ﰡ
مكّيّة وهى اربع وخمسون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) ان جعلته مبتدا فخبره.
تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) وان جعلته تعديد الحروف فتنزيل خبر محذوف وقال الأخفش تنزيل مبتدا لتخصيصه بالصفة وخبره.
كِتابٌ وهو على الأولين بدل منه او خبر اخر او خبر محذوف ولعل افتتاح هذه السور السبع بحم وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة فى النظم والمعنى قال رسول الله ﷺ أعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقي عن معقل بن يسار واضافة التنزيل الرحمان الرحيم للدلالة على انه مناط المصالح الدينية والدنيوية فُصِّلَتْ آياتُهُ اى بينت بالاحكام والقصص والمواعظ قُرْآناً عَرَبِيًّا نصب على المدح او الحال من لضمير المجرور فى آياته فانه أضيف اليه فاعل فصلت مثل ميتا فى قوله تعالى يأكل لحم أخيه ميتا وفيه امتنان عليهم بسهولة قرائته وفهمه فانه لو كان بغير لغتهم لما فهموه لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) نزل منزلة اللازم اى لقوم ذوى علم ونظر لا لمن اعرض عنها او يقال مفعوله محذوف منوى اى لقوم يعلمون معانيه ويفهونه او يكون على طريقة من يسمع يخل بتقدير مفعوليه اى لقوم يعلمونه حقا والجملة صفة اخرى لقرءانا او صلة لتنزيل او لفصلت والاول اولى لوقوعه بين الصفات.
وَقالُوا يعنى مشركى مكة عطف على اعراض قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ اغطية جمع كنان مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد فلا نفقه ما تقول وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ثقل وصمم لا نسمع ما تقول والمعنى انا فى ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ خلاف فى الدين يمنعنا عن التواصل وللدلالة على ان الحجاب مبتدا منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ أصلا- وهذه تمثيلات لامتناع القبول والمواصلة والمعنى انا فى ترك القبول والتواصل منك بمنزلة من بينهما حاجز قوى فَاعْمَلْ على دينك او فى ابطال أمرنا إِنَّنا عامِلُونَ (٥) على ديننا او فى ابطال أمرك.
قُلْ يا محمد فى جوابهم إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ قال الحسن علمه الله التواضع يعنى ما انا الا واحد منكم لولا الوحى لم يكن عندى من العلم ما ترونه ولكن اوحى الىّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فعليكم باصغائه وتلقيه او المعنى لست بملك ولا جنى لا يمكنكم التلقي منه ولا أدعوكم الى ما يابى عنه العقول بل أدعوكم الى التوحيد الذي يدل عليه العقل
وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) حال مشعر بان امتناعهم من الزكوة مبنى على انكارهم للاخرة فان من لم يعتقد بالاخرة وثواب الزكوة فيها اعتقد إعطاء المال للفقير اضاعة لا محالة جعل الله سبحانه منع الزكوة مقرونا بالاشراك والكفر بالاخرة لان المال أحب الأشياء الى الأنفس فبذله فى سبيل الله أول دليل على إيمانه ففيه حث للمؤمنين على إيتاء الزكوة وتهديد شديد على منعه-.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قال ابن عباس غير مقطوع وقال مقاتل غير منقوص وقيل غير ممنون لى لا يمنّ به عليهم من المن وقال مجاهد غير محسوب وقال السدى نزلت الاية فى المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم الاجر على حسب ما كانوا يعملون فى الصحة عن عبد الله عمر وقال قال رسول الله ﷺ ان العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك المؤكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه- رواه البغوي فى شرح السنة والتفسير وعن ابى موسى قال قال رسول الله ﷺ إذا مرض العبد او سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا- رواه البخاري وعن انس ان رسول الله ﷺ قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده
قُلْ أَإِنَّكُمْ استفهام توبيخ والجملة الاستفهامية مستأنفة فى جواب ما أقول لهم ان لم يستقيموا ولم يستغفروا لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ اى فى مقدار يومين سميا بيوم الأحد والاثنين وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ولا يجوز له ند ذلِكَ الذي خلق الأرض فى يومين رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) اى خالق لجميع ما وجد من الممكنات ومربّ لها- جمع العالم (لاختلاف أنواعه) بالياء والنون تغليبا للعقلاء وجملة ذلك ربّ العالمين تعليل للتوبيخ.
