تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب تأويلات أهل السنة
المعروف بـتفسير الماتريدي
.
لمؤلفه
أبو منصور المَاتُرِيدي
.
المتوفي سنة 333 هـ
سورة آل عمران١
١ في بداية هذه السورة صارت المقابلة مقتصرة على نسخة الظاهرية المسماة أصلا ونسخة دار الكتب المصرية المرموز لها بـ: و.
ﰡ
ﭑ
ﰀ
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
* * *
قوله: (الم (١) اللَّهُ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: تفسيره ما وصل به من قوله: (الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ). هو تفسير (الم)، و (الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ): تفسير (الم)، و (المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ)، وجميع ما وصل به الحروف المقطعة فهو تفسيرها، ولله أن يسمي نفسه بما شاء: سمى نفسه مجيدًا؛ كقوله: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)
* * *
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)قوله: (الم (١) اللَّهُ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: تفسيره ما وصل به من قوله: (الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ). هو تفسير (الم)، و (الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ): تفسير (الم)، و (المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ)، وجميع ما وصل به الحروف المقطعة فهو تفسيرها، ولله أن يسمي نفسه بما شاء: سمى نفسه مجيدًا؛ كقوله: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)
وسمى القرآن مجيدًا؛ كقوله: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحروف المقطعة هي مفتاح السورة.
وقال آخرون: إن كل حرف منها اسم من أسماء اللَّه تعالى.
ومنهم من يقول بأنها من المتشابه التي لا يوقف عليها.
ومنهم من يقول: هو على التشبيب؛ إذ من عادة العرب ذلك، وقد مضى الكلام فيه في قوله: (الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ)، بما يكفي.
وقوله: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)
هو الْحَيُّ بذاته، وكل حي سواه حي بحياة هي غيره، فإذا كان هو حيًّا بذاته لم
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحروف المقطعة هي مفتاح السورة.
وقال آخرون: إن كل حرف منها اسم من أسماء اللَّه تعالى.
ومنهم من يقول بأنها من المتشابه التي لا يوقف عليها.
ومنهم من يقول: هو على التشبيب؛ إذ من عادة العرب ذلك، وقد مضى الكلام فيه في قوله: (الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ)، بما يكفي.
وقوله: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)
هو الْحَيُّ بذاته، وكل حي سواه حي بحياة هي غيره، فإذا كان هو حيًّا بذاته لم
297
يوصف بالتغاير والزوال، ولما كان كل حي سواه حيًّا بغيره احتمل التغاير والزوال؛ وكأن الحياة عبارة يوصف بها مَنْ عَظُمَ شَأنُهُ، وشَرُفَ أمره عند الخلق.
ألا ترى أن اللَّه - تعالى - وصف الأرض بالحياة عند نباتِها؛ لما يعظم قدرها ويشرف منزلتها عند الخلق عند النبات؟! وكذلك سمى المؤمن حيا؛ لعلو قدره عند الناس، والكافر ميتا؛ لدون منزلته عند الناس؛ فكذلك اللَّه - سبحانه - سمى نفسه حيًّا؛ لعظمته وجلاله وكبريائه؛ وعلى هذا يخرج قوله في الشهداء؛ حيث قال: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ)، أي: مكرمون معظمون مشرفون عند ربِّهم.
وقوله: (الْقَيُّومُ)، قَالَ بَعْضُهُمْ: هو القائم على كل نفس بما كسبت.
وقال آخرون: القيوم: الحافظ.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " هو الْحَيُّ الْقَيَّامُ " وكله يرجع إلى واحد: القائم.
والقيوم، والقيام، يقال: فلان قائم على أمر فلان، أي: يحفظه حتى لا يغيب عنه من أمره شيء.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " إنَّ اسمَ اللَّه الأعْظَمَ هُوَ: الْحَيُّ
ألا ترى أن اللَّه - تعالى - وصف الأرض بالحياة عند نباتِها؛ لما يعظم قدرها ويشرف منزلتها عند الخلق عند النبات؟! وكذلك سمى المؤمن حيا؛ لعلو قدره عند الناس، والكافر ميتا؛ لدون منزلته عند الناس؛ فكذلك اللَّه - سبحانه - سمى نفسه حيًّا؛ لعظمته وجلاله وكبريائه؛ وعلى هذا يخرج قوله في الشهداء؛ حيث قال: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ)، أي: مكرمون معظمون مشرفون عند ربِّهم.
وقوله: (الْقَيُّومُ)، قَالَ بَعْضُهُمْ: هو القائم على كل نفس بما كسبت.
وقال آخرون: القيوم: الحافظ.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " هو الْحَيُّ الْقَيَّامُ " وكله يرجع إلى واحد: القائم.
والقيوم، والقيام، يقال: فلان قائم على أمر فلان، أي: يحفظه حتى لا يغيب عنه من أمره شيء.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " إنَّ اسمَ اللَّه الأعْظَمَ هُوَ: الْحَيُّ
298
الْقَيُّومُ ".
وقوله: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ (٣)
ظاهر.
(بِالْحَقِّ)
قيل فيه بوجوه: يحتمل بالحق، أي: دعاء الخلق إلى الحق، ويحتمل بالحق، أي: هو الحق نفسه حجة مجعولة، وآية معجزة، أيس العرب عن أن يعارضوه أو يأتوا بمثله، وتحقق عند كُلٍّ أنهُ من عند اللَّه، إلا من أعرض عنه، وكابر وعاند.
وقيل: بالحق، أي: بالصدق والعدل.
وقيل: بالحق الذي لله عليهم، وما يكون لبعضهم على بعض.
ثم قال: (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ).
وقوله: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ (٣)
ظاهر.
(بِالْحَقِّ)
قيل فيه بوجوه: يحتمل بالحق، أي: دعاء الخلق إلى الحق، ويحتمل بالحق، أي: هو الحق نفسه حجة مجعولة، وآية معجزة، أيس العرب عن أن يعارضوه أو يأتوا بمثله، وتحقق عند كُلٍّ أنهُ من عند اللَّه، إلا من أعرض عنه، وكابر وعاند.
وقيل: بالحق، أي: بالصدق والعدل.
وقيل: بالحق الذي لله عليهم، وما يكون لبعضهم على بعض.
ثم قال: (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ).
أي: موافقًا لما قبله من الكتب السماوية، وهي غير مختلفة ولا متفاوتة، وفيه دلالة نبوة سيدنا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه أخبر أنه موافق لتلك الكتب غير مخالف لها، ولو كان على خلاف ذلك لتكلفوا إظهار موضع الخلاف؛ فإذا لم يفعلوا ذلك دل أنهم عرفوا أنه من اللَّه، وأن محمدًا رسوله، لكنهم كابروا وعاندوا.
وقوله: (وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ (٤)
من بعد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (هُدًى لِلنَّاسِ).
أي: بيانا لهم، وحجة لمن اهتدى، وحجة على من عمي؛ إذ لا يحتمل أن يكون له هدى، وعليه حجة فيه الهلاك؛ إنما يكون حجة له وهدى إذا اهتدى، وعليه إن ترك الاهتداء؛ فبان أنه يخالف ما يقوله المعتزلة.
وقوله: (وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ (٤)
من بعد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (هُدًى لِلنَّاسِ).
أي: بيانا لهم، وحجة لمن اهتدى، وحجة على من عمي؛ إذ لا يحتمل أن يكون له هدى، وعليه حجة فيه الهلاك؛ إنما يكون حجة له وهدى إذا اهتدى، وعليه إن ترك الاهتداء؛ فبان أنه يخالف ما يقوله المعتزلة.
300
وقوله: (وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ): قد ذكرنا فيما تقدم أنه إنما سمي فرقانًا؛ لوجهين: أحدهما: لما فرق آياته وفرق إنزاله.
والثاني: لما يفرق بين الحق والباطل، وبين الحرام والحلال، وبين ما يتقى ويؤتى؛ فعلى هذا كل كتاب مبيّن فيه الحلال والحرام، وبُيّن ما يتقى ويؤتى. والإنجيل فيه سمي إنجيلًا؛ لما يجلي، وهو الإظهار في اللغة.
وَقِيل: سمي التوراة تَوْراة من أوريت الزند؛ وهو كذلك. واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ...): قيل: بحجج اللَّه.
وقِيل: كفروا بآيات اللَّه، أي: باللَّه؛ لأنهم إذا كفروا بآياته كفروا به، وكذلك الكفر بدينه كفر به، والبراءة من دينه براءة منه، والبراءة من رسوله براءة منه.
والثاني: لما يفرق بين الحق والباطل، وبين الحرام والحلال، وبين ما يتقى ويؤتى؛ فعلى هذا كل كتاب مبيّن فيه الحلال والحرام، وبُيّن ما يتقى ويؤتى. والإنجيل فيه سمي إنجيلًا؛ لما يجلي، وهو الإظهار في اللغة.
وَقِيل: سمي التوراة تَوْراة من أوريت الزند؛ وهو كذلك. واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ...): قيل: بحجج اللَّه.
وقِيل: كفروا بآيات اللَّه، أي: باللَّه؛ لأنهم إذا كفروا بآياته كفروا به، وكذلك الكفر بدينه كفر به، والبراءة من دينه براءة منه، والبراءة من رسوله براءة منه.
301
وقوله: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ).
قيل فيه بوجهين:
قيل: ذو انتقام لأوليائه من أعدائِه.
وقيل: ذو انتقام: ذو انتصار على الأعداء.
وقيل: ذو بطش شديد.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)
هو وعيد؛ كأنه - واللَّه أعلم - قال: لا يخفى عليه ما في السماوات، وأما في، الأرض من الأمور المستورة الخفية على الخلق؛ فكيف يخفى عليه أعمالكم وأفعالكم، التي هي ظاهرة عندكم؟! ويحتمل: إذا لم يخف عليه ما بطن، وخفي في الأصلاب والضمائر والأرحام؛ فكيف يخفى عليه أفعالكم وأقوالكم، وهي ظاهرة؟!.
ألا ترى أنه قال: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ)؛ إذ علم ما في الأرحام وصوَّرها على ما شاء وكيف شاء، وهم (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ).
وقوله: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ (٦)
فيه دليل نقض قول من يقول بالقائف؛ لأنه جعل علم التصور في الأرحام لنفسه، لم يجعل لغيره، كيف عرف بالقائف تصوير الأول، حتى قال اللَّه: إنه على صورته وعلى
قيل فيه بوجهين:
قيل: ذو انتقام لأوليائه من أعدائِه.
وقيل: ذو انتقام: ذو انتصار على الأعداء.
وقيل: ذو بطش شديد.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)
هو وعيد؛ كأنه - واللَّه أعلم - قال: لا يخفى عليه ما في السماوات، وأما في، الأرض من الأمور المستورة الخفية على الخلق؛ فكيف يخفى عليه أعمالكم وأفعالكم، التي هي ظاهرة عندكم؟! ويحتمل: إذا لم يخف عليه ما بطن، وخفي في الأصلاب والضمائر والأرحام؛ فكيف يخفى عليه أفعالكم وأقوالكم، وهي ظاهرة؟!.
ألا ترى أنه قال: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ)؛ إذ علم ما في الأرحام وصوَّرها على ما شاء وكيف شاء، وهم (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ).
وقوله: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ (٦)
فيه دليل نقض قول من يقول بالقائف؛ لأنه جعل علم التصور في الأرحام لنفسه، لم يجعل لغيره، كيف عرف بالقائف تصوير الأول، حتى قال اللَّه: إنه على صورته وعلى
الآية ٦ وقوله تعالى :﴿ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ فيه دليل نقض من يقول بالقائف١ لأنه جعل علم التصوير في الأرحام لنفسه، لم يجعله٢ لغيره، كيف عرف القائف تصوير الأول ؟ حين قال الله : إنه على تصويره، وإنه من مأتاته٣.
ثم اختلف في خلق الأشياء : قال بعضهم [ الخلق خلق ]٤ الفروع من الأصول، وهن أسباب للفروع، وقال آخرون : يكون بأسباب وبغير أسباب. فإن كانت بعض الأشياء تكون بأسباب من نحو الإنسان من النطفة ؛ إلا أن النطفة تتلف، فتكون علقة ثم مضغة، فدل أنه يخلق كيف شاء ؟ من شيء بسبب وبغير سبب، وهو القادر على ذلك، وبالله التوفيق.
ثم اختلف في خلق الأشياء : قال بعضهم [ الخلق خلق ]٤ الفروع من الأصول، وهن أسباب للفروع، وقال آخرون : يكون بأسباب وبغير أسباب. فإن كانت بعض الأشياء تكون بأسباب من نحو الإنسان من النطفة ؛ إلا أن النطفة تتلف، فتكون علقة ثم مضغة، فدل أنه يخلق كيف شاء ؟ من شيء بسبب وبغير سبب، وهو القادر على ذلك، وبالله التوفيق.
١ القائف: من يعرف الآثار..
٢ في الأصل وم: يجعل..
٣ مأتاته: جهته..
٤ في الأصل وم: لخلق..
٢ في الأصل وم: يجعل..
٣ مأتاته: جهته..
٤ في الأصل وم: لخلق..
تصويره، وإنه من مائه، ثم اختلف في خلق الأشياء:
قَالَ بَعْضُهُمْ بخلق الفروع من الأصول، وهن أسباب للفروع.
وقال آخرون: يكون بأسباب وبغير أسباب، فإن كان بعض الأشياء يكون بأسباب؛ من نحو الإنسان من النطفة، إلا أن النطفة تتلف؛ فتكون علقة، ثم مضغة؛ فدل أنه يخلق الخلق كيف شاء من شيء ولا من شيء، بسبب وبغير سبب، وهو القادر على ذلك، وباللَّه التوفيق.
وقوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (٧)
اختلف فيه: فقيل: المحكمات: هن النَّاسخات المعمولات بهن،
قَالَ بَعْضُهُمْ بخلق الفروع من الأصول، وهن أسباب للفروع.
وقال آخرون: يكون بأسباب وبغير أسباب، فإن كان بعض الأشياء يكون بأسباب؛ من نحو الإنسان من النطفة، إلا أن النطفة تتلف؛ فتكون علقة، ثم مضغة؛ فدل أنه يخلق الخلق كيف شاء من شيء ولا من شيء، بسبب وبغير سبب، وهو القادر على ذلك، وباللَّه التوفيق.
وقوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (٧)
اختلف فيه: فقيل: المحكمات: هن النَّاسخات المعمولات بهن،
303
والمتشابهات: هن المنسوخات غير معمول بهن، وهو قول ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
وقال آخرون: المحكمات: هن ثلاث آيات في آخر سورة الأنعام: قوله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ...)، إلى قوله: (... تَتَّقُونَ)، وما ذكر في سورة " بني إسرائيل " من قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، إلى آخر هذه الآيات، سميت محكمة؛ لأن فيها توحيدًا وإيمانًا باللَّه وغيره من المتشابه.
ثم قيل بعد هذا بوجوه: قيل: المحكمات: هي التي يعرفها كل أحد إذا نظر فيها، وتأمَّل فيها.
والمتشابه: هو المبهم الذي يعرف عند البحث فيه والطلب.
وقيل: المحكمات: ما يوقف ويفهم مراده.
والمتشابه: هو الذي لا يوقف عليه ألبتَّة، بعد ما قضى حوائج الخلق من البيان في
وقال آخرون: المحكمات: هن ثلاث آيات في آخر سورة الأنعام: قوله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ...)، إلى قوله: (... تَتَّقُونَ)، وما ذكر في سورة " بني إسرائيل " من قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، إلى آخر هذه الآيات، سميت محكمة؛ لأن فيها توحيدًا وإيمانًا باللَّه وغيره من المتشابه.
ثم قيل بعد هذا بوجوه: قيل: المحكمات: هي التي يعرفها كل أحد إذا نظر فيها، وتأمَّل فيها.
والمتشابه: هو المبهم الذي يعرف عند البحث فيه والطلب.
وقيل: المحكمات: ما يوقف ويفهم مراده.
والمتشابه: هو الذي لا يوقف عليه ألبتَّة، بعد ما قضى حوائج الخلق من البيان في
304
المحكم منه، ولكن يلزم الإيمان به، وهو من اللَّه محنة على عباده، ولله أن يمتحن خلقه بما شاء من أنواع المحن؛ لأنها دار محنة. وغيرها لا يفهم مرادها.
ويحتمل أن يكون المحكمات: هن ما ظهر لكل أحد من أهل الإسلام؛ حتى لم يختلفوا فيها.
والمتشابه: هو الذي اشتبه على الناس؛ لاختلاف الألسن فاختلفوا فيها، ولما يؤدي ظاهره إلى غير ما يؤدي باطنه؛ فتعلق بعضهم بالظاهر فقالوا به، وتعلق آخرون بالباطن؛ لما رأوا ظاهره جورًا وظلمًا أو تشبيهًا، على اتفاقهم على نفي الجور والظلم عنه، ويجوز لمن يوقف على المتشابه بمعرفة المحكم.
وقال آخرون: المحكم: هو الواضح المبين، فلو كان على ما قالوا لم يكن لاختلاف الناس فيه، وادعاء كلٌّ أن الذي هو عليه هو المحكم؛ لأنه لو كان ظاهرًا مبيّنًا لتمسكوا به، ولم يقع بينهم اختلاف.
وفيه دليل ونقض على المعتزلة؛ لأنهم يقولون بالأصلح في الدِّين: أنه لا يفعل إلا
ويحتمل أن يكون المحكمات: هن ما ظهر لكل أحد من أهل الإسلام؛ حتى لم يختلفوا فيها.
والمتشابه: هو الذي اشتبه على الناس؛ لاختلاف الألسن فاختلفوا فيها، ولما يؤدي ظاهره إلى غير ما يؤدي باطنه؛ فتعلق بعضهم بالظاهر فقالوا به، وتعلق آخرون بالباطن؛ لما رأوا ظاهره جورًا وظلمًا أو تشبيهًا، على اتفاقهم على نفي الجور والظلم عنه، ويجوز لمن يوقف على المتشابه بمعرفة المحكم.
وقال آخرون: المحكم: هو الواضح المبين، فلو كان على ما قالوا لم يكن لاختلاف الناس فيه، وادعاء كلٌّ أن الذي هو عليه هو المحكم؛ لأنه لو كان ظاهرًا مبيّنًا لتمسكوا به، ولم يقع بينهم اختلاف.
وفيه دليل ونقض على المعتزلة؛ لأنهم يقولون بالأصلح في الدِّين: أنه لا يفعل إلا
305
ذلك، ثم لم يبين لهم المحكم من غير المحكم، ولو بين كان أصلح لهم في الدِّين؛ فدل أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - قد يجوز أن يفعل بهم ما ليس بأصلح لهم في الدِّين؛ امتحانًا وابتلاءً منه لهم، واللَّه أعلم.
لكن لا يخرج من الحكمة، ثم ما قالوه في الأمر حق؛ لأنه لا يأمر إلا أن يفعل بهم ما لهم فيه الأصلح، وقد يفعل ما هو حكمة في حق المحنة وإن كان غير ذلك أصلح لهم في الذين، بمعنى: أقرب وأدعى إليه، واللَّه الموفق.
وَقال قوم: المحكم: ما في العقل بيانه.
والمتشابه: ما لا يدرك في العقل؛ وإنَّمَا يعرف بمعونة السمع.
وقال قوم: لا متشابه فيما فيه أحكام من أمر ونهي وحلال وحرام؛ وإنَّمَا
لكن لا يخرج من الحكمة، ثم ما قالوه في الأمر حق؛ لأنه لا يأمر إلا أن يفعل بهم ما لهم فيه الأصلح، وقد يفعل ما هو حكمة في حق المحنة وإن كان غير ذلك أصلح لهم في الذين، بمعنى: أقرب وأدعى إليه، واللَّه الموفق.
وَقال قوم: المحكم: ما في العقل بيانه.
والمتشابه: ما لا يدرك في العقل؛ وإنَّمَا يعرف بمعونة السمع.
وقال قوم: لا متشابه فيما فيه أحكام من أمر ونهي وحلال وحرام؛ وإنَّمَا
306
ذلك فيما ليس بالناس حاجة إلى العلم به، نحو: الإنباء عن منتهى الملك، وعن عدد الملوك، وعن الإحاطة بحقيقة الموعود، ونحو ذلك. ولا قوة إلا باللَّه.
لكن يمكن أن يكون سمي متشابهًا؛ بما تشابه على أُولَئِكَ القوم حقيقة ما راموا من الوجه الذي طلبوا.
لكن يمكن أن يكون سمي متشابهًا؛ بما تشابه على أُولَئِكَ القوم حقيقة ما راموا من الوجه الذي طلبوا.
307
وقد بيّنا الحق في أمر المتشابه، وما يجب في ذلك من القول، وباللَّه العصمة والنجاة.
وقوله: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ): يحتمل وجهين:
يحتمل أم الكتاب، أي: أصل الكتاب.
ويحتمل أم الكتاب، أي: المتقدم على غيرها؛ وعلى هذا يُخَرّجُ: (أُمَّ الْقُرَى) أعني: مكة؛ لأنها هي المتقدمة على غيرها من القرى، ويحتمل هي أصل القرى؛ كما سمى " فاتحة الكتاب ": " أم القرآن "؛ لأنها أصل؛ أو لأنها هي المتقدمة على غيرها من السور، واللَّه أعلم.
وقوله: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ): يحتمل وجهين:
يحتمل أم الكتاب، أي: أصل الكتاب.
ويحتمل أم الكتاب، أي: المتقدم على غيرها؛ وعلى هذا يُخَرّجُ: (أُمَّ الْقُرَى) أعني: مكة؛ لأنها هي المتقدمة على غيرها من القرى، ويحتمل هي أصل القرى؛ كما سمى " فاتحة الكتاب ": " أم القرآن "؛ لأنها أصل؛ أو لأنها هي المتقدمة على غيرها من السور، واللَّه أعلم.
308
ويحتمل قوله: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)، أي: مقصود الكتاب، يعني: المحكمات، والمتشابهات مما فيه شبه من غيره؛ فيتشابه؛ فهو متشابه؛ كقولهم: (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا)؛ وكذلك المشكل سمي مشكلًا؛ لما يدخل فيه شكل من غيره فسمي مشكلًا؛ فكذلك المتشابه يدخل فيه شبه غيره؛ فصار متشابهًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)
قيل: ميل عن الحق.
وقيل: الزيغ: هو الريب والشك.
(فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ)
ولو كان ثم اتباع لعذروا؛ إذ الاتباع للشيء اتباع ما فيه من المراد؛ وعلى هذا يقولون في قوله: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ): أي يتبعونه حق اتباعه، وكذلك قوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ). والمتشابه قد أنزل إلينا من ربنا؛ فيحمد متبعه في الحقيقة؛ فثبت أنه لم يكن ثم اتباع في الحقيقة، وأنه لو كان لعذروا، ولكنه كان - واللَّه أعلم - اتباع الآراء في التأويل بالآراء الفاسدة؛ ألا ترى أنهم طلبوا بالتأويل منتهى ملك هذه الأمَّة؟! وفي الوقوف عليه وقوف على علم الساعة وسبب
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)
قيل: ميل عن الحق.
وقيل: الزيغ: هو الريب والشك.
(فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ)
ولو كان ثم اتباع لعذروا؛ إذ الاتباع للشيء اتباع ما فيه من المراد؛ وعلى هذا يقولون في قوله: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ): أي يتبعونه حق اتباعه، وكذلك قوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ). والمتشابه قد أنزل إلينا من ربنا؛ فيحمد متبعه في الحقيقة؛ فثبت أنه لم يكن ثم اتباع في الحقيقة، وأنه لو كان لعذروا، ولكنه كان - واللَّه أعلم - اتباع الآراء في التأويل بالآراء الفاسدة؛ ألا ترى أنهم طلبوا بالتأويل منتهى ملك هذه الأمَّة؟! وفي الوقوف عليه وقوف على علم الساعة وسبب
309
القيامة، وذلك علم لم يُطْلِعِ اللهُ الرسلَ على ذلك، فضلًا أن يطلع عليه غيرهم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: ويحتمل أن يكون اتباعهم نظرهم فيما تقصر أفهامهم عن الإدراك في الوقوف عليه، ولو كان نظرهم في المحكم من ذلك، لكان لهم في ذلك بلاغ وكفاية فيما إليهم به حاجة، ولا قوة إلا باللَّه.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: في قوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ): أي: ميل عن الحق، وذلك همتهم، أو كان ذلك اعتقادهم، فإن كان المراد من ذلك في الكفرة فهو الأوّل، وإن كان في أصحاب الهوى من الذين يدينون دين الإسلام - فهو الثاني؛ وكذلك نجد كل ذي مذهب في الدِّين - ممن اعتقد حقيقة الأمر في قوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)، وقوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الآية، وقوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ...) الآية - يتعلق بظاهر الآية؛ يدعي أنها محكمة بما عنده أنه الحق، بعد أن أجهد نفسه في طلب الحق، ويسوي غير ذلك عليه، فإن كان على ذلك فحقه التسليم لما عليه توارث الأمة ظاهرًا؛ على ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه أخبر عن تفرق الأمة، ثم أشار إلى التمسُّك بما عليه هو وأصحابه - رضي اللَّه عنهم -، فعلى ذلك أمر المتوارث؛ فيجب جعله محكمًا وبيانًا لما اختلف عليه، ولا قوة إلا باللَّه.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: ويحتمل أن يكون اتباعهم نظرهم فيما تقصر أفهامهم عن الإدراك في الوقوف عليه، ولو كان نظرهم في المحكم من ذلك، لكان لهم في ذلك بلاغ وكفاية فيما إليهم به حاجة، ولا قوة إلا باللَّه.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: في قوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ): أي: ميل عن الحق، وذلك همتهم، أو كان ذلك اعتقادهم، فإن كان المراد من ذلك في الكفرة فهو الأوّل، وإن كان في أصحاب الهوى من الذين يدينون دين الإسلام - فهو الثاني؛ وكذلك نجد كل ذي مذهب في الدِّين - ممن اعتقد حقيقة الأمر في قوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)، وقوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الآية، وقوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ...) الآية - يتعلق بظاهر الآية؛ يدعي أنها محكمة بما عنده أنه الحق، بعد أن أجهد نفسه في طلب الحق، ويسوي غير ذلك عليه، فإن كان على ذلك فحقه التسليم لما عليه توارث الأمة ظاهرًا؛ على ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه أخبر عن تفرق الأمة، ثم أشار إلى التمسُّك بما عليه هو وأصحابه - رضي اللَّه عنهم -، فعلى ذلك أمر المتوارث؛ فيجب جعله محكمًا وبيانًا لما اختلف عليه، ولا قوة إلا باللَّه.
310
ويكون المبتدع في ابتغاء تأويله؛ يريد التلبيس على من لزم تلك الجملة، وكذلك لأهل جمل في الدِّين مرفوع عليه، كذا التنازع وترك الاشتغال بتأويل ما اعترضه، لكان متبع المحكم عند الأمة مطيعًا المتشابه، ولا قوة إلا باللَّه.
وإن كان هو الأوَّل فقد ذكر أن ذلك في استخراج منتهى ملك هذه الأمة، وأن نهايته الساعة، والعلم به لم يطلع عليه الرسل فضلًا عمن دونهم، أو كان ذلك في أشياء تقصر عقول الضعفاء عن الإحاطة بذلك؛ يريدون بذلك التلبيس على العوام وأهل الغباوة؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - بما ذكر أنه لا يعلمه إلا اللَّه كان ذلك فيما يعلمه غيره أو لا، فإن كان أطلعه فباللَّه علم، لا أن في العقول بلوغ ذلك، ومعنى الاتباع ما قد بين.
وقوله: (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)، أي: من القرآن بقول ما اشتبه حسابهم.
(ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ).
وقيل: الفتنة: الكفر، ويحتمل " الفتنة ": المحنة، أي: يمتحنون أهل الإسلام.
وقوله: (وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ).
منتهى ما كتب اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لهذه الأمَّة من المدة لهم والوقت، وأصل التأويل: هو المنتهى.
قال اللَّه - تعالى -: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ).
وإن كان هو الأوَّل فقد ذكر أن ذلك في استخراج منتهى ملك هذه الأمة، وأن نهايته الساعة، والعلم به لم يطلع عليه الرسل فضلًا عمن دونهم، أو كان ذلك في أشياء تقصر عقول الضعفاء عن الإحاطة بذلك؛ يريدون بذلك التلبيس على العوام وأهل الغباوة؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - بما ذكر أنه لا يعلمه إلا اللَّه كان ذلك فيما يعلمه غيره أو لا، فإن كان أطلعه فباللَّه علم، لا أن في العقول بلوغ ذلك، ومعنى الاتباع ما قد بين.
وقوله: (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)، أي: من القرآن بقول ما اشتبه حسابهم.
(ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ).
وقيل: الفتنة: الكفر، ويحتمل " الفتنة ": المحنة، أي: يمتحنون أهل الإسلام.
وقوله: (وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ).
منتهى ما كتب اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لهذه الأمَّة من المدة لهم والوقت، وأصل التأويل: هو المنتهى.
قال اللَّه - تعالى -: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ).
311
أي: وما يعلم منتهي تلك الأمة إلا اللَّه.
ثم المتشابه: إن كان ما يوقف فيه فهو، وإن كان مما يعرفه أهل المعرفة، ويعلمه بالواضح - فهو هو، وأصل هذا: أن كل ذي مذهب في الإسلام يدعي على خصمه بما ذهب إليه من الحجاج بالآيات -الوقوع في المتشابه، ولنفسه- الوقوع في الواضح، وعنده أن ما ذهب إليه هو الحق؛ فلا فرق بين أن يدعي عليه ذهابه إلى غير الحق، أو تعديه إلى المتشابه وترك الواضح، فسبيل مثله الفحص والبحث عما ذهب إليه إن جاء بشيء يضطر العقل إلى قبوله سلم له ما جاء به، وإلا فخصمه منه في دعوى مثله: بالوقوع له في المتشابه بمحل دعواه.
وقوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ):
قال قوم: موضع الوقف على قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، ثم ابتدأ فقال: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا): " يقولون "، بمعنى: قالوا، " آمنا به ": بما عرفنا، وذلك جائز في اللغة؛ " يقول " بمعنى: " قال ".
وقال آخرون: موضع الوقف على قوله: (إِلا اللَّهُ)، ثم استأنف الكلام فقال: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا): المحكم والمتشابه وغيره.
قيل: الراسخون: هم المتدارسون.
ثم المتشابه: إن كان ما يوقف فيه فهو، وإن كان مما يعرفه أهل المعرفة، ويعلمه بالواضح - فهو هو، وأصل هذا: أن كل ذي مذهب في الإسلام يدعي على خصمه بما ذهب إليه من الحجاج بالآيات -الوقوع في المتشابه، ولنفسه- الوقوع في الواضح، وعنده أن ما ذهب إليه هو الحق؛ فلا فرق بين أن يدعي عليه ذهابه إلى غير الحق، أو تعديه إلى المتشابه وترك الواضح، فسبيل مثله الفحص والبحث عما ذهب إليه إن جاء بشيء يضطر العقل إلى قبوله سلم له ما جاء به، وإلا فخصمه منه في دعوى مثله: بالوقوع له في المتشابه بمحل دعواه.
وقوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ):
قال قوم: موضع الوقف على قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، ثم ابتدأ فقال: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا): " يقولون "، بمعنى: قالوا، " آمنا به ": بما عرفنا، وذلك جائز في اللغة؛ " يقول " بمعنى: " قال ".
وقال آخرون: موضع الوقف على قوله: (إِلا اللَّهُ)، ثم استأنف الكلام فقال: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا): المحكم والمتشابه وغيره.
قيل: الراسخون: هم المتدارسون.
312
ْوقيل: المتثابتون؛ رسخ، بمعنى: ثبت.
وقيل: الراسخون: الناتجون.
يقال: رسخ في العلم: نتج فيه.
فَإِنْ قِيلَ: ما الحكمة في إنزال المتشابه؟.
قيل: إذا كان مما يعلم فهو يحتمل وجهين:
يحتمل: ليعلم فضل العالم على غير العالم.
ويحتمل: أن جعل عليهم طلب المراد فيه، والفحص عما أودع فيه.
وإن كان مما لا يعلم يحتمل المحنة؛ امتحنهم في ذلك بالوقف فيه؛ إذ الدار دار محنة، وللَّه أن يمتحن عباده بجميع أنواع المحن.
وقوله: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).
ْأي: ما يتعظ إلا أولو الحجج والعقل.
* * *
قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)
وقوله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)
فيه وجهان على المعتزلة:
أحدهما: أنه أضاف الزيغ إلى نفسه، وهو حرف مذموم عند الخلق، إذا قيل: فلان أزاغ فلانًا عن الحق، فإذا أضاف اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - إلى نفسه حرف الزيغ، دل أن فيه معنى سوى ظاهره؛ حتى جاز إضافته إليه، وهو أن خلق منهم فعل الزيغ، وكذلك هذا في الضلال، وأضاف -أيضًا- الهداية إلى نفسه بقوله: (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)، فلو كان الهدى: البيان؛ على ما يقوله المعتزلة، لجاز أن يضاف ذلك إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ هو يملك البيان؛ لأنه بعث مبينًا معلمًا، فإذا لم يجز ذلك دل أن فيه معنى سوى البيان وهو التوفيق والعصمة؛ حتى جاز إضافته إليه، ولا يجوز إلى غيره، واللَّه الموفق.
وقيل: الراسخون: الناتجون.
يقال: رسخ في العلم: نتج فيه.
فَإِنْ قِيلَ: ما الحكمة في إنزال المتشابه؟.
قيل: إذا كان مما يعلم فهو يحتمل وجهين:
يحتمل: ليعلم فضل العالم على غير العالم.
ويحتمل: أن جعل عليهم طلب المراد فيه، والفحص عما أودع فيه.
وإن كان مما لا يعلم يحتمل المحنة؛ امتحنهم في ذلك بالوقف فيه؛ إذ الدار دار محنة، وللَّه أن يمتحن عباده بجميع أنواع المحن.
وقوله: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).
ْأي: ما يتعظ إلا أولو الحجج والعقل.
* * *
قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)
وقوله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)
فيه وجهان على المعتزلة:
أحدهما: أنه أضاف الزيغ إلى نفسه، وهو حرف مذموم عند الخلق، إذا قيل: فلان أزاغ فلانًا عن الحق، فإذا أضاف اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - إلى نفسه حرف الزيغ، دل أن فيه معنى سوى ظاهره؛ حتى جاز إضافته إليه، وهو أن خلق منهم فعل الزيغ، وكذلك هذا في الضلال، وأضاف -أيضًا- الهداية إلى نفسه بقوله: (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)، فلو كان الهدى: البيان؛ على ما يقوله المعتزلة، لجاز أن يضاف ذلك إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ هو يملك البيان؛ لأنه بعث مبينًا معلمًا، فإذا لم يجز ذلك دل أن فيه معنى سوى البيان وهو التوفيق والعصمة؛ حتى جاز إضافته إليه، ولا يجوز إلى غيره، واللَّه الموفق.
313
والثاني: أنهم سألوا العصمة عن الزيغ والضلال، فلو كان عليه أن يفعل، وأن يبذل لهم العصمة، لم يكن للسؤال عن ذلك معنى؛ فدل أنه تفضل منه ببذل ذلك لهم، والله أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا) الآية: فيه وجهان:
أحدهما: أنه لو لم يكن له إلا الأصلح في الدِّين؛ فتركه جور، فالقول بـ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا) - لا يخلو من أن يكون الإزاغة أصلح له، وهو يدعو بأن يجور أو لا يكون أصلح، فهو يدعو بأنه لا يجور، ومُحَالٌ الدعاء على خوف الجور؛ ومن خاف جور الخالق فهو غير عارف به.
والثاني: أن الداعي -فيما جبل عليه الخلق- يدعو على أمر أنه لو أجابه لكان لا يزيغ قلبه، وكذلك سؤال العصمة والهداية؛ ولهذا يؤمر به -أيضًا- ولو كان معه زيغ، لكان الأفضل في الأمر بين الدعاء بالإزاغة، وأن " لا تزغ "؛ إذ الخوف مع الأمرين قائم، واللَّه الموفق.
وفي ذلك -أيضًا- وجهان آخران:
أحدهما: أن الإزاغة إذا أضيفت إلى أحد، خرجت مخرج الشتم له والتعيير؛ فثبت أن فيما أضيفت إلى اللَّه - تبارك وتعالى - معنى ليس فيما أضيفت إلى أحد آخر غيره، وهو - واللَّه أعلم - أن الإزاغة من كل أحد فعل هو زيغ بنفسه فيه ذم، ومن اللَّه ليست بذم؛ فيكون فيه أن خلق فعل الزيغ ليس بزيغ، وإن كان فعله زيغا، واللَّه أعلم.
وفيه أن خلق الشيء ليس هو ذلك، والشيء ذاته يكون من اللَّه ما يوصف بالإزاغة، ويصير لديه الآخر زائغا، ولا شيء يوجد يكون كذلك سوى خلق فعل الإزاغة من العبد، واللَّه الموفق.
والثاني: قوله: (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا): ولو لم يكن من اللَّه في الهداية سوى البيان، لكان يصح ذلك لكل كافر، ويجوز الإضافة إلى الرسل؛ فإذ لم يصح ذلك ولم يجز، ثبت أن ثم فضلاً، وهو خلق فعل الهداية، والتوفيق الذي معه الاهتداء لا محالة، وباللَّه التوفيق والمعونة.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا) الآية: فيه وجهان:
أحدهما: أنه لو لم يكن له إلا الأصلح في الدِّين؛ فتركه جور، فالقول بـ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا) - لا يخلو من أن يكون الإزاغة أصلح له، وهو يدعو بأن يجور أو لا يكون أصلح، فهو يدعو بأنه لا يجور، ومُحَالٌ الدعاء على خوف الجور؛ ومن خاف جور الخالق فهو غير عارف به.
والثاني: أن الداعي -فيما جبل عليه الخلق- يدعو على أمر أنه لو أجابه لكان لا يزيغ قلبه، وكذلك سؤال العصمة والهداية؛ ولهذا يؤمر به -أيضًا- ولو كان معه زيغ، لكان الأفضل في الأمر بين الدعاء بالإزاغة، وأن " لا تزغ "؛ إذ الخوف مع الأمرين قائم، واللَّه الموفق.
وفي ذلك -أيضًا- وجهان آخران:
أحدهما: أن الإزاغة إذا أضيفت إلى أحد، خرجت مخرج الشتم له والتعيير؛ فثبت أن فيما أضيفت إلى اللَّه - تبارك وتعالى - معنى ليس فيما أضيفت إلى أحد آخر غيره، وهو - واللَّه أعلم - أن الإزاغة من كل أحد فعل هو زيغ بنفسه فيه ذم، ومن اللَّه ليست بذم؛ فيكون فيه أن خلق فعل الزيغ ليس بزيغ، وإن كان فعله زيغا، واللَّه أعلم.
وفيه أن خلق الشيء ليس هو ذلك، والشيء ذاته يكون من اللَّه ما يوصف بالإزاغة، ويصير لديه الآخر زائغا، ولا شيء يوجد يكون كذلك سوى خلق فعل الإزاغة من العبد، واللَّه الموفق.
والثاني: قوله: (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا): ولو لم يكن من اللَّه في الهداية سوى البيان، لكان يصح ذلك لكل كافر، ويجوز الإضافة إلى الرسل؛ فإذ لم يصح ذلك ولم يجز، ثبت أن ثم فضلاً، وهو خلق فعل الهداية، والتوفيق الذي معه الاهتداء لا محالة، وباللَّه التوفيق والمعونة.
314
وقوله: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً):
يحتمل وجوهًا:
يحتمل الهدى والإسلام؛ إذ به يستفاد.
ويحتمل الجنة.
ويحتمل أنهم سألوه كل رحمة.
قال أبو بكر الأصم: الرحمة: السعة في الدنيا، والثواب في الآخرة.
وقوله: (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ):
فهو -على قول المعتزلة- ليس بوهاب؛ لأن الوهاب هو الْمُفْضِل الذي يهب ويبذل ما ليس عليه، وهو - على قولهم - عليه أن يعطي الخلق كل ما هو أصلح لهم في الدِّين؛ فالآية تكذبهم، وترد عليهم قولهم الوَخْش في اللَّه، تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرًا.
ويحتمل: هب لنا ما يُستوجب به الرحمة، وهو عمل الخير؛ كقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
وقوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ (٩)
إقرار بالإيمان والبعث بعد الموت.
يحتمل وجوهًا:
يحتمل الهدى والإسلام؛ إذ به يستفاد.
ويحتمل الجنة.
ويحتمل أنهم سألوه كل رحمة.
قال أبو بكر الأصم: الرحمة: السعة في الدنيا، والثواب في الآخرة.
وقوله: (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ):
فهو -على قول المعتزلة- ليس بوهاب؛ لأن الوهاب هو الْمُفْضِل الذي يهب ويبذل ما ليس عليه، وهو - على قولهم - عليه أن يعطي الخلق كل ما هو أصلح لهم في الدِّين؛ فالآية تكذبهم، وترد عليهم قولهم الوَخْش في اللَّه، تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرًا.
ويحتمل: هب لنا ما يُستوجب به الرحمة، وهو عمل الخير؛ كقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
وقوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ (٩)
إقرار بالإيمان والبعث بعد الموت.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)
في هذا خاصة: يراد به القيامة والبعث.
ويحتمل: لا يخلف الميعاد في كل شيء، مما يصيب الخلق: من الخير والشر، والفرح والحزن والأسف، يقولون: إنه كان بوعده ووعيده، وإنه كان مكتوبًا عليهم ولهم، وإنه لا يكون على خلاف ما كان مكتوبًا عليهم؛ ليصبروا على الشدائد والمصائب، فلا يجزعوا عليها، ولا يحزنوا، وليشكروا على الآلاء والنعماء ولا يفرحوا عليها، وهو كقوله: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ).
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١)
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)، وذلك أنهم كانوا يستنصرون بأولادهم وأموالهم في الدنيا، ويستعينون بهما على غيرهم؛ فظنوا أنهم يستنصرون بهم في الآخرة، ويدفعون بهم عن أنفسهم العذاب؛ وهو كقولهم: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)؛ فأخبرهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أن أموالكم وأولادكم لا تغني عنكم من عذاب اللَّه شيئًا.
