تفسير سورة إبراهيم

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
سورة إبراهيم
هي مكية وعدد آياتها ثنتان وخمسون
وارتباطها بالسورة قبلها من وجوه :
( ١ ) إنه قد ذكر سبحانه في السورة السابقة أنه أنزل القرآن حكما عربيا ولم يصرح بحكمة ذلك وصرح بها هنا.
( ٢ ) إنه ذكر في السورة السالفة قوله :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ [ الرعد : ٣٨ ] وهنا ذكر أن الرسل قالوا :﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ [ إبراهيم : ١١ ].
( ٣ ) ذكر هناك أمره عليه السلام بالتوكل على الله، وهنا حكى عن إخوته المرسلين أمرهم بالتوكل عليه جل شأنه.
( ٤ ) اشتملت تلك على تمثيل الحق والباطل، واشتملت هذه على ذلك أيضا.
( ٥ ) ذكر هناك رفع السماء بغير عمد ومدّ الأرض وتسخير الشمس والقمر، وذكر هنا نحو ذلك.
( ٦ ) ذكر هناك مكر الكفار وذكر مثله هنا، وذكر من وصفه ما لم يذكر هناك.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ١ الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد ٢ الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ٣ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ﴾ [ إبراهيم : ١ - ٤ ].
تفسير المفردات : الظلمات : الضلالات. والنور : الهدى. وإذن ربهم : تيسيره وتوفيقه. والعزيز : الغالب. والحميد : المحمود المثنى عليه لنفسه أزلا وبحمد عباده له أبدا.
الإيضاح :﴿ الر ﴾ تقدم أن بيّنا في سورتي يونس وهود طريق قراءته والمعنى المراد منه بما أغنى عن إعادته هنا.
﴿ كتاب أنزلناه إليك ﴾ أي هذا كتاب أنزلناه إليك أيها الرسول.
﴿ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ﴾ أي لتنقذ الناس من ظلمات الضلالة والكفر إلى نور الإيمان وضيائه، وتبصر به أهل الجهل والعمى، سبل الرشاد والهدى، بما اشتمل عليه من واضح الآيات البينات، المرشدة إلى النظر في حقائق الكون، الدالة على وحدانية الله تعالى، وأنه لا شريك له وأن الواجب عبادته وحده، ثم دعاؤه لجلب النفع، وكشف الضر، وفيها أيضا سعادة البشر وصلاحهم في الدنيا والآخرة.
﴿ بإذن ربهم ﴾ أي بتوفيقه ولطفه بهم، بإرسال نور الهدى إلى قلوبهم، فيسلكون طرق الفلاح والصلاح.
﴿ إلى صراط العزيز الحميد ﴾ أي إلى الصراط المستقيم، وهو الطريق الذي ارتضاه الله لخلقه وشرعه لهم، وهو العزيز الذي لا يغالب، المحمود في جميع أفعاله وأقواله وأمره ونهيه.
ونحو الآية قوله :﴿ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ] الآية، ﴿ هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور ﴾ [ الحديد : ٩ ] الآية.
تفسير المفردات : ويل : هلاك.
ثم بيّن ما سلف بقوله :
﴿ الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ﴾ أي هو الله المتصف بملك ما فيهما خلقا وتصرفا وتدبيرا.
وهذه الجملة الدالة على عظمة خالق الأكوان، المنفرد بالعظمة والسلطان، قد كررت في كثير من سور الكتاب الكريم، للتنبيه إلى أن من أهم مقاصد هذا الدين أن يكون في المسلمين حكماء ربانيون، يتفهمون حقائق هذا الكون، ويدركون أسرار بدائعه، ويستخرجون للناس ما في باطن الأرض، وينتفعون بما في ظاهرها، ويتأملون فيما في السماوات من بديع الصنع، وما تقدمه لنا من الخير العميم الذي ينتفع منه الإنسان والحيوان، في مأكلهما ومشربهما ومسكنهما وسائر حاجاتهما ومرافقهما.
وجاء في سورة يوسف قوله تعالى توبيخا للغافلين، وحثا لهمم المستبصرين :﴿ وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ﴾ [ يوسف : ١٠٥ ].
ومع كل هذا فوا أسفا، رأينا كثيرا من المسلمين الذين تتلى عليهم هذه الآية صباح مساء يكتفون بمجرد تلاوتها والإيمان بها دون بحث ولا تفهم لمغزاها ولا المراد منها، ولا استبصار بما تنطوي عليه من المقاصد والمرامي، ولو كان ذلك كافيا لكان ذكر الخبز حين الجوع كافيا في الشبع، والنظر إلى الماء كافيا في الريّ.
ثم توعد الذين جحدوا آياته، وكفروا بوحدانيته، فقال :
﴿ وويل للكافرين من عذاب شديد ﴾ أي وهلاك بشديد العذاب يوم القيامة لمن كفر بك، ولم يستجب دعوتك، بإخلاص التوحيد لخالق السماوات والأرض، وترك عبادة من لا يملك لنفسه شيئا، بل هو مملوك له تعالى لأنه بعض ما في السماوات والأرض.
تفسير المفردات : يستحبون : يختارون. سبيل الله : هو دينه الذي ارتضاه. يبغونها : يطلبون لها. عوجا : زيغا واعوجاجا.
ثم وصف سبحانه أولئك الكافرين بصفات ثلاث :
( ١ ) ﴿ الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ﴾ أي إن أولئك الكافرين يطلبون الدنيا، ويعملون لها ويتمتعون بلذاتها، ويقترفون الآثام، ويرتكبون الموبقات، ويؤثرون ذلك على أعمال الآخرة التي تقرّبهم إلى الله زلفى، وينسون يوما تجازى فيه كل نفس بما عملت، يوم يفرّ المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا.
( ٢ ) ﴿ ويصدون عن سبيل الله ﴾ أي ويمنعون من تتجه عزائمهم إلى الإيمان بالله وإتباع رسوله فيما جاء به من عند ربه، أن يؤمنوا به ويتبعوه، لما زين لهم الشيطان من سلوك سبيل الطغيان، وران على قلوبهم من الفجور والعصيان، والبعد عن كل ما يقرب إلى الرحمان.
( ٣ ) ﴿ ويبغونها عوجا ﴾ أي ويطلبون لها الزيغ والعوج وهي أبعد ما تكون من ذلك، فيقولون لمن يريدون صدهم وإضلالهم عن سبيل الله ودينه، إن ذلك الدين ناء عن الصراط المستقيم، وزائغ عن الحق واليقين، وإنك لتسمع كثيرا من الملحدين يقول إن القوانين الإسلامية في الحدود والجنايات شديدة غاية الشدة وإنها تصلح للأمم العربية في البادية، لا للأمم التي أخذت قسطا عظيما من الحضارة :﴿ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ﴾ [ الكهف : ٥ ] فتلك شريعة دانت لها أمة غيّرت وجه البسيطة، وملكت ناصية العالم ردحا من الزمان، وكانت مضرب الأمثال في العدل وترك الجور، وثلّت عروش الأكاسرة والقياصرة، وامتلكت بلادهم وأزالت عزهم وسلطانهم، إلى أن غيّر أهلها معالمها فأركسهم الله بما كسبوا فبدّل عزهم ذلا، وسعادتهم شقاء، وتلك سنة الله، أن الأرض يرثها عباده الصالحون لاستعمارها، ثم حكم عليهم بما يستحقون فقال :
﴿ أولئك في ضلال بعيد ﴾ أي فهم باختيارهم لأنفسهم حبّ العاجلة، وصدهم عن الدين وابتغائهم له الزيغ والعوج في ضلال بعيد عن الحق لا يرجى لهم فلاح، وأنّى لهم ذلك وقد كبوا على وجوههم وزيّن لهم الفساد والغي، فيرون حسنا ما ليس بالحسن، وقبيحا ما ليس بالقبيح ؟
تفسير المفردات : واللسان : اللغة.
ثم بيّن سبحانه كمال نعمته وإحسانه إلى عباده، فذكر أنه يرسل رسله إلى أقوامهم بلغاتهم، كي لا يشق عليهم فهم الدين وحفظه فقال :
﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾ أي وما أرسلنا رسولا إلى أمة من الأمم من قبلك وقبل قومك إلا بلغة قومه الذين أرسلناه إليهم، ليفهمهم ما أرسل به إليهم من أمره ونهيه بسهولة ويسر، ولتقوم عليهم الحجة وينقطع العذر، وقد جاء هذا الكتاب بلغتهم وهو يتلى عليهم، فأي عذر لهم في ألا يفقهوه، وما الذي صدهم عن أن يدرسوه ليعلموا ما فيه من حكم وأحكام، وحلال وحرام، وإصلاح لنظم المجتمع، ليسعدوا في حياتهم الدنيا والآخرة ؟
والنبي صلى الله عليه وسلم وإن أرسل إلى الناس جميعا، ولغاتهم متباينة، وألسنتهم مختلفة، فإرساله بلسان قومه أولى من إرساله بلسان غيرهم، لأنهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم ويوضحونه لهم، حتى يصير مفهوما لهم كما فهموه، ولو نزل بلغات من أرسل إليهم وبينه ولكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف، وفتحا لباب التنازع، لأن كل أمة قد تدعي من المعاني في لسانها ما لا يعرفه غيرها، وقد يفضي ذلك إلى التحريف والتصحيف، بسبب الدعاوى الباطلة التي يقع فيها المتعصبون، وبعد أن بيّن سبحانه أنه لم يكن للناس من عذر في عدم فهم شرائعه ذكر أن الهداية والإضلال بيده ومشيئته فقال :
﴿ فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ أي إن الناس فريقان، فريق هداه الله وأضاء نور قلبه وشرح صدره للإسلام فاتبع سبيل الرشاد، وفريق رانت على قلبه الغواية والضلالة، بما اجترح من الآثام، وأوغل فيه من المعاصي والذنوب، وذلك كله بتقديره تعالى ومشيئته، لا راد لقضائه ولا دافع لحكمه.
﴿ وهو العزيز الحكيم ﴾ أي وهو العزيز فلا يغلب مشيئته غالب، الحكيم في صنعه، فلا يفعل إلا ما تقتضيه السنن العامة في خلقه، والنواميس التي وضعها لصلاح حال عباده وضلالهم :﴿ سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾ [ الفتح : ٢٣ ].
﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ٥ وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ٦ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ٧ وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ﴾ [ إبراهيم : ٥ -٨ ].
تفسير المفردات : الآيات : هي الآيات التسع التي أجراها الله على يده عليه السلام. والظلمات : الكفر والجهالات. والنور : الإيمان بالله وتوحيده وجميع ما أمروا به. وذكرهم : أي عظهم. وأيام الله : وقائعه في الأمم السابقة ويقال فلان عالم بأيام العرب : أي بحروبها وملامحها كيوم ذي قار ويوم الفجار قال عمرو بن كلثوم :
وأيام لنا غرّ طوال عصينا الملك فيها أن ندينا
والصبار : كثير الصبر. والشكور : كثير الشكر.
المعنى الجملي : بعد أن بيّن سبحانه أنه أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن في هذا الإرسال نعمة له ولقومه، أتبع ذلك بذكر قصص بعض الأنبياء وتفصيل ما لاقوه من أقوامهم من شديد الأذى والتمرد والعناد، لما في ذلك من التسلية له وجميل التأسي بهم، وبيان أن المقصود من بعثة الرسل وهو إخراج الخلق من ظلمات الضلالات إلى أنوار الهدايات.
الإيضاح :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ﴾ أي كما أرسلناك أيها الرسول وأنزلنا عليك الكتاب لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، أرسلنا موسى إلى بني إسرائيل وأيدناه بالآيات التسع التي سلف ذكرها في سورة الأعراف وأمرناه بأن يدعوهم إلى الإيمان بالله وتوحيده ليخرجوا من ظلمات الجهل والضلال إلى الهدى والإيمان.
﴿ وذكرهم بأيام الله ﴾ أي عظهم مرغّبا لهم بتذكيرهم بنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل في الأمم السابقة، ليكون في ذلك حافز لهم على العمل ويكون لهم بمن سلف أسوة، ومخوّفا موعدا بتذكيرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل من الأمم الغابرة كعاد وثمود، ليكون لهم في ذلك مزدجر وليحذروا أن يحل بهم مثل ما حلّ بغيرهم.
وأيام الله في جانب موسى عليه السلام منها ما كان محنة وبلاء وهي الأيام التي كان فيها بنو إسرائيل تحت قهر فرعون واستعباده، ومنها ما كانت نعمة كإنجازهم من عدوهم وفلق البحر لهم وإنزاله المن والسلوى عليهم.
﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾ أي إن في ذلك التنبيه والتذكير لدلائل على وحدانية الله وقدرته لكل صبار في المحنة والبلية، شكور في المحنة والعطية.
قال قتادة : نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أمر المؤمن كله عجب، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ".
وفي هذا إيماء إلى أن الإنسان في هذه الحياة يجب أن يكون بين صبر وشكر أبدا، لأنه إما في مكروه يصبر عليه وإما في محبوب يشكر عليه، والوقت في هذه الحياة ذهب، فمتى ضاع من حياتنا زمن دون عمل نسدي فيه خدمة لأنفسنا ولديننا ووطننا فقد كفرنا النعمة، وأضعنا الفرصة، ولم نعتبر بما حلّ بمن قبلنا من الأمم الغابرة، فليحذر كل امرئ أن يضيع حياته بلا عمل، وليخف على وقت يضيع، ثم بعده عذاب سريع.
تفسير المفردات : يسومونكم بلاء. أي ابتلاء واختبار.
المعنى الجملي : بعد أن بيّن سبحانه أنه أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن في هذا الإرسال نعمة له ولقومه، أتبع ذلك بذكر قصص بعض الأنبياء وتفصيل ما لاقوه من أقوامهم من شديد الأذى والتمرد والعناد، لما في ذلك من التسلية له وجميل التأسي بهم، وبيان أن المقصود من بعثة الرسل وهو إخراج الخلق من ظلمات الضلالات إلى أنوار الهدايات.
ولما سمع موسى أمر ربه امتثله وأخذ يذكر قومه بأيام الله كما حكى الله عنه فقال :﴿ وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ﴾ أي واذكر لقومك حين قول موسى لقومه : يا قوم تذكروا إنعام الله عليكم إذ أنجاكم من فرعون وآله، حين كانوا يذيقونكم العذاب، ويكلفونكم من الأعمال ما لا يطاق مع القهر والإذلال، ويذبحون أبناءكم ويبقون نساءكم على قيد الحياة ذليلات مستضعفات، وهذا رزء من أشدّ الأرزاء، وأعظم ألوان البلاء، قال شاعرهم :
ومن أعظم الرزء فيما أرى بقاء البنات وموت البنينا
وفي ذلك التذكير عبرة لهم لو يعتبرون.
﴿ وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ﴾ أي وفيما ذكر ابتلاء واختبار عظيم من ربكم لما فيه من نقمة التعذيب والإذلال وقتل الأولاد واستحياء البنات، ثم نعمة الإنجاء من كل ذلك العسف والقهر، فالابتلاء كما يكون بالنقمة يكون بالنعمة كما قال ﴿ وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ﴾ [ الأعراف : ١٦٨ ] وقال :﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ].
تفسير المفردات : وتأذن : أي آذن وأعلم.
المعنى الجملي : بعد أن بيّن سبحانه أنه أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن في هذا الإرسال نعمة له ولقومه، أتبع ذلك بذكر قصص بعض الأنبياء وتفصيل ما لاقوه من أقوامهم من شديد الأذى والتمرد والعناد، لما في ذلك من التسلية له وجميل التأسي بهم، وبيان أن المقصود من بعثة الرسل وهو إخراج الخلق من ظلمات الضلالات إلى أنوار الهدايات.
﴿ وإذ تأذن ربكم ﴾ أي واذكروا يا بني إسرائيل حين آذنكم ربكم وأعلمكم بوعده فقال :
﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم ﴾ أي لئن شكرتم ما خولتكم من نعمة الإنجاء وغيرها بطاعتي فيما آمركم به وأنهاكم عنه لأزيدنكم من نعمي عليكم، وقد دلت التجارب أن العضو الذي يناط به عمل كلما مرن عليه ازداد قوة، وإذا عطل عن العمل ضمر وضعف، وهكذا النعم إن استعملت فيما خلقت له بقيت، وإن أهملت ذهبت. أخرج البخاري في تاريخه والضياء في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من ألهم خمسة لم يحرم خمسة – وفيها - من ألهم الشكر لم يحرم الزيادة ".
والخلاصة : إن من شكر الله على ما رزقه وسع عليه في رزقه، ومن شكره على ما أقدره عليه من طاعته زاد في طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه من صحة زاده الله صحة، إلى نحو ذلك من النعم.
﴿ ولئن كفرتم ﴾ النعم وجحدتموها فلم تقوموا بواجب حقها عليكم من شكر المنعم بها.
﴿ إن عذابي لشديد ﴾ بحرمانكم منها، وسلبكم ثمراتها، في الدنيا والآخرة، فتعذبون في الدنيا بزوالها، وفي الآخرة بعذاب لا قبل لكم به، وفي الحديث :" إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ".
تفسير المفردات : وحميد : مستوجب للحمد لذاته وإن لم يحمده أحد.
المعنى الجملي : بعد أن بيّن سبحانه أنه أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن في هذا الإرسال نعمة له ولقومه، أتبع ذلك بذكر قصص بعض الأنبياء وتفصيل ما لاقوه من أقوامهم من شديد الأذى والتمرد والعناد، لما في ذلك من التسلية له وجميل التأسي بهم، وبيان أن المقصود من بعثة الرسل وهو إخراج الخلق من ظلمات الضلالات إلى أنوار الهدايات.
ثم بيّن سبحانه أن منافع الشكران ومضار الكفران لا تعود إلا إلى الشاكر أو الكافر بتلك النعم، أما المعبود المشكور فهو متعال عن أن ينتفع بالشكر أو يضره الكفر، فلا جرم قال :
﴿ وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ﴾ أي إن تجحدوا نعمة الله التي أنعمها عليكم، ويفعل مثل فعلكم من في الأرض جميعا، فما أضررتم بالكفر إلا أنفسكم إذ حرمتموها من مزيد الإنعام، وعرضتموها للعذاب الشديد، وإن الله غني عن شكركم وشكر غيركم، وهو المحمود وإن كفر به من كفر، وهذا كقوله :﴿ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ﴾ [ الزمر : ٧ ] الآية، وقوله :﴿ فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ﴾ [ التغابن : ٦ ].
وقد يكون موسى قال هذه المقالة حين عاين منهم دلائل العناد، ومخايل الإصرار على الكفر والفساد، وتيقن أنه لا ينفعهم الترغيب، ولا التعريض بالترهيب.
﴿ ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ٩ * قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين ١٠ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ١١ وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ﴾ [ إبراهيم : ٩ -١٢ ].
تفسير المفردات : الريبة : اضطراب النفس وعدم اطمئنانها بالأمر. /م*
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما ذكر به موسى قومه بما أولاهم به من نعمة، ورفع عنهم من نقمة، ثم ذكر وعده تعالى بالزيادة لمن شكر، ووعيده بالعذاب لمن كفر، ثم حذرهم بأن الكفران لا يضير ربهم، وأنه غني عن حمدهم وحمد من في الأرض جميعا يذكرهم بأيام الله فيمن قبلهم، من الأمم السالفة والأجيال البائدة، بأسلوب طلي ومقال جلي، فذكر القول أولا على سبيل الإجمال، ثم أتبعه بمحاورة بين الرسل وأقوامهم، أقام فيها الرسل الحجة على أممهم، ودحض ما تمسكوا به من الترهات والأباطيل.
الإيضاح :﴿ ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ﴾ أي ألم يأتكم خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم المكذبة للرسل التي غاب عن الناس علمها، وعند الله إحصاؤها.
ثم فصل هذا النبأ وفسره بقوله :
﴿ جاءتهم رسلهم بالبينات ﴾ أي جاءتهم رسلهم بالمعجزات الظاهرة، والبينات الباهرة، وبيّن كل رسول لأمته طريق الحق، ودعاهم إليه، ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
﴿ فردوا أيديهم في أفواههم ﴾ أي عضوا بنان الندم غيظا لما جاءهم به الرسل، وضجر لنفرتهم من استماع كلامهم، إذ سفهوا أحلامهم، وشتموا أصنامهم، وقد فعلت العرب مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه :﴿ عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ﴾ [ آل عمران : ١١٩ ].
وقال أبو عبيدة والأخفش ونعمّا قالا هو مثل، والمراد أنهم لم يؤمنوا ولم يجيبوا، والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت، قد ردّ يده في فيه.
﴿ وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ﴾ أي إنا كفرنا بما زعمتم أن الله أرسلكم به، من البينات التي أظهرتموها حجة على صحة رسالتكم، وإنما يقصدون من الكفر بدلالتها على صدق رسالتهم.
﴿ وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ﴾ أي وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله ووحدانيته، وجملة ما جئتم به من الشرائع.
وخلاصة مقالهم : إنهم جاحدون نبوتهم، قاطعون بعدم صحتها، لأن ما جاؤوا به من التعاليم والشرائع مما يشك في صدقه، وأن الله سبحانه يدعو إلى مثله. فرد الرسل عليهم منكرين متعجبين من تلك المقالة الحمقاء كما أشار إلى ذلك عز اسمه بقوله :
تفسير المفردات : وفاطر السماوات والأرض : أي موجدهما على نظام بديع. والسلطان : الحجة والبرهان.
سورة إبراهيم
هي مكية وعدد آياتها ثنتان وخمسون