وَجَعَلَ فِيها اى فى الأرض رَواسِيَ جبالا ثوابت مِنْ فَوْقِها اى فوق الأرض مرتفعة ليظهر للناظرين ما فيها من وجوه الاستبصار ويكون منافعها معرضة للطلاب وَبارَكَ فِيها اى فى الأرض بما خلق فيها من البحار والأنهار والثمار والأشجار والحيوانات وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها اى أقوات أهلها او الاضافة لادنى ملابسة اى أقوات خلق فيها قال الحسن قسم فى الأرض أرزاق العباد والبهائم بان عيّن لكل ما يصلحه ويعيش به وقد قرأ ابن مسعود وقسّم فيها أقواتها وقال عكرمة والضحاك قدر فى كل بلد ما لم يجعل فى الاخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد الى بلد قال الكلبي قدر الخبز لاهل قطر والذرة لاهل قطر والسمك لاهل قطر والتمر لاهل قطر فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ اى فى تتمة اربعة ايام يعنى فى يومين يوم الثلثاء والأربعاء متصلين باليومين الأولين فهو كقولك سرت من البصرة الى بغداد فى عشرة والى كوفة فى خمسة عشر ولم يقل فى يومين للاشعار باتصالهما باليومين الأولين سَواءً بالنصب اى استوت سواء بمعنى استواء او قدر تقديرا سواء والجملة صفة ايام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر صفة لاربعة وقيل حال من الضمير فى أقواتها او فى فيها وقرأ ابو جعفر سواء بالرفع على انه خبر محذوف اى هو
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ اى قصد نحوها من قولهم استوى الى مكان كذا إذا توجه اليه توجها لا يلوى على غيره والظاهر ان ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخى فى المرة لقوله تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فان دحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها وَهِيَ دُخانٌ لعله أراد مادتها والاجزاء المتصغرة التي ركبت منها وكان مادة السماء دخانا بخارا للماء كذا قال البغوي فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وإبراز ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة او ليأت كل منكما فى حدوث ما أريد توليده منكما- قال طاءوس عن ابن عباس اى أعطيا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد وقال ابن عباس قال الله عزّ وجلّ اما أنت يا سماء فاطلعى شمسك وقمرك ونجومك وأنت يا ارض فشقى أنهارك واخرجى ثمارك ونباتك طَوْعاً أَوْ كَرْهاً منصوب على الحال اى طائعتين او كارهتين او على الظرف اى ايتيا وقت طوع او كره او على المصدر من طريق ضربته سوطا اى ايتيا إتيان طوع او كره قال ابن عباس قال الله تعالى لهما افعلا ما أمرتكما والا الجأتكما الى ذلك حتى تفعلاه كرها فاجابتا بالطوع وقالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) ولم يقل طائعتين لانه ذهب به الى السماوات والأرض ومن فيهن مجازه اتينا بما فينا طائعين فيه تغليب للعقلاء او لما وصفهما بالقول اجراهما فى الجمع مجرى من يعقل والأظهر ان الكلام وارد مورد التمثيل وأراد بقوله ايتيا طوعا او كرها اظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده وبقوله قالتا اتينا طائعين سرعة تأثرهما بالذات فهو تمثيل بامر المطاع واجابة المطيع الطائع كقوله كن فيكون..
فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ اى فخلقهن خلقا ابداعيّا واتقن امرهن والضمير للسماء على المعنى او مبهم وسبع سموات حال على الاول وتميز على الثاني
فَإِنْ أَعْرَضُوا عطف على قل ائنّكم يعنى ان اعرضوا اى كفار مكة
تريد شرفا سوّدناك علينا وان كان هذا الذي بك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب او لعل هذا شعر جاش به صدرك فانكم لعمرى بنى عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه غيركم حتى إذا فرغ فقال له رسول الله ﷺ اوقد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاستمع منى
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اى تعظموا على اهل الأرض بغير استحقاق وَقالُوا لما خوّفوا بالعقاب اغترارا بقوتهم وشوكتهم مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً يعنى ليس أحد أشد قوة منا ندفع العذاب بقوتنا كان أحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء فقال الله تعالى ردّا عليهم أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره أقالوا ذلك ولم يروا اى لم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا اى بمعجزاتنا يَجْحَدُونَ (١٥) اى يعرفون انها حق وينكرونها عطف على قالوا.
فَأَرْسَلْنا عطف على كانوا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً عاصفا شديد الصوت شديد البرد من الصر بمعنى البرد اى يصر اى يجمع ويقبض او الصرة بمعنى الصيحة فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو ويعقوب بسكون الحاء والباقون بكسرها اى مشومات ذات نحوس فى حقهم قال الضحاك امسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ودامت الرياح عليهم من غير مطر قيل كان اخر شوال من الأربعاء الى الأربعاء وما عذب قوم الا يوم الأربعاء لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ اى عذاب الهوان أضاف العذاب الى الخزي اضافة الموصوف
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ اى دللناهم على الخير والشر بإرسال الرسل وبيّناهم سبيل الهدى كذا قال ابن عباس فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى اى اختاروا الجهل والكفر على الايمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ اى صيحة من السماء مهلكة للعذاب والهوان والذل واضافتها الى العذاب ووصفه بالهون للمبالغة بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) من اختيار الضلالة.
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) من تلك الصاعقة..
وَاذكر يَوْمَ يُحْشَرُ قرأ نافع ويعقوب بفتح النون وضم الشين على صيغة المتكلم المبنى للفاعل أَعْداءُ اللَّهِ بالنصب على المفعولية والباقون بضم الياء وو فتح الشين على البناء للمفعول واعداء الله بالرفع إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) اى يساقون ويدفعون الى النار وقال قتادة والسدىّ يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا قال البيضاوي وهى عبارة عن كثرة اهل النار.
حَتَّى ابتدائية إِذا ما جاؤُها إذا حضروها وما زائدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) قال السدىّ وجماعة المراد بالجلود الفروج وقال مقاتل ينطق جوارحهم روى مسلم عن انس قال كنا مع رسول الله ﷺ فضحك فقال هل تدرون مما اضحك قلنا الله ورسوله اعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب الم تجرنى من الظلم فيقول بلى قال فيقوله فانى لا أجيز على نفسى الا شاهدا منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقى فينطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ أناضل- «اى أجادل وأخاصم- نهاية منه ره» وفى حديث ابى هريرة عند مسلم فيختم على فيه ويقول لفخذه انطق فينطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله.
وَقالُوا
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ اى اية قال البغوي معناه تستخفون عند اكثر اهل العلم وقال مجاهد تتقون وقال قتادة تظنون يعنى ما كنتم تستترون الفواحش من جوارحكم مخافة أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ كما كنتم تستترونها عن الناس مخافة الفضيحة فالمعنى ما كنتم تظنون ان جوارحكم تشهد عليكم وفيه تنبيه وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) فلذلك اجرأتم على ما فعلتم.
وَذلِكُمْ اى ظنكم هذا مبتدا وقوله ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ اى أهلككم خبر ان له ويجوز ان يكون ظنّكم بدلا من اسم الاشارة وارديكم خبره فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ
(٢٣) ثم اخبر عن حالهم فقال.
