تفسير سورة فصّلت

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة فصّلت (حم السّجدة)
مكّيّة وهى اربع وخمسون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) ان جعلته مبتدا فخبره.
تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) وان جعلته تعديد الحروف فتنزيل خبر محذوف وقال الأخفش تنزيل مبتدا لتخصيصه بالصفة وخبره.
كِتابٌ وهو على الأولين بدل منه او خبر اخر او خبر محذوف ولعل افتتاح هذه السور السبع بحم وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة فى النظم والمعنى قال رسول الله ﷺ أعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقي عن معقل بن يسار واضافة التنزيل الرحمان الرحيم للدلالة على انه مناط المصالح الدينية والدنيوية فُصِّلَتْ آياتُهُ اى بينت بالاحكام والقصص والمواعظ قُرْآناً عَرَبِيًّا نصب على المدح او الحال من لضمير المجرور فى آياته فانه أضيف اليه فاعل فصلت مثل ميتا فى قوله تعالى يأكل لحم أخيه ميتا وفيه امتنان عليهم بسهولة قرائته وفهمه فانه لو كان بغير لغتهم لما فهموه لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) نزل منزلة اللازم اى لقوم ذوى علم ونظر لا لمن اعرض عنها او يقال مفعوله محذوف منوى اى لقوم يعلمون معانيه ويفهونه او يكون على طريقة من يسمع يخل بتقدير مفعوليه اى لقوم يعلمونه حقا والجملة صفة اخرى لقرءانا او صلة لتنزيل او لفصلت والاول اولى لوقوعه بين الصفات.
بَشِيراً لاولياء الله وَنَذِيراً لاعدائه فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن تدبره وقبوله عطف على فصلت فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) اى لا يستمعون تعنتا وعنادا او لا يقبلون يقال شفعت الى فلان فلم يسمع قولى يعنى لم يقبل والجملة بيان للاعراض. «١».
وَقالُوا يعنى مشركى مكة عطف على اعراض قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ اغطية جمع كنان مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد فلا نفقه ما تقول وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ثقل وصمم لا نسمع ما تقول والمعنى انا فى ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ خلاف فى الدين يمنعنا عن التواصل وللدلالة على ان الحجاب مبتدا منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ أصلا- وهذه تمثيلات لامتناع القبول والمواصلة والمعنى انا فى ترك القبول والتواصل منك بمنزلة من بينهما حاجز قوى فَاعْمَلْ على دينك او فى ابطال أمرنا إِنَّنا عامِلُونَ (٥) على ديننا او فى ابطال أمرك.
قُلْ يا محمد فى جوابهم إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ قال الحسن علمه الله التواضع يعنى ما انا الا واحد منكم لولا الوحى لم يكن عندى من العلم ما ترونه ولكن اوحى الىّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فعليكم باصغائه وتلقيه او المعنى لست بملك ولا جنى لا يمكنكم التلقي منه ولا أدعوكم الى ما يابى عنه العقول بل أدعوكم الى التوحيد الذي يدل عليه العقل
(١) عن عمر بن الخطاب قال اقبل قريش الى النبي ﷺ فقال ما يمنعكم من الإسلام فتسور والعرب قالوا يا محمد ما نفقه ما تقول ولا نسمعه وان على قلوبنا لغلفا وأخذ ابو جهل ثوبا جما بينه وبين النبي ﷺ وقال يا محمد قلوبنا فى اكنة ممّا تدعونا اليه وفى اذننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فقال لهم النبي ﷺ أدعوكم الى خصلتين ان تشهدوا ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانى رسول الله فلما سمعوا شهادة ان لا اله الا الله ولّوا على ادبارهم نفورا وقالوا اجعل الالهة الها واحدا انّ هذا الشيء عجاب وقال بعضهم لبعض امشوا واصبروا على الهتكم انّ هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا فى الملّة الاخرة ان هذا الّا اختلاق أنزل عليه الذّكر من بيننا وهبط جبرئيل فقال يا محمد ان الله يقرأك السلام اليس يزعم هؤلاء ان على قلوبهم أكنّة ان يفقهوه وفى آذانهم وقرا فليس يسمعون قولك كيف وإذا ذكرت ربّك فى القران وحده ولّوا على ادبارهم نفورا لو كان كما زعموا لم ينفروا ولكنهم كاذبون يسمعون ولا ينتفعون بذلك كراهة له- فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلا الى النبي ﷺ فقالوا يا محمد اعرض عليهم الإسلام اسلموا من آخرهم فتبسم رسول الله ﷺ وقال الحمد لله بالأمس تزعمون ان قلوبكم فى اكنة مما ندعوكم اليه وفى اذنكم وقر أصبحتم اليوم مسلمين فقالوا يا رسول الله كذبنا بالأمس لو كان كذلك ما اهتدينا ابدا ولكن الله الصادق والعباد كاذبون عليه وهو الغنى ونحن الفقراء اليه ١٢ منه برد الله مضجعه-
والنقل فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ اى توجهوا الى الله بالطاعة ولا تميلوا عن طاعته وَاسْتَغْفِرُوهُ مما أنتم عليه من الشرك وسوء الأعمال ثم هددهم على ذلك بقوله وَوَيْلٌ كلمة عذاب مبتدا خبره لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ قال ابن عباس الذين لا يقولون لا اله الا الله وهى زكوة الأنفس والمعنى لا يطهرون أنفسهم عن الشرك بالتوحيد وقال الحسن وقتادة لا يقرون بالزكاة ولا يرونه واجبا وكان يقال الزكوة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخالف عنها هلك وقال مقاتل والضحاك لا ينفقون فى الطاعة ولا يتصدقون وقال مجاهد لا يزكون أعمالهم قال البيضاوي فيه دليل على ان الكفار مخاطبون بالفروع وقد ذكرنا هذه المسألة فى تفسير سورة المدثر فى قوله تعالى لم نك من المصلّين الاية.
وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) حال مشعر بان امتناعهم من الزكوة مبنى على انكارهم للاخرة فان من لم يعتقد بالاخرة وثواب الزكوة فيها اعتقد إعطاء المال للفقير اضاعة لا محالة جعل الله سبحانه منع الزكوة مقرونا بالاشراك والكفر بالاخرة لان المال أحب الأشياء الى الأنفس فبذله فى سبيل الله أول دليل على إيمانه ففيه حث للمؤمنين على إيتاء الزكوة وتهديد شديد على منعه-.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قال ابن عباس غير مقطوع وقال مقاتل غير منقوص وقيل غير ممنون لى لا يمنّ به عليهم من المن وقال مجاهد غير محسوب وقال السدى نزلت الاية فى المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم الاجر على حسب ما كانوا يعملون فى الصحة عن عبد الله عمر وقال قال رسول الله ﷺ ان العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك المؤكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه- رواه البغوي فى شرح السنة والتفسير وعن ابى موسى قال قال رسول الله ﷺ إذا مرض العبد او سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا- رواه البخاري وعن انس ان رسول الله ﷺ قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده
قال للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل فان شفاه غسله وطهّره وان قبضه غفر له ورحمه- رواه البغوي فى شرح السنة وعن ابن مسعود انه قال يكتب للعبد من الاجر إذا مرض ما كان يكتب له قبل ان يمرض فمنعه منه المرض- رواه رزين-.
