن بعضهم وكفر بعضهم، حكاه النقاش. الثاني: بعدما أعلمهم الله ما في التوراة. ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: طلباً للرسالة وأنفة من الإذعان للصواب، حكاه ابن عيسى. الثاني: بغياً على رسول الله صلى عليه وسلم في جحود ما في كتابهم من نبوة وصفته، قاله الضحاك.
263
الثاني: أنهم أرادوا الدنيا ورخاءها فغيروا كتابهم وأحلوا فيه ما شاؤوا وحرموا ما شاؤوا، قاله يحيى بن آدم. قوله عز وجل: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ﴾ أي على طريقة من الدين كالشريعة التي هي طريق إلى الماء، ومنه الشارع لأنه طريق إلى القصد. وفي المراد بالشريعة أربعة أقاويل: احدها: أنها الدين، قاله ابن زيد، لأنه طريق للنجاة. الثاني: أنها الفرائض والحدود والأمر والنهي، قاله قتادة لأنها طريق إلى الدين. الثالث: أنها البينة، قاله مقاتل: لأنها طريق الحق. الرابع: السنة، حكاه الكلبي لأنه يستنّ بطريقة من قبله من الأنبياء.
264
قوله عز وجل :﴿ وَءَاتَينَاهُم بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ذكر الرسول وشواهد نبوته.
الثاني : بيان الحلال والحرام، قاله السدي.
﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العِلمُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من بعد يوشع بن نون، فآمن بعضهم وكفر بعضهم١، حكاه النقاش.
الثاني : بعدما أعلمهم الله ما في التوراة.
﴿ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : طلباً للرسالة وأنفة من الإذعان للصواب، حكاه ابن عيسى.
الثاني : بغياً على رسول الله صلى عليه وسلم في جحود ما في كتابهم من نبوته وصفته، قاله الضحاك.
الثالث : أنهم أرادوا الدنيا ورخاءها فغيروا كتابهم وأحلوا فيه ما شاؤوا، وحرموا ما شاؤوا٢، قاله يحيى بن آدم.
١ في ع وكفر بعض..
٢ هذه العبارة ساقطة من ك..
قوله عز وجل :﴿ ثُمَّ جَعَلنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ ﴾ أي على طريقة من الدين، كالشريعة التي هي طريق إلى الماء، ومنه الشارع ؛ لأنه طريق إلى القصد.
وفي المراد بالشريعة أربعة أقاويل :
أحدها : أنها الدين، قاله ابن زيد، لأنه طريق للنجاة١.
الثاني : أنها الفرائض والحدود والأمر والنهي، قاله قتادة ؛ لأنها طريق إلى الدين.
الثالث : أنها البينة، قاله مقاتل ؛ لأنها طريق الحق.
الرابع : السنة، حكاه الكلبي ؛ لأنه يستنّ بطريقة من قبله من الأنبياء.
١ في ك طريق إلى الجنة والمعنى متقارب..
﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون﴾ قوله عز وجل: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ﴾ أي اكتسبوا الشرك. قال الكلبي: الذين أريد بهم هذه الآية عتبه وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. ﴿أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ قال الكلبي أريد بهم علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث حين برزوا إليهم يوم بدر فقتلوهم. قوله عز وجل: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أفرأيت من اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئاً إلا ركبه، قاله ابن عباس.
264
الثاني: أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه ويستحسنه، فإذا استحسن شيئاً وهو به اتخذه إلهاً، قاله عكرمة، قاله سعيد بن جبير: كان أحدهم يعبد الحجر. فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر. الثالث: أفرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده تعجباً لذوي العقول من هذا الجهل. ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: وجده ضالاً، حكاه ابن بحر. الثاني: معناه ضل عن الله. ومنه قول الشاعر:
(هبوني امرأً منكم اضلَّ بعيره له ذمة إن الذمام كثير)
أي ضل عنه بعيره. وفي قوله: ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ وجهان: أحدهما: على علم منه أنه ضال، قاله مقاتل. الثاني: قاله ابن عباس أي في سابق علمه أنه سيضل. ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ﴾ أي طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى. ﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غَشَاوَةً﴾ حتى لا يبصرالرشد. ثم في هذا الكلام وجهان: أحدهما: أنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم. الثاني: أنه خارج مخرج الدعاء بذلك عليهم. وحكى ابن جريج أنها نزلت في الحارث بن قيس من الغياطلة، وحكى الضحاك أنها نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف.
265
قوله عز وجل :﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أفرأيت من اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئاً إلا ركبه، قاله ابن عباس.
