تفسير سورة إبراهيم

الماوردي
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

﴿ الر كتاب أنزلناه إليك ﴾ يعني القرآن.
﴿ لتُخرِجَ الناسَ مِن الظلماتِ إلى النُّور ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : من الشك إلى اليقين.
الثاني : من البدعة إلى السنّة.
الثالث : من الضلالة إلى الهدى
الرابع : من الكفر إلى الإيمان
﴿ بإذن ربهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بأمر ربهم، قاله الضحاك.
الثاني : بعلم ربهم.
﴿ إلى صراط العزيز الحميد ﴾ فروى مِقْسم عن ابن عباس قال : كان قوم آمنوا بعيسى، وقوم كفروا به، فلما بعث محمد ﷺ آمن به الذين كفروا بعيسى، وكفر به الذين آمنوا بعيسى، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى :﴿ الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يختارونها على الآخرة، قاله أبو مالك.
الثاني : يستبدلونها من الآخرة، ذكره ابن عيسى، والاستحباب هو التعرض للمحبة.
ويحتمل ما يستحبونه من الحياة الدنيا على الآخرة وجهين :
أحدهما : يستحبون البقاء في الحياة الدنيا على البقاء في الآخرة.
الثاني : يستحبون النعيم فيها على النعيم في الآخرة.
﴿ ويصدون عن سبيل الله ﴾ قال ابن عباس : عن دين الله.
ويحتمل : عن محمد ﷺ.
﴿ ويبغونها غِوَجاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يرجون بمكة غير الإسلام ديناً، قاله ابن عباس.
الثاني : يقصدون بمحمد ﷺ هلاكاً، قاله السدي.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن معناه يلتمسون الدنيا من غير وجهها لأن نعمة الله لا تستمد إلا بطاعته دون معصيته.
والعِوَج بكسر العين : في الدين والأمر والأرض وكل ما لم يكن قائماً. والعوج بفتح العين : في كل ما كان قائماً كالحائط والرمح.
قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ﴾ أي بحُججنا وبراهيننا وقال مجاهد هي التسع الآيات :
﴿ أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : من الضلالة إلى الهدى. الثاني : من ذل الاستعباد إلى عز المملكة. ﴿ وذكِّرهم بأيام الله ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه وعظهم بما سلف من الأيام الماضية لهم، قاله ابن جرير.
الثاني : بالأيام التي انتقم الله فيها من القرون الأولى، قاله الربيع وابن زيد.
الثالث : أن معنى أيام الله أن نعم الله عليهم، قاله مجاهد وقتادة، وقد رواه أبيّ بن كعب مرفوعاً. وقد تسمَّى النعم بالأيام، ومنه قول عمرو بن كلثوم :
وأيام لنا غُرٍّ طِوالٍ عصينا الملْك فيها أن نَدِينا
ويحتمل تأويلاً رابعاً : أن يريد الأيام التي كانوا فيها عبيداًَ مستذلين لأنه أنذرهم قبل استعمال النعم عليهم.
﴿ إنَّ في ذلك لآيات لكُلِّ صبَّارٍ شكورٍ ﴾ الصبار : الكثير الصبر، والشكور : الكثير الشكر، قال قتادة : هو العبد إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر. وقال الشعبي : الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف، وقرأ ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾.
وتوارى الحسن عن الحجاج تسع سنين، فلما بلغه موته قال : اللهم قد أمته فأمت سنته وسجد شكراً وقرأ ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾.
وإنما خص بالآيات كل صبار شكور، وإن كان فيه آيات لجميع الناس لأنه يعتبر بها ويغفل عنها.
قوله تعالى :﴿... وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : نعمة من ربكم، قاله ابن عباس والحسن.
الثاني : شدة البلية، ذكره ابن عيسى.
الثالث : اختبار وامتحان، قاله ابن كامل.
قوله تعالى :﴿ وإذ تأذن ربُّكم ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه وإذ سمع ربكم، قاله الضحاك.
الثاني : وإذا قال ربكم، قاله أبو مالك.
الثالث : معناه وإذ أعلمكم ربكم، ومنه الأذان لأنه إعلام، قال الشاعر :
فلم نشعر بضوء الصبح حتى سَمِعْنا في مجالِسنا الأذينا
﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي، قاله الربيع.
الثاني : لئن شكرتم نعمتي لأزيدنكم من طاعتي، قاله الحسن وأبو صالح.
الثالث : لئن وحّدتم وأطعتم لأزيدنكم، قاله ابن عباس.