قُلْ أَإِنَّكُمْ استفهام توبيخ والجملة الاستفهامية مستأنفة فى جواب ما أقول لهم ان لم يستقيموا ولم يستغفروا لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ اى فى مقدار يومين سميا بيوم الأحد والاثنين وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ولا يجوز له ند ذلِكَ الذي خلق الأرض فى يومين رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) اى خالق لجميع ما وجد من الممكنات ومربّ لها- جمع العالم (لاختلاف أنواعه) بالياء والنون تغليبا للعقلاء وجملة ذلك ربّ العالمين تعليل للتوبيخ.
وَجَعَلَ فِيها اى فى الأرض رَواسِيَ جبالا ثوابت مِنْ فَوْقِها اى فوق الأرض مرتفعة ليظهر للناظرين ما فيها من وجوه الاستبصار ويكون منافعها معرضة للطلاب وَبارَكَ فِيها اى فى الأرض بما خلق فيها من البحار والأنهار والثمار والأشجار والحيوانات وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها اى أقوات أهلها او الاضافة لادنى ملابسة اى أقوات خلق فيها قال الحسن قسم فى الأرض أرزاق العباد والبهائم بان عيّن لكل ما يصلحه ويعيش به وقد قرأ ابن مسعود وقسّم فيها أقواتها وقال عكرمة والضحاك قدر فى كل بلد ما لم يجعل فى الاخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد الى بلد قال الكلبي قدر الخبز لاهل قطر والذرة لاهل قطر والسمك لاهل قطر والتمر لاهل قطر فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ اى فى تتمة اربعة ايام يعنى فى يومين يوم الثلثاء والأربعاء متصلين باليومين الأولين فهو كقولك سرت من البصرة الى بغداد فى عشرة والى كوفة فى خمسة عشر ولم يقل فى يومين للاشعار باتصالهما باليومين الأولين سَواءً بالنصب اى استوت سواء بمعنى استواء او قدر تقديرا سواء والجملة صفة ايام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر صفة لاربعة وقيل حال من الضمير فى أقواتها او فى فيها وقرأ ابو جعفر سواء بالرفع على انه خبر محذوف اى هو
لِلسَّائِلِينَ (١٠) متعلق بمحذوف اى هذا الحصر مبين للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها كذا قال قتادة والسدىّ او بقدّر اى قدّر فيها الأقوات للطالبين لها-.
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ اى قصد نحوها من قولهم استوى الى مكان كذا إذا توجه اليه توجها لا يلوى على غيره والظاهر ان ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخى فى المرة لقوله تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فان دحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها وَهِيَ دُخانٌ لعله أراد مادتها والاجزاء المتصغرة التي ركبت منها وكان مادة السماء دخانا بخارا للماء كذا قال البغوي فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وإبراز ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة او ليأت كل منكما فى حدوث ما أريد توليده منكما- قال طاءوس عن ابن عباس اى أعطيا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد وقال ابن عباس قال الله عزّ وجلّ اما أنت يا سماء فاطلعى شمسك وقمرك ونجومك وأنت يا ارض فشقى أنهارك واخرجى ثمارك ونباتك طَوْعاً أَوْ كَرْهاً منصوب على الحال اى طائعتين او كارهتين او على الظرف اى ايتيا وقت طوع او كره او على المصدر من طريق ضربته سوطا اى ايتيا إتيان طوع او كره قال ابن عباس قال الله تعالى لهما افعلا ما أمرتكما والا الجأتكما الى ذلك حتى تفعلاه كرها فاجابتا بالطوع وقالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) ولم يقل طائعتين لانه ذهب به الى السماوات والأرض ومن فيهن مجازه اتينا بما فينا طائعين فيه تغليب للعقلاء او لما وصفهما بالقول اجراهما فى الجمع مجرى من يعقل والأظهر ان الكلام وارد مورد التمثيل وأراد بقوله ايتيا طوعا او كرها اظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده وبقوله قالتا اتينا طائعين سرعة تأثرهما بالذات فهو تمثيل بامر المطاع واجابة المطيع الطائع كقوله كن فيكون..
فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ اى فخلقهن خلقا ابداعيّا واتقن امرهن والضمير للسماء على المعنى او مبهم وسبع سموات حال على الاول وتميز على الثاني
فِي يَوْمَيْنِ يوم الخميس والجمعة قال المحلى ففرغ منها فى اخر ساعة منه وفيها خلق آدم ولذلك لم يقل هاهنا سواء قلت لعل قول المحلى هذا مبنى على ما رواه مسلم من حديث ابى هريرة انه قال أخذ رسول الله ﷺ بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة فى اخر الخلق واخر ساعة من النهار فيما بين العصر الى الليل- والظاهر ان هذا الحديث وهم فيه الراوي فان الثابت بالقران خلق السماوات والأرض فى ستة ايام وذكر فى هذا الحديث سبعة ايام والصحيح ان بدء الخلق من يوم الأحد وهذا الحديث يدل على انه من يوم السبت ومنطوق هذه الاية ان الله خلق الجبال رواسى وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها فى يوم الثالث والرابع وهذا الحديث يدل على انه خلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين والظاهر من سياق قصة آدم عليه السلام ان خلق آدم كان بعد زمان طويل من خلق السماوات والأرض إذ قال ربّك للملائكة انّى جاعل فى الأرض خليفة الآيات وفى قصة خلق آدم تعجين طينه أربعين يوما فلو صح خلق آدم فى اخر ساعة من الجمعة فذلك الجمعة بدا الخلق والله اعلم وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها قال عطاء عن ابن عباس خلق فى كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار والجبال والبرد وما لا يعلم الا الله وقال قتادة والسدىّ يعنى خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وقال مقاتل اوحى الى كل سماء ما أراد من الأمر والنهى وقيل اوحى فى كل سماء الأمر الذي امر به من فيها من الطاعة وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ اى كواكب وَحِفْظاً اى وحفظناها من الآفات او من المسترقة حفظا وقيل مفعول له على المعنى كانه قال وخصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظا ذلِكَ الذي ذكرت من صنعه تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ فى ملكه الْعَلِيمِ (١٢) بخلقه.