الثاني : أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه ويستحسنه، فإذا استحسن شيئاً وهويه١ اتخذه إلهاً، قاله عكرمة، قاله سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر. فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر.
الثالث : أفرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده تعجباً لذوي العقول من هذا الجهل.
﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلمٍ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : وجده ضالاً، حكاه ابن بحر.
الثاني : معناه ضل عن الله. ومنه قول الشاعر :
هبوني امرأً منكم أضلَّ بعيره له ذمة إن الذمام كثير
أي ضل عنه بعيره.
وفي قوله :﴿ عَلَى عِلمٍ ﴾ وجهان :
أحدهما : على علم منه أنه ضال، قاله مقاتل.
الثاني : قاله ابن عباس أي في سابق علمه أنه سيضل.
﴿ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلبِهِ ﴾ أي طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ، وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى.
﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غَشَاوَةً ﴾ حتى لا يبصر الرشد.
ثم في هذا الكلام وجهان :
أحدهما : أنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم.
الثاني : أنه خارج مخرج الدعاء بذلك عليهم.
وحكى ابن جريج أنها نزلت في الحارث بن قيس من الغياطلة٢، وحكى الضحاك أنها نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف.
١ في ك هواه والصواب ما أثبتناه لأن الفعل هوي يهوي، كصدي يصدى (من مختار الصحاح)..
٢ جاء في كتاب الاشتقاق لابن دريد طبع أوربا ص ٧٥ (بنو قيس بن عدي كانوا من رجال قريش يلقبون الغياطل "بالغين" وكان قيس سيد قريش في دهره غير مدافع) قال: والغياطل جمع غيطله وهو الشجر الملتف واختلاط الظلام..
{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا
265
بآبائنا إن كنتم صادقين قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون} قوله عز وجل: ﴿وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ وهذا القول منهم إنكار للآخرة وتكذيب بالبعث وإبطال للجزاء. ﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه مقدم ومؤخر، وتقديره: نحيا نموت. وهي كذلك في قراءة ابن مسعود. الثاني: أنه على تربيته، وفي تأويله وجهان: أحدهما: نموت نحن ويحيا أولادنا، قاله الكلبي. الثاني: يموت بعضنا. ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: وما يهلكنا إلا العمر، قاله قتادة. وأنشد قول الشاعر:
(لكل أمر أتى يوماً له سبب والدهر فيه وفي تصريفه عجب)
الثاني: وما يهلكنا إلا الزمان، قاله مجاهد. وروى أبو هريرة قال: كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار، والذي يهلكنا يميتنا ويحيينا، فنزلت هذه الآية. الثالث: وما يهلكنا إلا الموت، قاله قطرب، وأنشد لأبي ذؤيب:
(أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع)
الرابع: وما يهلكنا إلا الله، قاله عكرمة. وروى الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رجال يقولون: يا خيبة الدهر، يا
266
بؤس الدهر، لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل هو الدهر، وإنه يقبض الأيام ويبسطها).
267
﴿ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون﴾ قوله عز وجل: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾ الأمة أهل كل ملة. وفي الجاثية خمسة تأويلات: أحدها: مستوفزة، قاله مجاهد. وقال سفيان: المستوفز الذي لا يصيب منه الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله. الثاني: مجتمعة، قاله ابن عباس. الثالث: متميزة، قاله عكرمة. الرابع: خاضعة بلغة قريش، قاله مؤرج. الخامس: باركة على الركب، قاله الحسن. وفي الجثاة قولان: أحدهما: أنه للكفار خاصة، قاله يحيى بن سلام. الثاني: أنه عام للمؤمن والكافر انتظاراً للحساب. وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبد الله بن باباه أن النبي ﷺ قال: كأني أراكم بالكوم جاثين دون جهنم. ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: إلى حسابها، قاله يحيى بن سلام.
267
الثاني: إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر، قاله الكلبي. الثالث: إلى كتابها الذي أنزل على رسولها، حكاه الجاحظ. قوله عز وجل: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه القرآن يدلكم على ما فيه من الحق، فكأنه شاهد عليكم، قاله ابن قتيبة. الثاني: أنه اللوح المحفوظ يشهد بما قضي فيه من سعادة وشقاء، خير وشر، قاله مقاتل، وهو معنى قول مجاهد. الثالث: أنه كتاب الأعمال الذي يكتب الحفظة فيه أعمال العباد ويشهد عليكم بما تضمنه من صدق أعمالكم، قاله الكلبي. ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُم تَعْمَلُونَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني يكتب الحفظة ما كنتم تعملون في الدنيا، قاله علي رضي الله عنه ومن زعم أنه كتاب الأعمال. الثاني: أنه الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدوَّن عندها من أحوال العباد، قاله ابن عباس ومن زعم أن الكتاب هو اللوح المحفوظ. الثالث: نستنسخ ما كتب عليكم الملائكة الحفظة، قاله الحسن لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال.
