ﰡ
وأجيب: بأن الله تعالى خلق الأرض أولاً في يومين كروية، ثم خلق بعدها السماء، ثم بعد خلق السماء دحا الأرض وبسطها، فخلق الجميع في ستة أيام، والدحى بعد ذلك، فلا تناقض، واستشكل ذلك الرازي وأجاب عنه بما لا طائل تحته. قوله: ﴿ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا ﴾ الوحي كناية عن التكوين. قوله: (الذي أمر به من فيها) إلخ، وقيل: المعنى خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها، وخلق في كل سماء خلقها من الملائكة، والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد والثلج. قوله: (بفعله المقدر) أي وهو معطوف على. ﴿ زَيَّنَّا ﴾ قوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي المذكور بتفاصيله. قوله: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُواْ ﴾ مرتب على قوله فيما تقدم﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ ﴾[فصلت: ٩] إلخ، والمعنى: بين ما محمد لقومك طريق الرشاد، وأظهر لهم الحجج القاطعة الدالة على ذلك، فإن أعرضوا بعد إقامة الحجج وبيان الهدى، فخوفهم بعذاب مثل عذاب من تقدمهم من الأمم، لأنه جرت عادة الله تعالى، أن لا يعذب أمة إلا بعد طلوع شمس الحق لهم وإعراضهم عنهن وفي قوله: ﴿ أَعْرَضُواْ ﴾ التفات من خطابهم بقوله: (أئنكم) إلى الغيبة، إشارة إلى أنهم كما أعرضوا جوزوا بالإعراض واللتفات من خطابهم، لأن الخطاب شأن من يرجى إقباله، وهو ليسوا كذلك. قوله: ﴿ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ ﴾ عبر بالماضي اشارة إلى تحققه وحصوله. قوله: ﴿ صَاعِقَةً ﴾ هي في الأصل الصيحة التي يحصل بها الهلاك، أو قطعة نار تنزل من السماء معها رعد شديد، والمراد هنا العذاب المهلك، وقرئ شذوذاً، صعقة بغير ألف مع سكون العين في الموضعين، وقوله: ﴿ مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ التشبيه في مطلق الهلاك، وإن كان هلاك عاد وثمود عاماً، وهلاك هذه الأمة خاص ببعض أفرادهم، فهو تشبيه جزئي بكلي، وبهذا اندفع ما قد يقال: إن العذاب العام لا يأتي لهذه الأمة، لما ورد في الأحاديث الصحيحة من أمن الأمة من ذلك. وأجيب أيضاً: بأنه لا يلزم من التخويف الحصول بالفعل، وحينئذ فالمعنى: أنتم ارتكبتم أموراً تستحقون عليها ما نزل بعاد وثمود.
قوله: (وموقعه) أي مناسبته. قوله: ﴿ وَهُوَ خَلَقَكُمْ ﴾ ووجه مناسبته له في المعنى، أنه يقربه من القول، من حيث إن القادر على الإبداء والإعادة؛ قادر على إنطاقها. قوله: ﴿ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ ﴾ أي تستخفون من هؤلاء الشهود، وهو لا يكون إلا بترك الفعل بالكلية، لأنها ملازمة للإنسان في حركاته وسكناته. قوله: (من) ﴿ أَن يَشْهَدَ ﴾ أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ أَن يَشْهَدَ ﴾ في محل نصب بنزع الخافض، ويصح أن يكون مفعولاً لأجله، والتقدير مخالفة أن يشهد، إلخ. قوله: (عند استتاركم) أي من الناس. قوله: ﴿ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً ﴾ المراد به ما أخفوه عن الناس من الأعمال، فظنوا أن علم الله مساو لعلم الخلق، فكل ما ستروه عن الناس لا يعلمه الله. قوله: ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ﴾ الخ، اعلم أن الظن قسمان: حسن وقبيح، فالحسن أن يظن العبد المؤمن بالله عز وجل الرحمة والإحسان والخير، ففي الحديث:" أنا عند ظن عبدي بي "والقبيح أن يظن الله نقصاً في ذاته أو صفاته أو أفعاله. قوله: ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ ﴾ نتيجة ما قبله.