وارتباطها بالسورة قبلها من وجوه :

( ١ ) إنه قد ذكر سبحانه في السورة السابقة أنه أنزل القرآن حكما عربيا ولم يصرح بحكمة ذلك وصرح بها هنا.
( ٢ ) إنه ذكر في السورة السالفة قوله :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ [ الرعد : ٣٨ ] وهنا ذكر أن الرسل قالوا :﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ [ إبراهيم : ١١ ].
( ٣ ) ذكر هناك أمره عليه السلام بالتوكل على الله، وهنا حكى عن إخوته المرسلين أمرهم بالتوكل عليه جل شأنه.
( ٤ ) اشتملت تلك على تمثيل الحق والباطل، واشتملت هذه على ذلك أيضا.
( ٥ ) ذكر هناك رفع السماء بغير عمد ومدّ الأرض وتسخير الشمس والقمر، وذكر هنا نحو ذلك.
( ٦ ) ذكر هناك مكر الكفار وذكر مثله هنا، وذكر من وصفه ما لم يذكر هناك.
﴿ قالت رسلهم أفي الله شك ﴾ أي أفي وجود الله شك، وكيف ذلك والفطرة شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به ؛ فالاعتراف به ضروري لدى كل ذي رأي حصيف كما جاء في الحديث :" كل مولود، يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ".
ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب فتحتاج إلى النظر في الأدلة الموصلة، إلى ذلك، ومن ثم وجه الرسل أنظار أممهم إلى هذه الأدلة فقالوا :
﴿ فاطر السماوات والأرض ﴾ أي هو الذي خلقهما وأبدعهما على غير مثال سابق، ودلائل الحدوث ظاهرة عليهما، فلا بد لهما من صانع وهو الله الذي لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه ومليكه، وقد جاء هذا الوصف في محاورات الأنبياء جميعا، وهو نفس الوصف الذي جاء في أول السورة على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن هذا يعلم أن كل نبي جعل مطمح نظره توجه النفوس إلى علوم السماوات والأرض.
ولما أقاموا الدليل على وجوده وصفوه بكمال الرحمة بقولهم :
﴿ يدعوكم ﴾ إلى الإيمان به بإرساله إيانا، لنخرجكم من ظلمات الوثنية، إلى نور الوحدانية، وإخلاص العبادة له، وهو الواحد القهار.
﴿ ليغفر لكم من ذنوبكم ﴾ أي يدعوكم لمغفرة بعض ذنوبكم وهي الذنوب التي بينكم وبين ربكم لا المظالم وحقوق العباد.
والمتتبع لأسلوب الكتاب الكريم يرى أن كل موضع ذكر فيه مغفرة الذنوب للكافرين جاء بلفظ " من " كقوله :﴿ واتقوا وأطيعون ٣ يغفر لكم من ذنوبكم ﴾ [ نوح : ٣- ٤ ] وقوله :﴿ يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ﴾ [ الأحقاف : ٣١ ] لأنه يخاطبكم في أمر الإيمان وحده.
وفي المواضع التي يذكر فيها مغفرة الذنوب للمؤمنين تجيء بدون ذكر " من " كقوله :﴿ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ١١ يغفر لكم ذنوبكم ﴾ [ الصف : ١١ -١٢ ] لأن المغفرة منصرفة إلى المعاصي ومتوجهة إليها.
﴿ ويؤخركم إلى أجل مسمى ﴾ أي إلى وقت سماه الله، وجعله منتهى أعماركم إن أنتم آمنتم به، وإلا عاجلكم بالهلاك وعذاب الاستئصال، وجزاء كفرانكم بدعوة الرسل إلى التوحيد، وإخلاص العبادة للواحد القهار.
ثم حكى سبحانه رد الأمم على مقالة الرسل، وهو يتضمن ثلاثة أشياء :
( ١ ) ﴿ قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا ﴾ فلا فضل لكم علينا، فلم خصصتم بالنبوة، أطلعكم الله على الغيب، وجعلكم مخالطين لزمرة الملائكة دوننا ؛ إلى أنه لو كان الأمر كما تدعون لوجب أن تخالفونا في الحاجة إلى الأكل والشرب وقربان النساء وما شاكل ذلك.
( ٢ ) ﴿ تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ﴾ ولا حجة لكم على ما تدّعون، وليس من حصافة العقل أن نترك أمرا قبل أن يقوم الدليل على خطئه.
( ٣ ) ﴿ فأتونا بسلطان مبين ﴾ أي بحجة ظاهرة تدل على صحة ما تدعون من النبوة، أما ذكر السماوات والأرض وعجائبهما فلسنا نحفل بهم، والعجائب الأرضية والسماوية لا نعقلها، والبشر لا يخضعون إلا لمن يأتي لهم بما هو خارج عن طور معتادهم، وحينئذ يعظمونه ويبجلونه، وهذه المشاهدات لا نرى فيها شيئا خارقا للعادة، وإذا فلا إيمان ولا تسليم إلا بما هو فرق طاقتنا، كقلب العصا حية ونقل الجبال وما إلى ذلك.
وبعد أن حكي عن الكفار شبهاتهم في الطعن في النبوة حكي عن الأنبياء جوابهم عنها فأجابوا عن الأولى والثانية بالتسليم، لكن التماثل لا يمنع من اختصاص بعض البشر بمنصب النبوة، لأن هذا منصب يمن الله به على من يشاء من عباده، كما لا يمتنع من أن يخص بعض عباده بالتمييز بين الحق والباطل والصدق والكذب، وأن يحرم الجمع العظيم منه، وهذا ما أشار إليه بقوله :
سورة إبراهيم
هي مكية وعدد آياتها ثنتان وخمسون

وارتباطها بالسورة قبلها من وجوه :

( ١ ) إنه قد ذكر سبحانه في السورة السابقة أنه أنزل القرآن حكما عربيا ولم يصرح بحكمة ذلك وصرح بها هنا.
( ٢ ) إنه ذكر في السورة السالفة قوله :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ [ الرعد : ٣٨ ] وهنا ذكر أن الرسل قالوا :﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ [ إبراهيم : ١١ ].
( ٣ ) ذكر هناك أمره عليه السلام بالتوكل على الله، وهنا حكى عن إخوته المرسلين أمرهم بالتوكل عليه جل شأنه.
( ٤ ) اشتملت تلك على تمثيل الحق والباطل، واشتملت هذه على ذلك أيضا.
( ٥ ) ذكر هناك رفع السماء بغير عمد ومدّ الأرض وتسخير الشمس والقمر، وذكر هنا نحو ذلك.
( ٦ ) ذكر هناك مكر الكفار وذكر مثله هنا، وذكر من وصفه ما لم يذكر هناك.
﴿ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ﴾ وأجابوا عن الشبهة الثالثة بأن ما جئنا به حجة قاطعة وبينة ظاهرة على صدق رسالتنا، وما اقترحتموه من الآيات فأمره إلى الله إن شاء أظهره وهو زائد على قدر الكفاية، وذلك ما أومئوا إليه بقولهم :
﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ أي بمشيئته وإرادته، وليس ذلك في قدرتنا.
وبعد أن أجابهم الأنبياء عن شبهاتهم أخذ المشركون يخوفونهم ويتوعدونهم بالانتقام منهم وإيذائهم قدر ما يستطيعون، فقال لهم الأنبياء إنا لا نخاف تهديدكم ولا وعيدكم، بل نتوكل على الله ونعتمد عليه، ولا نقيم لما تقولون وزنا ولا نأبه به، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله حكاية عنهم :
﴿ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ في دفع شرور أعدائهم عنهم، وفي الصبر على معاداتهم.
سورة إبراهيم
هي مكية وعدد آياتها ثنتان وخمسون

وارتباطها بالسورة قبلها من وجوه :