ويحتمل تأويلاً رابعاً : لئن آمنتم لأزيدنكم من نعيم الآخرة إلى نعيم الدنيا.
وسُئِل بعض الصلحاء على شكر الله تعالى، فقال : أن لا تتقوى بنِعَمِهِ على معاصيه. وحكي أنَّ داود عليه السلام قال : أي ربِّ كيف أشكرك وشكري لك نعمة مجددة منك عليّ؟ قال :« يا داود الآن شكرتني ».
﴿ ولئن كفرتم إن عذابي لشديدٌ ﴾ وعد الله تعالى بالزيادة على الشكر، وبالعذاب على الكفر.
قوله تعالى :﴿... والذين من بعدهم لا يَعْلمُهم إلا الله ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : يعني بعد من قص ذكره من الأمم السالفة قرون وأمم لم يقصها على رسول الله ﷺ لا يعلمهم إلا الله عالم ما في السموات والأرض.
الثاني : ما بين عدنان وإسماعيل من الآباء. قال ابن عباس : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون.
وكان ابن مسعود يقرأ : لا يعلمهم إلا الله كذب النسّابون.
﴿ جاءَتهم رسلهم بالبينات ﴾ أي بالحجج.
﴿ فردُّوا أيديهم في أفواههم ﴾ فيه سبعة أوجه :
أحدها : أنهم عضوا على أصابعهم تغيظاً عليهم، قاله ابن مسعود واستشهد أبو عبيدة بقول الشاعر :
لو أن سلمى أبصرت تخدُّدي ودقةً في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاءَ عُوَّدي عضت من الوجد بأطراف اليد
الثاني : أنهم لما سمعوا كتاب الله عجبوا منه ووضعوا أيديهم على أفواههم، قاله ابن عباس.
الثالث : معناه أنهم كانوا إذا قال لهم نبيهم إني رسول الله إليكم، أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم بأن اسكت تكذيباً له ورداً لقوله، قاله أبو صالح. الرابع : معناه أنهم كذبوهم بأفواههم، قاله مجاهد.
الخامس : أنهم كانوا يضعون أيديهم على أفواه الرسل رداً لقولهم، قاله الحسن.
السادس : أن الأيدي هي النعم، ومعناه أنهم ردوا نعمهم بأفواههم جحوداً لها.
السابع : أن هذا مثل أريد به أنهم كفوا عن قبول الحق ولم يؤمنوا بالرسل، كما يقال لمن أمسك عن الجواب رَدّ في فيه.
قوله عزوجل :﴿ قالت رسلهم أفي الله شك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أفي توحيد الله شك؟ قاله قتادة.
الثاني : أفي طاعة الله شك؟
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أفي قدرة الله شك؟ لأنهم متفقون عليها ومختلفون فيما عداها.
﴿ فاطر السموات والأرض ﴾ أي خالقهما، لسهوهم عن قدرته.
﴿ يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ﴾ أي يدعوكم إلى التوبة ليغفر ما تقدمها من معصية.
وفي قوله تعالى :﴿ من ذنوبكم ﴾ وجهان :
أحدهما : أن ﴿ من ﴾ زائدة، وتقديره، ليغفر لكم ذنوبكم، قاله أبو عبيدة.
الثاني : ليست زائدة، ومعناه أن تكون المغفرة بدلاً من ذنوبكم، فخرجت مخرج البدل.
﴿ ويؤخركم إلى أجل مسمى ﴾ يعني إلى الموت فلا يعذبكم في الدنيا.
قوله تعالى :﴿ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشرٌ مثلكم ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن ينكر قومهم أن يكونوا مثلهم وهم رسل الله إليهم.
الثاني : أن يكون قومهم سألوهم معجزات اقترحوها.
وفي قوله تعالى :﴿ ولكن الله يمنّ على مَنْ يشاء من عباده ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : بالنبوة.
الثاني : بالتوفيق والهداية.
الثالث : بتلاوة القرآن وفهم ما فيه، قاله سهل بن عبدالله. ﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بكتاب.
الثاني : بحجة.
الثالث : بمعجزة.
قوله تعالى :﴿ ذلك لمن خاف مقامي ﴾ أي المقام بين يدّي، وأضاف ذلك إليه لاختصاصه به :
والفرق بين المقام بالفتح وبين المقام بالضم أنه إذا ضم فهو فعل الإقامة، وإذا فتح فهو مكان الإقامة.
﴿ وخاف وعيد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه العذاب.
والثاني : أنه ما في القرآن من زواجر.