فَإِنْ أَعْرَضُوا عطف على قل ائنّكم يعنى ان اعرضوا اى كفار مكة
285
عن الايمان بعد هذا البيان فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً اى فحذرهم ان يصيبهم عذاب شديد مهلك والصاعقة المهلكة من كل شىء مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ يعنى عادا وثمود الرُّسُلُ جملة إذ جاءتهم الرّسل حال من صاعقة عاد ولا يجوز جعله صفة لصاعقة او ظرفا لانذرتكم لفساد المعنى مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ اى من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة او من جهة الزمان الماضي بالإنذار عمّا جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم فى الاخرة وكل من اللفظين يحتملهما- او من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين الى الايمان بهم أجمعين ويحتمل ان يكون عبارة عن الكثرة كقوله يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان أَلَّا تَعْبُدُوا ان مخففة من الثقيلة بإضمار ضمير الشأن او مفسرة لانه بعد ذكر الرسالة وفيه معنى القول او مصدرية والباء مقدرة اى بان لا تعبدوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا اى عاد وثمود لَوْ شاءَ رَبُّنا إرسال الرسل لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً برسالته فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ على زعمكم كافِرُونَ (١٤) انما أنتم بشر مثلنا لافضل لكم علينا- روى البغوي عن جابر بن عبد الله قال قال الملأ من قريش وابو جهل قد التبس علينا امر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكمانة والسحر فاتاه فكلمه ثم أتانا ببيان من امره فقال عتبة بن ربيعة والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علىّ ان كان كذلك فاتاه فلما خرج اليه قال أنت يا محمد خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله فبم تشتم الهتنا وتضلّل آباءنا فان كنت انما تريد الرياسة عقدنا لك اولويتنا فكنت راسا ما بقيت وان كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من اىّ بنات قريش وان كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغنى أنت وعقبك من بعدك- ورسول الله ﷺ ساكت فلمّا فرغ قرأ رسول الله ﷺ بسم الله الرّحمن الرّحيم حم تنزيل من الرّحمن الرّحيم كتب فصّلت آياته قرءانا الى قوله فان
286
اعرضوا فقل أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد وثمود الاية فامسك عتبة على فيه فناشده بالرحم ورجع الى اهله ولم يخرج الى قريش فاحتبس عنهم فقال ابو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة الا قد صبا الى محمد وقد أعجبه طعامه وما ذاك الا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا اليه فانطلقوا اليه فقال ابو جهل والله يا عتبة ما حبسك عنا الا انك صبوت الى محمد وأعجبك طعامه فان كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا يغنيك عن طعام محمد فغضب عتبة واقسم ان لا يكلم محمدا ابدا وقال والله لقد علمتم انى من اكثر قريش مالا ولكنى أتيته وقصصت عليه القصة فاجابنى بشئ والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ السورة الى قوله (تعالى) فان اعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فامسكت بغيه وناشدته بالرحم ان يكف ولقد علمتم ان محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت ان ينزل عليكم العذاب- وقال قال محمد بن كعب القرظي حدثت ان عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما قال يوما وهو جالس فى نادى قريش ورسول الله ﷺ جالس وحده فى المسجد قال يا معشر قريش الا أقوم الى محمد وأكلمه واعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضهن فنعطيه ويكف عنا (وذلك حين اسلم حمزة وراوا اصحاب محمد ﷺ يزيدون ويكثرون) قالوا بلى يا أبا الوليد فقم اليه فكلمه فقام عتبة الى رسول الله ﷺ فقال يا ابن أخي انك منا حيث علمت من البسطة فى العشيرة والمكان فى النسب وانك قد أتيت بامر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم وعبت الهتهم وكفرت من مضى من ابائهم فاستمع منى اعرض عليك أمورا اتنظر فيها فقال رسول الله ﷺ قل يا أبا الوليد فقال يا ابن أخي ان كنت انما تريد بما جئت المال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون اكثر منّا مالا وان كنت
تريد شرفا سوّدناك علينا وان كان هذا الذي بك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب او لعل هذا شعر جاش به صدرك فانكم لعمرى بنى عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه غيركم حتى إذا فرغ فقال له رسول الله ﷺ اوقد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاستمع منى
287
قال افعل فقال بسم الله الرّحمن الرّحيم حم تنزيل من الرّحمن الرّحيم كتب فصّلت آياته قرءانا عربيّا ثم مضى فيها يقرأ فلمّا سمع عتبة انصت والقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله ﷺ الى السجدة فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد فانت وذاك فقام عتبة الى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم ابو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلمّا جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد فقال ورائ انى قد سمعت قولا والله ما سمعت بمثله قط ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة يا معشر قريش أطيعوني خلوا ما بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وان يظهر على العرب به فملكه ملككم وعزّه عزّكم فانتم اسعد الناس به فقالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رائى لكم فاصنعوا ما بدا لكم..
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اى تعظموا على اهل الأرض بغير استحقاق وَقالُوا لما خوّفوا بالعقاب اغترارا بقوتهم وشوكتهم مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً يعنى ليس أحد أشد قوة منا ندفع العذاب بقوتنا كان أحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء فقال الله تعالى ردّا عليهم أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره أقالوا ذلك ولم يروا اى لم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا اى بمعجزاتنا يَجْحَدُونَ (١٥) اى يعرفون انها حق وينكرونها عطف على قالوا.
فَأَرْسَلْنا عطف على كانوا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً عاصفا شديد الصوت شديد البرد من الصر بمعنى البرد اى يصر اى يجمع ويقبض او الصرة بمعنى الصيحة فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو ويعقوب بسكون الحاء والباقون بكسرها اى مشومات ذات نحوس فى حقهم قال الضحاك امسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ودامت الرياح عليهم من غير مطر قيل كان اخر شوال من الأربعاء الى الأربعاء وما عذب قوم الا يوم الأربعاء لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ اى عذاب الهوان أضاف العذاب الى الخزي اضافة الموصوف
الى الصفة مثل رجل الحرب وحاتم الجود بدليل ولعذاب الاخرة اخزى وهو فى الأصل فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى عطف على أرسلنا وهو فى الأصل صفة المعذب وصف به العذاب للمبالغة مجازا وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) بدفع العذاب عنهم.
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ اى دللناهم على الخير والشر بإرسال الرسل وبيّناهم سبيل الهدى كذا قال ابن عباس فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى اى اختاروا الجهل والكفر على الايمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ اى صيحة من السماء مهلكة للعذاب والهوان والذل واضافتها الى العذاب ووصفه بالهون للمبالغة بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) من اختيار الضلالة.
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) من تلك الصاعقة..
وَاذكر يَوْمَ يُحْشَرُ قرأ نافع ويعقوب بفتح النون وضم الشين على صيغة المتكلم المبنى للفاعل أَعْداءُ اللَّهِ بالنصب على المفعولية والباقون بضم الياء وو فتح الشين على البناء للمفعول واعداء الله بالرفع إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) اى يساقون ويدفعون الى النار وقال قتادة والسدىّ يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا قال البيضاوي وهى عبارة عن كثرة اهل النار.
حَتَّى ابتدائية إِذا ما جاؤُها إذا حضروها وما زائدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) قال السدىّ وجماعة المراد بالجلود الفروج وقال مقاتل ينطق جوارحهم روى مسلم عن انس قال كنا مع رسول الله ﷺ فضحك فقال هل تدرون مما اضحك قلنا الله ورسوله اعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب الم تجرنى من الظلم فيقول بلى قال فيقوله فانى لا أجيز على نفسى الا شاهدا منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقى فينطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ أناضل- «اى أجادل وأخاصم- نهاية منه ره» وفى حديث ابى هريرة عند مسلم فيختم على فيه ويقول لفخذه انطق فينطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله.
وَقالُوا
اى الذين يحشرون الى النار لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا بعدا لكن وسحقا فعنكن اناضل وهذا السؤال سوال توبيخ قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ذى نطق وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) قدّم الظرف للحصر والاهتمام ورعاية الفواصل وهذه الجملة يحتمل ان يكون من تمام كلام الجوارح وان يكون استئنافا مثل ما بعده- روى الشيخان فى الصحيحين والبغوي عن ابن مسعود قال اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشى او قرشيان وثقفى كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون ان الله يسمع ما نقول قال الاخر يسمع ما جهرنا ولا يسمع ان أخفينا وقال الاخر ان كان يسمع إذا جهرنا فانه يسمع إذا أخفينا قال البغوي قيل الثقفي عبد ياليل والقرشيان ختنا ربيعة وصفوان ابن امية فانزل الله تعالى.