( ١ ) إنه قد ذكر سبحانه في السورة السابقة أنه أنزل القرآن حكما عربيا ولم يصرح بحكمة ذلك وصرح بها هنا.
( ٢ ) إنه ذكر في السورة السالفة قوله :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ [ الرعد : ٣٨ ] وهنا ذكر أن الرسل قالوا :﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ [ إبراهيم : ١١ ].
( ٣ ) ذكر هناك أمره عليه السلام بالتوكل على الله، وهنا حكى عن إخوته المرسلين أمرهم بالتوكل عليه جل شأنه.
( ٤ ) اشتملت تلك على تمثيل الحق والباطل، واشتملت هذه على ذلك أيضا.
( ٥ ) ذكر هناك رفع السماء بغير عمد ومدّ الأرض وتسخير الشمس والقمر، وذكر هنا نحو ذلك.
( ٦ ) ذكر هناك مكر الكفار وذكر مثله هنا، وذكر من وصفه ما لم يذكر هناك.
ثم زادوا أمر التوكل توثيقا وتوكيدا فقالوا :
﴿ وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ﴾ أي وكيف لا نتوكل على الله وقد هدانا إلى سبل المعرفة، وأوجب علينا سلوك طريقها، وأرشدنا إلى طريق النجاة، ومن أنعم الله علينا بنعمة فليشكره عليها بالعمل بها.
﴿ ولنصبرن على ما آذيتمونا ﴾ أي ولنصبرن على إيذائكم بالعناد واقتراح الآيات ونحو ذلك مما لا خير فيه، وندعوكم لعبادة الله وحده، ليكون ذلك منا شكرا على نعمة الهداية.
ثم ختموا كلامهم بمدح التوكل وبيان أن إيذائهم لا يثنيهم عن تبليغ رسالة ربهم فقالوا :
﴿ وعلى الله فليتوكل المتوكلون ﴾ أي وعلى الله وحده فليثبت المتوكلون على توكلهم وليحتملوا كل أذى في جهادهم، ولا يبالوا بما يصيبهم من أذى ولا بما يلاقون من صعاب وعقبات.
ومن عنده مال أو علم فلينفع به الناس وليكن كالنهر يسقي الزرع والشمس تضيء العباد، وليصبر على أذى الناس كما صبر الأنبياء وأوذوا، فالهداة ما خلقوا إلا ليعلموا فهم هداة بطباعهم، ولذاتهم في قلوبهم ومنهم تنتقل إلى الناس.
﴿ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ١٣ ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ١٤ واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ١٥ من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ١٦ يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ ﴾ [ إبراهيم : ١٣ -١٧ ].
تفسير المفردات : لتعودنّ : لتصيرن. والملة : الدين والشريعة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما دار من الحوار والجدل بين الرسل وأقوامهم، وذكر الحجج التي أدلى بها الرسل، وقد كان فيها المقنع لمن أراد الله له الهداية والتوفيق، ومن كان له قلب يعي به الحكمة وفصل الخطاب، ذكر هنا أنهم بعد أن أفحموا لم يجدوا وسيلة إلا استعمال القوة مع أنبيائهم كما هو دأب المحجوج المغلوب في الخصومة، فخيروا رسلهم بين أحد أمرين : إما الخروج من الديار، وإما العودة إلى الملة التي عليها الآباء والأجداد، فأوحى الله إلى أنبيائه أن العاقبة لكم، وستدور عليهم الدائرة، وستحلون محلهم في ديارهم وسيعذبون في الآخرة بنار جهنم، ويرون ألوانا من العذاب لا قبل لهم بها.
الإيضاح :﴿ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ﴾ أي وقال الذين كفروا بالله لرسلهم حين دعوهم إلى توحيده تعالى وترك عبادة الأصنام والأوثان : لنخرجنكم من بلادنا مطرودين منها، إلا أن تعودوا في ديننا الذي نحن عليه، من عبادة الأصنام كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به :﴿ لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا ﴾ [ الأعراف : ٨٨ ] الآية، وكما قال قوم لوط :﴿ أخرجوا آل لوط من قريتكم ﴾ [ النمل : ٥٦ ] الآية، وقال إخبارا عن مشركي قريش :﴿ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٧٦ ].
وخلاصة هذا : ليكونن أحد الأمرين لا محالة : إما إخراجكم، وإما صيرورتكم في ملتنا ملة الآباء والأجداد، وهي عبادة الآلهة والأوثان، وقد مكن لهم في ذلك أنهم كانوا كثرة وكان أهل الحق قلة، كما جرت بذلك العادة في كل زمان ومكان، فإن الظلمة يكونون متعاونين متعاضدين، ومن ثم استطاعوا أن يبرموا هذا الحكم بلا هوادة ولا رفق، كما هو شأن المعتز بقوته، الذي لا يخشى اعتراضا ولا خلافا.
والأنبياء صلوات الله عليهم لم يكونوا في ملتهم ولم يعبدوا الأصنام طيلة حياتهم، لكنهم لما نشئوا بين ظهرانيهم، وكانوا من أهل تلك البلاد، ولم يظهروا في أول أمرهم مخالفة لهم – ظنوا أنهم كانوا على دينهم.
ولما تمادت الأمم في الكفر وتوعدوا الرسل بأخذهم بالشدة والإيقاع بهم – أوحى الله إليهم بإهلاك من كفر بهم، ووعدهم بالنصر والغلب على أعدائهم كما أشار إلى ذلك بقوله :
﴿ فأوحى إليهم ربهم لتهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ﴾ أي فأوحى الله إلى رسله قائلا لهم : لنهلكن من تناهى في الظلم من المشركين، ولنسكننكم أرضهم وديارهم بعد إهلاكهم عقوبة لهم على قولهم :﴿ لنخرجنكم من أرضنا ﴾.
وفي ذلك وعيد وتهديد للمشركين من قريش على كفرهم وجراءتهم على نبيه، وتثبيت وأمر له بالصبر على ما يلقى من المكروه كما صبر من كان قبله من الرسل، وبيان لأن عاقبة من كفر به الهلاك وعاقبته النصر عليهم كما قال :﴿ سنة الله في الذين خلوا من قبل ﴾ [ الأحزاب : ٣٨ ] وقال :﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ١٧١ إنهم لهم المنصورون ١٧٢ وإن جندنا لهم الغالبون ﴾ [ الصافات : ١٧١ -١٧٣ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ].
ثم ذكر السبب في نصرهم عليهم فقال :
﴿ ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي ﴾ أي هكذا أفعل بمن خاف مقامه بين يدي يوم القيامة، وخاف وعيدي فاتقاني بطاعتي وتجنب سخطي – أنصره على من أراد به سوءا وبغى به مكروها من أعدائي، وأورثه أرضه ودياره.
تفسر المفردات : والمقام : موقف الحساب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ١٣ ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ١٤ واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ١٥ من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ١٦ يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ ﴾ [ إبراهيم : ١٣ -١٧ ].
تفسير المفردات : لتعودنّ : لتصيرن. والملة : الدين والشريعة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما دار من الحوار والجدل بين الرسل وأقوامهم، وذكر الحجج التي أدلى بها الرسل، وقد كان فيها المقنع لمن أراد الله له الهداية والتوفيق، ومن كان له قلب يعي به الحكمة وفصل الخطاب، ذكر هنا أنهم بعد أن أفحموا لم يجدوا وسيلة إلا استعمال القوة مع أنبيائهم كما هو دأب المحجوج المغلوب في الخصومة، فخيروا رسلهم بين أحد أمرين : إما الخروج من الديار، وإما العودة إلى الملة التي عليها الآباء والأجداد، فأوحى الله إلى أنبيائه أن العاقبة لكم، وستدور عليهم الدائرة، وستحلون محلهم في ديارهم وسيعذبون في الآخرة بنار جهنم، ويرون ألوانا من العذاب لا قبل لهم بها.
الإيضاح :﴿ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ﴾ أي وقال الذين كفروا بالله لرسلهم حين دعوهم إلى توحيده تعالى وترك عبادة الأصنام والأوثان : لنخرجنكم من بلادنا مطرودين منها، إلا أن تعودوا في ديننا الذي نحن عليه، من عبادة الأصنام كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به :﴿ لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا ﴾ [ الأعراف : ٨٨ ] الآية، وكما قال قوم لوط :﴿ أخرجوا آل لوط من قريتكم ﴾ [ النمل : ٥٦ ] الآية، وقال إخبارا عن مشركي قريش :﴿ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٧٦ ].
وخلاصة هذا : ليكونن أحد الأمرين لا محالة : إما إخراجكم، وإما صيرورتكم في ملتنا ملة الآباء والأجداد، وهي عبادة الآلهة والأوثان، وقد مكن لهم في ذلك أنهم كانوا كثرة وكان أهل الحق قلة، كما جرت بذلك العادة في كل زمان ومكان، فإن الظلمة يكونون متعاونين متعاضدين، ومن ثم استطاعوا أن يبرموا هذا الحكم بلا هوادة ولا رفق، كما هو شأن المعتز بقوته، الذي لا يخشى اعتراضا ولا خلافا.
والأنبياء صلوات الله عليهم لم يكونوا في ملتهم ولم يعبدوا الأصنام طيلة حياتهم، لكنهم لما نشئوا بين ظهرانيهم، وكانوا من أهل تلك البلاد، ولم يظهروا في أول أمرهم مخالفة لهم – ظنوا أنهم كانوا على دينهم.
ولما تمادت الأمم في الكفر وتوعدوا الرسل بأخذهم بالشدة والإيقاع بهم – أوحى الله إليهم بإهلاك من كفر بهم، ووعدهم بالنصر والغلب على أعدائهم كما أشار إلى ذلك بقوله :
﴿ فأوحى إليهم ربهم لتهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ﴾ أي فأوحى الله إلى رسله قائلا لهم : لنهلكن من تناهى في الظلم من المشركين، ولنسكننكم أرضهم وديارهم بعد إهلاكهم عقوبة لهم على قولهم :﴿ لنخرجنكم من أرضنا ﴾.
وفي ذلك وعيد وتهديد للمشركين من قريش على كفرهم وجراءتهم على نبيه، وتثبيت وأمر له بالصبر على ما يلقى من المكروه كما صبر من كان قبله من الرسل، وبيان لأن عاقبة من كفر به الهلاك وعاقبته النصر عليهم كما قال :﴿ سنة الله في الذين خلوا من قبل ﴾ [ الأحزاب : ٣٨ ] وقال :﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ١٧١ إنهم لهم المنصورون ١٧٢ وإن جندنا لهم الغالبون ﴾ [ الصافات : ١٧١ -١٧٣ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ].

ثم ذكر السبب في نصرهم عليهم فقال :

﴿ ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي ﴾ أي هكذا أفعل بمن خاف مقامه بين يدي يوم القيامة، وخاف وعيدي فاتقاني بطاعتي وتجنب سخطي – أنصره على من أراد به سوءا وبغى به مكروها من أعدائي، وأورثه أرضه ودياره.

تفسير المفردات : واستفتحوا : أي طلبوا الفتح بالنصرة على الأعداء. وخاب : هلك. والجبار : العاتي المتكبر على طاعة الله. والعنيد : المعاند للحق المخالف له.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما دار من الحوار والجدل بين الرسل وأقوامهم، وذكر الحجج التي أدلى بها الرسل، وقد كان فيها المقنع لمن أراد الله له الهداية والتوفيق، ومن كان له قلب يعي به الحكمة وفصل الخطاب، ذكر هنا أنهم بعد أن أفحموا لم يجدوا وسيلة إلا استعمال القوة مع أنبيائهم كما هو دأب المحجوج المغلوب في الخصومة، فخيروا رسلهم بين أحد أمرين : إما الخروج من الديار، وإما العودة إلى الملة التي عليها الآباء والأجداد، فأوحى الله إلى أنبيائه أن العاقبة لكم، وستدور عليهم الدائرة، وستحلون محلهم في ديارهم وسيعذبون في الآخرة بنار جهنم، ويرون ألوانا من العذاب لا قبل لهم بها.
ثم بيّن أن كلا من الفريقين الأمم والرسل طلبوا المعونة والتأييد من ربهم وإلى ذلك أشار بقوله :
﴿ واستفتحوا ﴾ أي واستفتحت الرسل على أممها أي استنصرت الله عليها، واستفتحت الأمم على نفسها كما قالوا :﴿ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذب أليم ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ].
ثم ذكر مآل المشركين وبيّن أن النصر للمتقين فقال :
﴿ وخاب كل جبار عنيد ﴾ أي وهلك كل متكبر مجانب للحق منحرف عنه.
تفسير المفردات : ومن ورائه : أي من بعد ذلك ينتظره. والصديد : ما يسيل من جلود أهل النار.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما دار من الحوار والجدل بين الرسل وأقوامهم، وذكر الحجج التي أدلى بها الرسل، وقد كان فيها المقنع لمن أراد الله له الهداية والتوفيق، ومن كان له قلب يعي به الحكمة وفصل الخطاب، ذكر هنا أنهم بعد أن أفحموا لم يجدوا وسيلة إلا استعمال القوة مع أنبيائهم كما هو دأب المحجوج المغلوب في الخصومة، فخيروا رسلهم بين أحد أمرين : إما الخروج من الديار، وإما العودة إلى الملة التي عليها الآباء والأجداد، فأوحى الله إلى أنبيائه أن العاقبة لكم، وستدور عليهم الدائرة، وستحلون محلهم في ديارهم وسيعذبون في الآخرة بنار جهنم، ويرون ألوانا من العذاب لا قبل لهم بها.
﴿ من ورائه جهنم ﴾ أي ومن وراء الجبار العنيد جهنم أي هي له بالمرصاد تنتظره، ليسكنها مخلدا فيها أبدا، ويعرض عليها في الدنيا غدوا وعشيا إلى يوم التناد.
ثم بيّن شرابه فيها فقال :
﴿ ويسقى من ماء صديد ﴾ أي ليس له في النار شراب إلا ماء يخرج من جوفه وقد خالطه القيح والدم، وخص بالذكر لأنه آلم أنواع العذاب..
تفسير المفردات : يسيغه : أي يستطيبه يقال ساغ الشراب : إذا جاز الحلق بسهولة. يأتيه الموت : أي تأتيه أسبابه وتحيط به من كل جهة. عذاب غليظ : أي شديد غير منقطع.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما دار من الحوار والجدل بين الرسل وأقوامهم، وذكر الحجج التي أدلى بها الرسل، وقد كان فيها المقنع لمن أراد الله له الهداية والتوفيق، ومن كان له قلب يعي به الحكمة وفصل الخطاب، ذكر هنا أنهم بعد أن أفحموا لم يجدوا وسيلة إلا استعمال القوة مع أنبيائهم كما هو دأب المحجوج المغلوب في الخصومة، فخيروا رسلهم بين أحد أمرين : إما الخروج من الديار، وإما العودة إلى الملة التي عليها الآباء والأجداد، فأوحى الله إلى أنبيائه أن العاقبة لكم، وستدور عليهم الدائرة، وستحلون محلهم في ديارهم وسيعذبون في الآخرة بنار جهنم، ويرون ألوانا من العذاب لا قبل لهم بها.
ثم ذكر ألمه من ذلك الشراب فقال :
﴿ يتجرعه ولا يكاد يسيغه ﴾ أي يتحساه جرعة بعد جرعة، ولا يكاد يزدرده، من شدة كراهته، ورداءة طعمه ولونه، وريحه وحرارته كما قال :﴿ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ﴾ [ محمد : ١٥ ] وقال :﴿ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ﴾ [ الكهف : ٢٩ ].
ثم ذكر ما يحيط به من الأهوال فقال :
﴿ ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ﴾ أي وتحيط به أسبابه من الشدائد وأنواع العذاب من كل جهة من الجهات من قدامه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله في نار جهنم، ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت، لكنه لا يموت كما قال تعالى :﴿ لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ﴾ [ فاطر : ٣٦ ].
ثم أكد شدائدها وعظيم أهوالها فقال :
﴿ ومن ورائه عذاب غليظ ﴾ أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ أي مؤلم أغلظ من الذي قبله وأمرّ كما قال تعالى :﴿ وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ٤١ في سموم وحميم ٤٢ وظل من يحموم ٤٣ لا بارد ولا كريم ﴾ [ الواقعة : ٤١ -٤٤ ] وقال :﴿ وإن للطاغين لشر مآب ٥٥ جهنم يصلونها فبئس المهاد ٥٦ هذا فليذوقوه حميم وغساق ٥٧ وآخر من شكله أزواج ﴾ [ ص : ٥٥ -٥٨ ].
﴿ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ١٨ ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ١٩ وما ذلك على الله بعزيز ﴾ [ إبراهيم : ١٨ - ٢٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما سيلاقيه الكافرون في هذا اليوم العصيب من سائر أنواع العذاب التي سلف وصفها – بيّن هنا أن ما عملوه في الدنيا من صالح الأعمال لا يجديهم فتيلا ولا قطميرا، فما أشبهه إذ ذاك برماد أطارته الريح في يوم عاصف فذهبت به في كل ناحية، فهم لا يجدون من أعمالهم فيه شيئا، ثم بيّن أن ذلك آت لا ريب فيه، فإن من أنشأ السماوات والأرض بلا معين ولا ظهير قادر على أن يفنيهم ويأتي بخلق سواهم، وليس ذلك بعزيز ولا بممتنع عليه.
الإيضاح :﴿ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ﴾ أي ما مثل أعمال الكافرين التي كانوا يعملونها في الدنيا ويزعمون أنها تنفعهم يوم الجزاء – إلا كمثل رماد حملته الريح وأسرعت الذهاب به يوم عاصف فنسفته ولم تبق له أثرا، فهم يوم القيامة لا يجدون منها شيئا ينفعهم عند الله فنجيهم من عذابه، إذ لم يكونوا يعملونها لله خالصة، بل كانوا يشركون فيها الأصنام والأوثان :
والمراد من تلك الأعمال أعمال البر كالصدقة، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وإطعام الجائع، وإغاثة الملهوف، ونحو ذلك.
ثم أكد نفي فائدتها لهم إذ ذاك فقال :
﴿ لا يقدرون مما كسبوا على شيء ﴾ أي لا يقدرون يوم القيامة على شيء من أعمالهم في الدنيا، فلا يرون لها أثرا من ثواب أو تخفيف عذاب، كما لا تنتفع بالرماد إذا أرسل عليه الريح في يوم عاصف.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ﴾ [ الفرقان : ٢٣ ] وقال :
﴿ مثل ما ينفقون في هذه الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ﴾ [ آل عمران : ١١٧ ] وورد في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت : يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، هل ذلك نافعه ؟ قال :" لا ينفعه، لأنه لم يقل : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ".
﴿ ذلك هو الضلال البعيد ﴾ أي ذلك السعي والعمل على غير أساس ولا استقامة، حتى فقدوا ثوابهم منه أحوج ما كانوا إليه، هو الضلال البعيد عن طريق الحق والصواب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما سيلاقيه الكافرون في هذا اليوم العصيب من سائر أنواع العذاب التي سلف وصفها – بيّن هنا أن ما عملوه في الدنيا من صالح الأعمال لا يجديهم فتيلا ولا قطميرا، فما أشبهه إذ ذاك برماد أطارته الريح في يوم عاصف فذهبت به في كل ناحية، فهم لا يجدون من أعمالهم فيه شيئا، ثم بيّن أن ذلك آت لا ريب فيه، فإن من أنشأ السماوات والأرض بلا معين ولا ظهير قادر على أن يفنيهم ويأتي بخلق سواهم، وليس ذلك بعزيز ولا بممتنع عليه.
ثم ذكر دليل وحدانيته فقال :
﴿ ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ﴾ أي ألم تعلم أيها الرسول أن الله أنشأ السماوات والأرض بالحكمة وعلى الوجه الصحيح الذي يحق أن يخلقا عليه، ومن قدر على خلقهما على أتم نظام وأحكم وضع بلا معين ولا ظهير، فهو قادر على أن يفنيهم ويأتي بخلق جديد سواكم، وما ذلك بممتنع ولا متعذر عليه.
ومثل الآية قوله :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾ [ الأحقاف : ٣٣ ].
وخلاصة ذلك : إنهم بعدوا في الضلال وأمعنوا في الكفر بالله، مع وضوح الآيات الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة، وأنه هو الحقيق بأن يرجى ثوابه ويخشى عقابه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما سيلاقيه الكافرون في هذا اليوم العصيب من سائر أنواع العذاب التي سلف وصفها – بيّن هنا أن ما عملوه في الدنيا من صالح الأعمال لا يجديهم فتيلا ولا قطميرا، فما أشبهه إذ ذاك برماد أطارته الريح في يوم عاصف فذهبت به في كل ناحية، فهم لا يجدون من أعمالهم فيه شيئا، ثم بيّن أن ذلك آت لا ريب فيه، فإن من أنشأ السماوات والأرض بلا معين ولا ظهير قادر على أن يفنيهم ويأتي بخلق سواهم، وليس ذلك بعزيز ولا بممتنع عليه.