﴿ واستفتحوا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الرسل استفتحوا بطلب النصر، قاله ابن عباس.
الثاني : أن الكفار استفتحوا بالبلاء، قاله ابن زيد.
وفي الاستفتاح وجهان :
أحدهما : أنه الإبتداء.
الثاني : أنه الدعاء، قاله الكلبي.
﴿ وخاب كلُّ جبار عنيد ﴾ في ﴿ خاب ﴾ وجهان :
أحدهما : خسر عمله.
الثاني : بطل أمله.
وفي ﴿ جبار ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه المنتقم.
الثاني : المتكبر بطراً.
وفي ﴿ عنيد ﴾ وجهان.
أحدهما : أنه المعاند للحق.
الثاني : أنه المتباعد عن الحق، قال الشاعر :
ولست إذا تشاجر أمْرُ قوم بأَوَّلِ مَنْ يخالِفهُم عَنيدا
قوله تعالى :﴿ مِن ورائه جهنم ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : معناه من خلفه جهنم. قال أبو عبيدة : وراء من الأضداد وتقع على خلف وقدام. جميعاً.
الثاني : معناه أمامه جهنم، ومنه قول الشاعر :
ومن ورائك يومٌ أنت بالغه لا حاضرٌ معجز عنه ولا بادي
الثالث : أن جهنم تتوارى ولا تظهر، فصارت من وراء لأنها لا ترى حكاه ابن الأنباري.
الرابع : من ورائه جهنم معناه من بعد هلاكه جهنم، كما قال النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً وليس وراءَ الله للمرْءِ مذهب
أراد : وليس بعد الله مذهب.
﴿ ويسقى من ماءٍ صديد ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من ماء مثل الصديد كما يقال للرجل الشجاع أسد، أي مثل الأسد.
الثاني : من ماء كرهته تصد عنه، فيكون الصديد مأخوذاً من الصد.
قوله تعالى :﴿... ويأتيه الموت مِنْ كل مكان ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره، قاله إبراهيم التيمي، للآلام التي في كل موضع من جسده.
الثاني : تأتيه أسباب الموت من كل جهة، عن يمينه وشماله، ومن فوقه وتحته، ومن قدامه وخلفه، قاله ابن عباس.
الثالث : تأتيه شدائد الموت من كل مكان، حكاه ابن عيسى.
﴿ وما هو بميتٍ ﴾ لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه ليكون ذلك زيادة في عذابه.
﴿ ومن ورائه عذاب غليظ ﴾ فيه الوجوه الأربعة الماضية. والعذاب الغليظ هو الخلود في جهنم.
قوله تعالى :﴿ مثل الذين كفروا بربّهم أعمالُهم كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف ﴾ وهذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكافر في أنه لا يحصل على شيء منها، بالرماد الذي هو بقية النار الذاهبة لا ينفعه، فإذا اشتدت به الريح العاصف : وهي الشديدة : فأطارته لم يقدر على جمعه، كذلك الكافر في عمله.
وفي قوله ﴿ في يوم عاصف ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه وصف اليوم بالعصوف وهو من صفة الريح، لأن الريح تكون فيه، كما يقال يوم بارد، ويوم حار، لأن البرد والحر يكونان فيه.
الثاني : أن المراد به في يوم عاصف الريح، فحذف الريح لأنها قد ذكرت قبل ذلك.
الثالث : أن العصوف من صفة الريح المقدم ذكرها، غير أنه لما جاء بعد اليوم ابتع إعرابه.
﴿ لا يقدرون مما كسَبَوا على شيءٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يقدرون في الآخرة على شيء من ثواب ما عملوا من البر في الدنيا لإحباطه بالكفر.
الثاني : لا يقدرون على شيء مما كسبوه من عروض الدنيا، بالمعاصي التي اقترفوها، أن ينتفعوا به في الآخرة.
﴿ ذلك هو الضلال البعيد ﴾ وإنما جعله بعيداً لفوات استدراكه بالموت.
قوله تعالى :﴿ وبرزوا لله جميعاً ﴾ أي ظهروا بين يديه تعالى في القيامة. ﴿ فقال الضعفاء ﴾ وهم الأتباع.
﴿ للذين استكبروا ﴾ وهم القادة المتبوعون.
﴿ إنا كُنّا لكم تبعاً ﴾ يعني في الكفر بالإجابة لكم.
