تفسير سورة سورة يس من كتاب روح المعاني
المعروف بـتفسير الألوسي
.
لمؤلفه
الألوسي
.
المتوفي سنة 1342 هـ
سورة يس
( صح من حديث الإمام أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه والطبراني وغيرهم عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يس ) قلب القرآن وعد ذلك أحد أسمائها وبين حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة وجه إطلاق ذلك عليها بأن المدار على الإيمان وصحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرر فيها على أبلغ وجه وأحسنه ولذا شبهت بالقلب الذي به صحة البدن وقوامه وأستحسنه الإمام الرازي وأورد على ظاهره أن كل ما يجب الإيمان به لا يصح الإيمان بدونه فلا وجه لاختصاص الحشر والنشر بذلك وأجيب بأن المراد بالصحة في كلام الحجة ما يقابل السقم والمرض ولا شك أن من صح إيمانه بالحشر يخاف من النار ويرغب في الجنة دار الأبرار فيرتدع عن المعاصي التي هي كأسقام الإيمان إذ بها يختل ويضعف ويشتغل بالطاعات التي هي كحفظ الصحة ومن لم يقو إيمانه به كان حاله على العكس فشابه الاعتراف به بالقلب الذي بصلاحه يصلح البدن وبفساده يفسد وجوز أن يقال وجه الشبه بالقلب أن به صلاح البدن وفساده وهو غير مشاهد في الحس وهو محل لانكشاف الحقائق والأمور الخفية وكذا الحشر من المغيبات وفيه يكون انكشاف الأمور والوقوف على حقائق المقدور وبملاحظته وإصلاح أسبابه تكون السعادة الأبدية وبالإعراض عنه وإفساد أسبابه يبتلي بالشقاوة السرمدية وفي الكشف لعل الإشارة النبوة في تسمية هذه السورة قلبا وقلب كل شيء عليه وأصله الذي ما سواه إما من مقدماته وإما من متمماته إلى ما أسلفناه في تسمية الفاتحة بأم القرآن من أن مقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب إرشاد العباد إلى غايتهم الكمالية في المعاد وذلك بالتحقق والتخلق المذكورين هنالك وهو المعبر عنه بسلوك الصراط المستقيم ومدار هذه السورة الكريمة على بيان ذلك أتم بيان ويعلم منه وجه اختصاص الحشر بما ذكر في كلام الحجة فلا وجه لقول البعض في الاعتراض عليه فلا وجه إلخ وسيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكلام في تفسير السورة الإشارة إلى ما اشتملت عليه من أمهات علم الأصول والمسائل المعتبرة بين الفحول وتقريرها إياها بأبلغ وجه وأتمه ولعل هذا هو السر في الأمر الوارد في صحيح الأخبار بقراءتها على الموتى أي المحتضرين وتسمى أيضا العظيمة عند الله تعالى أخرج أبو نصر السجزي في الإبانة وحسنه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في القرآن لسورة تدعى العظيمة عند الله تعالى ويدعى صاحبها الشريف عند الله تعالى يشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة ( يس ) وذكر أنها تسمى أيضا المعمة والمدافعة القاضية أخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن حسان بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سورة يس تدعى في التوراة المعمة تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة وتكابد عنه بلوى الدنيا والآخرة وتدفع عنه أهاويل الدنيا والآخرة وتدعى المدافعة القاضية تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة الخبر وتعقبه البيهقي فقال : تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني عن سليمان بن دفاع وهو منكر وهي على ما أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس مكية وأستثنى منها بعضهم قوله تعالى : إنا نحن نحيي الموتى الآية مدعيا أنها نزلت بالمدينة لما أراد بنو سمة النقلة إلى قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا في ناحية المدينة فقال عليه الصلاة والسلام إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا وسيأتي إن شاء الله تعالى ما قيل في ذلك وقوله سبحانه وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله الآية لأنها نزلت في المنافقين فتكون مدنية وتعقب بأنه لا صحة له وأيها ثلاث وثمانون آية في الكوفي وإثنتان وثمانون في غيره وجاء مما يشهد بفضلها وعلو شأنها عدة أخبار وآثار وقد مر آنفا بعض ذلك وصح من حديث معقل بن يسار لا يقرؤها عبد يريد الله تعالى والدار الآخرة إلا غفر له ما تقدم من ذنبه وأخرج الترمذي والدارمي من حديث أنس من قرأ يس كتب الله تعالى له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات ولا يلزم من هذا تفضيل الشيء على نفسه إذ المراد بقراءة القرآن قراءته دون يس وقال الخفاجي : لا يلزم ذلك إذ يكفي في صحة التفضيل المذكور التغاير الإعتباري فإن يس من حيث تلاوتها فردة غير كونها مقروءة في جملته كما إذا قلت : الحسناء في الحلة الحمراء أحسن منها في البيضاء وقد يكون للشيء مفردا ما ليس له مجموعا مع غيره كما يشاهد في بعض الأدوية ورجا أن يكون أقرب مما قدمنا وأنا لا أرجو ذلك والظاهر أنه يكتب له الثواب المذكور مضاعفا أي كل حرف بعشرة حسنات ولا بدع في تفضيل العمل القليل على الكثير فلله تعالى أن يمن بما شاء على من شاء ألا ترى ما صح أن هذه الأمة أقصر الأمم أعمارا وأكثرها ثوابا وإنكار الخصوصيات مكابرة ولله تعالى در من قال : فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال وذكر بعضهم أن من قرأها أعطى من الأجر كمن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي قلابة وهو من كبار التابعين أن من قرأها فكأنما قرأ القرآن إحدى عشرة مرة وعن أبي سعيد أنه قال من قرأ يس مرة فكأنما قرأ القرآن مرتين وحديث العشر مرفوع عن ابن عباس ومعقل بن يسار وعقبة بن عامر وأبي هريرة وأنس رضي الله تعالى عنهم فعليه المعول ووجه إتصالها بما قبلها على ما قاله الجلال السيوطي أنه لما ذكر في سورة فاطر قوله سبحانه ( وجاءكم النذير ) وقوله تعالى ( وأقسموا بالله جهد أيمانكم لئن جاءهم نذير ) إلى قوله سبحانه ( فلما جاءهم نذير ) وأريد به محمد صلى الله عليه وسلم وقد أعرضوا عنه وكذبوه أفتتح هذه السورة بالإقسام على صحة رسالته عليه الصلاة والسلام وأنه على صراط مستقيم لينذر قوما ما أنذر آباؤهم وقال سبحانه في فاطر ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل ) وفي هذه السورة ( والشمس تجري لمستقر لها والقمر قدرناه منازل ) إلى غير ذلك ولا يخفى أن أمر المناسبة يتم على تفسير النذير بغيره صلى الله عليه وسلم أيضا فتأمل.
( صح من حديث الإمام أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه والطبراني وغيرهم عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يس ) قلب القرآن وعد ذلك أحد أسمائها وبين حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة وجه إطلاق ذلك عليها بأن المدار على الإيمان وصحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرر فيها على أبلغ وجه وأحسنه ولذا شبهت بالقلب الذي به صحة البدن وقوامه وأستحسنه الإمام الرازي وأورد على ظاهره أن كل ما يجب الإيمان به لا يصح الإيمان بدونه فلا وجه لاختصاص الحشر والنشر بذلك وأجيب بأن المراد بالصحة في كلام الحجة ما يقابل السقم والمرض ولا شك أن من صح إيمانه بالحشر يخاف من النار ويرغب في الجنة دار الأبرار فيرتدع عن المعاصي التي هي كأسقام الإيمان إذ بها يختل ويضعف ويشتغل بالطاعات التي هي كحفظ الصحة ومن لم يقو إيمانه به كان حاله على العكس فشابه الاعتراف به بالقلب الذي بصلاحه يصلح البدن وبفساده يفسد وجوز أن يقال وجه الشبه بالقلب أن به صلاح البدن وفساده وهو غير مشاهد في الحس وهو محل لانكشاف الحقائق والأمور الخفية وكذا الحشر من المغيبات وفيه يكون انكشاف الأمور والوقوف على حقائق المقدور وبملاحظته وإصلاح أسبابه تكون السعادة الأبدية وبالإعراض عنه وإفساد أسبابه يبتلي بالشقاوة السرمدية وفي الكشف لعل الإشارة النبوة في تسمية هذه السورة قلبا وقلب كل شيء عليه وأصله الذي ما سواه إما من مقدماته وإما من متمماته إلى ما أسلفناه في تسمية الفاتحة بأم القرآن من أن مقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب إرشاد العباد إلى غايتهم الكمالية في المعاد وذلك بالتحقق والتخلق المذكورين هنالك وهو المعبر عنه بسلوك الصراط المستقيم ومدار هذه السورة الكريمة على بيان ذلك أتم بيان ويعلم منه وجه اختصاص الحشر بما ذكر في كلام الحجة فلا وجه لقول البعض في الاعتراض عليه فلا وجه إلخ وسيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكلام في تفسير السورة الإشارة إلى ما اشتملت عليه من أمهات علم الأصول والمسائل المعتبرة بين الفحول وتقريرها إياها بأبلغ وجه وأتمه ولعل هذا هو السر في الأمر الوارد في صحيح الأخبار بقراءتها على الموتى أي المحتضرين وتسمى أيضا العظيمة عند الله تعالى أخرج أبو نصر السجزي في الإبانة وحسنه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في القرآن لسورة تدعى العظيمة عند الله تعالى ويدعى صاحبها الشريف عند الله تعالى يشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة ( يس ) وذكر أنها تسمى أيضا المعمة والمدافعة القاضية أخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن حسان بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سورة يس تدعى في التوراة المعمة تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة وتكابد عنه بلوى الدنيا والآخرة وتدفع عنه أهاويل الدنيا والآخرة وتدعى المدافعة القاضية تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة الخبر وتعقبه البيهقي فقال : تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني عن سليمان بن دفاع وهو منكر وهي على ما أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس مكية وأستثنى منها بعضهم قوله تعالى : إنا نحن نحيي الموتى الآية مدعيا أنها نزلت بالمدينة لما أراد بنو سمة النقلة إلى قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا في ناحية المدينة فقال عليه الصلاة والسلام إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا وسيأتي إن شاء الله تعالى ما قيل في ذلك وقوله سبحانه وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله الآية لأنها نزلت في المنافقين فتكون مدنية وتعقب بأنه لا صحة له وأيها ثلاث وثمانون آية في الكوفي وإثنتان وثمانون في غيره وجاء مما يشهد بفضلها وعلو شأنها عدة أخبار وآثار وقد مر آنفا بعض ذلك وصح من حديث معقل بن يسار لا يقرؤها عبد يريد الله تعالى والدار الآخرة إلا غفر له ما تقدم من ذنبه وأخرج الترمذي والدارمي من حديث أنس من قرأ يس كتب الله تعالى له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات ولا يلزم من هذا تفضيل الشيء على نفسه إذ المراد بقراءة القرآن قراءته دون يس وقال الخفاجي : لا يلزم ذلك إذ يكفي في صحة التفضيل المذكور التغاير الإعتباري فإن يس من حيث تلاوتها فردة غير كونها مقروءة في جملته كما إذا قلت : الحسناء في الحلة الحمراء أحسن منها في البيضاء وقد يكون للشيء مفردا ما ليس له مجموعا مع غيره كما يشاهد في بعض الأدوية ورجا أن يكون أقرب مما قدمنا وأنا لا أرجو ذلك والظاهر أنه يكتب له الثواب المذكور مضاعفا أي كل حرف بعشرة حسنات ولا بدع في تفضيل العمل القليل على الكثير فلله تعالى أن يمن بما شاء على من شاء ألا ترى ما صح أن هذه الأمة أقصر الأمم أعمارا وأكثرها ثوابا وإنكار الخصوصيات مكابرة ولله تعالى در من قال : فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال وذكر بعضهم أن من قرأها أعطى من الأجر كمن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي قلابة وهو من كبار التابعين أن من قرأها فكأنما قرأ القرآن إحدى عشرة مرة وعن أبي سعيد أنه قال من قرأ يس مرة فكأنما قرأ القرآن مرتين وحديث العشر مرفوع عن ابن عباس ومعقل بن يسار وعقبة بن عامر وأبي هريرة وأنس رضي الله تعالى عنهم فعليه المعول ووجه إتصالها بما قبلها على ما قاله الجلال السيوطي أنه لما ذكر في سورة فاطر قوله سبحانه ( وجاءكم النذير ) وقوله تعالى ( وأقسموا بالله جهد أيمانكم لئن جاءهم نذير ) إلى قوله سبحانه ( فلما جاءهم نذير ) وأريد به محمد صلى الله عليه وسلم وقد أعرضوا عنه وكذبوه أفتتح هذه السورة بالإقسام على صحة رسالته عليه الصلاة والسلام وأنه على صراط مستقيم لينذر قوما ما أنذر آباؤهم وقال سبحانه في فاطر ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل ) وفي هذه السورة ( والشمس تجري لمستقر لها والقمر قدرناه منازل ) إلى غير ذلك ولا يخفى أن أمر المناسبة يتم على تفسير النذير بغيره صلى الله عليه وسلم أيضا فتأمل.
ﰡ
ﭬ
ﰀ
ﭮﭯ
ﰁ
ﭱﭲﭳ
ﰂ
ﭵﭶﭷ
ﰃ
ﭹﭺﭻ
ﰄ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﰅ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰆ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ
ﰇ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﰈ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ
ﰉ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ
ﰊ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﰋ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ
ﰌ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﰍ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﰎ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰏ
ﭽﭾﭿﮀﮁ
ﰐ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﰑ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﰒ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ
ﰓ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﰔ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ
ﰕ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﰖ
ﯪﯫﯬﯭﯮ
ﰗ
ﯰﯱﯲﯳ
ﰘ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﰙ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﰚ
سورة يس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يس الكلام فيه كالكلام في الم ونحوه من الحروف المقطعة في أوائل السور إعرابا ومعنى عند كثير. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس أنه قال: يس يا إنسان. وفي رواية أخرى عنه زيادة بالحبشية وفي أخرى عنه أيضا في لغة طيّ.
قال الزمخشري: إن صح هذا فوجهه أن يكون أصله يا أنيسين فكثر النداء به على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره كما في القسم م الله في أيمن الله. وتعقبه أبو حيان بأن المنقول عن العرب في تصغير إنسان أنيسيان بياء قبل الألف وهو دليل على أن الإنسان من النسيان وأصله أنسيان فلما صغر رده التصغير إلى أصله ولا نعلمهم قالوا في تصغيره أنيسين، وعلى تقدير أنه بقية أنيسين فلا يجوز ذلك إلا أن يبنى على الضم ولا يبقى موقوفا لأنه منادى مقبل عليه ومع ذلك لا يجوز التصغير في أسماء الأنبياء عليهم السّلام كما لا يجوز في أسماء الله عزّ وجلّ، وما ذكره في- م- من أنه شطر أيمن قول، ومن النحويين من يقول- م- حرف قسم وليس شطر أيمن انتهى.
قال الخفاجي: لزوم البناء على الضم مما لا كلام فيه فلعل من فسره بذلك يقرؤه بالضم على الأوجه فيه، وأما
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يس الكلام فيه كالكلام في الم ونحوه من الحروف المقطعة في أوائل السور إعرابا ومعنى عند كثير. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس أنه قال: يس يا إنسان. وفي رواية أخرى عنه زيادة بالحبشية وفي أخرى عنه أيضا في لغة طيّ.