ثم ذكر دليل وحدانيته فقال :

﴿ ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ﴾ أي ألم تعلم أيها الرسول أن الله أنشأ السماوات والأرض بالحكمة وعلى الوجه الصحيح الذي يحق أن يخلقا عليه، ومن قدر على خلقهما على أتم نظام وأحكم وضع بلا معين ولا ظهير، فهو قادر على أن يفنيهم ويأتي بخلق جديد سواكم، وما ذلك بممتنع ولا متعذر عليه.
ومثل الآية قوله :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾ [ الأحقاف : ٣٣ ].
وخلاصة ذلك : إنهم بعدوا في الضلال وأمعنوا في الكفر بالله، مع وضوح الآيات الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة، وأنه هو الحقيق بأن يرجى ثوابه ويخشى عقابه.

﴿ وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ٢١ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ٢٢ وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام ﴾ [ إبراهيم : ٢١ -٢٣ ].
تفسير المفردات : وبرزوا : أي صاروا بالبراز وهي الأرض المتسعة، ويراد بها مجتمع الناس في ذلك اليوم. والضعفاء : واحدهم ضعيف، ويراد به ضعيف الرأي والفكر. والذين استكبروا : هم رؤساؤهم الذين استنفروهم. والتبع : واحدهم تابع كخادم وخدم. مغنون : أي دافعون. ومحيص : أي منجى ومهرب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يلقاه الأشقياء في ذلك اليوم من العذاب، وذكر أن أعمالهم الطيبة التي كانت في الدنيا أحبطت فلم تغن عنهم شيئا – ذكر هنا محاورة بين الأتباع المستضعفين والرؤساء المتبوعين، وما يحدث في ذلك الوقت من الخجل لهم، ثم أردفها مناظرة وقعت بين الشيطان وأتباعه من الإنس. وبعد أن ذكر أحوال الأشقياء وبالغ في بيانها وتفصيلها شرح أحوال السعداء وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل.
الإيضاح :﴿ وبرزوا لله جميعا ﴾ أي برزت الخلائق كلها برّها وفاجرها لله الواحد القهار : أي اجتمعت في براز من الأرض، وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحدا.
﴿ فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا ﴾ أي فقال الأتباع لقادتهم وسادتهم الذين استكبروا عن عبادة الله وحده وعن إتباع قول الرسل : إنا كنا تابعين لكم، تأمروننا فنأتمر وتنهوننا فننتهي.
﴿ فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ﴾ أي فهل تدفعون عنا اليوم شيئا من ذلك العذاب كما كنتم تعدوننا وتمنوننا في الدنيا.
وقد حكى الله رد أولئك السادة عليهم.
﴿ قالوا لو هدانا الله لهديناكم ﴾ أي لو أرشدنا الله تعالى، وأضاء أنوار بصائرنا وأفاض علينا من توفيقه ومعونته، لأرشدناكم ودعوناكم إلى سبل الهدى، ووجهنا أنظاركم إلى طريق الخير والفلاح، ولكنه لم يهدنا فضللنا السبيل فأضللناكم.
ولما كان هذا القول منهم أمارة الجزع قالوا :
﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾ أي ليس لنا مهرب ولا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا أو جزعنا.
وخلاصة ذلك : سيّان الجزع والصبر، فلا نجاة من عذاب الله.
وفي مثل الآية قوله :﴿ وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ٤٧ قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ﴾[ غافر : ٤٧ -٤٨ ] وقوله :﴿ ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ٦٧ ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ﴾ [ الأحزاب : ٦٧ -٦٨ ].
تفسير المفردات : والسلطان : التسلط. بمصرخكم : أي بمغيثكم، يقال استصرخني فأصرخته : أي استغاثني فأغثته.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يلقاه الأشقياء في ذلك اليوم من العذاب، وذكر أن أعمالهم الطيبة التي كانت في الدنيا أحبطت فلم تغن عنهم شيئا – ذكر هنا محاورة بين الأتباع المستضعفين والرؤساء المتبوعين، وما يحدث في ذلك الوقت من الخجل لهم، ثم أردفها مناظرة وقعت بين الشيطان وأتباعه من الإنس. وبعد أن ذكر أحوال الأشقياء وبالغ في بيانها وتفصيلها شرح أحوال السعداء وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل.
ولما ذكر سبحانه المناظرة التي ستكون بين الأتباع والرؤساء أردفها المناظرة التي ستكون بين الشيطان وأتباعه حينئذ فقال :
﴿ وقال الشيطان لما قضي الأمر ﴾ أي وقال إبليس مخاطبا أتباعه من الإنس، بعد أن حكم الله بين عباده فأدخل المؤمنين فراديس الجنات، وأسكن الكافرين سحيق الدركات.
﴿ إن الله وعدكم وعد الحق ﴾ أي إن الله وعدكم على ألسنة رسله بالبعث وجزاء كل عامل على عمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ووعده حق وخبره صدق.
﴿ ووعدتكم فأخلفتكم ﴾ أي ووعدتكم أن لا جنة ولا نار، ولا حشر ولا حساب، ولئن كانا فنعم الشفيع لكم الأصنام والأوثان، فأخلفتكم موعدي إذ لم أقل إلا بهرجا من القول وباطلا منه، فاتبعتموني وتركتم وعد ربكم، وهو وليّكم ومالك أمركم.
ونحو الآية قوله :﴿ يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ﴾ [ النساء : ١٢٠ ].
﴿ وما كان لي عليكم من سلطان ﴾ أي وما كان لي قوة وتسلط تجعلني ألجئكم إلى متابعتي على الكفر والمعاصي.
﴿ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ﴾ أي ولكن بمجرد أن دعوتكم إلى الضال بوسوستي وتزييني، أسرعتم إلى إجابتي، واتبعتم شهوات النفوس، وأطعتم الهوى، وخضتم في مسالك الردى.
﴿ فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ﴾ لأنه ما كان مني إلا الدعاء وإلقاء الوسوسة، ولوموا أنفسكم، إذا استجبتم لي باختياركم الذي نشأ عن سوء استعدادكم بلا حجة مني ولا برهان، بل بتزييني وتسويلي، ولم تستجيبوا لربكم وقد دعاكم دعوة الحق المقرونة بالحجج والبينات.
﴿ ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ﴾ أي ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب فأزيل صراخكم، وما أنتم بمغيثي مما أنا فيه من العذاب والنكال.
﴿ إني كفرت بما أشركتموني من قبل ﴾ أي إني جحدت اليوم أن أكون شريكا لله فيما أشركتموني فيه من قبل هذا اليوم أي في الدنيا، وهذا كقوله :﴿ ويوم القيامة يكفرون بشرككم ﴾ [ فاطر : ١٤ ].
ومعنى كفره بإشراكهم تبرؤه منه واستنكاره له، وهذا كقوله تعالى :﴿ وإنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ﴾ [ الممتحنة : ٤ ].
﴿ إن الظالمين لهم عذاب أليم ﴾ أي قال إبليس ذلك، قطعا لأطماع الكفار من الإغاثة والنجاة من العذاب، وإنما حكى الله ذلك عنه ليكون تنبيها للسامعين، وحضّا لهم على النظر في عاقبة أمرهم، والاستعداد لذلك اليوم الذي يقول فيه الشيطان ما يقول، فيثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيهم ويتذكروا هول ذلك الموقف ورهبته.
ولما جمع سبحانه فريقي السعداء والأشقياء في قوله :﴿ وبرزوا لله جميعا ﴾[ إبراهيم : ٢١ ] وبالغ في وصف حال الأشقياء من وجوه كثيرة – ذكر حال السعداء وما أعد لهم من نعيم مقيم في ذلك اليوم فقال :
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يلقاه الأشقياء في ذلك اليوم من العذاب، وذكر أن أعمالهم الطيبة التي كانت في الدنيا أحبطت فلم تغن عنهم شيئا – ذكر هنا محاورة بين الأتباع المستضعفين والرؤساء المتبوعين، وما يحدث في ذلك الوقت من الخجل لهم، ثم أردفها مناظرة وقعت بين الشيطان وأتباعه من الإنس. وبعد أن ذكر أحوال الأشقياء وبالغ في بيانها وتفصيلها شرح أحوال السعداء وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل.
﴿ وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ﴾ أي وأدخل الذين صدقوا الله ورسوله، فأقروا بوحدانيته تعالى ورسالة رسله، وعملوا بطاعته، فانتهوا إلى أمره ونهيه، بساتين تجري من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدا، لا يتحولون عنها ولا يزولون منها.
﴿ بإذن ربهم ﴾ أي بتوفيقه تعالى، إذ وجّه نفوسهم في الدنيا لكسب الخيرات، والميل إلى العمل بما يرضيه ويرضى رسوله، وأنار بصائرهم للاعتقاد بأن يوم الجزاءات لا ريب فيه، فأعدّوا له العدّة، فكان على الله بمقتضى وعده أن يدخلهم جناته كفاء ما جدّوا في رضاه، ونصبوا في طاعته، خوفا من هول ذلك اليوم العصيب.
﴿ تحيتهم فيها سلام ﴾ أي تحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم، تعظيما لشأنهم وعناية بأمرهم، وجاء في هذا المعنى قوله تعالى في وصف دخولهم الجنة :﴿ حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم ﴾ [ الزمر : ٧٣ ] وقوله :﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ٢٣ سلام عليكم ﴾[ الرعد : ٢٣ -٢٤ ] وقوله :﴿ ويلقون فيها تحية وسلاما ﴾ [ الفرقان : ٧٥ ] كما يحييهم ربهم جلت قدرته إظهارا لرضاه عنهم، وإجلالا وإكبارا لهم كما قال :﴿ سلام قولا من رب رحيم ﴾ [ يس : ٥٨ ].
﴿ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ٢٤ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ٢٥ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ٢٦ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ﴾ [ إبراهيم : ٢٤ -٢٧ ].
تفسير المفردات : المثل : قول في شيء يشبّه بقول في شيء آخر، لم بينهما من المشابهة، ويوضح الأول بالثاني، ليتم انكشاف حاله به. ثابت : أي ضارب بعروقه في الأرض. في السماء : أي جهة العلو. /م*
المعنى الجملي : بعد أن بيّن سبحانه حال الأشقياء ومآل أمرهم وما يلاقونه من الشدائد والأهوال في نار جهنم التي لا يجدون عنها محيصا، وذكر أحوال السعداء وما ينالون من فوز عند ربهم – ضرب لذلك مثلا يبين حال الفريقين، ويوضح الفرق بين الفئتين، وبه ألبس المعنويات لباس الحسيات، وليكون أوقع في النفس وأتم لدى العقل، والأمثال لدى العرب هي المهيع المسلوك، والطريق المتبع، لإيضاح المعاني إذا أريد تثبيتها لدى السامعين، والقرآن الكريم مليء بها، والسنة النبوية جرت على منهاجه، فكثيرا ما تتبع المسائل الهامة بضرب الأمثال لها، لتستقر في النفوس، وتنقش في الصدور.
الإيضاح :﴿ ألم تر كيف ضرب الله مثلا ﴾ أي ألم تعلم أيها الإنسان علم اليقين، كيف ضرب الله مثلا ووضعه الموضع اللائق به.
﴿ كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ﴾ أي إن الله جلت قدرته شبه الكلمة الطيبة وهي الإيمان الثابت في قلب المؤمن الذي يرفع به عمله إلى السماء كما قال :﴿ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ﴾ [ فاطر : ١٠ ] وتنال بركته وثوابه في كل وقت، فالمؤمن كلما قال لا إله إلا الله صعدت إلى السماء وجاءت بركتها وخيرها – بالشجرة الطيبة المثمرة الجميلة المنظر الشذية الرائحة التي لها أصل راسخ في الأرض به يؤمن قلعها وزوالها، وفروعها متصاعدة في الهواء فيكون ذلك دليلا على ثبات الأصل ورسوخ العروق، وعلى بعدها عن عفونات الأرض وقاذورات الأبنية فتأتي الثمرة نقية خالية من جميع الشوائب، وتثمر في كل حين بأمر ربها وإذنه، وإذا اجتمع لهذه الشجرة كل هذه المميزات كثر رغبة الناس فيها.
وخلاصة ذلك : إنه تعالى شبه كلمة الإيمان بشجرة ثبتت عروقها في الأرض، وعلت أغصانها إلى السماء، وهي ذات ثمر في كل حين، ذاك أن الهداية إذا حلت قلبا فاضت منه على غيره، وملأت قلوبا كثيرة، فكأنها شجرة أثمرت كل حين، لأن ثمراتها دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وكل قلب يتلقى عما يشاكله، ويأخذ منه بسرعة أشد من سرعة إيقاد النار في الهشيم، أو سريان الكهرباء في المعادن، أو الضوء في الأثير.
وقد روي عن ابن عباس أن الكلمة الطيبة هي قول " لا إله إلا الله " وأن الشجرة الطيبة : هي النخلة، وعن ابن عمر قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" أخبروني عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها لا صيفا ولا شتاء وتؤتي أكلها كل حين بإذن الله "، قال ابن عمر : فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" النخلة ". فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتاه، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، قال : ما منعك أن تتكلم ؟ قلت : لم أركم تتكلمون، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا، قال عمر : لأن تكون قلتها أحبّ إليّ من كذا وكذا رواه البخاري.
ثم نبّه سبحانه إلى عظم هذا المثل ليكون ذلك داعية تدبره ومعرفة المراد منه فقال :
﴿ ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ﴾ أي إن في ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير للناس، لأن أنس النفوس بها أكثر، فهي تخرج المعنى من خفيّ إلى جليّ، ومما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع، وبها يطبق المعقول على المحسوس فيحصل العلم التام بالشيء الممثل له.
تفسير المفردات : تؤتي أكلها : أي تعطي ثمرها. بإذن ربها : أي بإرادة خالقها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:﴿ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ٢٤ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ٢٥ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ٢٦ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ﴾ [ إبراهيم : ٢٤ -٢٧ ].
تفسير المفردات : المثل : قول في شيء يشبّه بقول في شيء آخر، لم بينهما من المشابهة، ويوضح الأول بالثاني، ليتم انكشاف حاله به. ثابت : أي ضارب بعروقه في الأرض. في السماء : أي جهة العلو. /م*
المعنى الجملي : بعد أن بيّن سبحانه حال الأشقياء ومآل أمرهم وما يلاقونه من الشدائد والأهوال في نار جهنم التي لا يجدون عنها محيصا، وذكر أحوال السعداء وما ينالون من فوز عند ربهم – ضرب لذلك مثلا يبين حال الفريقين، ويوضح الفرق بين الفئتين، وبه ألبس المعنويات لباس الحسيات، وليكون أوقع في النفس وأتم لدى العقل، والأمثال لدى العرب هي المهيع المسلوك، والطريق المتبع، لإيضاح المعاني إذا أريد تثبيتها لدى السامعين، والقرآن الكريم مليء بها، والسنة النبوية جرت على منهاجه، فكثيرا ما تتبع المسائل الهامة بضرب الأمثال لها، لتستقر في النفوس، وتنقش في الصدور.
الإيضاح :﴿ ألم تر كيف ضرب الله مثلا ﴾ أي ألم تعلم أيها الإنسان علم اليقين، كيف ضرب الله مثلا ووضعه الموضع اللائق به.
﴿ كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ﴾ أي إن الله جلت قدرته شبه الكلمة الطيبة وهي الإيمان الثابت في قلب المؤمن الذي يرفع به عمله إلى السماء كما قال :﴿ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ﴾ [ فاطر : ١٠ ] وتنال بركته وثوابه في كل وقت، فالمؤمن كلما قال لا إله إلا الله صعدت إلى السماء وجاءت بركتها وخيرها – بالشجرة الطيبة المثمرة الجميلة المنظر الشذية الرائحة التي لها أصل راسخ في الأرض به يؤمن قلعها وزوالها، وفروعها متصاعدة في الهواء فيكون ذلك دليلا على ثبات الأصل ورسوخ العروق، وعلى بعدها عن عفونات الأرض وقاذورات الأبنية فتأتي الثمرة نقية خالية من جميع الشوائب، وتثمر في كل حين بأمر ربها وإذنه، وإذا اجتمع لهذه الشجرة كل هذه المميزات كثر رغبة الناس فيها.
وخلاصة ذلك : إنه تعالى شبه كلمة الإيمان بشجرة ثبتت عروقها في الأرض، وعلت أغصانها إلى السماء، وهي ذات ثمر في كل حين، ذاك أن الهداية إذا حلت قلبا فاضت منه على غيره، وملأت قلوبا كثيرة، فكأنها شجرة أثمرت كل حين، لأن ثمراتها دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وكل قلب يتلقى عما يشاكله، ويأخذ منه بسرعة أشد من سرعة إيقاد النار في الهشيم، أو سريان الكهرباء في المعادن، أو الضوء في الأثير.
وقد روي عن ابن عباس أن الكلمة الطيبة هي قول " لا إله إلا الله " وأن الشجرة الطيبة : هي النخلة، وعن ابن عمر قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" أخبروني عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها لا صيفا ولا شتاء وتؤتي أكلها كل حين بإذن الله "، قال ابن عمر : فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" النخلة ". فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتاه، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، قال : ما منعك أن تتكلم ؟ قلت : لم أركم تتكلمون، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا، قال عمر : لأن تكون قلتها أحبّ إليّ من كذا وكذا رواه البخاري.
ثم نبّه سبحانه إلى عظم هذا المثل ليكون ذلك داعية تدبره ومعرفة المراد منه فقال :
﴿ ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ﴾ أي إن في ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير للناس، لأن أنس النفوس بها أكثر، فهي تخرج المعنى من خفيّ إلى جليّ، ومما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع، وبها يطبق المعقول على المحسوس فيحصل العلم التام بالشيء الممثل له.