﴿ فهل أنتم مغنون عَنّا مِن عذاب الله من شيء ﴾ أي دافعون عنا يقال أغنى عنه إذا دفع عنه الأذى، وأغناه إذا أوصل إليه النفع.
﴿ قالوا لو هَدانا الله لهديناكم ﴾ فيه ثلاثة أوجه
أحدها : لو هدانا الله إلى الإيمان لهديناكم إليه.
الثاني : لو هدانا الله إلى طريق الجنة لهديناكم إليها.
الثالث : لو نجانا الله من العذاب لنجيناكم منه.
﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ ﴾ أي من منجى أو ملجأ، قيل إن أهل النار يقولون : يا أهل النار إن قوماً جزعوا في الدنيا وبكوا ففازوا، فيجزعون ويبكون. ثم يقولون : يا أهل النار إن قوماً صبروا في الدنيا ففازوا، فيصبرون. فعند ذلك يقولون ﴿ سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾.
قوله عزوجل :﴿ وقال الشيطان لمّا قضي الأمر ﴾ يعني إبليس.
قال الحسن : يقف إبليس يوم القيامة خطيباً في جهنم على منبر من نار يسمعه الخلائق جميعاً.
﴿ إن الله وعدكم وعد الحق ﴾ يعني البعث والجنة والنار وثواب المطيع وعذاب العاصي.
﴿ ووعدتكم ﴾ أن، لا بعث ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب.
﴿ فأخلفتكم وما كان لي عليكم مِن سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيَّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه ما أنا بمنجيكم وما أنتم بمنجيَّ، قاله الربيع بن أنس.
الثاني : ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي، قاله مجاهد. والمصرخ : المغيث. والصارخ : المستغيث. ومنه قول أمية بن أبي الصلت :
فلا تجزعوا إنّي لكم غير مُصْرخ فليس لكم عندي غناءٌ ولا صبر
﴿ إني كفرتُ بما أشركتمون مِن قبل ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إني كفرت اليوم بما كنتم في الدنيا تدعونه لي من الشرك بالله تعالى، قاله ابن بحر.
الثاني : إني كفرت قبلكم بما أشركتموني من بعد، لأن كفر إبليس قبل كفرهم.
قوله تعالى :﴿... تحيّتُهم فيها سلامٌ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أن تحية أهل الجنة إذا تلاقوا فيها السلامه، وهو قول الجمهور.
الثاني : أن التحية ها هنا الملك، ومعناه أن ملكهم فيها دائم السلام، مأخوذ من قولهم في التشهد : التحيات لله، أي الملك لله، ذكره ابن شجرة.
وفي المحيّي لهم بالسلام ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الله تعالى يحييهم بالسلام.
الثاني : أن الملائكة يحيونهم بالسلام.
الثالث : أن بعضهم يحيي بعضاً بالسلام.
وتشبيه الكلمة الطيبة بها لأنها ثابتة في القلب كثبوت أصل النخلة في الأرض، فإذا ظهرت عرجت إلى السماء كما يعلو فرع النخلة نحو السماء فكلما ذكرت نفعت، كما أن النخلة إذا أثمرت نفعت.
قوله تعالى :﴿ ألم تَرَ كَيْفَ ضرب اللهُ مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ ﴾ في الكلمة الطيبة قولان :
أحدهما : أنها الإيمان، قاله مجاهد وابن جريج.
الثاني : أنه عنى بها المؤمن نفسه، قاله عطية العوفي والربيع بن أنس.
وفي الشجرة الطيبة قولان :
أحدهما : أنها النخلة، وروى ذلك عن النبي ﷺ عبد الله بن عمر وأنس بن مالك.
الثاني : أنها شجرة في الجنة، قاله ابن عباس.
وحكى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن الكلمة الطيبة : الإيمان، والشجرة الطيبة : المؤمن.
﴿ أصلها ثابت ﴾ يعني في الأرض.
﴿ وفرعها في السماء ﴾ أي نحو السماء.
﴿ تؤتي أكُلَها ﴾ يعني ثمرها.
﴿ كلَّ حين بإذن ربها ﴾ والحين عند أهل اللغة : الوقت. قال النابغة :
تناذرها الرّاقون من سُوءِ سُمِّها تُطلِّقُه حيناً وحيناً تُراجع
وفي ﴿ الحين ﴾ ها هنا ستة تأويلات :
أحدها : يعني كل سنة، قاله مجاهد، لأنها تحمل كل سنة.
الثاني : كل ثمانية أشهر، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأنها مدة الحمل ظاهراً وباطناً.
