تفسير سورة المزّمّل

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة المزمل من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
" بسم الله " : الحادثات بالله حصلت، فقلوب العارفين بالله عرفت ما عرفت وأرواح الصديقين بالله ألفت من ألفت وفهوم الموحدين بساحات جلاله وقفت، ونفوس العابدين بالعجز عن استحقاق عبادته اتصفت وعقول الأولين والآخرين بالعجز عن معرفة جلاله اعترفت.

قوله جلّ ذكره :﴿ يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ الَّليْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾.
أي : المتزمل المتلفِّف في ثيابِه. وفي الخبر :" أنه كان عند نزول هذه الآية عليه مِرْطُ من شَعْرٍ وَبَرٍ، وقالت عائشة رضي الله عنها : نصفُه عليَّ وأنا نائمة، ونصفه على رسول الله وهو يُصَلِّي، وطولُ المِرْطِ أربعةُ عشر ذراعاً ".
﴿ قُمِ الَّليْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ نصفَه بَدَلٌ منه ؛ أي : قم نصف الليل، وأَنْقِصْ من النصف إلى الثلث أو زِدْ على الثلث، فكان عليه الصلاة والسلام في وجوب قيام الليل مُخَيَّراً ما بين ثلث الليل إلى النصف وما بين النصف إلى الثلث. وكان ذلك قبل قَرْضِ الصلوات الخمس، ثم نُسِخَ بعد وجوبها على الأمة - وإن كانت بقيت واجبة على الرسول صلى الله عليه سلم.
ويقال : يا أيها المتزمل بأعباء النبوَّة. . ﴿ قُمِ الَّليْلَ ﴾.
ويقال : يا أيها الذي يُخْفِي ما خصصناه به قُمْ فأنذِرْ. . فإنّا نصرناك.
ويقال : قُمْ بنا. . يا مَنْ جعلنا الليل ليسكن فيه كلُّ الناس. . قُمْ أنت.
فليسكنْ الكلُّ. . ولْتَقُمْ أنت.
ويقال : لمَّا فَرَضَ عليه القيام بالليل أخبر عن نَفْسِه لأجل أُمَّته إكراماً لشأنه وقدره.
وفي الخبر :" أنه ينزل كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا. . . " ولا يُدْرَى التأويل للخبر، أو أنَّ التأويل معلوم. . وإلى أن ينتهي إلى التأويل فللأحبابِ راحاتٌ كثيرة، ووجوهٌ من الإحسان موفورة.
قوله جلّ ذكره :﴿ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾.
ارْتَعْ بِسِرِّك في فَهْمِه، وَتأَنَّ بلسانِك في قراءته.
قيل : هو القرآن. وقيل : كلمة لا إلَهَ إلا الله.
ويقال : الوحي ؛ وسمَّاه ثقيلاً أي خفيفاً على اللسان ثقيلاً في الميزان.
ويقال : ثقيل أي : له وزن وخطر. وفي الخبر " كان إذا نزل عليه القرآن - وهو على ناقته- وضعت جِرانها، ولا تكاد تتحرك حتى يُسرَّى عنه ".
وروى ابن عباس : أنَّ سورة الأنعامِ نَزَلَتْ مرةَ واحدةٍ فَبَركَت ناقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقل القرآن وهيبته.
ويقال :﴿ ثَقِيلاً ﴾ سماعه على مَنْ جحده.
ويقال :" ثقيلاً بِعِبْئِه - إلاَّ على من أُيِّدِ بقوةٍ سماوية، ورُبِّي في حِجْرِ التقريب ".
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الَّليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾.
أي : ساعات الليل، فكلُّ ساعةٍ تحدث فهي ناشئة، وهي أشد وطئاً أي : مُوَطَّأة أي : هي أشدُّ موافقةً للسانِ والقلبِ، وأشدُّ نشاطاً.
ويحتمل : هي أشدُ وأغلظُ على الإنسان من القيام بالنهار.
﴿ وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ أي : أَبْيَنُ قولاً.
ويقال : هي أشدُّ مواطأةً للقلب وأقوم قيلاً لأنها أبعدُ من الرياء، ويكون فيها حضورُ القلبِ وسكونُ السِّرِّ أبلغَ وأتمِّ.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً ﴾.
أي : سبحاً في أعمالك، والسبح : الذهب والسرعة، ومنه السباحة في الماء.
فالمعنى : مذاهبُك في النهار فيما يَشْغَلُك كثيرةٌ - والليلُ أَخْلَى لك.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِلاً ﴾.
أي : انقَطِعْ إليه انقطاعاً تاماً.
الوكيلُ مَنْ تُوكَلُ إليه الأمورُ ؛ أي : تَوَكَّلْ عليه وكِلْ أمورَك إليه، وثِقْ به.
ويقال : إنك إذا اتخذْتَ من المخلوقين وكيلاً اختزلوا مالَكَ وطالبوك بالأجرة، وإذا اتخذتني وكيلاً أُوَفِّرُ عليكَ مَالَكَ وأُعطيكَ الأجر.
ويقال : وكيلُك ينفق عليك من مالِك، وأنا أرزقك وأنفق عليك من مالي.
ويقال : وكيلُك مَنْ هو في القَدْرِ دونَك، وأنت تترفَّعُ أن تكلِّمَه كثيراً. وأنا ربُّكَ سَيِّدُك وأحبُّ أنْ تكَلمَني وأُكلِّمَك.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ﴾.
الهَجْرُ الجميل : أن تعاشرَهم بظاهرك وتُباينَهم بِسِرِّك وقلبك.
ويقال : الهجرُ الجميل ما يكون لحقِّ ربِّك لا بِحَظِّ نَفْسِك.
ويقال : الهجرُ الجميلُ ألا تُكلِّمَهم، وتكلمني لأجْلهم بالدعاء لهم.
وهذه الآية منسوخة بآية القتال.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾.
أي : أُولِي التَّنَعُّم وأنْظِرْهم قليلاً، ولا تهتم بشأنهم، فإني أكفيكَ أمرَهم.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ﴾.
ثم ذكر وصف القيامة فقال :
﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾.
ثم قال :
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عِلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ﴾.