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ اى اية قال البغوي معناه تستخفون عند اكثر اهل العلم وقال مجاهد تتقون وقال قتادة تظنون يعنى ما كنتم تستترون الفواحش من جوارحكم مخافة أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ كما كنتم تستترونها عن الناس مخافة الفضيحة فالمعنى ما كنتم تظنون ان جوارحكم تشهد عليكم وفيه تنبيه وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) فلذلك اجرأتم على ما فعلتم.
وَذلِكُمْ اى ظنكم هذا مبتدا وقوله ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ اى أهلككم خبر ان له ويجوز ان يكون ظنّكم بدلا من اسم الاشارة وارديكم خبره فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ
(٢٣) ثم اخبر عن حالهم فقال.
فَإِنْ يَصْبِرُوا فى النار فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ لاخلاص لهم عنها وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) اى ان طلبوا العتبى وهو الرجوع الى ما يحبون ويسترصون ربهم فما هم بمجابين الى ذلك.
وَقَيَّضْنا اى بعثنا ووكلنا وقال مقاتل هيأنا عطف على قوله فى صدر السورة فاعرض أكثرهم- وقالوا قلوبنا فى أكنّة وبينهما معترضات لَهُمْ اى للكافرين قُرَناءَ جمع قرين ككرماء جمع كريم يعنى نظراء من الشياطين
يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض وهو القشر وقيل اصل القيض البدل ومنه المقائضة للمعاوضة فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من امر الدنيا واتباع الشهوات وَما خَلْفَهُمْ من امر الاخرة فدعوهم الى التكذيب وانكار البعث وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ اى كلمة العذاب فِي أُمَمٍ حال من الضمير المجرور اى كائنين فى جملة امم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ صفة لامم مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وقد عملوا مثل أعمالهم صفة اخرى لامم إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) بايثار موجبات العذاب على موجبات الرحمة تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير لهم او للامم..
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ قال ابن عباس كان بعضهم يوصى الى بعض إذا رايتم محمدا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو وقال مجاهد الغوا فيه بالمكاء والصفير وقال الضحاك أكثروا الكلام فتخلطوا عليه ما يقول وقال السدىّ صيحوا فى وجهه لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) محمدا على قراءته.
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وضع المظهر موضع الضمير تسجيلا للكفر وللدلالة على شمول هذا الحكم لهم ولغيرهم عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) اى سيئات أعمالهم او المعنى لنجزينّهم جزاء كفرهم الذي هو أسوأ ما كانوا يعملون فى الدنيا.
ذلِكَ مبتدا اى الاسوأ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ خبره النَّارُ عطف بيان للجزاء او خبر محذوف لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ اى دار الاقامة جَزاءُ منصوب على المصدرية لفعله المقدر اى يجزون والجملة تأكيد لما سبق بِما كانُوا بِآياتِنا اى القران يَجْحَدُونَ اى ينكرون الحق او المعنى يلغون عند قراءة القران وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على مضمون الكلام السابق اى عذبوا ذلك العذاب وقالوا يعنى يقولون بعد ما يلقون فى النار رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنون شيطانى النوعين الحاملين إياهما على الضلال والعصيان وقيل هما إبليس وقابيل بن آدم لانهما سنا الكفر والمعصية قرأ ابن عامر
وابن كثير ويعقوب وابو بكر والسوسي أرنا بالتخفيف اى بسكون الراء هاهنا خاصة وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء والباقون باشباعها «اى بكسره كاملة- ابو محمد» نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا فى النار لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) اى فى الدرك الأسفل من النار قال ابن عباس ليكونا أشد عذابا منّا-.
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته ثُمَّ اسْتَقامُوا اى التزموا المنهج المستقيم قال المحلى نزلت فى ابى بكر الصديق وثم لتراخيه عن الإقرار فى الرتبة والمراد بالاستقامة الاعتدال وعدم الزيغ والانحراف عن الحق بوجه من الوجوه لا فى الاعتقاد ولا فى الأخلاق ولا فى الأعمال قال فى القاموس استقام اعتدل وقومته عدلته فهو قويم ومستقيم ومنه الصراط المستقيم للطريق السوي الذي يوصل سالكه الى المطلوب البتة. فالاستقامة لفظ مختصر شامل لجميع الشرائع من الإتيان بالمأمورات والاجتناب عن المنهيات على سبيل الدوام والثبات ومن هاهنا أجاب رسول الله ﷺ سفيان بن عبد الله الثقفي حين قال يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك وفى رواية غيرك قال قل امنت بالله ثم استقم- رواه مسلم قال البغوي سئل ابو بكر الصديق عن الاستقامة فقال ان لا تشرك بالله شيئا «١» وقال عمر بن الخطاب الاستقامة ان تستقيم على الأمر والنهى ولا تروغ روغان الثعالب وقال عثمان بن عفان أخلصوا العمل لله وقال علىّ أدوا الفرائض وقال ابن عباس استقاموا على أداء الفرائض وقال
(١) روى عن ابى بكر الصديق انه قال ما تقولون فى هاتين الآيتين انّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا والّذين أمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم قالوا الّذين قالوا ربّنا الله ثم عملوا بها واستقاموا على امره فلم يذنبوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم لم يذنبوا قال لقد حملتموها على امر شديد الّذين أمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم نقول بشرك والّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا فلم يرجعوا الى عبادة الأوثان- كذا فى ازالة الخفا للشيخ ولى الله المحدث وروى النسائي والبزار وابو يعلى وغيرهم عن انس قال قرأ علينا رسول الله ﷺ هذه الاية انّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا قد قالها ناس من الياس (ثم كف أكثرهم فمن قالها حين يموت فهو ممّن استقام علما ١٢ منه رحمه الله)
الحسن استقاموا على امر الله فاعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة ان لا اله الّا الله حتى تلحقوا بالله وقال مقاتل استقاموا على المعرفة فلم يرتدوا- فكلها عبارات عما ذكرنا فان قول عمر ليستقيم على الأمر والنهى ولا تروغ روغان الثعالب وقول على وابن عباس وكذا قول الحسن شامل لجميع ما فرض الله إتيانه او الاجتناب عنه فى العقائد والأخلاق والأعمال- وقول ابى بكر لا تشرك بالله شيئا وقول عثمان أخلصوا لله العمل بيان لعدم الرياء والسمعة فى شىء من الأعمال وهو المعنى من قول مجاهد وعكرمة- فالاستقامة لا تتصور بدون فناء القلب والنفس وحصول المعرفة بالله على ما اصطلح عليه الصوفية وذلك قول مقاتل وقال قتادة كان الحسن إذا تلا هذه الاية قال اللهم أنت ربّنا فارزقنا الاستقامة وكان الحسن رأس الصوفية ينتهى اكثر السلاسل اليه- تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ عند الموت كذا قال ابن عباس وقال قتادة ومقاتل إذا قاموا من قبورهم وقال وكيع بن الجراح البشرى يكون فى ثلاثة مواطن عند الموت وفى القبر وعند البعث أَلَّا تَخافُوا ان مفسرة لان تتنزّل عليهم يتضمن معنى الوحى الذي فيه معنى القول او مخففة من الثقيلة اسمه ضمير الشأن او مصدرية يعنى لا تخافوا على ما تقدمون عليه من امر الاخرة كذا قال مجاهد وَلا تَحْزَنُوا على ما خلفتم من اهل وولد فانا نخلفكم فى ذلك فالخوف غم يلحق لتوقع مكروه والحزن غم يلحق لوقوعه فى مكروه من فوات نافع او حصول ضار وقال عطاء بن ابى رباح لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم يعنى لا تخافوا العقاب ولا تحزنوا على صدور العصيان فان الله يغفرها لكم وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) فى الدنيا على لسان الرسل اخرج ابو نعيم عن ثابت البناني انه قرأ حم السجدة حتى بلغ الى قوله تتنزّل عليهم الملائكة فقال بلغنا ان العبد المؤمن حين يبعث من قبره يتلقاه الملكان الذان كانا معه فى الدنيا فيقولان لا تخف ولا تحزن وابشر بالجنة التي كنت توعد قال فيأمن الله خوفه ويقر عينه.