قال الزمخشري: إن صح هذا فوجهه أن يكون أصله يا أنيسين فكثر النداء به على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره كما في القسم م الله في أيمن الله. وتعقبه أبو حيان بأن المنقول عن العرب في تصغير إنسان أنيسيان بياء قبل الألف وهو دليل على أن الإنسان من النسيان وأصله أنسيان فلما صغر رده التصغير إلى أصله ولا نعلمهم قالوا في تصغيره أنيسين، وعلى تقدير أنه بقية أنيسين فلا يجوز ذلك إلا أن يبنى على الضم ولا يبقى موقوفا لأنه منادى مقبل عليه ومع ذلك لا يجوز التصغير في أسماء الأنبياء عليهم السّلام كما لا يجوز في أسماء الله عزّ وجلّ، وما ذكره في- م- من أنه شطر أيمن قول، ومن النحويين من يقول- م- حرف قسم وليس شطر أيمن انتهى.
قال الخفاجي: لزوم البناء على الضم مما لا كلام فيه فلعل من فسره بذلك يقرؤه بالضم على الأوجه فيه، وأما
383
الاعتراضان الآخران فلا ورود لهما أصلا، فأما الأول فلأن من يقول أنيسيان على خلاف القياس وهو الأصح لا يلزمه فيما غير منه أن يقدره كذلك وهو لم يلفظ به حتى يقال له: إنك نطقت بما لم تنطق به العرب بل هو أمر تقديري، فإذا قال: المقدر مفروض عندي على القياس هل يتوجه عليه السؤال، وأما الأخير فلأن التصغير في نحو ذلك إنما يمتنع منا وأما من الله تعالى فله سبحانه أن يطلق على نفسه عزّ وجلّ وعظماء خلقه ما أراد ويحمل حينئذ على ما يليق كالتعظيم والتحبيب ونحوه من معاني التصغير كما قال ابن الفارض:
والذي قاله أبو حيان في توجيه ذلك أنهم يقولون إيسان بمعنى إنسان ويجمعون على أياسين فهذا منه ولا يخفى أنه يحتاج إلى إثبات وبعده لا يخفى ما في التخريج عليه، وقالت فرقة: يا حرف نداء والسين مقامة مقام إنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه، ونظيره ما
جاء في الحديث «كفى بالسيف شا»
أي شاهدا، وأيد بما ذهب إليه ابن عباس في حم عسق ونحوه من أنها حروف من جملة أسماء له تعالى وهي رحيم وعليم وسميع وقدير ونحو ذلك. وظاهر كلام بعضهم كابن جبير أن يس بمجموعه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام وهو ظاهر قول السيد الحميري:
ولتسميته صلّى الله عليه وسلم بهذين الحرفين الجليلين سر جليل عند الواقفين على أسرار الحروف، وقد تكلمت ولله تعالى الحمد فيما تعلق بهذه الكلمة الشريفة ثلاثة أيام أشرع كل يوم منها بعد العصر وأختم قبيل المغرب وذلك في مجلس وعظي في المسجد الجامع الداودي واليوم لا أستطيع أن أذكر من ذاك بنت شفة بل لا أتذكر منه إلا رسما هب عليه عاصف الزمان الغشوم فنسفه فحسبي الله عمن سواه فلا رب غيره ولا يرجى إلا خيره.
وقرىء بفتح الياء وإمالتها محضا وبين بين.
وقرأ جمع بسكون النون مدغمة في الواو، وآخرون بسكونها مظهرة والقراءتان سبعيتان، وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بفتح النون، قال أبو حاتم قياس قول قتادة إنه قسم أن يكون على حد- الله لأفعان- بالنصب. ويجوز أن يكون مجرورا بإضمار باء القسم وهو ممنوع من الصرف. وقال الزجاج: النصب على تقدير أتل يس وهذا على قول سيبويه أنه اسم للسورة، وقيل هو مبني والتحريك للجد في الهرب من التقاء الساكنين والفتح للخفة كما في أين، وسبب البناء غير خفي عليك إذا أحطت خبرا بما قرروا في «الم» أول سورة البقرة. ولا تغفل عما قالوا في النصب بإضمار فعل القسم من أنه لا يسوغ لما فيه من جمع قسمين على مقسم عليه واحد وهو مستكره، ولا سبيل إلى جعل الواو بعد للعطف لا للقسم لمكان الاختلاف إعرابا.
وقرأ الكلبي بضم النون وخرج على أنه منادى مقصود بناء على أنه بمعنى إنسان أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، ويقدر هذه إذا كان اسما للسورة وهذا إن كان اسما للقرآن وهو يطلق على البعض كما يطلق على الكل، وجعله مبتدأ محذوف الخبر وهو قسم أي يس قسمي نحو أمانة الله لأفعلن بالرفع لا يخفى حاله، وقيل الضمة فيه ضمة بناء كما في حيث.
وقرأ أبو السمال وابن أبي إسحاق أيضا بكسرها، وخرج على أنه للجد في الهرب عن الساكنين بما هو الأصلي فتأمل وتذكر وَالْقُرْآنِ ابتداء قسم، وجوز أن يكون عطفا على يس على تقدير كونه مجرورا بإضمار باء القسم لا أنه قسم بعد قسم لما سمعت من كلامهم الْحَكِيمِ أي ذي حكمة على أنه صيغة نسبة كلابن وتامر أي متضمن
ما قلت حبيبي من التحقير | بل يعذب اسم الشيء بالتصغير |
جاء في الحديث «كفى بالسيف شا»
أي شاهدا، وأيد بما ذهب إليه ابن عباس في حم عسق ونحوه من أنها حروف من جملة أسماء له تعالى وهي رحيم وعليم وسميع وقدير ونحو ذلك. وظاهر كلام بعضهم كابن جبير أن يس بمجموعه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام وهو ظاهر قول السيد الحميري:
يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة | على المودة إلا آل ياسينا |
وقرىء بفتح الياء وإمالتها محضا وبين بين.
وقرأ جمع بسكون النون مدغمة في الواو، وآخرون بسكونها مظهرة والقراءتان سبعيتان، وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بفتح النون، قال أبو حاتم قياس قول قتادة إنه قسم أن يكون على حد- الله لأفعان- بالنصب. ويجوز أن يكون مجرورا بإضمار باء القسم وهو ممنوع من الصرف. وقال الزجاج: النصب على تقدير أتل يس وهذا على قول سيبويه أنه اسم للسورة، وقيل هو مبني والتحريك للجد في الهرب من التقاء الساكنين والفتح للخفة كما في أين، وسبب البناء غير خفي عليك إذا أحطت خبرا بما قرروا في «الم» أول سورة البقرة. ولا تغفل عما قالوا في النصب بإضمار فعل القسم من أنه لا يسوغ لما فيه من جمع قسمين على مقسم عليه واحد وهو مستكره، ولا سبيل إلى جعل الواو بعد للعطف لا للقسم لمكان الاختلاف إعرابا.
وقرأ الكلبي بضم النون وخرج على أنه منادى مقصود بناء على أنه بمعنى إنسان أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، ويقدر هذه إذا كان اسما للسورة وهذا إن كان اسما للقرآن وهو يطلق على البعض كما يطلق على الكل، وجعله مبتدأ محذوف الخبر وهو قسم أي يس قسمي نحو أمانة الله لأفعلن بالرفع لا يخفى حاله، وقيل الضمة فيه ضمة بناء كما في حيث.
وقرأ أبو السمال وابن أبي إسحاق أيضا بكسرها، وخرج على أنه للجد في الهرب عن الساكنين بما هو الأصلي فتأمل وتذكر وَالْقُرْآنِ ابتداء قسم، وجوز أن يكون عطفا على يس على تقدير كونه مجرورا بإضمار باء القسم لا أنه قسم بعد قسم لما سمعت من كلامهم الْحَكِيمِ أي ذي حكمة على أنه صيغة نسبة كلابن وتامر أي متضمن
384
إياها أو لناطق بالحكمة كالحي على أن يكون من الاستعارة المكنية أو المتصف بالحكمة على أن الإسناد مجازي وحقيقته الإسناد إلى الله تعالى المتكلم به. وفي البحر هو إما فعيل بمعنى مفعل كأعقدت العسل فهو عقيد أي معقد وإما للمبالغة من حاكم إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ جواب للقسم، والجملة لرد إنكار الكفرة رسالته عليه الصلاة والسلام فقد قالوا: لَسْتَ مُرْسَلًا [الرعد: ٤٣] وتقدم ما يشعر بأنهم على جانب عظيم من الإنكار أعني قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً [فاطر: ٤٢] استكبارا في الأرض ومكر السيّء، وهذه الآية من جملة ما أشير إليه بقوله تعالى في جوابهم عن إنكارهم قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الرعد: ٤٣] وتخصيص القرآن بالإقسام به أولا وبوصفه بالحكيم ثانيا تنويه بشأنه على أكمل وجه.
وقوله تعالى: عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ خبر ثان لأن، واختاره الزجاج قائلا: إنه الأحسن في العربية أو حل من ضميره عليه الصلاة والسلام المستكن في الجار والمجرور أو الواقع اسم إن بناء على رأي من يجوز الحال من المبتدأ، وجوز أن يكون متعلقا بالمرسلين وليس المراد به الحال أو الاستقبال أي لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم، وأن يكون حالا من عائد الموصول المستتر في اسم الفاعل، أو حالا من نفس الْمُرْسَلِينَ.
والزمخشري لم يذكر من هذه الأوجه سوى كونه خبرا وكونه صلة للمرسلين، وأيا ما كان فالمراد بالصراط المستقيم ما يعم العقائد والشرائع الحقة وليس الغرض من الإخبار الإعلام بتمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته ليقال إن ذلك حاصل قبله لما أن كل أحد يعلم أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم بل الغرض الأعلام بأنه موصوف بكذا وأن ما جاء به الموصوف بكذا تفخيما لشأنهما فسلكا في مسلك سلوكا لطريق الاختصار، وأيضا التنكير في صِراطٍ للتفخيم فهو دال على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة على صراط لا يكتنه وصفه وهذا شيء لم يعلم قبل، ولا يرد أن الطريق المستقيم واحد ليس إلا ألا ترى إلى قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ لأن لكل نبي شارع منهاجا هو مستقيم وباعتبار الرجوع إلى المرسل تعالى شأنه الكل متحد وباعتبار الاختصاص بالمرسل والشرائع مختلف فصح أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة إلخ. وأيضا هو فرض والفرض تعظيم هذا الصراط بأنه لا صراط أقوم منه واقعا أو مفروضا ولا نظر إلى أن هنالك آخر أولا، وهذا قريب من أسلوب مثلك لا يفعل كذا فافهم ولا تغفل.
وقوله تعالى: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ نصب على المدح أو على المصدرية لفعل محذوف أي نزل تنزيل.
وقرأ جمع من السبعة وأبو بكر وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والمصدر بمعنى المفعول أي هو تنزيل أي منزل العزيز الرحيم، والضمير للقرآن ويجوز إبقاؤه على أصله يجعله عين التنزيل، وجوز أن يكون خبر يس إن كان المراد بها السورة والجملة القسمية معترضة، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به اهتماما فلا يقال: إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لإلزامهم.
وقرأ أبو حيوة واليزيدي والقورصي عن أبي جعفر وشيبة بالخفض على البدلية من الْقُرْآنِ أو الصوفية له.
وأيا ما كان ففيه إظهار لفخامة القرآن الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية بوصفه بالحكمة، وفي تخصيص الاسمين الكريمين المعربين عن الغلبة الكاملة والرحمة الفاضلة حث على الإيمان به ترهيبا وترغيبا وإشعارا بأن تنزيله ناشىء عن غاية الرحمة حسبما أشار إليه قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] لِتُنْذِرَ متعلق بتنزيل أو بفعله المضمر على الوجه الثاني في إعرابه أي نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر به أو بما يدل عليه لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ أي أرسلت أو إنك مرسل لتنذر قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ أي لم تنذر آباؤهم على ما روي عن قتادة فما
وقوله تعالى: عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ خبر ثان لأن، واختاره الزجاج قائلا: إنه الأحسن في العربية أو حل من ضميره عليه الصلاة والسلام المستكن في الجار والمجرور أو الواقع اسم إن بناء على رأي من يجوز الحال من المبتدأ، وجوز أن يكون متعلقا بالمرسلين وليس المراد به الحال أو الاستقبال أي لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم، وأن يكون حالا من عائد الموصول المستتر في اسم الفاعل، أو حالا من نفس الْمُرْسَلِينَ.
والزمخشري لم يذكر من هذه الأوجه سوى كونه خبرا وكونه صلة للمرسلين، وأيا ما كان فالمراد بالصراط المستقيم ما يعم العقائد والشرائع الحقة وليس الغرض من الإخبار الإعلام بتمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته ليقال إن ذلك حاصل قبله لما أن كل أحد يعلم أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم بل الغرض الأعلام بأنه موصوف بكذا وأن ما جاء به الموصوف بكذا تفخيما لشأنهما فسلكا في مسلك سلوكا لطريق الاختصار، وأيضا التنكير في صِراطٍ للتفخيم فهو دال على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة على صراط لا يكتنه وصفه وهذا شيء لم يعلم قبل، ولا يرد أن الطريق المستقيم واحد ليس إلا ألا ترى إلى قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ لأن لكل نبي شارع منهاجا هو مستقيم وباعتبار الرجوع إلى المرسل تعالى شأنه الكل متحد وباعتبار الاختصاص بالمرسل والشرائع مختلف فصح أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة إلخ. وأيضا هو فرض والفرض تعظيم هذا الصراط بأنه لا صراط أقوم منه واقعا أو مفروضا ولا نظر إلى أن هنالك آخر أولا، وهذا قريب من أسلوب مثلك لا يفعل كذا فافهم ولا تغفل.
وقوله تعالى: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ نصب على المدح أو على المصدرية لفعل محذوف أي نزل تنزيل.
وقرأ جمع من السبعة وأبو بكر وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والمصدر بمعنى المفعول أي هو تنزيل أي منزل العزيز الرحيم، والضمير للقرآن ويجوز إبقاؤه على أصله يجعله عين التنزيل، وجوز أن يكون خبر يس إن كان المراد بها السورة والجملة القسمية معترضة، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به اهتماما فلا يقال: إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لإلزامهم.
وقرأ أبو حيوة واليزيدي والقورصي عن أبي جعفر وشيبة بالخفض على البدلية من الْقُرْآنِ أو الصوفية له.
وأيا ما كان ففيه إظهار لفخامة القرآن الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية بوصفه بالحكمة، وفي تخصيص الاسمين الكريمين المعربين عن الغلبة الكاملة والرحمة الفاضلة حث على الإيمان به ترهيبا وترغيبا وإشعارا بأن تنزيله ناشىء عن غاية الرحمة حسبما أشار إليه قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] لِتُنْذِرَ متعلق بتنزيل أو بفعله المضمر على الوجه الثاني في إعرابه أي نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر به أو بما يدل عليه لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ أي أرسلت أو إنك مرسل لتنذر قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ أي لم تنذر آباؤهم على ما روي عن قتادة فما
385
نافية والجملة صفة قَوْماً مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار، والمراد بالإنذار الأعلام أو التخويف ومفعوله الثاني محذوف أي عذابا لقوله تعالى: نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
[النبأ: ٤٠] والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السّلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السّلام.
وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه ثم تراخى الأمر وتطاول المدد، فلم يبق من شريعته عليه السّلام إلا الاسم. وفي البحر الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة إما بمباشرة من أنبيائهم وإما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلّى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشا ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين. وأما أن النذارة انقطعت فلا، ولما شرعت آثارها ندرس بعث النبي صلّى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اهـ.