ثم ذكر وصف القيامة فقال :

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾.

ثم قال :

﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عِلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ﴾.

ثم ذكر وصف القيامة فقال :

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾.

ثم قال :

﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عِلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ﴾.

يعني : أرسلنا إليكم محمداً صلى الله عليه وسلم شاهداً عليكم ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ﴾.
ثقيلاً.
من هَوْلُه يصير الولدانُ شيباً - وهذا على ضَرْبِ المثل.
﴿ السَّمَاءُ مُنفَطِرُ بِهِ ﴾ أي بذلك : اليوم لهوله.
ويقال : مُنْفَطِرٌ بالله أي : بأمره.
﴿ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ﴾ : فما وَعَدَ اللَّهُ سيصدقه.
يعني هذه السورة، أو هذه الآيات مَوْعِظَةٌ ؛ فَمَنْ اتعظ بها سَعِدَ.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ يا محمد ﴿ يَعْلَمُ أَنََّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثِي الَّليْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ﴾ من المؤمنين.
﴿ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّليْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ فهو خالقهما ﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾ وتطيعوه.
﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي : خَفَّفَ عنكم ﴿ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ ﴾ من خمس آيات إلى ما زاد. ويقال : من عَشْرِ آيات إلى ما يزيد.
﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ ﴾ يسافرون، ويعلم أصحاب الأعذار، فَنَسخَ عنهم قيامَ الليل.
﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾ المفروضة.
﴿ وَأَقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾ مضى معناه.
﴿ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنِفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ ﴾ أي : ما تقدِّموا من طاعة تجدوها عند الله ثواباً هو خيرٌ لكم من كلِّ متاع الدنيا.
Icon