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
يعنى كنا معكم فى الدنيا نحفظكم من الشياطين ونلهمكم بالخيرات
وَنحن اولياؤكم فِي الْآخِرَةِ
لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة وَلَكُمْ فِيها
اى فى الجنه ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
من اللذات والكرامات وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
(٣١) اى ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الاول.
نُزُلًا كائنا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) نزلا حال من ما تدّعون وفيه اشعار بان ما يتمنون بالنسبة الى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف اخرج البزار وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ انك لتنظر الى الطير فى الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا- واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة ان الرجل من اهل الجنة ليشتهى الطير فى الجنة فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه لم نصبه دخان ولا تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير- وأخرجه الترمذي وحسنه والبيهقي قال قال رسول الله ﷺ المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسنه فى ساعة كما يشتهى- وعند هناد فى الزهد عن ابى سعيد قلنا يا رسول الله ان الولد من قرة العين وتمام السرور فهل يولد لاهل الجنة فقال إذا اشتهى الى آخره- واخرج الاصبهانى فى الترغيب عن ابى سعيد الخدري ولم يرفعه قال ان الرجل من اهل الجنة يتمنى الولد فيكون حمله ورضاعه وفطامه وشبابه فى ساعة واحدة- واخرج البيهقي مرفوعا بلفظ ان الرجل يشتهى الولد فى الجنة فيكون الى آخره- واخرج فى التاريخ والبيهقي نحوه-.
وَمَنْ أَحْسَنُ يعنى لا أحد احسن قَوْلًا مِمَّنْ دَعا الناس إِلَى اللَّهِ الى عبادة الله وتوحيده وَعَمِلَ صالِحاً فيما بينه وبين ربه وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) تفاخرا او اتخاذا للاسلام دينا ومذهبا من قولهم هذا قول فلان لمذهبه قال محمد بن سيرين والسدىّ هو رسول الله ﷺ وقال الحسن هو المؤمن أجاب الله فى دعوته وعمل صالحا فى اجابته وقال انّنى من المسلمين وقالت عائشة ارى هذه الاية نزلت فى المؤذّنين وقال
294
ابو امامة الباهلي دعا الى الله يعنى اذّن وعمل صالحا صلى ركعتين بين الاذان والاقامة قال قيس بن حازم عمل صالحا هو الصلاة بين الاذان والاقامة عن عبد الله بن معقل قال قال رسول الله ﷺ بين كل أذانين صلوة بين كل أذانين صلوة قال فى الثالثة بين كل أذانين صلوة لمن شاء- متفق عليه وعن انس بن مالك قال لا اعلم وقد رفعه انس الى النبي ﷺ قال لا يرد الدعاء بين الاذان والاقامة- رواه ابو داود والترمذي فصل فى فضل الاذان عن معاوية قال سمعت رسول الله ﷺ يقول المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة. رواه مسلم وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله عليه وسلم لا يسمع مدى صوت المؤذّن جن ولا انس ولا شىء الا شهد له يوم القيامة رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم ارشد الائمة واغفر للمؤذنين- رواه احمد وابو داود والترمذي والشافعي وعن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ من اذن سنبع سنين محتسبا كتب له براءة من النار. رواه الترمذي وابن ماجة وابو داؤد وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ ثلاثة على كثبان الجنة عبد ادّى حق الله وحق مولاه ورجل امّ قوما وهم به راضون ورجل ينادى بالصلوات الخمس كل يوم وليلة- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون صلوة ويكفر عنه ما بينهما- رواه احمد وابو داود وابن ماجة وعن سهل بن سعد رضى الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ ثنتان لا تردان او قلما تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا وعن ابن عمر رضى الله عنهما ان رسول الله ﷺ قال من اذّن «١» ثنتى عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه فى كل يوم ستون حسنة وبكل اقامة ثلاثون حسنة
(١) عن عمر بن الخطاب انه قال لو أطقت الاذان مع الخلافة لاذّنت- منه رحمه الله-
295
رواه ابن ماجة وعنه قال كنا نؤمر بالدعاء عند أذان المغرب- رواه البيهقي فى الدعوات الكبير- (فصل فى جواب الاذان) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله ﷺ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علىّ فانه من صلى علىّ صلوة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله وأرجو ان أكون انا هو فمن سال لى الوسيلة حلت عليه شفاعتى- رواه مسلم وعن عمر قال قال رسول الله ﷺ إذا قال المؤذن الله اكبر الله اكبر فقال أحدكم الله اكبر الله اكبر الحديث يعنى يقول مثل ما يقول المؤذن وحين يقول حى على الصلاة وحى على الفلاح يقول لا حول ولا قوة الا بالله دخل الجنة رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر قال رجل يا رسول الله ان المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله ﷺ قل كما يقولون فاذا انتهيت فسل تعط- رواه ابو داود-.
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ فى الجزاء وحسن العاقبة ولا الثانية مزيدة لتأكيد النفي يعنى مهما أمكن للانسان فلا بد ان يختار الخصلة الحسنة على الخصلة السيئة فليختر الصبر على الغضب والحلم على الجهل والعفو على الانتقام والسخاء على البخل والشجاعة على الجبن والعفة على العنت ادْفَعْ بِالَّتِي اى بالخصلة التي هِيَ أَحْسَنُ المراد بالأحسن هاهنا الزائد فى الحسن مطلقا إذ لا حسن فى السيئة أصلا قال ابن عباس امر بالصبر فى مقابلة من يغضب عليه وبالحلم فى مقابلة من يجهل عليه وبالعفو فى مقابلة من يسئ اليه وقيل معناه لا تستوى الحسنة فى جزئياتها ولا تستوى السيّئة فى جزئياتها بل بعضها فوق بعض فى الحسن والسوء فاذا اعترضك من بعض أعدائك سيّئة فادفعها بأحسن الحسنات كما لو أساء إليك رجل فالحسنة ان تعفو عنه والتي احسن ان تحسن اليه فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ إذا للمفاجاة أضيف الى الجملة والعامل فيه معنى المفاجاة والمعنى فوجى ذلك وقت صيرورة الذي بينك وبينه عداوة كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤)
الذي مبتدا وكانّه خبر وإذا ظرف لمعنى التشبيه وقوله ادفع الى آخره جملة مستأنفة كانه قيل كيف اصنع إذا أساء أحد الىّ فقال ادفع قال مقاتل بن حبان نزلت فى ابى سفيان بن حرب وليس بسديد لان الاية مكية واسلام ابى سفيان كان بعد الفتح.