وعليه فالمعنى ما أنذر آباءهم رسول أي لم يباشرهم بالإنذار لا أنه لم ينذرهم منذر أصلا فيجوز أن يكون قد أنذرهم من ليس بنبي كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: ٢٤] وليس في ذلك إنكار الفترة المذكورة في قوله تعالى: عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ [المائدة:
١٩] لأنها فترة إرسال وانقطاعها زمانا لا فترة إنذار مطلقا، وعن عكرمة ما بمعنى الذي، وجوز أن تكون موصوفة وهي على الوجهين مفعول ثان لتنذر أي لتنذر قوما الذي أنذره أو شيئا أنذره الرسل آباءهم الأبعدين، وقال ابن عطية:
يحتمل أن تكون ما مصدرية فتكون نعتا لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذارا مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين، وقيل هي زائدة وليس بشيء فَهُمْ غافِلُونَ هو على الوجه الأول متفرع على نفي الإنذار ومتسبب عنه والضمير للفريقين أي لم ينذر آباؤهم فهم جميعا لأجل ذلك غافلون، وعلى الأوجه الباقية متعلق بقوله تعالى: لِتُنْذِرَ أو بما يفيده إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وارد لتعليل إنذاره عليه الصلاة والسلام أو إرساله بغفلتهم المحوجة إليه نحو اسقه فإنه عطشان على أن الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أي عما أنذر آباؤهم.
وقال الخفاجي: يجوز تعلقه بهذا على الأول أيضا وتعلقه بقوله تعالى: لِتُنْذِرَ على الوجوه وجعل الفاء تعليلية والضمير لهم أو لآبائهم اهـ، ولا يخفى عليك أن المنساق إلى الذهن ما قرر أولا لَقَدْ حَقَّ جواب لقسم محذوف أي والله لقد ثبت ووجب الْقَوْلُ الذي قلته لإبليس يوم قال: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: ٣٩، ص:
٨٢] وهو لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: ١١٩، السجدة: ١٣] عَلى أَكْثَرِهِمْ متعلق بحق.
والمراد سبق في علمي دخول أكثرهم فيمن أملأ منهم جهنم وهم تبعة إبليس كما يشير إليه تقديم الجنة على الناس وصرح به قوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: ٨٥].
ولا مانع من أن يراد بالقول لكن المشهور ما تقدم، وظاهر كلام الراغب أن المراد بالقول علم الله تعالى بهم ولا حاجة إلى التزام ذلك، وقيل: الجار متعلق بالقول ويقال قال عليه إذا تكلم فيه بالشر، والمراد لقد ثبت في الأزل عذابي لهم، وفيه ما فيه، ويؤيد تعلقه بحق قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:
٩٦]، ونقل أبو حيان أن المعنى حق القول الذي قاله الله تعالى على لسان الرسل عليهم السّلام من التوحيد وغيره وبأن برهانه وهو كما ترى.
فَهُمْ أي الأكثر لا يُؤْمِنُونَ بإنذارك إياهم، والفاء تفريعية داخلة على الحكم المسبب عما قبله فيفيد أن ثبوت القول عليهم علة لتكذيبهم وكفرهم وهو علة له باعتبار سبق العلم بسوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر فإن علمه تعالى لا يتعلق بالأشياء إلا على ما هي عليه في أنفسها ومآله إلى أن سوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر علة لتكذيبهم وعدم إيمانهم بعد الإنذار فليس هناك جبر محض ولا أن المعلوم تابع للعلم.
[النبأ: ٤٠] والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السّلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السّلام.
وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه ثم تراخى الأمر وتطاول المدد، فلم يبق من شريعته عليه السّلام إلا الاسم. وفي البحر الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة إما بمباشرة من أنبيائهم وإما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلّى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشا ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين. وأما أن النذارة انقطعت فلا، ولما شرعت آثارها ندرس بعث النبي صلّى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اهـ.
وعليه فالمعنى ما أنذر آباءهم رسول أي لم يباشرهم بالإنذار لا أنه لم ينذرهم منذر أصلا فيجوز أن يكون قد أنذرهم من ليس بنبي كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: ٢٤] وليس في ذلك إنكار الفترة المذكورة في قوله تعالى: عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ [المائدة:
١٩] لأنها فترة إرسال وانقطاعها زمانا لا فترة إنذار مطلقا، وعن عكرمة ما بمعنى الذي، وجوز أن تكون موصوفة وهي على الوجهين مفعول ثان لتنذر أي لتنذر قوما الذي أنذره أو شيئا أنذره الرسل آباءهم الأبعدين، وقال ابن عطية:
يحتمل أن تكون ما مصدرية فتكون نعتا لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذارا مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين، وقيل هي زائدة وليس بشيء فَهُمْ غافِلُونَ هو على الوجه الأول متفرع على نفي الإنذار ومتسبب عنه والضمير للفريقين أي لم ينذر آباؤهم فهم جميعا لأجل ذلك غافلون، وعلى الأوجه الباقية متعلق بقوله تعالى: لِتُنْذِرَ أو بما يفيده إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وارد لتعليل إنذاره عليه الصلاة والسلام أو إرساله بغفلتهم المحوجة إليه نحو اسقه فإنه عطشان على أن الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أي عما أنذر آباؤهم.
وقال الخفاجي: يجوز تعلقه بهذا على الأول أيضا وتعلقه بقوله تعالى: لِتُنْذِرَ على الوجوه وجعل الفاء تعليلية والضمير لهم أو لآبائهم اهـ، ولا يخفى عليك أن المنساق إلى الذهن ما قرر أولا لَقَدْ حَقَّ جواب لقسم محذوف أي والله لقد ثبت ووجب الْقَوْلُ الذي قلته لإبليس يوم قال: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: ٣٩، ص:
٨٢] وهو لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: ١١٩، السجدة: ١٣] عَلى أَكْثَرِهِمْ متعلق بحق.
والمراد سبق في علمي دخول أكثرهم فيمن أملأ منهم جهنم وهم تبعة إبليس كما يشير إليه تقديم الجنة على الناس وصرح به قوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: ٨٥].
ولا مانع من أن يراد بالقول لكن المشهور ما تقدم، وظاهر كلام الراغب أن المراد بالقول علم الله تعالى بهم ولا حاجة إلى التزام ذلك، وقيل: الجار متعلق بالقول ويقال قال عليه إذا تكلم فيه بالشر، والمراد لقد ثبت في الأزل عذابي لهم، وفيه ما فيه، ويؤيد تعلقه بحق قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:
٩٦]، ونقل أبو حيان أن المعنى حق القول الذي قاله الله تعالى على لسان الرسل عليهم السّلام من التوحيد وغيره وبأن برهانه وهو كما ترى.
فَهُمْ أي الأكثر لا يُؤْمِنُونَ بإنذارك إياهم، والفاء تفريعية داخلة على الحكم المسبب عما قبله فيفيد أن ثبوت القول عليهم علة لتكذيبهم وكفرهم وهو علة له باعتبار سبق العلم بسوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر فإن علمه تعالى لا يتعلق بالأشياء إلا على ما هي عليه في أنفسها ومآله إلى أن سوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر علة لتكذيبهم وعدم إيمانهم بعد الإنذار فليس هناك جبر محض ولا أن المعلوم تابع للعلم.
386
وقال بعضهم: الفاء إما تفريعية وكون ثبوت القول علة لعدم إيمانهم مبني على أن المعلوم تابع للعلم وإما تعليلية مفيدة أن عدم الإيمان علة لثبوت القول بناء على أن العلم تابع للمعلوم ولا يلزم الجبر على الوجهين، أما على الثاني فظاهر، وأما على الأول فلأن العلم ليس علة مستقلة عند القائل بذلك بل لاختيارهم وكسبهم مدخل فيه فتأمل.
والتفريع هو الذي أميل إليه إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ جمع عنق بالضم وبضمتين وهو الجيد ويقال عنيق كأمير وعنق كصرد أَغْلالًا جمع غل بالضم وهو على ما قيل ما يشد به اليد إلى العنق للتعذيب والتشديد، وفي البحر الغل ما أحاط بالعنق على معنى التثقيف والتضييق والتعذيب والأسر ومع العنق اليدان أو اليد الواحدة.
وذكر الراغب أنه ما يقيد به فتجعل الأعضاء وسطه، وأصله من الغلل تدرع الشيء وتوسطه ومنه الغلل للماء الجاري بين الشجر وقد يقال له الغيل، وكأن في الكلام عليه قلبا أي جعلنا أعناقهم في إغلال كما تقول جعلت الخاتم في إصبعي أي جعلت إصبعي في الخاتم، وجوز أن يكون على حد لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: ٧١] والتنوين للتعظيم والتهويل أي أغلالا عظيمة هائلة، وإسناد الفعل إلى ضمير العظمة مما يؤيد ذلك فَهِيَ أي الأغلال كما هو الظاهر إِلَى الْأَذْقانِ جمع ذقن بالتحريك مجتمع اللحيين من أسفلهما، وأل للعهد أو عوض عن المضاف إليه والظرف متعلق بكون خاص خبر هي أي فهي واصلة أو منتهية إلى أذقانهم، والفاء للتفريع، وقيل: لمجرد التعقيب بناء على عدم حمل التنوين على التعظيم والتهويل، وقوله تعالى: فَهُمْ مُقْمَحُونَ نتيجة فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فالفاء تفريعية أيضا، والمقمح على ما في النهاية الذي يرفع رأسه ويغض بصره وكأنه أراد المجهول بحيث يرفع إلخ.
وقال أبو عبيدة: يقال قمح البعير قموحا إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب والجمع قماح، ومنه قول بشر يصف سفينة أخذهم الميد فيها:
وقال الليث: هو رفع البعير رأسه إذا شرب الماء الكريه ثم يعود، ومنه قيل للكانونين شهرا قماح بضم القاف وكسرها لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رؤوسها لشدة برده، وقال الراغب القمح رفع الرأس لسف الشيء المتخذ من القمح أي البر إذا جرى في السنبل من لدن الإنضاج إلى حين الاكتناز ثم يقال لرفع الرأس كيفما كان قمح، وقمح البعير رفع رأسه وأقمحت البعير شددت رأسه إلى خلف، وقيل: المقمح الذي يجذب ذقنه حتى يصير في صدره ثم يرفع، وقال مجاهد: القامح الرافع الرأس الواضع يده على فيه، وقال الحسن: هو الطامح ببصره إلى موضع قدمه، وظاهره يقتضي أن يكون هناك نكس للرأس والمعروف في القمح الرفع، ووجه التفريع أن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود نادرا من الحلقة إلى الذقن فلا يخليه يطأطىء ويوطىء قذاله فلا يزال مقمحا لا سيما إذا كان الغل عظيما، وقال ابن عطية: إن الإغلال عريضة تبلغ بحروفها الأذقان أي فيحصل القمح، وكلام ابن الأثير يشعر أن القمح لضيق الغل، وإن أريد جعلنا في كل من أعناقهم أغلالا كان أمر القمح أظهر وأظهر، وقال البغوي والطبري والزجاج والطبرسي: ضمير هي للأيدي وإن لم يتقدم لها ذكر لوضوح مكانها من المعنى لأن الغل يتضمن العنق واليد ولذلك سمي جامعة وما يكون في العنق وحده أو في اليد وحدها لا يسمى غلا فمتى ذكر مع العنق فاليد مرادة أيضا ومتى ذكر مع اليد كما في قراءة ابن عباس «في أيديهم أغلالا» وفي قراءة ابن مسعود «في أيمانهم أغلالا» فالعنق مرادا أيضا، وهذا ضرب من الإيجاز والاختصار ونظير ذلك قول الشاعر:
والتفريع هو الذي أميل إليه إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ جمع عنق بالضم وبضمتين وهو الجيد ويقال عنيق كأمير وعنق كصرد أَغْلالًا جمع غل بالضم وهو على ما قيل ما يشد به اليد إلى العنق للتعذيب والتشديد، وفي البحر الغل ما أحاط بالعنق على معنى التثقيف والتضييق والتعذيب والأسر ومع العنق اليدان أو اليد الواحدة.
وذكر الراغب أنه ما يقيد به فتجعل الأعضاء وسطه، وأصله من الغلل تدرع الشيء وتوسطه ومنه الغلل للماء الجاري بين الشجر وقد يقال له الغيل، وكأن في الكلام عليه قلبا أي جعلنا أعناقهم في إغلال كما تقول جعلت الخاتم في إصبعي أي جعلت إصبعي في الخاتم، وجوز أن يكون على حد لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: ٧١] والتنوين للتعظيم والتهويل أي أغلالا عظيمة هائلة، وإسناد الفعل إلى ضمير العظمة مما يؤيد ذلك فَهِيَ أي الأغلال كما هو الظاهر إِلَى الْأَذْقانِ جمع ذقن بالتحريك مجتمع اللحيين من أسفلهما، وأل للعهد أو عوض عن المضاف إليه والظرف متعلق بكون خاص خبر هي أي فهي واصلة أو منتهية إلى أذقانهم، والفاء للتفريع، وقيل: لمجرد التعقيب بناء على عدم حمل التنوين على التعظيم والتهويل، وقوله تعالى: فَهُمْ مُقْمَحُونَ نتيجة فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فالفاء تفريعية أيضا، والمقمح على ما في النهاية الذي يرفع رأسه ويغض بصره وكأنه أراد المجهول بحيث يرفع إلخ.
وقال أبو عبيدة: يقال قمح البعير قموحا إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب والجمع قماح، ومنه قول بشر يصف سفينة أخذهم الميد فيها:
ونحن على جوانبها قعود | نغض الطرف كالإبل القماح |
وما أدري إذا يممت أرضا | أريد الخير أيهما يليني |
أالخير الذي أنا أبتغيه | أم الشر الذي لا يأتليني |
قال صاحب الكشف: والجواب أنه لا فخامة للتعقيب المجرد، ثم إن ما ذكره الزمخشري وقد أشرنا إليه نحن فيما سبق مستقل في حصول الأقماح فأين التعقيب، وبه خرج الجواب عن التسبب، وقوله ولأن اليد إلخ لا يستقل جوابا دون الأولين اهـ، وعلى العلات رجوع الضمير إلى الأغلال هو الحري بالاعتبار وبلاغة الكتاب الكريم تقتضيه ولا تكاد تلتفت إلى غيره وَجَعَلْنا عطف على جَعَلْنا السابق مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قدامهم سَدًّا عظيما وقيل نوعا من السد وَمِنْ خَلْفِهِمْ من ورائهم سَدًّا كذلك والقدام والوراء كناية عن جميع الجهات فَأَغْشَيْناهُمْ فغطينا بما جعلناه من السد أبصارهم، وعن مجاهد فَأَغْشَيْناهُمْ فألبسنا أبصارهم غشاوة فَهُمْ بسبب ذلك لا يُبْصِرُونَ لا يقدرون على إبصار شيء ما أصلا.