وقوله: (وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ):
في هذا خاصة: يراد به القيامة والبعث.
ويحتمل: لا يخلف الميعاد في كل شيء، مما يصيب الخلق: من الخير والشر، والفرح والحزن والأسف، يقولون: إنه كان بوعده ووعيده، وإنه كان مكتوبًا عليهم ولهم، وإنه لا يكون على خلاف ما كان مكتوبًا عليهم؛ ليصبروا على الشدائد والمصائب، فلا يجزعوا عليها، ولا يحزنوا، وليشكروا على الآلاء والنعماء ولا يفرحوا عليها، وهو كقوله: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ).
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١)
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)، وذلك أنهم كانوا يستنصرون بأولادهم وأموالهم في الدنيا، ويستعينون بهما على غيرهم؛ فظنوا أنهم يستنصرون بهم في الآخرة، ويدفعون بهم عن أنفسهم العذاب؛ وهو كقولهم: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)؛ فأخبرهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أن أموالكم وأولادكم لا تغني عنكم من عذاب اللَّه شيئًا.
وقوله: (وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ):
أي: حطب النار؛ فهو - واللَّه أعلم - أن الإنسان إذا وقع في النار في هذه الدنيا لا يحترق احتراق الحطب؛ ولكنه يذوب ويسيل منه الصديد، فقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: إنهم يحترقون في النار في الآخرة احتراق الحطب، لا احتراق الإنسان في الدنيا؛ لأنها أشد بطشًا، وأسرع أخذًا، وأطول احتراقًا؛ وعلى هذا يخرج قوله: (وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ): ليس عذاب الدنيا أنه على الانقضاء والنفاد؛ ولكن على الدوام فيها والخلود أبد الآبدين؛ فنعوذ باللَّه منها.
وقوله: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ (١١)
قيل: كأشباه آل فرعون، وقيل: كعمل آل فرعون وكصنيعهم، وكله واحد، ثم يحتمل بعد هذا وجهين:
يحتمل: صنيع هَؤُلَاءِ وعملهم - كصنيع آل فرعون ومن كان قبلهم بموسى، في التكذيب والتعنت.
ويحتمل بصنيع هَؤُلَاءِ بما يلحقهم من العذاب بالتكذيب والتعنت؛ فألحق أُولَئِكَ من العذاب بتكذيب الرسل، وتعنتهم عليهم.
(وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
قد ذكرناه.
* * *
قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (١٣)
وقوله: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)
وهذا - واللَّه أعلم - في قوم قد علم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أنهم لا يؤمنون أبدًا؛ لذلك قال تعالى لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أن قل لهم: (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ...) الآية، وإلا فلا يلحقه ذلك الوعيد، واللَّه أعلم؛ لأن من الكفار من يسلم ومن لا يسلم، وإلا فلا يلحق بالوعيد من الكفار من أسلم.
وقوله: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ (١١)
قيل: كأشباه آل فرعون، وقيل: كعمل آل فرعون وكصنيعهم، وكله واحد، ثم يحتمل بعد هذا وجهين:
يحتمل: صنيع هَؤُلَاءِ وعملهم - كصنيع آل فرعون ومن كان قبلهم بموسى، في التكذيب والتعنت.
ويحتمل بصنيع هَؤُلَاءِ بما يلحقهم من العذاب بالتكذيب والتعنت؛ فألحق أُولَئِكَ من العذاب بتكذيب الرسل، وتعنتهم عليهم.
(وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
قد ذكرناه.
* * *
قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (١٣)
وقوله: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)
وهذا - واللَّه أعلم - في قوم قد علم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أنهم لا يؤمنون أبدًا؛ لذلك قال تعالى لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أن قل لهم: (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ...) الآية، وإلا فلا يلحقه ذلك الوعيد، واللَّه أعلم؛ لأن من الكفار من يسلم ومن لا يسلم، وإلا فلا يلحق بالوعيد من الكفار من أسلم.
الآية ١٢ وقوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ﴾ وهذا، والله أعلم، في قوم قد علم جل وعلا أنهم يؤمنون أبدا. لذلك قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : أن ﴿ قل ﴾ لهم ﴿ ستغلبون وتحشرون إلى جهنم ﴾ الآية، وإلا فلا يلحقهم١ ذلك الوعيد، والله أعلم، لأن من الكفار من يسلم ومن لا يسلم، [ وإلا فلا يحلق بالوعيد من الكفار من أسلم ]٢.
١ في الأصل وم: يلحقه..
٢ من م، ساقطة من الأصل..
٢ من م، ساقطة من الأصل..
وقوله: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا (١٣)
وفيه: فإن قال قائِل: ما في فئة قليلة، وهي فئة أهل الإسلام، في غلبة فئة كثيرة، وهي فئة المشركين؛ حيث غلبت فئةُ المسلمين -وهم قليل- فئةَ المشركين -وهم كثير- يوم بدر، وقد يكون لأهل الكفر إذا كانوا قليلًا، فغَلَبُوا على أهل الإسلام - آيةٌ.
قيل: ليست الآية في الغلبة خاصة؛ لكن الآية فيها واللَّه أعلم، وفي غيرها من وجوه:
أحدها: أن غلبة المسلمين، مع ضعف أبدانهم، وقلة عددهم، وخروجهم لا على وجه الحرب والقتال - المشركين مع قوة أبدانهم، وكثرة عددهم، واستعدادهم للحرب، وخروجهم على ذلك، والقتال - آية، وعلم العدو أنْ ليس لهم فئة، ولا لهم رجاء المدد، وأنْ لا غياث لهم من البشر، وذلك آية الجرأة وعلامة الشجاعة، ومعه آمَنُ، واللَّه أعلم.
والثاني: أن ما روي أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أخذ كفًّا من تراب، فرماه على وجوههم، وقال: " شَاهَتِ الوُجُوُه "؛ فامتلأت أعينهم من ذلك وعموا؛ حتى أنهزموا؛ فصار آية.
والثالث: ما قيل: إن أبا جهل قام فدعا فقال: " أينا أَحَقُّ دِينًا، وَأوصَلُ رَحِمًا؟
وفيه: فإن قال قائِل: ما في فئة قليلة، وهي فئة أهل الإسلام، في غلبة فئة كثيرة، وهي فئة المشركين؛ حيث غلبت فئةُ المسلمين -وهم قليل- فئةَ المشركين -وهم كثير- يوم بدر، وقد يكون لأهل الكفر إذا كانوا قليلًا، فغَلَبُوا على أهل الإسلام - آيةٌ.
قيل: ليست الآية في الغلبة خاصة؛ لكن الآية فيها واللَّه أعلم، وفي غيرها من وجوه:
أحدها: أن غلبة المسلمين، مع ضعف أبدانهم، وقلة عددهم، وخروجهم لا على وجه الحرب والقتال - المشركين مع قوة أبدانهم، وكثرة عددهم، واستعدادهم للحرب، وخروجهم على ذلك، والقتال - آية، وعلم العدو أنْ ليس لهم فئة، ولا لهم رجاء المدد، وأنْ لا غياث لهم من البشر، وذلك آية الجرأة وعلامة الشجاعة، ومعه آمَنُ، واللَّه أعلم.
والثاني: أن ما روي أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أخذ كفًّا من تراب، فرماه على وجوههم، وقال: " شَاهَتِ الوُجُوُه "؛ فامتلأت أعينهم من ذلك وعموا؛ حتى أنهزموا؛ فصار آية.
والثالث: ما قيل: إن أبا جهل قام فدعا فقال: " أينا أَحَقُّ دِينًا، وَأوصَلُ رَحِمًا؟
319
فَانْصُرهُ، واجْعَلِ الغَلَبَةَ والْهَزِيمَةَ عَلَى الآخَرِ "، فاستجيبت؛ فكانت الغلبة والهزيمة عليهم؛ فكان آية.
والرابع: ما أعان الملائكةُ المسلمين، وبعثهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - مددًا لنصرة المؤمنين على الكافرين يوم بدر؛ فذلك آية.
ووجه آخر: ما ذكرنا أن أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كانوا خرجوا شبه العير بغير سلاح، غير مستعدين للقتال على علم منهم بذلك، وأُولَئِكَ خرجوا مستعدين لذلك، فكان ما ذكر، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: في ذكر القليل في الأعين من الجانبين آيةٌ عظيمة؛ إذ هي حسية، والحواس تؤدي عن المحسوسات حقائقها، فجعلها اللَّه بحيث لا تؤدي؛ لما قال: (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا)؛ فيحتمل أن يكون المراد مما ذكر من الآية في أمر الفئتين - هذا، واللَّه أعلم.
وقوله: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ).
وفي بعض القراءات: " ترونهم " بالتاء: يرى المؤمنون أُولَئِكَ مثلي أنفسهم لا أكثر، وهم كانوا ثلاثة أمثالهم، على ما روي في القصة؛ وهذا لما جعل الحق عليهم قيام الواحد من المسلمين بالاثنين منهم، مع ضعفهم؛ لجهدهم في العبادات، وبلوغهم الغاية من احتمال الشدائد والمشقات.
والرابع: ما أعان الملائكةُ المسلمين، وبعثهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - مددًا لنصرة المؤمنين على الكافرين يوم بدر؛ فذلك آية.
ووجه آخر: ما ذكرنا أن أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كانوا خرجوا شبه العير بغير سلاح، غير مستعدين للقتال على علم منهم بذلك، وأُولَئِكَ خرجوا مستعدين لذلك، فكان ما ذكر، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: في ذكر القليل في الأعين من الجانبين آيةٌ عظيمة؛ إذ هي حسية، والحواس تؤدي عن المحسوسات حقائقها، فجعلها اللَّه بحيث لا تؤدي؛ لما قال: (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا)؛ فيحتمل أن يكون المراد مما ذكر من الآية في أمر الفئتين - هذا، واللَّه أعلم.
وقوله: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ).
وفي بعض القراءات: " ترونهم " بالتاء: يرى المؤمنون أُولَئِكَ مثلي أنفسهم لا أكثر، وهم كانوا ثلاثة أمثالهم، على ما روي في القصة؛ وهذا لما جعل الحق عليهم قيام الواحد من المسلمين بالاثنين منهم، مع ضعفهم؛ لجهدهم في العبادات، وبلوغهم الغاية من احتمال الشدائد والمشقات.
320
أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - بمعرفتهم أمر أهل الحرب، وشدة رغبتهم في تعلمهم ما يحتاجون في الحرب والقتال؛ ولهذا قالوا: إن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - علم المؤمنين جميع ما يحتاجون في الحرب من الآداب وغيرها في الكتاب؛ كقوله: (إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا): أمرهم بالتثبت، ثم قال: (فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)، وقال: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا): فجعل التنازع الواقع بينهم - على خلاف بعضهم بعضًا - سببَ الهزيمة؛ ففيه أمر بالاجتماع، وجعل التدبير واحدًا، والطاعة لإمامهم.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ):
وإِنَّمَا كان عبرة؛ لما ذكرنا من خروج المؤمنين بقلة عددهم، وضعف أبدانهم، بلا استعداد للحرب والقتال، إنما هو خروج شبه العير، وخروج أولئِك بالعدة مع قوة أبدانهم، وكثرة عددهم، وطمع المدد لهم، ولم يكن للمسلمين ذلك؛ ففي مثل غلبة المؤمنين الكافرين، والظفر بهم، والنصر لهم عليهم، على الوصف الذي وصفناهم - عبرةٌ، وآية لأولي الأبصار والعبر.
* * *
قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)
وقوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ)
أي: الشهيات.
(مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)
وما ذكر... إلى آخره.
قال الحسن: واللَّه ما زيَّنها إلا الشيطان؛ إذ لا أحد أذم لها ولأهلها من اللَّه تعالى، وإليه يذهب المعتزلة، لكن الأصل في هذا وفي أمثاله: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - زيَّن هذه الأشياء، والتزيين من اللَّه - سبحانه وتعالى - يقع لوجهين، وكذلك الكراهة -
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ):
وإِنَّمَا كان عبرة؛ لما ذكرنا من خروج المؤمنين بقلة عددهم، وضعف أبدانهم، بلا استعداد للحرب والقتال، إنما هو خروج شبه العير، وخروج أولئِك بالعدة مع قوة أبدانهم، وكثرة عددهم، وطمع المدد لهم، ولم يكن للمسلمين ذلك؛ ففي مثل غلبة المؤمنين الكافرين، والظفر بهم، والنصر لهم عليهم، على الوصف الذي وصفناهم - عبرةٌ، وآية لأولي الأبصار والعبر.
* * *
قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)
وقوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ)
أي: الشهيات.
(مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)
وما ذكر... إلى آخره.
قال الحسن: واللَّه ما زيَّنها إلا الشيطان؛ إذ لا أحد أذم لها ولأهلها من اللَّه تعالى، وإليه يذهب المعتزلة، لكن الأصل في هذا وفي أمثاله: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - زيَّن هذه الأشياء، والتزيين من اللَّه - سبحانه وتعالى - يقع لوجهين، وكذلك الكراهة -
321
أيضًا- تقع لوجهين:
تزين في الطباع، والطبع يرغب فيما يتلذذ ويُشْتَهى، وإن لم يكن في نفسه حَسَنًا.
وتزين في العقل، فلا يتزين في العقل إلا فيما ثبت حسنه بنفسه، أو الأمر أو حمد العاقبة ونحو ذلك، ثم جعل العقل مانعًا له، رادًّا عما يرغب إليه الطبع ويميل؛ لأن الطبع أبدًا يميل ويرغب إلى ما هو ألذّ وأشهى وأخف عليه، وينفر عما يضره ويؤلمه.
والعقل لا ينفر إلا عما هو القبيح في نفسه، ويرغب فيما هو الحسن في نفسه؛ وعلى ذلك يخرج قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " حُفَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَالنَّارُ بِالشَهَوَاتِ ": ليس على كراهة العقل، ولا على شهوة العقل؛ ولكن على كراهة الطبع وشهوته؛ وكذلك قوله: ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ): ليس على كراهة الاختيار، ولكن كراهة الطبع؛ لأن كراهة العقل كراهة الاختيار، وكذلك رغبة العقول رغبة الاختيار، وفيها تجري الكلفة -أعني: على اختيار العقل، لا اختيار الطبع- بما يميل ويرغب في الألذ، وينفر عن الضار؛ دليله قوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، أخبر أنهم لا يؤمنون ما وجدوا في قضائه حرجًا؛ فدلت الآية أن الخطاب والكلفة إنما يكون على اختيار العقل وكراهيته، لا على اختيار الطبع؛ لذلك قلنا: إنه يجوز التزيين في الطبع من الله تعالى، وكذلك الكراهة في الطبع تكره من اللَّه تعالى.
فأمّا قولهم: إن الشيطان هو الذي زينها: فإن عنوا أنه يزينها لهم، أي: يرغبهم
تزين في الطباع، والطبع يرغب فيما يتلذذ ويُشْتَهى، وإن لم يكن في نفسه حَسَنًا.
وتزين في العقل، فلا يتزين في العقل إلا فيما ثبت حسنه بنفسه، أو الأمر أو حمد العاقبة ونحو ذلك، ثم جعل العقل مانعًا له، رادًّا عما يرغب إليه الطبع ويميل؛ لأن الطبع أبدًا يميل ويرغب إلى ما هو ألذّ وأشهى وأخف عليه، وينفر عما يضره ويؤلمه.
والعقل لا ينفر إلا عما هو القبيح في نفسه، ويرغب فيما هو الحسن في نفسه؛ وعلى ذلك يخرج قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " حُفَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَالنَّارُ بِالشَهَوَاتِ ": ليس على كراهة العقل، ولا على شهوة العقل؛ ولكن على كراهة الطبع وشهوته؛ وكذلك قوله: ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ): ليس على كراهة الاختيار، ولكن كراهة الطبع؛ لأن كراهة العقل كراهة الاختيار، وكذلك رغبة العقول رغبة الاختيار، وفيها تجري الكلفة -أعني: على اختيار العقل، لا اختيار الطبع- بما يميل ويرغب في الألذ، وينفر عن الضار؛ دليله قوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، أخبر أنهم لا يؤمنون ما وجدوا في قضائه حرجًا؛ فدلت الآية أن الخطاب والكلفة إنما يكون على اختيار العقل وكراهيته، لا على اختيار الطبع؛ لذلك قلنا: إنه يجوز التزيين في الطبع من الله تعالى، وكذلك الكراهة في الطبع تكره من اللَّه تعالى.
فأمّا قولهم: إن الشيطان هو الذي زينها: فإن عنوا أنه يزينها لهم، أي: يرغبهم
322
ويدعوهم إليها، ويريهم زينتها - فنعم. وإن عنوا أنّه يزينها بحيث نَفَّسَهَا لهم - فلا؛ لأن اللَّه - تعالى - وصف الشيطان بالضعف، ونفى عنه هذه القدرة بقوله: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، فلو جعلنا له التزيين لهم على ما قالوا، لم يكن كيده على ما وصفه - عزّ وجلّ - بالضعف؛ ولكن كان قويا، ولكنه يدعوهم إليها، ويرغبهم فيها، ويريهم المزين لهم، ثم دعاؤه إياهم، وحخثه في ذلك، وقوته من حيث ما لا يطلع عليه بقوله: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)، فالعدو الذي يَرَى هو من يعاديه، ولا يُرَى هو - كان يجب أن يكون أحذر منه، وأخوف ممن يرى.
ووجه آخر: أن الشهوات التي أضاف التزيين إليها لا خلاف بينهم في أنها مخلوقة لله تعالى، فما بقي للشيطان إلا الدعاء إليها، والترغيب فيها.
وفيه وجه آخر: أنه لو لم يجعل هذا مزينًا من اللَّه تعالى، زال موضع استدلال الشاهد على الغائب، وبالدنيا على الآخرة. وقد جعل ما في الدنيا نوعين: مستحسنا ومستقبحًا.
وجعل ذلك عيارًا لما أوعد ووعد، فلما لم يكونا منه-لا يصح موضع التعيير، لأنه - جلّ وعلا - بلطفه سخر كل مرغوب في الدنيا، ومدعو إليه من جوهره- في الآخرة، وحسنه؛ ليرغب الناسَ هذا إلى ما في الجنة بحسنه ولطفه وزينته، ويدعوهم إلى ترك ما في الدُّنيَا من الفاني إلى نعيم دائم أبدًا، فلو جعل هذا من تزيين الشيطان - لعنه اللَّه - ومصنوعه لهم، لذهب عظيم موضع الاستدلال الذي ذكرنا؛ فدلّ أنه مزين منه عَزَّ وَجَلَّ، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
ثمّ امتحنهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بترك ما زين لهم في الطباع؛ بما ركب لهم من العقول الوافرة؛ ليختاروا ما حسن في العقول وتزين، وعلى ذلك جرت الكلفة والخطاب، لا بما مالت إليه الطباع، ونفرت عنه العقول، وباللَّه التوفيق.
ثم في الآية دلالة وجوب الحق في كل ما ذكر في الآية من المال، وكذلك الخيل،
ووجه آخر: أن الشهوات التي أضاف التزيين إليها لا خلاف بينهم في أنها مخلوقة لله تعالى، فما بقي للشيطان إلا الدعاء إليها، والترغيب فيها.
وفيه وجه آخر: أنه لو لم يجعل هذا مزينًا من اللَّه تعالى، زال موضع استدلال الشاهد على الغائب، وبالدنيا على الآخرة. وقد جعل ما في الدنيا نوعين: مستحسنا ومستقبحًا.
وجعل ذلك عيارًا لما أوعد ووعد، فلما لم يكونا منه-لا يصح موضع التعيير، لأنه - جلّ وعلا - بلطفه سخر كل مرغوب في الدنيا، ومدعو إليه من جوهره- في الآخرة، وحسنه؛ ليرغب الناسَ هذا إلى ما في الجنة بحسنه ولطفه وزينته، ويدعوهم إلى ترك ما في الدُّنيَا من الفاني إلى نعيم دائم أبدًا، فلو جعل هذا من تزيين الشيطان - لعنه اللَّه - ومصنوعه لهم، لذهب عظيم موضع الاستدلال الذي ذكرنا؛ فدلّ أنه مزين منه عَزَّ وَجَلَّ، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
ثمّ امتحنهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بترك ما زين لهم في الطباع؛ بما ركب لهم من العقول الوافرة؛ ليختاروا ما حسن في العقول وتزين، وعلى ذلك جرت الكلفة والخطاب، لا بما مالت إليه الطباع، ونفرت عنه العقول، وباللَّه التوفيق.
ثم في الآية دلالة وجوب الحق في كل ما ذكر في الآية من المال، وكذلك الخيل،
323
وأمَّا في النساء والبنين: فلما مُتِّعوا بهم - أوجب عليهم النفقة كذلك. وقوله - عز وجل - (وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ): أوجب في النساء عليهم النفقة، وكذلك البنين، وأوجب في الذهب والفضة حقا، ثم ذكر الخيل
324
المسومة: إن كان المراد منه جعلها سائمة؛ لذلك قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: إِنَّ فِي الخَيلِ صَدَقَةً، ثم اختلف في المسومة؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: هي المسيَّبة الراعية.
325
وقال آخرون: هي المعلمة، وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " الْمُسَوَّمَةُ الراعِيَة ".
وقال غيرهم: الْمُطَهَّمَة، وهي الْمُحَسَّنة.
ثم أخبر أن ما ذكر في الآية (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وأمرهم بترك ذلك، وأخبر أن لهم عنده: (حُسْنُ الْمَآبِ)، إن هم تركوا مما امتُحِنُوا به، ثم قال: إن من اتقى في الدنيا له خير من ذلك بقوله:
(قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...)
إلى آخره.
ثم اختلف في (وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ)؛ منهم من قال: ألف ومائتا أوقية.
وقال غيرهم: الْمُطَهَّمَة، وهي الْمُحَسَّنة.
ثم أخبر أن ما ذكر في الآية (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وأمرهم بترك ذلك، وأخبر أن لهم عنده: (حُسْنُ الْمَآبِ)، إن هم تركوا مما امتُحِنُوا به، ثم قال: إن من اتقى في الدنيا له خير من ذلك بقوله:
(قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...)
إلى آخره.
ثم اختلف في (وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ)؛ منهم من قال: ألف ومائتا أوقية.
326
ومنهم من قال: اثنا عشر ألفًا.
ومنهم من يقول: سبعون ألف دينار.
ومنهم من يقول: هو بلسان الرومية: ملء مَسْكِ ثور ذهبًا أو فضة.
ومنهم من يقول: كل مائةٍ قنطار من كل شيء، وهو اسم المال العظيم الكثير لا يُدرَى ما مقداره، وليس لنا إلى معرفة قدره حاجة ولا فائدة؛ إنما الحاجة إلى معرفة الرغبة فيما كثر من المال؛ إذ ليس قدر أحق بأن يحمل عليه الرغبة من الآخر، واللَّه أعلم.
وقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ (١٥)
قيل: مُطَهَّرَةٌ: من الآفات كلها، من الأخلاق السيئة، والأقذار والعيوب كلها، وقد
ومنهم من يقول: سبعون ألف دينار.
ومنهم من يقول: هو بلسان الرومية: ملء مَسْكِ ثور ذهبًا أو فضة.
ومنهم من يقول: كل مائةٍ قنطار من كل شيء، وهو اسم المال العظيم الكثير لا يُدرَى ما مقداره، وليس لنا إلى معرفة قدره حاجة ولا فائدة؛ إنما الحاجة إلى معرفة الرغبة فيما كثر من المال؛ إذ ليس قدر أحق بأن يحمل عليه الرغبة من الآخر، واللَّه أعلم.
وقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ (١٥)
قيل: مُطَهَّرَةٌ: من الآفات كلها، من الأخلاق السيئة، والأقذار والعيوب كلها، وقد
ذكرنا فيما تقدم في صدر السورة؛ قال: وكل أهل الجنة مطهر من جميع المعايب؛ لأن العيوب في الأشياء عَلَم الفناء، وهم خلقوا للبقاء، إلا أن الذكْر جَرَى للنساء؛ لما ظهر في الدنيا فيهن من فضل المعايب والأذى.
وقوله: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا... (١٦)
قد رضي منهم بهذا القول، وفيه تزكية لهم، ولو كان الإيمان: جميعَ الطاعات - لم يرض منهم التزكية بها، وقد أخبر اللَّه نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن للذين اتقوا عند ربهم في الجنة خيرا من هذا الذي زُيِّن، للناس في الدنيا من النساء، وما ذكر إلى آخره.
وقوله: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا): يحتمل: اتقوا الشرك. ويحتمل: للذين اتقوا الفواحش والمعاصي كلها.
وقوله: (الصَّابِرِينَ (١٧)
قيل: الصابرين على طاعة اللَّه.
وقيل: الصابرين، على أداء الفرائض.
وقيل: الصَّابرين على المرازئ والمصائب والشدائد.
والصبر: هو حبس النفس عن جميع ما تهوى وتشتهي.
وقوله: (وَالصَّادِقِينَ). قيل: في إيمانهم.
وقيل: الصَّادِقِينَ بما وَعَدوا.
وقيل: الصادقين في جميع ما يقولون ويخبرون.
(وَالْمُنْفِقِينَ). يحتمل الإنفاق: ما لزم من أموالهم من الزكاة والصدقات.
وقوله: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا... (١٦)
قد رضي منهم بهذا القول، وفيه تزكية لهم، ولو كان الإيمان: جميعَ الطاعات - لم يرض منهم التزكية بها، وقد أخبر اللَّه نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن للذين اتقوا عند ربهم في الجنة خيرا من هذا الذي زُيِّن، للناس في الدنيا من النساء، وما ذكر إلى آخره.
وقوله: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا): يحتمل: اتقوا الشرك. ويحتمل: للذين اتقوا الفواحش والمعاصي كلها.
وقوله: (الصَّابِرِينَ (١٧)
قيل: الصابرين على طاعة اللَّه.
وقيل: الصابرين، على أداء الفرائض.
وقيل: الصَّابرين على المرازئ والمصائب والشدائد.
والصبر: هو حبس النفس عن جميع ما تهوى وتشتهي.
وقوله: (وَالصَّادِقِينَ). قيل: في إيمانهم.
وقيل: الصَّادِقِينَ بما وَعَدوا.
وقيل: الصادقين في جميع ما يقولون ويخبرون.
(وَالْمُنْفِقِينَ). يحتمل الإنفاق: ما لزم من أموالهم من الزكاة والصدقات.
328
ويحتمل: المنفقين المؤدين حقوق بعضهم بعضًا من حق القرابة والصلة.
(وَالْقَانِتِينَ). قيل: القانت: الخاضع.
وقيل: القانت: المطيع.
وقيل: الخاشع، وكله يرجع إلى واحد، وأصله: القيام، وكل من قام لآخر كان مطيعًا وخاشعًا وخاضعًا ومقرًا.
وقيل: القانت: المقر كقوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)، أي: مقرون.
وقال قتادة: (الصَّابِرِينَ): الذين صبروا على طاعة اللَّه، وصبروا عن محارمه.
(وَالصَّادِقِينَ): الذين صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في الشر والعلانية (وَالْقَانِتِينَ): المطيعين. (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)، (وَالْمُنْفِقِينَ): يعني: نفقة أموالهم في سبيل الله.
(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ): قيل: المصلين بالأسحار.
وقيل: المصلين في أول الليل، والمستغفرين في آخره.
وأصل الاستغفار: طلب المغفرة مما ارْتُكِب من المآثم، على ندامة القلب، والعزيمة على ترك العود إلى مثله أبدًا، ليس كقول الناس: نستغفر اللَّه، على غير ندامة القلب، وأصل الاستغفار في الحقيقة: طلب المغفرة بأسبابها، ليس أن يقول بلسانه: اغفر لي؛ كقول نوح - عليه السلام -: لقومه: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)، أمرهم بالتوحيد، ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الجنة هي للصابرين والصادقين إلى آخر ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
(وَالْقَانِتِينَ). قيل: القانت: الخاضع.
وقيل: القانت: المطيع.
وقيل: الخاشع، وكله يرجع إلى واحد، وأصله: القيام، وكل من قام لآخر كان مطيعًا وخاشعًا وخاضعًا ومقرًا.
وقيل: القانت: المقر كقوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)، أي: مقرون.
وقال قتادة: (الصَّابِرِينَ): الذين صبروا على طاعة اللَّه، وصبروا عن محارمه.
(وَالصَّادِقِينَ): الذين صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في الشر والعلانية (وَالْقَانِتِينَ): المطيعين. (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)، (وَالْمُنْفِقِينَ): يعني: نفقة أموالهم في سبيل الله.
(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ): قيل: المصلين بالأسحار.
وقيل: المصلين في أول الليل، والمستغفرين في آخره.
وأصل الاستغفار: طلب المغفرة مما ارْتُكِب من المآثم، على ندامة القلب، والعزيمة على ترك العود إلى مثله أبدًا، ليس كقول الناس: نستغفر اللَّه، على غير ندامة القلب، وأصل الاستغفار في الحقيقة: طلب المغفرة بأسبابها، ليس أن يقول بلسانه: اغفر لي؛ كقول نوح - عليه السلام -: لقومه: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)، أمرهم بالتوحيد، ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الجنة هي للصابرين والصادقين إلى آخر ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
329
الآية ١٧ وقوله تعالى :﴿ الصابرين ﴾ قيل :﴿ الصابرين ﴾ على المرازي والمصائب والشدائد. والصبر هو حبس النفس عن جميع ما تهوى وتشتهي.
وقوله تعالى :﴿ والصادقين ﴾ قيل : في إيمانهم، وقيل :﴿ والصادقين ﴾ بما وعدوا، وقيل :﴿ والصادقين ﴾ في جميع ما يقولون، ويخبرون.
[ [ وقوله تعالى ]١ :﴿ والقانتين ﴾ قيل : القانت الخاضع، وقيل : القانت المطيع، وقيل : الخاشع، وكله يرجع إلى واحد. . وأصله : القيام، وكل من قان لآخر كان مطيعا وخاشعا وخاضعا ومقرا، وقيل : القانت المقر كقوله :﴿ كل له قانتون ﴾ [ الروم : ٢٦ ] أي مقرون ]٢.
[ وقوله تعالى ]٣ :﴿ والمنفقين ﴾ يحتمل الأنفاق ما لزم من أموالهم من الزكاة والصدقات، ويحتمل :﴿ والمنفقين ﴾ المؤدين حقوق بعضهم بعض من حق القرابة والصلة.
وقال قتادة :﴿ الصابرين ﴾ الذين صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه، ﴿ والصادقين ﴾ الذين صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في السر والعلانية، ﴿ والقانتين ﴾ المطيعين، ﴿ والمنفقين ﴾ يعني نفقة أموالهم في سبيل الله.
[ وقوله تعالى ]٤ :﴿ والمستغفرين بالأسحار ﴾ قيل : المصلين بالأسحار، وقيل : المصلين في أول الليل والمستغفرين في آخره. وأصل الاستغفار طلب المغفرة مما ارتكب من المآثم على ندامة القلب والعزيمة على ترك العود إلى مثله أبدا، ليس كقول الناس : أستغفر الله على غير ندامة القلب. وأصل الاستغفار في الحقيقة طلب المغفرة بأسبابها، ليس أن يقول :[ أستغفر الله بلسانه ]٥، اغفر لي،
[ ولكن ]٦ كقول نوح عليه السلام :﴿ استغفروا ربكم ﴾ أمرهم بالتوحيد. ثم أخبر جل وعلا أن الجنة هي للصابرين والصادقين إلى آخر ما ذكر، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ والصادقين ﴾ قيل : في إيمانهم، وقيل :﴿ والصادقين ﴾ بما وعدوا، وقيل :﴿ والصادقين ﴾ في جميع ما يقولون، ويخبرون.
[ [ وقوله تعالى ]١ :﴿ والقانتين ﴾ قيل : القانت الخاضع، وقيل : القانت المطيع، وقيل : الخاشع، وكله يرجع إلى واحد. . وأصله : القيام، وكل من قان لآخر كان مطيعا وخاشعا وخاضعا ومقرا، وقيل : القانت المقر كقوله :﴿ كل له قانتون ﴾ [ الروم : ٢٦ ] أي مقرون ]٢.
[ وقوله تعالى ]٣ :﴿ والمنفقين ﴾ يحتمل الأنفاق ما لزم من أموالهم من الزكاة والصدقات، ويحتمل :﴿ والمنفقين ﴾ المؤدين حقوق بعضهم بعض من حق القرابة والصلة.
وقال قتادة :﴿ الصابرين ﴾ الذين صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه، ﴿ والصادقين ﴾ الذين صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في السر والعلانية، ﴿ والقانتين ﴾ المطيعين، ﴿ والمنفقين ﴾ يعني نفقة أموالهم في سبيل الله.
[ وقوله تعالى ]٤ :﴿ والمستغفرين بالأسحار ﴾ قيل : المصلين بالأسحار، وقيل : المصلين في أول الليل والمستغفرين في آخره. وأصل الاستغفار طلب المغفرة مما ارتكب من المآثم على ندامة القلب والعزيمة على ترك العود إلى مثله أبدا، ليس كقول الناس : أستغفر الله على غير ندامة القلب. وأصل الاستغفار في الحقيقة طلب المغفرة بأسبابها، ليس أن يقول :[ أستغفر الله بلسانه ]٥، اغفر لي،
[ ولكن ]٦ كقول نوح عليه السلام :﴿ استغفروا ربكم ﴾ أمرهم بالتوحيد. ثم أخبر جل وعلا أن الجنة هي للصابرين والصادقين إلى آخر ما ذكر، والله أعلم.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ أدرجت في الأصل وم بعد: وقوله تعالى: ﴿والمنفقين﴾... والصلة..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ من م، في الأصل: لبسانه..
٦ ساقطة من الأصل وم..
٢ أدرجت في الأصل وم بعد: وقوله تعالى: ﴿والمنفقين﴾... والصلة..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ من م، في الأصل: لبسانه..
٦ ساقطة من الأصل وم..
قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠)
وقوله: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ).
وقيل فيه بوجوه:
قيل: شهد اللَّه شهادة ذاتية، أي: هو بذاته، (أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)؛ إذ في ذاته ما تليق الشهادة بمثله له من الألوهية والربوبية، وليس ذلك في ذات غيره، وباللَّه العصمة.
وقيل: شهد اللَّه بما خلق من الخلائق أنه لا إله إلا هو، أي: خلق من الخلائق ما يشهد خلقه كل أحد على وحدانيته وإلهيته، لو نظروا في خلقتهم وتدبروا فيها؛ وكذلك الملائكة، وأولو العلم شهدوا أنه لا إله إلا هو، على تأويل الأول. وعلى تأويل الثاني: أن خلقَه الملائكةَ -وأولي العلم- يشهد على وحدانيته؛ فشهدوا على ذلك، إلا الجهّال؛ فإنهم لم يتأمّلوا في أنفسهم، ولا تفكروا في أنفسهم؛ فلم يشهدوا به؛ لأنه أمر الرسل والأنبياء بأن يقولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فقوله وأمره به - شهادةٌ منه، ويحتمل شهادة القول؛ كقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)، وذلك من اللَّه: الربوبية، ومن الخلق: العبودية له؛ فيجب أن تعرف الربوبية من العبودية؛ ففيه دلالة خلق الإيمان؛ فمن قال: إنه غير مخلوق - لم يعرف ذا من ذاك، وباللَّه التوفيق.
وقوله: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ).
وقيل فيه بوجوه:
قيل: شهد اللَّه شهادة ذاتية، أي: هو بذاته، (أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)؛ إذ في ذاته ما تليق الشهادة بمثله له من الألوهية والربوبية، وليس ذلك في ذات غيره، وباللَّه العصمة.
وقيل: شهد اللَّه بما خلق من الخلائق أنه لا إله إلا هو، أي: خلق من الخلائق ما يشهد خلقه كل أحد على وحدانيته وإلهيته، لو نظروا في خلقتهم وتدبروا فيها؛ وكذلك الملائكة، وأولو العلم شهدوا أنه لا إله إلا هو، على تأويل الأول. وعلى تأويل الثاني: أن خلقَه الملائكةَ -وأولي العلم- يشهد على وحدانيته؛ فشهدوا على ذلك، إلا الجهّال؛ فإنهم لم يتأمّلوا في أنفسهم، ولا تفكروا في أنفسهم؛ فلم يشهدوا به؛ لأنه أمر الرسل والأنبياء بأن يقولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فقوله وأمره به - شهادةٌ منه، ويحتمل شهادة القول؛ كقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)، وذلك من اللَّه: الربوبية، ومن الخلق: العبودية له؛ فيجب أن تعرف الربوبية من العبودية؛ ففيه دلالة خلق الإيمان؛ فمن قال: إنه غير مخلوق - لم يعرف ذا من ذاك، وباللَّه التوفيق.
وقيل: " شهد اللَّه " أي: علم اللَّه أنه لا إله إلا هو، وكذلك علم الملائكة وأولو العلم أنه لا إله إلا هو، فإن قال لنا ملحد: كيف صح، وهو دعوى؟!
قيل: لأن دعوى من ظهر صدقه في شهادته إذا شهد، وهو مقبول، وهو بما ادعى من الألوهية والربوبية؛ إذا لم يَسْتَقِلهُ أحد - ظهر صدقه، وقهر كل مكذب له في دعواه، وبالله النجاة.
وقوله: (قَائِمًا بِالْقِسْطِ):
أي: حافظ ومتولٍّ؛ كقوله: (قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)، أي: حافظ لها ومتولٍّ؛ كما يقال: فلان قائم على أمر فلان، أي: حافظ لأمره، ومتعاهد لأسبابه.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وقيل: هو عادل، أي: لا يجور، لا أن ثم معنى القيام؛ كقوله: (قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ): مقسطين، لا أن ثم للقيام فيه معنى يسبق الوهمُ إليه، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (١٩)
وقال قائلون: إن الدِّين الذي هو حق مِنْ بين الأديان، وهو الإسلام؛ لأن كل أحد منهم ممن دان دينًا يدعي أنَّه هو دين اللَّه الذي أمر به.
وقال قوم: إن الدِّين الذي أمر به الآمر من عند اللَّه هو دين الإسلام؛ لأنهم. كانوا مع اختلافهم مقرين بالإيمان، لكن بعضهم لا يقرون بالإسلام؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الذين الذي أمر به وفيه التوحيد هو دين الإسلام، لا غيره؛ ألا ترى أنه قال: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا...): أخبر عز
قيل: لأن دعوى من ظهر صدقه في شهادته إذا شهد، وهو مقبول، وهو بما ادعى من الألوهية والربوبية؛ إذا لم يَسْتَقِلهُ أحد - ظهر صدقه، وقهر كل مكذب له في دعواه، وبالله النجاة.
وقوله: (قَائِمًا بِالْقِسْطِ):
أي: حافظ ومتولٍّ؛ كقوله: (قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)، أي: حافظ لها ومتولٍّ؛ كما يقال: فلان قائم على أمر فلان، أي: حافظ لأمره، ومتعاهد لأسبابه.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وقيل: هو عادل، أي: لا يجور، لا أن ثم معنى القيام؛ كقوله: (قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ): مقسطين، لا أن ثم للقيام فيه معنى يسبق الوهمُ إليه، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (١٩)
وقال قائلون: إن الدِّين الذي هو حق مِنْ بين الأديان، وهو الإسلام؛ لأن كل أحد منهم ممن دان دينًا يدعي أنَّه هو دين اللَّه الذي أمر به.
وقال قوم: إن الدِّين الذي أمر به الآمر من عند اللَّه هو دين الإسلام؛ لأنهم. كانوا مع اختلافهم مقرين بالإيمان، لكن بعضهم لا يقرون بالإسلام؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الذين الذي أمر به وفيه التوحيد هو دين الإسلام، لا غيره؛ ألا ترى أنه قال: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا...): أخبر عز
331
وجل، أن إبراهيم - عليه السلام - ليس على دين سوى دين الإسلام، والإسلام هو الإخلاص، على ما ذكرنا فيما تقدم، وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ: أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَأنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، وَالْقِسْطُ: هُوَ العَدْلُ فِي جَمِيعِ القُرآنِ ".
وقوله: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ):
يحتمل وجهين.
يحتمل الاختلاف: التفرق، أي: تفرقوا في الكفر؛ كقوله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) الآية. ويحتمل: الاختلاف: نفس الاختلاف في الدِّين؛ كقوله: (وَلَكِنِ اختَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كفَرَ): أخبر أنهم لم يختلفوا عن جهل؛ ولكن عن علم وبيان؛ كقوله: (إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ).
ثم يحتمل قوله: (إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) وجهين: أي: لم يختلفوا إلا من بعد ما علموا وعرفوا.
ويحتمل: أي: لم يختلفوا إلا من بعد ما أوتوا أسباب: ما لو تفكروا وتدبروا - لوقع العلم لهم بذلك والبيان، لكنهم تعنتوا وكابروا؛ فاختلفوا.
ثم في الآية دليل ألا يجوز أن يُفسَّر قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، وقوله: (إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ)، ونحوه: بالانتقال من حال إلى حال، أو من مكان إلى مكان؛ لأنه ذَكَرَ مجيءَ العلم، والعلم لا يوصف بالمجيء ولا ذهاب، وكذلك قوله: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ): ذكر مجيء الحق وزهق الباطل؛ فهما لا يوصفان بمجيء الأجسام، وذهابهم بالانتقال والتحول من مكان إلى مكان، ولا يعرف ذلك ولا يصرف إليه؛ فعلى ذلك لا جائز أن يصرف قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، (استَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، ونحوه - إلى المعروف من استواء الخلق ومجيئهم؛ لتعاليه عن ذلك، قال: والمجيء لا يكون عن الانتقال خاصة؛ بل يكون مرة ذاك وأخرى غيره،
وقوله: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ):
يحتمل وجهين.
يحتمل الاختلاف: التفرق، أي: تفرقوا في الكفر؛ كقوله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) الآية. ويحتمل: الاختلاف: نفس الاختلاف في الدِّين؛ كقوله: (وَلَكِنِ اختَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كفَرَ): أخبر أنهم لم يختلفوا عن جهل؛ ولكن عن علم وبيان؛ كقوله: (إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ).
ثم يحتمل قوله: (إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) وجهين: أي: لم يختلفوا إلا من بعد ما علموا وعرفوا.