تفسير المفردات : اجتثت : أي استؤصلت وأخذت جثتها. والقرار : الاستقرار.
سورة إبراهيم
هي مكية وعدد آياتها ثنتان وخمسون

وارتباطها بالسورة قبلها من وجوه :

( ١ ) إنه قد ذكر سبحانه في السورة السابقة أنه أنزل القرآن حكما عربيا ولم يصرح بحكمة ذلك وصرح بها هنا.
( ٢ ) إنه ذكر في السورة السالفة قوله :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ [ الرعد : ٣٨ ] وهنا ذكر أن الرسل قالوا :﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ [ إبراهيم : ١١ ].
( ٣ ) ذكر هناك أمره عليه السلام بالتوكل على الله، وهنا حكى عن إخوته المرسلين أمرهم بالتوكل عليه جل شأنه.
( ٤ ) اشتملت تلك على تمثيل الحق والباطل، واشتملت هذه على ذلك أيضا.
( ٥ ) ذكر هناك رفع السماء بغير عمد ومدّ الأرض وتسخير الشمس والقمر، وذكر هنا نحو ذلك.
( ٦ ) ذكر هناك مكر الكفار وذكر مثله هنا، وذكر من وصفه ما لم يذكر هناك.
﴿ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ﴾ أي ومثل كلمة الكفر وما شاكلها مثل شجرة خبيثة كالحنظل ونحوه مما ليس له أصل ثابت في الأرض، بل عروقها لا تتجاوز سطحها، وقد اقتلعت من فوق الأرض، لأن عروقها قريبة منه، أو لا عروق لها في الأرض، فكما أن هذه لا ثبات لها ولا دوام، فكذلك الباطل لا يدوم ولا يثبت، بل هو زائل ذاهب، وثمره مرّ كريه كالحنظل.
وما أقوى الحق وأثبته، وأكثر نفعه للناس، فهو ثابت الدعائم متين الأركان، وما كل حين كالنخل.
والخلاصة : إن أرباب النفوس العالية وكبار المفكرين هم أصحاب الكلمة الطيبة، وعلومهم تعطي أممهم، نعما ورزقا في الدنيا، وهي مستقرة في نفوسهم، وفروعها ممتدة إلى العوالم العلوية والسفلية، وتثمر كل حين لأبناء أمتهم وغيرهم، فيهتدي بها المؤمنون، وما أشبههم بالنخلة التي لها أصل مستقر وفروع عالية وثمر دائم ويأكل الناس منها صيفا وشتاء.
وأرباب الشهوات والنفوس الضعيفة والمقلّدون في العلم هم أصحاب الكلمة الخبيثة التي لا ثبات لها كالحنظل.
تفسير المفردات : القول الثابت : أي الذي ثبت عندهم وتمكن في قلوبهم.
سورة إبراهيم
هي مكية وعدد آياتها ثنتان وخمسون

وارتباطها بالسورة قبلها من وجوه :