وقرأ جمع من السبعة وغيرهم «سدا» بضم السين وهي لغة فيه، وقيل ما كان من عمل الناس فهو بالفتح وما كان من خلق الله تعالى فهو بالضم، وقيل بالعكس. وقرأ ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن يعمر وعكرمة والنخعي وابن سيرين والحسن وأبو رجاء وزيد بن علي وأبو حنيفة ويزيد البربري ويزيد بن المهلب وابن مقسم «فأغشيناهم» بالعين من العشا وهو ضعف البصر، ومجموع المتعاطفين من قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا إلخ تأكيد وتقرير لما دل عليه قوله سبحانه: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ إلخ من سوء اختيارهم وقبح حالهم فإن جعل الله تعالى إياهم بما أظهر فيهم من الإعجاب العظيم بأنفسهم مستكبرين عن اتباع الرسل عليهم السّلام شامخين برؤوسهم غير خاضعين لما جاؤوا به وسد أبواب النظر فيما ينفعهم عليهم بالكلية ليس إلا لأنهم سيئو الاختيار وقبيحو الأحوال قد عشقت ذواتهم ما هم عليه عشقا ذاتيا وطلبته طلبا استعداديا فلم تكن لها قابلية لغيره ولم تلتفت إلى ما سواه، وإذا قايست بين ذواتهم، وما هم عليه وبين الجسم والحيز أو الثلاثة والفردية مثلا لم تكد تجد فرقا ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
[النحل: ٣٣] ففي الكلام تشبيهات متعددة كما لوحنا إليه، وهذا الوجه هو الذي يقتضيه ما عليه كثير من الأجلة وإن لم يذكروه في الآية، وفي الانتصاف إذا فرق التشبيه كان تصميمهم على الكفر مشبها بالأغلال وكان استكبارهم عن قبول الحق والتواضع لاستماعه مشبها بالأقماح لأن المقمح لا يطأطأ رأسه، وقوله تعالى: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ تتمة للزوم الإقماح لهم وكان عدم النظر في أحوال الأمم الخالية مشبها بسد من خلفهم وعدم النظر في العواقب المستقبلة مشبها بسد من قدامهم وفي التيسير جمع الأيدي إلى الأذقان بالأغلال عبارة عن منع التوفيق حتى استكبروا عن الحق لأن المتكبر يوصف برفع العنق والمتواضع بضده كما في قوله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [الشعراء: ٤] ولم يذكر المراد بجعل السد، وذكر الإمام أن المانع عن النظر في الآيات قسمان قسم يمنع عن النظر في الأنفس فشبه ذلك بالغل الذي يجعل صاحبه مقمحا لا يرى نفسه ولا يقع بصره على بدنه وقسم يمنع عن
388
النظر في الآفاق فشبه ذلك بالسد المحيط فإن المحاط بالسد لا يقع نظره على الآفاق فلا يظهر له ما فيها من الآيات فمن ابتلي بهما حرم عن النظر بالكلية، واختار بعضهم كون إِنَّا جَعَلْنا إلخ تمثيلا مسوقا لتقرير تصميمهم على الكفر وعدم ارعوائهم عنه فيكون قد مثل حالهم في ذلك بحال الذين غلت أعناقهم، وجوز في قوله تعالى: وَجَعَلْنا إلخ أن يكون تتمة لذلك وتكميلا له وأن يكون تمثيلا مستقلا فإن جعلهم محصورين بين سدين هائلين قد غطيا أبصارهم بحيث لا يبصرون شيئا قطعا كاف في الكشف عن كمال فظاعة حالهم وكونهم محبوسين في مطمورة الغي والجهالات.
وقال أبو حيان الظاهر أن قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا الآية على حقيقتها لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون أخبر سبحانه عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع، ولا يضعف هذا كما زعم ابن عطية قوله تعالى: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ لأن بصر الكافر يومئذ حديد يرى قبح حاله، ألا ترى إلى قوله سبحانه: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً [الإسراء: ٩٧] وقوله سبحانه: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى [طه: ١٢٥] فإما أن يكون ذلك حالين وإما أن يكون قوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق: ٢٢] كناية عن إدراكه ما يؤول إليه حتى كأنه يبصره، واعترض بعضهم عليه بأنه يلزم أن يكون الكلام أجنبيا في البين وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ قد دغدغ فيه، والإنصاف أنه خلاف الظاهر، وقال الضحاك: والفراء في قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا استعارة لمنعهم من النفقة في سبيل الله تعالى كما قال سبحانه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ [الإسراء: ٢٩] ولعله جعل الجملة الثانية استعارة لمنعهم عن رؤية الخير والسعي فيه، ولا يخفى أن كون الكلام على هذا أجنبيا في البين في غاية الظهور،
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة فتأذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا هم لا يبصرون فجاؤوا إلى لنبي صلّى الله عليه وسلم فقالوا: ننشدك الله تعالى والرحم يا محمد قال ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلّى الله عليه وسلم فيهم قرابة فدعا النبي عليه الصلاة والسلام حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إلى قوله سبحانه أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فلم يؤمن من ذلك النفر أحد
وروي أن الآيتين نزلتا في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حمل حجرا لينال بها ما يريد برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يصلي فأثبتت يده إلى عنقه حتى عاد إلى أصحابه والحجر قد لزق بيده فما فكوه إلا بجهد فأخذه مخزومي آخر فلما دنا من الرسول صلّى الله عليه وسلم طمس الله تعالى بصره فعاد إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه فقام ثالث فقال: لأشدخن أنا رأسه ثم أخذ الحجر وانطلق فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه فقيل له: ما شأنك؟
قال: عظيم رأيت الرجل فلما دنوت منه فإذا فحل ما رأيت فحلا أعظم منه حال بيني وبينه فو اللات والعزى لو دنوت منه لأكلني
فجعل الغل يكون استعارة عن منع من أراد أذاه عليه الصلاة والسلام وجعل السد استعارة عن سلب قوة الأبصار كما قيل، وقال السدي: السد ظلمة حالت فمنعت الرؤية، وجاء في الآثار غير ذلك مما يقرب منه والربط عليها غير ظاهر، ولعله باعتبار إشارة الآيتين إلى ما هو عليه من التصميم على الكفر وشدة العناد، ومع هذا الأرجح في نظر البليغ حمل الكلام على غير ما تقتضيه ظواهر الآثار مما سمعت وليس فيها ما ينافيه عند التحقيق فتأمل وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ أي مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه حسبما مر تحقيقه في أوائل سورة البقرة، والظاهر أن العطف على إِنَّا جَعَلْنا وكأنه جيء به للتصريح بما هم عليه في أنفسهم بعد الإشارة إليه فيما تقدم بناء على أنه مما يستتبع الجعل المذكور.
وقال أبو حيان الظاهر أن قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا الآية على حقيقتها لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون أخبر سبحانه عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع، ولا يضعف هذا كما زعم ابن عطية قوله تعالى: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ لأن بصر الكافر يومئذ حديد يرى قبح حاله، ألا ترى إلى قوله سبحانه: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً [الإسراء: ٩٧] وقوله سبحانه: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى [طه: ١٢٥] فإما أن يكون ذلك حالين وإما أن يكون قوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق: ٢٢] كناية عن إدراكه ما يؤول إليه حتى كأنه يبصره، واعترض بعضهم عليه بأنه يلزم أن يكون الكلام أجنبيا في البين وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ قد دغدغ فيه، والإنصاف أنه خلاف الظاهر، وقال الضحاك: والفراء في قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا استعارة لمنعهم من النفقة في سبيل الله تعالى كما قال سبحانه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ [الإسراء: ٢٩] ولعله جعل الجملة الثانية استعارة لمنعهم عن رؤية الخير والسعي فيه، ولا يخفى أن كون الكلام على هذا أجنبيا في البين في غاية الظهور،
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة فتأذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا هم لا يبصرون فجاؤوا إلى لنبي صلّى الله عليه وسلم فقالوا: ننشدك الله تعالى والرحم يا محمد قال ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلّى الله عليه وسلم فيهم قرابة فدعا النبي عليه الصلاة والسلام حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إلى قوله سبحانه أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فلم يؤمن من ذلك النفر أحد
وروي أن الآيتين نزلتا في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حمل حجرا لينال بها ما يريد برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يصلي فأثبتت يده إلى عنقه حتى عاد إلى أصحابه والحجر قد لزق بيده فما فكوه إلا بجهد فأخذه مخزومي آخر فلما دنا من الرسول صلّى الله عليه وسلم طمس الله تعالى بصره فعاد إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه فقام ثالث فقال: لأشدخن أنا رأسه ثم أخذ الحجر وانطلق فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه فقيل له: ما شأنك؟
قال: عظيم رأيت الرجل فلما دنوت منه فإذا فحل ما رأيت فحلا أعظم منه حال بيني وبينه فو اللات والعزى لو دنوت منه لأكلني
فجعل الغل يكون استعارة عن منع من أراد أذاه عليه الصلاة والسلام وجعل السد استعارة عن سلب قوة الأبصار كما قيل، وقال السدي: السد ظلمة حالت فمنعت الرؤية، وجاء في الآثار غير ذلك مما يقرب منه والربط عليها غير ظاهر، ولعله باعتبار إشارة الآيتين إلى ما هو عليه من التصميم على الكفر وشدة العناد، ومع هذا الأرجح في نظر البليغ حمل الكلام على غير ما تقتضيه ظواهر الآثار مما سمعت وليس فيها ما ينافيه عند التحقيق فتأمل وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ أي مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه حسبما مر تحقيقه في أوائل سورة البقرة، والظاهر أن العطف على إِنَّا جَعَلْنا وكأنه جيء به للتصريح بما هم عليه في أنفسهم بعد الإشارة إليه فيما تقدم بناء على أنه مما يستتبع الجعل المذكور.
389
وقريب منه القول بأن ما تقدم لبيان حالهم المجعول وهذا لبيان حالهم من غير ملاحظة جعل وفيه تمهيد لقوله تعالى: إِنَّما تُنْذِرُ إلخ. وفي إرشاد العقل السليم هو بيان لشأنهم بطريق التصريح أثر بيانه بطريق التمثيل، وفي الحواشي الخفاجية لم يورد بالفاء مع ترتبه على ما قبله إما تفويضا لذهن السامع أو لأنه غير مقصود هنا انتهى.
وانظر هل تجد مانعا من العطف على لا يُبْصِرُونَ ليكون خبرا لهم أيضا داخلا في حيز الفاء والتفريع على ما تقدم كأنه قيل: فهم سواء عليهم إلخ، واختلاف الجملتين بالاسمية والفعلية لا أراك تعده مانعا، وقوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ استئناف مؤكد لما قبله مبين لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء أو حال مؤكدة له أو بدل منه.
ولما بين كون الإنذار عندهم كعدمه عقب ببيان من يتأثر منه فقال سبحانه إِنَّما تُنْذِرُ أي إنذارا مستتبعا للأثر مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ أي القرآن ما روي عن قتادة بالتأمل فيه والعمل به، وقيل: الوعظ، واتبع بمعنى يتبع، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو المعنى إنما ينفع إنذارك المؤمنين الذين اتبعوا، ويكون المراد بمن اتبع المؤمنين وبالإنذار الإنذار عما يفرط منهم بعد الاتباع فلا يلزم تحصيل الحاصل، وقيل: المراد من اتبع في علم الله تعالى وهم الأقلون الذين لم يحق القول عليهم وَخَشِيَ الرَّحْمنَ أي عقابه ولم يغتر برحمته عزّ وجلّ فإنه سبحانه مع عظم رحمته أليم العذاب كما نطق به قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر: ٤٩] وأن عذابي هو العذاب الأليم.
ومما قرر يعلم سر ذكر الرحمن مع الخشية دون القهار ونحوه بِالْغَيْبِ حال من المضاف المقدر في نظم الكلام كما أشرنا إليه أي خشي عقاب الرحمن حال كون العقاب ملتبسا بالغيب أي غائبا عنه، وحاصله خشي العقاب قبل حلوله ومعاينة أهواله. ويجوز أن يكون حالا من فاعل خَشِيَ أي خشي عقاب الرحمن غائبا عن العقاب غير مشاهد له أو خشي غائبا عن أعين الناس غير مظهر الخشية لهم لأنها علانية قلما تسلم عن الرياء، وبعضهم فسر الغيب بالقلب وجعل الجار متعلقا بخشي أي خشي في قلبه ولم يكن مظهرا للخشية وليس بخاش، قيل: ويجوز جعله حالا من الرَّحْمنَ ولا يخفى حاله، والكلام في خشي على طرز الكلام في اتَّبَعَ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ عظيمة لما سلف، وقيل: لما يفرط منه وَأَجْرٍ كَرِيمٍ حسن لا يقادر قدره لما أسلف، والفاء لترتيب البشارة أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية. وفي البحر لما أجدت فيه النذارة فبشره إلخ فلا تغفل، وعن قتادة تفسير الأجر الكريم بالجنة والمراد نعيمها الشامل لما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأجل جميع ذلك رؤية الله عزّ وجلّ.
وقوله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى إلخ تذييل عام للفريقين المصممين على الكفر والمشفعين بالإنذار ترهيبا وترغيبا ووعيدا ووعدا، وتكرير الضمير لإفادة الحصر أو للتقوية، وما ألطف هذا الضمير الذي عكسه كطرده هاهنا، وضمير العظمة للإشارة إلى جلالة الفعل، والتأكيد للاعتناء بأمر الخبر أو لرد الإنكار فإن الكفرة كانوا يقولون: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [المؤمنون: ٣٧] أي إنا نحن نحيي الأموات جميعا ببعثهم يوم القيامة وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا ما أسلفوه من الأعمال الصالحة والطالحة وَآثارَهُمْ التي أبقوها بعدهم من الحسنات كعلم علموه أو كتاب ألفوه أو حبيس وقفوه أو بناء في سبيل الله تعالى بنوه وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مبادئ الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التي أحدثوها وسنوها بعدهم للمفسدين.
أخرج ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سن سنّة حسنة فله أجرها وأجر
وانظر هل تجد مانعا من العطف على لا يُبْصِرُونَ ليكون خبرا لهم أيضا داخلا في حيز الفاء والتفريع على ما تقدم كأنه قيل: فهم سواء عليهم إلخ، واختلاف الجملتين بالاسمية والفعلية لا أراك تعده مانعا، وقوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ استئناف مؤكد لما قبله مبين لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء أو حال مؤكدة له أو بدل منه.
ولما بين كون الإنذار عندهم كعدمه عقب ببيان من يتأثر منه فقال سبحانه إِنَّما تُنْذِرُ أي إنذارا مستتبعا للأثر مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ أي القرآن ما روي عن قتادة بالتأمل فيه والعمل به، وقيل: الوعظ، واتبع بمعنى يتبع، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو المعنى إنما ينفع إنذارك المؤمنين الذين اتبعوا، ويكون المراد بمن اتبع المؤمنين وبالإنذار الإنذار عما يفرط منهم بعد الاتباع فلا يلزم تحصيل الحاصل، وقيل: المراد من اتبع في علم الله تعالى وهم الأقلون الذين لم يحق القول عليهم وَخَشِيَ الرَّحْمنَ أي عقابه ولم يغتر برحمته عزّ وجلّ فإنه سبحانه مع عظم رحمته أليم العذاب كما نطق به قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر: ٤٩] وأن عذابي هو العذاب الأليم.
ومما قرر يعلم سر ذكر الرحمن مع الخشية دون القهار ونحوه بِالْغَيْبِ حال من المضاف المقدر في نظم الكلام كما أشرنا إليه أي خشي عقاب الرحمن حال كون العقاب ملتبسا بالغيب أي غائبا عنه، وحاصله خشي العقاب قبل حلوله ومعاينة أهواله. ويجوز أن يكون حالا من فاعل خَشِيَ أي خشي عقاب الرحمن غائبا عن العقاب غير مشاهد له أو خشي غائبا عن أعين الناس غير مظهر الخشية لهم لأنها علانية قلما تسلم عن الرياء، وبعضهم فسر الغيب بالقلب وجعل الجار متعلقا بخشي أي خشي في قلبه ولم يكن مظهرا للخشية وليس بخاش، قيل: ويجوز جعله حالا من الرَّحْمنَ ولا يخفى حاله، والكلام في خشي على طرز الكلام في اتَّبَعَ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ عظيمة لما سلف، وقيل: لما يفرط منه وَأَجْرٍ كَرِيمٍ حسن لا يقادر قدره لما أسلف، والفاء لترتيب البشارة أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية. وفي البحر لما أجدت فيه النذارة فبشره إلخ فلا تغفل، وعن قتادة تفسير الأجر الكريم بالجنة والمراد نعيمها الشامل لما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأجل جميع ذلك رؤية الله عزّ وجلّ.