ويحتمل: أي: لم يختلفوا إلا من بعد ما أوتوا أسباب: ما لو تفكروا وتدبروا - لوقع العلم لهم بذلك والبيان، لكنهم تعنتوا وكابروا؛ فاختلفوا.
ثم في الآية دليل ألا يجوز أن يُفسَّر قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، وقوله: (إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ)، ونحوه: بالانتقال من حال إلى حال، أو من مكان إلى مكان؛ لأنه ذَكَرَ مجيءَ العلم، والعلم لا يوصف بالمجيء ولا ذهاب، وكذلك قوله: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ): ذكر مجيء الحق وزهق الباطل؛ فهما لا يوصفان بمجيء الأجسام، وذهابهم بالانتقال والتحول من مكان إلى مكان، ولا يعرف ذلك ولا يصرف إليه؛ فعلى ذلك لا جائز أن يصرف قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، (استَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، ونحوه - إلى المعروف من استواء الخلق ومجيئهم؛ لتعاليه عن ذلك، قال: والمجيء لا يكون عن الانتقال خاصة؛ بل يكون مرة ذاك وأخرى غيره،
332
وكذلك الإتيان، واللَّه أعلم.
وقوله: (بَغْيًا بَيْنَهُمْ)
قيل: حسدًا بينهم؛ لأنهم طمعوا أن يبعث الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من بني إسرائيل، على ما بعث سائر الرسل بعد إسرائيل منهم، فلما بعث من غير بني إسرائيل حسدوه، وخالفوا دينه الإسلام، ويحتمل " بغيًا ": من البغي، وهو الجور.
وقوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ)
أي: من المختلفين
(فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ): كأنه على الإضمار - أنْ قل يا مُحَمَّد: ومن يكفر بآيات اللَّه من بعد ما جاءهم العلم والبيان، فإن اللَّه سريع الحساب.
وله ثلاثة أوجه؛ لأن ظاهر الجواب على غير إضمار أن يكون: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، أي: العذاب - واللَّه أعلم - سمى به؛ لأن بعد الحساب عذاب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ نُوقشَ الحِسَابَ عُذِّبَ "، فجعل الحساب عذابًا.
ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه سريع الحساب، لا كحساب الذي يكون بين الخلق؛ لأن الخلق تشغلهم أسباب، وتمنعهم أشياء يحتاجون إلى التفكر والتدبر، واللَّه يتعالى عن أن يشغله شيء أو يمنعه معنى، جل اللَّه عن ذلك.
وقوله: (بَغْيًا بَيْنَهُمْ)
قيل: حسدًا بينهم؛ لأنهم طمعوا أن يبعث الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من بني إسرائيل، على ما بعث سائر الرسل بعد إسرائيل منهم، فلما بعث من غير بني إسرائيل حسدوه، وخالفوا دينه الإسلام، ويحتمل " بغيًا ": من البغي، وهو الجور.
وقوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ)
أي: من المختلفين
(فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ): كأنه على الإضمار - أنْ قل يا مُحَمَّد: ومن يكفر بآيات اللَّه من بعد ما جاءهم العلم والبيان، فإن اللَّه سريع الحساب.
وله ثلاثة أوجه؛ لأن ظاهر الجواب على غير إضمار أن يكون: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، أي: العذاب - واللَّه أعلم - سمى به؛ لأن بعد الحساب عذاب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ نُوقشَ الحِسَابَ عُذِّبَ "، فجعل الحساب عذابًا.
ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه سريع الحساب، لا كحساب الذي يكون بين الخلق؛ لأن الخلق تشغلهم أسباب، وتمنعهم أشياء يحتاجون إلى التفكر والتدبر، واللَّه يتعالى عن أن يشغله شيء أو يمنعه معنى، جل اللَّه عن ذلك.
333
وقيل: على التقريب حسابه سريع " كَأْن قد جاء لقربه، واللَّه أعلم.
قوله: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ): هو شهادة ربوبية، لا يتوهم له كيفية، ولا يخطر بالبال له المائية، ولا يحتمل الوصول إلى حقيقة ذلك بالتفكر، ولا أن يُحتمل بلوغُ العقل الوقوفَ على ذلك؛ إذ هو خَلْق قصر عن الإحاطة بمائية نفسه، وعن إدراك وجه قيامه بالذي ركب أو تجديد من حيث نفسه، وهو تحت جميع ما ذكرت، إذ هو خلق وحَدَث جرى عليه التدبير، ودخل تحت التقدير؛ فالربوبية أحق أن ينحسر عنها الأوهام، وتَكِلُّ عن توهم إدراكها الأفهام؛ وعلى ذلك أمر تكوين اللَّه الأشياءَ، على ما شهدت الأشياء، التي هي تحت التكوين في العبارة، لا على توهمٍ في التكوين معنى تحتمله الأفهام، أو تبلغه العقول؛ وإنما هو عبارة بها جعل لا يقف على العبارات عن المتعالي عن صفات الخلق، المحقق له الجلال عن جهاتهم إلا من حيث المفهوم في الخلق، للتقريب إلى الأفهام دون تحقيق المفهوم، مما عن العبارة عنه -قدرت العبارات في الإخبار عن اللَّه تعالى، عن ذلك وعلى هذا القول اللَّه والرحمن وجميع ما يتعارف الخلق من الأسماء على ما يقرب من الأفهام- المراد بها لا تحقيق الحروف، أو إدخال تحت تركيب الكلام وتأليف العبارة، وهذا معنى معرفة وحدانيته من جهة ضرورات توجب المعرفة، على الوصف بالسبحانية له عن معاني جميع المعروفين، وباللَّه العصمة والمعونة.
ثم قد يحتمل أن يؤذن في العبارة عن ذلك بما هو ألطف وأدفع للتوهم: توهم ما لعل للقلب عند ذكر الشهادة فضل حيرة، ليس عند تلك العبارة، وذلك يخرج على وجوه في الاحتمال؛ لما يسعه عقولنا دون القطع على شيء مما وقع عندنا من الرجوع إليه واللَّه - سبحانه - أعلم من ذلك بشهادة الخلائق كلهم: ما فيها من آثار الصنعة، ودلالة الربوبية، وشهادة الألوهية؛ لتكون شهادة بالذي ذكر: بأن. لا إله إلا هو، إذ في كل شيء سواه هذه الشهادة بالصفة التي جعلها هو فيه له، واللَّه أعلم.
والثاني: أن يكون بذاته متعاليًا عن جميع معاني من سواه من المعاني التي أدخلتها
قوله: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ): هو شهادة ربوبية، لا يتوهم له كيفية، ولا يخطر بالبال له المائية، ولا يحتمل الوصول إلى حقيقة ذلك بالتفكر، ولا أن يُحتمل بلوغُ العقل الوقوفَ على ذلك؛ إذ هو خَلْق قصر عن الإحاطة بمائية نفسه، وعن إدراك وجه قيامه بالذي ركب أو تجديد من حيث نفسه، وهو تحت جميع ما ذكرت، إذ هو خلق وحَدَث جرى عليه التدبير، ودخل تحت التقدير؛ فالربوبية أحق أن ينحسر عنها الأوهام، وتَكِلُّ عن توهم إدراكها الأفهام؛ وعلى ذلك أمر تكوين اللَّه الأشياءَ، على ما شهدت الأشياء، التي هي تحت التكوين في العبارة، لا على توهمٍ في التكوين معنى تحتمله الأفهام، أو تبلغه العقول؛ وإنما هو عبارة بها جعل لا يقف على العبارات عن المتعالي عن صفات الخلق، المحقق له الجلال عن جهاتهم إلا من حيث المفهوم في الخلق، للتقريب إلى الأفهام دون تحقيق المفهوم، مما عن العبارة عنه -قدرت العبارات في الإخبار عن اللَّه تعالى، عن ذلك وعلى هذا القول اللَّه والرحمن وجميع ما يتعارف الخلق من الأسماء على ما يقرب من الأفهام- المراد بها لا تحقيق الحروف، أو إدخال تحت تركيب الكلام وتأليف العبارة، وهذا معنى معرفة وحدانيته من جهة ضرورات توجب المعرفة، على الوصف بالسبحانية له عن معاني جميع المعروفين، وباللَّه العصمة والمعونة.
ثم قد يحتمل أن يؤذن في العبارة عن ذلك بما هو ألطف وأدفع للتوهم: توهم ما لعل للقلب عند ذكر الشهادة فضل حيرة، ليس عند تلك العبارة، وذلك يخرج على وجوه في الاحتمال؛ لما يسعه عقولنا دون القطع على شيء مما وقع عندنا من الرجوع إليه واللَّه - سبحانه - أعلم من ذلك بشهادة الخلائق كلهم: ما فيها من آثار الصنعة، ودلالة الربوبية، وشهادة الألوهية؛ لتكون شهادة بالذي ذكر: بأن. لا إله إلا هو، إذ في كل شيء سواه هذه الشهادة بالصفة التي جعلها هو فيه له، واللَّه أعلم.
والثاني: أن يكون بذاته متعاليًا عن جميع معاني من سواه من المعاني التي أدخلتها
334
اسم مربوب، وظهر كل شيء في الحقيقة له عند توهم المعبود، لا يستحق غيرُه غير آثار الحدثيَّة وجهات المدخلة تحت القدرة والتدبير، وهو بذاته متعالٍ عن كلية الجهات والمعاني، التي كانت بها بعد أن لم تكن، وبها صارت مربوبة عبدًا، وهو متعال أيضًا عن الوصف بالجهات والمعاني؛ بل هو خلق الخلق، ولا قوة إلا باللَّه.
ويحتمل: شهد: علم، وكذلك مَنْ شهد الشيء فقد علم مخبره خلقته بإله العالم، وأنه واحد لا شريك له، إله الكل وخالقهم؛ ليعلموا أنما أعلمهم أنه كما أخبر، وذلك في نقض قول كثير ممن ينفون عن اللَّه - تعالى - أنه عالم وشاهد كل شيء، واللَّه الموفق.
ويحتمل: شهد على الخلائق أن يكون عليهم القول والاعتقاد أنه لا إله غيره؛ بمعنى: قضى وأمر، واللَّه الموفق. ، وليس فيما جمعه اللَّه بشهادة من ذكر توهم معنى لشهادته بما هو بشهادة من ذكر، مع ما قد يحتمل لما جمع إلى شهادته شهادة من ذكر وجهان:
أحدهما: فضل من ذكر بما ذكر شهادته عند ذكر شهادتهم؛ على نحو قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية؛ ذكر ما له، وإن كان له الخلق كله؛ بوجهين:
أحدهما: بما جعل ذلك لوجوه العبادة؛ كما أضاف إليه المساجد على أنها وغيرها له، وذكر في الملائكة الذين عنده في أمر القيامة، وإليه المصير، ونحو ذلك، إما مخصوص لما ذكر من الأوقات في فضل أو غير جعل له، أو لما كان ذلك لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نسب إليه، أو كان لكلية المعاني للعبادة؛ فمثله أمر شهادات من ذكوتها بشهادة اللَّه؛ تفضلًا لأُولَئِكَ وتخصيصًا، من بين الخلائق، واللَّه أعلم.
والثاني: على كون الشهادة من الإخبار بحق الأمر، نسبه إليه؛ كما نسب إليه كتابة الألواح ونفخ جبريل الروح بما كان منه أمر به، فكذا فعله في الإضافة إليه، واللَّه أعلم.
ثم حق ذلك -فيما على التحقيق- أن يفهم ما عن اللَّه ربوبيّة وعن العبد عبودية، على
ويحتمل: شهد: علم، وكذلك مَنْ شهد الشيء فقد علم مخبره خلقته بإله العالم، وأنه واحد لا شريك له، إله الكل وخالقهم؛ ليعلموا أنما أعلمهم أنه كما أخبر، وذلك في نقض قول كثير ممن ينفون عن اللَّه - تعالى - أنه عالم وشاهد كل شيء، واللَّه الموفق.
ويحتمل: شهد على الخلائق أن يكون عليهم القول والاعتقاد أنه لا إله غيره؛ بمعنى: قضى وأمر، واللَّه الموفق. ، وليس فيما جمعه اللَّه بشهادة من ذكر توهم معنى لشهادته بما هو بشهادة من ذكر، مع ما قد يحتمل لما جمع إلى شهادته شهادة من ذكر وجهان:
أحدهما: فضل من ذكر بما ذكر شهادته عند ذكر شهادتهم؛ على نحو قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية؛ ذكر ما له، وإن كان له الخلق كله؛ بوجهين:
أحدهما: بما جعل ذلك لوجوه العبادة؛ كما أضاف إليه المساجد على أنها وغيرها له، وذكر في الملائكة الذين عنده في أمر القيامة، وإليه المصير، ونحو ذلك، إما مخصوص لما ذكر من الأوقات في فضل أو غير جعل له، أو لما كان ذلك لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نسب إليه، أو كان لكلية المعاني للعبادة؛ فمثله أمر شهادات من ذكوتها بشهادة اللَّه؛ تفضلًا لأُولَئِكَ وتخصيصًا، من بين الخلائق، واللَّه أعلم.
والثاني: على كون الشهادة من الإخبار بحق الأمر، نسبه إليه؛ كما نسب إليه كتابة الألواح ونفخ جبريل الروح بما كان منه أمر به، فكذا فعله في الإضافة إليه، واللَّه أعلم.
ثم حق ذلك -فيما على التحقيق- أن يفهم ما عن اللَّه ربوبيّة وعن العبد عبودية، على
335
جميع ما يضاف إلى اللَّه أنه يفهم من غير الوجه الذي يضاف إلى لخلق؛ فمثله أمر الشهادة، واللَّه أعلم.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: (شَهِدَ اللَّهُ) إلى قوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) على معنى جَعْلِ (أَنَّهُ) صِلَة في الكلام، وحقيقته: شهد اللَّه الذي لا إله إلا هو، والملائكة، ومن ذكر: أن الدِّين عند اللَّه الإسلام، والإسلام في -الحقيقة-: جعل كلية الأشياء لله له، لا شريك له فيها: في ملك، ولا إنشاء، ولا تقدير. والإيمان: التصديق بشهادة كلية الأشياء لله تعالى، بأنه ربها وخالقها على ما عليها، جل عن الشركاء.
وقد قيل: الإسلام: خضوع.
وقيل: الإخلاص، وهو يرجع إلى ما بيّنا، وذلك كقوله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)، والإيمان: هو التصديق لله تعالى، بما أخبر أنه رب كل شيء، وأن له الخلق والأمر.
وقيل: هو التصديق بما جاءت به الرسل، وذلك يرجع إلى ما بينا أيضًا. واللَّه أعلم.
وقوله: (قَائِمًا بِالْقِسْطِ): قيل: هو عادل لا يجور، لا أن للقيام معنى في ذلك؛ كقوله: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)، بمعنى: كونوا عادلين مقسطين، والله أعلم.
وقيل: قيام تولٍّ وحفظ، أو كفاية وتدبير؛ كما يقال: فلان قائم بأمر كذا، لا على توهم انتصاب؛ وعلى ذلك قوله: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ).
وقوله: (فَإِنْ حَاجُّوكَ (٢٠)
ولم يقل: في ماذا يحاجوك؟ فيحتمل - واللَّه أعلم - أن يكون هذا. ما علم اللَّه أنهم لا يؤمنون ولا يقبلون الحجة - أمره بترك المحاخة بقوله: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ)؛
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: (شَهِدَ اللَّهُ) إلى قوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) على معنى جَعْلِ (أَنَّهُ) صِلَة في الكلام، وحقيقته: شهد اللَّه الذي لا إله إلا هو، والملائكة، ومن ذكر: أن الدِّين عند اللَّه الإسلام، والإسلام في -الحقيقة-: جعل كلية الأشياء لله له، لا شريك له فيها: في ملك، ولا إنشاء، ولا تقدير. والإيمان: التصديق بشهادة كلية الأشياء لله تعالى، بأنه ربها وخالقها على ما عليها، جل عن الشركاء.
وقد قيل: الإسلام: خضوع.
وقيل: الإخلاص، وهو يرجع إلى ما بيّنا، وذلك كقوله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)، والإيمان: هو التصديق لله تعالى، بما أخبر أنه رب كل شيء، وأن له الخلق والأمر.
وقيل: هو التصديق بما جاءت به الرسل، وذلك يرجع إلى ما بينا أيضًا. واللَّه أعلم.
وقوله: (قَائِمًا بِالْقِسْطِ): قيل: هو عادل لا يجور، لا أن للقيام معنى في ذلك؛ كقوله: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)، بمعنى: كونوا عادلين مقسطين، والله أعلم.
وقيل: قيام تولٍّ وحفظ، أو كفاية وتدبير؛ كما يقال: فلان قائم بأمر كذا، لا على توهم انتصاب؛ وعلى ذلك قوله: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ).
وقوله: (فَإِنْ حَاجُّوكَ (٢٠)
ولم يقل: في ماذا يحاجوك؟ فيحتمل - واللَّه أعلم - أن يكون هذا. ما علم اللَّه أنهم لا يؤمنون ولا يقبلون الحجة - أمره بترك المحاخة بقوله: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ)؛
336
وكذلك: من اتبعني أسلموا أنفسهم لله؛ كقوله: (وَتَوَلَّى عَنْهُم) (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ)، أيأسه عن إيمانهم، وأمره بترك المحاجة معهم.
وقوله: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ):
أي: أخلصت.
ثم يحتمل قوله: (وَجْهِيَ لِلَّهِ)، أي: نفسي لله لا أشرك فيها أحدًا، ولا أجعل لغير الله فيها حقا، على ما جعل الكفار في أنفسهم شركاء وأربابًا.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وقيل: الإسلام أن يجعل نفسه بكليتها لله - تعالى - سالمة، لا شركة فيها لأحد؛ كما قال: (وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)، والإيمان: هو التصديق لشهود الربوبية لله من نفسه وغيره؛ لأنه ما من شيء إلا وفيه شهادة الربوبية.
وقوله: (وَمَنِ اتَّبَعَنِ):
أي: ومن اتبع ديني، فقد أسلموا أنفسهم لله تعالى، أيضًا، لم يشركوا فيها شركاء وأربابًا.
ويحتمل قوله: (وَجْهِيَ لِلَّهِ)، أي: أسلمت أمر ديني وعملي للَّهِ؛ وكذلك من اتبعني واتبع ديني، فقد أسلموا أعمالهم وأمورهم لله؛ كقوله - أتعالى، -: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، وفي حرف ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " ومن اتبعني " أي: ومن معي.
وقوله: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ):
أي: أخلصت.
ثم يحتمل قوله: (وَجْهِيَ لِلَّهِ)، أي: نفسي لله لا أشرك فيها أحدًا، ولا أجعل لغير الله فيها حقا، على ما جعل الكفار في أنفسهم شركاء وأربابًا.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وقيل: الإسلام أن يجعل نفسه بكليتها لله - تعالى - سالمة، لا شركة فيها لأحد؛ كما قال: (وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)، والإيمان: هو التصديق لشهود الربوبية لله من نفسه وغيره؛ لأنه ما من شيء إلا وفيه شهادة الربوبية.
وقوله: (وَمَنِ اتَّبَعَنِ):
أي: ومن اتبع ديني، فقد أسلموا أنفسهم لله تعالى، أيضًا، لم يشركوا فيها شركاء وأربابًا.
ويحتمل قوله: (وَجْهِيَ لِلَّهِ)، أي: أسلمت أمر ديني وعملي للَّهِ؛ وكذلك من اتبعني واتبع ديني، فقد أسلموا أعمالهم وأمورهم لله؛ كقوله - أتعالى، -: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، وفي حرف ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " ومن اتبعني " أي: ومن معي.
337
وقوله: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ): قيل: الذين أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى، والأميين: العرب الذين لا يقرءون الكتاب، ولا لهم كتاب.
(أَأَسْلَمْتُمْ) أنتم لله؛ كما أسلمت أنا وجهي لله، ومن اتبعني.
(فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا): وأخلصوا وجوههم لله وأعمالهم.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ): أي: فإن أبوا أن يسلموا فليس عليك إلا البلاغ كقوله - تعالى -: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) وكقوله: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، وكقوله: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ).
وقوله: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ): هو حرف وعيد.
قيل: (بَصِيرٌ): غير غافل.
وقيل: بصير بجزاء أعمالهم.
وقيل: بصير بما أسروا وأعلنوا، وفي كل وجه وعد ووعيد.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (فَإِنْ حَاجُّوكَ): ولم يبين في ماذا، فقد يجوز ترك الإخبار عن القصة بوجهين:
أحدهما: بعلم أهله.
(أَأَسْلَمْتُمْ) أنتم لله؛ كما أسلمت أنا وجهي لله، ومن اتبعني.
(فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا): وأخلصوا وجوههم لله وأعمالهم.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ): أي: فإن أبوا أن يسلموا فليس عليك إلا البلاغ كقوله - تعالى -: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) وكقوله: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، وكقوله: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ).
وقوله: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ): هو حرف وعيد.
قيل: (بَصِيرٌ): غير غافل.
وقيل: بصير بجزاء أعمالهم.
وقيل: بصير بما أسروا وأعلنوا، وفي كل وجه وعد ووعيد.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (فَإِنْ حَاجُّوكَ): ولم يبين في ماذا، فقد يجوز ترك الإخبار عن القصة بوجهين:
أحدهما: بعلم أهله.
338
والثاني: بما في الجواب؛ دليله: قوله: (يَسْتَفتُونَكَ)، (يَسْأَلُونَكَ) في غير موضع، على غير البيان أنه عن ماذا؟ وهو - واللَّه أعلم - داخل تحت ذينك الوجهين.
ثم يحتمل أن تكون المحاجة قد كثرت فيما قال: (فَإِنْ حَاجُّوكَ)، والحجة قد ظهرت فيه؛ فكانوا يعودون إليها مرة بعد مرّة؛ عود تعنت وعناد؛ فأكرم اللَّه رسوله بالإعراض عن محاجتهم، ذلك كما ظهر تعنتهم فقال: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) على الإعراض عن محاجتهم، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك يخرج معنى الأمر بالتولي عنهم في غير موضع.
ويحتمل أن تكون المحاجة في عبادة الواحد القهار والأوثان التي كانوا يعبدونها من دون اللَّه؛ فبين - جل ثناؤه - في ذلك بالذي يقول لهم هو ومن اتبعه على ذلك؛ نحو قوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وقوله: (لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) الآية، ونحو ذلك، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢)
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ): قيل: بآيات اللَّه التي في كتابهم: من بعث مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وصفته.
وقيل: (بِآيَاتِ اللَّهِ): بالقرآن، وبمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
(وَيَقْتُلُونَ): يحتمل قوله: (وَيَقْتُلُونَ) أي. يهمون يريدون قتلهم؛ كقوله: (فَإِنْ قَتَلُوكُمْ (١) فَاقْتُلُوهُمْ)، فلو كان على حقيقة القتل، فإذا قتلونا لم نقدر على قتلهم؛ وكقوله: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)، أي: إذا أردت أن تقرأ القرآن؛ وكقوله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا) كذا، أي: إذا أردتم أن تقوموا إلى الصلاة؛ لأنه إذا قام إلى الصلاة لم يقدر على الغسل؛ فكذلك الأول.
ويحتمل أن يريد: الرضا بقتل آبائهم الأنبياء، فأضاف ذلك إليهم.
وقيل: إنه أراد آباءهم الذين قتلوا الأنبياء.
ثم يحتمل أن تكون المحاجة قد كثرت فيما قال: (فَإِنْ حَاجُّوكَ)، والحجة قد ظهرت فيه؛ فكانوا يعودون إليها مرة بعد مرّة؛ عود تعنت وعناد؛ فأكرم اللَّه رسوله بالإعراض عن محاجتهم، ذلك كما ظهر تعنتهم فقال: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) على الإعراض عن محاجتهم، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك يخرج معنى الأمر بالتولي عنهم في غير موضع.
ويحتمل أن تكون المحاجة في عبادة الواحد القهار والأوثان التي كانوا يعبدونها من دون اللَّه؛ فبين - جل ثناؤه - في ذلك بالذي يقول لهم هو ومن اتبعه على ذلك؛ نحو قوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وقوله: (لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) الآية، ونحو ذلك، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢)
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ): قيل: بآيات اللَّه التي في كتابهم: من بعث مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وصفته.
وقيل: (بِآيَاتِ اللَّهِ): بالقرآن، وبمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
(وَيَقْتُلُونَ): يحتمل قوله: (وَيَقْتُلُونَ) أي. يهمون يريدون قتلهم؛ كقوله: (فَإِنْ قَتَلُوكُمْ (١) فَاقْتُلُوهُمْ)، فلو كان على حقيقة القتل، فإذا قتلونا لم نقدر على قتلهم؛ وكقوله: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)، أي: إذا أردت أن تقرأ القرآن؛ وكقوله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا) كذا، أي: إذا أردتم أن تقوموا إلى الصلاة؛ لأنه إذا قام إلى الصلاة لم يقدر على الغسل؛ فكذلك الأول.
ويحتمل أن يريد: الرضا بقتل آبائهم الأنبياء، فأضاف ذلك إليهم.
وقيل: إنه أراد آباءهم الذين قتلوا الأنبياء.
(١) هذه قراءة حمزة والكسائي -بغير ألف- واللَّه أعلم.
339
وقيل: جاءَ أنهم كانوا يقتلون ألف نبي كل يوم، قال الشيخ: لا أعرف هذا، فإن صح فهو على أنهم تمنوا ذلك، أو قتلوا نبيا وأنصاره، فسموا أنبياء؛ لما كان ينبئ بعضهم بعضا، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ): لو كان أراد آباءَهم كيف يأمر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالبشارة وهم موتى؟! دل هذا على أن التأويل هو الأول: أنهم هموا بقتلهم، أو ورضوا بصنع آبائهم، واللَّه أعلم.
والبشارة المطلقة إنما تستعمل في الشرور والخيرات خاصة، إلا أن تكون مقيدة؛ فحينئذ تجوز في غيرها؛ كقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) قيدها هنا؛ لذلك قال أصحابنا - رحمهم اللَّه -: أن ليست الحقائق أولى من المجاز، ولا الظاهر أولى
وقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ): لو كان أراد آباءَهم كيف يأمر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالبشارة وهم موتى؟! دل هذا على أن التأويل هو الأول: أنهم هموا بقتلهم، أو ورضوا بصنع آبائهم، واللَّه أعلم.
والبشارة المطلقة إنما تستعمل في الشرور والخيرات خاصة، إلا أن تكون مقيدة؛ فحينئذ تجوز في غيرها؛ كقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) قيدها هنا؛ لذلك قال أصحابنا - رحمهم اللَّه -: أن ليست الحقائق أولى من المجاز، ولا الظاهر أولى
340
من الباطن؛ إلا بدليل على ما صرفت أشياء كثيرة عن حقائقها بالعرف؛ من نحو: الإيمان، وغيرها.
وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (٢٢)
يحتمل وجوهًا:
يحتمل: أعمالهم التي فعلوا؛ قبل أن يبعث مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فلما بعث كفروا به، فبطلت تلك الأعمال.
ويحتمل: ما كان لهم من الأعمال: من صلة المحارم، والقربات، والصدقات، فبطلت لما لا قوام لها إلا بالإيمان، فلما لم يأتوا به - بطلت.
وقوله: (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ): أما في الآخرة: فثوابها، وأما في الدنيا: فحمدها وثناؤها.
ويحتمل في الدنيا: ثواب الدنيا؛ كقوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ): فالآيات أعلام وحجج، وهن أنواع:
منها حسِّيات، نحو: الخلائق؛ في الدلالة على وحدانية اللَّه تعالى. والخارجة منها عن احتمال وسع البشر يظهر عند أداء الرسل الرسالة، يشهد على أن الذي أرسلهم هو الذي تولاها؛ ليعلم بها محجة ويوضح بها رسالتهم.
ومنها: السمعيات: وهي التي جاءت بها الرسل من الأنباء؛ عما لا سبيل إلى الوقوف عليها، إلا بالتعلم بلا تقدم تعليم، أو ما لا يعلم حقيقة ذلك إلا اللَّه؛ ليعلم أن اللَّه هو الذي
وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (٢٢)
يحتمل وجوهًا:
يحتمل: أعمالهم التي فعلوا؛ قبل أن يبعث مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فلما بعث كفروا به، فبطلت تلك الأعمال.
ويحتمل: ما كان لهم من الأعمال: من صلة المحارم، والقربات، والصدقات، فبطلت لما لا قوام لها إلا بالإيمان، فلما لم يأتوا به - بطلت.
وقوله: (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ): أما في الآخرة: فثوابها، وأما في الدنيا: فحمدها وثناؤها.
ويحتمل في الدنيا: ثواب الدنيا؛ كقوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ): فالآيات أعلام وحجج، وهن أنواع:
منها حسِّيات، نحو: الخلائق؛ في الدلالة على وحدانية اللَّه تعالى. والخارجة منها عن احتمال وسع البشر يظهر عند أداء الرسل الرسالة، يشهد على أن الذي أرسلهم هو الذي تولاها؛ ليعلم بها محجة ويوضح بها رسالتهم.
ومنها: السمعيات: وهي التي جاءت بها الرسل من الأنباء؛ عما لا سبيل إلى الوقوف عليها، إلا بالتعلم بلا تقدم تعليم، أو ما لا يعلم حقيقة ذلك إلا اللَّه؛ ليعلم أن اللَّه هو الذي
341
أطلعهم عليها؛ ليكون آية لهم، واللَّه أعلم.
ومنها العقليات: وهي التي تعرف بالمحن، والبحث عنها مما بها يوصل إلى معرفة التوحيد والرسالة ونحوها، ثم قد جعلها كلها لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فمن يكفر بها يخرج على وجهين:
أحدهما: على الكفران بحقيقة الآيات؛ أن يكون هن آيات لما أقيمت له، وهن من الوجوه التي ذكرت، فقضى اللَّه - تعالى - لمن يكفر بها بما ذكرت؛ لتعنتهم ومعاندتهم، واللَّه أعلم.
والثاني: أن يريد بالكفر بالآيات: الكفر بمن له الآيات؛ فنسب إلى الآيات؛ لما بها تعلم الحقيقة، كما تنسب الأشياء إلى أسبابها التي بها يوصل إليها، فذلك معنى الكفر بالآيات، ثم كانت الكتب السماوية، وما فيها من النعوت، وما أعجزهم عن إتيان مثل القرآن، وغير ذلك من الحسّيات، واللَّه أعلم.
فعلى ما ذكرنا يخرج معنى الكفر بالآيات؛ لأنها بحيث يأخذها الحواس، ويحيط بها الأوهام والعقول؛ ولكن على أنهن آيات للذي دَلَّكُم عليه، أو على الكفر بالذي له آيات توجب تحقيقه، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ)
وقال في ذلك الكتاب: (لا رَيبَ فِيهِ)، وقد ارتاب فيها أكثر أهل الأرض؛ قيل: قوله: (لَا رَيْبَ فِيهِ) قد يتكلم به على تثبيت المقول به عند قائله، لا على نفي الشك عن كل من سمعه؛ إرادة التأكيد؛ فعلى ذلك أمكن أن يخرج معناه؛ إذ هو مخاطبة على ما عليه كلامهم؛ وكذلك قولهم أبدًا على دوامه وامتداده، لا على حقيقة الأبدية؛ وكذلك يقولون: (هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)، وأمر قديم: لا على حقيقة القدم؛ التي تخرج على الكون بعد أن لم يكن، واللَّه الموفق.
والثاني: على أنه لا يرتاب فيه المتأمّل المنصف بما جعل اللَّه لذلك من الآيات، وعليه من الأدلة التي من تدبر فيها - أظهرته له، حتى يصير كالمعاين، ولا قوة إلا باللَّه.
والثالث: أن يخبر به رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن قوم مخصوصين مما كانوا ينازعون فيه، بعد علمهم بصدقه؛ ليعرف به تعنتهم، ويؤيسه عن الطمع فيهم، ولا قوة إلا باللَّه.
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
ومنها العقليات: وهي التي تعرف بالمحن، والبحث عنها مما بها يوصل إلى معرفة التوحيد والرسالة ونحوها، ثم قد جعلها كلها لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فمن يكفر بها يخرج على وجهين:
أحدهما: على الكفران بحقيقة الآيات؛ أن يكون هن آيات لما أقيمت له، وهن من الوجوه التي ذكرت، فقضى اللَّه - تعالى - لمن يكفر بها بما ذكرت؛ لتعنتهم ومعاندتهم، واللَّه أعلم.
والثاني: أن يريد بالكفر بالآيات: الكفر بمن له الآيات؛ فنسب إلى الآيات؛ لما بها تعلم الحقيقة، كما تنسب الأشياء إلى أسبابها التي بها يوصل إليها، فذلك معنى الكفر بالآيات، ثم كانت الكتب السماوية، وما فيها من النعوت، وما أعجزهم عن إتيان مثل القرآن، وغير ذلك من الحسّيات، واللَّه أعلم.
فعلى ما ذكرنا يخرج معنى الكفر بالآيات؛ لأنها بحيث يأخذها الحواس، ويحيط بها الأوهام والعقول؛ ولكن على أنهن آيات للذي دَلَّكُم عليه، أو على الكفر بالذي له آيات توجب تحقيقه، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ)
وقال في ذلك الكتاب: (لا رَيبَ فِيهِ)، وقد ارتاب فيها أكثر أهل الأرض؛ قيل: قوله: (لَا رَيْبَ فِيهِ) قد يتكلم به على تثبيت المقول به عند قائله، لا على نفي الشك عن كل من سمعه؛ إرادة التأكيد؛ فعلى ذلك أمكن أن يخرج معناه؛ إذ هو مخاطبة على ما عليه كلامهم؛ وكذلك قولهم أبدًا على دوامه وامتداده، لا على حقيقة الأبدية؛ وكذلك يقولون: (هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)، وأمر قديم: لا على حقيقة القدم؛ التي تخرج على الكون بعد أن لم يكن، واللَّه الموفق.
والثاني: على أنه لا يرتاب فيه المتأمّل المنصف بما جعل اللَّه لذلك من الآيات، وعليه من الأدلة التي من تدبر فيها - أظهرته له، حتى يصير كالمعاين، ولا قوة إلا باللَّه.
والثالث: أن يخبر به رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن قوم مخصوصين مما كانوا ينازعون فيه، بعد علمهم بصدقه؛ ليعرف به تعنتهم، ويؤيسه عن الطمع فيهم، ولا قوة إلا باللَّه.
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
342
يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥)
وقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ)
قوله: (أَلَمْ تَرَ) إنما يتكلم به لأحد معنيين:
إما للتعجب من الأمر العظيم؛ يقول الرجل لآخر: ألم تر فلانا يقول كذا، أو يعمل كذا؟! يقول ذلك له؛ لعظيم ما وقع عنده.
وإمّا للتنبيه.
فأيّهما كان ففيه تحذير للمؤمنين؛ ليحذر المؤمنون عن مثل صنيعهم؛ كقوله: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ) من قبل الآية؛ حذر المؤمنين أن يكونوا مثل أُولَئِكَ الذين أوتوا الكتاب، ولا يخالفوا كتابهم كما خالفوا هم.
وقوله: (يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ):
يحتمل أن يكون أراد بالكتاب: التوراة؛ على ما قيل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال لهم: " أَسْلِمُوا تَهْتَدُوا، وَلَا تَتَكَبَّرُوا " فقالوا: نحن أهدى وأحق بالهدى منك. وما أرسل الله رسولًا بعد موسى - عليه السلام - فقال لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " بَيّنِى وَبَيّنَكُمُ التَورَاةُ وَالإنْجِيلُ؛ فَإِنَهُ مَكْتُوبٌ فِيهِمَا " يعني: وإني رسول اللَّه، فأبوا ذلك خوفًا وإشفاقًا على ظهور كذبهم.
وقيل: أراد بالكتاب: القرآن، دعوا إليه؛ لأنه مصدق لما معهم من الكتاب، فأبوا ذلك.
وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ (٢٤)
وقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ)
قوله: (أَلَمْ تَرَ) إنما يتكلم به لأحد معنيين:
إما للتعجب من الأمر العظيم؛ يقول الرجل لآخر: ألم تر فلانا يقول كذا، أو يعمل كذا؟! يقول ذلك له؛ لعظيم ما وقع عنده.
وإمّا للتنبيه.
فأيّهما كان ففيه تحذير للمؤمنين؛ ليحذر المؤمنون عن مثل صنيعهم؛ كقوله: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ) من قبل الآية؛ حذر المؤمنين أن يكونوا مثل أُولَئِكَ الذين أوتوا الكتاب، ولا يخالفوا كتابهم كما خالفوا هم.
وقوله: (يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ):
يحتمل أن يكون أراد بالكتاب: التوراة؛ على ما قيل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال لهم: " أَسْلِمُوا تَهْتَدُوا، وَلَا تَتَكَبَّرُوا " فقالوا: نحن أهدى وأحق بالهدى منك. وما أرسل الله رسولًا بعد موسى - عليه السلام - فقال لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " بَيّنِى وَبَيّنَكُمُ التَورَاةُ وَالإنْجِيلُ؛ فَإِنَهُ مَكْتُوبٌ فِيهِمَا " يعني: وإني رسول اللَّه، فأبوا ذلك خوفًا وإشفاقًا على ظهور كذبهم.
وقيل: أراد بالكتاب: القرآن، دعوا إليه؛ لأنه مصدق لما معهم من الكتاب، فأبوا ذلك.
وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ (٢٤)
الآية ٢٤ وقوله تعالى :﴿ ذالك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ﴾ ؛ الأيام التي عبد آباؤهم العجل، فظنوا أنهم إنما يعذبون في النار
[ بقدر ما عبد آباؤهم العجل، وأنهم لا يخلدون في النار، لأنهم كان ]١ قد ﴿ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ﴾، ثم خوفهم، فقال :﴿ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ﴾ ؟.
[ بقدر ما عبد آباؤهم العجل، وأنهم لا يخلدون في النار، لأنهم كان ]١ قد ﴿ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ﴾، ثم خوفهم، فقال :﴿ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ﴾ ؟.
١ في م، في الأصل: إلا قدر عبادتنا العجل فأخبر جل وعلا أن..
الآية ٢٥ وقوله تعالى :﴿ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ﴾ وقد ارتاب فيه أكثر أهل الأرض [ بوجوه :
أحدهما ]١ : قيل : قوله :﴿ لا ريب ﴾ قد يتكلم به على تثبيت المقول به عند قائله لا على نفي الشك عن كل من سمعه إرادة التأكيد. فعلى ذلك أمكن أن يخرج معناه إذ هو مخاطبة على ما عليه كلامهم، وكذلك قولهم أبدا على دوامه وامتداده لا على حقيقة الأبدية، وكذلك يقولون :﴿ هذا إفك قديم ﴾ [ الأحقاف : ١١ ] وأمر قديم على حقيقة القدم التي تخرج على الكون بعد أن لم يكن، والله الموفق.
والثاني : على أنه لا يرتاب فيه المتأمل المنصف بما جعل الله لذلك من الآيات وعليه من الأدلة التي من تدبر [ ما فيها ير ما ]٢ أظهرته له حتى يصير كالمعاين، ولا قوة إلا بالله.
والثالث : أنه يخبر به٣ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قوم مخصوصين ما كانوا ينازعون فيه بعد عملهم بصدقه ليعرف تعنتهم، ويؤنبه عن الطمع فيهم، ولا قوة إلا بالله.
أحدهما ]١ : قيل : قوله :﴿ لا ريب ﴾ قد يتكلم به على تثبيت المقول به عند قائله لا على نفي الشك عن كل من سمعه إرادة التأكيد. فعلى ذلك أمكن أن يخرج معناه إذ هو مخاطبة على ما عليه كلامهم، وكذلك قولهم أبدا على دوامه وامتداده لا على حقيقة الأبدية، وكذلك يقولون :﴿ هذا إفك قديم ﴾ [ الأحقاف : ١١ ] وأمر قديم على حقيقة القدم التي تخرج على الكون بعد أن لم يكن، والله الموفق.
والثاني : على أنه لا يرتاب فيه المتأمل المنصف بما جعل الله لذلك من الآيات وعليه من الأدلة التي من تدبر [ ما فيها ير ما ]٢ أظهرته له حتى يصير كالمعاين، ولا قوة إلا بالله.
والثالث : أنه يخبر به٣ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قوم مخصوصين ما كانوا ينازعون فيه بعد عملهم بصدقه ليعرف تعنتهم، ويؤنبه عن الطمع فيهم، ولا قوة إلا بالله.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: هافيها..
٣ ساقطة من م..
٢ في الأصل وم: هافيها..
٣ ساقطة من م..
الأيام التي عبد آباؤهم العجل، فظنوا أنهم إنما يعذبون بقدر ما عبد آباؤهم العجل، وأنهم لا يخلدون في النار؛ لأنهم زعموا أنهم أبناء اللَّه وأحباؤه.
ويحتمل أن يكون آباؤهم قالوا لهم: إنكم لا تعذبون في النار إلا قدر عبادتنا العجل؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن قد غرهم في دينهم ما كانوا يفترون، ثم خوفهم فقال: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ).
* * *
قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧)
وقوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) يحتمل قوله: (مَالِكَ الْمُلْكِ) وجهين:
أحدهما: مالك ملك كل ملك في الدنيا له حقيقة الملك.
والثاني: أن الملك له، يؤتي من يشاء من ملكه، وينزع ممن يشاء الملك، وهو المالك لذلك، والقادر عليه.
والآية ترد على القدرية قولهم؛ لأنهم يقولون: إن اللَّه لا يعطي الكافر الملك، وهو قد أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه يؤتي من يشاء الملك، وقد يؤتي الكافر به الملك، فإن قالوا: أراد بـ " الملك ": الدِّين، فقد أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أيضا أنه ينزع، فكيف يستقيم على قولكم في الأصلح هذا.
ثم في الآية تقوية لمن قرأ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، بالألف لأنه أعم وأجمع؛ لأنه قال: (مَالِكَ الْمُلْكِ) وهو أعمّ.
والثاني: أن (الملك) إنما يعبر عن الولاية والسلطان، و " المالك ": إنما يعبر عن حقيقة الملك، ومن له في الشيء حقيقة الملك - فله ولاية التغلب والتصرف فيه ولاية السلطان، ولا كل من له ولاية السلطان يكون له ولاية التغلب فيه؛ لذلك كان بالألف
ويحتمل أن يكون آباؤهم قالوا لهم: إنكم لا تعذبون في النار إلا قدر عبادتنا العجل؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن قد غرهم في دينهم ما كانوا يفترون، ثم خوفهم فقال: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ).