268
قوله عز وجل :﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ الأمة أهل كل ملة. وفي الجاثية خمسة تأويلات :
أحدها : مستوفزة، قاله مجاهد. وقال سفيان : المستوفز الذي لا يصيب منه الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله.
الثاني : مجتمعة، قاله ابن عباس.
الثالث : متميزة، قاله عكرمة.
الرابع : خاضعة بلغة قريش، قاله مؤرج.
الخامس : باركة على الركب، قاله الحسن.
وفي الجثاة قولان :
أحدهما : أنه للكفار خاصة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنه عام للمؤمن والكافر انتظاراً للحساب.
وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبد الله بن باباه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كأني أراكم بالكوم١ جاثين دون جهنم.
﴿ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى حسابها، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر، قاله الكلبي٢.
الثالث : إلى كتابها الذي أنزل على رسولها، حكاه الجاحظ٣.
١ الكوم المواضع المشرفة..
٢ وهذا قول مقاتل ومعنى قول مجاهد..
٣ وقبل "كتابها" ما كتبت الملائكة عليها، وقيل الكتاب هاهنا اللوح المحفوظ..
قوله عز وجل :﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالحَقِّ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه القرآن يدلكم على ما فيه من الحق، فكأنه شاهد عليكم، قاله ابن قتيبة.
الثاني : أنه اللوح المحفوظ يشهد بما قضي فيه من سعادة وشقاء، خير وشر، قاله مقاتل، وهو معنى قول مجاهد.
الثالث : أنه كتاب الأعمال الذي يكتب الحفظة فيه أعمال العباد ويشهد عليكم بما تضمنه من صدق أعمالكم، قاله الكلبي.
﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُم تَعْمَلُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني يكتب الحفظة ما كنتم تعملون في الدنيا، قاله١ علي رضي الله عنه ومن زعم أنه كتاب الأعمال.
الثاني : أنه الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدوَّن عندها من أحوال العباد، قاله ابن عباس ومن زعم أن الكتاب هو اللوح المحفوظ.
الثالث : نستنسخ ما كتبت٢ عليكم الملائكة الحفظة، قاله الحسن ؛ لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال.
١ قال علي كرم الله وجهه: إن لله ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم..
٢ في الأصل حفظت والتصويب من تفسير القرطبي عند نقله قول الحسن ص ١٧٥ ج ١٦ من تفسير القرطبي..
{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا
268
يخرجون منها ولا هم يستعتبون فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} قوله عز وجل: ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري، قاله الضحاك. الثاني: اليوم نترككم من الرحمة كما تركتم الطاعة، وهو محتمل الثالث: اليوم نترككم من الخير كما تركتمونا من العمل، قاله سعيد بن جبير. قوله عز وجل: ﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: أن الكبرياء العظمة، قاله يحيى بن سلام. الثاني: أنه السلطان، قاله مجاهد. الثالث: الشرف، قاله ابن زياد. الرابع: البقاء والخلود. ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في انتقامه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في تدبيره.
269
سورة الأحقاف
مكية في قول الجميع إلا رواية تشذ عن ابن عباس وقتادة أنها كذلك إلا آية منها مدنية وهي ﴿قل أرأيتم إن كان من عند الله﴾ وقال الكلبي: بل هي ﴿وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله﴾. بسم الله الرحمن الرحيم
270
قوله عز وجل :﴿ وَقِيلَ اليَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري، قاله الضحاك.
الثاني : اليوم نترككم من الرحمة كما تركتم الطاعة، وهو محتمل.
الثالث : اليوم نترككم من الخير كما تركتمونا من العمل، قاله سعيد بن جبير.
قوله عز وجل :﴿ وَلَهُ الكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الكبرياء العظمة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنه السلطان، قاله مجاهد.
الثالث : الشرف، قاله ابن زياد.
الرابع : البقاء والخلود.
﴿ وَهُوَ العَزِيزُ ﴾ في انتقامه ﴿ الحَكِيمُ ﴾ في تدبيره.
Icon