وَما يُلَقَّاها جملة معترضة اى ما يؤتى هذه الخصلة وهى مقابلة الاساءة بالإحسان إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا على مخالفة النفس والهوى وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) من التجليات الصفاتية والذاتية فان النفس إذا تجلت عليها الصفات الحسنى انسلخت من صفاتها السواى.
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ عطف على ادفع وما زائدة اتصلت بان الشرطية مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ النزغ شبه النخس والشيطان ينزع كانه ينخس ويبعث على المعصية وفى القاموس نزغه كمنعه طعن فيه ونزغ بينهم أفسد واغرى ووسوس وهو فعل الشيطان أسند الى نزغه مجازا على طريقة جدجده وعلى هذا من للابتداء او أريد بالنزغ المسند اليه النازغ وصفا للشيطان بالمصدر مبالغة ومن الشّيطان بيان له حال منه والمعنى وان وسوس فيك الشيطان وحملك على الانتقام ومقابلة الاساءة بالاساءة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من شره ولا تطعه هذا جواب الشرط وجواب الأمر محذوف اى يدفع الله عنك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاستعاذتك الْعَلِيمُ (٣٦) بنيتك وصلاحك-.
وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فان كل واحد منها تدل على وجوب وجود صانعها وصفاته الكاملة ووحدانيته لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ لانهما مخلوقان مأموران مثلكم وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ الضمير للاربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بهما اشعارا بانهما من عداد ما لا يعلم ويختار إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فان السجود يختص لله تعالى وهذا موضع السجود عند الشافعي رحمه الله لاقتران الأمر به وهو مروى عن ابن مسعود وابن عمر اخرج الطحاوي بسنده عن عبد الرحمان بن يزيد يذكر ان عبد الله بن مسعود كان يسجد فى الاية الاولى من حم واخرج بسنده عن نافع عن ابن عمر مثله.
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا عن الامتثال
297
والسجود شرط حذف جزاؤه وأقيم علته مقامه تقديره فان استكبروا لا يضره فَالَّذِينَ اى لانّ الذين عِنْدَ رَبِّكَ عندية غير متكيفة وهم الأنبياء والملائكة والأولياء يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) عطف او حال اى لا يملّون بل يتلذذون به قال رسول الله ﷺ أرحني يا بلال. قال ابو حنيفة رحمه الله هذا موضع السجود وهو المروي عن ابن عباس اخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه والطحاوي عن مجاهد عن ابن عباس انه كان يسجد فى الاية الاخيرة من حم تنزيل. وزاد فى رواية راى رجلا يسجد عند قوله ان كنتم ايّاه تعبدون فقال له قد عجلت واخرج الطحاوي عن مجاهد قال سالت عن ابن عباس عن السجود الذي فى حم قال اسجد باخر الآيتين وروى الطحاوي ايضا بسنده عن ابى وائل انه كان يسجد فى الاية الاخيرة من حم وروى عن ابن سيرين مثله وعن قتادة مثله قال صاحب الهداية هذا قول عمر قال ابن همام كونه قول عمر غريب وأخذ ابو حنيفة هذا القول للاحتياط فانه ان كان السجود عند تعبدون لا يضره التأخير الى الاية الاخيرة وان كان عند لا يسئمون لم يكن السجود قبله مجزيّا- وقال الطحاوي ما حاصله ان السجود فى الاية الاخيرة هو مقتضى النظر وذلك انا راينا السجود المتفق عليه هو عشر سجدات منها الأعراف وموضع السجود منها قوله انّ الّذين عند ربّك لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه وله يسجدون ومنها الرعد وموضع السجود منها ولله يسجد من فى السّموت ومن فى الأرض طوعا وكرها وظللهم بالغدوّ والآصال ومنها النحل وموضع السجود منها عند قوله ولله يسجد ما فى السّموات وما فى الأرض من دابّة الى قوله يؤمرون ومنها بنى إسرائيل وموضع السجود منها عند قوله ويخرّون للاذقان سجّدا الى قوله خشوعا ومنها مريم وموضع السجود منها عند قوله إذا تتلى عليهم ايت الرّحمن خرّوا سجّدا وبكيّا ومنها الحج والمتفق عليه فيها عند قوله الم تر انّ الله يسجد له من فى السّموت ومن فى الأرض الاية ومنها الفرقان وموضع السجود منها عند قوله وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن الاية ومنها النمل وموضع السجود منها الّا يسجدوا لله الّذى يخرج الخبء الاية
298
ومنها الم تنزيل وموضع السجود منها عند قوله انّما يؤمن بايتنا الاية ومنها حم تنزيل وموضع السجود منها مختلف فيه فقال بعضهم يعبدون وبعضهم وهم لا يسئمون وكان كل موضع من المواضع المذكورة موضع اخبار يعنى من استكبار المتكبرين او من خشوع الخاشعين ولزمنا مخالفة المتكبرين وموافقة الخاشعين وليس شىء منها بموضع امر بالسجود وقد راينا السجود مذكورا فى مواضع اخر بصيغة الأمر منها قوله تعالى اقنتى لربّك واسجدي ومنها كن من السّاجدين وليس هناك سجود بالإجماع فالنظر يقتضى ان يكون كل موضع فيها الأمر بالسجود يحمل على الأمر بالعبادة والسجود الصلاتية وكل موضع فيها الاخبار يكون هناك سجدة التلاوة وهذا النظر يقتضى ان لا يكون فى الحج سجدة ثانية لانه بلفظ الأمر حيث قال الله تعالى اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم ومن ثم قال ابو حنيفة هى سجدة صلاتية يدل عليها المقارنة بالركوع وان لا يكون فى هذه السورة عند الاية الاولى سجدة لكونه بصيغة الأمر وان يكون عند الاية الاخيرة لكونه بصيغة الاخبار- وهذا النظر يقتضى ان يكون فى سورة ص سجدة تلاوة كما قال ابو حنيفة خلافا لغيره لان موضع السجود منها اخبار ليس بامر وهو قوله فاستغفر ربّه وخرّ راكعا وأناب وكذا فى سورة إذا السماء انشقت فى قوله فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون فانه موضع اخبار وليس بامر- غير ان هذا النظر يقتضى ان لا يكون فى سورة النجم واقرأ سجدة لان موضع السجود منهما قوله تعالى فاسجدوا لله واعبدوا وقوله تعالى واسجد واقترب وهما بصيغة امر لكن ابو حنيفة رحمه الله ترك النظر هناك لاتباع ما قد ثبت عنده عن رسول الله ﷺ كما ذكرنا هناك وقد قال مالك لا سجود فى المفصل- قلت وقد ذكرنا فى سورة الحج ما يدل
على ان فيها سجدتين والله اعلم-.
وَمِنْ آياتِهِ اى دلائل قدرته أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً يابسة غبراء لانبات فيها مستعار من الخشوع بمعنى التذلل فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ اى تحركت وَرَبَتْ اى علت وانتفخت بخروج النبات إِنَّ الَّذِي أَحْياها
اى أحيا نباتها لَمُحْيِ الْمَوْتى يوم القيامة إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الاحياء والإماتة قَدِيرٌ (٣٩).