* * *
قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧)
وقوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) يحتمل قوله: (مَالِكَ الْمُلْكِ) وجهين:
أحدهما: مالك ملك كل ملك في الدنيا له حقيقة الملك.
والثاني: أن الملك له، يؤتي من يشاء من ملكه، وينزع ممن يشاء الملك، وهو المالك لذلك، والقادر عليه.
والآية ترد على القدرية قولهم؛ لأنهم يقولون: إن اللَّه لا يعطي الكافر الملك، وهو قد أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه يؤتي من يشاء الملك، وقد يؤتي الكافر به الملك، فإن قالوا: أراد بـ " الملك ": الدِّين، فقد أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أيضا أنه ينزع، فكيف يستقيم على قولكم في الأصلح هذا.
ثم في الآية تقوية لمن قرأ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، بالألف لأنه أعم وأجمع؛ لأنه قال: (مَالِكَ الْمُلْكِ) وهو أعمّ.
والثاني: أن (الملك) إنما يعبر عن الولاية والسلطان، و " المالك ": إنما يعبر عن حقيقة الملك، ومن له في الشيء حقيقة الملك - فله ولاية التغلب والتصرف فيه ولاية السلطان، ولا كل من له ولاية السلطان يكون له ولاية التغلب فيه؛ لذلك كان بالألف
344
أقرب، ومن قرأ: " ملك يوم الدِّين " بغير ألف ذهب إلى أن هذا كقوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ)، ومن الملك يقال: ملك؛ لا يقال: مالك؛ لذلك كان ما ذكر، واللَّه أعلم.
والمالك -على الإطلاق- لا يقال إلا على اللَّه؛ وكذلك الرب -على الإطلاق- لا يقال إلا على اللَّه، وأما العبد فإنه يقرن الشيء إليه؛ فيقال ربّ الدار ومالكها، ورب الدابة ومالكها، واللَّه أعلم.
وقوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ):
قال قائلون: الخطاب لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاصة.
وقال آخرون: الخطاب بذلك لكل عاقل؛ وهو كقوله: (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) إلى آخر الآية، ذلك الخطاب لكل أحد لا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاصة.
وقال الشيخ - رحمه اللَّه -: ليس هو خطاب؛ ولكنه أمر بالبلاغ ليقوله كل أحد؛ لأنه لو خوطب به لم يذكر " قل " عند قراءته.
وقوله: (اللَّهُمَّ): قال قائلون: " اللهم ": يعني: يا آلهتهم.
وقال آخرون: (الله) - على القطع - " أمِّنَّا " اقصدنا بالخير، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) الآية: فكأنه - عَزَّ وَجَلَّ - امتحن من رغب في الملك، أو نال حظًّا منه - أن يصرفوا وجه الرغبة إليه، أو يروا حقيقة ما نالوه منه؛ فيوجهون إليه الشكر، ويخضعون له بالعبادة والطاعة فيما أمرهم به؛ لينالوا شرفه ويدوم له عزه؛ وذلك كقوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، ليريهم أن الذي يملك هذا النوع الذي رغبت فيه أنفسكم، ومنعتكم عن القيام بحقهِ - هو الذي يملك ذلك؛ فإليه فاصرفوا سعيكم، وبشكره استديموا، الذي له اخترتم جل كدحكم؛ فإنه يملك ذلك دون غيره؛ وجملة ذلك في قوله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، ومعقول فيما عليه طبع البشر، وإليه دعاهم عقولهم: أن كل شيء تؤثره أنفسهم - كان الذي يحق عليهم طلبه عند من به
والمالك -على الإطلاق- لا يقال إلا على اللَّه؛ وكذلك الرب -على الإطلاق- لا يقال إلا على اللَّه، وأما العبد فإنه يقرن الشيء إليه؛ فيقال ربّ الدار ومالكها، ورب الدابة ومالكها، واللَّه أعلم.
وقوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ):
قال قائلون: الخطاب لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاصة.
وقال آخرون: الخطاب بذلك لكل عاقل؛ وهو كقوله: (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) إلى آخر الآية، ذلك الخطاب لكل أحد لا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاصة.
وقال الشيخ - رحمه اللَّه -: ليس هو خطاب؛ ولكنه أمر بالبلاغ ليقوله كل أحد؛ لأنه لو خوطب به لم يذكر " قل " عند قراءته.
وقوله: (اللَّهُمَّ): قال قائلون: " اللهم ": يعني: يا آلهتهم.
وقال آخرون: (الله) - على القطع - " أمِّنَّا " اقصدنا بالخير، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) الآية: فكأنه - عَزَّ وَجَلَّ - امتحن من رغب في الملك، أو نال حظًّا منه - أن يصرفوا وجه الرغبة إليه، أو يروا حقيقة ما نالوه منه؛ فيوجهون إليه الشكر، ويخضعون له بالعبادة والطاعة فيما أمرهم به؛ لينالوا شرفه ويدوم له عزه؛ وذلك كقوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، ليريهم أن الذي يملك هذا النوع الذي رغبت فيه أنفسكم، ومنعتكم عن القيام بحقهِ - هو الذي يملك ذلك؛ فإليه فاصرفوا سعيكم، وبشكره استديموا، الذي له اخترتم جل كدحكم؛ فإنه يملك ذلك دون غيره؛ وجملة ذلك في قوله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، ومعقول فيما عليه طبع البشر، وإليه دعاهم عقولهم: أن كل شيء تؤثره أنفسهم - كان الذي يحق عليهم طلبه عند من به
345
يوصل إليه، واختيارهم ما به يبلغون ما يأملون من أنواع الحيل التي تقربهم إلى ذلك، فمثله يلزم أمر الملك ولذات الدنيا، وتقرر في قلوبهم وجود ذلك لقوم؛ لو كان ينال بالتدبير أو بحسن السياسة، وطلب ذلك من الوجوه التي يطلب بها البشر - لم يكن الدِّين لهم ذلك بأحق من غيرهم؛ بل كان فيمن حرموا مَنْ هم أولى بذلك، وأحق أن يكون في ذلك متبوعًا لا تابعًا من الذين نالوه؛ ليعلم أن الذي يملك دفع ذلك إلى أحد أو تمليكه أحدًا، غير الذين صرفوا كدحهم، وجعلوا له سعيهم؛ فيكون لله في كل أمر مما عليه أمر البشر آية عظيمة، وعلامة لطيفة على تفرده بملك ذلك، وتوحُّدِهِ بالتدبير فيه لمن له بصيرة ولمن به يمتحن عباده.
وعلى ذلك إذ ثبتت في ذلك أدلة التوحيد، ولزوم الاعتبار به؛ ليعرف من له الحق ثبت القول ببطلان ما ينكره كثير من المعتزلة؛ أن الملك الذي ناله الجبابرة، والسعة التي تصل إلى الكَفَرَة- لم يكن نالوه بتقدير اللَّه، ولا وصلوا إليه بتدبيره؛ إذ حقه ما ذكرت من عظيم ما فيه من النعم؛ ليلزمهم به أرفع المحن وأعلى الشكر، وله أن يبلو بالحسنات والسيئات؛ كما وعد عَزَّ وَجَلَّ؛ وجملته: أن الدنيا إذ هي دار محنة ومكان ابتلاء، فليس الذي يعطى منه على الاستحقاق، ولا ما يمنع على العقوبة -وإن احتمل الدفع والمنع لذلك- ولكن له وللمحن، والمحنة أكثرها على مخالفة الأهواء، وتحمل المكاره، ويكون ذلك على إعطاء ما يعظم في أنفسهم، أو التمكين ليمتحنوا؛ فيتبين الإيثار والترك لوجه اللَّه، والرغبة فيمن إليه حقيقة ملك كل شيء، أو الميل إلى من إليه أنواع التغرير والمخادعات من غير تحقيق، ولا قوة إلا باللَّه.
وعلى ذلك قوله: (أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ)، يبيِّن ذلك احتجاجه على إبراهيم - عليه السلام -، بالذي ذكر، وإغضاء إبراهيم عنه، ولو كان الذي آتاه اللَّه، الملك إبراهيم - عليه السلام -، لم يكن ليجترئ على تلك المقالة بقوله: (أَنَا أُحْيِي
وعلى ذلك إذ ثبتت في ذلك أدلة التوحيد، ولزوم الاعتبار به؛ ليعرف من له الحق ثبت القول ببطلان ما ينكره كثير من المعتزلة؛ أن الملك الذي ناله الجبابرة، والسعة التي تصل إلى الكَفَرَة- لم يكن نالوه بتقدير اللَّه، ولا وصلوا إليه بتدبيره؛ إذ حقه ما ذكرت من عظيم ما فيه من النعم؛ ليلزمهم به أرفع المحن وأعلى الشكر، وله أن يبلو بالحسنات والسيئات؛ كما وعد عَزَّ وَجَلَّ؛ وجملته: أن الدنيا إذ هي دار محنة ومكان ابتلاء، فليس الذي يعطى منه على الاستحقاق، ولا ما يمنع على العقوبة -وإن احتمل الدفع والمنع لذلك- ولكن له وللمحن، والمحنة أكثرها على مخالفة الأهواء، وتحمل المكاره، ويكون ذلك على إعطاء ما يعظم في أنفسهم، أو التمكين ليمتحنوا؛ فيتبين الإيثار والترك لوجه اللَّه، والرغبة فيمن إليه حقيقة ملك كل شيء، أو الميل إلى من إليه أنواع التغرير والمخادعات من غير تحقيق، ولا قوة إلا باللَّه.
وعلى ذلك قوله: (أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ)، يبيِّن ذلك احتجاجه على إبراهيم - عليه السلام -، بالذي ذكر، وإغضاء إبراهيم عنه، ولو كان الذي آتاه اللَّه، الملك إبراهيم - عليه السلام -، لم يكن ليجترئ على تلك المقالة بقوله: (أَنَا أُحْيِي
346
وَأُمِيتُ)، ولا قوة إلا باللَّه.
ثم على قول المعتزلة: إنّ اللَّه - تعالى - إنما يشاء أن يؤتي الملك أولياءه، وينزع عن أعدائه في الجملة، فكيف ادعى لنفسه هذا السلطان والملك، وكان الوجوب على ضدّ ذلك؟! أيظن المعتزلة أن الملحدة تطعن ما هو يوجب الشبهة في حجج التوحيد بأوضح مما أعطاهم المعتزلة بهذا القول، أو يمكنهم من الطعن في نقض ما ادعت الموحدة من علو الرب وقدرته وجلاله بأبلغ مما لقنتهم المعتزلة بما لبست ثوب التوحيد، واستترت بستره في الظاهر، ثم أعطت للملحدة هذا؛ ليظنوا أنهم بلغوا ما به نقض التوحيد، ودفع حجج أهله، جل اللَّه عما وصفته الملحدة، وتعالى، فبه العصمة والنجاة.
ولما أعطتهم المعتزلة في الجملة سبقهم به إبليس، حتى كانوا بمثله يحتجون؛ فيظنون أنهم أحق بالنبوة منهم، بما أعطوا من الملك والثروة في الدنيا؛ فظنوا أنهم أجل عند اللَّه - تعالى - وأرفع في المنزلة منهم، من لم يكن ليؤثرهم بالرسالة عليهم، لكن أُولَئِكَ حققوا حقائق النعم لله، ونيل ما نالوا من الملك والشرف به، والمعتزلة رامت إزالة ذلك عن اللَّه؛ ليزيلوا عنهم ما لزمهم من الشكر له، والطاعة لمن بعثه اللَّه، وأسأل اللَّه تمام نعمه في الدِّين والدنيا.
وقوله: (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)، وقوله: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) ونحو ذلك: وجوه من الأدلة:
أحدها: أن يعلم أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فيما يخلق - لا يخلق على معونة الأسباب، وتوليد الطبائع؛ لأن الأسباب تكون بموضع الإشكال؛ وكذلك الطباع تولد الذي في جوهره؛ نحو: الحار يولد الحرارة، والبارد يولد البرودة؛ فبين اللَّه - تعالى - الإنشاء على أحوال التضاد؛ ليعلم أنه القادر على اجتماع ما شاء مما شاء بلا معونة من ذلك ولا توليد، ولا قوة إلا باللَّه.
والوجه الثاني: أنه جرى تقدير ذلك على ما لا تفاوت له، ولا اختلاف في اختلاف الأعوام؛ ليعلم أنها مسوَّاة على التدبير، أحكمه على ذلك العزيز الحكيم، الذي لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه أمر؛ وليعلم أن الذي قدر على ذلك واحد؛ إذ لم يختلف ولم
ثم على قول المعتزلة: إنّ اللَّه - تعالى - إنما يشاء أن يؤتي الملك أولياءه، وينزع عن أعدائه في الجملة، فكيف ادعى لنفسه هذا السلطان والملك، وكان الوجوب على ضدّ ذلك؟! أيظن المعتزلة أن الملحدة تطعن ما هو يوجب الشبهة في حجج التوحيد بأوضح مما أعطاهم المعتزلة بهذا القول، أو يمكنهم من الطعن في نقض ما ادعت الموحدة من علو الرب وقدرته وجلاله بأبلغ مما لقنتهم المعتزلة بما لبست ثوب التوحيد، واستترت بستره في الظاهر، ثم أعطت للملحدة هذا؛ ليظنوا أنهم بلغوا ما به نقض التوحيد، ودفع حجج أهله، جل اللَّه عما وصفته الملحدة، وتعالى، فبه العصمة والنجاة.
ولما أعطتهم المعتزلة في الجملة سبقهم به إبليس، حتى كانوا بمثله يحتجون؛ فيظنون أنهم أحق بالنبوة منهم، بما أعطوا من الملك والثروة في الدنيا؛ فظنوا أنهم أجل عند اللَّه - تعالى - وأرفع في المنزلة منهم، من لم يكن ليؤثرهم بالرسالة عليهم، لكن أُولَئِكَ حققوا حقائق النعم لله، ونيل ما نالوا من الملك والشرف به، والمعتزلة رامت إزالة ذلك عن اللَّه؛ ليزيلوا عنهم ما لزمهم من الشكر له، والطاعة لمن بعثه اللَّه، وأسأل اللَّه تمام نعمه في الدِّين والدنيا.
وقوله: (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)، وقوله: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) ونحو ذلك: وجوه من الأدلة:
أحدها: أن يعلم أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فيما يخلق - لا يخلق على معونة الأسباب، وتوليد الطبائع؛ لأن الأسباب تكون بموضع الإشكال؛ وكذلك الطباع تولد الذي في جوهره؛ نحو: الحار يولد الحرارة، والبارد يولد البرودة؛ فبين اللَّه - تعالى - الإنشاء على أحوال التضاد؛ ليعلم أنه القادر على اجتماع ما شاء مما شاء بلا معونة من ذلك ولا توليد، ولا قوة إلا باللَّه.
والوجه الثاني: أنه جرى تقدير ذلك على ما لا تفاوت له، ولا اختلاف في اختلاف الأعوام؛ ليعلم أنها مسوَّاة على التدبير، أحكمه على ذلك العزيز الحكيم، الذي لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه أمر؛ وليعلم أن الذي قدر على ذلك واحد؛ إذ لم يختلف ولم
347
يتناقض، ولا قوة إلا باللَّه.
وأيضًا، أنه قد صير كل جوهر بأحداث الآخر؛ كأنه لم يكن قط، ولا كان بقي له أثر، ثم رده بالوصف الذي كان؛ حتى لا يفوت منه شيء، حتى لا سبيل إلى العلم بالتفصيل بينهما؛ ليعلم أن قدرته على البعث، بعد أن يفنى كل الأجزاء والآثار، على ما كان، ولا قوة إلا باللَّه.
وأيضًا، أنه إذ بني الأمر على ما فيه من عظيم الحكمة، وعجيب التدبير - لم يجز أن يكون فعله خارجًا على العبث، ثم في رفع المحنة، وإبطال الرسالة في تعليم ما في ذلك من الحكمة، وما يلزم بمكان ذلك التدبير من الشكر والمعرفة، ثم من الترغيب فيما يملك من النعمة، والترهيب عما عنده من النقمة - إبطال الحكمة، وتقرير العالم مَع ما ذكرت على العبث، وذلك فاسد في العقول، وموجود في الجواهر عظيم حكمة منشئها، ثبت بذلك العبادة والرسالة والجزاء، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى آخره: يحتمل وجهين: يحتمل أن تؤتي ابتداء من غير أن كان آتاهم مرة؛ وكذلك تنزع -أي تمنع- ابتداء من غير أن كان آتاهم، ثم ينزع؛ كقوله: (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ)، رفع ابتداء من غير أن كانت موضوعة فرفعها؛ وكقوله: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، إخراج الابتداء، لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم، فعلى ذلك هذا، وعلى ذلك قوله: (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) إيلاج ابتداء، لا أن كان أحدهما في الآخر؛ كقوله - تعالى -: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، و (النَّهَارَ سَرْمَدًا)، أخبر أنه لم يجعل واحدًا منهما مؤبدا؛ وكذلك قوله: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) إخراج ابتداء؛ أن يخلق الحي من الميت
وأيضًا، أنه قد صير كل جوهر بأحداث الآخر؛ كأنه لم يكن قط، ولا كان بقي له أثر، ثم رده بالوصف الذي كان؛ حتى لا يفوت منه شيء، حتى لا سبيل إلى العلم بالتفصيل بينهما؛ ليعلم أن قدرته على البعث، بعد أن يفنى كل الأجزاء والآثار، على ما كان، ولا قوة إلا باللَّه.
وأيضًا، أنه إذ بني الأمر على ما فيه من عظيم الحكمة، وعجيب التدبير - لم يجز أن يكون فعله خارجًا على العبث، ثم في رفع المحنة، وإبطال الرسالة في تعليم ما في ذلك من الحكمة، وما يلزم بمكان ذلك التدبير من الشكر والمعرفة، ثم من الترغيب فيما يملك من النعمة، والترهيب عما عنده من النقمة - إبطال الحكمة، وتقرير العالم مَع ما ذكرت على العبث، وذلك فاسد في العقول، وموجود في الجواهر عظيم حكمة منشئها، ثبت بذلك العبادة والرسالة والجزاء، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى آخره: يحتمل وجهين: يحتمل أن تؤتي ابتداء من غير أن كان آتاهم مرة؛ وكذلك تنزع -أي تمنع- ابتداء من غير أن كان آتاهم، ثم ينزع؛ كقوله: (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ)، رفع ابتداء من غير أن كانت موضوعة فرفعها؛ وكقوله: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، إخراج الابتداء، لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم، فعلى ذلك هذا، وعلى ذلك قوله: (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) إيلاج ابتداء، لا أن كان أحدهما في الآخر؛ كقوله - تعالى -: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، و (النَّهَارَ سَرْمَدًا)، أخبر أنه لم يجعل واحدًا منهما مؤبدا؛ وكذلك قوله: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) إخراج ابتداء؛ أن يخلق الحي من الميت
348
ابتداء، ويخلق الميت من الحي من غير أن كان فيه؛ ويحتمل هذا كله أن كان يؤتي الملك بعد أن لم يكن، ويعزّ بعد الذل، وينزع الملك بعد أن كان، ويذل بعد أن كان العز؛ وكذا قوله: (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (٢٧) أن يدخل بعض هذا في هذا، وهذا في هذا.
وقوله: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ): قيل: أن يخرج حي الأقوال من ميت الأفعال، وميت الأفعال من حي الأقوال، يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن؛ على ما سمى اللَّه - تعالى - الكافر ميتًا، والمؤمن حيًّا في غير موضع من القرآن.
وقيل: يخرج حي الجوهر من ميت الجوهر، وميت الجوهر من حي الجوهر.
وقيل: يخرج الحي من المني، ويخرج المني من الحي.
وقيل: البيضة من الحي، والحي من البيضة.
وقيل: النخلة من النواة، والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة، والسنبلة من الحبة.
وقوله: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ): قيل: أن يخرج حي الأقوال من ميت الأفعال، وميت الأفعال من حي الأقوال، يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن؛ على ما سمى اللَّه - تعالى - الكافر ميتًا، والمؤمن حيًّا في غير موضع من القرآن.
وقيل: يخرج حي الجوهر من ميت الجوهر، وميت الجوهر من حي الجوهر.
وقيل: يخرج الحي من المني، ويخرج المني من الحي.
وقيل: البيضة من الحي، والحي من البيضة.
وقيل: النخلة من النواة، والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة، والسنبلة من الحبة.
وقوله: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
قيل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ): يعرف الخلق عدده ومقداره.
وقيل: بغير تبعة ولا طلبة؛ أي: لا يحاسبهم فيما أعطاهم من بعد ما أعطاهم.
ويحتمل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ)، أي: لا يعطيهم بحساب أعمالهم، ولكن بتفضل، خلافًا للمعتزلة.
ويحتمل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ): في الآخرة.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " بغير هنداز - فارسية معربة ".
وعن مقاتل: " لا يقدر ذلك غيره؛ يقول: ليس فوقي ملك يحاسبني، أنا الملك أُعطي من شئت بغير حساب، لا أخاف من أحد يحاسبني ". واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)
وقوله: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل وجهين:
يحتمل: (لَا يَتَخِذِ)، أي: لا يكونون أولياء لهم، وإن اتخذوا أولياء؛ بل هم لهم أعداء؛ كقوله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...)، إلى آخر الآية.
ويحتمل: على النهي، أي: لا تتخذوا أولياء؛ كقوله: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)
قيل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ): يعرف الخلق عدده ومقداره.
وقيل: بغير تبعة ولا طلبة؛ أي: لا يحاسبهم فيما أعطاهم من بعد ما أعطاهم.
ويحتمل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ)، أي: لا يعطيهم بحساب أعمالهم، ولكن بتفضل، خلافًا للمعتزلة.
ويحتمل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ): في الآخرة.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " بغير هنداز - فارسية معربة ".
وعن مقاتل: " لا يقدر ذلك غيره؛ يقول: ليس فوقي ملك يحاسبني، أنا الملك أُعطي من شئت بغير حساب، لا أخاف من أحد يحاسبني ". واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)
وقوله: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل وجهين:
يحتمل: (لَا يَتَخِذِ)، أي: لا يكونون أولياء لهم، وإن اتخذوا أولياء؛ بل هم لهم أعداء؛ كقوله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...)، إلى آخر الآية.
ويحتمل: على النهي، أي: لا تتخذوا أولياء؛ كقوله: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)
350
وكقوله: (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ).
وقوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً): اختلف فيه: قيل: إلا أن يكون بينكم وبينهم قرابة ورحم؛ فتصلون أرحامهم من غير أن تتولوهم في دينهم، على ما جاء عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما مات أبوه أبو طالب -: " إِنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ تُوفي "، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - " اذْهَبْ فَوَارِهِ ".
ويحتمل قوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) على أنفسكم (مِنْهُمْ تُقَاةً)، إلا أن تخافوا منهم فتظهروا لهم ذلك مخافة الهلاك، وقلوبكم على غير ذلك.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " التَّقِيَّةُ: التكلُّمُ بِاللسَانِ، وَقَلْبُه مُطْمَئِن بِالإيمَانِ ".
وقوله: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ):
قيل: عقوبته.
وقيل: نقمته؛ يقول الرجل لآخر: احذر فلانًا، إنما يريد نقمته وبوائقه؛ فعلى
وقوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً): اختلف فيه: قيل: إلا أن يكون بينكم وبينهم قرابة ورحم؛ فتصلون أرحامهم من غير أن تتولوهم في دينهم، على ما جاء عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما مات أبوه أبو طالب -: " إِنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ تُوفي "، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - " اذْهَبْ فَوَارِهِ ".
ويحتمل قوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) على أنفسكم (مِنْهُمْ تُقَاةً)، إلا أن تخافوا منهم فتظهروا لهم ذلك مخافة الهلاك، وقلوبكم على غير ذلك.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " التَّقِيَّةُ: التكلُّمُ بِاللسَانِ، وَقَلْبُه مُطْمَئِن بِالإيمَانِ ".
وقوله: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ):
قيل: عقوبته.
وقيل: نقمته؛ يقول الرجل لآخر: احذر فلانًا، إنما يريد نقمته وبوائقه؛ فعلى
351
ذلك قوله: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) عقوبته. وبوائقه، التي تكون من نفسه لما يكون ذلك به لا بغيره، واللَّه أعلم.
وقوله: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ... (٢٩)
يحتمل: ما تخفوا من ولاية الكفار وتبدوه - يعلمه اللَّه، فيه إخبار أن في قلوبهم شيئًا.
ويحتمل: أن يكون أراد جميع ما يخفون ويبدون (وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) الآية.
* * *
قوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)
وقوله: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا):
قيل: تجد ثواب ما عملت من خير حاضرًا؛ لأن عمله إنما كان للثواب لا لنفس العمل.
(وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا):
يحتمل: ما عملت من سوء تجده مكتوبًا يتجاوز عنه؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وعد المؤمنين، وأطمع لهم قبول حسناتهم، والتجاوز عن سيئاتهم؛ كقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ)؛ فيجد المؤمن ثواب ما عمل من خير حاضرًا، ويتجاوز عن مساوئه. وأمَّا الكافر: فيجد عقاب ما عمل من سوء في ْالدنيا؛ كقوله: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا)، فلا يتجاوز عنهم، ويبطل خيراتهم.
وقوله: (أَمَدًا بَعِيدًا):
قيل: بعيدًا من حيث لا يرى.
وقيل: بعيدًا تودّ: ليت أن لم يكن، ما من نفس مؤمنة ولا كافرة إلا ودّوا البعد عن
وقوله: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ... (٢٩)
يحتمل: ما تخفوا من ولاية الكفار وتبدوه - يعلمه اللَّه، فيه إخبار أن في قلوبهم شيئًا.
ويحتمل: أن يكون أراد جميع ما يخفون ويبدون (وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) الآية.
* * *
قوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)
وقوله: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا):
قيل: تجد ثواب ما عملت من خير حاضرًا؛ لأن عمله إنما كان للثواب لا لنفس العمل.
(وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا):
يحتمل: ما عملت من سوء تجده مكتوبًا يتجاوز عنه؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وعد المؤمنين، وأطمع لهم قبول حسناتهم، والتجاوز عن سيئاتهم؛ كقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ)؛ فيجد المؤمن ثواب ما عمل من خير حاضرًا، ويتجاوز عن مساوئه. وأمَّا الكافر: فيجد عقاب ما عمل من سوء في ْالدنيا؛ كقوله: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا)، فلا يتجاوز عنهم، ويبطل خيراتهم.
وقوله: (أَمَدًا بَعِيدًا):
قيل: بعيدًا من حيث لا يرى.
وقيل: بعيدًا تودّ: ليت أن لم يكن، ما من نفس مؤمنة ولا كافرة إلا ودّوا البعد عن
الآية ٣٠ وقوله تعالى :﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ﴾ ؛ قيل : تجد ثواب ما عملت من خير حاضرا لأن عمله إنما كان للثواب لا لنفس العمل، ﴿ وما عملت من سوء تود لو أن بينهما وبينه أمدا بعيدا ﴾ ويحتمل ﴿ وما عملت من سوء ﴾ [ تجده مكتوبا، لا ]١ يتجاوز عنه، لأن الله جل وعلا وعد المؤمنين، وأطمع لهم قبول حسناتهم والتجاوز عن سيئاتهم كقوله :﴿ أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم ﴾ [ الأحقاف : ١٦ ] فيجد المؤمن ثواب ما عمل من خير حاضرا، ويتجاوز عن مساويه، وأما الكافر فيجد عقاب ما عمل من سوء في الدنيا كقوله :﴿ ووجدوا ما عملوا حاضرا ﴾ [ الكهف : ٤٩ ] فلا يتجاوز عنهم، وتبطل خيراتهم.
وقوله تعالى :﴿ أمدا بعيدا ﴾ قيل : بعيدا من حيث لا يرى، وقيل : بعيدا : تود : ليت أن لم تكن. وما٢ من نفس مؤمنة ولا كافرة إلا تود البعد عن ذنبها٣، وأنه لم يكن. ﴿ ويحذركم الله نفسه ﴾ قد ذكرناه.
وقوله تعالى :﴿ والله رؤوف بالعباد ﴾ إن أراد رأفة الآخرة [ فهو ]٤ يعني بالمؤمنين خاصة، وإن أراد رأفة الدنيا فهو بالكل.
قال الشيخ، رحمه الله تعالى : في قوله :﴿ والله رؤوف بالعباد ﴾ فالرحمة من الله، جل ثناؤه، والرأفة نوعان :
أحدهما : في حق الابتداء أن خلق خلقا ركب فيهم، ما يميزون به بين مختلف الأمور، ويجمعون بين المؤتلف، ثم لم يأخذ كلا منهم بما استحق من العقوبة، بل رحم، وأمهل التوبة والرجوع إليه، وهذه الرحمة رحمة عامة، لا يخلو عنها عبد.
والثاني٥ : رحمة في حق الجزاء من التجاوز والمغفرة وإيجاب الثواب للفعل. فهذه لا ينالها أعداؤه لما يوجب التجهيل في التفريق بين الذي جعل في العقول التفريق، ولما يكون وضع الإحسان، في غير أهله والإكرام لمن لا يعرف الكرم به، ولما في الحكمة تعذيبهم تخويفا وزجرا عما يختارون، وينالها من يفرق، واعتقد الموالاة، وكان هو أعظم في قلوبهم وطاعته من جميع لذات الدارين، فإن كانوا يبلون المعاصي على الجهالة أو على رجاء الرحمة والعفو، إذ هو كذلك في شرطهم الذي به والوه وبالغلبة، فهي رحمة خاصة، أي هي بالمؤمنين وبالعباد الذين بذلوا أنفسهم له بالعبودية بحق الاختيار، وإن كانوا يغلبون على ذلك في أحوال، والله الموفق.
وقوله تعالى :﴿ أمدا بعيدا ﴾ قيل : بعيدا من حيث لا يرى، وقيل : بعيدا : تود : ليت أن لم تكن. وما٢ من نفس مؤمنة ولا كافرة إلا تود البعد عن ذنبها٣، وأنه لم يكن. ﴿ ويحذركم الله نفسه ﴾ قد ذكرناه.
وقوله تعالى :﴿ والله رؤوف بالعباد ﴾ إن أراد رأفة الآخرة [ فهو ]٤ يعني بالمؤمنين خاصة، وإن أراد رأفة الدنيا فهو بالكل.
قال الشيخ، رحمه الله تعالى : في قوله :﴿ والله رؤوف بالعباد ﴾ فالرحمة من الله، جل ثناؤه، والرأفة نوعان :
أحدهما : في حق الابتداء أن خلق خلقا ركب فيهم، ما يميزون به بين مختلف الأمور، ويجمعون بين المؤتلف، ثم لم يأخذ كلا منهم بما استحق من العقوبة، بل رحم، وأمهل التوبة والرجوع إليه، وهذه الرحمة رحمة عامة، لا يخلو عنها عبد.
والثاني٥ : رحمة في حق الجزاء من التجاوز والمغفرة وإيجاب الثواب للفعل. فهذه لا ينالها أعداؤه لما يوجب التجهيل في التفريق بين الذي جعل في العقول التفريق، ولما يكون وضع الإحسان، في غير أهله والإكرام لمن لا يعرف الكرم به، ولما في الحكمة تعذيبهم تخويفا وزجرا عما يختارون، وينالها من يفرق، واعتقد الموالاة، وكان هو أعظم في قلوبهم وطاعته من جميع لذات الدارين، فإن كانوا يبلون المعاصي على الجهالة أو على رجاء الرحمة والعفو، إذ هو كذلك في شرطهم الذي به والوه وبالغلبة، فهي رحمة خاصة، أي هي بالمؤمنين وبالعباد الذين بذلوا أنفسهم له بالعبودية بحق الاختيار، وإن كانوا يغلبون على ذلك في أحوال، والله الموفق.
١ في الأصل وم: تجد مكتوبا..
٢ الواو ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: دنبه..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ فيس الأصل وم: و..
٢ الواو ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: دنبه..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ فيس الأصل وم: و..
ذنبه، وأنه لم يكن.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ): قد ذكرناه.
وقوله: (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ):
إن أراد رأفة الآخرة -يعني بالمؤمنين خاصة، وإن أراد رأفة الدنيا- فهو بالكل.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ): فالرحمة من اللَّه - جلّ ثناؤه - والرأفة نوعان:
أحَدهما: في حق الابتداء، أن خلق خلقًا ركب فيهم ما يميزون به بين مختلف الأمور، ويجمعون بين المؤتلف، ثم لم يأخذ كلا منهم بما استحق من العقوبة؛ بل رحم وأمهل للتوبة والرجوع إليه، وهذه الرحمة رحمة عامة لا يخلو عنها عبد. ورحمة في حق الجزاء؛ من التجاوز والمغفرة وإيجاب الثواب للفعل، فهذه لا ينالها أعداؤه؛ لما يوجب التجهيل في التفريق بين الذي جعل في العقول التفريق؛ ولما يكون وضع الإحسان في غير أهله، والإكرام لمن لا يصرف الكرم به؛ ولما في الحكمة تعذيبهم تخويفًا وزجرًا عما يختارون، وينالها من تقرب واعتقد الموالاة، وكان هو أعظم في قلوبهم وطاعته من جميع لذَّات الدارين، وإن كانوا يبلون بالمعاصي على الجهالة، أو على رجاء الرحمة والعفو؛ إذ هو كذلك في شرطهم الذي به والوه، وبالغلبة، واللَّه أعلم، فهي رحمة خاصة، أي: هي بالمؤمنين، وبالعباد الذين بذلوا أنفسهم له بالعبودة بحق الاختيار، وإن كانوا يغلبون على ذلك في أحوال، واللَّه الموفق.
وقوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (٣١) قيل: إن ناسًا كانوا يقولون في عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: إنا نحبُّ اللَّه حبًّا شديدًا؛ فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هذه الآية، وبين فيها لمحبته عَلَمًا.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ): قد ذكرناه.
وقوله: (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ):
إن أراد رأفة الآخرة -يعني بالمؤمنين خاصة، وإن أراد رأفة الدنيا- فهو بالكل.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ): فالرحمة من اللَّه - جلّ ثناؤه - والرأفة نوعان:
أحَدهما: في حق الابتداء، أن خلق خلقًا ركب فيهم ما يميزون به بين مختلف الأمور، ويجمعون بين المؤتلف، ثم لم يأخذ كلا منهم بما استحق من العقوبة؛ بل رحم وأمهل للتوبة والرجوع إليه، وهذه الرحمة رحمة عامة لا يخلو عنها عبد. ورحمة في حق الجزاء؛ من التجاوز والمغفرة وإيجاب الثواب للفعل، فهذه لا ينالها أعداؤه؛ لما يوجب التجهيل في التفريق بين الذي جعل في العقول التفريق؛ ولما يكون وضع الإحسان في غير أهله، والإكرام لمن لا يصرف الكرم به؛ ولما في الحكمة تعذيبهم تخويفًا وزجرًا عما يختارون، وينالها من تقرب واعتقد الموالاة، وكان هو أعظم في قلوبهم وطاعته من جميع لذَّات الدارين، وإن كانوا يبلون بالمعاصي على الجهالة، أو على رجاء الرحمة والعفو؛ إذ هو كذلك في شرطهم الذي به والوه، وبالغلبة، واللَّه أعلم، فهي رحمة خاصة، أي: هي بالمؤمنين، وبالعباد الذين بذلوا أنفسهم له بالعبودة بحق الاختيار، وإن كانوا يغلبون على ذلك في أحوال، واللَّه الموفق.
وقوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (٣١) قيل: إن ناسًا كانوا يقولون في عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: إنا نحبُّ اللَّه حبًّا شديدًا؛ فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هذه الآية، وبين فيها لمحبته عَلَمًا.
وقيل: إن اليهود لما قالوا: نحن أبناء اللَّه وأحباؤه؛ فأنزل اللَّه - تبارك وتعالى -: قل يا مُحَمَّد: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) وذلك أن من أَحبَّ ملكًا من الملوك يحبُّ رسوله، ويتبعه في أمره، ويؤثر طاعته لحبِّه، فإذا أظهرتم أنتم بغضكم لرسولي، وتركتم اتباعه في أمره، وإيثار طاعته - ظهر أنكم تكذبون في مقالتكم: نحن أبناء الله وأحباؤه؛ لأن من أَحبَّ آخر يحب المتصلين به ورسله وحشمه، والمحبَّة -هاهنا-: الإيثار بالفعل طاعة من يحبه فيما أحبه وكرهه، والطاعة له في جميع أمره، واللَّه أعلم.
وقوله:
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧)
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ):
اختلف فيه؛ قيل: (اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا) ومن ذكر لرسالته ولنبوته.
وقيل: اختارهم لدينه، وهو الإسلام.
وقيل: اختارهم في النية والعمل الصالح والإخلاص للَّهِ.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: الاصطفاء: أن يجعلهم أصفياء من غير تكدر بالدنيا، وغيرهم اختارهم لأمرين: لأمر الآخرة، ولأمر المعاش؛ ألا ترى إلى قوله: " إِنَا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ؛ نَمُوتُ مَوْتَ العَئبدِ لِسَيِّدِه ".
وقوله:
| (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ | (٣٢) قد تقدم ذكرها. |
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧)
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ):
اختلف فيه؛ قيل: (اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا) ومن ذكر لرسالته ولنبوته.
وقيل: اختارهم لدينه، وهو الإسلام.
وقيل: اختارهم في النية والعمل الصالح والإخلاص للَّهِ.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: الاصطفاء: أن يجعلهم أصفياء من غير تكدر بالدنيا، وغيرهم اختارهم لأمرين: لأمر الآخرة، ولأمر المعاش؛ ألا ترى إلى قوله: " إِنَا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ؛ نَمُوتُ مَوْتَ العَئبدِ لِسَيِّدِه ".
الآية ٣٣ وقوله تعالى ﴿ إن الله اصطفى آدم ﴾ اختلف فيه : قيل :﴿ اصطفى آدم ونوحا ﴾ ومن ذكر لرسالته ولنبوته، وقيل : اختارهم لدينه، وهو الإسلام، وقيل : اختاركم في النية والعمل الصالح والإخلاص.
قال الشيخ، رحمه الله : الاصطفاء أن يجعلهم صافين١ من غير تكدر بالدنيا [ وغيرها، وقيل : اختارهم ]٢ لأمرين لأمر الآخرة ولأمر المعاش، ألا ترى إلى قوله جل وعلا :( إنا معاشر الأنبياء لا نورث، نموت موت العبيد لسيده ؟ ) [ بنحوه مسلم ١٧٥٧/ ٤٩ ] وقال الشيخ، رحمه الله، أيضا : في قوله ]٣ :﴿ إن الله اصطفى ﴾ من ذكر، فهو، والله أعلم، ذكر الله أولياءه وأهل صفوته ثم أعداءه وأهل الشقاء ترغيبا في ما استوجبوا الصفوة وتحذيرا عما به صاروا أهل الشقاء، إذ هما أمران يتولدان عن اختيار البشر، [ ويقوم بأعبائها ]٤ أهل المحن لا بنفس الخلقة والجوهر، فصار الذكر للمعنى الذي ذكرت. وعلى ذلك وجه ذكر عواقب الفريقين في الدنيا، وما إليه يصير أمرهم في المعاد. وعلى هذا ما ضرب الله من الأمثال بأنواع الجواهر الطيبة والخبيثة في العقول والطبائع ترغيبا وترهيبا. وعلى هذا جميع أمور الدنيا أنها كلها عبر ومواعظ، وإن كان فيها شهوات ولذات وآلام وأوجاع ليعلم أنها خلقت لا لها، لكن لأمر عظيم، كان ذلك هو المقصود من مدبر العالم أن بالعواقب يذم أهل الاختيار، ويحمدون، فجعل الله عواقب الحكماء وأهل الإحسان حميدة لذيذة ترغيبا فيها وعواقب السفهاء وأهل الإساءة ذميمة وخيمة ترهيبا فيها، فخرج جميع فضل الله على الحكمة والإحسان، وإن كانت مختلفة في اللذة والكراهة، لأنه كذلك طريق الحكمة في الجزاء، وفي ابتداء المحنة تكون مختلفة، والجزاء نوع لما هو كذلك في الحكمة والإحسان، إذ كذلك سبق من أهله الاختيار والجزاء على ما اختاره من له وعليه حكمة وإحسان ؛ أعني بالإحسان في ما يجوز الامتحان بلا جزاء بحق الشكر لما أولى وأبلى، والحكمة في ما لازما ذلك في التدبير، ولا قوة إلا بالله.
قال الشيخ، رحمه الله : الاصطفاء أن يجعلهم صافين١ من غير تكدر بالدنيا [ وغيرها، وقيل : اختارهم ]٢ لأمرين لأمر الآخرة ولأمر المعاش، ألا ترى إلى قوله جل وعلا :( إنا معاشر الأنبياء لا نورث، نموت موت العبيد لسيده ؟ ) [ بنحوه مسلم ١٧٥٧/ ٤٩ ] وقال الشيخ، رحمه الله، أيضا : في قوله ]٣ :﴿ إن الله اصطفى ﴾ من ذكر، فهو، والله أعلم، ذكر الله أولياءه وأهل صفوته ثم أعداءه وأهل الشقاء ترغيبا في ما استوجبوا الصفوة وتحذيرا عما به صاروا أهل الشقاء، إذ هما أمران يتولدان عن اختيار البشر، [ ويقوم بأعبائها ]٤ أهل المحن لا بنفس الخلقة والجوهر، فصار الذكر للمعنى الذي ذكرت. وعلى ذلك وجه ذكر عواقب الفريقين في الدنيا، وما إليه يصير أمرهم في المعاد. وعلى هذا ما ضرب الله من الأمثال بأنواع الجواهر الطيبة والخبيثة في العقول والطبائع ترغيبا وترهيبا. وعلى هذا جميع أمور الدنيا أنها كلها عبر ومواعظ، وإن كان فيها شهوات ولذات وآلام وأوجاع ليعلم أنها خلقت لا لها، لكن لأمر عظيم، كان ذلك هو المقصود من مدبر العالم أن بالعواقب يذم أهل الاختيار، ويحمدون، فجعل الله عواقب الحكماء وأهل الإحسان حميدة لذيذة ترغيبا فيها وعواقب السفهاء وأهل الإساءة ذميمة وخيمة ترهيبا فيها، فخرج جميع فضل الله على الحكمة والإحسان، وإن كانت مختلفة في اللذة والكراهة، لأنه كذلك طريق الحكمة في الجزاء، وفي ابتداء المحنة تكون مختلفة، والجزاء نوع لما هو كذلك في الحكمة والإحسان، إذ كذلك سبق من أهله الاختيار والجزاء على ما اختاره من له وعليه حكمة وإحسان ؛ أعني بالإحسان في ما يجوز الامتحان بلا جزاء بحق الشكر لما أولى وأبلى، والحكمة في ما لازما ذلك في التدبير، ولا قوة إلا بالله.