وقوله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى إلخ تذييل عام للفريقين المصممين على الكفر والمشفعين بالإنذار ترهيبا وترغيبا ووعيدا ووعدا، وتكرير الضمير لإفادة الحصر أو للتقوية، وما ألطف هذا الضمير الذي عكسه كطرده هاهنا، وضمير العظمة للإشارة إلى جلالة الفعل، والتأكيد للاعتناء بأمر الخبر أو لرد الإنكار فإن الكفرة كانوا يقولون: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [المؤمنون: ٣٧] أي إنا نحن نحيي الأموات جميعا ببعثهم يوم القيامة وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا ما أسلفوه من الأعمال الصالحة والطالحة وَآثارَهُمْ التي أبقوها بعدهم من الحسنات كعلم علموه أو كتاب ألفوه أو حبيس وقفوه أو بناء في سبيل الله تعالى بنوه وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مبادئ الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التي أحدثوها وسنوها بعدهم للمفسدين.
أخرج ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سن سنّة حسنة فله أجرها وأجر
390
من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا ثم تلا وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ»
وعن أنس أنه قال في الآية: هذا في الخطو يوم الجمعة، وفسر بعضهم الآثار بالخطأ إلى المساجد مطلقا لما
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري قال كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فدعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إنه يكتب آثاركم ثم تلا عليهم الآية فتركوا.
وأخرج الإمام أحمد في الزهد وابن ماجة وغيرهما عن ابن عباس قال كانت الأنصار منازلهم بعيدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا قريبا من المسجد فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فقالوا بل: نمكث مكاننا.
وأنت تعلم أنه لا دلالة فيما ذكر على أن الآثار هي الخطا لا غير وقصاري ما يدل عليه أنها من الآثار فلتحمل الآثار على ما يعمها وغيرها. واستدل بهذين الخبرين ونحوهما على أن الآية مدنية.
وقال أبو حيان: ليس ذلك زعما صحيحا وشنع عليه بما ورد مما يدل على ذلك، وانتصر له الخفاجي بأن الحديث الدال معارض بما في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته عليه الصلاة والسلام لا تنافي تقدم النزول ومراد أبي حيان هذا لا أنه أنكر أصل الحديث، ولا يخفى أن الحديثين السابقين ظاهران في أن الآية: نزلت يومئذ وليس في حديث الصحيحين ما يعارض ذلك، والعجب من الخفاجي كيف خفي عليه هذا، وقيل ما قدموا من النيات وآثارهم من الأعمال، والظاهر أن المراد بالكتابة الكتابة في صحف الملائكة الكرام الكاتبين ولكونها بأمره عزّ وجلّ أسندت إليه سبحانه، وأخرت في الذكر عن الأحياء مع أنها مقدمة عليه لأن أثرها إنما يظهر بعده وعلى هذا يضعف تفسير ما قدموا بالنيات بناء على ما يدل عليه بعض الأخبار من أن النيات لا تطلع عليها الملائكة عليهم السّلام ولا يؤمرون بكتابتها.
وفسر بعضهم الكتابة بالحفظ أي نحفظ ذلك ونثبته في علمنا لا ننساه ولا نهمله كما يثبت المكتوب، ولعلك تختار أن كتابة ما قدموا وآثارهم كناية عن مجازاتهم عليها أن خيرا فخير وإن شرا فشر وحينئذ فوجه ذكرها بعد الأحياء ظاهر.
وعن الحسن والضحاك أن إحياء الله تعالى الموتى أن يخرجهم من الشرك إلى الإيمان وجعلا الموت مجازا عن الجهل، وتعريف «الموتى» للعهد والكلام عليه توكيد الموعد المبشر به كأنه قيل: إنما ينفع إنذارك في هؤلاء لأنا نحييهم ونكتب صالح أعمالهم وآثارهم ولا يخفى ما في ذلك من البعد. وقرأ زر ومسروق «ويكتب» بالياء مبنيا للمفعول «وآثارهم» بالرفع وَكُلَّ شَيْءٍ من الأشياء كائنا ما كان، والنصب على الاشتغال أي وأحصينا كل شيء أَحْصَيْناهُ أي بيناه وحفظناه، وأصل الإحصاء العد ثم تجوز به عما ذكر لأن العد لأجله.
فِي إِمامٍ أي أصل عظيم الشأن يؤتم ويقتدى به ويتبع ولا يخالف مُبِينٍ مظهر لما كان وسيكون، وهو على ما في البحر حكاية عن مجاهد وقتادة وابن زيد اللوح المحفوظ، وبيان كل شيء فيه إذا حمل العموم على حقيقته بحيث يشمل حوادث الجنة وما يتجدد لأهلها من دون انقطاع على ما نحو ما يحكى من بيان الحوادث الكونية في الجفر الجامع لكنه على طرز أعلا وأشرف، ونحو هذا ما قال غير واحد من اشتمال القرآن الكريم على كل شيء حتى أسماء الملوك ومدد ملكهم أو يقال إن بيان ذلك فيه ليس دفعة واحدة بل دفعات بأن يبين فيه جملة من الأشياء كحوادث ألف سنة مثلا ثم تمحى عند تمام الألف ويبين فيه جملة أخرى كحوادث ألف أخرى وهكذا، والداعي
وعن أنس أنه قال في الآية: هذا في الخطو يوم الجمعة، وفسر بعضهم الآثار بالخطأ إلى المساجد مطلقا لما
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري قال كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فدعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إنه يكتب آثاركم ثم تلا عليهم الآية فتركوا.
وأخرج الإمام أحمد في الزهد وابن ماجة وغيرهما عن ابن عباس قال كانت الأنصار منازلهم بعيدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا قريبا من المسجد فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فقالوا بل: نمكث مكاننا.
وأنت تعلم أنه لا دلالة فيما ذكر على أن الآثار هي الخطا لا غير وقصاري ما يدل عليه أنها من الآثار فلتحمل الآثار على ما يعمها وغيرها. واستدل بهذين الخبرين ونحوهما على أن الآية مدنية.
وقال أبو حيان: ليس ذلك زعما صحيحا وشنع عليه بما ورد مما يدل على ذلك، وانتصر له الخفاجي بأن الحديث الدال معارض بما في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته عليه الصلاة والسلام لا تنافي تقدم النزول ومراد أبي حيان هذا لا أنه أنكر أصل الحديث، ولا يخفى أن الحديثين السابقين ظاهران في أن الآية: نزلت يومئذ وليس في حديث الصحيحين ما يعارض ذلك، والعجب من الخفاجي كيف خفي عليه هذا، وقيل ما قدموا من النيات وآثارهم من الأعمال، والظاهر أن المراد بالكتابة الكتابة في صحف الملائكة الكرام الكاتبين ولكونها بأمره عزّ وجلّ أسندت إليه سبحانه، وأخرت في الذكر عن الأحياء مع أنها مقدمة عليه لأن أثرها إنما يظهر بعده وعلى هذا يضعف تفسير ما قدموا بالنيات بناء على ما يدل عليه بعض الأخبار من أن النيات لا تطلع عليها الملائكة عليهم السّلام ولا يؤمرون بكتابتها.
وفسر بعضهم الكتابة بالحفظ أي نحفظ ذلك ونثبته في علمنا لا ننساه ولا نهمله كما يثبت المكتوب، ولعلك تختار أن كتابة ما قدموا وآثارهم كناية عن مجازاتهم عليها أن خيرا فخير وإن شرا فشر وحينئذ فوجه ذكرها بعد الأحياء ظاهر.
وعن الحسن والضحاك أن إحياء الله تعالى الموتى أن يخرجهم من الشرك إلى الإيمان وجعلا الموت مجازا عن الجهل، وتعريف «الموتى» للعهد والكلام عليه توكيد الموعد المبشر به كأنه قيل: إنما ينفع إنذارك في هؤلاء لأنا نحييهم ونكتب صالح أعمالهم وآثارهم ولا يخفى ما في ذلك من البعد. وقرأ زر ومسروق «ويكتب» بالياء مبنيا للمفعول «وآثارهم» بالرفع وَكُلَّ شَيْءٍ من الأشياء كائنا ما كان، والنصب على الاشتغال أي وأحصينا كل شيء أَحْصَيْناهُ أي بيناه وحفظناه، وأصل الإحصاء العد ثم تجوز به عما ذكر لأن العد لأجله.
فِي إِمامٍ أي أصل عظيم الشأن يؤتم ويقتدى به ويتبع ولا يخالف مُبِينٍ مظهر لما كان وسيكون، وهو على ما في البحر حكاية عن مجاهد وقتادة وابن زيد اللوح المحفوظ، وبيان كل شيء فيه إذا حمل العموم على حقيقته بحيث يشمل حوادث الجنة وما يتجدد لأهلها من دون انقطاع على ما نحو ما يحكى من بيان الحوادث الكونية في الجفر الجامع لكنه على طرز أعلا وأشرف، ونحو هذا ما قال غير واحد من اشتمال القرآن الكريم على كل شيء حتى أسماء الملوك ومدد ملكهم أو يقال إن بيان ذلك فيه ليس دفعة واحدة بل دفعات بأن يبين فيه جملة من الأشياء كحوادث ألف سنة مثلا ثم تمحى عند تمام الألف ويبين فيه جملة أخرى كحوادث ألف أخرى وهكذا، والداعي
391
لما ذكر أن اللوح عند المسلمين جسم وكل جسم متناهي الأبعاد كما تشهد به الأدلة وبيان كل شيء فيه على الوجه المعروف لنا دفعة مقتض لكون المتناهي ظرفا لغير المتناهي وهو محال بالبديهة. وإذا أريد بكل شيء الأشياء التي في هذه النشأة وأفعال العباد وأحوالهم فيها فلا إشكال في البيان على الوجه المعروف دفعة.
والذي يترجح عندي أن ما كتب في اللوح ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وهو متناه وبعض الآثار تشهد بذلك والمطلق منها محمول على المقيد، وحقيقة اللوح لم يرد فيها ما يفيد القطع ولذا نمسك عن تعيينها، وكون أحد وجهيه ياقوتة حمراء والثاني زمردة خضراء جاء في بعض الآثار ولا جزم لنا بصحته، وكونه أحد المجردات وما من شيء إلا وهو يعلمه بالفعل مما لم يذهب إليه أحد من المسلمين وإنما هو من تخيلات الفلاسفة ومن حذا حذوهم فلا ينبغي أن يعول عليه، وفسر بعضهم الإمام المبين بعلمه تعالى الأزلي كما فسر أم الكتاب في قوله تعالى: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: ٣٩] به وهو أصل لا يكون في صفوف صنوف الممكنات ما يخالفه كما يلوح به قول الشافعي:
ووصفه بمبين لأنه مظهر فقد قالوا: العلم صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت به أو لأن إظهار الأشياء من خزائن العدم يكون بعد تعلقه فإن القدرة إنما تتعلق بالشيء بعد العلم فالشيء يعلم أولا ثم يراد ثم تتعلق القدرة بإيجاده فيوجد، ولا يخفى ما في هذا التفسير من ارتكاب خلاف الظاهر وعليه فلا كلام في العموم، نعم في كيفية وجود الأشياء في علمه تعالى كلام طويل محله كتب الكلام. وعن الحسن أنه أريد به صحف الأعمال وليس بذاك. وحكي لي عن بعض غلاة الشيعة أن المراد بالإمام المبين علي كرّم الله تعالى وجهه وإحصاء كل شيء فيه من باب:
ومنهم من يزعم أن ذلك على معنى جعله كرّم الله تعالى وجهه خزانة للمعلومات على نحو اللوح المحفوظ، ولا يخفى ما في ذلك من عظيم الجهل بالكتاب الجليل نسأل الله تعالى العفو والعافية، ويمكن أن يقال: إنهم أرادوا بذلك نحو ما أراده المتصوفة في إطلاقهم الكتاب المبين على الإنسان الكامل اصطلاحا منهم على ذلك فيهون أمر الجهل، وكمال علي كرّم الله تعالى وجهه لا ينكره إلا ناقص العقل عديم الدين.
وقرأ أبو السمال «وكلّ» بالرفع على الابتداء وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إما عطف على ما قبله عطف القصة على القصة وإما عطف على مقدر أي فأنذرهم واضرب لهم إلخ، وضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بأخرى مثلها كما في قوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ [التحريم: ١٠] الآية.
وأخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها كما في قوله تعالى: وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ [إبراهيم: ٤٥] في وجه أي بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال. فالمعنى على الأول اجعل أصحاب القرية مثلا لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن مَثَلًا مفعول ثان لا ضرب وأَصْحابَ الْقَرْيَةِ مفعوله الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه، وعلى الثاني اذكر وبين لهم قصة هي في الغرابة كالمثل، وقوله سبحانه أَصْحابَ الْقَرْيَةِ بتقدير مضاف أي مثل أصحاب القرية وهذا المضاف بدل من مَثَلًا بدل كل من كل أو عطف بيان له على القول بجواز اختلافهما تعريفا وتنكيرا، وجوز أن يكون المقدر مفعولا وهذا حالا.
والقرية كما روي عن ابن عباس وبريدة وعكرمة أنطاكية، وفي البحر أنها هي بلا خلاف.
والذي يترجح عندي أن ما كتب في اللوح ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وهو متناه وبعض الآثار تشهد بذلك والمطلق منها محمول على المقيد، وحقيقة اللوح لم يرد فيها ما يفيد القطع ولذا نمسك عن تعيينها، وكون أحد وجهيه ياقوتة حمراء والثاني زمردة خضراء جاء في بعض الآثار ولا جزم لنا بصحته، وكونه أحد المجردات وما من شيء إلا وهو يعلمه بالفعل مما لم يذهب إليه أحد من المسلمين وإنما هو من تخيلات الفلاسفة ومن حذا حذوهم فلا ينبغي أن يعول عليه، وفسر بعضهم الإمام المبين بعلمه تعالى الأزلي كما فسر أم الكتاب في قوله تعالى: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: ٣٩] به وهو أصل لا يكون في صفوف صنوف الممكنات ما يخالفه كما يلوح به قول الشافعي:
خلقت العباد على ما علمت | ففي العلم يجري الفتى والمسن |
ليس على الله بمستنكر | أن يجمع العالم في واحد |
وقرأ أبو السمال «وكلّ» بالرفع على الابتداء وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إما عطف على ما قبله عطف القصة على القصة وإما عطف على مقدر أي فأنذرهم واضرب لهم إلخ، وضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بأخرى مثلها كما في قوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ [التحريم: ١٠] الآية.
وأخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها كما في قوله تعالى: وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ [إبراهيم: ٤٥] في وجه أي بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال. فالمعنى على الأول اجعل أصحاب القرية مثلا لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن مَثَلًا مفعول ثان لا ضرب وأَصْحابَ الْقَرْيَةِ مفعوله الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه، وعلى الثاني اذكر وبين لهم قصة هي في الغرابة كالمثل، وقوله سبحانه أَصْحابَ الْقَرْيَةِ بتقدير مضاف أي مثل أصحاب القرية وهذا المضاف بدل من مَثَلًا بدل كل من كل أو عطف بيان له على القول بجواز اختلافهما تعريفا وتنكيرا، وجوز أن يكون المقدر مفعولا وهذا حالا.
والقرية كما روي عن ابن عباس وبريدة وعكرمة أنطاكية، وفي البحر أنها هي بلا خلاف.