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا قال مجاهد يلحدون فى آياتنا «١» بالمكاء والتصدية واللغو واللغط وقال قتادة يكذبون آياتنا وقال السدى يعاندون ويشاقون قال مقاتل نزلت فى ابى جهل قلت واللفظ يعم من يلحد بالتكذيب والإلغاء ومن يلحد بالتحريف والتأويل الباطل المخالف لتأويل السلف لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا فلا يأمنوا عن الجزاء والانتقام أَفَمَنْ يُلْقى الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره يفتخر هؤلاء الكفار ويعجبون بانفسهم أفمن يّلقى فِي النَّارِ ابو جهل وأمثاله خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اخرج ابن المنذر عن بشير بن فتح قال نزلت هذه الاية فى ابى جهل وعمار بن ياسر وقيل من ياتي أمنا هو حمزة وقيل عثمان واللفظ يعمهم وغيرهم ذكر الله سبحانه الإتيان أمنا فى مقابلة الإلقاء فى النار مبالغة وكان القياس ان يقال أفمن يلقى فى النار خير أم من يدخل الجنة لان مفاد الكلام ان الآتي أمنا خير ممن يلقى فى النار فكيف من يكرم ويدخل الجنة اعْمَلُوا «٢» ايها الكفار ما شِئْتُمْ من الكفر والمعاصي إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) فاجازيكم على ما تعملون فيه تهديد شديد-.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ اى القران لَمَّا جاءَهُمْ ان مع جملتها بدل من قوله انّ الّذين يلحدون او مستأنف وخبران محذوف مثل معاندون او هالكون او يجازيهم بكفرهم وقيل خبره قوله من بعد أولئك ينادون من مكان بعيد وَإِنَّهُ اى القران لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) حال او استئناف قال الكلبي عن ابن عباس اى كريم على الله وقال قتادة أعزّه الله فلا يجد الباطل اليه سبيلا.
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ قال قتادة والسدىّ الباطل هو الشيطان
(١) عن عمر بن الخطاب قال ان هذا القران كلام الله فضعوه فى مواضعه ولا تتبعوا فيه هواكم منه ره
(٢) عن ابن عباس فى قوله اعملوا ما شئتم قال لاهل البدر خاصة وعن ابراهيم النخعي ذكر ان السماء فرجت يوم بدر فقيل اعملوا ما شئتم. ١٢ منه رحمه الله
لا يستطيع ان يغيره او يزيد فيه او ينقص منه قلت وهو يعم شياطين الانس والجن كما ان الروافض زاد وانى القران عشرة اجزاء فلم يستطيعوا ورد الله كيدهم وزادوا فى بعض الآيات وبعض الألفاظ كما قالوا فى قوله تعالى انّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد علىّ وسيعلم الّذين ظلموا ال محمّد اىّ منقلب ينقلبون ونحو ذلك فانهم فعلوا ذلك وأبطل الله عملهم فلم يلتحق بالقران قال الزجاج معناه انه محفوظ من ان ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه او يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه وعلى هذا معنى الباطل الزيادة والنقصان وقال مقاتل لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ولا يجيء بعده كتاب يبطله او ينسخه تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ كامل الحكمة حَمِيدٍ (٤٢) يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمة وهو حميد فى نفسه لا يحتاج الى ان يحمده غيره.
ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ قيل هذا تسلية للنبى ﷺ بانه ما يقول لك كفار مكة قد قيل مثله للانبياء من قبلك انه ساحر كذاب فاصبر كما صبروا ولا تغتم به وقيل معناه ما اوحى إليك الأمثل ما اوحى إليهم من التوحيد واصول الدين والوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين وقيل مقول القول قوله إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للمومنين وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) للكافرين والجملة على الاول مستأنفة- ولمّا قال الكفار اقتراحا وتعنتا هل انزل القران بلغة العجم يعنون كما أنزلت التوراة والإنجيل نزلت.
وَلَوْ جَعَلْناهُ اى لو جعلنا هذا الذكر الذي تقرأه على الناس قُرْآناً أَعْجَمِيًّا اى مقروا بلغة العجم لَقالُوا يعنى اهل مكة لَوْلا هلا فُصِّلَتْ بينت آياتُهُ بلغة العرب حتى فهمناها هذه الجملة متصلة بجمل واردة فى صدر السورة فى مدح القران اعنى كتاب فصّلت آياتهءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قرا هشام أعجميّ بهمزة واحدة من غير مد على الخبر يعنى كتاب أعجميّ ورسول عربىّ والباقون بهمزتين على الاستفهام للانكار فقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي «وخلف وروح ابو محمد» بهمزتين محققتين والباقون بهمزة ومدة «اى بهمزة مسهلة- ابو محمد» وقالون وابو عمرو يشبعانها لان من قولهما إدخال الالف بين
الهمزة المحققة والملينة وورش «بخلاف عنه ابو محمد» على أصله فى ابدال الهمزة الثانية ألفا من غير فاصل بينهما «وورش في وجه الثانية ابو محمد» وابن كثير ايضا على أصله فى جعل الثانية بين بين من غير فاصل وهكذا قرا حفص وابن «ورويس بخلاف عنه ابو محمد» ذكوان فى هذا المقام خاصة قال مقاتل وذلك ان رسول الله ﷺ كان يدخل على يسار غلام لعامر الحضرمي وكان يهوديّا اعجميّا يكنى أبا فكيهة فقال المشركون انما يعلمه يسار فضربه سيده وقال انك تعلّم محمدا فقال يسار هو يعلّمنى فانزل الله هذه الاية واخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال قالت قريش لولا انزل هذا القران اعجميّا وعربيّا فانزل الله لقالوا لولا فصّلت آياته الاية وانزل الله بعد هذه الاية فيه لكل لسان قال ابن جرير والقراءة على هذا أعجمي بلا استفهام قُلْ يا محمد هُوَ اى القران لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً من الضلالة وَشِفاءٌ التنكير للتعظيم اى هدى وشفاء عظيم لما فى الصدور من الجهل ورذائل أوصاف القلب والنفس وقيل شفاء من الأمراض والأوجاع وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ مبتدا خبره فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ اى ثقل لقوله وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى اى ظلمة وشبهة قال قتادة عموا عن القران وصموا عنه فلا ينتفعون به والأخفش جوز العطف على معمولى عاملين والمجرور مقدم فالموصول عنده عطف على الموصول فى للّذين أمنوا هدى وشفاء أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) تمثيل لهم فى عدم قبولهم وعدم استماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة-.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ جواب لقسم محذوف يعنى اختلف قوم موسى بالتصديق والتكذيب كما اختلف قريش فى القران وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فى تأخير العذاب عن المكذبين الى يوم القيامة او الى أجل معلوم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم وَإِنَّهُمْ اى المكذبين لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من التوراة او من القران مُرِيبٍ (٤٥) موقع فى الريبة.
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ نفعه وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها مضرته وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) فلا يضيع عمل المحسنين ولا يزيد على
جزاء المسيئين أورد صيغة المبالغة تعريضا على الكفار بانهم هم الظلامون المبالغون فى الظلم والله سبحانه لا يتصور منه الظلم أصلا لان الظلم ان يتصرف أحد فى ملك غيره بغير اذنه-.