الثالث : كل ستة أشهر، قاله الحسن وعكرمة، لأنها مدة الحمل ظاهراً.
الرابع : كل أربعة أشهر، قاله سعيد بن المسيب لأنها مدة يرونها من طلعها إلى جذاذها.
الخامس : كل شهرين، لأنها مدة صلاحها إلى جفافها.
السادس : كل غدوة وعشية، لأنه وقت اجتنائها، قاله ابن عباس.
وفي قوله تعالى ﴿ في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴾ وجهان :
أحدهما : أن المراد بالحياة الدنيا زمان حياته فيها، وبالآخرة المساءلة في القبر، قاله طاوس وقتادة.
الثاني : أن المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر أن يأتيه منكر ونكير فيقولان له : من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول : إن اهتَدَى : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ﷺ.
﴿ ويضلُّ اللهُ الظالمين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عن حجتهم في قبورهم، كما ضلوا في الحياة الدنيا بكفرهم.
الثاني : يمهلهم حتى يزدادوا ضلالاً في الدنيا.
﴿ ويفعل الله ما يشاء ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مِن إمهال وانتقام.
الثاني : من ضغطة القبر ومساءلة منكر ونكير.
وروى ابن إسحاق أن النبي ﷺ قال :« لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منه سعد بن معاذ، ولقد ضم ضَمّةً
»
. وقال قتادة : ذكر لنا أنّ عذاب القبر من ثلاثة : ثلثٌ من البول. وثلثٌ من الغيبة، وثلثٌ من النميمة. وسبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي ﷺ لما وصف مساءَلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر : يا رسول الله أيكون معي عقلي : ؟ قال :« نعم » قال. كُفيت إذن، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى :﴿ ومثل كلمة خبيثة ﴾ فيها قولان : أحدهما : أنها الكفر.
الثاني : أنها الكافر نفسه.
﴿ كشجرة خبيثةٍ ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها شجرة الحنظل، قاله أنس بن مالك.
الثاني : أنها شجرة لم تخلف، قاله ابن عباس.
الثالث : أنها الكشوت.
﴿ اجتثت من فوق الأرض ﴾ أي اقتلعت من أصلها، ومنه قول لقيط :
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم فمن رأى مِثل ذا يوماً ومَنْ سمعا
﴿ ما لها من قرار ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما لها من أصل.
الثاني : ما لها من ثبات. وتشبيه الكلمة الخبيثة بهذه الشجرة التي ليس لها أصل يبقى، ولا ثمر يجتنى أن الكافر ليس له عمل في الأرض يبقى، ولا ذكر في السماء يرقى.
قوله تعالى :﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يزيدهم الله أدلة على القول الثابت.
الثاني : يديمهم الله على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة.
يُثبِّتُ الله ما آتاكَ من حسنٍ تثبيتَ موسى ونصراً كالذي نصِرا
وفي قوله :﴿ بالقول الثابت ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه الشهادتان، وهو قول ابن جرير.
الثاني : أنه العمل الصالح.
ويحتمل ثالثاً : أنه القرآن.
قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً ﴾ فيهم خمسة أقاويل :
أحدهما : أنهم قريش بدلوا نعمة الله عليهم لما بعث رسوله منهم، كفراً به وجحوداً له، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
الثاني : أنها نزلت في الأفجرين من قريش بني أميه وبني مخزوم فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر، قاله عليٌّ، ونحوه عن عمر رضي الله عنهما.
الثالث : أنهم قادة المشركين يوم بدر، قاله قتادة.
الرابع : أنه جبلة من الأيهم حين لُطم، فجعل له عمر رضي الله عنه القصاص بمثلها، فلم يرض وأنف فارتد متنصراً ولحق بالروم في جماعة من قومه، قاله ابن عباس. ولما صار إلى بلاد الروم ندم وقال :
تنصَّرت الأشْرافُ من عار لطمةٍ وما كان فيها لو صبرت لها ضَرَرْ
تكنفني منها لجاجٌ ونخوةٌ وبعث لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليتني أرْعَى المخاض ببلدتي ولم أنكِرِ القول الذي قاله عمر
الخامس : أنها عامة في جميع المشركين، قاله الحسن.
ويحتمل تبديلهم نعمة الله كفراً وجهين :
أحدهما : أنهم بدلوا نعمة الله عليهم في الرسالة بتكذيب الرسول ﷺ.
الثاني : أنهم بدلوا نعم الدنيا بنقم الآخرة.
﴿ وأحلوا قومهم دار البوار ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها جهنم، قاله ابن زيد.