فَإِنْ يَصْبِرُوا فى النار فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ لاخلاص لهم عنها وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) اى ان طلبوا العتبى وهو الرجوع الى ما يحبون ويسترصون ربهم فما هم بمجابين الى ذلك.
وَقَيَّضْنا اى بعثنا ووكلنا وقال مقاتل هيأنا عطف على قوله فى صدر السورة فاعرض أكثرهم- وقالوا قلوبنا فى أكنّة وبينهما معترضات لَهُمْ اى للكافرين قُرَناءَ جمع قرين ككرماء جمع كريم يعنى نظراء من الشياطين
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ قال ابن عباس كان بعضهم يوصى الى بعض إذا رايتم محمدا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو وقال مجاهد الغوا فيه بالمكاء والصفير وقال الضحاك أكثروا الكلام فتخلطوا عليه ما يقول وقال السدىّ صيحوا فى وجهه لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) محمدا على قراءته.
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وضع المظهر موضع الضمير تسجيلا للكفر وللدلالة على شمول هذا الحكم لهم ولغيرهم عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) اى سيئات أعمالهم او المعنى لنجزينّهم جزاء كفرهم الذي هو أسوأ ما كانوا يعملون فى الدنيا.
ذلِكَ مبتدا اى الاسوأ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ خبره النَّارُ عطف بيان للجزاء او خبر محذوف لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ اى دار الاقامة جَزاءُ منصوب على المصدرية لفعله المقدر اى يجزون والجملة تأكيد لما سبق بِما كانُوا بِآياتِنا اى القران يَجْحَدُونَ اى ينكرون الحق او المعنى يلغون عند قراءة القران وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على مضمون الكلام السابق اى عذبوا ذلك العذاب وقالوا يعنى يقولون بعد ما يلقون فى النار رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنون شيطانى النوعين الحاملين إياهما على الضلال والعصيان وقيل هما إبليس وقابيل بن آدم لانهما سنا الكفر والمعصية قرأ ابن عامر
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته ثُمَّ اسْتَقامُوا اى التزموا المنهج المستقيم قال المحلى نزلت فى ابى بكر الصديق وثم لتراخيه عن الإقرار فى الرتبة والمراد بالاستقامة الاعتدال وعدم الزيغ والانحراف عن الحق بوجه من الوجوه لا فى الاعتقاد ولا فى الأخلاق ولا فى الأعمال قال فى القاموس استقام اعتدل وقومته عدلته فهو قويم ومستقيم ومنه الصراط المستقيم للطريق السوي الذي يوصل سالكه الى المطلوب البتة. فالاستقامة لفظ مختصر شامل لجميع الشرائع من الإتيان بالمأمورات والاجتناب عن المنهيات على سبيل الدوام والثبات ومن هاهنا أجاب رسول الله ﷺ سفيان بن عبد الله الثقفي حين قال يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك وفى رواية غيرك قال قل امنت بالله ثم استقم- رواه مسلم قال البغوي سئل ابو بكر الصديق عن الاستقامة فقال ان لا تشرك بالله شيئا «١» وقال عمر بن الخطاب الاستقامة ان تستقيم على الأمر والنهى ولا تروغ روغان الثعالب وقال عثمان بن عفان أخلصوا العمل لله وقال علىّ أدوا الفرائض وقال ابن عباس استقاموا على أداء الفرائض وقال
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ
يعنى كنا معكم فى الدنيا نحفظكم من الشياطين ونلهمكم بالخيرات
وَنحن اولياؤكم فِي الْآخِرَةِ
لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة وَلَكُمْ فِيها
اى فى الجنه ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
من اللذات والكرامات وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
(٣١) اى ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الاول.