392
إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ بدل اشتمال من أَصْحابَ الْقَرْيَةِ أو ظرف للمقدر، وجوز أن يكون بدل كل من أَصْحابَ مرادا بهم قصتهم وبالظرف ما فيه وهو تكلف لا داعي إليه، وقيل، إذ جاءها دون إذ جاءهم إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم، والمرسلون عند قتادة وغيره من أجلة المفسرين رسل عيسى عليه السّلام من الحواريين بعثهم حين رفع إلى السماء، ونسبة إرسالهم إليه تعالى في قوله سبحانه:
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ بناء على أنه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية، وقال ابن عباس وكعب هم رسل الله تعالى: واختاره بعض الأجلة وادعى أن الله تعالى أرسلهم ردءا لعيسى عليه السّلام مقررين لشريعته كهارون لموسى عليهما السّلام، وأيد بظاهر إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ وقول المرسل إليهم ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا إذ البشرية تنافي على زعمهم الرسالة من الله تعالى لا من غيره سبحانه، واستدل البعض على ذلك بظهور المعجزة كإبراء الأكمه وإحياء الميت على أيديهم كما جاء في بعض الآثار والمعجزة مختصة بالنبي على ما قرر في الكلام، ومن ذهب إلى الأول أجاب عن الأول بما سمعت وعن الثاني بأنهم إما أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله تعالى دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل رسالته ونزلوه منزلة الحاضر تغليبا فقالوا ما قالوه، وعن الثالث بأن ما ظهر على أيديهم إن صح الأثر كان كرامة لهم في معنى المعجزة لعيسى عليه السّلام ولا يتعين كونه معجزة لهم إلا إذا كانوا قد ادعوا الرسالة من الله تعالى بدون واسطة وهو أول المسألة، و «إذ» بدل من إذ الأولى، والاثنان قيل يوحنا وبولس، وقال مقاتل تومان وبولس، وقال شعيب الجبائي شمعون ويوحنا، وقال وهب وكعب: صادق وصدوق، وقيل نازوص وماروص.
وقيل أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ دون أرسلنا إليها ليطابق إذ جاءها لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضا التعقيب بقوله تعالى: فَكَذَّبُوهُما عليه أظهر وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ [الأعراف: ١٦٠] وسميت الفاء الفصيحة لأنها تفصح عن فعل محذوف وكان أصحاب القرية إذ ذاك عباد أصنام فَعَزَّزْنا أي قويناهما وشددنا قاله مجاهد وابن قتيبة، وقال يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب، وقال غيره: يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وشدها ويقال للأرض الصلبة العزاز ومنه العز بمعناه المعروف، ومفعول الفعل محذوف أي فعززناهما بِثالِثٍ لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به.
وهو على ما روي عن ابن عباس شمعون الصفا ويقال سمعان أيضا، وقال وهب وكعب: شلوم. وعند شعيب الجبائي بولص بالصاد وبعضهم يحكيه بالسين. وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو بكر والمفضل وأبان «فعززنا» بالتخفيف وهو التشديد لغتان كشدة وشدده فالمعنى واحد، وقال أبو علي المخفف من عزه إذا غلبه ومنه قولهم من عزيز أي من غلب سلب، والمعنى عليه فغلبناهم بحجة ثالث. وقرأ عبد الله «بالثالث» فَقالُوا عطف على «فكذبوهما» فعززنا والفاء للتعقيب أي فقال الثلاثة بعد تكذيب الاثنين والتعزيز بثالث إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ولا يضر في نسبة القول إلى الثلاثة سكوت البعض إذ يكفي الاتفاق بل قالوا طريقة التكلم مع الغير كون المتكلم واحدا والغير متفقا معه قالُوا أي أصحاب القرية مخاطبين للثلاثة ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا من غير مزية لكم علينا موجبة لاختصاصكم بما تدعونه، ورفع بَشَرٌ لانتقاض النفي بإلا فإن- ما- عملت حملا على ليس فإذا انتقض نفيها بدخول إلا على الخبر ضعف الشبه فيها فبطل عملها خلافا ليونس، ومثل صفة بَشَرٌ ولم يكتسب تعريفا بالإضافة كما عرف في النحو وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ مما تدعون من الوحي على أحد وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام وكان تخصيص هذا الاسم الجليل من بين أسمائه عزّ وجلّ لزعمهم أن الرحمة تأبى إنزال
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ بناء على أنه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية، وقال ابن عباس وكعب هم رسل الله تعالى: واختاره بعض الأجلة وادعى أن الله تعالى أرسلهم ردءا لعيسى عليه السّلام مقررين لشريعته كهارون لموسى عليهما السّلام، وأيد بظاهر إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ وقول المرسل إليهم ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا إذ البشرية تنافي على زعمهم الرسالة من الله تعالى لا من غيره سبحانه، واستدل البعض على ذلك بظهور المعجزة كإبراء الأكمه وإحياء الميت على أيديهم كما جاء في بعض الآثار والمعجزة مختصة بالنبي على ما قرر في الكلام، ومن ذهب إلى الأول أجاب عن الأول بما سمعت وعن الثاني بأنهم إما أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله تعالى دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل رسالته ونزلوه منزلة الحاضر تغليبا فقالوا ما قالوه، وعن الثالث بأن ما ظهر على أيديهم إن صح الأثر كان كرامة لهم في معنى المعجزة لعيسى عليه السّلام ولا يتعين كونه معجزة لهم إلا إذا كانوا قد ادعوا الرسالة من الله تعالى بدون واسطة وهو أول المسألة، و «إذ» بدل من إذ الأولى، والاثنان قيل يوحنا وبولس، وقال مقاتل تومان وبولس، وقال شعيب الجبائي شمعون ويوحنا، وقال وهب وكعب: صادق وصدوق، وقيل نازوص وماروص.
وقيل أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ دون أرسلنا إليها ليطابق إذ جاءها لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضا التعقيب بقوله تعالى: فَكَذَّبُوهُما عليه أظهر وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ [الأعراف: ١٦٠] وسميت الفاء الفصيحة لأنها تفصح عن فعل محذوف وكان أصحاب القرية إذ ذاك عباد أصنام فَعَزَّزْنا أي قويناهما وشددنا قاله مجاهد وابن قتيبة، وقال يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب، وقال غيره: يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وشدها ويقال للأرض الصلبة العزاز ومنه العز بمعناه المعروف، ومفعول الفعل محذوف أي فعززناهما بِثالِثٍ لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به.
وهو على ما روي عن ابن عباس شمعون الصفا ويقال سمعان أيضا، وقال وهب وكعب: شلوم. وعند شعيب الجبائي بولص بالصاد وبعضهم يحكيه بالسين. وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو بكر والمفضل وأبان «فعززنا» بالتخفيف وهو التشديد لغتان كشدة وشدده فالمعنى واحد، وقال أبو علي المخفف من عزه إذا غلبه ومنه قولهم من عزيز أي من غلب سلب، والمعنى عليه فغلبناهم بحجة ثالث. وقرأ عبد الله «بالثالث» فَقالُوا عطف على «فكذبوهما» فعززنا والفاء للتعقيب أي فقال الثلاثة بعد تكذيب الاثنين والتعزيز بثالث إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ولا يضر في نسبة القول إلى الثلاثة سكوت البعض إذ يكفي الاتفاق بل قالوا طريقة التكلم مع الغير كون المتكلم واحدا والغير متفقا معه قالُوا أي أصحاب القرية مخاطبين للثلاثة ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا من غير مزية لكم علينا موجبة لاختصاصكم بما تدعونه، ورفع بَشَرٌ لانتقاض النفي بإلا فإن- ما- عملت حملا على ليس فإذا انتقض نفيها بدخول إلا على الخبر ضعف الشبه فيها فبطل عملها خلافا ليونس، ومثل صفة بَشَرٌ ولم يكتسب تعريفا بالإضافة كما عرف في النحو وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ مما تدعون من الوحي على أحد وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام وكان تخصيص هذا الاسم الجليل من بين أسمائه عزّ وجلّ لزعمهم أن الرحمة تأبى إنزال
393
الوحي لاستدعائه تكليفا لا يعود منه نفع له سبحانه ولا يتوقف إيصاله تعالى الثواب إلى العبد عليه، وقيل ذكر الرحمن في الحكاية لا في المحكي وهم قالوا لا إله ولا رسالة لما في بعض الآثار أنهم قالوا ألنا إله سوى آلهتنا، والتعبير به لحلمه تعالى عليهم ورحمته سبحانه إياهم بعدم تعجيل العذاب آن إنكارهم ولعل ما تقدم أولى وأظهر ولا جزم بصحة ما ينافيه من الأثر.
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ فيما تدعون وهذا تصريح بما قصدوه من الجملتين السابقتين واختيار تكذبون على كاذبون للدلالة على التجدد.
قالُوا أي المرسلون رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ استشهدوا بعلم الله تعالى وهو جار مجرى القسم في التأكيد والجواب بما يجاب به، وذكر أن من استشهد به كاذبا يكفر ولا كذلك القسم على كذب، وفيه تحذيرهم معارضة علم الله تعالى، وفي اختيار عنوان الربوبية رمز إلى حكمة الإرسال كما رمز الكفرة إلى ما ينافيه بزعمهم.
وإضافة رب إلى ضمير الرسل لا يأبى ذلك، ويجوز أن يكون اختياره لأنه أوفق بالحال التي هم فيها من إظهار المعجز على أيديهم فكأنهم قالوا ناصرنا بالمعجزات يعلم إنا إليك لمرسلون، وتقديم المسند إليه لتقوية الحكم أو للحصر أي ربنا يعلم لا أنتم لانتفاء النظر في الآيات عنكم وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ إلا بتبليغ رسالته تعالى تبليغا ظاهرا بينا بحيث لا يخفى على سامعه ولا يقبل التأويل والحمل على خلاف المراد أصلا وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة علينا من جهة ربنا كذا قيل، والأولى أن يفسر التبليغ المبين بما قرن بالآيات الشاهدة على الصحة وهم قد بلغوا كذلك بناء على ما روي من أنهم أبرؤوا الأكمه وأحيوا الميت أو أنهم فعلوا خارقا غير ما ذكر ولم ينقل لنا ولم يلتزم في الكتاب الجليل ولا في الآثار ذكر خارق كل رسول كما لا يخفى، ثم إن ذلك أما معجزة لهم على القول بأنهم رسل الله تعالى بدون واسطة أو كرامة لهم معجزة لمرسلهم عيسى عليه السّلام على القول بأنهم رسله عليه السّلام، والمعنى ما علينا من جهة ربنا إلا التبليغ البين بالآيات وقد فعلنا فلا مؤاخذة علينا أو ما علينا شيء نطالب به من جهتكم إلا تبليغ الرسالة على الوجه المذكور وقد بلغنا كذلك فأي شيء تطلبون منا حتى تصدقونا بدعوانا ولكون تبليغهم كان بينا بهذا المعنى حسن منهم الاستشهاد بالعلم فلا تغفل، وجاء كلام الرسل ثانيا في غاية التأكيد لمبالغة الكفرة في الإنكار جدا حيث أتوا بثلاث جمل وكل منها دال على شدة الإنكار كما لا يخفى على من له أدنى تأمل قال السكاكي: أكدوا في المرة الأولى لأن تكذيب الاثنين تكذيب للثالث لاتحاد المقالة فلما بالغوا في تكذيبهم زادوا في التأكيد، وقال الزمخشري: إن الكلام الأول ابتداء أخبار والثاني جواب عن إنكار، ووجه ذلك السيد السند بأن الأول ابتداء أخبار بالنظر إلى أن مجموع الثلاثة لم يسق منهم أخبار فلا تكذيب لهم في المرة الأولى فيحمل التأكيد فيها على الاعتناء والاهتمام منهم بشأن الخبر انتهى، وفيه أن الثلاثة كانوا عالمين بإنكارهم والكلام المخرج مع المنكر لا يقال له ابتداء أخبار، وقال صاحب الكشف: أراد أنه غير مسبوق بأخبار سابق ولم يرد أنه كلام مع خالي الذهن أو جعل الابتداء باعتبار قول الثالث أو المجموع، وقال الجلبي: لعل مراده أنه بمنزلة ابتداء أخبار بالنسبة إلى إنكارهم الثاني في عدم احتياجه إلى مثل تلك المؤكدات فكان إنكارهم الأول لا يعد إنكارا بالنسبة إلى إنكارهم الثاني لا أنه ابتداء أخبار حقيقة، ولا يخفى ضعف ذلك، وقال الفاضل اليمني: إنما أكد القول الأول لتنزيلهم منزلة من أنكر إرسال الثلاثة لأنه قد لاح ذلك من إنكار الاثنين فعلى هذا يكون ابتداء أخبار بالنظر إلى إخراج الكلام على مقتضى الظاهر وإنكاريا بالنظر إلى إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر فنظر الزمخشري أدق من نظر السكاكي وإن قال السيد السند بالعكس، ويعلم ما فيه مما تقدم بأدنى نظر، وقال أجل المتأخرين الفاضل عبد الحكيم السالكوتي: عندي أن ما ذكره السكاكي
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ فيما تدعون وهذا تصريح بما قصدوه من الجملتين السابقتين واختيار تكذبون على كاذبون للدلالة على التجدد.
قالُوا أي المرسلون رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ استشهدوا بعلم الله تعالى وهو جار مجرى القسم في التأكيد والجواب بما يجاب به، وذكر أن من استشهد به كاذبا يكفر ولا كذلك القسم على كذب، وفيه تحذيرهم معارضة علم الله تعالى، وفي اختيار عنوان الربوبية رمز إلى حكمة الإرسال كما رمز الكفرة إلى ما ينافيه بزعمهم.
