تفسير سورة المؤمنون

التفسير القيم
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب التفسير القيم .
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

و«الفردوس » اسم يقال على جميع الجنة. ويقال : على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات.
وأصل «الفردوس » : البستان، والفراديس : البساتين. قال كعب : هو البستان الذي فيه الأعناب. . . وقال الليث :«الفردوس » جنة ذات كروم، يقال : كرم مفردس، أي معرش.
وقال الضحاك : هي الجنة الملتفة بالأشجار، وهو اختيار المبرد. وقال : الفردوس - فيما سمعت من كلام العرب - : الشجر الملتف، والأغلب عليه العنب، وجمعه الفراديس. قال : ولهذا سمى «باب الفراديس » بالشام. وأنشد لجرير :
فقلت للركب، إذ جد المسير بنا يا بعد ما بين أبواب الفراديس
وقال مجاهد : هو البستان بالرومية. واختاره الزجاج. فقال : هو بالرومية، منقول إلى منقول إلى لغة العرب. قال : وحقيقتة : أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين. قال حسان :
وإن ثواب الله كل مخلد جنان من الفردوس فيها يخلد
تأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز البين. فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا، يوصل إلى عابديه النفع، ويدفع عنه الضر فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضى شركة الإله الآخر معه، بل إن قدر على قهره والتفرد بالإلهية دونه فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه، وذهب به، كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم بعضا بممالكهم، إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر، والعلو عليه. فلا بد من أحد أمور ثلاثة : إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه. وإما أن يعلو بعضهم على بعض. وإما أن يكون كلهم تحت قهر إله واحد، يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه، ويمتنع من حكمهم عليه ولا يمتنعون من حكمه، يكون وحده هو الإله الحق، وهم العبيد المربوبون المقهورون.
وانتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض، وجريانه، على نظام محكم لا يختلف ولا يفسد. من أدل دليل على أن مدبره واحد، لا إله غيره كما دل دليل التمانع على أن خالقه واحد، لا رب غيره.
فذلك تمانع في الفعل والإيجاد، وهذا تمانع في الغاية والألوهية.
فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان كذلك يستحيل أن يكون له إلهان معبودان.
Icon