الثاني : أنها يوم بدر، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد. والبوار في كلامهم الهلاك، ومنه قول الشاعر :
قوله تعالى :﴿ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا مما رزَقناهم سِرًّا وعلانية ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني بالسر ما خفي، وبالعلانية ما ظهر، وهو قول الأكثرين.
الثاني : أن السر التطوع، والعلانية الفرض، قاله القاسم بن يحيى.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن السر الصدقات، والعلانية النفقات.
﴿ مِنْ قبل أن يأتي يومٌ، لا بَيْعٌ فيه ولا خلالٌ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه لا فِدية ولا شفاعة للكافر.
الثاني : أن معنى قوله ﴿ لا بيع ﴾ أي لا تباع الذنوب ولا تشتري الجنة. ومعنى قوله ﴿ ولا خِلال ﴾ أي لا مودة بين الكفار في القيامة لتقاطعهم.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن الخلال جمع خلة، مثل قِلال وقُلّة.
الثاني : أنه مصدر من خاللت خِلالاً، مثل قاتلت قِتالاً. ومنه قول لبيد :
فلم أر مثلهم أبطال حربٍ غداة الحرب إن خيف البَوارُ
قوله تعالى :﴿ رَبّنا إني أسكنت مِنْ ذُرِّيتي بوادٍ غير ذي زَرْعٍ ﴾ هذا قول إبراهيم عليه السلام. وقوله ﴿ مِن ذريتي ﴾ يريد بهم إسماعيل وهاجر أُمه.
﴿ بوادٍ غير ذي زرع ﴾ يعني مكة أسكنها في بطحائها، ولم يكن بها ساكن، ثقة بالله وتوكلاً عليه.
﴿ عند بيتك المحرم ﴾ لأنه قبلة الصلوات فلذلك أسكنهم عنده. وأضاف البيت إليه لأنه لا يملكه غيره، ووصفه بأنه محرَّم لأنه يحرم فيه ما يستباح في غيره من جماع واستحلال.
﴿ ربّنا ليقيموا الصلاة ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون سأل الله تعالى بذلك أن يهديهم إلى إقامة الصلاة.
الثاني : أن يكون ذكر سبب تركهم فيه أن يقيموا الصلاة.
﴿ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ﴾ في ﴿ أفئدة ﴾ وجهان :
أحدهما : أن الأفئدة جمع فؤاد وهي القلوب، وقد يعبر عن القلب بالفؤاد، قال الشاعر :
خالت البرقة شركاً في الهدى خلة باقية دون الخلل
وإنّ فؤاداً قادَني بصبابةٍ إليك على طول الهوَى لصَبورُ
الثاني : أن الأفئدة جمع وفد، فكأنه قال : فاجعل وفوداً من الأمم تهوي إليهم. وفي قوله :﴿ تهوي إليهم ﴾ أربعة أوجه :
أحدها : أنه بمعنى تحن إليهم،
الثاني : أنه بمعنى تنزل إليهم، لأن مكة في واد والقاصد إليها نازل إليها،
الثالث : ترتفع إليهم، لأن ما في القلوب بخروجه منها كالمرتفع عنها.
الرابع : تهواهم. وقد قرىء تهْوَى.
وفي مسألة إبراهيم عليه السلام أن يجعل اللهُ أفئدةً من الناس تهوي إليهم قولان :
أحدهما : ليهووا السكنى بمكة فيصير بلداً محرّماً، قاله ابن عباس.
الثاني : لينزعوا إلى مكة فيحجوا، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
قال ابن عباس : لولا أنه قال من الناس لحجه اليهود والنصارى وفارس والروم.
﴿ وارزقهم من الثمرات ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يريد ثمرات القلوب بأن تحببهم إلى قلوب الناس فيزوروهم.
الثاني : ومن الظاهر من ثمرات النخل والأشجار، فأجابه بما في الطائف من الثمار، وما يجلب إلهم من الأمصار.
﴿ لَعَلَّهُمْ يشكرون ﴾ أي لكي يشكروك.
قوله تعالى :﴿ ربنا اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين ﴾ وفي استغفاره لوالديه مع شركهما ثلاثة أوجه :
أحدهما : كانا حيين فطمع في إيمانهما. فدعا لهما بالاستغفار، فلما ماتا على الكفر لم يستغفر لهما.
الثاني : أنه أراد آدم وحوّاء.