وإضافة رب إلى ضمير الرسل لا يأبى ذلك، ويجوز أن يكون اختياره لأنه أوفق بالحال التي هم فيها من إظهار المعجز على أيديهم فكأنهم قالوا ناصرنا بالمعجزات يعلم إنا إليك لمرسلون، وتقديم المسند إليه لتقوية الحكم أو للحصر أي ربنا يعلم لا أنتم لانتفاء النظر في الآيات عنكم وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ إلا بتبليغ رسالته تعالى تبليغا ظاهرا بينا بحيث لا يخفى على سامعه ولا يقبل التأويل والحمل على خلاف المراد أصلا وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة علينا من جهة ربنا كذا قيل، والأولى أن يفسر التبليغ المبين بما قرن بالآيات الشاهدة على الصحة وهم قد بلغوا كذلك بناء على ما روي من أنهم أبرؤوا الأكمه وأحيوا الميت أو أنهم فعلوا خارقا غير ما ذكر ولم ينقل لنا ولم يلتزم في الكتاب الجليل ولا في الآثار ذكر خارق كل رسول كما لا يخفى، ثم إن ذلك أما معجزة لهم على القول بأنهم رسل الله تعالى بدون واسطة أو كرامة لهم معجزة لمرسلهم عيسى عليه السّلام على القول بأنهم رسله عليه السّلام، والمعنى ما علينا من جهة ربنا إلا التبليغ البين بالآيات وقد فعلنا فلا مؤاخذة علينا أو ما علينا شيء نطالب به من جهتكم إلا تبليغ الرسالة على الوجه المذكور وقد بلغنا كذلك فأي شيء تطلبون منا حتى تصدقونا بدعوانا ولكون تبليغهم كان بينا بهذا المعنى حسن منهم الاستشهاد بالعلم فلا تغفل، وجاء كلام الرسل ثانيا في غاية التأكيد لمبالغة الكفرة في الإنكار جدا حيث أتوا بثلاث جمل وكل منها دال على شدة الإنكار كما لا يخفى على من له أدنى تأمل قال السكاكي: أكدوا في المرة الأولى لأن تكذيب الاثنين تكذيب للثالث لاتحاد المقالة فلما بالغوا في تكذيبهم زادوا في التأكيد، وقال الزمخشري: إن الكلام الأول ابتداء أخبار والثاني جواب عن إنكار، ووجه ذلك السيد السند بأن الأول ابتداء أخبار بالنظر إلى أن مجموع الثلاثة لم يسق منهم أخبار فلا تكذيب لهم في المرة الأولى فيحمل التأكيد فيها على الاعتناء والاهتمام منهم بشأن الخبر انتهى، وفيه أن الثلاثة كانوا عالمين بإنكارهم والكلام المخرج مع المنكر لا يقال له ابتداء أخبار، وقال صاحب الكشف: أراد أنه غير مسبوق بأخبار سابق ولم يرد أنه كلام مع خالي الذهن أو جعل الابتداء باعتبار قول الثالث أو المجموع، وقال الجلبي: لعل مراده أنه بمنزلة ابتداء أخبار بالنسبة إلى إنكارهم الثاني في عدم احتياجه إلى مثل تلك المؤكدات فكان إنكارهم الأول لا يعد إنكارا بالنسبة إلى إنكارهم الثاني لا أنه ابتداء أخبار حقيقة، ولا يخفى ضعف ذلك، وقال الفاضل اليمني: إنما أكد القول الأول لتنزيلهم منزلة من أنكر إرسال الثلاثة لأنه قد لاح ذلك من إنكار الاثنين فعلى هذا يكون ابتداء أخبار بالنظر إلى إخراج الكلام على مقتضى الظاهر وإنكاريا بالنظر إلى إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر فنظر الزمخشري أدق من نظر السكاكي وإن قال السيد السند بالعكس، ويعلم ما فيه مما تقدم بأدنى نظر، وقال أجل المتأخرين الفاضل عبد الحكيم السالكوتي: عندي أن ما ذكره السكاكي
394
مبني على عطف فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ على فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا والفاء للتعقيب فيكون الكلام صادرا عن الثلاثة بعد تكذيب الاثنين والتعزيز بثالث فكان كلاما مع المنكرين فجاء مؤكدا، وقول الزمخشري مبني على أنه عطف على إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ وأنه تفصيل للقصة المذكورة إجمالا بقوله سبحانه: إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إلى قوله تعالى: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فالفاء للتفصيل فقوله تعالى: فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ بيان لقوله عزّ وجلّ: إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فيكون ابتداء إخبار صدر من الاثنين قالوا بصيغة الجمع تقريرا لشأن الخبر وقوله تعالى: قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا إلخ بيان لقوله تعالى: فَكَذَّبُوهُما وقوله سبحانه: بُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ
بيان لقوله عزّ شأنه: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فإن البلاغ المبين هو إثباتهم الرسالة بالمعجزات وهو التعزيز والغلبة ثم قال: ولا يخفى حسن هذا التفسير لموافقته للقصة المذكورة في التفاسير وملاءمته لسوق الآية فإنها ذكرت أولا إجمالا بقوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ ثم فصلت بعض التفصيل بقوله تعالى: إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إلى قوله سبحانه: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ثم فصلت تفصيلا تاما بقوله تعالى: فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ إلى قوله تعالى: خامِدُونَ وعدم احتياجه إلى جعل الفاء في فَكَذَّبُوهُما فصيحة بخلاف تفسير السكاكي فإنه يحتاج إلى تقدير فدعوا إلى التوحيد اهـ
. ولا يخفى على المنصف أنه تفسير في غاية البعد والكلام عليه واصل إلى رتبة الألغاز، ومع هذا فيه ما فيه، وأنا أقول: لا يبعد أن يكون الزمخشري أراد بكلامه أحد الاحتمالات التي ذكرت في توجيهه إلا أن ما ذهب إليه السكاكي أبعد عن التكلف وأسلم عن القيل والقال قالُوا لما ضاقت عليهم الحيل وعييت بهم العلل إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ أي تشاءمنا بكم جريا على ديدن الجهلة حيث يتيمنون بكل ما يوافق شهواتهم وإن كان مستجلبا لكل شر ويتشاءمون بما لا يوافقها وإن كان مستتبعا لكل خير أو بناء على أن الدعوة لا تخلو عن الوعيد بما يكرهونه من إصابة ضر إن لم يؤمنوا فكانوا ينفرون عنه، وقد قال مقاتل: إنه حبس عنهم المطر وقال آخر: أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل عليهم السّلام، وقال ابن عطيّة: أن تطير هؤلاء كان بسبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس، وأصل التطير التفاؤل بالطير البارح والسانح ثم عم، وكان مناط التطير بهم مقالتهم كما يشعر به قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا أي عن مقالتكم هذه.
لَنَرْجُمَنَّكُمْ بالحجارة قاله قتادة وذكر فيه احتمالان احتمال أن يكون الرجم للقتل أي لنقتلنكم بالرجم بالحجارة واحتمال أن يكون للأذى أي لنؤذينكم بذلك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قال: أي لنشتمنكم ثم قال: والرجم في القرآن كله الشتم.
وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ قال في البحر: وهو الحريق، وقيل عذاب غيره تبقى معه الحياة، والمراد لنقتلنكم بالحجارة أو لنعذبنكم إذا لم نقتلكم عذابا أليما لا يقادر قدره تتمنون معه القتل، وقيل أريد بالعذاب الأليم العذاب الروحاني وأريد بالرجم بالحجارة النوع المخصوص من الأذى الجسماني فكأنهم قد رددوا الأمر بين إيذاء جسماني وإيذاء روحاني، وقيل أريد بالعذاب الأليم الجسماني وبالرجم العذاب والأذى الروحاني بناء على أن المراد به الشتم، وقيل غير ذلك قالُوا أي الرسل ردا عليهم طائِرُكُمْ أي سبب شؤمكم مَعَكُمْ لا من قبلنا كما تزعمون وهو سوء عقيدتكم وقبح أعمالكم.
وأخرج ابن المنذر وعن ابن عباس أنه فسر الطائر بنفس الشؤم أي شؤمكم معكم وهو الإقامة على الكفر وأما نحن فلا شؤم معنا لأنا ندعو إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وفيه غاية الدين والخير والبركة، وعن أبي عبيدة والمبرد
بيان لقوله عزّ شأنه: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فإن البلاغ المبين هو إثباتهم الرسالة بالمعجزات وهو التعزيز والغلبة ثم قال: ولا يخفى حسن هذا التفسير لموافقته للقصة المذكورة في التفاسير وملاءمته لسوق الآية فإنها ذكرت أولا إجمالا بقوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ ثم فصلت بعض التفصيل بقوله تعالى: إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إلى قوله سبحانه: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ثم فصلت تفصيلا تاما بقوله تعالى: فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ إلى قوله تعالى: خامِدُونَ وعدم احتياجه إلى جعل الفاء في فَكَذَّبُوهُما فصيحة بخلاف تفسير السكاكي فإنه يحتاج إلى تقدير فدعوا إلى التوحيد اهـ
. ولا يخفى على المنصف أنه تفسير في غاية البعد والكلام عليه واصل إلى رتبة الألغاز، ومع هذا فيه ما فيه، وأنا أقول: لا يبعد أن يكون الزمخشري أراد بكلامه أحد الاحتمالات التي ذكرت في توجيهه إلا أن ما ذهب إليه السكاكي أبعد عن التكلف وأسلم عن القيل والقال قالُوا لما ضاقت عليهم الحيل وعييت بهم العلل إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ أي تشاءمنا بكم جريا على ديدن الجهلة حيث يتيمنون بكل ما يوافق شهواتهم وإن كان مستجلبا لكل شر ويتشاءمون بما لا يوافقها وإن كان مستتبعا لكل خير أو بناء على أن الدعوة لا تخلو عن الوعيد بما يكرهونه من إصابة ضر إن لم يؤمنوا فكانوا ينفرون عنه، وقد قال مقاتل: إنه حبس عنهم المطر وقال آخر: أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل عليهم السّلام، وقال ابن عطيّة: أن تطير هؤلاء كان بسبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس، وأصل التطير التفاؤل بالطير البارح والسانح ثم عم، وكان مناط التطير بهم مقالتهم كما يشعر به قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا أي عن مقالتكم هذه.
لَنَرْجُمَنَّكُمْ بالحجارة قاله قتادة وذكر فيه احتمالان احتمال أن يكون الرجم للقتل أي لنقتلنكم بالرجم بالحجارة واحتمال أن يكون للأذى أي لنؤذينكم بذلك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قال: أي لنشتمنكم ثم قال: والرجم في القرآن كله الشتم.
وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ قال في البحر: وهو الحريق، وقيل عذاب غيره تبقى معه الحياة، والمراد لنقتلنكم بالحجارة أو لنعذبنكم إذا لم نقتلكم عذابا أليما لا يقادر قدره تتمنون معه القتل، وقيل أريد بالعذاب الأليم العذاب الروحاني وأريد بالرجم بالحجارة النوع المخصوص من الأذى الجسماني فكأنهم قد رددوا الأمر بين إيذاء جسماني وإيذاء روحاني، وقيل أريد بالعذاب الأليم الجسماني وبالرجم العذاب والأذى الروحاني بناء على أن المراد به الشتم، وقيل غير ذلك قالُوا أي الرسل ردا عليهم طائِرُكُمْ أي سبب شؤمكم مَعَكُمْ لا من قبلنا كما تزعمون وهو سوء عقيدتكم وقبح أعمالكم.
وأخرج ابن المنذر وعن ابن عباس أنه فسر الطائر بنفس الشؤم أي شؤمكم معكم وهو الإقامة على الكفر وأما نحن فلا شؤم معنا لأنا ندعو إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وفيه غاية الدين والخير والبركة، وعن أبي عبيدة والمبرد
395
طائِرُكُمْ أي حظكم ونصيبكم من الخير والشر معكم من أفعالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش «طيركم» بياء ساكنة بعد الطاء، قال الزجاج: الطائر والطير بمعنى، وفي القاموس الطير جمع طائر وقد يقع على الواحد وذكر أن الطير لم يقع في القرآن الكريم إلا جمعا كقوله تعالى: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ [النور: ٤١] فإذا كان في هذه القراءة كذلك فطائر وإن كان مفردا لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع فالقراءتان متوافقتان، وعن الحسن أنه قرأ «أطيركم» مصدر أطير الذي أصله تطير فأدغمت التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بهمزتين الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة إن الشرطية حققها الكوفيون وابن عامر وسهلها باقي السبعة.
واختلف سيبويه ويونس فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام أي تقدير المستفهم عنه وكأنه يستغني به عن تقدير جواب الشرط فالمعنى عليه أئن ذكرتم ووعظتم بما فيه سعادتكم تتطيرون أو تتوعدون أو نحو ذلك ويقدر مضارع مرفوع وإن شئت قدرت ماضيا كتطيرتم.
وذهب يونس إلى إجابة الشرط وكأنه يستغني به عن إجابة الاستفهام وتقدير مصب له فالتقدير أئن ذكرتم تتطيروا أو نحوه مما يدل عليه ما قبل ويقدر مضارع مجزوم وإن شئت قدرت ماضيا مجزوم المحل. وقرأ زر بهمزتين مفتوحتين وهي قراءة أبي جعفر. وطلحة إلا أنهما لينا الثانية بين بين، وعلى تحقيقهما جاء قول الشاعر:
فالهمزة الأولى للاستفهام والثانية همزة إن المصدرية والكلام على تقدير حرف لام الجر أي ألأن ذكرتم تطيرتم.
وقرأ الماجشون يوسف بني عقوب المدني بهمزة واحدة مفتوحة فيحتمل تقدير همزة الاستفهام فتتحد هذه القراءة والتي قبلها معنى، ويحتمل عدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر، وهو على ما قيل مسوق للتعجب والتوبيخ، وتقدير حرف الجر على حاله، والجر متعلق بمحذوف على ما يشعر به كلام الكشاف أي تطيرتم لأن ذكرتم، وقال ابن جني إِنْ ذُكِّرْتُمْ على هذه القراءة معمول طائِرُكُمْ مَعَكُمْ فإنهم لما قالوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ أجيبوا بل طائركم معكم إن ذكرتم أي هو معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا فاكتفي بالسبب الذي هو التذكير عن المسبب الذي هو الانتهاء كما وصفوا الطائر موضع مسببه وهو التشاؤم لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيب الغراب أو بروحه. وقرأ الحسن بهمزة واحدة مكسورة وفي ذلك احتمالان تقدير الهمزة فتتحد هذه القراءة وقراءة الجمهور وعدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر والجواب محذوف لدلالة ما قبل عليه وتقديره كما تقدم، وقرأ أبو عمرو في رواية وزر أيضا بهمزتين مفتوحتين بينهما مدة كأنه استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف. وقرأ أيضا أبو جعفر والحسن وكذا قرأ قتادة والأعمش وغيرهما «أين» بهمزة مفتوحة وياء ساكنة وفتح النون «ذكرتم» بتخفيف الكاف على أن أين ظرف أداة شرط وجوابها محذوف لدلالة طائركم عليه على ما قيل أي أين ذكرتم صحبكم طائركم والمراد شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم وفيه من المبالغة بشؤمهم ما لا يخفى.
وفي البحر من جوز تقديم الجزاء على الشرط وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد يجوز أن يكون الجواب طائركم معكم وكان أصله أين ذكرتم فطائركم معكم فلما قدم حذفت الفاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أي عادتكم الإسراف ومجاوزة الحد في العصيان مستمرون عليه فمن ثم أتاكم الشؤم لا من قبل رسل الله تعالى وتذكيرهم فهو إضراب عما يقتضيه قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ من إنكار أن يكون ما هو سبب السعادات أجمع سبب الشؤم لأنه تنبيه وتعريك إلى البت عليهم بلزام الشؤم وإثبات الإسراف الذي هو أبلغ وهو جالب الشؤم كله أو بل أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ في
وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش «طيركم» بياء ساكنة بعد الطاء، قال الزجاج: الطائر والطير بمعنى، وفي القاموس الطير جمع طائر وقد يقع على الواحد وذكر أن الطير لم يقع في القرآن الكريم إلا جمعا كقوله تعالى: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ [النور: ٤١] فإذا كان في هذه القراءة كذلك فطائر وإن كان مفردا لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع فالقراءتان متوافقتان، وعن الحسن أنه قرأ «أطيركم» مصدر أطير الذي أصله تطير فأدغمت التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بهمزتين الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة إن الشرطية حققها الكوفيون وابن عامر وسهلها باقي السبعة.
واختلف سيبويه ويونس فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام أي تقدير المستفهم عنه وكأنه يستغني به عن تقدير جواب الشرط فالمعنى عليه أئن ذكرتم ووعظتم بما فيه سعادتكم تتطيرون أو تتوعدون أو نحو ذلك ويقدر مضارع مرفوع وإن شئت قدرت ماضيا كتطيرتم.
وذهب يونس إلى إجابة الشرط وكأنه يستغني به عن إجابة الاستفهام وتقدير مصب له فالتقدير أئن ذكرتم تتطيروا أو نحوه مما يدل عليه ما قبل ويقدر مضارع مجزوم وإن شئت قدرت ماضيا مجزوم المحل. وقرأ زر بهمزتين مفتوحتين وهي قراءة أبي جعفر. وطلحة إلا أنهما لينا الثانية بين بين، وعلى تحقيقهما جاء قول الشاعر:
إن كنت داود بن أحوى مرجلا | فلست براع لابن عمك محرما |
وقرأ الماجشون يوسف بني عقوب المدني بهمزة واحدة مفتوحة فيحتمل تقدير همزة الاستفهام فتتحد هذه القراءة والتي قبلها معنى، ويحتمل عدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر، وهو على ما قيل مسوق للتعجب والتوبيخ، وتقدير حرف الجر على حاله، والجر متعلق بمحذوف على ما يشعر به كلام الكشاف أي تطيرتم لأن ذكرتم، وقال ابن جني إِنْ ذُكِّرْتُمْ على هذه القراءة معمول طائِرُكُمْ مَعَكُمْ فإنهم لما قالوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ أجيبوا بل طائركم معكم إن ذكرتم أي هو معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا فاكتفي بالسبب الذي هو التذكير عن المسبب الذي هو الانتهاء كما وصفوا الطائر موضع مسببه وهو التشاؤم لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيب الغراب أو بروحه. وقرأ الحسن بهمزة واحدة مكسورة وفي ذلك احتمالان تقدير الهمزة فتتحد هذه القراءة وقراءة الجمهور وعدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر والجواب محذوف لدلالة ما قبل عليه وتقديره كما تقدم، وقرأ أبو عمرو في رواية وزر أيضا بهمزتين مفتوحتين بينهما مدة كأنه استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف. وقرأ أيضا أبو جعفر والحسن وكذا قرأ قتادة والأعمش وغيرهما «أين» بهمزة مفتوحة وياء ساكنة وفتح النون «ذكرتم» بتخفيف الكاف على أن أين ظرف أداة شرط وجوابها محذوف لدلالة طائركم عليه على ما قيل أي أين ذكرتم صحبكم طائركم والمراد شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم وفيه من المبالغة بشؤمهم ما لا يخفى.