( ١ ) إنه قد ذكر سبحانه في السورة السابقة أنه أنزل القرآن حكما عربيا ولم يصرح بحكمة ذلك وصرح بها هنا.
( ٢ ) إنه ذكر في السورة السالفة قوله :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ [ الرعد : ٣٨ ] وهنا ذكر أن الرسل قالوا :﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ [ إبراهيم : ١١ ].
( ٣ ) ذكر هناك أمره عليه السلام بالتوكل على الله، وهنا حكى عن إخوته المرسلين أمرهم بالتوكل عليه جل شأنه.
( ٤ ) اشتملت تلك على تمثيل الحق والباطل، واشتملت هذه على ذلك أيضا.
( ٥ ) ذكر هناك رفع السماء بغير عمد ومدّ الأرض وتسخير الشمس والقمر، وذكر هنا نحو ذلك.
( ٦ ) ذكر هناك مكر الكفار وذكر مثله هنا، وذكر من وصفه ما لم يذكر هناك.
وبعد أن وصف الكلمة الطيبة بما سلف أخبر بفوز أصحابها ببغيتهم في الدنيا والآخرة فقال :
﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ﴾ أي يثبتهم بالكلمة الطيبة التي ذكرت صفاتها العجيبة فيما سلف مدة حياتهم، إذا وجد من يفتنهم عن دينهم ويحاول زللهم كما جرى لبلال وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الموت في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة، وفي مواقف القيامة فلا يتلعثمون ولا يضطربون إذا سئلوا عن معتقدهم ولا تدهشهم الأهوال.
أخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب أنه قال في الآية : التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا له : من ربك ؟ قال ربي الله، وقالا : وما دينك ؟ قال ديني الإسلام، وقالا : وما نبيك ؟ قال : نبيي محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن عثمان بن عفان قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال :" استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل " أخرجه أبو داود.
وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره وفي جوابه لهم، وفي عذاب القبر وفتنته وليس هذا موضعها. نسأل الله التثبيت في القبر وحسن الجواب بمنه وكرمه، إنه على ما يشاء قدير.
وعلى هذا فالمراد بالحياة الدنيا مدة الحياة، والآخرة يوم القيامة، والعرض للحساب، وبعد أن وصف الكلمة الخبيثة في الآية المتقدمة بين حال أصحابها بقوله :
﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ أي ويخلق فيهم الضلال عن الحق الذي ثبت المؤمنين عليه بحسب إرادتهم واختيارهم، لسوء استعدادهم وميلهم مع شهوات النفوس وتدسيتها بصنوف الشرور والمعاصي، سنة الله في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
والمراد بالظالمين هنا الكفار، لأنهم ظلموا أنفسهم بتبديلهم فطرة الله التي فطر الناس عليها وعدم اهتدائهم إلى القول الثابت.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما :" إن الكافر إذا حضره الموت تنزل عليه الملائكة عليهم السلام يضربون وجهه ودبره، فإذا دخل قبره أقعد فقيل له : من ربك ؟ لم يرجع إليهم شيئا من ذلك وأنساه الله تعالى ذكر ذلك، وإذا قيل له من الرسول الذي بعث إليك ؟ لم يهتد له ولم يرجع إليه شيئا، فذلك قوله تعالى :﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ ".
﴿ ويفعل الله ما يشاء ﴾ أي وبيده تعالى الهداية والإضلال بحسب ما تقتضيه سننه العامة التي سنها في عباده، بحسب النفوس وقبولها لكل منهما، فلا تنكروا قدرته على اهتداء من كان ضالا ولا ضلال من كان منكم مهتديا، فإن بيده تصريف خلقه، وتقليب قلوبهم، يفعل فيهم ما يشاء.
﴿ * ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ٢٨ جهنم يصلونها وبئس القرار ٢٩ وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ٣٠ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ﴾ [ إبراهيم : ٢٨ -٣١ ].
تفسير المفردات : البوار : الهلاك، يقال رجل بائر وقوم بور كما قال :﴿ وكنتم قوما بورا ﴾ [ الفتح : ١٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ضرب عز اسمه الأمثال بيانا لحالي الفريقين، وذكر ما يلهمه من التوفيق في الدارين للسعداء، وما ينال الأشقياء من الخذلان والإضلال، جزاء ما كسبت أيديهم من تدسيتهم لأنفسهم باجتراحهم للشرور والآثام، وبين أن كل ذلك يفعله على حسب ما يرى من الحكمة والمصلحة.
ذكر هنا الأسباب التي أوصلتهم إلى سوء العاقبة معجّبا رسوله مما صنعوا من الأباطيل التي لا تكاد تصدر ممن له حظّ من الفكر والنظر، ولم تكن هذه الطامة خصّيصى بهم، بل كانت فتنة شعواء عمتهم جميعا ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ].
ذاك أنهم بدلوا النعمة كفرا، والشكر جحدا وإنكارا، وليت البلية كانت واحدة بل أضافوا إليها أخرى فاتخذوا لله الأنداد والشركاء، ثم ثلّثوا بإضلال غيرهم فكانوا دعاة الكفر وأعوان الفتنة :
فلو كان همّ واحد لاحتملته ولكنه هم وثان وثالث
ومن ثم كانت عاقبتهم التي لا مرد لها العذاب الأليم في جهنم وبئس المصير، ثم بيّن لرسوله أن مثل هؤلاء لا تجدي فيهم العظة، فذرهم يتمتعوا في هذه الحياة حتى حين، ثم لا بد لهم من النصيب المحتوم.
وبعد أن أمر الكافرين على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر عباده المؤمنين بعدم المغالاة في التمتع بها، والجد في مجاهدة النفس والهوى، ببذل النفس والمال في كل ما يدفع شأنهم، ويقرّبهم من ربهم، وينيلهم الفوز لديه في يوم لا تنفع فيه فدية ولا صداقة ولا خلة :﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون ٨٨ إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾ [ الشعراء : ٨٨ -٨٩ ].
أخرج عطاء عن ابن عباس أن هؤلاء هم كفار مكة، وأخرج الحاكم وابن جرير والطبراني وغيرهم عن علي كرم الله وجهه أنه قال في هؤلاء المبدلين : هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله تعالى دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
الإيضاح : عدّد سبحانه الأسباب التي أوقعت هؤلاء الأشقياء ومن شايعهم في سوء المنقلب وحصرها في ثلاثة :
( ١ ) ﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ﴾ أي ألم تعلم وتعجب من قوم بدّلوا شكر النعمة غمطا لها وجحودا بها، كأهل مكة الذين أسكنهم الله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء وجعلهم قوام بيته، وشرّفهم بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم من بينهم، فكفروا بتلك النعمة فأصابهم الجدب والقحط سبع سنين دابا وأسروا يوم بدر، وصفّدوا في السلاسل والأغلال، وقتل منهم العدد العديد من صناديدهم ورجالاتهم ممن كانوا يضنّون بهم ويحتفظون بمواضعهم.
ليوم كريهة وسداد ثغر :
﴿ وأحلوا قومهم دار البوار ﴾ أي وأحلوا من شايعهم على الكفر دار الهلاك الذي لا هلاك بعده.
تفسير المفردات : ويصلونها : يقاسون حرها.
المعنى الجملي : بعد أن ضرب عز اسمه الأمثال بيانا لحالي الفريقين، وذكر ما يلهمه من التوفيق في الدارين للسعداء، وما ينال الأشقياء من الخذلان والإضلال، جزاء ما كسبت أيديهم من تدسيتهم لأنفسهم باجتراحهم للشرور والآثام، وبين أن كل ذلك يفعله على حسب ما يرى من الحكمة والمصلحة.
ذكر هنا الأسباب التي أوصلتهم إلى سوء العاقبة معجّبا رسوله مما صنعوا من الأباطيل التي لا تكاد تصدر ممن له حظّ من الفكر والنظر، ولم تكن هذه الطامة خصّيصى بهم، بل كانت فتنة شعواء عمتهم جميعا ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ].
ذاك أنهم بدلوا النعمة كفرا، والشكر جحدا وإنكارا، وليت البلية كانت واحدة بل أضافوا إليها أخرى فاتخذوا لله الأنداد والشركاء، ثم ثلّثوا بإضلال غيرهم فكانوا دعاة الكفر وأعوان الفتنة :
فلو كان همّ واحد لاحتملته ولكنه هم وثان وثالث
ومن ثم كانت عاقبتهم التي لا مرد لها العذاب الأليم في جهنم وبئس المصير، ثم بيّن لرسوله أن مثل هؤلاء لا تجدي فيهم العظة، فذرهم يتمتعوا في هذه الحياة حتى حين، ثم لا بد لهم من النصيب المحتوم.
وبعد أن أمر الكافرين على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر عباده المؤمنين بعدم المغالاة في التمتع بها، والجد في مجاهدة النفس والهوى، ببذل النفس والمال في كل ما يدفع شأنهم، ويقرّبهم من ربهم، وينيلهم الفوز لديه في يوم لا تنفع فيه فدية ولا صداقة ولا خلة :﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون ٨٨ إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾ [ الشعراء : ٨٨ -٨٩ ].
أخرج عطاء عن ابن عباس أن هؤلاء هم كفار مكة، وأخرج الحاكم وابن جرير والطبراني وغيرهم عن علي كرم الله وجهه أنه قال في هؤلاء المبدلين : هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله تعالى دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
ثم بين هذه الدار فقال :
﴿ جهنم يصلونها وبئس القرار ﴾ أي هذه الدار هي جهنم دار العذاب التي يقاسون حر نارها، وبئس المستقر هي لمن أراد الله به النكال والوبال.
تفسير المفردات : والأنداد : واحدهم ندّ وهو المثل والشبيه. والمصير : المرجع.
المعنى الجملي : بعد أن ضرب عز اسمه الأمثال بيانا لحالي الفريقين، وذكر ما يلهمه من التوفيق في الدارين للسعداء، وما ينال الأشقياء من الخذلان والإضلال، جزاء ما كسبت أيديهم من تدسيتهم لأنفسهم باجتراحهم للشرور والآثام، وبين أن كل ذلك يفعله على حسب ما يرى من الحكمة والمصلحة.
ذكر هنا الأسباب التي أوصلتهم إلى سوء العاقبة معجّبا رسوله مما صنعوا من الأباطيل التي لا تكاد تصدر ممن له حظّ من الفكر والنظر، ولم تكن هذه الطامة خصّيصى بهم، بل كانت فتنة شعواء عمتهم جميعا ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ].
ذاك أنهم بدلوا النعمة كفرا، والشكر جحدا وإنكارا، وليت البلية كانت واحدة بل أضافوا إليها أخرى فاتخذوا لله الأنداد والشركاء، ثم ثلّثوا بإضلال غيرهم فكانوا دعاة الكفر وأعوان الفتنة :
فلو كان همّ واحد لاحتملته ولكنه هم وثان وثالث
ومن ثم كانت عاقبتهم التي لا مرد لها العذاب الأليم في جهنم وبئس المصير، ثم بيّن لرسوله أن مثل هؤلاء لا تجدي فيهم العظة، فذرهم يتمتعوا في هذه الحياة حتى حين، ثم لا بد لهم من النصيب المحتوم.
وبعد أن أمر الكافرين على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر عباده المؤمنين بعدم المغالاة في التمتع بها، والجد في مجاهدة النفس والهوى، ببذل النفس والمال في كل ما يدفع شأنهم، ويقرّبهم من ربهم، وينيلهم الفوز لديه في يوم لا تنفع فيه فدية ولا صداقة ولا خلة :﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون ٨٨ إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾ [ الشعراء : ٨٨ -٨٩ ].
أخرج عطاء عن ابن عباس أن هؤلاء هم كفار مكة، وأخرج الحاكم وابن جرير والطبراني وغيرهم عن علي كرم الله وجهه أنه قال في هؤلاء المبدلين : هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله تعالى دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
( ٢ ) ﴿ وجعلوا لله أندادا ﴾ أي واتخذوا لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء – أندادا وشركاء من الأصنام والأوثان، أشركوهم به في العبادة كما قالوا في الحج : لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.
( ٣ ) ﴿ ليضلوا عن سبيله ﴾ أي لتكون عاقبة أمر الذين شايعوهم على ضلالهم، الصدّ والإعراض عن سبيله القويم ودينه الحنيف، والوقوع في حمأة الكفر والضال.
ولما حكى الله عنهم هذه الهنات الثلاث، تبديل النعمة، واتخاذ الأنداد والأمثال، وإضلال قومهم، أمر نبيه أن يقول لهم على سبيل التهديد والوعيد : سيروا على ما أنتم عليها فإنه لا فائدة في نصحكم وإرشادكم والعاقبة النار.
﴿ قل تمتعوا ﴾ أي تمتعوا بما أنتم فيه سادرون مما سيؤدي بكم إلى مهاوي الهلاك، من الكفران وعبادة الأوثان والأصنام والسعي في إضلال الناس والصد عن سبيله.
ثم بين جزاءهم المحتوم فقال :
﴿ فإن مصيركم إلى النار ﴾ أي إن مرجعكم وموائلكم إليها كما قال :﴿ نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ﴾ [ لقمان : ٢٤ ] وسمى الله تعالى تمتعا، لأنهم تلذذوا به، وأحسوا بغبطة وسرور كما يتلذذون بالمشتهيات من النعم، وهذا الأسلوب التهكمي يستعمل في التخاطب كثيرا فترى الطبيب يأمر مريضه بالإحتماء من بعض ما يضره ويؤذيه، ثم لا يرى منه إلا تماديا في الإعراض عن أوامره، وإتباعا لشهواته فيقول له : كل ما تريد، فإن مصيرك إلى الموت، وما مراده من ذلك إلا التهديد ليرتدع ويقبل ما يقول. وكما يقال لمن سعى في مخالفة السلطان : اصنع ما شئت، فإن مصيرك إلى السيف.
تفسير المفردات : والبيع : الفدية. والخلال : المخالّة والصداقة.
المعنى الجملي : بعد أن ضرب عز اسمه الأمثال بيانا لحالي الفريقين، وذكر ما يلهمه من التوفيق في الدارين للسعداء، وما ينال الأشقياء من الخذلان والإضلال، جزاء ما كسبت أيديهم من تدسيتهم لأنفسهم باجتراحهم للشرور والآثام، وبين أن كل ذلك يفعله على حسب ما يرى من الحكمة والمصلحة.
ذكر هنا الأسباب التي أوصلتهم إلى سوء العاقبة معجّبا رسوله مما صنعوا من الأباطيل التي لا تكاد تصدر ممن له حظّ من الفكر والنظر، ولم تكن هذه الطامة خصّيصى بهم، بل كانت فتنة شعواء عمتهم جميعا ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ].
ذاك أنهم بدلوا النعمة كفرا، والشكر جحدا وإنكارا، وليت البلية كانت واحدة بل أضافوا إليها أخرى فاتخذوا لله الأنداد والشركاء، ثم ثلّثوا بإضلال غيرهم فكانوا دعاة الكفر وأعوان الفتنة :
فلو كان همّ واحد لاحتملته ولكنه هم وثان وثالث
ومن ثم كانت عاقبتهم التي لا مرد لها العذاب الأليم في جهنم وبئس المصير، ثم بيّن لرسوله أن مثل هؤلاء لا تجدي فيهم العظة، فذرهم يتمتعوا في هذه الحياة حتى حين، ثم لا بد لهم من النصيب المحتوم.
وبعد أن أمر الكافرين على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر عباده المؤمنين بعدم المغالاة في التمتع بها، والجد في مجاهدة النفس والهوى، ببذل النفس والمال في كل ما يدفع شأنهم، ويقرّبهم من ربهم، وينيلهم الفوز لديه في يوم لا تنفع فيه فدية ولا صداقة ولا خلة :﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون ٨٨ إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾ [ الشعراء : ٨٨ -٨٩ ].
أخرج عطاء عن ابن عباس أن هؤلاء هم كفار مكة، وأخرج الحاكم وابن جرير والطبراني وغيرهم عن علي كرم الله وجهه أنه قال في هؤلاء المبدلين : هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله تعالى دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
وبعد أن هدد الكفار على انغماسهم في اللذات، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر خلص عباده بإقامة العبادات البدنية وأداء الفريضة المالية فقال :
﴿ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم ﴾ أي قل لهم : أقيموا الصلاة على وجهها، وأدوها كما طلب ربكم، فهي عماد الدين، وهي التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، وهي المصباح للمؤمن يستضيء به للقرب من ربه، وأدوا الزكاة شكرا له على نعمه الجزيلة، رأفة بعباده الفقراء سدا لخلتهم وإيجادا للتضامن والتعاون بين الإخوة في الدين :﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾ [ الحجرات : ١٠ ].
﴿ سرا وعلانية ﴾ أي أنفقوا في السر والعلن، ولكل منهما حال تستحب فيها وقد تقدم القول في تفصيل ذلك.
﴿ من قبل أن يأتي يوم لا بيع ولا خلال ﴾ أي من قبل أن يأتي اليوم الذي لا تنفع فيه فدية، ولا تجدي فيه صداقة، فلا يشفع خليل لخليل ولا يصفح، عن عقابه لمخالته لصديقه، بل هناك العدل والقسط كما قال :﴿ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ﴾ [ الحديد : ١٥ ] وقال :﴿ أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ﴾ [ البقرة : ٢٥٤ ].
أدلة التوحيد المنصوبة في الآفاق والأنفس :
﴿ الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار ٣٢ وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ٣٣ وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ﴾ [ إبراهيم : ٣٢ -٣٤ ].
تفسير المفردات : السماء : السحاب، وكل ما علا الإنسان فأظلمه فهو سماء. والرزق : كل ما ينتفع به. والتسخير : التيسير والإعداد. والفلك : السفن.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الكافرين لنعمه، حين بدلوا الشكر بالكفر واتخذوا لله أندادا، فكان جزاؤهم جهنم وبئس المهاد، ثُم أمر المؤمنين بإقامة شعائر الدين من صلاة وزكاة، شكرا لربهم على ما أتوا من النعم، وحثا لهم على الجهاد في سبيل كمالهم ورقيهم ببذل النفس والنفيس وهو المال، لتكمل لهم السعادة في الدارين – شرع يذكر الأدلة المنصوبة في الآفاق والأنفس التي توجب على عباده المثابرة على شكره ودوام الطاعة له، ويذكر النعم الجسام التي يتقلبون في أعطافها آناء الليل وأطراف النهار، ليكون في ذلك حث لهم على التدبر فيما يأتون وفيما يذرون، وفيه عظيم الدلالة على وجوب شكر الصانع لها، كما فيه أشد التقريع للكافرين الذين أعرضوا عن النظر والتفكر في تلك النعم، فكان هذا داعية كفرها وجحودها، وغمطها وكنودها.
الإيضاح :﴿ الله الذي خلق السماوات والأرض ﴾ أي الله الذي خلق لكم السماوات والأرض، هما أكبر خلقا منكم، وفيهما من المنافع لكم ما تعلمون وما لا تعلمون، وتقدم تفصيل هذا في مواضع متعددة من كتابه الكريم.
﴿ وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ﴾ أي وأنزل من السماء غيثا أحيا به الشجر والزرع، فأثمرت لكم رزقا تأكلون منه وتعيشون به.
والآية كقوله :﴿ وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ [ طه : ٥٣ ] أي من ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع.
﴿ وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ﴾ أي وذلل لكم السفن بأن أقدركم على صنعها، وجعلها طافية على وجه الماء، تجري عليه بأمره وسخر البحر لحملها، ليقطع المسافرون بها المسافات الشاسعة من إقليم إلى إقليم لجلب ما هناك إلى هنا ونقل ما هنا إلى هناك.
﴿ وسخر لكم الأنهار ﴾ تشق الأرض شقا من قطر إلى قطر، لانتفاعكم بها حيث تشربون منها، وتتخذون جداول تسقون بها زروعكم وجناتكم، وما أشبه ذلك.
تفسير المفردات : دائبين : أي دائمين في الحركة لا يفتران، يقال دأب في العمل إذا سار فيه على عادة مطردة كما قال :﴿ تزرعون سبع سنين دأبا ﴾ [ يوسف : ٤٧ ]. آتاكم : أي أعطاكم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الكافرين لنعمه، حين بدلوا الشكر بالكفر واتخذوا لله أندادا، فكان جزاؤهم جهنم وبئس المهاد، ثُم أمر المؤمنين بإقامة شعائر الدين من صلاة وزكاة، شكرا لربهم على ما أتوا من النعم، وحثا لهم على الجهاد في سبيل كمالهم ورقيهم ببذل النفس والنفيس وهو المال، لتكمل لهم السعادة في الدارين – شرع يذكر الأدلة المنصوبة في الآفاق والأنفس التي توجب على عباده المثابرة على شكره ودوام الطاعة له، ويذكر النعم الجسام التي يتقلبون في أعطافها آناء الليل وأطراف النهار، ليكون في ذلك حث لهم على التدبر فيما يأتون وفيما يذرون، وفيه عظيم الدلالة على وجوب شكر الصانع لها، كما فيه أشد التقريع للكافرين الذين أعرضوا عن النظر والتفكر في تلك النعم، فكان هذا داعية كفرها وجحودها، وغمطها وكنودها.
﴿ وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ﴾ أي دائمين في الحركة، لا يفتران إلى انقضاء عمر الدنيا كما قال :﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾[ يس : ٤٠ ] وقال :﴿ يغشى الليل النهار حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ].
﴿ وسخر لكم الليل والنهار ﴾ يتعاقبان، فالنهار لسعيكم في أمور معاشكم وما تحتاجون إليه في أمور دنياكم، والليل لتسكنوا فيه كما جاء في الآية الأخرى ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ﴾ [ القصص : ٧٣ ] فالشمس والقمر يتعاقبان، والليل والنهار يتعارضان، فتارة يأخذ هذا من ذاك فيطول، ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر، كما قال تعالى :﴿ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ﴾ [ فاطر : ١٣ ] ﴿ ألا هو العزيز الغفار ﴾ [ الزمر : ٥ ].
تفسير المفردات : لا تحصوها : لا تطيقوا حصرها. والإحصاء : العد بالحصى، وكان العرب يعتمدونه في العد كاعتمادنا فيه على الأصابع. ظلوم : أي لنفسه بإغفال شكر النعمة. كفار : شديد الكفران والجحود لها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الكافرين لنعمه، حين بدلوا الشكر بالكفر واتخذوا لله أندادا، فكان جزاؤهم جهنم وبئس المهاد، ثُم أمر المؤمنين بإقامة شعائر الدين من صلاة وزكاة، شكرا لربهم على ما أتوا من النعم، وحثا لهم على الجهاد في سبيل كمالهم ورقيهم ببذل النفس والنفيس وهو المال، لتكمل لهم السعادة في الدارين – شرع يذكر الأدلة المنصوبة في الآفاق والأنفس التي توجب على عباده المثابرة على شكره ودوام الطاعة له، ويذكر النعم الجسام التي يتقلبون في أعطافها آناء الليل وأطراف النهار، ليكون في ذلك حث لهم على التدبر فيما يأتون وفيما يذرون، وفيه عظيم الدلالة على وجوب شكر الصانع لها، كما فيه أشد التقريع للكافرين الذين أعرضوا عن النظر والتفكر في تلك النعم، فكان هذا داعية كفرها وجحودها، وغمطها وكنودها.
﴿ وآتاكم من كل ما سألتموه ﴾ أي هيأ لكم كل ما تحتاجون إليه في جميع أحوالكم من كل الذي هو حقيق أن تسألوه، سواء أسألتموه أم لم تسألوه، لأن هذه الدنيا قد وضع الله فيها منافع يجهلها الناس وهي معدة لهم، فلم يسأل الله أحد في الأمم الماضية أن يعطيهم الطائرات والمغناطيس والكهرباء، بل خلقها وأعطاها للناس بالتدريج، ولم يزل هناك عجائب ستظهر لمن بعدنا.
﴿ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ﴾ أي لا تطيقوا عد أنواعها فضلا عن القيام بشكرها.
وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :" اللهم الحمد غير مكفيّ ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ". وأثر عن الشافعي أنه قال : الحمد لله الذي لا يؤدّى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكره بها، وقال شاعرهم :
لو كل جارحة مني لها لغة تثني عليك بما أوليت من حسن
لكان ما زاد شكري إذ شكرت به إليك أبلغ في الإحسان والمنن
﴿ إن الإنسان لظلوم كفار ﴾ أي إن الإنسان الذي بدل نعمة الله كفرا لشاكر غير من أنعم عليه، فهو بذلك واضع للشكر في غير موضعه – ذاك أن الله هو الذي أنعم عليه بما أنعم، واستحق إخلاص العبادة له، فعبد هو غيره وجعل له أندادا ليضل عن سبيله وذلك هو ظلمه، وهو جحود لنعمه التي أنعم بها عليه، لصرفه العبادة إلى غير من أنعم بها عليه، وتركه من أنعم عليه.
﴿ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ٣٥ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ٣٦ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ٣٧ ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ٣٨ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء ٣٩ رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ٤٠ ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ﴾ [ إبراهيم : ٣٥ -٤١ ].
تفسير المفردات : تفسير المفردات : واجنبني : أي أبعدني، وأصل التجنب أن يكون الرجل في جانب غير ما عليه غيره، ثم استعمل في البعد مطلقا.
المعنى الجملي : بعد أن نصب سبحانه الأدلة على أن لا معبود سواه، وأنه لا يجوز بحال أن يعبد غيره، وطلب إلى رسوله أن يعجب من حال قومه، إذ بدلوا نعمة الله كفرا، وعبدوا الأوثان والأصنام.