الثالث : أنه أراد ولديه إسماعيل وإسحاق. وكان إبراهيم يقرأ :﴿ رب اغفر لي ولوالدي ﴾ يعني ابنيه، وكذلك قرأ يحيى بن يعمر.
قوله تعالى :﴿ ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ﴾ قال ميمون بن مهران : وعيد للظالم وتعزية للمظلوم.
قوله تعالى :﴿ مهطعين ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه مسرعين قاله سعيد بن جبير والحسن وقتادة، مأخوذ من أهطع يهطع إهطاعاً إذا أسرع، ومنه قوله تعالى :﴿ مهطعين إلى الداع ﴾ أي مسرعين. قال الشاعر :
بدجلة دارُهُم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع
الثاني : أنه الدائم النظر لا يطرف، قاله ابن عباس والضحاك.
الثالث : أنه المطرِق الذي لا يرفع رأسه، قاله ابن زيد.
﴿ مقنعي رءُوسهم ﴾ وإقناع الرأس فيه تأويلان :
أحدهما : ناكسي رؤوسهم بلغة قريش، قاله مؤرج السدوسي وقتادة.
الثاني : رافعي رؤوسهم، وإقناع الرأس رفْعُه، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه قول الشاعر :
أنغض رأسه نحوي وأقنعا كأنما أبصَرَ شيئاً أطمعَا
﴿ لا يرتد إليهم طرفهم ﴾ أي لا يرجع إليهم طرفهم، والطرف هو النظر وسميت العَيْن طرْفاً لأنها بها يكون، قال جميل :
وأَقْصِرُ طَرْفي دُون جُمْل كرامةً لجُمْلٍ وللطرْفِ الذي أنا قاصِر
﴿ وأفئدتهم هواءٌ ﴾ والمراد بالأفئدة مواضع القلوب، وهي الصدور.
وقوله :﴿ هواء ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنها تتردد في أجوافهم ليس لها مكان تستقر فيه فكأنها تهوي، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
الثاني : أنها قد زالت عن أماكنها حتى بلغت الحناجر، فلا تنفصل ولا تعود، قاله قتادة.
الثالث : أنها المتخرمَة التي لا تعي شيئاً، قاله مُرّة.
الرابع : أنها خالية من الخير، وما كان خالياً فهو هواء، قاله ابن عباس ومنه قول حسان :
قوله تعالى :﴿ وأنذر النّاس يَوْمَ يأتيهم العذاب ﴾ معناه وأنذرهم باليوم الذي يأتيهم فيه العذاب، يعني يوم القيامة. وإنما خصه بيوم العذاب وإن كان يوم الثواب أيضاً لأن الكلام خرج مخرج التهديد للعاصي وإن تضمن ترغيباً للمطيع.
﴿ فيقول الذين ظلَموا ربّنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرُّسل ﴾ طلبوا رجوعاً إلى الدنيا حين ظهر لهم الحق في الآخرة ليستدركوا فارط ذنوبهم، وليست الآخرة دار توبة فتقبل توبتهم، كما ليست بدار تكليف فيستأنف تكليفهم. فأجابهم الله تعالى عن هذا الطلب فقال :
﴿ أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما لكم من انتقال عن الدنيا إلى الآخرة، قاله مجاهد.
الثاني : ما لكم من زوال عن العذاب، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ وقد مكروا مكرهم ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه عنى بالمكر الشرك، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه عنى به العتو والتجبّر، وهي فيمن تجبر في ملكه وصعد مع النسرين في الهواء، قاله علي رضي الله عنه. وقال ابن عباس : هو النمرود بن كنعان بن سنحاريب بن حام بن نوح بنى الصرح في قرية الرس من سواد الكوفة، وجعل طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وعشرين ذراعاً وصعد منه مع النسور، فلما علم أنه لا سبيل إلى السماء اتخذه حصناً وجمع فيه أهله وولده ليتحصن فيه، فأتى الله بنيانه من القواعد، فتداعى الصرح عليهم، فهلكوا جميعاً، فهذا معنى قوله ﴿ وقد مكروا مكرهم ﴾.
﴿ وعند الله مكرهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وعند الله مكرهم عالماً به لا يخفى عليه، قاله علي بن عيسى.
الثاني : وعند الله مكرهم محفوظاً عليهم حتى يجازيهم عليه، قاله الحسن وقتادة.
﴿ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ﴾ فيه قراءتان.
إحداهما : بكسر اللام الأولى وفتح الثانية، ومعناها وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، احتقاراً له، قاله ابن عباس والحسن.
