تفسير سورة فصّلت

معاني القرآن
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

قال ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ﴾ ( ٣ ) فالكتاب خبر المبتدأ أخبر [ به ] أن التنزيل كتاب ثم قال ﴿ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ ( ٣ ) شغل الفعل بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل فنصب القرآن.
وقوله ﴿ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ ( ٤ ) حين شغل عنه. وإن شئت جعلته نصبا على المدح كأنه حين أقبل على مدحه فقال " ذَكَرْنَا قُرْآناً عَرَبِيّاً بَشِيراً وَنَذِيراً " أَوْ " ذَكَرْنَاهُ قُرآناً عَرَبِيّاً " وكان فيما مضى من ذكره دليل على ما أضمر [ ١٦٧ ء ] وقال ﴿ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ معناه - و الله أعْلَمُ - " وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حِجَابٌ " ولكن دخلت " مِنْ " للتوكيد.
وأما قوله ﴿ خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ ( ٩ ) ثم قال ﴿ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾ [ ١٠ ] فإنما يعني أن هذا مع الأول أربعة أيام كما تقول " تَزَوَّجْتُ أَمْسِ امرأةً، واليومَ ثِنْتَيْنِ " واحداهما التي تزوجتها أمس.
قال ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ يقول : " بِخَيْرٍ ".
وَأَمَّا من نَصَبَ ﴿ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ﴾ ( ١٠ ) فجعله مصدرا كأنه قال " اِسْتِواءً " وقد قرئ بالجرّ وجعل اسما للمستويات أي : في أَرْبَعَةِ أَيّامٍ تامَّةٍ.
وقال ﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ﴾ ( ١٢ ) كأنه قال " وَحَفِظْنَاهَا حِفْظاً " لأنه حين قال : " زَيَنّاهَا بِمَصَابِيحَ " قد أخبر أنه نظر في أمرها وتعاهدها فذا يدل على الحِفْظِ كأنه قال : " وَحَفِظْنَاهاً حِفْظاً ".
وقال ﴿ فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ﴾ ( ١٦ ) وهي لغة من قال " نَحْس " و﴿ نَحِسات ﴾ لغة من قال " نَحِس ".
وقال ﴿ قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ ( ٢١ ) فجاء اللفظ بهم مثل اللفظ في الإنس لما خبّر عنهم بالنطق والفعل كما قال ﴿ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ ﴾ لما عقلن وتكلمن صرن بمنزلة الإنس في لفظهم. وقال الشاعر :[ من الرجز وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المئتين ] :
[ ١٦٧ ب ] فَصَبَّحَتْ وَالطَّيْرَ لَمْ تَكَلَّمِ جَابِيَةً طُمَّتْ بِسَيْلٍ مُفْعَمِ
وقال ﴿ لاَ تَسْمَعُواْ لِهذا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ ﴾ ( ٢٦ ) أي : لا تطيعوه. كما تقول " سَمِعْتُ لكَ " وهو - و الله اعلم - على وجه " لا تَسْمَعُوا القرآنَ ". وقال ﴿ وَالْغَوْاْ فِيهِ ﴾ لأنها من " لَغَوْتُ " " يَلْغَا " مثل " مَحَوْتُ " " يَمْحا " وقال بعضهم ﴿ وَالْغُوا فِيهِ ﴾ وقال " لَغَوْتَ " " تَلْغُو " مثل " مَحَوْتَ " " تَمْحُو " وبعض العرب يقول : " لَغِيَ " " يَلْغَى " وهي قبيحة قليلة ولكن " لَغِيَ بِكَذَا وكَذا " أي : أُغْرِيَ بهِ فهو يقوله ونَصْنَعُه.
وقال ﴿ ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ ﴾ ( ٢٨ ) رفع على الابتداء كأنه تفسيرا للجزاء.
وقال ﴿ أَلاَّ تَخَافُواْ ﴾ ( ٣٠ ) يقول : بأن لا تخافوا.
[ وقال ] ﴿ نُزُلاً ﴾ ( ٣٢ ) لأَنه شغل ﴿ لَكُمْ ﴾ ب ﴿ مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ ﴾ [ ٣١ ] حتى صارت بمنزلة الفاعل وهو معرفة وقوله ﴿ نُزُلاً ﴾ ينتصب على " نَزَّلْنَا نُزُلا " نحو قوله ﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾.
وقال ﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ﴾ ( ٣٤ ) وقد يجوزُ، لأنك تقول : " لا يَسْتَوِي عبدُ اللهِ وَلاَ زَيْدٌ " إذا أردت : لا يَسْتَوِي عبدُ اللهِ وَزَيْدٌ " لأنهما جميعاً لا يستويان. وإن شئت قلت أن الثانية زائدة تريد : لا يَسْتَوِي عبدُ اللهِ وَزَيْدٌ. فزيدت [ لا ] توكيدا كما قال ﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ﴾ أي : لأن يعلم. وكما قال ﴿ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾.
[ ١٦٨ ء ] وقال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ﴾ ( ٤١ ) فزعم بعض المفسرين أن خبره ﴿ أُوْلَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ ( ٤٤ ) وقد يجوز أن يكون على الأخبار التي في القرآن يستغنى بها كما استغنت أشياء عن الخبر إذ طال الكلام وعرف المعنى نحو قوله ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ﴾ وما أشبهه. وحدثني شيخ من أهل العلم قال : " سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد " :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ﴾ أين خبره ؟ " فقال عمرو : " معناه في التفسير ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ﴾ كفروا به ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ ( ٤١ ) " فقال عيسى : " جَاءَ يا أَبا عثمان ".
وقال ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أأعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ﴾ ( ٤٤ ) يقول :﴿ هَلاَّ فُصِّلَتْ آياتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ ﴾ يعني القرآن ﴿ وَعَرَبِيٌّ ﴾ يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقد قرئت [ من ] غير استفهام وكلٌّ جائز في معنى واحد.
وقال ﴿ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ ﴾ ( ٤٨ ) أي : فاستيقنوا، لأن ﴿ ما ﴾ ها هنا حرف وليس باسم والفعل لا يعمل في مثل هذا فلذلك جعل الفعل ملغى.
Icon