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ اى علم وقت قيامها يرد اليه يعنى يجب على كل من سئل عنها ان يقول الله اعلم إذ لا يعلمها الا هو وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها اى من اوعيتها جمع كمّ بالكسر قرأ نافع وابن عامر وحفص «وابو جعفر ابو محمد» ثمرات على الجمع والباقون ثمرت على التوحيد بارادة الجنس وما نافية ومن الاولى مزيدة للاستغراق وثمرات فى محل الرفع ويحتمل ان يكون ما موصولة معطوفة على الساعة ومن بيانية بخلاف قوله وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى فانها نافية ومن زائدة البتة وَلا تَضَعُ اى أنثى إِلَّا بِعِلْمِهِ اى الا مقرونا بعلمه حسب تعلقه به والمراد انه كما لا يعلم بالساعة غيره كذلك لا يعلم بما يخرج من الثمرات وما تحمل أنثى الا هو- قوله الّا بعلمه استثناء مفرغ يتوجه الى الافعال الثلاثة على سبيل التنازع اعمل الأخير وقدر فى الأولين وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ اى يوم ينادى الله المشركين بقوله أَيْنَ شُرَكائِي قرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها يسئلهم الله تهكما وتوبيخا اين شركائى التي كنتم تزعمونها الهة قالُوا اى المشركون آذَنَّاكَ أعلمناك الان ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) اى من يشهد لهم بالشرك الجملة حال يعنى يتبرءون عنهم لمّا عاينوا العذاب او المعنى ما منا من أحد يشاهدهم لانهم غابوا عنّا.
وَضَلَّ عَنْهُمْ يعنى لا ينفعهم او غاب عنهم فلا يرون ما كانُوا يَدْعُونَ اى يعبدون مِنْ قَبْلُ ذلك اليوم يعنى فى الدنيا وَظَنُّوا اى أيقنوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) اى مهرب الظن معلق عنه بحرف النفي وقيل جملة المنفي سدّ مسد المفعولين-.
لا يَسْأَمُ اى يمل الْإِنْسانُ الكافر مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ لا يزال يسئل الله تعالى المال والغنى والصحة وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ اى الشدة من الفقر
والمرض فَيَؤُسٌ اى فهو يؤس من روح الله قَنُوطٌ (٤٩) من رحمته.
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ اى الكافر جواب قسم محذوف رَحْمَةً مالا وعافية مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي جواب للقسم لفظا وللشرط معنى يعنى هذا حقى لما فىّ من الفضل والعمل والعلم، او هذا لى دائما لا يزول وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً اى تقوم وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي قرأ وابو جعفر- ابو محمد ابو عمرو ونافع بخلاف عن قالون بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى يعنى لان قامت القيامة على التوهم لكان لى عند الله الحالة الحسنة من الكرامة وذلك لاعتقاده ان ماله من الدنيا انما هو لاستحقاقه الكرامة الغير المنفك عنه فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا جواب قسم محذوف والفاء للسببية بِما عَمِلُوا قال ابن عباس لنفتنهم على مساوى أعمالهم وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) لا يمكنهم التفصى عنه-.
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ الكافر أَعْرَضَ عن الشكر وَنَأى بِجانِبِهِ اى ثنى عطفه وقيل الجانب كناية عن النفس كالجنب فى قوله تعالى جنب الله يعنى ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته لكمال الغلفة وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) اى كثير مستعار ممّا له عرض وسيع للاشعار بكثرته والعرب يستعمل الطول والعرض فى الكثرة يقال أطال فى الكلام والدعاء واعرض اى اكثر والعريض ابلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين فاذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ومن ثم قال الله تعالى جنّة عرضها السّموات- ولا منافاة بين قوله وإذا مسّه الشّرّ فيؤس قنوط وبين قوله فذو دعاء عريض لان الاولى فى قوم آخرين ولعل الاولى فى الكفار ولا يياس من روح الله الّا القوم الكافرون ومن يّقنط من رّحمة الله الّا القوم الضّالّون «١» والثانية فى الغافلين من المؤمنين. وجاز ان يكون كلا الآيتين فى الكفار والمراد انهم إذا مسّهم شر دعوا مخلصين له الدين فاذا روا تاخرا فى الاجابة يئسوا وقنطوا بخلاف المؤمنين الصالحين فانهم لا يقنطون ويرون فى تأخير الاجابة حكمة قال
(١) فى القران الّا الضّالّون ١٢ [.....]
رسول الله ﷺ اما ان يجعلها لهم واما ان يدخرها لهم او يقال يؤس قنوط بالقلب وذو دعاء عريض باللسان او قنوط الصنم وذو دعاء من الله تعالى (مسئلة) من أحب ان يستجاب دعاؤه فى الشدة فليكثر الدعاء فى الرخاء كذا ورد فى حديث رواه.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كانَ القران مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) هذه الجملة متصلة بقوله تعالى قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ كان الأصل من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم لانه فى تأويل قوله ان كان القرءان من عند الله كان حقّا بلا شبهة وكان الكفر به شقاقا بعيدا من الحق وأنتم قد كفرتم به فلا أضل منكم.
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ قال ابن عباس يعنى منازل الأمم الخالية وَفِي أَنْفُسِهِمْ يعنى يوم بدر وكذا قال قتادة وقيل فى أنفسهم البلايا والأمراض وقال مجاهد والسدىّ فى الآفاق ما يفتح القرى على محمد ﷺ والمسلمين وفى أنفسهم فتح مكة وقال عطاء وابن زيد فى الآفاق يعنى فى أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار وفى أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة- قال البيضاوي فى الآفاق يعنى ما أخبرهم النبي ﷺ من الحوادث الآتية واثار النوازل الماضية وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة وفى أنفسهم ما ظهر فيما بين اهل مكة وما حلّ بهم او ما فى بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ اى القران من عند الله والرسول مؤيد من الله او التوحيد مؤيد من الله ودين الله حق او الله هو الحق أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ الباء زائدة وربك فى محل الرفع على الفاعلية ولا تزاد الباء فى الفاعل الا مع كفى أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) بدل من الفاعل والمعنى او لم يكف ان ربك على كلّ شىء شهيد والاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره أتشك فى عاقبة أمرك ولم يكف انه تعالى على كل شىء شهيد محقق
فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة او انه تعالى مطلع فيعلم حالك وحالهم او المعنى الم ينته الإنسان عن المعاصي ولم يكف له رادعا انه تعالى مطلع على كل شىء لا يخفى عليه خافية فيجازيه عليها وقال مقاتل او لم يكف بربك شاهدا على ان القران من الله شهادته على ذلك جعله معجزا وقال الزجاج معنى الكفاية ان الله تعالى قد بين من الدلائل ما فيه كفاية يعنى او لم يكف بربّك شاهدا لانه على كل شىء شهيد لا يغيب عنه شىء-.
أَلا إِنَّهُمْ يعنى كفار مكة فِي مِرْيَةٍ اى شك مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ اى من البعث والجزاء أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤) علما باجمالها وتفصيلها مقتدر عليها لا يفوته شىء منها او انه محيط بكل شىء احاطة ذاتية غير متكيفة لا يفوته شىء منها- تمت سورة فصلت تفسيرها من التفسير المظهرى فى اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر من السنة الثامنة بعد الف سنة ١٢٠٨ هـ- ومائتين من الهجرة على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة الشورى والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.
Icon