الثانية : بفتح اللام الأولى وضم الثانية، ومعناها وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال استعظاماً له. قرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم ﴿ وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال ﴾.
وفي ﴿ الجبال ﴾ التي عنى زوالها بمكرهم قولان : أحدهما : جبال الأرض.
الثاني : الإسلام والقرآن، لأنه لثبوته، ورسوخه كالجبال.
قوله تعالى :﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنها تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة، لم تعمل عليها خطيئة، قاله ابن مسعود. وقال ابن عباس : تبدل الأرض من فضة بيضاء.
الثاني : أنها هي هذه الأرض، وإنما تبدل صورتها ويطهر دنسها، قاله الحسن.
﴿ السمواتُ ﴾ فيها ستة أقاويل :
أحدها : أن السموات تبدل بغيرها كالأرض فتجعل السماء من ذهب، والأرض من فضة، قاله علي بن أبي طالب.
الثاني : أن السموات تبدل بغيرها كالأرض، فتصير السموات جناناً والبحار نيراناً وتبدل الأرض بغيرها، قاله كعب الأحبار.
الثالث : أن تبديل السموات تكوير شمسها وتكاثر نجومها، قاله ابن عيسى.
الرابع : أن تبديلها أن تطوى كطي السجل للكتب، قاله القاسم بن يحيى.
الخامس : أن تبديلها أن تنشق فلا تظل، قاله ابن شجرة.
السادس : أن تبديلها اختلاف أحوالها، تكون في حال كالمهل، وفي حال كالوردة، وفي حال كالدهان، حكاه ابن الأنباري.
﴿ وبرزوا لله الواحد القهار ﴾ أي صاروا إلى حكم الله تعالى وأمره فروى الحسن قال : قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله يوم تبدَّل الأرض غير الأرض أين الناس يومئذٍ؟ قال « إن هذا الشيء ما سألني عنه أحد ثم قال على الصراط يا عايشة
»
.
قوله تعالى :﴿ وترى المجرمين يومئذٍ مقرنين في الأصفاد ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الأصفاد الأغلال، واحدها صفد، ومنه قول حسان :
ألا أبلِغ أبا سفيان عني فأنتَ مُجوَّف نخب هواء
ما بين مأسورٍ يشد صِفادُهُ صقرٍ إذا لاقى الكريهة حامي
الثاني : أنها القيود، ومنه قول عمرو بن كلثوم :
فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأُبنا بالملوكِ مُصَفّدينا
أي مقيّدين. وأما قول النابغة الذبياني :
هذا الثناء فإن تسمع لقائله فلم أعرض، أبيت اللعن، بالصفدِ
فأراد بالصفد العطية، وقيل لها صف لأنها تقيد المودة.
وفي المجرمين المقرنين في الأصفاد قولان :
أحدهما : أنهم الكفار يجمعون في الأصفاد كما اجتمعوا في الدنيا على المعاصي.
الثاني : أنه يجمع بين الكافر والشيطان في الأصفاد.
قوله تعالى :﴿ سرابيلهم مِن قطرانٍ ﴾ السرابيل : القمص، واحدها سربال، ومنه قول الأعشى :
عهدي بها في الحي قد سربلت صفراء مثل المهرة الضامر
وفي القطران ها هنا قولان :
أحدهما : أنه القطران الذي تهنأ به الجمال، قاله الحسن، وإنما جعلت سرابيلهم من قطران لإسراع النار إليها.
الثاني : أنه النحاس الحامي، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير ﴿ من قطران ﴾ بكسر القاف وتنوين الراء وهمزآن لأن القطر النحاس، ومنه قوله تعالى ﴿ آتوني أفرغ عليه قطراً ﴾ [ الكهف : ٩٦ ] والآني : الحامي، ومنه قوله تعالى ﴿ وبين حَمِيمٍ آن ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ].
قوله تعالى :﴿ هذا بلاغ للناس ﴾ فيه قولان :
أحدهما : هذا الإنذار كاف للناس، قاله ابن شجرة.
الثاني : هذا القرآن كافٍ للناس، قاله ابن زيد.
﴿ ولينذروا به ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بالرسول.
الثاني : بالقرآن.
﴿ وليعلموا أنما هو إله واحدٌ ﴾ لما فيه من الدلائل على توحيده.
﴿ وليذكّرَ أولوا الألباب ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وليتعظ، قاله الكلبي.
الثاني : ليسترجع يعني بما سمع من المواعظ. أولو الألباب، أي ذوو العقول. وروى يمان بن رئاب أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
Icon