نُزُلًا كائنا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) نزلا حال من ما تدّعون وفيه اشعار بان ما يتمنون بالنسبة الى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف اخرج البزار وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ انك لتنظر الى الطير فى الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا- واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة ان الرجل من اهل الجنة ليشتهى الطير فى الجنة فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه لم نصبه دخان ولا تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير- وأخرجه الترمذي وحسنه والبيهقي قال قال رسول الله ﷺ المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسنه فى ساعة كما يشتهى- وعند هناد فى الزهد عن ابى سعيد قلنا يا رسول الله ان الولد من قرة العين وتمام السرور فهل يولد لاهل الجنة فقال إذا اشتهى الى آخره- واخرج الاصبهانى فى الترغيب عن ابى سعيد الخدري ولم يرفعه قال ان الرجل من اهل الجنة يتمنى الولد فيكون حمله ورضاعه وفطامه وشبابه فى ساعة واحدة- واخرج البيهقي مرفوعا بلفظ ان الرجل يشتهى الولد فى الجنة فيكون الى آخره- واخرج فى التاريخ والبيهقي نحوه-.
وَمَنْ أَحْسَنُ يعنى لا أحد احسن قَوْلًا مِمَّنْ دَعا الناس إِلَى اللَّهِ الى عبادة الله وتوحيده وَعَمِلَ صالِحاً فيما بينه وبين ربه وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) تفاخرا او اتخاذا للاسلام دينا ومذهبا من قولهم هذا قول فلان لمذهبه قال محمد بن سيرين والسدىّ هو رسول الله ﷺ وقال الحسن هو المؤمن أجاب الله فى دعوته وعمل صالحا فى اجابته وقال انّنى من المسلمين وقالت عائشة ارى هذه الاية نزلت فى المؤذّنين وقال
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ فى الجزاء وحسن العاقبة ولا الثانية مزيدة لتأكيد النفي يعنى مهما أمكن للانسان فلا بد ان يختار الخصلة الحسنة على الخصلة السيئة فليختر الصبر على الغضب والحلم على الجهل والعفو على الانتقام والسخاء على البخل والشجاعة على الجبن والعفة على العنت ادْفَعْ بِالَّتِي اى بالخصلة التي هِيَ أَحْسَنُ المراد بالأحسن هاهنا الزائد فى الحسن مطلقا إذ لا حسن فى السيئة أصلا قال ابن عباس امر بالصبر فى مقابلة من يغضب عليه وبالحلم فى مقابلة من يجهل عليه وبالعفو فى مقابلة من يسئ اليه وقيل معناه لا تستوى الحسنة فى جزئياتها ولا تستوى السيّئة فى جزئياتها بل بعضها فوق بعض فى الحسن والسوء فاذا اعترضك من بعض أعدائك سيّئة فادفعها بأحسن الحسنات كما لو أساء إليك رجل فالحسنة ان تعفو عنه والتي احسن ان تحسن اليه فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ إذا للمفاجاة أضيف الى الجملة والعامل فيه معنى المفاجاة والمعنى فوجى ذلك وقت صيرورة الذي بينك وبينه عداوة كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤)
وَما يُلَقَّاها جملة معترضة اى ما يؤتى هذه الخصلة وهى مقابلة الاساءة بالإحسان إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا على مخالفة النفس والهوى وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) من التجليات الصفاتية والذاتية فان النفس إذا تجلت عليها الصفات الحسنى انسلخت من صفاتها السواى.
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ عطف على ادفع وما زائدة اتصلت بان الشرطية مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ النزغ شبه النخس والشيطان ينزع كانه ينخس ويبعث على المعصية وفى القاموس نزغه كمنعه طعن فيه ونزغ بينهم أفسد واغرى ووسوس وهو فعل الشيطان أسند الى نزغه مجازا على طريقة جدجده وعلى هذا من للابتداء او أريد بالنزغ المسند اليه النازغ وصفا للشيطان بالمصدر مبالغة ومن الشّيطان بيان له حال منه والمعنى وان وسوس فيك الشيطان وحملك على الانتقام ومقابلة الاساءة بالاساءة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من شره ولا تطعه هذا جواب الشرط وجواب الأمر محذوف اى يدفع الله عنك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاستعاذتك الْعَلِيمُ (٣٦) بنيتك وصلاحك-.
وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فان كل واحد منها تدل على وجوب وجود صانعها وصفاته الكاملة ووحدانيته لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ لانهما مخلوقان مأموران مثلكم وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ الضمير للاربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بهما اشعارا بانهما من عداد ما لا يعلم ويختار إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فان السجود يختص لله تعالى وهذا موضع السجود عند الشافعي رحمه الله لاقتران الأمر به وهو مروى عن ابن مسعود وابن عمر اخرج الطحاوي بسنده عن عبد الرحمان بن يزيد يذكر ان عبد الله بن مسعود كان يسجد فى الاية الاولى من حم واخرج بسنده عن نافع عن ابن عمر مثله.
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا عن الامتثال
على ان فيها سجدتين والله اعلم-.
وَمِنْ آياتِهِ اى دلائل قدرته أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً يابسة غبراء لانبات فيها مستعار من الخشوع بمعنى التذلل فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ اى تحركت وَرَبَتْ اى علت وانتفخت بخروج النبات إِنَّ الَّذِي أَحْياها
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا قال مجاهد يلحدون فى آياتنا «١» بالمكاء والتصدية واللغو واللغط وقال قتادة يكذبون آياتنا وقال السدى يعاندون ويشاقون قال مقاتل نزلت فى ابى جهل قلت واللفظ يعم من يلحد بالتكذيب والإلغاء ومن يلحد بالتحريف والتأويل الباطل المخالف لتأويل السلف لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا فلا يأمنوا عن الجزاء والانتقام أَفَمَنْ يُلْقى الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره يفتخر هؤلاء الكفار ويعجبون بانفسهم أفمن يّلقى فِي النَّارِ ابو جهل وأمثاله خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اخرج ابن المنذر عن بشير بن فتح قال نزلت هذه الاية فى ابى جهل وعمار بن ياسر وقيل من ياتي أمنا هو حمزة وقيل عثمان واللفظ يعمهم وغيرهم ذكر الله سبحانه الإتيان أمنا فى مقابلة الإلقاء فى النار مبالغة وكان القياس ان يقال أفمن يلقى فى النار خير أم من يدخل الجنة لان مفاد الكلام ان الآتي أمنا خير ممن يلقى فى النار فكيف من يكرم ويدخل الجنة اعْمَلُوا «٢» ايها الكفار ما شِئْتُمْ من الكفر والمعاصي إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) فاجازيكم على ما تعملون فيه تهديد شديد-.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ اى القران لَمَّا جاءَهُمْ ان مع جملتها بدل من قوله انّ الّذين يلحدون او مستأنف وخبران محذوف مثل معاندون او هالكون او يجازيهم بكفرهم وقيل خبره قوله من بعد أولئك ينادون من مكان بعيد وَإِنَّهُ اى القران لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) حال او استئناف قال الكلبي عن ابن عباس اى كريم على الله وقال قتادة أعزّه الله فلا يجد الباطل اليه سبيلا.
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ قال قتادة والسدىّ الباطل هو الشيطان
(٢) عن ابن عباس فى قوله اعملوا ما شئتم قال لاهل البدر خاصة وعن ابراهيم النخعي ذكر ان السماء فرجت يوم بدر فقيل اعملوا ما شئتم. ١٢ منه رحمه الله
ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ قيل هذا تسلية للنبى ﷺ بانه ما يقول لك كفار مكة قد قيل مثله للانبياء من قبلك انه ساحر كذاب فاصبر كما صبروا ولا تغتم به وقيل معناه ما اوحى إليك الأمثل ما اوحى إليهم من التوحيد واصول الدين والوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين وقيل مقول القول قوله إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للمومنين وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) للكافرين والجملة على الاول مستأنفة- ولمّا قال الكفار اقتراحا وتعنتا هل انزل القران بلغة العجم يعنون كما أنزلت التوراة والإنجيل نزلت.