قوله: ﴿ أَرِنَا ﴾ أصله أرأينا، فالراء فاء الكلمة، والهمزة الثانية عينها، والياء لامها، حذفت الياء لبناء الفاعل على حذفها، ونقلت حركة الهمزة للساكن قبلها، فسقطت الهمزة وصار وزنه أفنا وهي بصرية، تعدت بالهمزة للمفعول الثاني الذي هو الاسم الموصول، ومفعولها الأول الضمير. والمعنى صيرنا رائين بأصارنا. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ ﴾ أي لأن الشيطان على قسمين: جني وإنسي، كما قال تعالى:﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ ﴾[الأنعام: ١١٢] وقدم الجن لأنهم أصل الضلال. قوله: (سنا الكفر والقتل) لف ونشر مرتب، فقابيل أخو هابيل، فهو أول من سن القتل، وإبليس أول من كفر بالله. قوله: ﴿ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ﴾ أي إما حقيقة فيكونان أشد عذاباً منا، أو هو كناية عن كوهم في الدرك الأسفل. قوله: ﴿ لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ ﴾ أي في دركات النار.
قوله: ﴿ مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴾ متعلق يتدعون أو صفة لنزلاً، وخص هذين الوصفين دون شديد العقاب مثلاً، إشارة إلى مزيد السرور لهم وإكرمهم، وأنه تعالى يعاملهم بالمغفرة والرحمة، ويتجلى لهم بأوصاف الجمال، دون أوصاف الجلال.
قوله: ﴿ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ الجملة حالية من الذكر والمعنى، والتقدير: كفروا بالقرآن حين جاءهم، والحال أنه كتاب يرد المعارض ويقهره، قال البوصيري: كم جدلت كلمات الله من جدل فيه وكم خصم البرهان من خصمقوله: (منيع) فعيل بمعنى فاعل، أي مانع المعارض عن الخوض فيه، ويصح أن يفسر العزيز بعديم المثال. قوله: (أي ليس قبله كتاب يكذبه) إلخ، أي لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات، بل جميع ما فيه صدق مطابق للواقع، ليس بعده كتاب أصلاً، وليس قبله ما تقدح فيه، وفي كلام المفسر لف ونشر مشوش، فقوله: (ليس قبله) رادجع للخلق، وقوله: (ولا بعده) راجع لما بين يديه. قوله: ﴿ مِّنْ حَكِيمٍ ﴾ الحكيم هو الذي يضع الشيء في محله.
قوله: (لا يعلمه غيره) أخذ الحصر من تقديم الجار والمجرور، والمعنى: لا يفيد علمه غيره تعالى، فلا ينافي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج من الدنيا، حتى اطلع على ما كان وما يكون وما هو كائن، ومن جملته وقت الساعة، ولكن أمر بكتمانه، فلا يفيد السائل عنه شيئاً. قوله: ﴿ مِن ثَمَرَاتٍ ﴾ المراد الجنس، وقوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً والجمع ظاهر. قوله: (جمع كم بكسر الكاف) أي وهو ما يغطي الثمرة من النوار والزهر، ويجمع أيضاً على أكمة وكمام، وأما يغطي اليد من القميص فالضم، وجمعه أكمام، وقيل: ما يغطي الثمرة بالضم والكسر، وما يغطي اليد بالضم فقط. قوله: ﴿ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ ﴾ إلخ، أي يعلم قدر أيام الحمل وساعاته، وكونه ذكراً أو أنثى، واحداً أو متعدداً، غير ذلك، ويعلم وقت وضعه ومكانه. قوله: ﴿ إِلاَّ بِعِلْمِهِ ﴾ استثناء مفرع من عموم الأحوال، والتقدير: وما يحدث شيء، من خروج ثمرة، أو حمل حامل أو وضعها، إلا ملتبساً بعلمه، فقد حذف من الأولين، لدلالة الثالث عليه. إن قلت: قد يعلم ذلك بعض الخلق من أصحاب الكشف، وبعض الكهنة والمنجمين. أجيب: بأن صاحب الكشف عليه بإلهام من الله تعالى لبعض جزئيات فقط، وأما الكهنى والمنجمون، فعلمهم مستند لأمور ظنية قد تصيب، والغالب عليها الخطأ. قوله: ﴿ أَيْنَ شُرَكَآئِي ﴾ أي بزعمكم وفيه تقريع وتهكم بهم. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ ﴾ أي يقولون: وعبر بالماضي لتحقق الوقوع. قوله: (الآن) أشار بذلك إلى أن المراد الإنشاء لا الإخبار عما سبق، فالجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى، ويصح أن يراد الإخبار لتنزيلهم علمه تعالى بحالهم منزلة إعلامهم به، فأخبروا وقالوا آذناك. قوله: ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ ﴾ أي غالب نفعهم عنهم، فلا يشفعون لهم، ولا ينصرونهم، وهذا في المحشر، وأما في النار فيجمعون معهم. قوله: ﴿ مِّن مَّحِيصٍ ﴾ فرار ومهرب من النار. قوله: (والنفي) أي وهو ﴿ مَّا ﴾ وقوله: (في الموضعين) أي وهما: ما منا، وما لهم. (معلق عن العمل) التعليق إبطال العمل لفظاً لا محلاً، والعامل المعلق هو آذن وظن. قوله: (وجملة النفي) أي في الموضعين. قوله: (سدت مسد المفعولين) أي الأول والثاني لظنوا، والثالث لآذنا، فإنه يتعدى لثلاثة، كأعلم وأرى، والمفعول الأول الكاف. قوله: ﴿ لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ ﴾ المراد به جنس الكافر كما يأتي في المفسر. قوله: ﴿ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ ﴾ المصدر مضاف لمفعوله. قوله: (وغيرهما) أي كالولد ونحوه من خير الدنيا. قوله: ﴿ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ خبر ان لمبتدأ محذوف، أي فهو قبل اليأس والقنوط إظهار آثاره على ظاهر البدن، ويطلق اليأس على العلم كما في قوله تعالى:﴿ أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾[الرعد: ٣١] ويئس من باب فهم، وقنط من باب جلس ودخل وطرف. قوله: (وما بعده) أي وهو قوله: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ ﴾ إلى قوله: ﴿ لَلْحُسْنَىٰ ﴾ وأما قوله: ﴿ فَلَنُنَبِّئَنَّ ﴾ إلخ، تصريح في الكافرين لا يحتاج للتنبيه عليه. قوله: ﴿ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي ﴾ جواب القسم، وجواب الشرط محذوف، لسد جواب القسم مسده، للقاعدة المذكورة في قول ابن مالك: واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزمقوله: (أي بعملي) أي بما لي من الفضل والعمل والشجاعة والتدبير. قوله: ﴿ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً ﴾ أي تقوم. قوله: ﴿ رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ ﴾ أي كما تقول الرسل على فرض صدقهم، وقد أكدت هذه الجملة بأمور زيادة في التعنت منها: القسم وإن، وتقديم الظرف والجار والمجرور. قوله: ﴿ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ جواب لقول الكافر ﴿ وَلَئِن رُّجِعْتُ ﴾ إلخ. قوله: (الجنس) أي من خيث هو مسلماً أو كافراً، ولكنه مشكل بالنسبة للكافر، فإنه تقدم عند مس الشر، كان يؤوساً قنوطاً، وهنا أفاد أنه ذو دعاء عريض، فيقتضي أنه راج، فحصل بين الآيتين التناقض. وأجيب: بأنه يمكن حمل ما تقدم على أناس دون آخرين أو على الكل، لكن الأوقات مختلفة، فبعض الأوقات يكونون آيسين، وبعض الأوقات يكونون راجين.