١ في الأصل وم: صافيا..
٢ في الأصل: وغيرهم اختيارهم، في م: وغيرهم اختارهم..
٣ من م، ساقطة من الأصل..
٤ في الأصل: ويقومان بأعبائهما، في م: ويقومان بأسبابهما..
٢ في الأصل: وغيرهم اختيارهم، في م: وغيرهم اختارهم..
٣ من م، ساقطة من الأصل..
٤ في الأصل: ويقومان بأعبائهما، في م: ويقومان بأسبابهما..
وقال الشيخ - رحمه اللَّه - أيضًا في قوله: إن اللَّه اصطفى من ذكر: فهو - واللَّه أعلم - ذكر اللَّه أولياءه وأهل صفوته، ثم أعداءه وأهل الشقاء؛ ترغيبًا فيما استوجبوا الصفوة؛ وتحذيرًا عما به صاروا أهل الشقاء؛ إذ هما أمران يتولَّدان عن اختيار البشر، ويقومان بأسبابهما أهل المحن، لا بنفس الخلقة والجوهر؛ فصار الذكر للمعنى الذي ذكرت؛ وعلى ذلك وجه ذكر عواقب الفريقين في الدنيا، وما إليه يصير أمرهم في المعاد؛ وعلى هذا ما ضرب اللَّه من الأمثال بأنواع الجواهر الطيبة والخبيثة في العقول والطبائع ترغيبًا وترهيبًا؛ وعلى هذا جميع أمور الدنيا، أنها كلها عبر ومواعظ، وإن كان فيها شهوات ولذات، وآلام وأوجاع؛ ليعلم أنها خلقت لا لها لكن لأمر عظيم، كان ذلك هو المقصود من مدبر العالم أن بالعواقب يذم أهل الاختبار ويحمدون؛ فجعل الله عواقب الحكماء وأهل الإحسان حميدة لذيذة؛ ترغيبًا فيها، وعواقب السفهاء وأهل الإساءة دميمة وجيفة؛ تزهيذا فيها؛ فخرج جميع فعل اللَّه على الحكمة والإحسان، وإن كانت مختلفة في اللذة والكراهة؛ لأنه كذلك طريق الحكمة في الجزاء، وفي ابتداء المحنة، إلا أن المحنة تكون مختلفة، والجزاء نوع لما هو كذلك في الحكمة والإحسان؛ إذ كذلك سبق من أهله الاختيار والجزاء على ما اختاره من له وعليه حكمة وإحسان؛ أعني: بالإحسان فيما يجوز الامتحان بلا جزاء بحق الشكر لما أولى وأبلى، والحكمة فيما كان لازمًا ذلك في التدبير، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (٣٤)
قيل: بعضها من بعض في النسب من ذرية آدم، ثم من ذرية نوح، ثم من ذرية إبراهيم، عليهم السلام.
وقيل: بعضهم من ذرية بعض.
وقيل: بعضهم من جوهر بعض؛ فلا تتكبروا؛ كقوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)، منع الحر عن التعظيم على العبد.
واختلف في الذرية: قَالَ بَعْضُهُمْ: " الذرية ": الأولاد والآباء؛ كقوله: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ)، وكانوا الأولاد والآباء، والذرية مأخوذة، وهو الخلقة.
وقوله: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (٣٤)
قيل: بعضها من بعض في النسب من ذرية آدم، ثم من ذرية نوح، ثم من ذرية إبراهيم، عليهم السلام.
وقيل: بعضهم من ذرية بعض.
وقيل: بعضهم من جوهر بعض؛ فلا تتكبروا؛ كقوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)، منع الحر عن التعظيم على العبد.
واختلف في الذرية: قَالَ بَعْضُهُمْ: " الذرية ": الأولاد والآباء؛ كقوله: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ)، وكانوا الأولاد والآباء، والذرية مأخوذة، وهو الخلقة.
وقِيل: " الذرية: الأولاد خاصة، يقال: ذرية فلان، إنما يراد، أولاده خاصة؛ دليله قوله (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً). وقوله: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ).
واختلف في الآل؛ قيل: آل الرجل: المتصلون به.
وقيل: آل الرجل: أتباعه.
وقيل: أقرباؤه.
وروي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " كُل تَقِي فَهُوَ مِنْ آلِي ".
وقيل: إن عمران من ولد سليمان بن داود.
وقوله: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا (٣٥)
لما أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه اصطفي آل عمران واختارهم على سائر العالمين، وكان أقل ما في صفوته واختياره أن جعلت امرأة عمران ما في بطنها مُحَرَّرًا.
واختلف في الآل؛ قيل: آل الرجل: المتصلون به.
وقيل: آل الرجل: أتباعه.
وقيل: أقرباؤه.
وروي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " كُل تَقِي فَهُوَ مِنْ آلِي ".
وقيل: إن عمران من ولد سليمان بن داود.
وقوله: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا (٣٥)
لما أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه اصطفي آل عمران واختارهم على سائر العالمين، وكان أقل ما في صفوته واختياره أن جعلت امرأة عمران ما في بطنها مُحَرَّرًا.
(والْمُحَرَّر): هو العتيق عن المعاش بالعبادة.
وقيل: " الْمُحَرَّر " هو الذي يعبد اللَّه - نعالى - خالصًا مطيعًا، لا يشغله شيء عن عبادته، فارغًا لذلك، وهو قول ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقيل: " الْمُحَرَّر " هو الذي يكون لله صافيًا.
وقيل: " الْمُحَرَّر " هو مَنْ خَدَمَ المسجد.
وقوله: (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)
جعلت ما في بطنها لله خالصًا، لم تطلب منه الاستئناس به، ولا ما يطمع الناس من أولادهم، وذلك من الصفوة التي ذكر - عَزَّ وَجَلَّ - وهكذا الواجب على كل أحد أنه إذا طلب ولدًا أن يطلب للوجه الذي طلبت امرأة عمران وزكريا، حيث قال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)، وما سأل إبراهيم - عليه السلام -: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)، وكقوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا...) الآية هكذا الواجب أن يطلب الولد لا ما يطلبون من الاستئناس والاستنصار والاستعانة بأمر المعاش بهم.
وقوله: (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
أي: تقبل مني قرباني، وما جعلت لك خالصًا، إنك أنت السميع لنذري، العليم بقصدي في التحرير.
وقيل: (السَّمِيعُ): المجيب لدعائي، (العليم) بنيتي.
وقوله: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى (٣٦)
ومعنى قولها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى) -مع علمها أن اللَّه عالم بما في بطنها وبما وضعتها- وجهان:
أحدهما: اعتذارًا لما لم يكن يُحَرَّر في ذلك الزمان إلى الذكور من الأولاد؛ فاعتذرت:
وقيل: " الْمُحَرَّر " هو الذي يعبد اللَّه - نعالى - خالصًا مطيعًا، لا يشغله شيء عن عبادته، فارغًا لذلك، وهو قول ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقيل: " الْمُحَرَّر " هو الذي يكون لله صافيًا.
وقيل: " الْمُحَرَّر " هو مَنْ خَدَمَ المسجد.
وقوله: (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)
جعلت ما في بطنها لله خالصًا، لم تطلب منه الاستئناس به، ولا ما يطمع الناس من أولادهم، وذلك من الصفوة التي ذكر - عَزَّ وَجَلَّ - وهكذا الواجب على كل أحد أنه إذا طلب ولدًا أن يطلب للوجه الذي طلبت امرأة عمران وزكريا، حيث قال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)، وما سأل إبراهيم - عليه السلام -: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)، وكقوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا...) الآية هكذا الواجب أن يطلب الولد لا ما يطلبون من الاستئناس والاستنصار والاستعانة بأمر المعاش بهم.
وقوله: (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
أي: تقبل مني قرباني، وما جعلت لك خالصًا، إنك أنت السميع لنذري، العليم بقصدي في التحرير.
وقيل: (السَّمِيعُ): المجيب لدعائي، (العليم) بنيتي.
وقوله: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى (٣٦)
ومعنى قولها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى) -مع علمها أن اللَّه عالم بما في بطنها وبما وضعتها- وجهان:
أحدهما: اعتذارًا لما لم يكن يُحَرَّر في ذلك الزمان إلى الذكور من الأولاد؛ فاعتذرت:
إني ما وضعت لا يصلح للوجه الذي جعلت.
والثاني: أن الإنسان إذا رأى شيئا عجيبا قد ينطق بذلك، وإن كان يعلم أن غيره علم ما علم هو، وأنه رأى مثل ما رأى هو.
أو يحتمل أن طلبت ردّها إلى منافعها إذا وضعت الأنثى؛ لما رأت الأنثى لا تصلح لذلك.
ويحتمل قولها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى): التعريض لإجابة اللَّه - تعالى - لها فيما قصدت من طاعته بالنذور إن لم تكن صلحت لما قصدت، وقد أجيبت في ذلك بقوله: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ) نحو ما يتقبل لو كان ذكرًا في الاختيار والإكرام، وجعلها خير نساء العالمين.
وقوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى). اختلف فيه: قيل: إن ذلك قولها، قالت: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) على إثر قولها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى)؛ لما تحتاج الأنثى إلى فضل حفظ وتعاهد، والقيام بأسبابها ما لا يحتاج الذكر.
وقيل: إن ذلك قول قاله - عَزَّ وَجَلَّ - لما قالت: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى)، جوابًا لها، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) فيما قصدت، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ).
فيه دليل على أن تسمية الأولاد إلى الأمهات في الإناث دون الآباء، ثم التجأت إلى اللَّه تعالى، حيث أعاذتها به -وذريتَها- من الشيطان الرجيم.
وفيه دلالة أن الذكور يكونون من ذرية الإناث؛ لأنه لم يكن منها إلا عيسى، عليه السلام.
وقوله: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ (٣٧)
يحتمل قوله: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ): أن أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم على ما سألت.
والثاني: أن الإنسان إذا رأى شيئا عجيبا قد ينطق بذلك، وإن كان يعلم أن غيره علم ما علم هو، وأنه رأى مثل ما رأى هو.
أو يحتمل أن طلبت ردّها إلى منافعها إذا وضعت الأنثى؛ لما رأت الأنثى لا تصلح لذلك.
ويحتمل قولها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى): التعريض لإجابة اللَّه - تعالى - لها فيما قصدت من طاعته بالنذور إن لم تكن صلحت لما قصدت، وقد أجيبت في ذلك بقوله: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ) نحو ما يتقبل لو كان ذكرًا في الاختيار والإكرام، وجعلها خير نساء العالمين.
وقوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى). اختلف فيه: قيل: إن ذلك قولها، قالت: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) على إثر قولها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى)؛ لما تحتاج الأنثى إلى فضل حفظ وتعاهد، والقيام بأسبابها ما لا يحتاج الذكر.
وقيل: إن ذلك قول قاله - عَزَّ وَجَلَّ - لما قالت: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى)، جوابًا لها، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) فيما قصدت، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ).
فيه دليل على أن تسمية الأولاد إلى الأمهات في الإناث دون الآباء، ثم التجأت إلى اللَّه تعالى، حيث أعاذتها به -وذريتَها- من الشيطان الرجيم.
وفيه دلالة أن الذكور يكونون من ذرية الإناث؛ لأنه لم يكن منها إلا عيسى، عليه السلام.
وقوله: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ (٣٧)
يحتمل قوله: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ): أن أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم على ما سألت.
358
ويحتمل أن جعلها تصلح للتحرير ولما جعلت، وإن كانت أنثى.
وقوله: (وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا).
يحتمل -أيضًا- نباتًا حسنًا؛ أن لم يجعل للشيطان إليها سبيلًا.
ويحتمل أن ربَّاها تربية حسنة؛ أن لم يجعل رزقها وكفايتها بيد أحد من الخلق؛ بل هو الذي يتولى ذلك لما يبعث إليها من ألوان الرزق، كقوله: (وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا)، وكقوله: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا).
وقوله: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا).
فيه لغتان: إحداهما: بالتخفيف، والأخرى: بالتشديد؛ فمن قرأ بالتخفيف؛ فمعناه ضمَّها زكريا إلى نفسه، ومن قرأ بالتشديد؛ فمعناه: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ضمَّها إلى زكريا.
وقوله: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا).
قيل: وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف - قال زكريا: (أَنَّى لَكِ هَذَا).
قيل فيه بوجهين:
قيل: استخبار عن موضعه، أو كيف لك هذا، على الاستيصاف؛ إنكارًا عليها واتهامًا؛ لما لا يدخل عليها غيره، ولا يقوم بكفايتها سواه، فوقع في قلبه أنَّ أحدًا من
وقوله: (وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا).
يحتمل -أيضًا- نباتًا حسنًا؛ أن لم يجعل للشيطان إليها سبيلًا.
ويحتمل أن ربَّاها تربية حسنة؛ أن لم يجعل رزقها وكفايتها بيد أحد من الخلق؛ بل هو الذي يتولى ذلك لما يبعث إليها من ألوان الرزق، كقوله: (وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا)، وكقوله: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا).
وقوله: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا).
فيه لغتان: إحداهما: بالتخفيف، والأخرى: بالتشديد؛ فمن قرأ بالتخفيف؛ فمعناه ضمَّها زكريا إلى نفسه، ومن قرأ بالتشديد؛ فمعناه: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ضمَّها إلى زكريا.
وقوله: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا).
قيل: وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف - قال زكريا: (أَنَّى لَكِ هَذَا).
قيل فيه بوجهين:
قيل: استخبار عن موضعه، أو كيف لك هذا، على الاستيصاف؛ إنكارًا عليها واتهامًا؛ لما لا يدخل عليها غيره، ولا يقوم بكفايتها سواه، فوقع في قلبه أنَّ أحدًا من
359
البشر يأتيها بذلك.
وقيل: إنه قال ذلك؛ تعجبًا منه لذلك لما رأى من الفاكهة والطعام في غير حينه غير متغير؛ فقال: (أَنَّى لَكِ هَذَا)؛ تعجبًا منه لذلك.
ثم قالت: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
أي: يرزق من حيث لا يحتسب.
* * *
قوله تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)
وقوله: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)
قيل: فعند ذلك دعا زكريا ربه لما كانت نفسه الخاشية تحدث بالولدان تهب له، لكنه لم يدعو لما رأى نفسه متغيرة عن الحال التي يطمع منها الولد، فرأى أن السؤال في مثل ذلك لا يصلح؛ فلما رأى عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف غير متغيرة عن حالها - علم عند ذلك أن السؤال يصلح، وأنه يجاب للدعاء في غير حينه، فذلك معنى قوله: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)، واللَّه أعلم.
ويحتمل أنه لما رأى ما أكرمت امرأة عمران في قبول دعوتها وتبليغ ابنتها في الكرامة المبلغ الذي رأى فيها مما لعل أطماع الأنفس لا تبلغ ذلك - دعا اللَّه - جل جلاله - أن يكرمه ممن يبقى له الأثر فيه والذكر، وإن كانت تلك الحال حال لا تطمع الأنفس فيما رغب - عليه السلام - مع ما كان يعلم قدرة اللَّه - تعالى - على ما يشاء من غير أن كان يحس على طلب الإكرام بكل ما يبلغه قدره، حتى رأى ما هو في الأعجوبة قريب مما كانت نفسه تتمنى، واللَّه أعلم بالمعنى الذي سأل.
وقوله: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ).
وقيل: إنه قال ذلك؛ تعجبًا منه لذلك لما رأى من الفاكهة والطعام في غير حينه غير متغير؛ فقال: (أَنَّى لَكِ هَذَا)؛ تعجبًا منه لذلك.
ثم قالت: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
أي: يرزق من حيث لا يحتسب.
* * *
قوله تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)
وقوله: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)
قيل: فعند ذلك دعا زكريا ربه لما كانت نفسه الخاشية تحدث بالولدان تهب له، لكنه لم يدعو لما رأى نفسه متغيرة عن الحال التي يطمع منها الولد، فرأى أن السؤال في مثل ذلك لا يصلح؛ فلما رأى عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف غير متغيرة عن حالها - علم عند ذلك أن السؤال يصلح، وأنه يجاب للدعاء في غير حينه، فذلك معنى قوله: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)، واللَّه أعلم.
ويحتمل أنه لما رأى ما أكرمت امرأة عمران في قبول دعوتها وتبليغ ابنتها في الكرامة المبلغ الذي رأى فيها مما لعل أطماع الأنفس لا تبلغ ذلك - دعا اللَّه - جل جلاله - أن يكرمه ممن يبقى له الأثر فيه والذكر، وإن كانت تلك الحال حال لا تطمع الأنفس فيما رغب - عليه السلام - مع ما كان يعلم قدرة اللَّه - تعالى - على ما يشاء من غير أن كان يحس على طلب الإكرام بكل ما يبلغه قدره، حتى رأى ما هو في الأعجوبة قريب مما كانت نفسه تتمنى، واللَّه أعلم بالمعنى الذي سأل.
وقوله: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ).
أي: مجيب الدعاء.
وقوله: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ (٣٩)
دل هذا أن المحراب هو موضع الصلاة.
(أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى).
فيه دلالة لقول أصحابنا - رحمهم اللَّه - أن الرجل إذا حلف ألا يبشر فلانًا فأرسل إليه غيره يبشره - حنث في يمينه؛ لأنه هو البشير، وإن كان المؤدي غيره؛ ألا ترى أن البشارة -هاهنا- أضيفت إلى اللَّه - تعالى - فكان هو البشير؛ فكذلك هذا.
وقوله: (مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ).
(بِكَلِمَةٍ) قيل: عيسى - عليه السلام - كان بكلمة من اللَّه، فيحيى صدقه برسالته. وقيل: أول من صدق عيسى - يَحْيَى بن زكريا، ولهذا وقع على النصارى شبهه؛ حيث قالوا: عيسى ابن اللَّه، بقوله: (بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ)، (وَرُوحٌ مِنْهُ)، ظنوا أنه في معنى (فيه)؛ لكن ذلك إنما يذكر إكرامًا لهم وإجلالا، ولا يوجب ذلك ما قالوا؛ ألا ترى أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - قال: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، ونحو ذلك، لم يكن فيه أن النعمة منه في شيء؛ فعلى ذلك الأول.
وقوله: (وَسَيِّدًا):
قيل: سَيِّدًا في العلم والعبادة.
وقيل: السيِّد: الحكيم هاهنا.
وقوله: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ (٣٩)
دل هذا أن المحراب هو موضع الصلاة.
(أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى).
فيه دلالة لقول أصحابنا - رحمهم اللَّه - أن الرجل إذا حلف ألا يبشر فلانًا فأرسل إليه غيره يبشره - حنث في يمينه؛ لأنه هو البشير، وإن كان المؤدي غيره؛ ألا ترى أن البشارة -هاهنا- أضيفت إلى اللَّه - تعالى - فكان هو البشير؛ فكذلك هذا.
وقوله: (مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ).
(بِكَلِمَةٍ) قيل: عيسى - عليه السلام - كان بكلمة من اللَّه، فيحيى صدقه برسالته. وقيل: أول من صدق عيسى - يَحْيَى بن زكريا، ولهذا وقع على النصارى شبهه؛ حيث قالوا: عيسى ابن اللَّه، بقوله: (بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ)، (وَرُوحٌ مِنْهُ)، ظنوا أنه في معنى (فيه)؛ لكن ذلك إنما يذكر إكرامًا لهم وإجلالا، ولا يوجب ذلك ما قالوا؛ ألا ترى أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - قال: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، ونحو ذلك، لم يكن فيه أن النعمة منه في شيء؛ فعلى ذلك الأول.
وقوله: (وَسَيِّدًا):
قيل: سَيِّدًا في العلم والعبادة.
وقيل: السيِّد: الحكيم هاهنا.
361
وقيل: السيد: الذي يطيع ربه ولا يعصيه، فكذلك كان صلوات اللَّه عليه.
وقيل: السيد: الحسن الخلق.
وقيل: السيد: التقي.
وقيل: اشتق يَحْيَى من أسماء اللَّه - تعالى - من: " حي "، واللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هو الذي سماه يحيى؛ وكذلك عيسى - روح اللَّه - هو الذي سماه مسيحًا؛ بقوله: (يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)، وذلك إكرامًا لهم وإجلالًا، على ما سمى إبراهيم: خليل اللَّه، ومُحَمَّد: حبيب اللَّه، وموسى: كليم اللَّه؛ إكرامًا لهم وإجلالًا؛ فكذلك الأول.
وجائز أن يكون " يَحْيَى " بما حيي به الدِّين.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (بِيَحْيَى): قيل: سماه به؛ لما حيي به الدِّين والمروءة، أو حيي به العلم والحكمة، أو حيي به الأخلاق الفاضلة، والأفعال المرضية؛ ولهذا - واللَّه أعلم - سمي سيدًا؛ لأن السؤدد في الخلق يكتسب بهذا النوع من الأحوال.
وسمي مسيحًا بما مسح بالبركة، أو يبارك في كل شيء يمسحه بيده؛ نحو أن يبرأ به وَيَحْيَى، واللَّه أعلم.
وحقيقة السؤدد أنه يكتسب بالأخلاق الحسنة، والأفعال المرضية، وجائز أن يكون - عليه السلام - جمعهما فيه؛ فسمي به، واللَّه أعلم.
والأصل في هذا ونحوه: أن الأسماء إن جعلت للمعارف، ليعلم بها المقصود - فالكف عن التكلف في المعنى الذي له سموا له أسلم، وإن كان في الجملة يختار ما يحسن منه في الأسماع، دون ما يقبح على المقال، أو على الرغبة في ذكره على ما يختار
وقيل: السيد: الحسن الخلق.
وقيل: السيد: التقي.
وقيل: اشتق يَحْيَى من أسماء اللَّه - تعالى - من: " حي "، واللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هو الذي سماه يحيى؛ وكذلك عيسى - روح اللَّه - هو الذي سماه مسيحًا؛ بقوله: (يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)، وذلك إكرامًا لهم وإجلالًا، على ما سمى إبراهيم: خليل اللَّه، ومُحَمَّد: حبيب اللَّه، وموسى: كليم اللَّه؛ إكرامًا لهم وإجلالًا؛ فكذلك الأول.
وجائز أن يكون " يَحْيَى " بما حيي به الدِّين.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (بِيَحْيَى): قيل: سماه به؛ لما حيي به الدِّين والمروءة، أو حيي به العلم والحكمة، أو حيي به الأخلاق الفاضلة، والأفعال المرضية؛ ولهذا - واللَّه أعلم - سمي سيدًا؛ لأن السؤدد في الخلق يكتسب بهذا النوع من الأحوال.
وسمي مسيحًا بما مسح بالبركة، أو يبارك في كل شيء يمسحه بيده؛ نحو أن يبرأ به وَيَحْيَى، واللَّه أعلم.
وحقيقة السؤدد أنه يكتسب بالأخلاق الحسنة، والأفعال المرضية، وجائز أن يكون - عليه السلام - جمعهما فيه؛ فسمي به، واللَّه أعلم.
والأصل في هذا ونحوه: أن الأسماء إن جعلت للمعارف، ليعلم بها المقصود - فالكف عن التكلف في المعنى الذي له سموا له أسلم، وإن كان في الجملة يختار ما يحسن منه في الأسماع، دون ما يقبح على المقال، أو على الرغبة في ذكره على ما يختار
362
من كل شيء، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَحَصوُرًا):
قيل: الحصور: الذي لا ماء له ولا شهوة.
وقيل: هو المأخوذ عن النساء، والممنوع منهن.
وقيل: هو الذي لا يشتهي النساء.
وكله واحد، واللَّه أعلم.
(وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ):
ذكر أنه من الصالحين، وإن كان كل نبي لا يكون إلّا صالحًا؛ على ما سمي كل نبي صديقا، وإن كان لا يكون إلا صديقًا، ووجه ذكره صالحًا: أنه كان يتحقق فيه ذلك؛ لأن غيره من الخلق، وإن كان يستحق ذلك الاسم - إنما يستحق بجهة، والأنبياء - عليهم السلام - يتحقق ذلك فيهم من الوجوه كلها.
والثاني: دعاء أن يلحق بالصالحين في الآخرة، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: ما ذكر في كل نبي أنه كان من الصالحين - يخرج على أوجه: على جميع الصلاح، وعلى البشارة لهم في الآخرة أنهم يلحقون بأهل الصلاح، وعلى أنهم منهم؛ لولا النبوة؛ ليعلم أن النبوة إنما تختار في الدِّين لمن تم لهم وصف الصلاح، وعلى الوصف به أنهم كذلك على ألسن الناس، وأن الذين ردوا عليهم - ردّوا
وقوله: (وَحَصوُرًا):
قيل: الحصور: الذي لا ماء له ولا شهوة.
وقيل: هو المأخوذ عن النساء، والممنوع منهن.
وقيل: هو الذي لا يشتهي النساء.
وكله واحد، واللَّه أعلم.
(وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ):
ذكر أنه من الصالحين، وإن كان كل نبي لا يكون إلّا صالحًا؛ على ما سمي كل نبي صديقا، وإن كان لا يكون إلا صديقًا، ووجه ذكره صالحًا: أنه كان يتحقق فيه ذلك؛ لأن غيره من الخلق، وإن كان يستحق ذلك الاسم - إنما يستحق بجهة، والأنبياء - عليهم السلام - يتحقق ذلك فيهم من الوجوه كلها.
والثاني: دعاء أن يلحق بالصالحين في الآخرة، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: ما ذكر في كل نبي أنه كان من الصالحين - يخرج على أوجه: على جميع الصلاح، وعلى البشارة لهم في الآخرة أنهم يلحقون بأهل الصلاح، وعلى أنهم منهم؛ لولا النبوة؛ ليعلم أن النبوة إنما تختار في الدِّين لمن تم لهم وصف الصلاح، وعلى الوصف به أنهم كذلك على ألسن الناس، وأن الذين ردوا عليهم - ردّوا
363
بعد علمهم بصلاحهم، أو على الوصف به كالوصف بالصديق، وإن كان كل نبي كذلك؛ مع ما لعل لذلك حد عند اللَّه؛ لذلك أراد لم يكن أطلع غيره عليه، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون " يَحْيَى " بما حي به الأخلاق المحمودة، والأفعال المرضية؛ ولذلك سمى سيدًا؛ وجملته أن لله أن يسمي من شاء بما شاء، وليس لنا تكلف طلب المعنى، فيما سمى اللَّه الجواهر به؛ إذ الأسماء للتعريف، لكن يختار الأسماء الحسنة في السمع على التفاؤل، واللَّه أعلم.
وقوله: وروح اللَّه وكلمته - كقوله: خليل اللَّه وحبيبه، وذبيح اللَّه، وكليم اللَّه، ليس على توهم معنى يزيل معنى الخلقة، ويوجب معنى الربوبية أو النبوة، وذلك على ما قيل: من بيوت اللَّه، وعلى ما قيل لدينه: نور اللَّه، وقيل لفرائضه: حدود اللَّه، لا على معنى يخرج عن جملة خلقه؛ بل على تخصيص لذلك في الفضل على أشكاله، وذلك كما قال لمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، وقال في الجملة: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، لا على ما توهمته النصارى في المسيح، فمثله الأول، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا):
بشارة ببقائه إلى أن يصير كهلًا.
وفيه وجه آخر: وهو أن في ذلك بيان أن كلامه في المهد كلام مختار؛ إذ ذلك وصف كلام الكهل؛ ليعلم أن قوله: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)، إلى آخره: إنما هو حقيقة الخضوع لله، والإنباء عنه، لا على خلقه؛ كنطق الجوارح في الآخرة، واللَّه أعلم.
أو لتكون آية له دائمة؛ إذ لم يكن على ما عليه أمر البشر: من التغيير، على أن آيات الجوهرية تزول عند الفناء، نحو العصا فيما تعود إلى حالها، واليد، ونحو ذلك؛ ليخص هو بنوع من الآيات الحسية بالدوام، ولا قوة إلا باللَّه.
وجائز أن يكون " يَحْيَى " بما حي به الأخلاق المحمودة، والأفعال المرضية؛ ولذلك سمى سيدًا؛ وجملته أن لله أن يسمي من شاء بما شاء، وليس لنا تكلف طلب المعنى، فيما سمى اللَّه الجواهر به؛ إذ الأسماء للتعريف، لكن يختار الأسماء الحسنة في السمع على التفاؤل، واللَّه أعلم.
وقوله: وروح اللَّه وكلمته - كقوله: خليل اللَّه وحبيبه، وذبيح اللَّه، وكليم اللَّه، ليس على توهم معنى يزيل معنى الخلقة، ويوجب معنى الربوبية أو النبوة، وذلك على ما قيل: من بيوت اللَّه، وعلى ما قيل لدينه: نور اللَّه، وقيل لفرائضه: حدود اللَّه، لا على معنى يخرج عن جملة خلقه؛ بل على تخصيص لذلك في الفضل على أشكاله، وذلك كما قال لمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، وقال في الجملة: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، لا على ما توهمته النصارى في المسيح، فمثله الأول، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا):
بشارة ببقائه إلى أن يصير كهلًا.
وفيه وجه آخر: وهو أن في ذلك بيان أن كلامه في المهد كلام مختار؛ إذ ذلك وصف كلام الكهل؛ ليعلم أن قوله: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)، إلى آخره: إنما هو حقيقة الخضوع لله، والإنباء عنه، لا على خلقه؛ كنطق الجوارح في الآخرة، واللَّه أعلم.
أو لتكون آية له دائمة؛ إذ لم يكن على ما عليه أمر البشر: من التغيير، على أن آيات الجوهرية تزول عند الفناء، نحو العصا فيما تعود إلى حالها، واليد، ونحو ذلك؛ ليخص هو بنوع من الآيات الحسية بالدوام، ولا قوة إلا باللَّه.
364
(قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ (٤٠)
يحتمل هذا الكلام وجوهًا:
أحَدها: على الإنكار، أي: لا يكون، لكن هاهنا لا يحتمل؛ لأنه كان أعلم باللَّه وقدرته أن ينطق به، أو يخطر بباله.
والثاني: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) أي: كيف وجهه ولسببه، وكذلك قوله: (أَنى لَك هَذَا)، وقوله: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)، (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا)، أي: كيف وجهه وما سببه.
والثالث: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) في الحال التي أنا عليها، أو أردّ إلى الشباب؛ فيكون لي الولد.
هذان الوجهان يحتملان، وأمَّا الأول فإنه لا يحتمل.
وقوله: (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ)
وذكر في سورة مريم: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا): ذكر على التقديم والتأخير.
وكذلك قوله: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) أو (ثَلَاثَ لَيَالٍ)، والقصة واحدة؛ ذكر على التقديم والتأخير، وعلى اختلاف الألفاظ واللسان؛ دل أنه ليس على الخلق حفظ اللفظ واللسان؛ وإنما عليهم حفظ المعاني المدرجة المودعة فيها، وبالله التوفيق، ويعلم أنه لم يكن على كلا القولين، ولم يكن بهذا اللسان.
وقوله: (قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)، وقوله: (كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، وإن اختلف في اللسان.
وقوله: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً (٤١)
طلب من ربِّه آية؛ لما لعله لم يعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة، أو وساوس؛ فطلب آية ليعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا بشارة إبليس؛ لأنه لا يقدر أن يفتعل في الآية؛ لأن فيها تغير الخلقة والجوهر، وهم لا يقدرون على،
يحتمل هذا الكلام وجوهًا:
أحَدها: على الإنكار، أي: لا يكون، لكن هاهنا لا يحتمل؛ لأنه كان أعلم باللَّه وقدرته أن ينطق به، أو يخطر بباله.
والثاني: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) أي: كيف وجهه ولسببه، وكذلك قوله: (أَنى لَك هَذَا)، وقوله: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)، (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا)، أي: كيف وجهه وما سببه.
والثالث: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) في الحال التي أنا عليها، أو أردّ إلى الشباب؛ فيكون لي الولد.
هذان الوجهان يحتملان، وأمَّا الأول فإنه لا يحتمل.
وقوله: (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ)
وذكر في سورة مريم: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا): ذكر على التقديم والتأخير.
وكذلك قوله: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) أو (ثَلَاثَ لَيَالٍ)، والقصة واحدة؛ ذكر على التقديم والتأخير، وعلى اختلاف الألفاظ واللسان؛ دل أنه ليس على الخلق حفظ اللفظ واللسان؛ وإنما عليهم حفظ المعاني المدرجة المودعة فيها، وبالله التوفيق، ويعلم أنه لم يكن على كلا القولين، ولم يكن بهذا اللسان.
وقوله: (قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)، وقوله: (كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، وإن اختلف في اللسان.
وقوله: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً (٤١)
طلب من ربِّه آية؛ لما لعله لم يعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة، أو وساوس؛ فطلب آية ليعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا بشارة إبليس؛ لأنه لا يقدر أن يفتعل في الآية؛ لأن فيها تغير الخلقة والجوهر، وهم لا يقدرون على،
365
ذلك، ولعلهم يقدرون على الافتعال في البشارة؛ ألا ترى أن إبراهيم - صلوات اللَّه على نبينا وعليه - لما نزل به الملائكة لم يعرفهم بالكلام وهابوه، حتى قال: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ)، حتى قالوا: (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)، فذهب ذلك الروع منه بعد ما أخبروه أنهم ملائكة، رسل اللَّه، أرسلهم إليه.
وقوله: (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا)
قال بعض أهل التفسير: حبس لسانه عقوبة له بقوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)؛ لكن ذلك خطأ، والوجه فيه: منعه من تكليم الناس، ولم يمنعه عن الكلام في نفسه؛ ألا ترى أنه أمره أن يذكر ربَّه، ويسبح بالعشي والإبكار؛ كقوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)؟!.
ويحتمل أن يكون أراه آية في نفسه من نوع ما كان سؤاله؛ إذ كان عن العلم بالولد في غير حينه، فأراه بمنع اللسان عن النطق، وأعلى أحوال الاحتمال؛ ليكون آية للأوّل.
وقيل في قوله: (اجْعَلْ لِي آيَةً): أنه طلب آية؛ لجهله بعلوق الولد، وجعلها ليعرف متى يأتيها؟.
وقوله: (إِلَّا رَمْزًا): قيل: الرّمز: هو تحريك الشفتين.
وقيل: هو الإيماء بشفتيه.
وقيل: هو الإشارة بالرأس.
وقيل: هو الإشارة باليد، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله: (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا)
قال بعض أهل التفسير: حبس لسانه عقوبة له بقوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)؛ لكن ذلك خطأ، والوجه فيه: منعه من تكليم الناس، ولم يمنعه عن الكلام في نفسه؛ ألا ترى أنه أمره أن يذكر ربَّه، ويسبح بالعشي والإبكار؛ كقوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)؟!.
ويحتمل أن يكون أراه آية في نفسه من نوع ما كان سؤاله؛ إذ كان عن العلم بالولد في غير حينه، فأراه بمنع اللسان عن النطق، وأعلى أحوال الاحتمال؛ ليكون آية للأوّل.
وقيل في قوله: (اجْعَلْ لِي آيَةً): أنه طلب آية؛ لجهله بعلوق الولد، وجعلها ليعرف متى يأتيها؟.
وقوله: (إِلَّا رَمْزًا): قيل: الرّمز: هو تحريك الشفتين.
وقيل: هو الإيماء بشفتيه.
وقيل: هو الإشارة بالرأس.
وقيل: هو الإشارة باليد، واللَّه أعلم بذلك.
366
الآية ٤١ : وقوله تعالى :﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ طلب من ربه آية لما١ لعله لم يعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة أو وساوس
[ إبليس ]٢، فطلب آية ليعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة من الله جل وعلا لا بشارة إبليس لأنه لا يقدر أن يفتعل في الآية لأن فيها تغير الخلقة والجوهر، وهم لا يقدرون على ذلك، أو٣ لعلهم يقدرون على الافتعال بالبشارة. ألا ترى أن إبراهيم، صلوات الله على نبينا وعليه، لما نزل به الملائكة لم يعرفهم بالكلام، وهابهم٤ حتى ﴿ قال إنكم قوم منكرون ﴾ [ الحجر : ٦٣ ] و٥
﴿ قالوا لا تخلف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ﴾ [ هود : ٧٠ ] فذهب ذلك الروع منه بعدما أخبروه أنهم ملائكة، رسل الله، أرسلهم إليه.
وقوله تعالى :﴿ قال آيتك ألا تلكم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ﴾ قال بعضهم أهل التفسير : حبس لسانه عقوبة له بقوله :﴿ أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر ﴾ لكن ذلك، خطأ، والوجوه فيه منعه من تكليم الناس، ولم يمنعه عن الكلام في نفسه. ألا ترى أنه أمره أن يذكر ربه، ويسبح بالعشي والإبكار بقوله٦ :﴿ واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ﴾ ؟ ويحتمل أن يكون أراه آية في نفسه من نوع [ ما كان سؤاله إذا ]٧ كان عن العلم بالولد في غير حينه، فأراه [ أن منع ]٨ اللسان عن النطق هو ٩ أعلى أحوال الاحتمال ليكون آية للأول.
وقيل : في قوله :﴿ رب اجعل لي آية ﴾ إنه طلب آية لجهله بعلوق الولد، وليعرف١٠ متى يأتيها.
وقوله تعالى :﴿ إلا رمزا ﴾ قيل : الرمز تحريك الشفتين، وقيل : هو الإيماء بشفتيه، وقيل : هو الإشارة بالرأس، وقيل : هو الإشارة باليد، والله أعلم بذلك.
[ إبليس ]٢، فطلب آية ليعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة من الله جل وعلا لا بشارة إبليس لأنه لا يقدر أن يفتعل في الآية لأن فيها تغير الخلقة والجوهر، وهم لا يقدرون على ذلك، أو٣ لعلهم يقدرون على الافتعال بالبشارة. ألا ترى أن إبراهيم، صلوات الله على نبينا وعليه، لما نزل به الملائكة لم يعرفهم بالكلام، وهابهم٤ حتى ﴿ قال إنكم قوم منكرون ﴾ [ الحجر : ٦٣ ] و٥
﴿ قالوا لا تخلف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ﴾ [ هود : ٧٠ ] فذهب ذلك الروع منه بعدما أخبروه أنهم ملائكة، رسل الله، أرسلهم إليه.
وقوله تعالى :﴿ قال آيتك ألا تلكم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ﴾ قال بعضهم أهل التفسير : حبس لسانه عقوبة له بقوله :﴿ أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر ﴾ لكن ذلك، خطأ، والوجوه فيه منعه من تكليم الناس، ولم يمنعه عن الكلام في نفسه. ألا ترى أنه أمره أن يذكر ربه، ويسبح بالعشي والإبكار بقوله٦ :﴿ واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ﴾ ؟ ويحتمل أن يكون أراه آية في نفسه من نوع [ ما كان سؤاله إذا ]٧ كان عن العلم بالولد في غير حينه، فأراه [ أن منع ]٨ اللسان عن النطق هو ٩ أعلى أحوال الاحتمال ليكون آية للأول.
وقيل : في قوله :﴿ رب اجعل لي آية ﴾ إنه طلب آية لجهله بعلوق الولد، وليعرف١٠ متى يأتيها.
وقوله تعالى :﴿ إلا رمزا ﴾ قيل : الرمز تحريك الشفتين، وقيل : هو الإيماء بشفتيه، وقيل : هو الإشارة بالرأس، وقيل : هو الإشارة باليد، والله أعلم بذلك.
١ ساقطة من م..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: علو..
٤ في الأصل وم: وهابوه..
٥ في الأصل وم: حتى..
٦ في الأصل وم: كقوله..
٧ من م..
٨ في الأصل وم: يمنع..
٩ في الأصل وم: و..
١٠ في الأصل وم: وجعلها ليعرف..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: علو..
٤ في الأصل وم: وهابوه..
٥ في الأصل وم: حتى..
٦ في الأصل وم: كقوله..
٧ من م..
٨ في الأصل وم: يمنع..
٩ في الأصل وم: و..
١٠ في الأصل وم: وجعلها ليعرف..
قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧)
وقوله: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ):
قال أهل التفسير: هو جبريل - عليه السلام - لكن ذلك لا يعلم إلا بالخبر، فإن صح الخبر - فهو كذلك، وإلا لم يقل من كان مِنَ الملائكة قال ذلك.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ): أن صفاها لعبادة نفسه، وخصها له، ما لم يكن ذلك لأحد من النساء؛ فيكون ذاك صفوتها.
وقيل: اصطفاها بولادة عيسى - عليه السلام - إذ أخرج منها نبيًّا مباركًا تقيًّا، على خلاف ولادة البشر.
وقوله: (وَطَهَّرَكِ):
قيل: من الآثام والفواحش.
وقيل: وطهرك من مس الذكور، وما قذفت به.
وقوله: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ):
قال أهل التفسير: هو جبريل - عليه السلام - لكن ذلك لا يعلم إلا بالخبر، فإن صح الخبر - فهو كذلك، وإلا لم يقل من كان مِنَ الملائكة قال ذلك.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ): أن صفاها لعبادة نفسه، وخصها له، ما لم يكن ذلك لأحد من النساء؛ فيكون ذاك صفوتها.
وقيل: اصطفاها بولادة عيسى - عليه السلام - إذ أخرج منها نبيًّا مباركًا تقيًّا، على خلاف ولادة البشر.
وقوله: (وَطَهَّرَكِ):
قيل: من الآثام والفواحش.
وقيل: وطهرك من مس الذكور، وما قذفت به.
(وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ):
هو ما ذكرنا من صفوتها؛ إذ جعلها لعبادة نفسه خالصا، أو ما قد ولدت من ولد من غير أب، على خلاف سائر البشر.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " خَط رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَربَعَةَ خُطُوط، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذِهِ؟ قَالوُا: اللَّه وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: " أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنةِ: خَدِيجَةُ، وَفَاطِمَةُ، وَمَريَمُ، وآسيَةُ امْرَأةُ فِرْعَونَ ". وكذلك روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -قال: " خَيرُ نِسَاءِ العَالَمِينَ أَرْبَعٌ: مَريَمُ بِنْتُ عِمرَانَ، وآسيَةُ بِنْتُ مُزَاحِم، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ".
وقوله: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ (٤٣)
يحتمل وجهين:
الأمر بالقنوت: القيام، ثم الأمر بالسجود، أي: الصَّلاة، ثم الأمر بالركوع مع الراكعين؛ وهو الصلاة بجماعة؛ ففيه الأمر بالصلاة بالجماعة، على ما هو علينا؛ لأنه قال: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)؛ وعلى ذلك روي في الخبر: أنه سئل عن أفضل الصَّلاة؟ فقال: " طُولُ القُنُوتُ ".
ويحتمل أنه الأمر بالركوع، ثم بالسجود؛ فيدل أن السجود -وإن كان مقدمًا ذكره على الركوع- فإنه ليس في تقديم ذكر شيء على شيء، ولا تأخير شيء عن شيء في الذكر دلالة وجوب الحكم كذلك.
وقيل: القنوت: هو الخضوع والطاعة؛ كقوله: (وَقُومُوا لِلََّهِ قَانِتِينَ)
هو ما ذكرنا من صفوتها؛ إذ جعلها لعبادة نفسه خالصا، أو ما قد ولدت من ولد من غير أب، على خلاف سائر البشر.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " خَط رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَربَعَةَ خُطُوط، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذِهِ؟ قَالوُا: اللَّه وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: " أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنةِ: خَدِيجَةُ، وَفَاطِمَةُ، وَمَريَمُ، وآسيَةُ امْرَأةُ فِرْعَونَ ". وكذلك روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -قال: " خَيرُ نِسَاءِ العَالَمِينَ أَرْبَعٌ: مَريَمُ بِنْتُ عِمرَانَ، وآسيَةُ بِنْتُ مُزَاحِم، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ".
وقوله: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ (٤٣)
يحتمل وجهين:
الأمر بالقنوت: القيام، ثم الأمر بالسجود، أي: الصَّلاة، ثم الأمر بالركوع مع الراكعين؛ وهو الصلاة بجماعة؛ ففيه الأمر بالصلاة بالجماعة، على ما هو علينا؛ لأنه قال: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)؛ وعلى ذلك روي في الخبر: أنه سئل عن أفضل الصَّلاة؟ فقال: " طُولُ القُنُوتُ ".
ويحتمل أنه الأمر بالركوع، ثم بالسجود؛ فيدل أن السجود -وإن كان مقدمًا ذكره على الركوع- فإنه ليس في تقديم ذكر شيء على شيء، ولا تأخير شيء عن شيء في الذكر دلالة وجوب الحكم كذلك.
وقيل: القنوت: هو الخضوع والطاعة؛ كقوله: (وَقُومُوا لِلََّهِ قَانِتِينَ)
أي: خاضعين مطيعين.
فَإِنْ قِيلَ: كيف أُمِرَتْ بالركوع مع الراكعين؟! قيل: كانوا - واللَّه أعلم - ذوي قرابة منها ورحم؛ ألا ترى أنهم كيف اختصموا في ضمها وإمساكها، حتى أراد كل واحد منهم ضمها إلى نفسه، وأنه الأحق بذلك؟! دل أن بينهم وبينها رحمًا وقرابة.
وقيل في قوله: (اقْنُتِي): أي: أطيلي الركوع في الصَّلاة واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: يحتمل (مَعَ الرَّاكِعِينَ): أي: ممن يركع ويخضع له بالعبادة، لا على الاجتماع - واللَّه أعلم - كيف كان الأمر في ذلك؟.
وقوله: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (٤٤) أي: من أخبار الغيب لم تشهده أنت يا مُحَمَّد ولم تحضر، بل نحن أخبرناك وذكرناك عن ذلك.
ثم في ذلك وجوه الدلالة:
أحدها: أراد أن يخبره عن صفوة هَؤُلَاءِ وصنيعهم؛ ليكون على علم من ذلك.
والثاني: دلالة إثبات رسالته؛ لأنه أخبر على ما كان من غير أن اختلف إلى أحد، أو أعلمه أحد من البشر على علم منهم ذلك؛ دل أنه إنما علم ذلك باللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -.
والثالث: أن يتأمل وجه الصفوة لهم؛ أنهم بما نالوه؛ فيجتهدوا في ذلك، واللَّه أعلم.
وفي ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى أن ظهر ذلك بإلقاء الأقلام.
وقوله: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية.
قيل: إنهم ألقوا أقلامهم على جرية الماء، فذهبت الأقلام كلها مع الجرية؛ إلا قلم زكريا؛ فإنه وقف على وجه الماء.
وقِيل: طرحوا أقلامهم في الماء، وكان من شرطهم أن من صعد قلمه عاليًا مع الجرية، فهو أحق بها، ومن سفل قلمه مع الجرية فهو المقروع، فصعد قلم زكريا، وتسفلت أقلامهم؛ فعند ذلك ضمها زكريَّا إلى نفسه.
فَإِنْ قِيلَ: كيف أُمِرَتْ بالركوع مع الراكعين؟! قيل: كانوا - واللَّه أعلم - ذوي قرابة منها ورحم؛ ألا ترى أنهم كيف اختصموا في ضمها وإمساكها، حتى أراد كل واحد منهم ضمها إلى نفسه، وأنه الأحق بذلك؟! دل أن بينهم وبينها رحمًا وقرابة.
وقيل في قوله: (اقْنُتِي): أي: أطيلي الركوع في الصَّلاة واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: يحتمل (مَعَ الرَّاكِعِينَ): أي: ممن يركع ويخضع له بالعبادة، لا على الاجتماع - واللَّه أعلم - كيف كان الأمر في ذلك؟.
وقوله: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (٤٤) أي: من أخبار الغيب لم تشهده أنت يا مُحَمَّد ولم تحضر، بل نحن أخبرناك وذكرناك عن ذلك.
ثم في ذلك وجوه الدلالة:
أحدها: أراد أن يخبره عن صفوة هَؤُلَاءِ وصنيعهم؛ ليكون على علم من ذلك.
والثاني: دلالة إثبات رسالته؛ لأنه أخبر على ما كان من غير أن اختلف إلى أحد، أو أعلمه أحد من البشر على علم منهم ذلك؛ دل أنه إنما علم ذلك باللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -.
والثالث: أن يتأمل وجه الصفوة لهم؛ أنهم بما نالوه؛ فيجتهدوا في ذلك، واللَّه أعلم.
وفي ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى أن ظهر ذلك بإلقاء الأقلام.
وقوله: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية.
قيل: إنهم ألقوا أقلامهم على جرية الماء، فذهبت الأقلام كلها مع الجرية؛ إلا قلم زكريا؛ فإنه وقف على وجه الماء.
وقِيل: طرحوا أقلامهم في الماء، وكان من شرطهم أن من صعد قلمه عاليًا مع الجرية، فهو أحق بها، ومن سفل قلمه مع الجرية فهو المقروع، فصعد قلم زكريا، وتسفلت أقلامهم؛ فعند ذلك ضمها زكريَّا إلى نفسه.
369
ثم من الناس من احتج بجواز القرعة والعمل بها - بهذه الآية؛ حيث ضمها زكريا -مريم- إلى نفسه، لما خرجت القرعة له؛ لكن القرعة في الأنبياء لتبيين الأحق من غيره؛ لوجهين:
لحق الوحي.
والثاني: لظهور إعلام في نفس القرعة؛ ما يعلم أنه كان باللَّه ذلك لا بنفسه؛ كارتفاع القلم على الماء، ومثل ذلك لا يكون للقلم، والمحق من المبطل، وفيما بين سائر الخلق؛ لدفعهم التهم؛ فهي لا تدفع أبدا.
ويحتمل استعمال القرعة فيها لتطييب الأنفس بذلك، أو علموا ذلك بالوحي، فليس اليوم وحي؛ لذلك بطل الاستدلال لجواز العمل بالقرعة اليوم، واللَّه أعلم.
أو كان ذلك آية، والآية لا يقاس عليها غيرها؛ نحو: قبول قول قتيل بني إسرائيل -
لحق الوحي.
والثاني: لظهور إعلام في نفس القرعة؛ ما يعلم أنه كان باللَّه ذلك لا بنفسه؛ كارتفاع القلم على الماء، ومثل ذلك لا يكون للقلم، والمحق من المبطل، وفيما بين سائر الخلق؛ لدفعهم التهم؛ فهي لا تدفع أبدا.
ويحتمل استعمال القرعة فيها لتطييب الأنفس بذلك، أو علموا ذلك بالوحي، فليس اليوم وحي؛ لذلك بطل الاستدلال لجواز العمل بالقرعة اليوم، واللَّه أعلم.
أو كان ذلك آية، والآية لا يقاس عليها غيرها؛ نحو: قبول قول قتيل بني إسرائيل -
370
آية، ليس به معتبر في جواز قول قتيل آخر قبل الموت.
وقوله: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ (٤٥)
يحتمل: (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ): أن قال: " كن " - فكان من غير أب ولا سبب، وسائر البشر لم يكونوا إلا بالآباء والأسباب: من النطفة، ثم من العلقة، ثم من مضغة مخلقة على ما وصف - عَزَّ وَجَلَّ - في كتابه، وكان أمر عيسى - عليه السلام - على خلاف ذلك.
ويحتمل (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ): ما ذكر أنه كلم الناس في المهد: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ) وذلك مما خص به عيسى، وهو بكلمة من اللَّه قال ذلك.
فَإِنْ قِيلَ: ما معنى قوله: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) والكهل: مما يكلم الناس؟ قيل: لأن كلامه في المهد آية، والآية لا تدوم؛ كقوله: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ) الآية، وإنما يكون ذلك مرة لا أنها تشهد وتنطق أبدًا، فأخبر أن تكليمه الناس في المهد - وإن كانت آية - فإنه ليس بالذي لا يدوم، ولا يكون إلا مرّة.
والثاني: أمنٌ من اللَّه لمريم، وبشارةٌ لها عن وفاته إلى وقت كهولته، واللَّه أعلم.
وقوله: (اسْمُهُ الْمَسِيحُ).
قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " المسيح: المبارك "، أي: مسح بالبركة.
وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح عين الأعمى والأعور فيبصر.
وقيل: المسيح: العظيم؛ لكنه - واللَّه أعلم - بلسانهم؛ فيسأل: ما المسيح بلسانهم.
وقوله: (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا): بالمنزلة، ومكينًا في الآخرة، (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) في الدرجة
وقوله: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ (٤٥)
يحتمل: (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ): أن قال: " كن " - فكان من غير أب ولا سبب، وسائر البشر لم يكونوا إلا بالآباء والأسباب: من النطفة، ثم من العلقة، ثم من مضغة مخلقة على ما وصف - عَزَّ وَجَلَّ - في كتابه، وكان أمر عيسى - عليه السلام - على خلاف ذلك.
ويحتمل (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ): ما ذكر أنه كلم الناس في المهد: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ) وذلك مما خص به عيسى، وهو بكلمة من اللَّه قال ذلك.
فَإِنْ قِيلَ: ما معنى قوله: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) والكهل: مما يكلم الناس؟ قيل: لأن كلامه في المهد آية، والآية لا تدوم؛ كقوله: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ) الآية، وإنما يكون ذلك مرة لا أنها تشهد وتنطق أبدًا، فأخبر أن تكليمه الناس في المهد - وإن كانت آية - فإنه ليس بالذي لا يدوم، ولا يكون إلا مرّة.
والثاني: أمنٌ من اللَّه لمريم، وبشارةٌ لها عن وفاته إلى وقت كهولته، واللَّه أعلم.
وقوله: (اسْمُهُ الْمَسِيحُ).
قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " المسيح: المبارك "، أي: مسح بالبركة.
وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح عين الأعمى والأعور فيبصر.
وقيل: المسيح: العظيم؛ لكنه - واللَّه أعلم - بلسانهم؛ فيسأل: ما المسيح بلسانهم.
وقوله: (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا): بالمنزلة، ومكينًا في الآخرة، (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) في الدرجة
الآية ٤٦ فإن قيل : ما معنى قوله :﴿ ويكلم الناس في المهد وكهلا ﴾ والكهل يكلم الناس ؟ قيل [ لوجهين :
الأول ]١ : لأن كلامه في المهد آية، والآية لا تدوم كقوله :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم ﴾ الآية [ النور : ٢٤ ]. وإنما يكون ذلك مرة لا أنها تشهد، وتنطق أبدا، فأخبر أن تكليمه الناس في المهد، وإن كان آية، فإنه ليس بالذي يدوم، ولا يكون إلا مرة.
والثاني : أمن من الله لمريم وبشارة بها [ من ولادته ]٢ إلى وقت كهولته، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ اسمه المسيح ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه :( ﴿ المسيح ﴾ المبارك أي مسيح بالبركة ) وقيل : سمي مسيحا لأنه كان يمسح عين الأعمى والأعور، فتبصر، وقيل :﴿ المسيح ﴾ العظيم لكنه، والله أعلم بلسانهم فيسأل : ما ﴿ المسيح ﴾ المسيح بلسانهم ؟
وقوله تعالى :﴿ وجيها في الدنيا ﴾ بالمنزلة ومكينا في الآخرة، ومن المقربين في الدرجة والرفعة٣ ومن كان ﴿ وجيها في الدنيا والآخرة ﴾ فهو مقرب فيهما.
الأول ]١ : لأن كلامه في المهد آية، والآية لا تدوم كقوله :﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم ﴾ الآية [ النور : ٢٤ ]. وإنما يكون ذلك مرة لا أنها تشهد، وتنطق أبدا، فأخبر أن تكليمه الناس في المهد، وإن كان آية، فإنه ليس بالذي يدوم، ولا يكون إلا مرة.
والثاني : أمن من الله لمريم وبشارة بها [ من ولادته ]٢ إلى وقت كهولته، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ اسمه المسيح ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه :( ﴿ المسيح ﴾ المبارك أي مسيح بالبركة ) وقيل : سمي مسيحا لأنه كان يمسح عين الأعمى والأعور، فتبصر، وقيل :﴿ المسيح ﴾ العظيم لكنه، والله أعلم بلسانهم فيسأل : ما ﴿ المسيح ﴾ المسيح بلسانهم ؟
وقوله تعالى :﴿ وجيها في الدنيا ﴾ بالمنزلة ومكينا في الآخرة، ومن المقربين في الدرجة والرفعة٣ ومن كان ﴿ وجيها في الدنيا والآخرة ﴾ فهو مقرب فيهما.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: عن وفاته..
٣ من م، في الأصل: والرفعة..
٢ في الأصل وم: عن وفاته..
٣ من م، في الأصل: والرفعة..
والرفعة، ومن كان وجيهًا في الدنيا والآخرة فهو مقرب فيهما.
وقوله: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (٤٧)
عرفت مريم أن الولد يكون بمس البشر، وعلمت -أيضًا- أنها لا تتزوج، ولا يمسها بشر أبدًا؛ لأنها قالت: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) فإن لم يكن مسها أحد قبل ذلك، فلعله يمسها في حادث الوقت؛ فيكون لها منه الولد، فلما لم يقل لها يمسسك؛ ولكن قال: (كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) دل ذلك أنها علمت أنها لا تتزوج أبدًا؛ لأنها كانت محررة لله، مخلصة له في العبادة، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ)
أي: من أي وجه يكون لي ولد بالهبة؛ لأنها بشرت أن يهب لها ولدًا، فقالت: من أي وجه يكون لي ولد بالهبة، (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)؟
ثم قال: (كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) تأويله: ما ذكر في سورة مريم حيث قالت: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) الآية، ثم قال: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي: خلق الخلق عَلَيَّ هَيِّنٌ: بِأبٍ، وبغير أبٍ، وبمس بشر، وبغير مس، وبسبب، وبغير سبب؛ على ما خلق آدم بغير أب ولا أم؛ فعلى ذلك يخلق بتوالد بعض من بعض، وبغير توالد بعض من بعض؛ كخلق الليل والنهار، يخلق بلا توالد أحدهما من الآخر؛ فكذلك يخلق لك ولدًا من غير أب ولا مس بشر، وباللَّه الحول والقوة.
وقوله: (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ):
أي: إذا قضى أمرًا بتكوين أحد، أو بتكوين - فإنما يقول له: كن، لا يثقل عليه، ولا يصعب خلق الخلق وتكوينهم؛ كقوله: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) أي: خلق الخلق كلهم ابتداء، وبعثهم بعد الموت - كخلق نفس واحدة؛ أن يقول: (كُنْ فَيَكُونُ)؛ وإنَّمَا يثقل ذلك على الخلق ويصعب؛ لموانع تمنعهم وأشغال تشغلهم، فاقا اللَّه - سبحانه وتعالى - عن أن بشغله شغل، أو يمنعه مانع، أو يحجب عليه حجاب.
وقوله: (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ):
ذكر - واللَّه أعلم - هذا الحرف؛ لأنه ليس في كلام العرب حرف أو جزء منه يعبر فيفهم معناه، لا أن كان منه - عَزَّ وَجَلَّ - كاف أو نون، أو حرف، أو هجاء، أو صفة
وقوله: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (٤٧)
عرفت مريم أن الولد يكون بمس البشر، وعلمت -أيضًا- أنها لا تتزوج، ولا يمسها بشر أبدًا؛ لأنها قالت: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) فإن لم يكن مسها أحد قبل ذلك، فلعله يمسها في حادث الوقت؛ فيكون لها منه الولد، فلما لم يقل لها يمسسك؛ ولكن قال: (كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) دل ذلك أنها علمت أنها لا تتزوج أبدًا؛ لأنها كانت محررة لله، مخلصة له في العبادة، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ)
أي: من أي وجه يكون لي ولد بالهبة؛ لأنها بشرت أن يهب لها ولدًا، فقالت: من أي وجه يكون لي ولد بالهبة، (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)؟
ثم قال: (كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) تأويله: ما ذكر في سورة مريم حيث قالت: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) الآية، ثم قال: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي: خلق الخلق عَلَيَّ هَيِّنٌ: بِأبٍ، وبغير أبٍ، وبمس بشر، وبغير مس، وبسبب، وبغير سبب؛ على ما خلق آدم بغير أب ولا أم؛ فعلى ذلك يخلق بتوالد بعض من بعض، وبغير توالد بعض من بعض؛ كخلق الليل والنهار، يخلق بلا توالد أحدهما من الآخر؛ فكذلك يخلق لك ولدًا من غير أب ولا مس بشر، وباللَّه الحول والقوة.
وقوله: (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ):
أي: إذا قضى أمرًا بتكوين أحد، أو بتكوين - فإنما يقول له: كن، لا يثقل عليه، ولا يصعب خلق الخلق وتكوينهم؛ كقوله: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) أي: خلق الخلق كلهم ابتداء، وبعثهم بعد الموت - كخلق نفس واحدة؛ أن يقول: (كُنْ فَيَكُونُ)؛ وإنَّمَا يثقل ذلك على الخلق ويصعب؛ لموانع تمنعهم وأشغال تشغلهم، فاقا اللَّه - سبحانه وتعالى - عن أن بشغله شغل، أو يمنعه مانع، أو يحجب عليه حجاب.
وقوله: (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ):
ذكر - واللَّه أعلم - هذا الحرف؛ لأنه ليس في كلام العرب حرف أو جزء منه يعبر فيفهم معناه، لا أن كان منه - عَزَّ وَجَلَّ - كاف أو نون، أو حرف، أو هجاء، أو صفة
يفهم ويعرف حقيقته، أو يوصف هو بمعنى من معاني كلام الخلق أو صفاتهم، أو يكون لتكوينه وقت أو مدة أو حال، أو يكون تكوين بعد تكوين، على ما يكون من الخلق، إنما هو أوجز حرف يفهم معناه، بالعبارة إخبار منه - عَزَّ وَجَلَّ - الخلق عن سرعة نفاذ أمره ومشيئته.
* * *
قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)
وقوله: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ): بشارة منه لها -أيضًا-: أنه يعلمه الكتاب، ثم اختلف في (الْكِتَاب)؛ قيل: (الْكِتَاب): الخط هاهنا يخط بيده، ويحتمل (الْكِتَاب): الكتاب نفسه: التوراة والإنجيل، ويحتمل (الْكِتَاب): كتب النبيين.
(وَالْحِكْمَةَ)؛ قيل: الحكم بين الخلق، وقيل: الفقه، وقيل: الحلال والحرام، وقيل: السنة.
(وَالْحِكْمَةَ): هي الإصابة، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ (٤٩) أي: أجعله رسولًا إلى بني إسرائيل، وهذا -أيضًا- بشارة لها منه، وكان عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من أوَّل أمره إلى آخره آية؛ لأنه ولد من غير أب،
* * *
قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)
وقوله: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ): بشارة منه لها -أيضًا-: أنه يعلمه الكتاب، ثم اختلف في (الْكِتَاب)؛ قيل: (الْكِتَاب): الخط هاهنا يخط بيده، ويحتمل (الْكِتَاب): الكتاب نفسه: التوراة والإنجيل، ويحتمل (الْكِتَاب): كتب النبيين.
(وَالْحِكْمَةَ)؛ قيل: الحكم بين الخلق، وقيل: الفقه، وقيل: الحلال والحرام، وقيل: السنة.
(وَالْحِكْمَةَ): هي الإصابة، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ (٤٩) أي: أجعله رسولًا إلى بني إسرائيل، وهذا -أيضًا- بشارة لها منه، وكان عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من أوَّل أمره إلى آخره آية؛ لأنه ولد من غير أب،
373
على خلاف ما كان سائر البشر، يكلم الناس في المهد، وأقرَّ بالعبودية له، ولم يكن لأحد من البشر ذلك، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وأنباء ما كانوا يأكلون ويدخرون، وما كان له مأوى يأوى إليه، ولا عيش يتعيش هو به، والبشر لا يخلو عن ذلك، ثم ألقى شبهه على غيره؛ فقتل به، ورفع هو إلى السماء؛ وذلك كله آية، وكانت آياته كلها حسية يعلمها كل أحد، وآيات رسول اللَّه - عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات - كانت حسية وعقلية:
أمَّا الحسية: فهو انشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وكلام الشاة
أمَّا الحسية: فهو انشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وكلام الشاة
374
المسمومة، وقطع مسيرة شهر في ليلة، وغير ذلك من الآيات مما يكثر عددها؛ هذه كلها كانت حسية.
وَأفَا العقلية: فهذا القرآن الذي نزل عليه، وهو بين أظهرهم، وهم فصحاء وبلغاء وحكماء، يتلى عليهم: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ...) الآية، وقوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
وَأفَا العقلية: فهذا القرآن الذي نزل عليه، وهو بين أظهرهم، وهم فصحاء وبلغاء وحكماء، يتلى عليهم: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ...) الآية، وقوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
375
ظَهِيرًا)، فلو كان بهم طاقة أو قدرة أن يأتوا بمثله، لجهدوا كل جهد، وتكلفوا كل تكلف؛ حتى يطفئوا هذا النور؛ ليتخلصوا عن قتلهم، وسبي ذراريهم، واستحياء نسائهم، فلما لم يفعلوا ذلك - دَلَّ أنه كان آية معجزة، عجزوا جميعًا عن إتيان مثله، فأي آية تكون أعظم من هذا؟! وباللَّه المعونة والنجاة.
وقوله: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ):
أي: بعلامة أني رسول منه إليكم، ثم فسَّر الآية، فقال: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه)
قوله: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ)
هو على المجاز، لا على التخليق والتكوين؛ لأن الخلق ليس هو من فعل المخلوق، وإنَّمَا هو من فعل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لأن التخليق: هو الإخراج من العدم إلى الوجود، وذلك فعل اللَّه - تعالى - لا يقدر المخلوق على ذلك؛ فهو على المجاز؛ ألا ترى أنه قال في آخره: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)، وليس إلى الخلق تحليل شيء أو تحريمه، إنما ذلك إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فمعناه: أني أظهر لكم حل بعض ما حرم عليكم؛ فعلى ذلك قوله: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أي: أظهر لكم بيدي ما خلق اللَّه من الطين طائرًا؛ فيكون آية لرسالتي إليكم؛ وكذلك الآيات ليس مما ينشئ الأنبياء، ولكن تظهر على أيديهم.
وإنَّمَا لم يجز إضافة التخليق إلى الخلق؛ لما ذكرنا: أنه إخراج الشيء من العدم إلى الوجود، وذلك ليس إلى الخلق.
والثاني: أن التخليق هو إخراج الفعل على التقدير، وفعل العبد إنما يخرج على تقدير اللَّه، لا يخرج على تقديره؛ لذلك لم يجز إضافة ذلك إلى الخلق، إلا على المجاز. واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: الخلق: اسم المجاز والحقيقة، والتخليق: فعل حقيقة خاصَّة، وآيات الأنبياء - عليهم السلام - هي التي تخرج على خلاف الأمر المعتاد فيما بينهم، يجريها اللَّه - سبحانه وتعالى - على أيديهم؛ ليعلموا أن ذلك لم يكن بهم، إنما كان ذلك بالمُرسِل الذي أرسلهم؛ ليدل على صدقهم، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ):
أي: بعلامة أني رسول منه إليكم، ثم فسَّر الآية، فقال: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه)
قوله: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ)
هو على المجاز، لا على التخليق والتكوين؛ لأن الخلق ليس هو من فعل المخلوق، وإنَّمَا هو من فعل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لأن التخليق: هو الإخراج من العدم إلى الوجود، وذلك فعل اللَّه - تعالى - لا يقدر المخلوق على ذلك؛ فهو على المجاز؛ ألا ترى أنه قال في آخره: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)، وليس إلى الخلق تحليل شيء أو تحريمه، إنما ذلك إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فمعناه: أني أظهر لكم حل بعض ما حرم عليكم؛ فعلى ذلك قوله: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أي: أظهر لكم بيدي ما خلق اللَّه من الطين طائرًا؛ فيكون آية لرسالتي إليكم؛ وكذلك الآيات ليس مما ينشئ الأنبياء، ولكن تظهر على أيديهم.
وإنَّمَا لم يجز إضافة التخليق إلى الخلق؛ لما ذكرنا: أنه إخراج الشيء من العدم إلى الوجود، وذلك ليس إلى الخلق.
والثاني: أن التخليق هو إخراج الفعل على التقدير، وفعل العبد إنما يخرج على تقدير اللَّه، لا يخرج على تقديره؛ لذلك لم يجز إضافة ذلك إلى الخلق، إلا على المجاز. واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: الخلق: اسم المجاز والحقيقة، والتخليق: فعل حقيقة خاصَّة، وآيات الأنبياء - عليهم السلام - هي التي تخرج على خلاف الأمر المعتاد فيما بينهم، يجريها اللَّه - سبحانه وتعالى - على أيديهم؛ ليعلموا أن ذلك لم يكن بهم، إنما كان ذلك بالمُرسِل الذي أرسلهم؛ ليدل على صدقهم، ولا قوة إلا باللَّه.
376
وإبراء الأكمه والأبرص " هو من آيات النبوة؛ لخروجها عن الأمر المعتاد فيما بينهم. فَإِنْ قِيلَ: إن إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص من آيات النبوة؛ لعجزهم عن إتيان مثله، وخروجه عن المعتاد فيما بينهم، ولكن أنباء ما يأكلون وما يدخرون لِمَ كان من آيات النبوة، ويجوز أن يكون ذلك من منجم؟
قيل: له جوابان -إن كان يكون مثل ذلك بالنجوم-:
أحَدهما: أنه مضموم إلى الآيات؛ فصار آية بما ضم إليها.
والثاني: أن هذا -وإن كان يعلم بالنجوم- فعيسى - عليه السلام - لما علم قومه أنه لم يختلف إلى أحد في تعلم علم النجوم، ثم عرف ذلك وأنبأهم بذلك - دل أنه إنما علم ذلك باللَّه؛ فكان آية، وباللَّه التوفيق.
مع ما كان في قومه أطباء وحكماء وبصراء - لم يَدَّعِ أحد شيئًا من هذه الآيات التي جاء بها عيسى - عليه السلام - دل ترك اشتغالهم في ذلك على إقرارهم بأنها آية سماوية، لكنهم تعاندوا وكابروا فلم يؤمنوا به.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: الخلق: اسم المجاز والحقيقة، والتخليق: فعل حقيقة خاصة.
وقوله (بِإِذْنِ اللَّهِ).
قيل: بأمر اللَّه.
قيل: له جوابان -إن كان يكون مثل ذلك بالنجوم-:
أحَدهما: أنه مضموم إلى الآيات؛ فصار آية بما ضم إليها.
والثاني: أن هذا -وإن كان يعلم بالنجوم- فعيسى - عليه السلام - لما علم قومه أنه لم يختلف إلى أحد في تعلم علم النجوم، ثم عرف ذلك وأنبأهم بذلك - دل أنه إنما علم ذلك باللَّه؛ فكان آية، وباللَّه التوفيق.
مع ما كان في قومه أطباء وحكماء وبصراء - لم يَدَّعِ أحد شيئًا من هذه الآيات التي جاء بها عيسى - عليه السلام - دل ترك اشتغالهم في ذلك على إقرارهم بأنها آية سماوية، لكنهم تعاندوا وكابروا فلم يؤمنوا به.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: الخلق: اسم المجاز والحقيقة، والتخليق: فعل حقيقة خاصة.
وقوله (بِإِذْنِ اللَّهِ).
قيل: بأمر اللَّه.
377
الآية ٤٩ وقوله تعالى :﴿ ورسولا إلى بني إسرائيل ﴾ أي جعله رسولا إلى بني إسرائيل، وهذا أيضا بشارة لها منه، وكان عيسى، صلوات الله على نبينا وعليه، من أول أمره إلى آخره آية، لأنه ولد من غير أب على خلاف ما كان سائر البشر﴿ ويكلم الناس في المهد ﴾ [ آل عمران : ٤٦ ] وأقر بالعبودية له، ولم يكن لأحد من البشر ذلك، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وإنباء ما كانوا يأكلون، ويدخرون، وما كان له مأوى يأوي إليه، ولا عيش /٥٩- ب/ يتعيش هو به، والبشر لا يخلو عن ذلك، ثم ألقي شبهة على غيره، فقتل به، ورفع هو إلى السماء، وذلك كله آية، وكانت آياته كلها حسية يعلمها كل أحد، وآيات رسول الله، عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات، كانت حسية وعقلية. أما الحسية فهو انشقاق القمر [ ونبع الماء من بين أصابعه ]١ وكلام الشاة المسمومة وقطع مسيرة شهر في ليلة وغير ذلك من الآيات مما يكثر عددها، هذه كلها كانت حسية. وأما العقلية فهذا القرآن الذي ينزل عليه، وهو بين أظهرهم، وهم فصحاء وبلغاء وحكماء يتلو عليهم
[ قوله ]٢ :﴿ فأتوا بسورة من مثله ﴾ الآية [ يونس : ٣٨ ] وقوله :﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ] ؛ فلو كان بهم طاقة أو قدرة أن يأتوا بمثله لجهدوا كل جهد، وتكلفوا كل تكلف، حتى يطفئوا هذا النور ليتخلصوا من قتلهم وسبي ذراريهم واستحياء نسائهم، فلما لم يفعلوا ذلك دل أنه آية معجزة، عجزوا عن إتيان مثله. فأي آية أعظم من هذا ؟ وبالله النجاة.
وقوله تعالى :﴿ أني جئتكم بآية من ربكم ﴾ أي بعلامة أني رسول منه إليكم. ثم فسر٣ الآية، فقال :﴿ أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ﴾ وقوله٤ :﴿ أني أخلق لكم ﴾ هو على المجاز لا على التخليق والتكوين [ لوجهين :
الأول ]٥ : لأن الخلق ليس هو من فعل المخلوق، وإنما هو من فعل الله جل وعلا لأن التخليق هو الإخراج من العدم إلى الوجود، وذلك فعل الله [ سبحانه وتعالى ]٦ لا يقدر المخلوق على ذلك، فهو على المجاز. ألا ترى أنه قال في آخره :﴿ ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ﴾ ؟ [ آل عمران : ٥٠ ]، وليس إلى الخلق٧ تحليل شيء أو تحريمه، إنما ذلك إلى الله جل وعلا فمعناه أني أظهر لكم حل بعض ما حرم عليكم. فعلى ذلك قوله :﴿ أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ﴾ أي أظهر لكم بيدي ما خلق الله من الطين طائرا، فيكون آية لرسالتي إليكم، وكذلك الآيات ليس مما ينشئ الأنبياء، ولكن تظهر على أيديهم. وإنما لم تجز إضافة التخليق إلى الخلق لما ذكرنا أنه إخراج الشيء من العدم على الوجود، وذلك ليس إلى الخلق.
والثاني : أن التخليق هو إخراج الفعل على التقدير، وفعل العبد إنما يخرج على تقدير الله لا يخرج على تقديره، كذلك لم تجز إضافة ذلك إلى الخلق إلا على طريق المجاز، والله أعلم.
قال الشيخ، رحمه الله :[ الخلق اسم ]٨ المجاز والحقيقة، والتخليق فعل الحقيقة خاصة، وآيات الأنبياء عليهم السلام هي التي تخرج على خلاف الأمر المعتاد بينهم يجزيهم الله جل وعلا على أيديهم. إن ذلك [ لم يكن بهم إنما كان ذلك ]٩ بالرسل الذين أرسلهم ليدل على صدقهم، ولا قوة إلا بالله. وإبراء الأكمه والأبرص هو من آيات النبوة لخروجها عن الأمر المعتاد فيما بينهم، فإن قيل : إن إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص من آيات النبوة لعجزهم عن إتيان مثله وخروجهم عن المعتاد في ما بينهم، ولكن أنباء ما يأكلون، ويدخرون ما١٠ كان من آيات النبوة ؟ ويجوز أن يكون ذلك من منجم، قيل : له جوابان، إن كان يكن١١ مثل ذلك في النجوم.
أحدهما : أنه مضموم إلى الآيات، فصار آية بما ضم إليها.
والثاني : أن هذا، وإن كان بعلم النجوم، فعيسى، صلوات الله عليه، لما علم قومه أنه لم يختلف إلى أحد في تعلم علم النجوم، ثم عرف ذلك، وأنبأهم بذلك، دل أنه إنما علم ذلك بالله، فكان آية، وبالله التوفيق، مع ما كان في وقومه أطباء وحكماء وبصراء لم يدع أحد شيئا من هذه الآيات التي جاء بها١٢ عيسى عليه السلام دل ترك اشتغالهم في ذلك على إقرارهم بأنها آية سماوية، ولكنهم تعاندوا، وكابروا، فلم يؤمنوا به١٣.
وقوله تعالى :﴿ بإذن الله ﴾، قيل : بأمر الله، وقيل : بمشيئة الله. واختلف في الأكمه : عن مجاهد : قال :( الأكمه الذي يبصر بالنهار، ولا يبصر بالليل ) وعن ابن عباس رضي الله عنه :( الأكمه الأعمى الممسوح العين ) وقيل : هو الذي ولد من١٤ أمه أعمى، لا يتلكف أحد من الأطباء إبراء مثله، ولا اشتغل به، وإنه دل أنه عرف ذلك بالله تعالى، والأطباء يتكلفون في دفع العلل العارضة الحادثة، وأما ما كان خلقه من جبلة فلا.
وقوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ قيل : قال إن هذا آية لكم إن كنتم صدقتم أني رسول الله إليكم، وقيل : قال :﴿ إن في ذالك لآية لكم ﴾ في رسالتي ﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ بالرسل، ويحتمل : إن كنتم تؤمنون : أي بالآيات أنها تعرف ما جعلت١٥ له، والله أعلم.
[ قوله ]٢ :﴿ فأتوا بسورة من مثله ﴾ الآية [ يونس : ٣٨ ] وقوله :﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ] ؛ فلو كان بهم طاقة أو قدرة أن يأتوا بمثله لجهدوا كل جهد، وتكلفوا كل تكلف، حتى يطفئوا هذا النور ليتخلصوا من قتلهم وسبي ذراريهم واستحياء نسائهم، فلما لم يفعلوا ذلك دل أنه آية معجزة، عجزوا عن إتيان مثله. فأي آية أعظم من هذا ؟ وبالله النجاة.
وقوله تعالى :﴿ أني جئتكم بآية من ربكم ﴾ أي بعلامة أني رسول منه إليكم. ثم فسر٣ الآية، فقال :﴿ أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ﴾ وقوله٤ :﴿ أني أخلق لكم ﴾ هو على المجاز لا على التخليق والتكوين [ لوجهين :
الأول ]٥ : لأن الخلق ليس هو من فعل المخلوق، وإنما هو من فعل الله جل وعلا لأن التخليق هو الإخراج من العدم إلى الوجود، وذلك فعل الله [ سبحانه وتعالى ]٦ لا يقدر المخلوق على ذلك، فهو على المجاز. ألا ترى أنه قال في آخره :﴿ ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ﴾ ؟ [ آل عمران : ٥٠ ]، وليس إلى الخلق٧ تحليل شيء أو تحريمه، إنما ذلك إلى الله جل وعلا فمعناه أني أظهر لكم حل بعض ما حرم عليكم. فعلى ذلك قوله :﴿ أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ﴾ أي أظهر لكم بيدي ما خلق الله من الطين طائرا، فيكون آية لرسالتي إليكم، وكذلك الآيات ليس مما ينشئ الأنبياء، ولكن تظهر على أيديهم. وإنما لم تجز إضافة التخليق إلى الخلق لما ذكرنا أنه إخراج الشيء من العدم على الوجود، وذلك ليس إلى الخلق.
والثاني : أن التخليق هو إخراج الفعل على التقدير، وفعل العبد إنما يخرج على تقدير الله لا يخرج على تقديره، كذلك لم تجز إضافة ذلك إلى الخلق إلا على طريق المجاز، والله أعلم.
قال الشيخ، رحمه الله :[ الخلق اسم ]٨ المجاز والحقيقة، والتخليق فعل الحقيقة خاصة، وآيات الأنبياء عليهم السلام هي التي تخرج على خلاف الأمر المعتاد بينهم يجزيهم الله جل وعلا على أيديهم. إن ذلك [ لم يكن بهم إنما كان ذلك ]٩ بالرسل الذين أرسلهم ليدل على صدقهم، ولا قوة إلا بالله. وإبراء الأكمه والأبرص هو من آيات النبوة لخروجها عن الأمر المعتاد فيما بينهم، فإن قيل : إن إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص من آيات النبوة لعجزهم عن إتيان مثله وخروجهم عن المعتاد في ما بينهم، ولكن أنباء ما يأكلون، ويدخرون ما١٠ كان من آيات النبوة ؟ ويجوز أن يكون ذلك من منجم، قيل : له جوابان، إن كان يكن١١ مثل ذلك في النجوم.
أحدهما : أنه مضموم إلى الآيات، فصار آية بما ضم إليها.
والثاني : أن هذا، وإن كان بعلم النجوم، فعيسى، صلوات الله عليه، لما علم قومه أنه لم يختلف إلى أحد في تعلم علم النجوم، ثم عرف ذلك، وأنبأهم بذلك، دل أنه إنما علم ذلك بالله، فكان آية، وبالله التوفيق، مع ما كان في وقومه أطباء وحكماء وبصراء لم يدع أحد شيئا من هذه الآيات التي جاء بها١٢ عيسى عليه السلام دل ترك اشتغالهم في ذلك على إقرارهم بأنها آية سماوية، ولكنهم تعاندوا، وكابروا، فلم يؤمنوا به١٣.
وقوله تعالى :﴿ بإذن الله ﴾، قيل : بأمر الله، وقيل : بمشيئة الله. واختلف في الأكمه : عن مجاهد : قال :( الأكمه الذي يبصر بالنهار، ولا يبصر بالليل ) وعن ابن عباس رضي الله عنه :( الأكمه الأعمى الممسوح العين ) وقيل : هو الذي ولد من١٤ أمه أعمى، لا يتلكف أحد من الأطباء إبراء مثله، ولا اشتغل به، وإنه دل أنه عرف ذلك بالله تعالى، والأطباء يتكلفون في دفع العلل العارضة الحادثة، وأما ما كان خلقه من جبلة فلا.
وقوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ قيل : قال إن هذا آية لكم إن كنتم صدقتم أني رسول الله إليكم، وقيل : قال :﴿ إن في ذالك لآية لكم ﴾ في رسالتي ﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ بالرسل، ويحتمل : إن كنتم تؤمنون : أي بالآيات أنها تعرف ما جعلت١٥ له، والله أعلم.
١ من م..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ من م، في الأصل: فئة..
٤ الواو ساقطة من الأصل..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ في م: تعالى..
٧ من م، في الأصل: التخليق..
٨ من م، ساقطة في الأصل..
٩ من م، ساقطة في الأصل..
١٠ في الأصل وم: لم..
١١ في الأصل وم: يكون..
١٢ في الأصل وم: به..
١٣ تكرر بعدها في الأصل وم العبارة المدرجة آنفا: قال الشيخ.. الخلق اسم.. حقيقة خاصة..
١٤ في الأصل: في..
١٥ في الأصل جعلتهم، في م: جعلن..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ من م، في الأصل: فئة..
٤ الواو ساقطة من الأصل..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ في م: تعالى..
٧ من م، في الأصل: التخليق..
٨ من م، ساقطة في الأصل..
٩ من م، ساقطة في الأصل..
١٠ في الأصل وم: لم..
١١ في الأصل وم: يكون..
١٢ في الأصل وم: به..
١٣ تكرر بعدها في الأصل وم العبارة المدرجة آنفا: قال الشيخ.. الخلق اسم.. حقيقة خاصة..
١٤ في الأصل: في..
١٥ في الأصل جعلتهم، في م: جعلن..
وقيل: بمشيئة اللَّه.
واختلف في " الأكمه ":
عن مجاهد، قال: " الأكمه: الذي يبصر بالنهار، ولا يبصر بالليل ".