وَلَوْ جَعَلْناهُ اى لو جعلنا هذا الذكر الذي تقرأه على الناس قُرْآناً أَعْجَمِيًّا اى مقروا بلغة العجم لَقالُوا يعنى اهل مكة لَوْلا هلا فُصِّلَتْ بينت آياتُهُ بلغة العرب حتى فهمناها هذه الجملة متصلة بجمل واردة فى صدر السورة فى مدح القران اعنى كتاب فصّلت آياتهءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قرا هشام أعجميّ بهمزة واحدة من غير مد على الخبر يعنى كتاب أعجميّ ورسول عربىّ والباقون بهمزتين على الاستفهام للانكار فقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي «وخلف وروح ابو محمد» بهمزتين محققتين والباقون بهمزة ومدة «اى بهمزة مسهلة- ابو محمد» وقالون وابو عمرو يشبعانها لان من قولهما إدخال الالف بين
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ جواب لقسم محذوف يعنى اختلف قوم موسى بالتصديق والتكذيب كما اختلف قريش فى القران وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فى تأخير العذاب عن المكذبين الى يوم القيامة او الى أجل معلوم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم وَإِنَّهُمْ اى المكذبين لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من التوراة او من القران مُرِيبٍ (٤٥) موقع فى الريبة.
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ نفعه وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها مضرته وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) فلا يضيع عمل المحسنين ولا يزيد على
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ اى علم وقت قيامها يرد اليه يعنى يجب على كل من سئل عنها ان يقول الله اعلم إذ لا يعلمها الا هو وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها اى من اوعيتها جمع كمّ بالكسر قرأ نافع وابن عامر وحفص «وابو جعفر ابو محمد» ثمرات على الجمع والباقون ثمرت على التوحيد بارادة الجنس وما نافية ومن الاولى مزيدة للاستغراق وثمرات فى محل الرفع ويحتمل ان يكون ما موصولة معطوفة على الساعة ومن بيانية بخلاف قوله وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى فانها نافية ومن زائدة البتة وَلا تَضَعُ اى أنثى إِلَّا بِعِلْمِهِ اى الا مقرونا بعلمه حسب تعلقه به والمراد انه كما لا يعلم بالساعة غيره كذلك لا يعلم بما يخرج من الثمرات وما تحمل أنثى الا هو- قوله الّا بعلمه استثناء مفرغ يتوجه الى الافعال الثلاثة على سبيل التنازع اعمل الأخير وقدر فى الأولين وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ اى يوم ينادى الله المشركين بقوله أَيْنَ شُرَكائِي قرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها يسئلهم الله تهكما وتوبيخا اين شركائى التي كنتم تزعمونها الهة قالُوا اى المشركون آذَنَّاكَ أعلمناك الان ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) اى من يشهد لهم بالشرك الجملة حال يعنى يتبرءون عنهم لمّا عاينوا العذاب او المعنى ما منا من أحد يشاهدهم لانهم غابوا عنّا.
وَضَلَّ عَنْهُمْ يعنى لا ينفعهم او غاب عنهم فلا يرون ما كانُوا يَدْعُونَ اى يعبدون مِنْ قَبْلُ ذلك اليوم يعنى فى الدنيا وَظَنُّوا اى أيقنوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) اى مهرب الظن معلق عنه بحرف النفي وقيل جملة المنفي سدّ مسد المفعولين-.