ذكر هنا أن الأنبياء جميعا حثوا على ترك عبادة الأصنام، فإبراهيم صلوات الله عليه وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك، فإنها كانت سببا في ضلال كثير من الناس، وشكر الله على أن وهب له على الكبر ولديه إسماعيل وإسحاق، ثم ختم مقالة بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.
الإيضاح :﴿ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا ﴾ أي واذكر لقومك مذكّرا لهم بأيام الله خبر إبراهيم إذ قال : ربي المحسن إليّ بإجابة دعائي، اجعل مكة بلدا آمنا.
وقد أجاب الله تعالى دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم، ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلي خلاه كما قال :﴿ أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ﴾ [ العنكبوت : ٦٧ ].
﴿ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ﴾ أي وباعدني وبني من أن نعبد الأصنام، أي ثبتنا على ما نحن عليه من التوحيد وملة الإسلام والبعد عن عبادة الأصنام.
وقد استجيب دعاؤه في بعض بنيه دون بعض ولا ضير في ذلك.
المعنى الجملي : بعد أن نصب سبحانه الأدلة على أن لا معبود سواه، وأنه لا يجوز بحال أن يعبد غيره، وطلب إلى رسوله أن يعجب من حال قومه، إذ بدلوا نعمة الله كفرا، وعبدوا الأوثان والأصنام.
ذكر هنا أن الأنبياء جميعا حثوا على ترك عبادة الأصنام، فإبراهيم صلوات الله عليه وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك، فإنها كانت سببا في ضلال كثير من الناس، وشكر الله على أن وهب له على الكبر ولديه إسماعيل وإسحاق، ثم ختم مقالة بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.
﴿ ربي إنهن أضللن كثيرا من الناس ﴾ أي يا رب إن الأصنام أزلن كثيرا من الناس عن طريق الهدى وسبيل الحق حتى عبدوهن وكفروا بك.
﴿ فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾ أي فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك، وإخلاص العبادة لك والبعد عن عبادة الأوثان – فإنه مستن بسنتي وجار على طريقتي، ومن خالف أمري فلم يقبل مني ما دعوته إليه وأشرك بك، فإنك قادر على أن تغفر له وترحمه بالتوبة عليه وهدايته إلى الصراط المستقيم.
تفسير المفردات : وتهوي إليهم : أي تسرع شوقا وحبا.
المعنى الجملي : بعد أن نصب سبحانه الأدلة على أن لا معبود سواه، وأنه لا يجوز بحال أن يعبد غيره، وطلب إلى رسوله أن يعجب من حال قومه، إذ بدلوا نعمة الله كفرا، وعبدوا الأوثان والأصنام.
ذكر هنا أن الأنبياء جميعا حثوا على ترك عبادة الأصنام، فإبراهيم صلوات الله عليه وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك، فإنها كانت سببا في ضلال كثير من الناس، وشكر الله على أن وهب له على الكبر ولديه إسماعيل وإسحاق، ثم ختم مقالة بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.
﴿ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ﴾ أي يا رب إني أسكنت بعض ذريتي وهم أولاد إسماعيل بواد غير ذي زرع وهو وادي مكة عند بيتك الذي حرمت التعرض له والتهاون به وجعلت ما حوله حرما لمكانه.
﴿ ربنا ليقيموا الصلاة ﴾ أي إنما جعلته محرما ليتمكن أهله من إقامة الصلاة عنده ويعمروه بذكرك وعبادتك.
﴿ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ﴾ أي فاجعل قلوب بعض الناس محترقة شوقا إليهم.
﴿ وارزقهم من الثمرات ﴾ أي وارزق ذريتي الذين أسكنتهم هناك من أنواع الثمار بأن تجبى إليهم ذلك من شاسع الأقطار، وقد استجاب الله ذلك كما قال :﴿ أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ﴾ [ القصص : ٥٧ ] قال الدكتور عبد العزيز إسماعيل باشا في كتابه ( الإسلام والطب الحديث ) دعاء سيدنا إبراهيم يفسر ما قلناه، وهو أن الدعاء سنة طبيعية لا أكثر ولا أقل، فالنبي يدعو ربه ليلهم الناس حج البيت، فهو يستعين بسنة طبيعية وهي إلهام الخالق لنا حج البيت مع أنه يعلم أن الله قادر على أن ينزل عليهم رزقا من السماء، ولكن النبي ضرب لنا مثلا في طريق استعمال الدعاء وقيمته، فالدعاء لا يلغي سنة طبيعية ولا يأتي بالمعجزات، ولكن الداعي يطلب من الخلق الهداية إلى إحدى السنن الطبيعية وسأضرب لك مثلا بالنسبة للمريض وعلاجه، فقد أخبرني البعض أن من يطلب الطبيب لا يستعين بالدعاء، والحقيقة غير ذلك، فالوالد الذي يدعو ربه لشفاء ولده لا فائدة من دعائه إذا كان ولده قد مات أو إذا كان مرضه مميتا حتما، ولكن قد يكون للمرض طرق علاج خاصة، أو يشفي من نفسه في ظروف خاصة، فالدعاء في هذه الحال معناه إلهام المريض ومن حوله من طبيب وغيره استعمال الطريق المؤدي إلى الشفاء، والطبيب يحتاج دائما إلى هذا الإلهام إلى نتيجة خاصة، والدعاء في مفترق الطرق ولا يدري أية ناحية يسلك، وكل طريق سنة طبيعية تؤدي إلى نتيجة خاصة، والدعاء هداية إلى السنة المؤدية إلى الشفاء، وهكذا يكون الدعاء والتطبيب وكل أعمال الإنسان يكمل بعضها بعضا وليست متناقضة، فدعا سيدنا إبراهيم معناه أن يلهم الناس بواسطة القوانين الطبيعية حج البيت، وقد يقال ولكننا لا نشعر بإلهام من عند الله، وكل أفعالنا نتيجة مباشرة لتفكيرنا، والشخص الذي يحج لا يشعر بإلهام أو شيء خفي، ولكن الحقيقة أن أفعال الإنسان قد تكون نتيجة تفكيره واختباراته ويكون سبب حركاتها ظاهرا، وقد تكون أفعاله غير منطبقة على تفكيره واختباراته ولكنه مع ذلك يندفع إلى العمل، وكثيرا ما نشاهد أشخاصا لا يفكرون في الحج مدة طويلة، ولكن فجأة وبدون سبب ظاهر يصممون على الحج وينفذون إرادتهم، وهذا العمل ظاهره الاختيار طبعا ولكنهم مدفوعون بقوة مسيطرة عليهم أشبه بالغريزة أو الوحي.
وقد أجاب الله إبراهيم إلى دعائه، فألهم الناس الحج في آلاف السنين وإلى ما شاء الله، لا في مدى حياته فحسب، وفي هذا إظهار لقدرة الخالق وصدق وعده اه.
﴿ لعلهم يشكرون ﴾ أي رجاء أن يشكروا تلك النعمة بإقامة الصلاة وأداء واجبات العبودية.
وفي هذا إيماء إلى أن تحصيل منافع الدنيا إنما هو ليستعان بها على أداء العبادات وتحصيل الطاعات، وفي دعائه عليه السلام مراعاة للأدب والمحافظة على الضراعة وعرض الحاجة واجتلاب الرأفة، ومن ثم من الله عليه بالقبول وإعطاء المسؤول، ولا بدع في ذلك فهو خليل الرحمان وأبو الأنبياء جميعا.
المعنى الجملي : بعد أن نصب سبحانه الأدلة على أن لا معبود سواه، وأنه لا يجوز بحال أن يعبد غيره، وطلب إلى رسوله أن يعجب من حال قومه، إذ بدلوا نعمة الله كفرا، وعبدوا الأوثان والأصنام.
ذكر هنا أن الأنبياء جميعا حثوا على ترك عبادة الأصنام، فإبراهيم صلوات الله عليه وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك، فإنها كانت سببا في ضلال كثير من الناس، وشكر الله على أن وهب له على الكبر ولديه إسماعيل وإسحاق، ثم ختم مقالة بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.
﴿ ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ﴾ أي أنت تعلم ما تخفي قلوبنا حين سؤالك ما نسأل، وما نعلن من دعائنا فنجهر به.
﴿ وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ﴾ أي ولا يخفى على الله شيء يكون في الأرض أو في السماء، لأن ذلك كله ظاهر متجلّ له، لأنه مدبره وخالقه، فكيف يخفى عليه.
المعنى الجملي : بعد أن نصب سبحانه الأدلة على أن لا معبود سواه، وأنه لا يجوز بحال أن يعبد غيره، وطلب إلى رسوله أن يعجب من حال قومه، إذ بدلوا نعمة الله كفرا، وعبدوا الأوثان والأصنام.
ذكر هنا أن الأنبياء جميعا حثوا على ترك عبادة الأصنام، فإبراهيم صلوات الله عليه وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك، فإنها كانت سببا في ضلال كثير من الناس، وشكر الله على أن وهب له على الكبر ولديه إسماعيل وإسحاق، ثم ختم مقالة بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.
﴿ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ أي الحمد لله الذي وهب لي وأنا آيس من الولد لكبر سني – ولدين : إسماعيل وإسحاق.
﴿ إن ربي لسميع الدعاء ﴾ أي إن ربي لسميع دعائي الذي أدعو به من قولي :﴿ اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ﴾ وقد كان إبراهيم سأله الولد بقوله :﴿ رب هب لي من الصالحين ﴾ [ الصافات : ١٠٠ ]، فلما استجاب الله دعاءه قال الحمد لله الخ.
٣٥
﴿ ربي اجعلني مقيم الصلاة ﴾ أي رب اجعلني مؤديا ما ألزمتني من فريضتك التي فرضتها عليّ.
﴿ ومن ذريتي ﴾ أي واجعل أيضا ذريتي مقيمي الصلاة، وقد خص الصلاة من بين فرائض الدين لأنها العنوان الذي يمتاز به المؤمن من غيره، ولما لها من المزية العظمى في تطهير القلوب بترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
﴿ ربنا وتقبل دعائي ﴾ المراد بالدعاء العبادة أي ربنا تقبل عبادتي كما جاء في قوله :﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي ﴾ [ مريم : ٤٨ ].
وجاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الدعاء هو العبادة " ثم قرأ :﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ﴾ [ غافر : ٦٠ ].
تفسير المفردات : ويقوم الحساب : أي يثبت ويتحقق كما يقال قامت السوق والحرب : أي وجدتا.
المعنى الجملي : بعد أن نصب سبحانه الأدلة على أن لا معبود سواه، وأنه لا يجوز بحال أن يعبد غيره، وطلب إلى رسوله أن يعجب من حال قومه، إذ بدلوا نعمة الله كفرا، وعبدوا الأوثان والأصنام.
ذكر هنا أن الأنبياء جميعا حثوا على ترك عبادة الأصنام، فإبراهيم صلوات الله عليه وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك، فإنها كانت سببا في ضلال كثير من الناس، وشكر الله على أن وهب له على الكبر ولديه إسماعيل وإسحاق، ثم ختم مقالة بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.
﴿ ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ﴾ أي ربنا اغفر لي ما فرط مني من الذنوب ولأبويّ، وقد روي عن الحسن أن أمه كانت مؤمنة، واستغفاره لأبيه كان عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه ﴾[ التوبة : ١١٤ ] الآية، وللمؤمنين بك ممن تبعني على الدين الذي أنا عليه، فأطاعك في أمرك ونهيك – يوم تحاسب عبادك فتجازيهم بأعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
﴿ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ٤٢ مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ٤٣ وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ٤٤ وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ٤٥ وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ٤٦ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ٤٧ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ٤٨ وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد ٤٩ سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ٥٠ ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب ٥١ هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب ﴾ [ إبراهيم : ٤٢ -٥٢ ].
تفسير المفردات : تشخص : ترتفع.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
الإيضاح :﴿ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ﴾ تقدم أن مثل هذا الخطاب من وادي قولهم :" إياك أعني واسمعي يا جارة " فهو في صورته للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، وفيه تسلية للمؤمنين وتهديد للظالمين بأن الله محص أعمالهم ومحيط بها، وسيجزيهم وصفهم في الحين الذي سبق في علمه، وأن عقابهم لا بد آت، فتركه بمنزلة حسبانه تعالى غافلا عن أعمالهم، إذ العلم بذلك مستوجب لعقابهم لا محالة.
ثم أوعدهم حلول يوم يحاسبون فيه على أعمالهم وفيه من الهول ما يحير اللب، ويدهش العقل فقال :
﴿ إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ﴾ أي إنما يمهلكم ويمتعكم بكثير من لذات الحياة ولا يجعل عقوبتهم، ليوم شديد الهول ترتفع فيه أبصار أهل الموقف، وتبقى مفتوحة لا تطرف من الفزع والاضطراب.
تفسير المفردات : مهطعين : مسرعين إلى الداعي. مقنعي رؤوسهم : أي رافعيها مع الإقبال بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شيء. لا يرتد : لا يرجع. هواء : خالية من العقل والفهم لفرط الحيرة والدهشة، ويقال للجبان والأحمق قلبه هواء : أي لا قوة ولا رأي له كما قال حسان يهجو أبا سفيان بن حرب :
ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوّف نخب هواء
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
﴿ مهطعين ﴾ أي يأتون مسرعين إلى الداعي بالذلة والاستكانة كما يسرع الأسير والخائف.
﴿ مقنعي رؤوسهم ﴾ أي رافعيها مع دوام النظر من غير التفات إلى شيء.
﴿ لا يرتد إليهم طرفهم ﴾ أي لا يرجع إليهم تحريك أجفانهم كما كانوا يفعلون في الدنيا في كل لحظة، بل تبقى أعينهم مفتوحة لا تطرف من شدة الفزع والخوف.
﴿ وأفئدتهم هواء ﴾ أي إنها مضطربة تجيش في صدورهم، تجيء وتذهب، ولا تستقر في مكان حتى تبلغ الحناجر، لشدة ما يرون من هول موقف الحساب.
تفسير المفردات : من زوال : أي من انتقال من دار الدنيا إلى دار أخرى للجزاء.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
ثم ذكر مقالتهم حين يرون هذا الهول وما فيه من العذاب فقال :
﴿ وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ﴾ أي وخوّف أيها الرسول القوم الظالمين، وازجرهم عما هم عليه من الظلم شفقة بهم – هول يوم العذاب وشدته حين يقولون من الهلع والجزع : ربنا أرجعنا إلى الدنيا، وأمهلنا أمدا قريبا، نجب فيه دعوة الرسل إلى توحيدك، وإخلاص العبادة لك، بعد أن جحدنا ذلك.
ثم رد عليهم مقالتهم بقوله :
﴿ أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ﴾ أي وحينئذ يقال لهم على سبيل التوبيخ والتقريع : ألم تحلفوا في الدنيا أنكم إذا متم لا تخرجون لبعث ولا حساب كما حكى الله عنهم :﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ﴾ [ النحل : ٣٨ ] فذوقوا وبال أمركم.
أخرج البيهقي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله تعالى في أربع منها، فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدا يقولون :﴿ ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ﴾ [ غافر : ١١ ] فيجيبهم الله عز وجل :﴿ ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ﴾ [ غافر : ١٢ ] ثم يقولون :﴿ ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ﴾ [ السجدة : ١٢ ] فيجيبهم جل شأنه :﴿ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ [ السجدة : ١٤ ] الآية، ثم يقولون :﴿ ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ﴾ فيجيبهم تبارك وتعالى :﴿ أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ﴾ الآية، ثم يقولون :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ [ فاطر : ٣٧ ] فيجيبهم جل جلاله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ] فيقولون :﴿ ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ﴾ [ المؤمنون : ١٠٦ ] فيجيبهم جلّ وعلا :﴿ اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾ [ المؤمنون : ١٠٨ ] فلا يتكلمون بعدها إن هو إلا زفير وشهيق وحينئذ ينقطع رجاؤهم ويقبل بعضهم ينبح في وجه بعض وتطبق عليهم جهنم. اللهم إنا نعوذ بك من غضبك، ونلوذ بكنفك من عذابك، نسألك التوفيق للعمل الصالح في يومنا لغدنا، والتقرب إليك بما يرضيك قبل أن يخرج الأمر من يدنا ا. ه.
تفسير المفردات : وضربنا لكم الأمثال : أي بينا لكم أنهم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
﴿ وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ﴾ أي وأقمتم فيها واطمأننتم وسرتم سيرة من قبلكم في الظلم والفساد، لم تفكروا فيما سمعتم من أخبار من سكنوها قبلكم ولم تعتبروا بأيام الله فيكم وأنه أهلكهم بظلمهم، وأنكم إن سرتم سيرتهم حاق بكم مثل ما حاق بهم، بعد أن تبين لكم ما فعلنا بهم من الإهلاك والعقوبة بمعاينة آثارهم وتواتر أخبارهم، ومثلنا لكم فيما كنتم مقيمين عليه من الشرك الأشباه والنظائر، فلم ترعووا ولم تتوبوا من كفركم.
الآن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم من العذاب ما نزل ؟ فهيهات هيهات، قد فات ما فات، ولن يكون ذلك حتى يلج الجمل في سم الخياط.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
ثم بيّن أن حالهم كحال من سبقهم حذو القذّّة بالقذّة فقال :
﴿ وقد مكروا مكرهم ﴾ أي وقد مكروا في إبطال الحق وتقرير الباطل مكرهم الذي استفرغوا فيه كل جهدهم وأحكموا أسبابه حتى لم يبق في قوس الحق منزع.
ثم ذكر بعدئذ أن الله عليم بكل ما دبّروا فقال :
﴿ وعند الله مكرهم ﴾ أي ومكتوب عند الله مكرهم، وهو لا محالة مجازيهم عليه، ومعذبهم من حيث لا يشعرون.
والخلاصة : عند الله جزاؤهم وما هو أعظم منه، فرأيهم آفن، إذ هم سلكوا طريقا كان ينبغي البعد عنها بعد أن استبان فسادها.
ثم ذكر أن عاقبة مكرهم الخسران والبوار فقال :
﴿ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ﴾ أي وما كان مكرهم لتزول به آيات الله وشرائعه، ومعجزاته الظاهرة على أيدي الرسل التي هي كالجبال في الرسوخ والثبات.
والخلاصة : تحقير شأن مكرهم وأنه ما كان لتزول منه الآيات والنبوات الثابتة ثبوت الجبال، فليس بمزيل شيئا منها مهما قوي وكان غاية في المتانة والعظم.
تفسير المفردات : عزيز : أي غالب على أمره ينتقم من أعدائه لأوليائه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
﴿ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ﴾ هذا الخطاب لرسوله صلى الله عليه وسلم على نهج سالفه، والمقصود منه تثبيت أمته على ثقتهم بوعد ربهم وتيقنهم بإنجازه، بتعذيب الظالمين وأنه منزل سخطه بمن كذبه وجحد نبوته.
﴿ إن الله عزيز ذو انتقام ﴾ أي غالب على أمره، لا يمتنع منه من أراد عقوبته، قادر على كل من طلبه، لا يفوته بالهرب منه، وهو ذو انتقام ممن كفر برسله، وكذبهم وجحد نبوتهم، وأشرك به واتخذ معه إلها غيره.
تفسير المفردات : وبرزوا : أي خرجوا من قبورهم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
ثم ذكر زمان الانتقام فقال :
﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ﴾ أي إنه تعالى ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض بأن تتطاير هذه الأرض كالهباء وتصير كالدخان المنتشر ثم ترجع أرضا أخرى بعد ذلك، وتبدل السماوات بانتشار كواكبها وانفطارها وتكوير شمسها وخسوف قمرها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي تلك الأرض إلا أنها تغيرت في صفاتها، فتسير عن الأرض جبالها، وتفجّر بحارها تسوى، فلا يرى فيها عوج ولا أمت، وروي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يبدل الله الأرض فيبسطها ويمدها مدّ الأديم العكاظيّ، فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا ".
وهذه الآية الكريمة من معجزات القرآن التي أيدها العلم الحديث وانطبقت عليه أشد الانطباق، فعلماء الفلك الآن يقولون إن الأرض والشمس وسائر الكواكب السيارة كانت فيما مضى كرة نارية حارة طائرة في الفضاء، ودارت على محورها ملايين السنين، ثم تكونت منها الشمس، وبعد ملايين أخرى فصلت منها السيارات ومنها الأرض، وبعد مئات الألوف انفصلت عنها الأقمار.
ولا شك أن هذه الحال بعينها ستعاد كرّة أخرى : أي إن الأرض والكواكب والشمس بعد ملايين السنين ستنحل مرة أخرى ويذوب ذلك الموجود كله، ويتطاير في الفضاء حقبة من الزمن، ثم تعاد كرة أخرى وتكون شمس غير هذه الشمس وأرض غير هذه الأرض وسماوات غير هذه السماوات.
روى مسلم عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله :﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ﴾ فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله ؟ فقال :" على الصراط ".
وروي عن أبي بن كعب أنه قال في معنى التبديل : إن الأرض تصير نيرانا.
وعلى الجملة فقد اتفق العلم الحديث مع الآيات والأحاديث على أن الأرض تصير نارا وأن الناس لا يكونون عليها، بل هناك ما هو أعجب وهو ما روي عن ابن مسعود وأنس رضي الله عنهما من قولهما : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة، ولا بدع في أن تكون أرضا جديدة لم يسكنها أحد، بل تخلق خلقا جديدا.
﴿ وبرزوا لله الواحد القهار ﴾ أي وخرجوا من قبورهم لحكم الله والوقوف بين يدي الواحد القهار، فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار سواه.
وفي هذا تهويل الخطب ما لا يخفى، لأنهم إذا وقفوا عند ملك عظيم قهار لا يشاركه سواه في سلطانه كانوا على خطر، إذ لا منازع له ولا مغيث سواه.
تفسير المفردات : مقرنين : أي مشدودين. في الأصفاد : أي في القيود واحدها صفد.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
وبعد أن وصف سبحانه نفسه بكونه قهارا – بين عجز المجرمين وذلتهم فقال :
﴿ وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ﴾ وصفهم سبحانه بجملة أمور :
( ١ ) إنه يقرن بعضهم إلى بعضهم في القيود ويضمّ كل إلى مشاركه في كفره وعمله كما قال تعالى :﴿ وإذا النفوس زوجت ﴾[ التكوير : ٧ ] وقال :﴿ فكبكبوا فيها هم والغاوون ﴾ [ الشعراء : ٩٤ ] وفي الحديث :" أنت مع من أحببت ".
( ٢ ) إن قمصهم التي يلبسونها من قطران، والمراد من ذلك أن جلود أهل النار تطلى بالقطران حتى يعود طلاؤها كالسرابيل، ليجتمع عليهم أربعة ألوان من العذاب : لذع القطران وحرقته، وإسراع اشتعال النار في الجلود، واللون الأسود الموحش، ونتن الريح.
( ٣ ) إن وجوههم تعلوها النار، وتحيط بها وتسعّر أجسامهم المسربلة بالقطران، وإنما ذكرت الوجوه مع أن ذلك يكون لسائر الجسم – لكونها أعز الأعضاء الظاهرة وأشرفها.
ونظير الآية قوله :﴿ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ﴾ [ الزمر : ٢٤ ] وقوله :﴿ يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ﴾ [ القمر : ٤٨ ].
تفسير المفردات : سرابيلهم : واحدها سربال : وهو القميص. والقطران : دهن يتحلب من شجر الإبهل والعرعر والتوت كالزفت تدهن به الإبل إذا جربت. ويقال له الهناء، وهو أسود اللون منتن الريح تقول هنأت البعير أهنؤه إذا طليته بالهناء. وتغشى وجوههم النار : أي تعلوها وتحيط بها. بلاغ : كفاية في العظة والتذكير.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:تفسير المفردات : مقرنين : أي مشدودين. في الأصفاد : أي في القيود واحدها صفد.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
وبعد أن وصف سبحانه نفسه بكونه قهارا – بين عجز المجرمين وذلتهم فقال :
﴿ وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ﴾ وصفهم سبحانه بجملة أمور :
( ١ ) إنه يقرن بعضهم إلى بعضهم في القيود ويضمّ كل إلى مشاركه في كفره وعمله كما قال تعالى :﴿ وإذا النفوس زوجت ﴾[ التكوير : ٧ ] وقال :﴿ فكبكبوا فيها هم والغاوون ﴾ [ الشعراء : ٩٤ ] وفي الحديث :" أنت مع من أحببت ".
( ٢ ) إن قمصهم التي يلبسونها من قطران، والمراد من ذلك أن جلود أهل النار تطلى بالقطران حتى يعود طلاؤها كالسرابيل، ليجتمع عليهم أربعة ألوان من العذاب : لذع القطران وحرقته، وإسراع اشتعال النار في الجلود، واللون الأسود الموحش، ونتن الريح.
( ٣ ) إن وجوههم تعلوها النار، وتحيط بها وتسعّر أجسامهم المسربلة بالقطران، وإنما ذكرت الوجوه مع أن ذلك يكون لسائر الجسم – لكونها أعز الأعضاء الظاهرة وأشرفها.
ونظير الآية قوله :﴿ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ﴾ [ الزمر : ٢٤ ] وقوله :﴿ يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ﴾ [ القمر : ٤٨ ].

المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
﴿ ليجزي الله كل نفس ما كسبت ﴾ أي فعل الله ذلك بهم جزاء وفاقا بما كسبوا في الدنيا من الآثام، لكي يثيب كل نفس بما كسبت جميع العباد في أسرع من لمح البصر، ولا يشغله حساب عن حساب : كما لا يشغله رزق زيد عن رزق عمرو.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه أن جزاء من بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا له الأنداد جهنم يصلونها وبئس المهاد، وطلب إلى عباده المؤمنين مجاهدة النفس والهوى وإقامة فرائض الدين – ذكر هنا تسلية لرسوله وتهديدا للظالمين من أهل مكة أن تأخيرهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية ليس بإهمال للعقوبة ولا لغفلة عن حالهم، وإنما كان لحكمة اقتضت ذلك وهم مرصدون ليوم شديد الهول، له من الأوصاف ما بيّن بعد، وعليك أيها الرسول أن تنذر الناس بقرب حلوله، وأنهم في ذلك اليوم سيطلبون المردّ إلى الدنيا ليجيبوا دعوة الداعي، وهيهات هيهات.
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الصّرع ما قرى في الحلاب
وقد كان لكم معتبر في تلك المساكن التي تسكنونها، فإنها كانت لقوم أمثالكم كفروا بأنعم الله، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ألا إن وعد الله لرسله لا يخلف، وهو ناصرهم وخاذل أعدائه، كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومحاسبهم في يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يوم يخرجون من قبورهم للحساب أمام الواحد القهار، وترى حال المجرمين يجلّ عن الوصف.
وهذا الذي قصصته عليكم تبليغ وإنذار، ليتذكر به ذوو العقول الراجحة، وليعلموا أن الله واحد لا شريك له.
﴿ هذا بلاغ للناس ﴾ أي هذا القرآن الكريم بلاغ للناس، أبلغ الله به إليهم في الحجة، وأعذر إليهم بما أنزل فيه من مواعظه وعبره.
﴿ ولينذروا به ﴾ عقاب الله ويحذروا به نقمته.
﴿ وليعلموا أنما هو إله واحد ﴾ أي وليعلموا بما احتج به عليهم من الحجج فيه، إنما هو إله واحد لا آلهة شتى كما يقول المشركون بالله، وهو الذي سخر لهم الشمس والقمر، والليل والنهار، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم.
﴿ وليذكر أولوا الألباب ﴾ أي وليتذكروا ويتعظوا بما احتج الله به من الحجج، فيزدجروا عن أن يجعلوا معه إلها غيره، وفي تخصيص التذكر بأولي الألباب إعلاء لشأنهم، وإيماء إلى أنهم هم أهل النظر والاعتبار.
وجملة القول إنه سبحانه جعل لهذا البلاغ فوائد في الحكمة من إنزال الكتب والرسل :
( ١ ) إن الرسل يخوّفون الناس عقاب الله وينذرونهم بأسه، ليكمّلوهم بمعرفة ربهم وتقواه والعمل على طاعته.
( ٢ ) إن الناس ترتقي قوتهم النظرية إلى منتهى كمالها، بتوحيد الخلق والاعتراف بأنه مدبر الكون والمسيطر عليه.
( ٣ ) إنهم يستصلحون قوتهم العملية بتدرعهم بلباس التقوى.
Icon