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " الأكمه: الأعمى الممسوح العين "، وقيل: هو الذي ولد من أمه أعمى لا يتكلف أحد من الأطباء إبراء مثله، ولا اشتغل بدوائه، دل أنه عرف ذلك باللَّه تعالى، والأطباء يتكلفون في دفع العلل العارضة الحادثة، وأما ما كان خلقة من جِبِلَّة - فلا.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ):
قيل: قال: إن هذا آية لكم؛ إن كنتم صدقتم أني رسول اللَّه إليكم.
وقيل: قال: إن في ذلك لآية لكم في رسالتي؛ إن كنتم مؤمنين بالمُرسِل.
ويحتمل (إن كنتم تُؤمِنُونَ) أي: بالآيات أنها تُعَرِّفُ مَا جُعِلْنَ له، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ... (٥٠)
الآية: ما ذكر.
وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ):
يحتمل: فاتقوا اللَّه في تكذيبي في الآيات، و (وَأَطِيعُونِ) في تصديقي.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) ظاهر، قد ذكرنا فيما تقدم.
* * *
قوله تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)
وقوله: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ): قيل: أَحَسَّ: علم.
واختلف في " الأكمه ":
عن مجاهد، قال: " الأكمه: الذي يبصر بالنهار، ولا يبصر بالليل ".
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " الأكمه: الأعمى الممسوح العين "، وقيل: هو الذي ولد من أمه أعمى لا يتكلف أحد من الأطباء إبراء مثله، ولا اشتغل بدوائه، دل أنه عرف ذلك باللَّه تعالى، والأطباء يتكلفون في دفع العلل العارضة الحادثة، وأما ما كان خلقة من جِبِلَّة - فلا.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ):
قيل: قال: إن هذا آية لكم؛ إن كنتم صدقتم أني رسول اللَّه إليكم.
وقيل: قال: إن في ذلك لآية لكم في رسالتي؛ إن كنتم مؤمنين بالمُرسِل.
ويحتمل (إن كنتم تُؤمِنُونَ) أي: بالآيات أنها تُعَرِّفُ مَا جُعِلْنَ له، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ... (٥٠)
الآية: ما ذكر.
وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ):
يحتمل: فاتقوا اللَّه في تكذيبي في الآيات، و (وَأَطِيعُونِ) في تصديقي.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) ظاهر، قد ذكرنا فيما تقدم.
* * *
قوله تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)
وقوله: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ): قيل: أَحَسَّ: علم.
378
وقيل: أحسَّ: رأى؛ وهو كقوله: (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ).
وقيل: أحسَّ، أي: وجد، وهو قول الكيساني، وقيل: عرف؛ وهو كله واحد.
ثم قوله: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ):
يحتمل - واللَّه أعلم - أن قومه لما سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء؛ تكون لهم آية لرسالته وصدقه؛ ففعل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ذلك، وأنزل عليهم المائدة، ثم أخبر أن من كفر منهم بعد إنزال المائدة يعذبه عذابًا لا يعذبه أحدًا، فكفروا به؛ فعلم أن العذاب ينزل عليهم؛ فأَحبَّ أن يخرج بمن آمن به؛ لئلا يأخذهم العذاب، فقال: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)؛ يؤيد ذلك قوله: (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ...) الآية.
ويحتمل أن يكونوا أظهروا الإسلام له، وكانوا في الحقيقة على خلاف ذلك، فلما علم ذلك منهم، وقد همُّوا على قتله، قال عند ذلك: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)؛ أحبَّ أن يكون معه أنصار مع اللَّه ينصرونه؛ فيظهر المؤمنون من غيرهم، فنصرهم اللَّه على أعدائهم؛ ليظهر المؤمنون من غيرهم، وهو قوله: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
ومن الناس من يقول: إنه لم يكن في سُنَّةِ عيسى - عليه السلام - الأمر بالقتال، وفي الآية إشارة إلى ذلك بقوله: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)، أخبر أنهم أصبحوا ظاهرين على عدوهم؛ فلا يخلو إمَّا أن يكون قتالًا أو غلبة بحجة أو بشيء ما يقهرهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ):
اختلف في الحواريين:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هم القصَّارون الغسَّالون للثياب، ومبيضوها.
وقيل: أحسَّ، أي: وجد، وهو قول الكيساني، وقيل: عرف؛ وهو كله واحد.
ثم قوله: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ):
يحتمل - واللَّه أعلم - أن قومه لما سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء؛ تكون لهم آية لرسالته وصدقه؛ ففعل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ذلك، وأنزل عليهم المائدة، ثم أخبر أن من كفر منهم بعد إنزال المائدة يعذبه عذابًا لا يعذبه أحدًا، فكفروا به؛ فعلم أن العذاب ينزل عليهم؛ فأَحبَّ أن يخرج بمن آمن به؛ لئلا يأخذهم العذاب، فقال: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)؛ يؤيد ذلك قوله: (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ...) الآية.
ويحتمل أن يكونوا أظهروا الإسلام له، وكانوا في الحقيقة على خلاف ذلك، فلما علم ذلك منهم، وقد همُّوا على قتله، قال عند ذلك: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)؛ أحبَّ أن يكون معه أنصار مع اللَّه ينصرونه؛ فيظهر المؤمنون من غيرهم، فنصرهم اللَّه على أعدائهم؛ ليظهر المؤمنون من غيرهم، وهو قوله: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
ومن الناس من يقول: إنه لم يكن في سُنَّةِ عيسى - عليه السلام - الأمر بالقتال، وفي الآية إشارة إلى ذلك بقوله: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)، أخبر أنهم أصبحوا ظاهرين على عدوهم؛ فلا يخلو إمَّا أن يكون قتالًا أو غلبة بحجة أو بشيء ما يقهرهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ):
اختلف في الحواريين:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هم القصَّارون الغسَّالون للثياب، ومبيضوها.
379
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " إِنَّمَا سُمُّوا الحَوَارِيينَ؛ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِم "، وكانوا يصيدون السَّمك.
وقيل: الحواري: الوزير، والناصر، والخاص؛ على ما جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِن لِكُلِّ نَبِي حَوَارِيِّينَ، وَحَوَارِيي فُلان وفُلان "، ذكر نفرًا من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين، - وإنما أراد - واللَّه أعلم - الناصر والوزير.
ويحتمل أن يكونوا سمُّوا بذلك؛ لصفاء قلوبهم، وهم أصفياء عيسى - عليه السلام -. كذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واللَّه أعلم بهم.
وقوله: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)
إن اللَّه يتعالى عن أن يُنصَر، ولكن يحتمل (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)، أي: أنصار دين اللَّه، أو أنصار نبيه، أو أنصار أوليائه؛ تعظيمًا.
وكذلك قوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ): إن اللَّه لا يُنْصَرُ؛ ولكن يُنْصَرُ دِينُهُ أو رسلُهُ أو أولياؤه؛ وهو كقوله: (يخادعُونَ اللَّهَ): إن اللَّه لا يُخَادَعُ، ولا يمكر، ولكن لما خادعوا أولياءه أو دينه، أضاف ذلك إلى نفسه؛ فعلى ذلك لما نصروا دين اللَّه ونبيه ووليّه، أضاف ذلك إلى نفسه.
وقيل: الحواري: الوزير، والناصر، والخاص؛ على ما جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِن لِكُلِّ نَبِي حَوَارِيِّينَ، وَحَوَارِيي فُلان وفُلان "، ذكر نفرًا من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين، - وإنما أراد - واللَّه أعلم - الناصر والوزير.
ويحتمل أن يكونوا سمُّوا بذلك؛ لصفاء قلوبهم، وهم أصفياء عيسى - عليه السلام -. كذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واللَّه أعلم بهم.
وقوله: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)
إن اللَّه يتعالى عن أن يُنصَر، ولكن يحتمل (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)، أي: أنصار دين اللَّه، أو أنصار نبيه، أو أنصار أوليائه؛ تعظيمًا.
وكذلك قوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ): إن اللَّه لا يُنْصَرُ؛ ولكن يُنْصَرُ دِينُهُ أو رسلُهُ أو أولياؤه؛ وهو كقوله: (يخادعُونَ اللَّهَ): إن اللَّه لا يُخَادَعُ، ولا يمكر، ولكن لما خادعوا أولياءه أو دينه، أضاف ذلك إلى نفسه؛ فعلى ذلك لما نصروا دين اللَّه ونبيه ووليّه، أضاف ذلك إلى نفسه.
380
الآية ٥١ وقوله تعالى :﴿ إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾ ظاهر [ وقد ذكرناه ]١ في ما تقدم.
١ في الأصل وم: قد ذكرنا..
الآية ٥٢ وقوله تعالى :﴿ فلما أحس عيسى منهم الكفر ﴾ رأى، وهو كقوله :﴿ هل تحس منهم من أحد ﴾ [ مريم : ٩٨ ] وقيل :﴿ أحس ﴾ أي وجد، وهو قول الكسائي، وقيل : عرف : وهو كله واحد.
ثم قوله :﴿ فلما أحس عيسى منهم الكفر ﴾ يحتمل، والله أعلم، أن قومه لما سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم ﴿ مائدة من السماء ﴾ [ المائدة : ١١٢ ] تكون لهم آية لرسالته وصدقه، ففعل الله جل وعلا ذلك، وأنزل عليهم المائدة، ثم أخبر أن من يكفر١ منهم بعد إنزال المائدة يعذبه عذابا لا يعذبه أحدا٢، فكفروا به، فعلم أن العذاب ينزل عليهم، فأحب أن يخرج بمن آمن به لئلا يأخذهم العذاب، فقال :
﴿ قال من أنصاري إلى الله ﴾ يؤيد ذلك قوله :﴿ فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ﴾ الآية [ الصف : ١٤ ]، ويحتمل أن يكونوا أظهروا الإسلام له، وكانوا في الحقيقة على خلاف ذلك، فلما علم ذلك منهم، وقد هموا بقتله٣ قال عند ذلك :﴿ من أنصاري إلى الله ﴾ أحب أن يكون معه أنصار إلى٤ الله ينصرونه، فيظهر المؤمنون من غيرهم، فنصرهم الله على أعدائهم، ليظهر المؤمنين٥ من غيرهم، وهو قوله :﴿ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ﴾ [ الصف : ١٤ ].
ومن الناس من يقول : إنه لم يكن في سنة عيسى عليه السلام الأمر بالقتال، وفي الآية إشارة إلى ذلك بقوله :﴿ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ﴾ [ الصف : ١٤ ] أخبر أنهم أصبحوا ظاهرين على عدوهم فلا يخلو إما أن يكون قتالا وإما غلبة بحجة أو شيء مما يقهرهم، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ قال الحواريون نحن أنصار الله ﴾ اختلف في الحواريين : قال بعضهم : هم القصارون الغسالون الثياب ومبيضوها. وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]٦ قال :( إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم، وكانوا يصيدون السمك ) وقيل : الحواري الوزير والناصر والخاص على ما جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أن لكل نبي حواريين، وحواري فلان وفلان ) [ البخاري ٢٨٤٦ ] وذكر نفرا من الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وإنما أراد٧، والله اعلم، الناصر والوزير. ويحتمل أن يكونوا سموا بذلك لصفاء قلوبهم، وهم أصفياء عيسى رضي الله عنه كذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه والله أعلم بهم.
وقوله تعالى :﴿ نحن أنصار الله ﴾ ؛ إن الله تعالى عن أن ينصر، ولكن يحتمل ﴿ نحن أنصار الله ﴾ أي أنصار دين الله وأنصار نبيه أو أنصار أوليائه تعظيما، وكذلك قوله :﴿ إن تنصروا الله ينصركم ﴾ [ محمد : ٧ ] [ إن الله لا ينصر ]٨ ولكن ينصر دينه أو رسله أو أولياؤه، وهو كقوله :﴿ يخادعون الله ﴾ [ البقرة : ٩ ] إنه٩ لا يخادع، ولا يمكن [ أن يخادع ]١٠ ولكن لما خادعوا أولياءه أو دينه أضاف ذلك إلى نفسه. فعلى ذلك لما نصروا دين الله ونبيه ووليه أضافه١١ إلى نفسه.
وقوله تعالى :﴿ آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ﴾ الآية تنقض من يجعل الإيمان غير الإسلام لأنهم أخبروا أنهم آمنوا وأنهم مسلمون، لم يفرقوا بينهما /٦٠-أ/، وكذلك قوله :﴿ فأخرجنا من كل فيها من المؤمنين ﴾ ﴿ فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ﴾ [ الذاريات : ٣٥ و ٣٦ ] لم يفصل بينهما، وجعلهما واحدا، وكذلك قول موسى لقومه :﴿ يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ﴾ [ يونس : ٨٤ ] لم يجعل بين الإيمان والإسلام فرقا، وهو قوله : إن العمل فيهما واحد، لأن الإيمان بأن تصدق بأنك عبد الله، والإسلام هو١٢ أن تجعل نفسك لله سالما، وقيل : الإيمان اسم [ ما ]١٣ بطن، والإسلام اسم ما ظهر. ألا ترى أنه جاز في الإسلام الشهادة وفي الإيمان
[ التصديق ]١٤ ؟
ثم قوله :﴿ فلما أحس عيسى منهم الكفر ﴾ يحتمل، والله أعلم، أن قومه لما سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم ﴿ مائدة من السماء ﴾ [ المائدة : ١١٢ ] تكون لهم آية لرسالته وصدقه، ففعل الله جل وعلا ذلك، وأنزل عليهم المائدة، ثم أخبر أن من يكفر١ منهم بعد إنزال المائدة يعذبه عذابا لا يعذبه أحدا٢، فكفروا به، فعلم أن العذاب ينزل عليهم، فأحب أن يخرج بمن آمن به لئلا يأخذهم العذاب، فقال :
﴿ قال من أنصاري إلى الله ﴾ يؤيد ذلك قوله :﴿ فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ﴾ الآية [ الصف : ١٤ ]، ويحتمل أن يكونوا أظهروا الإسلام له، وكانوا في الحقيقة على خلاف ذلك، فلما علم ذلك منهم، وقد هموا بقتله٣ قال عند ذلك :﴿ من أنصاري إلى الله ﴾ أحب أن يكون معه أنصار إلى٤ الله ينصرونه، فيظهر المؤمنون من غيرهم، فنصرهم الله على أعدائهم، ليظهر المؤمنين٥ من غيرهم، وهو قوله :﴿ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ﴾ [ الصف : ١٤ ].
ومن الناس من يقول : إنه لم يكن في سنة عيسى عليه السلام الأمر بالقتال، وفي الآية إشارة إلى ذلك بقوله :﴿ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ﴾ [ الصف : ١٤ ] أخبر أنهم أصبحوا ظاهرين على عدوهم فلا يخلو إما أن يكون قتالا وإما غلبة بحجة أو شيء مما يقهرهم، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ قال الحواريون نحن أنصار الله ﴾ اختلف في الحواريين : قال بعضهم : هم القصارون الغسالون الثياب ومبيضوها. وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]٦ قال :( إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم، وكانوا يصيدون السمك ) وقيل : الحواري الوزير والناصر والخاص على ما جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أن لكل نبي حواريين، وحواري فلان وفلان ) [ البخاري ٢٨٤٦ ] وذكر نفرا من الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وإنما أراد٧، والله اعلم، الناصر والوزير. ويحتمل أن يكونوا سموا بذلك لصفاء قلوبهم، وهم أصفياء عيسى رضي الله عنه كذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه والله أعلم بهم.
وقوله تعالى :﴿ نحن أنصار الله ﴾ ؛ إن الله تعالى عن أن ينصر، ولكن يحتمل ﴿ نحن أنصار الله ﴾ أي أنصار دين الله وأنصار نبيه أو أنصار أوليائه تعظيما، وكذلك قوله :﴿ إن تنصروا الله ينصركم ﴾ [ محمد : ٧ ] [ إن الله لا ينصر ]٨ ولكن ينصر دينه أو رسله أو أولياؤه، وهو كقوله :﴿ يخادعون الله ﴾ [ البقرة : ٩ ] إنه٩ لا يخادع، ولا يمكن [ أن يخادع ]١٠ ولكن لما خادعوا أولياءه أو دينه أضاف ذلك إلى نفسه. فعلى ذلك لما نصروا دين الله ونبيه ووليه أضافه١١ إلى نفسه.
وقوله تعالى :﴿ آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ﴾ الآية تنقض من يجعل الإيمان غير الإسلام لأنهم أخبروا أنهم آمنوا وأنهم مسلمون، لم يفرقوا بينهما /٦٠-أ/، وكذلك قوله :﴿ فأخرجنا من كل فيها من المؤمنين ﴾ ﴿ فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ﴾ [ الذاريات : ٣٥ و ٣٦ ] لم يفصل بينهما، وجعلهما واحدا، وكذلك قول موسى لقومه :﴿ يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ﴾ [ يونس : ٨٤ ] لم يجعل بين الإيمان والإسلام فرقا، وهو قوله : إن العمل فيهما واحد، لأن الإيمان بأن تصدق بأنك عبد الله، والإسلام هو١٢ أن تجعل نفسك لله سالما، وقيل : الإيمان اسم [ ما ]١٣ بطن، والإسلام اسم ما ظهر. ألا ترى أنه جاز في الإسلام الشهادة وفي الإيمان
[ التصديق ]١٤ ؟
١ في الأصل وم: كفر..
٢ إشارة إلى قوله تعالى: ﴿قال الله إني منزلها غذعليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين﴾ بالمائدة: ١١٥]..
٣ في الأصل وم: على قتله..
٤ في الأصل وم: مع..
٥ في الأصل وم: المؤمنون..
٦ ساقطة من الأصل وم..
٧ من م، في الأصل: أرادوا..
٨ من م..
٩ من م، في الأصل: أن..
١٠ ساقطة من الأصل وم..
١١ في الأصل وم: أضاف..
١٢ في الأصل وم: و..
١٣ من م..
١٤ من م..
٢ إشارة إلى قوله تعالى: ﴿قال الله إني منزلها غذعليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين﴾ بالمائدة: ١١٥]..
٣ في الأصل وم: على قتله..
٤ في الأصل وم: مع..
٥ في الأصل وم: المؤمنون..
٦ ساقطة من الأصل وم..
٧ من م، في الأصل: أرادوا..
٨ من م..
٩ من م، في الأصل: أن..
١٠ ساقطة من الأصل وم..
١١ في الأصل وم: أضاف..
١٢ في الأصل وم: و..
١٣ من م..
١٤ من م..
وقوله: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) الآية:
ينقض قول من يجعل الإيمان غير الإسلام؛ لأنهم أخبروا أنهم آمنوا، وأنهم مسلمون، لم يفرقوا بينهما، وكذلك قوله: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦): لم يفصل بينهما، وجعلهما واحدًا، وكذلك قول موسى لقومه: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ): لم يجعل بين الإيمان والإسلام فرقًا، وهو قولنا: إن العمل فيهما واحد؛ لأن الإيمان: بأن تصدق بأنك عبد اللَّه، والإسلام: أن تجعل نفسك لله سالمًا.
وقيل: الإيمان: اسم ما بطن، والإسلام: اسم ما ظهر؛ ألا ترى أنه جاز في الإسلام الشهادة، وفي الإيمان التصديق؟!.
وقوله: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ... (٥٣)
يعني - واللَّه أعلم -: بما أنزلت من الكتب السماوية التي أنزلها على الرسل جميعًا، فإن أرادوا بما أنزلت على عيسى - عليه السلام - فالإيمان بواحد من الكتب أو بواحد من الرسل: إيمان بالكتب كلها وبالرسل جميعًا، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
* * *
قوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧)
وقوله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ).
مكروا بنبي اللَّه عيسى - عليه السلام - حيث كذبوه وهمُّوا بقتله، (وَمَكَرَ اللَّهُ)، أي: يجزيهم جزاء مكرهم؛ وإلا حرف المكر مذموم عند الخلق؛ فلا يجوز أن يسمى الله به إلا في موضع الجزاء؛ على ما ذكره - عَزَّ وَجَلَّ - في موضع الجزاء؛ كقوله: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ...)، والاعتداء منهي عنه غير جائز؛ كقوله: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)؛ فكان قوله:
ينقض قول من يجعل الإيمان غير الإسلام؛ لأنهم أخبروا أنهم آمنوا، وأنهم مسلمون، لم يفرقوا بينهما، وكذلك قوله: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦): لم يفصل بينهما، وجعلهما واحدًا، وكذلك قول موسى لقومه: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ): لم يجعل بين الإيمان والإسلام فرقًا، وهو قولنا: إن العمل فيهما واحد؛ لأن الإيمان: بأن تصدق بأنك عبد اللَّه، والإسلام: أن تجعل نفسك لله سالمًا.
وقيل: الإيمان: اسم ما بطن، والإسلام: اسم ما ظهر؛ ألا ترى أنه جاز في الإسلام الشهادة، وفي الإيمان التصديق؟!.
وقوله: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ... (٥٣)
يعني - واللَّه أعلم -: بما أنزلت من الكتب السماوية التي أنزلها على الرسل جميعًا، فإن أرادوا بما أنزلت على عيسى - عليه السلام - فالإيمان بواحد من الكتب أو بواحد من الرسل: إيمان بالكتب كلها وبالرسل جميعًا، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
* * *
قوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧)
وقوله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ).
مكروا بنبي اللَّه عيسى - عليه السلام - حيث كذبوه وهمُّوا بقتله، (وَمَكَرَ اللَّهُ)، أي: يجزيهم جزاء مكرهم؛ وإلا حرف المكر مذموم عند الخلق؛ فلا يجوز أن يسمى الله به إلا في موضع الجزاء؛ على ما ذكره - عَزَّ وَجَلَّ - في موضع الجزاء؛ كقوله: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ...)، والاعتداء منهي عنه غير جائز؛ كقوله: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)؛ فكان قوله:
الآية ٥٤ وقوله تعالى :﴿ ومكروا ومكر الله ﴾ مكروا بنبي الله عيسى عليه السلام حين كذبوه، وهموا بقتله، ﴿ ومكر الله ﴾ أي يجازيهم جزاء مكرهم، وحرف١ المكر مذموم عند الخلق، فلا يجوز أن يسمى الله به إلا في موضع الجزاء على ما ذكره جل وعلا في موضع الجزاء كقوله :﴿ فمن اعتدى عليكم ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ] والاعتداء منهي [ عنه ]٢ غير جائز كقوله :﴿ ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴾
[ البقرة : ١٩٠ ] فكان قوله :﴿ فاعتدوا عليه ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ] هو جزاء الاعتداء، فيجوز. فعلى ذلك المكر والخداع والاستهزاء لا يجوز أن يسمى [ الله ]٣ به، فيقال : يا ماكر، ويا خادع، ويا مستهزئ لأنها حروف مذمومة عند الناس، فيشتم بعضهم بعضا بذلك، لذلك لا يجوز أن يسمى الله به إلا في موضع الجزاء، وبالله العصمة.
وقوله تعالى :﴿ والله خير الماكرين ﴾ أي خير المجيزين، [ يجازي ]٤ أهل الجور بالعدل وأهل الخير بالفضل، وقيل :﴿ ومكروا ﴾ حين كذبوه، وهموا بقتله، ﴿ ومكر الله ﴾ حين رفع الله عيسى عليه السلام، وألقى شبهة على رجل منهم، حتى قتلوه، فذلك خير لعيسى عليه السلام من مكرهم، وقيل :﴿ ومكروا ﴾ أي قالوا ﴿ ومكر الله ﴾ قال الله : قولهم الشرك، وقال لهم : قولوا [ قول ]٥ التوحيد ﴿ والله خير الماكرين ﴾ أي خير القائلين.
قال الشيخ، رحمه الله :﴿ والله خير الماكرين ﴾ بما بالحق يمكر، ويأخذ من استحق الأخذ، وهم لا، والله أعلم. والمكر هو الأخذ بالغفلة، والله يأخذهم بالحق من حيث لا يعلمون، فسمي مكرا لذلك كما يقال : امتحنه الله، وهو الاستظهار، ولكن يراد به هذا في الله.
[ البقرة : ١٩٠ ] فكان قوله :﴿ فاعتدوا عليه ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ] هو جزاء الاعتداء، فيجوز. فعلى ذلك المكر والخداع والاستهزاء لا يجوز أن يسمى [ الله ]٣ به، فيقال : يا ماكر، ويا خادع، ويا مستهزئ لأنها حروف مذمومة عند الناس، فيشتم بعضهم بعضا بذلك، لذلك لا يجوز أن يسمى الله به إلا في موضع الجزاء، وبالله العصمة.
وقوله تعالى :﴿ والله خير الماكرين ﴾ أي خير المجيزين، [ يجازي ]٤ أهل الجور بالعدل وأهل الخير بالفضل، وقيل :﴿ ومكروا ﴾ حين كذبوه، وهموا بقتله، ﴿ ومكر الله ﴾ حين رفع الله عيسى عليه السلام، وألقى شبهة على رجل منهم، حتى قتلوه، فذلك خير لعيسى عليه السلام من مكرهم، وقيل :﴿ ومكروا ﴾ أي قالوا ﴿ ومكر الله ﴾ قال الله : قولهم الشرك، وقال لهم : قولوا [ قول ]٥ التوحيد ﴿ والله خير الماكرين ﴾ أي خير القائلين.
قال الشيخ، رحمه الله :﴿ والله خير الماكرين ﴾ بما بالحق يمكر، ويأخذ من استحق الأخذ، وهم لا، والله أعلم. والمكر هو الأخذ بالغفلة، والله يأخذهم بالحق من حيث لا يعلمون، فسمي مكرا لذلك كما يقال : امتحنه الله، وهو الاستظهار، ولكن يراد به هذا في الله.
١ في الأصل وم: والأحرف..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ ساقطة من الأصل وم..
(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ...) هو جزاء الاعتداء؛ فيجوز؛ فعلى ذلك المكر والخداع والاستهزاء: لا يجوز أن يسمى به، فيقال: يا ماكر، ويا خادع، ويا مستهزئ؛ لأنها حروف مذمومَة عند الناس؛ فيَشْتُمُ بعضهم بعضًا بذلك؛ لذلك لا يجوز أن يسمّى اللَّه - تعالى - به إلا في موضع الجزاء. وباللَّه العصمة.
وقوله: (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ):
أي: خير الجازينَ أهل الجور بالعدل، وأهل الخير بالفضل.
وقيل: (وَمَكَرُوا)؛ حيث كذبوه وهمَّوا بقتله، (وَمَكَرَ اللَّهُ)؛ حيث رفع الله عيسى - عليه السلام - وألقى شبهه على رجل منهم حتى قتلوه؛ فذلك خير لعيسى - عليه السلام - من مكرهم.
وقيل: (وَمَكَرُوا)، أي: قالوا، (وَمَكَرَ اللَّهُ): قال اللَّه. وقولهم الشرك، وقال لهم: قولوا التوحيد.
(وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، أي: خير القائلين.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)؛ بما بالحق يمكر، ويأخذ من استحق الأخذ، وهم لا، واللَّه أعلم.
والمكر: هو الأخذ بالغفلة، واللَّه يأخذهم بالحق من حيث لا يعلمون؛ فسمي مكرًا لذلك؛ كما يقال: امتحنه اللَّه وهو الاستظهار، ولكن لا يراد به هذا في حق اللَّه.
وقوله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (٥٥)
اختلف فيه: قيل: هو على التقديم والتأخير: ورافعك إليَّ، ثم متوفيك بعد نزولك من السماء، ولكن هو التقديم والتأخير، ولم يكن في الذكر فهو
وقوله: (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ):
أي: خير الجازينَ أهل الجور بالعدل، وأهل الخير بالفضل.
وقيل: (وَمَكَرُوا)؛ حيث كذبوه وهمَّوا بقتله، (وَمَكَرَ اللَّهُ)؛ حيث رفع الله عيسى - عليه السلام - وألقى شبهه على رجل منهم حتى قتلوه؛ فذلك خير لعيسى - عليه السلام - من مكرهم.
وقيل: (وَمَكَرُوا)، أي: قالوا، (وَمَكَرَ اللَّهُ): قال اللَّه. وقولهم الشرك، وقال لهم: قولوا التوحيد.
(وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، أي: خير القائلين.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)؛ بما بالحق يمكر، ويأخذ من استحق الأخذ، وهم لا، واللَّه أعلم.
والمكر: هو الأخذ بالغفلة، واللَّه يأخذهم بالحق من حيث لا يعلمون؛ فسمي مكرًا لذلك؛ كما يقال: امتحنه اللَّه وهو الاستظهار، ولكن لا يراد به هذا في حق اللَّه.
وقوله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (٥٥)
اختلف فيه: قيل: هو على التقديم والتأخير: ورافعك إليَّ، ثم متوفيك بعد نزولك من السماء، ولكن هو التقديم والتأخير، ولم يكن في الذكر فهو
382
سواء؛ لأنا قد ذكرنا أنْ ليس في تقديم الذكر، ولا في تأخيره ما يوجب الحكم كذلك؛ لأنه كَمْ مِنْ مُقَدَّمٍ في الذكر هو مؤخَّر في الحكم، وكم من مؤخَّر في الذكر هو مقدَّم في الحكم، فإذا كان كذلك: لم يكن في تقديم ذكر الشيء، ولا في تأخيره - ما يدل على إيجاب الحكم كذلك؛ كقوله: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا): فإنما هو قبض الأرواح؛ فيحتمل الأول كذلك، ويحتمل توفي الجسم، أي: متوفيك من الدُّنيا، أي: قابضك، وليس بوفاة موت.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)، أي: مميتك وهو ما ذكرنا؛
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)، أي: مميتك وهو ما ذكرنا؛
383
ليعلم أنه ليس بمعبود.
وقوله: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ):
هو على تعظيم عيسى - عليه السلام - ليس على ما قالت المشبهة؛ بإثباتها المكان له؛ لأنه لو كان في قوله: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) يوجب ذلك، يجب أن يكون أهل الشام أقرب إليه؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - قال:
(إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)، والكفرة إليه قريب منه؛ كقوله: (ثُمَّ
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ)؛ دل هذا أن ما قالوا خيال فاسد - تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوا كبيرًا - ولكن على التعظيم والتبجيل، أعني: المضاف إليه.
والأصل في هذا: أن الخاص إذا أضيف إلى اللَّه فإنما يراد به تعظيم ذلك الخاص؛ نحو ما قال: " بيت اللَّه "؛ على تعظيم البيت، (نَاقَةَ اللَّهِ)؛ فهو على تعظيم الناقة، ونحوه مما يكثر وقوعه.
وإذا أضيف الجماعة إليه، فهو على إرادة تعظيم الربِّ - جل ثناؤه - نحو: (رَبِّ الْعَالَمِينَ)، (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، ونحوه؛ كله على إرادة تعظيم الربِّ، جل ثناؤه.
وقوله: (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا):
قيل فيه بوجوه:
قيل: مطهرك من أذى الكفرة، من بين أظهر المخالفين لك.
وقيل: ومطهرك من الكفر والفواحش، ويحتمل: مطهرك مما قالوا فيك.
وقوله: (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
يحتمل: يجعله فوق الذين كفروا بالقهر والغلبة والقتل، ويحتمل: بالحجة، ويحتمل: في المنزلة والدرجة في الآخرة.
وقوله: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ):
هو على تعظيم عيسى - عليه السلام - ليس على ما قالت المشبهة؛ بإثباتها المكان له؛ لأنه لو كان في قوله: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) يوجب ذلك، يجب أن يكون أهل الشام أقرب إليه؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - قال:
(إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)، والكفرة إليه قريب منه؛ كقوله: (ثُمَّ
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ)؛ دل هذا أن ما قالوا خيال فاسد - تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوا كبيرًا - ولكن على التعظيم والتبجيل، أعني: المضاف إليه.
والأصل في هذا: أن الخاص إذا أضيف إلى اللَّه فإنما يراد به تعظيم ذلك الخاص؛ نحو ما قال: " بيت اللَّه "؛ على تعظيم البيت، (نَاقَةَ اللَّهِ)؛ فهو على تعظيم الناقة، ونحوه مما يكثر وقوعه.
وإذا أضيف الجماعة إليه، فهو على إرادة تعظيم الربِّ - جل ثناؤه - نحو: (رَبِّ الْعَالَمِينَ)، (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، ونحوه؛ كله على إرادة تعظيم الربِّ، جل ثناؤه.
وقوله: (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا):
قيل فيه بوجوه:
قيل: مطهرك من أذى الكفرة، من بين أظهر المخالفين لك.
وقيل: ومطهرك من الكفر والفواحش، ويحتمل: مطهرك مما قالوا فيك.
وقوله: (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
يحتمل: يجعله فوق الذين كفروا بالقهر والغلبة والقتل، ويحتمل: بالحجة، ويحتمل: في المنزلة والدرجة في الآخرة.
384
ويحتمل قوله: (وَمُطَهِّرُكَ) بقتل الكفرة من وجه الأرض؛ على ما ذكر في بعض القصة: أنه ينزل من السماء، فلا يبقى على وجه الأرض كافر إلا وهو يقتله مع الذين اتبعوه؛ فذلك تَطْهِيرُهُ وَجَعْلُ الذين اتبعوه فوق الذين كفروا.
وقوله: (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ)
ذكر هذا - واللَّه أعلم - وإن كان المرجع للكل إليه في كل حال؛ لأنهم يُقِرُّونَ ويعترفون في ذلك اليوم أن المرجع إليه، وكانوا ينكرون ذلك في الدُّنيا؛ وهو كقوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، الملك كان في ذلك اليوم وفي غير ذلك اليوم، ولكن معناه: لا ينازعه أحد يومئذ في ملكه، ويقرون له بالملك، وفي الدُّنيا أنكروا ملكه؛ وهو كقوله: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا)، كلهم بارزون لله في كل وقت؛ لكنهم أنكروا بروزهم في الدنيا له؛ فيقرون يومئذ بالبروز له؛ فكذلك الأول، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
يحتمل: أحكم بينكم مَنِ المحقُّ منكم، ومَنِ المبطلُ.
ويحتمل: أحكم بينكم: أي: أجزيكم على قدر أعمالكم.
ويحتمل: أحكم بينكم أي، أجزي كلا بعمله على ما يستوجبون.
وقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الآية:
وقوله: (فِي الدُّنْيَا)، قيل: القتل، والجزية، وفي الآخرة: العذاب.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) فقوله: (مُتَوَفِّيكَ):
وقوله: (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ)
ذكر هذا - واللَّه أعلم - وإن كان المرجع للكل إليه في كل حال؛ لأنهم يُقِرُّونَ ويعترفون في ذلك اليوم أن المرجع إليه، وكانوا ينكرون ذلك في الدُّنيا؛ وهو كقوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، الملك كان في ذلك اليوم وفي غير ذلك اليوم، ولكن معناه: لا ينازعه أحد يومئذ في ملكه، ويقرون له بالملك، وفي الدُّنيا أنكروا ملكه؛ وهو كقوله: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا)، كلهم بارزون لله في كل وقت؛ لكنهم أنكروا بروزهم في الدنيا له؛ فيقرون يومئذ بالبروز له؛ فكذلك الأول، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
يحتمل: أحكم بينكم مَنِ المحقُّ منكم، ومَنِ المبطلُ.
ويحتمل: أحكم بينكم: أي: أجزيكم على قدر أعمالكم.
ويحتمل: أحكم بينكم أي، أجزي كلا بعمله على ما يستوجبون.
وقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الآية:
وقوله: (فِي الدُّنْيَا)، قيل: القتل، والجزية، وفي الآخرة: العذاب.
قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) فقوله: (مُتَوَفِّيكَ):
385
يحتمل تَوَفِّي الموت بما يقبض روحه كفعله بجميع البشر؛ تكذيبًا لمن ظن أنه اللَّه، أو ابنه، لا يحتمل أن يموت، وقد ألزمهم هذا أيضًا بوجهين ظاهرين -وإن كان فيما عليه خلقته وجوهره. ثم تقلبه من حال إلى حال في نفسه، ومكان إلى مكان في حق القرار والحاجة- كفاية لمن يعقل الحقائق، وبُلْغَة لمن تأمَّل الأشياء عبرا.
أحدهما: بقوله: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)، وقوله: (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) حتى ينطق به لسان كل منهم، ومعلوم إحالة ابن بشر إلهًا أو ولدًا لإله؛ إذ هو يكون أصغر منهما وذلك آية حدثه، وكذلك قوله في المهد: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ): إلى آخر ما ذكر، مع ما لو احتمل ذلك لكان آدم - عليه السلام - الذي هو الأصل، هو المقدم، وهو الذي لا يعرف له وَالِدَانِ أحق أو هو؟ إذ هو بجوهره فهو ولده لا غير، أو ذلك وصف الأولاد، واللَّه أعلم.
والثاني: (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ): فأخبر عن حاجته وغلبة الجوع عليه، وفقر نفسه إلى ما يقيمها من الأغذية. ثم في ذلك حاجة إلى الخلاء، واختيار الأمكنة القذرة لقضاء حاجته، وباللَّه التوفيق.
والثالث: على قبضه بنفسه من بين أظهر أعدائه، ورفعه إلى ما به شرفه، وتطهيره مما كان يحسُّ منهم من الكفر وأنواع الفساد، وختمه من بين البشر على وجه آية يكون له عليهم من أول أحوال ظهوره إلى آخر أحوال مقامه فيهم؛ ليكون أوضح لمتبعيه في الآيات، وعلى مخالفيه في قطع العذر. ولا قوة إلا باللَّه.
وفي الدعاء إلى المباهلة دلالة ظهور التعنت والعناد، وفي تخلفهم عن ذلك دليل
أحدهما: بقوله: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)، وقوله: (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) حتى ينطق به لسان كل منهم، ومعلوم إحالة ابن بشر إلهًا أو ولدًا لإله؛ إذ هو يكون أصغر منهما وذلك آية حدثه، وكذلك قوله في المهد: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ): إلى آخر ما ذكر، مع ما لو احتمل ذلك لكان آدم - عليه السلام - الذي هو الأصل، هو المقدم، وهو الذي لا يعرف له وَالِدَانِ أحق أو هو؟ إذ هو بجوهره فهو ولده لا غير، أو ذلك وصف الأولاد، واللَّه أعلم.
والثاني: (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ): فأخبر عن حاجته وغلبة الجوع عليه، وفقر نفسه إلى ما يقيمها من الأغذية. ثم في ذلك حاجة إلى الخلاء، واختيار الأمكنة القذرة لقضاء حاجته، وباللَّه التوفيق.
والثالث: على قبضه بنفسه من بين أظهر أعدائه، ورفعه إلى ما به شرفه، وتطهيره مما كان يحسُّ منهم من الكفر وأنواع الفساد، وختمه من بين البشر على وجه آية يكون له عليهم من أول أحوال ظهوره إلى آخر أحوال مقامه فيهم؛ ليكون أوضح لمتبعيه في الآيات، وعلى مخالفيه في قطع العذر. ولا قوة إلا باللَّه.
وفي الدعاء إلى المباهلة دلالة ظهور التعنت والعناد، وفي تخلفهم عن ذلك دليل
386
علمهم بتعنتهم وخوفهم مما قد وُعِدوا بالنزول عليهم، ثم لزموا مع ذلك ما كانوا عليه من السفه والعناد؛ ليعلم أن الحيل عمن اعتاد المعاندة منقطعة، ومعلوم أن الدعاء إلى المباهلة لا يكون في أول أحوال الدعوة؛ وإنَّمَا يكون بعد توفير الحجة وقطع الشبهة؛ ففي ذلك بيان أنه كانت ثَمَّ محاجاتٌ، حتى بلغ الأمر هذا، وعلى ذلك أمر القتال أنه لم يوضع في أول أحوال الإرسال، وفي الحال التي للقول وللحق وجه القبول من طريق النصف والعقل؛ وإنما كان عند ظهور معاندتهم، وكثرة سفههم، حتى همّوا بالقتل، وأكثروا الأذى، وأكرهوا أقوامًا على الكفر، وأخرجوا رسول ربِّ العزة من بين أظهرهم بما راموا قتله، وطردوا أصحابه من بلادهم حتى تحصنوا بالغيران، فأذن الله تعالى عند ذلك بالقتال، وفتح الفتوح؛ ليكون آيته في كل وجوه الآيات ظاهرة وحجته بينة، وفي ذلك جواز محاجة الكفرة في التوحيد والرسالة، لكن على ما قال اللَّه - تعالى -: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، و (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا)، نهي عن التعمق والخوض فيما تقصر عنه الأفهام، وإن كان معلومًا أن لله حججًا ظاهرة وغامضة، ولا قوة إلا باللَّه.
وفي ذلك تعليم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: أنه يكون ذلك باللطف والرفق يرى المقصود به؛ ليقرر به عنده الحجة، ويزيل عنه الشبهة من الوجه الذي يحتمله عقله، ويبلغه فهمه، فإن رآه يتعامى في ذلك يوعده ويخوفه بالذي في ذاك من الوعيد.
فإن رأيته يكابر عرفت شؤم طبعه وسوء عنصره، يوعده بما جاء به التعليم من الضرب
وفي ذلك تعليم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: أنه يكون ذلك باللطف والرفق يرى المقصود به؛ ليقرر به عنده الحجة، ويزيل عنه الشبهة من الوجه الذي يحتمله عقله، ويبلغه فهمه، فإن رآه يتعامى في ذلك يوعده ويخوفه بالذي في ذاك من الوعيد.
فإن رأيته يكابر عرفت شؤم طبعه وسوء عنصره، يوعده بما جاء به التعليم من الضرب
387
الآية ٥٧ وقوله تعالى﴿ وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ ﴿ والله لا يحب الظالمين ﴾ لأنه لا يحب الظلم.
والحبس، فإن نفع ذلك، وإلا بكف شره عن غيره وتطهير الأرض منه؛ فإنه النهاية في القمع، والغاية فيما يحق من معاملة السفهاء، واللَّه أعلم.
لكنه على منازل لا يحتمل انتهاء كل أنواع المآثم إلى هذه الغاية؛ بل فيها ما كان أعظمها دون هذا بكثير - واللَّه أعلم - لذلك يلزم تعرف مقادير الآثام أولًا؛ ليعرف بها ما يحتمل كل إثم من العقوبة فيه والزجر به، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ):
لأنه لا يحب الظلم.
* * *
قوله تعالى: (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)
وقوله: (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ)، قيل: ذلك الذي ذكر في هذه الآية: نثلو عليك يا مُحَمَّد.
(مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ)
هو المحكم، وقيل: (الْحَكِيم)، أي: من نظر فيه وتفكر يصير حكيمًا؛ كما قال: (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)، أي: يبصر فيه، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ (٥٩)
قيل في القصة: إن نصارى من أهل نجران قدموا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقالوا له: إنك تشتم صاحبنا عيسى ابن مريم، تزعم أنه عبد، وهو يُحْيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فيطير، فأرنا فيما خلق اللَّه عبدًا مثله يعمل
لكنه على منازل لا يحتمل انتهاء كل أنواع المآثم إلى هذه الغاية؛ بل فيها ما كان أعظمها دون هذا بكثير - واللَّه أعلم - لذلك يلزم تعرف مقادير الآثام أولًا؛ ليعرف بها ما يحتمل كل إثم من العقوبة فيه والزجر به، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ):
لأنه لا يحب الظلم.
* * *
قوله تعالى: (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)
وقوله: (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ)، قيل: ذلك الذي ذكر في هذه الآية: نثلو عليك يا مُحَمَّد.
(مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ)
هو المحكم، وقيل: (الْحَكِيم)، أي: من نظر فيه وتفكر يصير حكيمًا؛ كما قال: (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)، أي: يبصر فيه، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ (٥٩)
قيل في القصة: إن نصارى من أهل نجران قدموا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقالوا له: إنك تشتم صاحبنا عيسى ابن مريم، تزعم أنه عبد، وهو يُحْيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فيطير، فأرنا فيما خلق اللَّه عبدًا مثله يعمل
388
هذا، والنصارى في الحقيقة مشبهة وقدرية: وأمَّا التشبيه: فإنما حملهم على ذلك ظنهم في قول إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ حيث قال: (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)؛ ظنوا أن عيسى لما قال: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أنه رب وإله؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - أخبر أن ربه (الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)؛ فسموا عيسى إلهًا بهذا، وهم كانوا يرون عيسى يأكل ويشرب وينام؛ فلولا أنهم عرفوا اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وإلا ما شبهوه به، تعالى اللَّه عن ذلك.
وأمّا القدرية: فلما لم يروا لله في أفعال العباد صنعًا؛ إنما رأوا ذلك للخلق خاصة،
وأمّا القدرية: فلما لم يروا لله في أفعال العباد صنعًا؛ إنما رأوا ذلك للخلق خاصة،
389
فلما رأوا ذلك من عيسى - عليه السلام - ظنوا أنه ربٌّ؛ لما لم يروا ذلك من غيره، ولو كانوا عرفوا اللَّه حق المعرفة، لعلموا أن لم يكن من عيسى إلا تصوير ذلك الطير وتمثيله، ويكون مثله من كل أحد؛ وإنَّمَا الإحياء كان من اللًه - عَزَّ وَجَلَّ - أجراه على يدي عيسى - عليه السلام - وأظهره، وإنما كان من عيسى تصويره فقط؛ وكذلك ما كان من إبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أجراه على يديه آيات لنبوته؛ لأنهم ادعوا له الربوبية من وجهين: لكونه من غير أب، ولآياته.
ثم قوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) - يحتمل وجهين - واللَّه أعلم -: أحدهما: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - صور صورة آدم من طين، ثم جعل فيه الروح، لم يجز أن يقال صار آدم حيًّا من نفسه؛ لوجود صورته، كيف جاز لكم أن تقولوا: إن عيسى لمّا صوَّر ذلك الطير من الطين، صار محييًا له بتصويره إياه دون إحياء اللَّه - تعالى - إياه؟! واللَّه أعلم.
والثاني: أن آدم - عليه السلام - خُلِقَ لا من أب وأم، ثم لم تقولوا: إنه ربٌّ
ثم قوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) - يحتمل وجهين - واللَّه أعلم -: أحدهما: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - صور صورة آدم من طين، ثم جعل فيه الروح، لم يجز أن يقال صار آدم حيًّا من نفسه؛ لوجود صورته، كيف جاز لكم أن تقولوا: إن عيسى لمّا صوَّر ذلك الطير من الطين، صار محييًا له بتصويره إياه دون إحياء اللَّه - تعالى - إياه؟! واللَّه أعلم.
والثاني: أن آدم - عليه السلام - خُلِقَ لا من أب وأم، ثم لم تقولوا: إنه ربٌّ
390
الآية ٥٩ وقوله تعالى :﴿ إن مثل عيس عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ﴾ قيل في القصة : إن نصارى من أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أنت١ تشتم صاحبنا عيسى ابن مريم { عليه السلام ]٢ ؛ تزعم أنه عبد، وهو يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين [ طيرا، فأرنا في ما ]٣ خلق الله عبدا مثله يعمل هذا.
والنصارى في الحقيقة مشتبهة وقدرية، وأما التشبيه فإنما علمهم على ذلك ظنهم في قول إبراهيم [ صلوات الله عليه ]٤، حين قال :
﴿ ربي الذي يحي ويميت ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ] ظنوا أن عيسى لما قال :﴿ أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ﴾ [ آل عمران : ٤٩ ] أنه رب وإله، لأن إبراهيم عليه السلام أخبر أن ربه ﴿ الذي يحيي ويميت ﴾ فسموا عيسى إلها بهذا، وهم كانوا يرون عيسى يأكل، ويشرب، وينام، فلولا أنهم عرفوا الله جل وعلا [ ما تشبهوه ]٥ به، تعالى الله عن ذلك.
وأما القدرية فلما يروا الله في أفعال العباد، وإنما رأوا ذلك للحق خاصة، فلما رأوا ذلك من عيسى عليه السلام ظنوا أنه رب لما لو يروا ذلك من غيره، ولو كانوا عرفوا الله حق المعرفة لعلموا أن لم يكن من عيسى إلا تصوير ذلك الطير وتمثيله، ويكون مثله من كل واحد٦، وإنما الإحياء كان من الله جل وعلا أجراه٧ على يدي عيسى عليه السلام [ إذ له ]٨ تصويره فقط، وكذلك ما كان من إبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك من الله جل وعلا أجراه على يديه آيات لنبوته، لأنهم ادعوا له الربوبية من وجهين : لكونه من غير أب، ولآياته.
ثم قوله :﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ﴾ يحتمل وجهين : والله أعلم :
أحدهما : أن الله جل وعلا صور صورة آدم من طين، ثم جعل فيه الروح، لم يجز أن يقال : صار آدم حيا من نفسه لوجود صورته، كيف جاز لكم أن تقولوا : إن عيسى لما صور ذلك الطير صار محييا بتصويره إياه دون إحياء الله تعالى إياه، والله أعلم ؟
والثاني : أن آدم عليه السلام خلق من لا أب وأم، ثم لم تقولوا : إنه رب أو إله، كيف قلتم في عيسى : إنه إله ؟ وإنه٩ خلق لا من أب، إذ عدم الأبوة في آدم لم توجب أن يكون ربا، كيف أوجب عدم الأبوة في عيسى كونه ربا وإلها ؟ والله الموفق، وإنما كان عيسى بقوله :﴿ كن ﴾ كما كان آدم أيضا ب ﴿ كن ﴾ من غير أب.
وقوله تعالى :﴿ كن ﴾ قد ذكرنا أنه أوجز كلام في لسان العرب، يعبر، فيؤدي المعنى، فيفهم المراد إلا أن كان من الله جل وعلا كاف نون أو وقت أو حرف، أو يوصف كلامه بشيء مما يوصف به كلام الخلق، تعالى الله عن ذلك١٠.
وقوله تعالى :﴿ فيكون ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يحتمل ﴿ فيكون ﴾ بمعنى كان، والعرب تستعمل ذلك، ولا تأباه١١.
والثاني : أن تكون الكائنات بأسبابها في أوقاتها التي أراد كونها على ما أراد. وأصل ذلك إذا ذكر الله، ووصف، ويذكر بلا ذكر وقت في الأزل، وإذا ذكر الخلق معه، يذكر الوقت، والوقت يكون للخلق بقول خالق لم يزل وخالق في وقت خلقه.
والنصارى في الحقيقة مشتبهة وقدرية، وأما التشبيه فإنما علمهم على ذلك ظنهم في قول إبراهيم [ صلوات الله عليه ]٤، حين قال :
﴿ ربي الذي يحي ويميت ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ] ظنوا أن عيسى لما قال :﴿ أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ﴾ [ آل عمران : ٤٩ ] أنه رب وإله، لأن إبراهيم عليه السلام أخبر أن ربه ﴿ الذي يحيي ويميت ﴾ فسموا عيسى إلها بهذا، وهم كانوا يرون عيسى يأكل، ويشرب، وينام، فلولا أنهم عرفوا الله جل وعلا [ ما تشبهوه ]٥ به، تعالى الله عن ذلك.
وأما القدرية فلما يروا الله في أفعال العباد، وإنما رأوا ذلك للحق خاصة، فلما رأوا ذلك من عيسى عليه السلام ظنوا أنه رب لما لو يروا ذلك من غيره، ولو كانوا عرفوا الله حق المعرفة لعلموا أن لم يكن من عيسى إلا تصوير ذلك الطير وتمثيله، ويكون مثله من كل واحد٦، وإنما الإحياء كان من الله جل وعلا أجراه٧ على يدي عيسى عليه السلام [ إذ له ]٨ تصويره فقط، وكذلك ما كان من إبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك من الله جل وعلا أجراه على يديه آيات لنبوته، لأنهم ادعوا له الربوبية من وجهين : لكونه من غير أب، ولآياته.
ثم قوله :﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ﴾ يحتمل وجهين : والله أعلم :
أحدهما : أن الله جل وعلا صور صورة آدم من طين، ثم جعل فيه الروح، لم يجز أن يقال : صار آدم حيا من نفسه لوجود صورته، كيف جاز لكم أن تقولوا : إن عيسى لما صور ذلك الطير صار محييا بتصويره إياه دون إحياء الله تعالى إياه، والله أعلم ؟
والثاني : أن آدم عليه السلام خلق من لا أب وأم، ثم لم تقولوا : إنه رب أو إله، كيف قلتم في عيسى : إنه إله ؟ وإنه٩ خلق لا من أب، إذ عدم الأبوة في آدم لم توجب أن يكون ربا، كيف أوجب عدم الأبوة في عيسى كونه ربا وإلها ؟ والله الموفق، وإنما كان عيسى بقوله :﴿ كن ﴾ كما كان آدم أيضا ب ﴿ كن ﴾ من غير أب.
وقوله تعالى :﴿ كن ﴾ قد ذكرنا أنه أوجز كلام في لسان العرب، يعبر، فيؤدي المعنى، فيفهم المراد إلا أن كان من الله جل وعلا كاف نون أو وقت أو حرف، أو يوصف كلامه بشيء مما يوصف به كلام الخلق، تعالى الله عن ذلك١٠.
وقوله تعالى :﴿ فيكون ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يحتمل ﴿ فيكون ﴾ بمعنى كان، والعرب تستعمل ذلك، ولا تأباه١١.
والثاني : أن تكون الكائنات بأسبابها في أوقاتها التي أراد كونها على ما أراد. وأصل ذلك إذا ذكر الله، ووصف، ويذكر بلا ذكر وقت في الأزل، وإذا ذكر الخلق معه، يذكر الوقت، والوقت يكون للخلق بقول خالق لم يزل وخالق في وقت خلقه.
١ في الأصل وم: إن..
٢ ساقطة من م..
٣ في الأصل: فأنار فيها، في م: كهيئة الطير فيطير وفي ما..
٤ في م: عليه السلام..
٥ في الأصل: إلا يشبهوه، في م: إلا ما شبهوه..
٦ في م: أحد..
٧ في الأصل وم: جراه..
٨ ساقطة من الأصل وم..
٩ من م، في الأصل: وإن..
١٠ أدرج تفسير هذا القول في تفسير الآية (١١٧) من هذه السورة البقرة والآية (٤٧) من هذه السورة..
١١ في الأصل وم: تأتي..
٢ ساقطة من م..
٣ في الأصل: فأنار فيها، في م: كهيئة الطير فيطير وفي ما..
٤ في م: عليه السلام..
٥ في الأصل: إلا يشبهوه، في م: إلا ما شبهوه..
٦ في م: أحد..
٧ في الأصل وم: جراه..
٨ ساقطة من الأصل وم..
٩ من م، في الأصل: وإن..
١٠ أدرج تفسير هذا القول في تفسير الآية (١١٧) من هذه السورة البقرة والآية (٤٧) من هذه السورة..
١١ في الأصل وم: تأتي..
أو إله، فكيف قلتم في عيسى: إنه إله؛ وإنه خلق لا من أب؟ إذ عدم الأبوة في آدم لم يوجب أن يكون ربًّا؛ وكيف أوجب عدم الأبوة في عيسى كونه ربًّا وإلها؟! والله الموفق.
وإنما كان عيسى بقوله: " كن " - كما كان آدم، أيضًا، بـ " كن " - من غير أب.
وقوله: (كُن):
قد ذكرنا أنه أوجز كلام في لسان العرب يعبر فيؤدي المعنى؛ فيفهم المراد، لا أن كان من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - كاف، أو نون، أو وقت، أو حرف، أو يوصف كلامه بشيء مما يوصف به كلام الخلق، تعالى اللَّه عن ذلك.
وقوله: (فَيَكُونُ):
يحتمل وجهين:
يحتمل " يكون "، بمعنى: كان، والعرب تستعمل ذلك ولا تأبى.
والثاني: أن تكون الكائنات بأسبابها في أوقاتها التي أراد كونها على ما أراد، وأصل ذلك، إذا ذكر اللَّه ووصف بذكر بلا ذكر وقت في الأزل، وإذا ذكر الخلق معه يذكر الوقت، والوقت يكون للخلق يقول: خالق لم يزل، وخالقه في وقت خلقه.
وقوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)
يحتمل هذا وجوهًا:
يحتمل أن يكون الخطاب لكل أحد قال في عيسى ما قالوا، أي: لا تكن من الممترين في عيسى أنه عبد اللَّه خالصا، وأنه نبيه ورسوله إليكم.
ويحتمل أن يكون الخطاب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمراد غيره؛ وهكذا عادة ملوك الأرض أنهم إذا أرادوا أن يعرفوا رعيتهم شيئا، يخاطبون أعقلهم وأفضلهم وأرفعهم منزلة وقدرًا عندهم؛ استكبارًا منهم مخاطبة كل وضيع وسفيه؛ فكذلك (ولله المثل الأعلى)، اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - خاطب نبيّه؛ إعظامًا له وإجلالًا، واللَّه أعلم.
ويحتمل ما ذكرنا فيما تقدم أن العصمة لا تمنع الأمر ولا النهي؛ بل تزيد أمرًا ونهيًا،
وإنما كان عيسى بقوله: " كن " - كما كان آدم، أيضًا، بـ " كن " - من غير أب.
وقوله: (كُن):
قد ذكرنا أنه أوجز كلام في لسان العرب يعبر فيؤدي المعنى؛ فيفهم المراد، لا أن كان من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - كاف، أو نون، أو وقت، أو حرف، أو يوصف كلامه بشيء مما يوصف به كلام الخلق، تعالى اللَّه عن ذلك.
وقوله: (فَيَكُونُ):
يحتمل وجهين:
يحتمل " يكون "، بمعنى: كان، والعرب تستعمل ذلك ولا تأبى.
والثاني: أن تكون الكائنات بأسبابها في أوقاتها التي أراد كونها على ما أراد، وأصل ذلك، إذا ذكر اللَّه ووصف بذكر بلا ذكر وقت في الأزل، وإذا ذكر الخلق معه يذكر الوقت، والوقت يكون للخلق يقول: خالق لم يزل، وخالقه في وقت خلقه.
وقوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)
يحتمل هذا وجوهًا:
يحتمل أن يكون الخطاب لكل أحد قال في عيسى ما قالوا، أي: لا تكن من الممترين في عيسى أنه عبد اللَّه خالصا، وأنه نبيه ورسوله إليكم.
ويحتمل أن يكون الخطاب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمراد غيره؛ وهكذا عادة ملوك الأرض أنهم إذا أرادوا أن يعرفوا رعيتهم شيئا، يخاطبون أعقلهم وأفضلهم وأرفعهم منزلة وقدرًا عندهم؛ استكبارًا منهم مخاطبة كل وضيع وسفيه؛ فكذلك (ولله المثل الأعلى)، اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - خاطب نبيّه؛ إعظامًا له وإجلالًا، واللَّه أعلم.
ويحتمل ما ذكرنا فيما تقدم أن العصمة لا تمنع الأمر ولا النهي؛ بل تزيد أمرًا ونهيًا،
وإن كان يعلم أنه لا يكون من الممترين أبدًا، واللَّه الموفق.
وقوله: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ (٦١)
دعاهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى المباهلة، فالمباهلة في لغة العرب: الملاعنة، دعاهم إلى الدعاء باللعنة على الكاذبين، فامتنعوا عن ذلك؛ خوفًا منهم لحوق اللعنة؛ فدل امتناعهم عن ذلك أنهم عرفوا كذبهم، لكنهم تعاندوا، وكابروا؛ فلم يقروا بالحق.
وقوله: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (٦٢)
يعني: الخبر الحق.
وقوله: (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ):
ظاهر، قد ذكرناه فيما تقدم، واللَّه أعلم.
وقوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)، يحتمل: خبر الحق في أمر عيسى - عليه السلام - أنه كان عبدًا بشرًا نبيَّا، (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)، أي: لا يحملنك شدة لجاجتهم وكثرتهم في القول فيه بهذا الوصف على الشك في الخبر الَّذِي جاءك عن اللَّه؛ كقوله: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ
وقوله: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ (٦١)
دعاهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى المباهلة، فالمباهلة في لغة العرب: الملاعنة، دعاهم إلى الدعاء باللعنة على الكاذبين، فامتنعوا عن ذلك؛ خوفًا منهم لحوق اللعنة؛ فدل امتناعهم عن ذلك أنهم عرفوا كذبهم، لكنهم تعاندوا، وكابروا؛ فلم يقروا بالحق.
وقوله: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (٦٢)
يعني: الخبر الحق.
وقوله: (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ):
ظاهر، قد ذكرناه فيما تقدم، واللَّه أعلم.
وقوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)، يحتمل: خبر الحق في أمر عيسى - عليه السلام - أنه كان عبدًا بشرًا نبيَّا، (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)، أي: لا يحملنك شدة لجاجتهم وكثرتهم في القول فيه بهذا الوصف على الشك في الخبر الَّذِي جاءك عن اللَّه؛ كقوله: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ
الآية ٦٢ وقوله تعالى :﴿ إن هذا لهو القصص الحق ﴾ يعني الخبر الحق. وقوله تعالى :﴿ وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم ﴾ ظاهر، وقد ذكرناه فيما تقدم، والله أعلم.
الآية ٦٣ وقوله تعالى :﴿ الحق من ربك ﴾ [ آل عمران : ٦٠ ] يحتمل خبر الحق في أمر عيسى عليه السلام أنه كان عبدا بشرا نبيا ﴿ فلا تكن من الممترين ﴾ أي لا يحملنك شدة لجاجتهم وكثرتهم من القول فيه بهذا الوصف على الشك في الخبر الذي جاء عن الله كقوله :﴿ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ﴾ [ هود : ١٢ ] إلى آخره على الموعظة، لا على أنه يكون كذلك، أو على ما سبق ذكره، والله أعلم.
يحتمل ﴿ الحق من ربك ﴾ [ آل عمران : ٦٠ ] أي كل حق هو عن الله، جائز إضافته إليه على الوجوه التي تضاف إليه، والباطل من الوجه الذي هو باطل، فلا تكونن في ذلك من الممترين، والله أعلم.
جائز أن يقول : جعل الله ذلك الفعل ممن فعله باطلا، ولا يقال : الباطل من الله.
يحتمل ﴿ الحق من ربك ﴾ [ آل عمران : ٦٠ ] أي كل حق هو عن الله، جائز إضافته إليه على الوجوه التي تضاف إليه، والباطل من الوجه الذي هو باطل، فلا تكونن في ذلك من الممترين، والله أعلم.
جائز أن يقول : جعل الله ذلك الفعل ممن فعله باطلا، ولا يقال : الباطل من الله.
مَا يُوحَى إِلَيْكَ) إلى آخره: على الموعظة، لا على أنه يكون كذلك، أو على ما سبق ذكره، واللَّه أعلم.
ويحتمل: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)، أي: كل حق فهو عن اللَّه جائز إضافته إليه، على الوجوه التي تضاف إليه، الباطل من الوجه الذي هو باطل، (فَلَا تَكُنْ) في ذلك (مِنَ الْمُمْتَرِينَ)، واللَّه أعلم.
وجائز أن يقول: جعل اللَّه ذلك الفعل ممن فعله باطلًا، ولا يقال: الباطل من اللَّه، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
وقوله: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ):
يعني: كلمة الإخلاص والتوحيد، (سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)، أي: عدل، أي: تلك الكلمة عدل بيننا وبينكم؛ لأنهم كانوا يقرون أن خالق السماوات والأرض: اللَّه، بقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، وكذلك يقرون أن خالقهم اللَّه، بقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، لكن منهم من يعبد دون اللَّه أوثانًا، ويقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، ومنهم من يجعل له شركاء وأندادًا يشركهم في عبادته، فدعاهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى ألا يجعلوا عبادتهم لغير الذي أنعم عليهم؛ إذ العبادة لا تكون إلا لله الذي أقروا جميعًا أنه خالق السماوات والأرض، وأنه ربهم، وألا يصرفوا عبادتهم إلى غير الذي أنعم عليهم؛ إذ العبادة هي لشكر وجزاء ما أنعم عليهم.
(أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)؛ لأن العبادة لواحد أهون وأخف من العبادة لعدد، وأن صرف العبادة إلى من أنعم عليكم أولى من صرفها إلى الذي لم ينعم عليكم؛ إذ ذاك جور وظلم في العقل أن ينعم أحد على آخر، فيشكر غيره.
ويحتمل: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)، أي: كل حق فهو عن اللَّه جائز إضافته إليه، على الوجوه التي تضاف إليه، الباطل من الوجه الذي هو باطل، (فَلَا تَكُنْ) في ذلك (مِنَ الْمُمْتَرِينَ)، واللَّه أعلم.
وجائز أن يقول: جعل اللَّه ذلك الفعل ممن فعله باطلًا، ولا يقال: الباطل من اللَّه، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
وقوله: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ):
يعني: كلمة الإخلاص والتوحيد، (سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)، أي: عدل، أي: تلك الكلمة عدل بيننا وبينكم؛ لأنهم كانوا يقرون أن خالق السماوات والأرض: اللَّه، بقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، وكذلك يقرون أن خالقهم اللَّه، بقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، لكن منهم من يعبد دون اللَّه أوثانًا، ويقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، ومنهم من يجعل له شركاء وأندادًا يشركهم في عبادته، فدعاهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى ألا يجعلوا عبادتهم لغير الذي أنعم عليهم؛ إذ العبادة لا تكون إلا لله الذي أقروا جميعًا أنه خالق السماوات والأرض، وأنه ربهم، وألا يصرفوا عبادتهم إلى غير الذي أنعم عليهم؛ إذ العبادة هي لشكر وجزاء ما أنعم عليهم.
(أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)؛ لأن العبادة لواحد أهون وأخف من العبادة لعدد، وأن صرف العبادة إلى من أنعم عليكم أولى من صرفها إلى الذي لم ينعم عليكم؛ إذ ذاك جور وظلم في العقل أن ينعم أحد على آخر، فيشكر غيره.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: العدل في اللغة: وضع الشيء في موضعه، وفي إخلاص العبادة لله والتوحيد - ذلكَ وهذا معنى سواء. وجائز أن تكون كلمة يستوي فيها أنها عدل ما شهد لنا بهذا كل أنواع الحجج.
وقوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا):
يحتمل: تولوا عن طاعة اللَّه وتوحيده، وصرف العبادة إليه.
(فَقُولُوا).
كذا.
ويحتمل: فإن تولوا عن المباهلة والملاعنة - فقولوا (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أي: مخلصون العبادة له، صادقون الشكر على ما أنعم علينا، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: فإن تولوا عن قبول ما دعوتهم إليه من الاجتماع على الكلمة.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٦٦) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)
وقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ).
قيل: وذلك أن اليهود قالوا: إن إبراهيم كان على ديننا اليهودية، والنصارى ادعت أنه كان على دينهم ومذهبهم، ليس على دين الإسلام؛ فنزل قوله: (لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ) يعني: في دين إبراهيم.
وقوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا):
يحتمل: تولوا عن طاعة اللَّه وتوحيده، وصرف العبادة إليه.
(فَقُولُوا).
كذا.
ويحتمل: فإن تولوا عن المباهلة والملاعنة - فقولوا (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أي: مخلصون العبادة له، صادقون الشكر على ما أنعم علينا، واللَّه أعلم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: فإن تولوا عن قبول ما دعوتهم إليه من الاجتماع على الكلمة.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٦٦) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)
وقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ).
قيل: وذلك أن اليهود قالوا: إن إبراهيم كان على ديننا اليهودية، والنصارى ادعت أنه كان على دينهم ومذهبهم، ليس على دين الإسلام؛ فنزل قوله: (لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ) يعني: في دين إبراهيم.
(وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) يعني: من بعد إبراهيم، وهو يحتمل وجهين:
يحتمل: أن التوراة والإنجيل إنما نزلا من بعده، وأنتم لم تشهدوه - يعني: إبراهيم - حتى تعلموا أنه كان على دينكم، لم تقولون بالجهل أنه كان على دينكم؟!.
ويحتمل: (وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ)، أي: أن التوراة والإنجيل ما نزلا إلا من بعد موته، وكان فيهما أنه كان حنيفًا مسلمًا
(أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
وأنه كان حنيفًا مسلمًا؟! ثم أكذبهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فقال:
(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وفي هذه الآية دلالة أنهم علموا أنه كان مسلمًا، لكن ادعوا ما ادعوا متعنتين؛ حيث لم يقابلوا بكتابهم بالذي ادعوا من نعته، وبخلاف ما ادعى عليهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نعته.
وفيه دلالة الرسالة؛ إذ في دعواهم أنّ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يعرف نعته بهم، لما ادعوا هم غير الذي ادّعى؛ فثبت أنه عرف باللَّه، وذلك علم الغيب، واللَّه الموفق.
وقوله: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ (٦٦)
وهو ما ذكرنا، وفيه دلالة جواز المحاجة في الدِّين على العلم به، وإنما نهي هَؤُلَاءِ عن المحاجة فيما لا علم لهم؛ ألا ترى أن الرسل - عليهم السلام - حاجوا قومهم: حاج إبراهيم قومه في اللَّه، وذلك قوله: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) وموسى - عليه السلام - حاج قومه، وما من نبي إلا وقد حاج قومه في الدِّين؛ فذلك يبطل قول من يأبى المحاجة في الدِّين.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وأيد الحق أنه كذلك - عجزُ البشر عن إيراد مثله، وعجزهم عن المقابلة بما ادعوا أنهم عرفوه باللَّه.
وقوله: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا (٦٨)
يحتمل: أن التوراة والإنجيل إنما نزلا من بعده، وأنتم لم تشهدوه - يعني: إبراهيم - حتى تعلموا أنه كان على دينكم، لم تقولون بالجهل أنه كان على دينكم؟!.
ويحتمل: (وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ)، أي: أن التوراة والإنجيل ما نزلا إلا من بعد موته، وكان فيهما أنه كان حنيفًا مسلمًا
(أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
وأنه كان حنيفًا مسلمًا؟! ثم أكذبهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فقال:
(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وفي هذه الآية دلالة أنهم علموا أنه كان مسلمًا، لكن ادعوا ما ادعوا متعنتين؛ حيث لم يقابلوا بكتابهم بالذي ادعوا من نعته، وبخلاف ما ادعى عليهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نعته.
وفيه دلالة الرسالة؛ إذ في دعواهم أنّ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يعرف نعته بهم، لما ادعوا هم غير الذي ادّعى؛ فثبت أنه عرف باللَّه، وذلك علم الغيب، واللَّه الموفق.
وقوله: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ (٦٦)
وهو ما ذكرنا، وفيه دلالة جواز المحاجة في الدِّين على العلم به، وإنما نهي هَؤُلَاءِ عن المحاجة فيما لا علم لهم؛ ألا ترى أن الرسل - عليهم السلام - حاجوا قومهم: حاج إبراهيم قومه في اللَّه، وذلك قوله: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) وموسى - عليه السلام - حاج قومه، وما من نبي إلا وقد حاج قومه في الدِّين؛ فذلك يبطل قول من يأبى المحاجة في الدِّين.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: وأيد الحق أنه كذلك - عجزُ البشر عن إيراد مثله، وعجزهم عن المقابلة بما ادعوا أنهم عرفوه باللَّه.
وقوله: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا (٦٨)
395
وهكذا يكون في العقل أن من اتبع آخر وأطاعه؛ فهو أولى به، وإنما الحاجة إلى السمع بمعرفة المتبع له والمطيع أنه ذا أو ذا؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الذين آمنوا والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هم المتبعون له؛ فهم أولى به.
وقوله: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
اختلف فيه؛ قيل: الولي: الحافظ.
وقيل: الولي: الناصر.
وقِيل: هو أولى بالمؤمنين، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقد يكون وليهم: بما دفع عنهم سفه أعدائهم في إبراهيم، وأظهر الحق في قولهم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: في قوله - تعالى -: (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...) الآية، وفي قوله: (لِمَ تُحَاجُّونَ..)، وفي قوله: (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ...) الآية، ونوع ذلك من الآيات التي خص بالخطاب بها أهل الكتاب - وجوهٌ من المعتبر.
أحدها: أن الذين خوطبوا بهذا الاسم كانوا معروفين، وأنه لم يخطر ببال مسلم أنه قصد به غير أهل التوراة والإنجيل، ولا ذكرت تلاوتها في حق المحاجة على غيرهم، ثبت أن المجوس ليسوا بأهل الكتاب، وأن المراد من ذكر أهل الكتاب غيرهم، وأن أخذ الجزية من المجوس ليس مما تضمنهم قوله: (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)؛ لكن بدليل آخر، وهو ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال " " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَاب، غَيرَ نَاكِحِي نِسائِهِم، وَلا آكِلي ذَبَائِحِهِمْ "؛ وعلى ذلك أيَّد قوله: (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا)؛ ليعلم أن الكتاب المعروف وأهله: هَؤُلَاءِ، إن كانت ثَمَّ كتب وصحف، واللَّه أعلم.
والثاني: أن اللَّه خص أهل الكتاب بأنواع الحجج، وجعل المحاجة بينهم وبين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ ليوضح أنه -وإن كان مرسلا إلى جميع البشر- كان له التخصيص في المحاجة؛ وعلى ذلك عامة " سورة الأنعام " في محاجة أهل الشرك، على أن أهل المدينة كانوا أهل كتاب، وأهل مكة كانوا أهل شرك، فحاجَّ كلًّا بالذي هو أحق أن يكلم فيه، وإن كانت
وقوله: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
اختلف فيه؛ قيل: الولي: الحافظ.
وقيل: الولي: الناصر.
وقِيل: هو أولى بالمؤمنين، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقد يكون وليهم: بما دفع عنهم سفه أعدائهم في إبراهيم، وأظهر الحق في قولهم.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: في قوله - تعالى -: (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...) الآية، وفي قوله: (لِمَ تُحَاجُّونَ..)، وفي قوله: (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ...) الآية، ونوع ذلك من الآيات التي خص بالخطاب بها أهل الكتاب - وجوهٌ من المعتبر.
أحدها: أن الذين خوطبوا بهذا الاسم كانوا معروفين، وأنه لم يخطر ببال مسلم أنه قصد به غير أهل التوراة والإنجيل، ولا ذكرت تلاوتها في حق المحاجة على غيرهم، ثبت أن المجوس ليسوا بأهل الكتاب، وأن المراد من ذكر أهل الكتاب غيرهم، وأن أخذ الجزية من المجوس ليس مما تضمنهم قوله: (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)؛ لكن بدليل آخر، وهو ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال " " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَاب، غَيرَ نَاكِحِي نِسائِهِم، وَلا آكِلي ذَبَائِحِهِمْ "؛ وعلى ذلك أيَّد قوله: (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا)؛ ليعلم أن الكتاب المعروف وأهله: هَؤُلَاءِ، إن كانت ثَمَّ كتب وصحف، واللَّه أعلم.
والثاني: أن اللَّه خص أهل الكتاب بأنواع الحجج، وجعل المحاجة بينهم وبين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ ليوضح أنه -وإن كان مرسلا إلى جميع البشر- كان له التخصيص في المحاجة؛ وعلى ذلك عامة " سورة الأنعام " في محاجة أهل الشرك، على أن أهل المدينة كانوا أهل كتاب، وأهل مكة كانوا أهل شرك، فحاجَّ كلًّا بالذي هو أحق أن يكلم فيه، وإن كانت
396
الحجة تلزم الفريقين؛ لأن محاجة أهل الشرك أكثرها في التوحيد وأمرِ البعث، وعلى وجوده فيه: في أهل الكتاب بعض المشاركة لهم، ومحاجة أهل الكتاب بما في كتبهم، وفيه وجهان:
أحدهما: العلم بما قد غاب عنه السبب الذي يوصل إليه بالكسب؛ ليعلم أنه وصل إليه بالوحي؛ فيكون من ذلك الوجه حجة على الفريقين.
والثاني: ظهور سفه أهل الكتاب بوجه يُسقِطُ عند التأمل الريبةَ والمحلَّ الذي كان يمنعهم ذلك عن اتباعه، وذلك فيما مدح كتبهم، وشهد لها بالصدق والحق، وإظهار الإيمان برسلهم؛ ليعلم أنه ليس بين الرسل والكتب اختلاف في الدعاء إلى عبادة الله وتوحيده، وأن أُولَئِكَ إنما كذبوا؛ لتسلم لهم الرياسة، ثم -مع ذلك- ظاهروا أهل الشرك المكذبين لكتبهم ورسلهم؛ ليعلم كلُّ ذي عقل شبههم وتمردهم في الباطل؛ إذ ظاهروا أعداءهم في الدِّين على مَنْ الذي أظهروا موالاته في الدِّين ولى له؛ فيكون في ذلك أبلغ الزجر لمتعنتيهم، وأعظم الحجة عليهم فيما آثروا من السفه وتركوا الحق، والله أعلم.
وفي ذلك وجه آخر: أن أهل الشرك قد عرفوا حاجاتهم إلى أهل الكتاب في أمور الدِّين، وما عليه أمر السياسة؛ فيصير ما يلزم أُولَئِكَ من الحجة لازمةً لهم في محاجته بالذي في كتبهم - لزومَ الحجة، مع ما عليهم في ذلك بما قد (أقسموا باللَّه جهد أيمانهم) الآية، أبلغ الحجة في محاجة أهل الكتاب؛ إذ تمنوا أن يكون منهم نذير فكان، وقد بلغ المبلغ الذي له ظهر بما خصوا من الحجج، وشاركوا أُولَئِكَ في جميع ما به كان افتخارهم عليهم ودعوى الفضل، واللَّه أعلم، مع ما لم يكن له اللسان الذي به ظهر كتبهم، أخبر هو جميع ما في كتبهم بغير لسانهم؛ ليعلموا أنه أدرك ذلك ممن له حقيقة كتبهم، واللَّه أعلم.
وفي ذلك وجه آخر: أنه حاجهم بوجهين:
أحدهما: بالموجود في كتابهم، والمعروفِ عند أئمتهم من العلم بالكلمَة التي دعاهم إليها من التوحيد وعبادة من له الخلق والأمر، وإخبارِ ما في كتبهم من أنواع البشارات به، ومن موافقة الكتب، وعلى ذلك أمر إبراهيم - عليه السلام - وغيرهم؛ ليكون أعظم
أحدهما: العلم بما قد غاب عنه السبب الذي يوصل إليه بالكسب؛ ليعلم أنه وصل إليه بالوحي؛ فيكون من ذلك الوجه حجة على الفريقين.
والثاني: ظهور سفه أهل الكتاب بوجه يُسقِطُ عند التأمل الريبةَ والمحلَّ الذي كان يمنعهم ذلك عن اتباعه، وذلك فيما مدح كتبهم، وشهد لها بالصدق والحق، وإظهار الإيمان برسلهم؛ ليعلم أنه ليس بين الرسل والكتب اختلاف في الدعاء إلى عبادة الله وتوحيده، وأن أُولَئِكَ إنما كذبوا؛ لتسلم لهم الرياسة، ثم -مع ذلك- ظاهروا أهل الشرك المكذبين لكتبهم ورسلهم؛ ليعلم كلُّ ذي عقل شبههم وتمردهم في الباطل؛ إذ ظاهروا أعداءهم في الدِّين على مَنْ الذي أظهروا موالاته في الدِّين ولى له؛ فيكون في ذلك أبلغ الزجر لمتعنتيهم، وأعظم الحجة عليهم فيما آثروا من السفه وتركوا الحق، والله أعلم.
وفي ذلك وجه آخر: أن أهل الشرك قد عرفوا حاجاتهم إلى أهل الكتاب في أمور الدِّين، وما عليه أمر السياسة؛ فيصير ما يلزم أُولَئِكَ من الحجة لازمةً لهم في محاجته بالذي في كتبهم - لزومَ الحجة، مع ما عليهم في ذلك بما قد (أقسموا باللَّه جهد أيمانهم) الآية، أبلغ الحجة في محاجة أهل الكتاب؛ إذ تمنوا أن يكون منهم نذير فكان، وقد بلغ المبلغ الذي له ظهر بما خصوا من الحجج، وشاركوا أُولَئِكَ في جميع ما به كان افتخارهم عليهم ودعوى الفضل، واللَّه أعلم، مع ما لم يكن له اللسان الذي به ظهر كتبهم، أخبر هو جميع ما في كتبهم بغير لسانهم؛ ليعلموا أنه أدرك ذلك ممن له حقيقة كتبهم، واللَّه أعلم.
وفي ذلك وجه آخر: أنه حاجهم بوجهين:
أحدهما: بالموجود في كتابهم، والمعروفِ عند أئمتهم من العلم بالكلمَة التي دعاهم إليها من التوحيد وعبادة من له الخلق والأمر، وإخبارِ ما في كتبهم من أنواع البشارات به، ومن موافقة الكتب، وعلى ذلك أمر إبراهيم - عليه السلام - وغيرهم؛ ليكون أعظم
397
في الحجة، وأقطع للشغب، واللَّه أعلم.
والثاني: بما قد حرفوا من كتبهم، وبدلوا من أحكامهم، وحرفوا من صفته ونعته ونعت أُمَّته؛ ليعلم كلُّ متأمل أنه لا وجه لتعلم ذلك بهم؛ إذ لا يحتمل أن يكون منهم هتك أستارهم، والاطلاع على أسرارهم بما لا يتهيأ لهم دفع دلك، ولا المقابلة في ذلك؛ ليعلم كل الخلائق: من انقاد لهم أو لا، أن ذلك لا يدركه إلا بمن له العلم بكل سرٍّ ونجوى، ولا قوة إلا باللَّه.
مع ما في ذلك وجهان من المعتبر:
أحدهما: أن ذلك الزمان لم يكن زمان حِجاجٍ ونظرٍ في أمر الدِّين؛ إنما كان ذلك الزمانُ زمانَ تقليدٍ في أمر الدِّين، وتناهٍ في أمر الدنيا، وتفاخرٍ بكثرة الأموال والمواشي؛ فبعث اللَّه - تعالى - رسولًا نشأ من بين أظهرهم، دعاهم إلى ترك التقليد في الدِّين، واتباع الحجج التي لا يبلغها أهل الحجاج بعقولهم دون أن يكون لهم المعونة من علم الوحي، وما فيه من حكمة الربوبية؛ فكيف والقوم أصحاب التقليد؟! إمّا ثقة بأئِمتهم الذين ادعوا علم الكتب المنزلة، وإما ثقة وإيمانًا بآبائهم فيما نشئوا عليه: أن الحق لا يشذ
والثاني: بما قد حرفوا من كتبهم، وبدلوا من أحكامهم، وحرفوا من صفته ونعته ونعت أُمَّته؛ ليعلم كلُّ متأمل أنه لا وجه لتعلم ذلك بهم؛ إذ لا يحتمل أن يكون منهم هتك أستارهم، والاطلاع على أسرارهم بما لا يتهيأ لهم دفع دلك، ولا المقابلة في ذلك؛ ليعلم كل الخلائق: من انقاد لهم أو لا، أن ذلك لا يدركه إلا بمن له العلم بكل سرٍّ ونجوى، ولا قوة إلا باللَّه.
مع ما في ذلك وجهان من المعتبر:
أحدهما: أن ذلك الزمان لم يكن زمان حِجاجٍ ونظرٍ في أمر الدِّين؛ إنما كان ذلك الزمانُ زمانَ تقليدٍ في أمر الدِّين، وتناهٍ في أمر الدنيا، وتفاخرٍ بكثرة الأموال والمواشي؛ فبعث اللَّه - تعالى - رسولًا نشأ من بين أظهرهم، دعاهم إلى ترك التقليد في الدِّين، واتباع الحجج التي لا يبلغها أهل الحجاج بعقولهم دون أن يكون لهم المعونة من علم الوحي، وما فيه من حكمة الربوبية؛ فكيف والقوم أصحاب التقليد؟! إمّا ثقة بأئِمتهم الذين ادعوا علم الكتب المنزلة، وإما ثقة وإيمانًا بآبائهم فيما نشئوا عليه: أن الحق لا يشذ
398
عنهم، على ما في ذلك من الاختلاف الذي يمنعهم الأمرين جميعًا، لكنهم إذا لم يكونوا أهل نظر في الدّين ومحاجةٍ فيه، لم يعرفوا أن ذلك يمنعهم التقليد؛ فأظهر لهم الحجج، وأنبأهم بالمودع من حجاج أنبيائهم في كتبهم، وألزمهم أن في آبائهم من يلزم التقليد، كانوا أحق بذلك بما كان عندهم أن آباءهم كانوا على دينهم بما بيَّن من تغييرهم وتبديلهم، وتركِ الواجب عليهم من حق الاتباع، واللَّه أعلم.
والثاني: أن أظهر فيهم الاختلاف في �
والثاني: أن أظهر فيهم الاختلاف في �