لا يَسْأَمُ اى يمل الْإِنْسانُ الكافر مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ لا يزال يسئل الله تعالى المال والغنى والصحة وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ اى الشدة من الفقر
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ اى الكافر جواب قسم محذوف رَحْمَةً مالا وعافية مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي جواب للقسم لفظا وللشرط معنى يعنى هذا حقى لما فىّ من الفضل والعمل والعلم، او هذا لى دائما لا يزول وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً اى تقوم وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي قرأ وابو جعفر- ابو محمد ابو عمرو ونافع بخلاف عن قالون بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى يعنى لان قامت القيامة على التوهم لكان لى عند الله الحالة الحسنة من الكرامة وذلك لاعتقاده ان ماله من الدنيا انما هو لاستحقاقه الكرامة الغير المنفك عنه فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا جواب قسم محذوف والفاء للسببية بِما عَمِلُوا قال ابن عباس لنفتنهم على مساوى أعمالهم وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) لا يمكنهم التفصى عنه-.
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ الكافر أَعْرَضَ عن الشكر وَنَأى بِجانِبِهِ اى ثنى عطفه وقيل الجانب كناية عن النفس كالجنب فى قوله تعالى جنب الله يعنى ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته لكمال الغلفة وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) اى كثير مستعار ممّا له عرض وسيع للاشعار بكثرته والعرب يستعمل الطول والعرض فى الكثرة يقال أطال فى الكلام والدعاء واعرض اى اكثر والعريض ابلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين فاذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ومن ثم قال الله تعالى جنّة عرضها السّموات- ولا منافاة بين قوله وإذا مسّه الشّرّ فيؤس قنوط وبين قوله فذو دعاء عريض لان الاولى فى قوم آخرين ولعل الاولى فى الكفار ولا يياس من روح الله الّا القوم الكافرون ومن يّقنط من رّحمة الله الّا القوم الضّالّون «١» والثانية فى الغافلين من المؤمنين. وجاز ان يكون كلا الآيتين فى الكفار والمراد انهم إذا مسّهم شر دعوا مخلصين له الدين فاذا روا تاخرا فى الاجابة يئسوا وقنطوا بخلاف المؤمنين الصالحين فانهم لا يقنطون ويرون فى تأخير الاجابة حكمة قال
قُلْ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كانَ القران مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) هذه الجملة متصلة بقوله تعالى قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ كان الأصل من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم لانه فى تأويل قوله ان كان القرءان من عند الله كان حقّا بلا شبهة وكان الكفر به شقاقا بعيدا من الحق وأنتم قد كفرتم به فلا أضل منكم.
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ قال ابن عباس يعنى منازل الأمم الخالية وَفِي أَنْفُسِهِمْ يعنى يوم بدر وكذا قال قتادة وقيل فى أنفسهم البلايا والأمراض وقال مجاهد والسدىّ فى الآفاق ما يفتح القرى على محمد ﷺ والمسلمين وفى أنفسهم فتح مكة وقال عطاء وابن زيد فى الآفاق يعنى فى أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار وفى أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة- قال البيضاوي فى الآفاق يعنى ما أخبرهم النبي ﷺ من الحوادث الآتية واثار النوازل الماضية وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة وفى أنفسهم ما ظهر فيما بين اهل مكة وما حلّ بهم او ما فى بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ اى القران من عند الله والرسول مؤيد من الله او التوحيد مؤيد من الله ودين الله حق او الله هو الحق أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ الباء زائدة وربك فى محل الرفع على الفاعلية ولا تزاد الباء فى الفاعل الا مع كفى أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) بدل من الفاعل والمعنى او لم يكف ان ربك على كلّ شىء شهيد والاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره أتشك فى عاقبة أمرك ولم يكف انه تعالى على كل شىء شهيد محقق
أَلا إِنَّهُمْ يعنى كفار مكة فِي مِرْيَةٍ اى شك مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ اى من البعث والجزاء أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤) علما باجمالها وتفصيلها مقتدر عليها لا يفوته شىء منها او انه محيط بكل شىء احاطة ذاتية غير متكيفة لا يفوته شىء منها- تمت سورة فصلت تفسيرها من التفسير المظهرى فى اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر من السنة الثامنة بعد الف سنة ١٢٠٨ هـ- ومائتين من الهجرة على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة الشورى والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.