وفي البحر من جوز تقديم الجزاء على الشرط وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد يجوز أن يكون الجواب طائركم معكم وكان أصله أين ذكرتم فطائركم معكم فلما قدم حذفت الفاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أي عادتكم الإسراف ومجاوزة الحد في العصيان مستمرون عليه فمن ثم أتاكم الشؤم لا من قبل رسل الله تعالى وتذكيرهم فهو إضراب عما يقتضيه قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ من إنكار أن يكون ما هو سبب السعادات أجمع سبب الشؤم لأنه تنبيه وتعريك إلى البت عليهم بلزام الشؤم وإثبات الإسراف الذي هو أبلغ وهو جالب الشؤم كله أو بل أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ في
396
ضلالكم متمادون في غيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من الهداة لدين الله تعالى فهو إضراب عن مجموع الكلام أجابوهم بأنهم جعلوا أسبابا للسعادة مدمجين فيه التنبيه على سوء صنيعهم في الحرمان عنها ثم أضربوا عنه إلى ما فعل القوم من التعكيس لما يقتضيه النظر الصحيح فتأمل.
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ أي من أبعد مواضعها رَجُلٌ أي رجل عند الله تعالى فتنوينه للتعظيم، وجوز أن يكون التنكير لإفادة أن المرسلين لا يعرفونه ليتواطؤوا معه واسمه- على ما روي عن ابن عباس وأبي مجلز وكعب الأحبار ومجاهد ومقاتل- حبيب وهو ابن إسرائيل على ما قيل، وقيل: ابن مري وكان على المشهور نجارا، وقيل:
كان حراثا، وقيل: قصارا، وقيل: إسكافا، وقيل: نحاتا للأصنام ويمكن أن يكون جامعا لهذه الصفات، وذكر بعضهم أنه كان في غار مؤمنا يعبد ربه عزّ وجلّ فلما سمع أن قومه كذبوا الرسل جاء يَسْعى أي يعدو ويسرع في مشيه حرصا على نصح قومه، وقيل: إنه يسمع أن قومه عزموا على قتل الرسل فقصدي وجه الله تعالى بالذب عنهم فسعى هنا مثلها في قوله تعالى: وَسَعى لَها سَعْيَها [الإسراء: ١٩] وهو مجاز مشهور وكونه في غار لا ينافي مجيئه من أقصى المدينة لجواز أن يكون في أقصاها غار، نعم هذا القول ظاهر في أنه كان مؤمنا وهو ينافي أنه كان نحاتا للأصنام.
وأجيب بأن المراد ينحت التماثيل لا للعبادة وكان في تلك الشريعة مباحا، وحكي القول بإيمانه عن ابن أبي ليلى، ونقل في البحر عنه أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا قط طرفة عين علي بن أبي طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون.
وذكر الزمخشري وجماعة هذا حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكذا ذكروا أنه ممن آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما، ولم يؤمن أحد بنبي غيره عليه الصلاة والسلام قبل ظهوره.
وقيل كان مجذوما وكان منزله أقصى باب من أبواب المدينة عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره فلم يكشف فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله تعالى قال: هل من آية؟ قالوا: نعم ندعو ربنا القادر يفرج عنك ما بك فقال: إن هذا لعجب لي سبعون سن أدعو هذه الآلهة فلم تستطع تفريجه فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: إن هذا لعجب لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع تفريجه فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: ربنا على ما يشاء قدير وهذه لا تنفع شيئا ولا تضر فآمن ودعوا ربهم سبحانه فكشف عزّ وجلّ ما به كأن لم يكن به بأس فأقبل على التكسب فإذا أمسى تصدق بنصف كسبه وأنفق النصف الآخر على نفسه وعياله فلما هم قومه بقتل الرسل جاء من أقصى المدينة يسعى
، وعلى هذا نحته للأصنام غير مشكل ولا يحتاج إلى ذلك الجواب البعيد، نعم بين هذا وبين خبر سباق الأمم ثلاثة وأنه ممن آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم كما آمن تبع منافاة، وكون إيمانه به عليه الصلاة والسلام إنما كان على يد الرسل وإن كان خلاف الظاهر دافع للمنافاة بينه وبين الأخير فتبقى المنافاة بينه وبين الخبر الأول إلا أن يقال: المراد سباق الأمم إلى الإيمان بعد الدعوة ثلاثة لم يكفروا بعدها قط طرفة عين، ومما يدل بظاهره أن الرجل لم يكن قبل مؤمنا ما حكي أن المرسلين اللذين أرسلا أولا لما قربا إلى المدينة رأياه يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية؟ فقالا:
نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرىء فآمن، وحمل آمن على أظهر الإيمان خلاف الظاهر، والذي يترجح في نظري أنه كان مؤمنا بالمرسلين قبل مجيئه ونصحه لقومه ولا جزم لي بإيمانه ولا عدمه قبل إرسال الرسل، وظواهر الأخبار في ذلك متعارضة ومع هذا لم يتحقق عندي صحة شيء منها والله أعلم تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وجاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ هنا مقدما على رَجُلٌ عكس ما جاء في القصص وجعله أبو حيان من التفنن في البلاغة.
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ أي من أبعد مواضعها رَجُلٌ أي رجل عند الله تعالى فتنوينه للتعظيم، وجوز أن يكون التنكير لإفادة أن المرسلين لا يعرفونه ليتواطؤوا معه واسمه- على ما روي عن ابن عباس وأبي مجلز وكعب الأحبار ومجاهد ومقاتل- حبيب وهو ابن إسرائيل على ما قيل، وقيل: ابن مري وكان على المشهور نجارا، وقيل:
كان حراثا، وقيل: قصارا، وقيل: إسكافا، وقيل: نحاتا للأصنام ويمكن أن يكون جامعا لهذه الصفات، وذكر بعضهم أنه كان في غار مؤمنا يعبد ربه عزّ وجلّ فلما سمع أن قومه كذبوا الرسل جاء يَسْعى أي يعدو ويسرع في مشيه حرصا على نصح قومه، وقيل: إنه يسمع أن قومه عزموا على قتل الرسل فقصدي وجه الله تعالى بالذب عنهم فسعى هنا مثلها في قوله تعالى: وَسَعى لَها سَعْيَها [الإسراء: ١٩] وهو مجاز مشهور وكونه في غار لا ينافي مجيئه من أقصى المدينة لجواز أن يكون في أقصاها غار، نعم هذا القول ظاهر في أنه كان مؤمنا وهو ينافي أنه كان نحاتا للأصنام.
وأجيب بأن المراد ينحت التماثيل لا للعبادة وكان في تلك الشريعة مباحا، وحكي القول بإيمانه عن ابن أبي ليلى، ونقل في البحر عنه أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا قط طرفة عين علي بن أبي طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون.
وذكر الزمخشري وجماعة هذا حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكذا ذكروا أنه ممن آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما، ولم يؤمن أحد بنبي غيره عليه الصلاة والسلام قبل ظهوره.
وقيل كان مجذوما وكان منزله أقصى باب من أبواب المدينة عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره فلم يكشف فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله تعالى قال: هل من آية؟ قالوا: نعم ندعو ربنا القادر يفرج عنك ما بك فقال: إن هذا لعجب لي سبعون سن أدعو هذه الآلهة فلم تستطع تفريجه فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: إن هذا لعجب لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع تفريجه فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: ربنا على ما يشاء قدير وهذه لا تنفع شيئا ولا تضر فآمن ودعوا ربهم سبحانه فكشف عزّ وجلّ ما به كأن لم يكن به بأس فأقبل على التكسب فإذا أمسى تصدق بنصف كسبه وأنفق النصف الآخر على نفسه وعياله فلما هم قومه بقتل الرسل جاء من أقصى المدينة يسعى
، وعلى هذا نحته للأصنام غير مشكل ولا يحتاج إلى ذلك الجواب البعيد، نعم بين هذا وبين خبر سباق الأمم ثلاثة وأنه ممن آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم كما آمن تبع منافاة، وكون إيمانه به عليه الصلاة والسلام إنما كان على يد الرسل وإن كان خلاف الظاهر دافع للمنافاة بينه وبين الأخير فتبقى المنافاة بينه وبين الخبر الأول إلا أن يقال: المراد سباق الأمم إلى الإيمان بعد الدعوة ثلاثة لم يكفروا بعدها قط طرفة عين، ومما يدل بظاهره أن الرجل لم يكن قبل مؤمنا ما حكي أن المرسلين اللذين أرسلا أولا لما قربا إلى المدينة رأياه يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية؟ فقالا:
نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرىء فآمن، وحمل آمن على أظهر الإيمان خلاف الظاهر، والذي يترجح في نظري أنه كان مؤمنا بالمرسلين قبل مجيئه ونصحه لقومه ولا جزم لي بإيمانه ولا عدمه قبل إرسال الرسل، وظواهر الأخبار في ذلك متعارضة ومع هذا لم يتحقق عندي صحة شيء منها والله أعلم تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وجاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ هنا مقدما على رَجُلٌ عكس ما جاء في القصص وجعله أبو حيان من التفنن في البلاغة.
397
وقال الخفاجي: قدم الجار والمجرور على الفاعل الذي حقه التقديم بيانا لفضله إذ هداه الله تعالى مع بعده عنهم وإن بعده لم يمنعه عن ذلك ولذا عبر بالمدينة هنا بعد التعبير بالقرية إشارة إلى السعة وإن الله تعالى يهدي من يشاء سواء قرب أو بعد، وقيل قدم للاهتمام حيث تضمن الإشارة إلى أن إنذارهم قد بلغ أقصى المدينة فيشعر بأنهم أتوا بالبلاغ المبين، وقيل إنه لو أخر توهم تعلقه بيسعى فلم يفد أنه من أهل المدينة مسكنه في طرفها وهو المقصود، وجملة يَسْعى صفة رَجُلٌ وجوز كونها حالا منه من جوز مجيء الحال من النكرة، وقوله تعالى: قالَ استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال عند مجيئه؟ فقيل: قال يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ وجوز كونه بيانا للسعي بمعنى قصد وجه الله عزّ وجلّ ولا يخفى ما فيه، والتعرض لعنوان رسالتهم لحثهم على اتباعهم كما أن خطابهم بيا قوم لتأليف قلوبهم واستمالتها نحو قبول نصيحته، وقوله تعالى: اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يتضمن نفي المانع عن اتباعهم بعد الإشارة إلى تحقق المقتضى، وقوله سبحانه: وَهُمْ مُهْتَدُونَ أي ثابتون على الاهتداء بما هم عليه إلى خير الدنيا والآخرة جملة حالية فيها ما يؤكد كونهم لا يسألون الأجر ولا ما يتبعه من طلب جاه وعلو ولذا جعلت إيغالا حسنا نحو قول الخنساء:
والظاهر أن الرجل لم يقل ذلك إلا بعد سبق إيمانه، وروي أنه لما بلغته الدعوة جاء يسعى فسمع كلامهم وفهمه ثم قال لهم: أتطلبون أجرا على دعوتكم هذه؟ قالوا: لا فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم قائلا: يا قَوْمِ إلخ، وللنحويين في مثل هذا التركيب وجهان، أحدهما أن تكون مَنْ بدلا من الْمُرْسَلِينَ بإعادة العامل كما أعيد إذا كان حرف جر نحو قوله تعالى: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ وإليه ذهب بعضهم وثانيهما وإليه ذهب الجمهور أنه ليس ببدل فإنه مخصوص بما إذا كان العامل المعاد حرف جر أما إذا كان رافعا أو ناصبا فيسمون ذلك بالتتبيع لا بالبدل، واستدل بالآية على نقص من يأخذ أجرة على شيء من أفعال الشرع والبحث مستوفى في الفروع وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي تلطف في إرشاد قومه بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كم ينبىء عنه قوله:
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وصريحا ولو قال: وإليه أرجع كان فيه تهديد بطريق التعريض، وعد التعبير بإليه ترجعون بعد التعبير بما لي لا أعبد من باب الالتفات لمكان التعريض بالمخاطبين في ما لِيَ لا أَعْبُدُ إلخ فيكون المغبر عنه في الأسلوبين واحدا بناء على ما ذهب إليه الخطيب والسعد التفتازاني من أن التعريض إما مجاز أو كناية وهو هاهنا مجاز لامتناع إرادة الموضوع له فيكون اللفظ مستعملا في غير ما وضع له فيتحد المعبر عنه، وحقق السيد السند أن المعنى التعريضي من مستتبعات الترتيب واللفظ ليس بمستعمل فيه بل هو بالنسبة إلى المستعمل فيه إما حقيقة أو مجاز أو كناية وعليه فضمير المتكلم في ما لِيَ إلخ ليس مستعملا في المخاطبين فلا يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدا فلا التفات، وجوز بعضهم كون الآية من الاحتباك والأصل وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وإليه أرجع ومالكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون فحذف من الأول نظير ما ذكر في الثاني وبالعكس وهو مفوت لما سمعت، وظاهر كلام الواحدي أنه لا تعريض في الآية حيث قال: لما قال الرجل: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ إلخ رفعوه إلى الملك فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟
فقال: ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي أي أي شيء لي إذا لم أعبد خالقي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تردون عند البعث فيجيزكم بكفركم، ورد عليه بأنه إذا رجع الإنكار إليه دون القوم لم يكن لخطابهم بترجعون معنى وكان الظاهر أرجع.
وإن صخرا لتأتم الهداة به | كأنه علم في رأسه نار |
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وصريحا ولو قال: وإليه أرجع كان فيه تهديد بطريق التعريض، وعد التعبير بإليه ترجعون بعد التعبير بما لي لا أعبد من باب الالتفات لمكان التعريض بالمخاطبين في ما لِيَ لا أَعْبُدُ إلخ فيكون المغبر عنه في الأسلوبين واحدا بناء على ما ذهب إليه الخطيب والسعد التفتازاني من أن التعريض إما مجاز أو كناية وهو هاهنا مجاز لامتناع إرادة الموضوع له فيكون اللفظ مستعملا في غير ما وضع له فيتحد المعبر عنه، وحقق السيد السند أن المعنى التعريضي من مستتبعات الترتيب واللفظ ليس بمستعمل فيه بل هو بالنسبة إلى المستعمل فيه إما حقيقة أو مجاز أو كناية وعليه فضمير المتكلم في ما لِيَ إلخ ليس مستعملا في المخاطبين فلا يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدا فلا التفات، وجوز بعضهم كون الآية من الاحتباك والأصل وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وإليه أرجع ومالكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون فحذف من الأول نظير ما ذكر في الثاني وبالعكس وهو مفوت لما سمعت، وظاهر كلام الواحدي أنه لا تعريض في الآية حيث قال: لما قال الرجل: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ إلخ رفعوه إلى الملك فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟
فقال: ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي أي أي شيء لي إذا لم أعبد خالقي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تردون عند البعث فيجيزكم بكفركم، ورد عليه بأنه إذا رجع الإنكار إليه دون القوم لم يكن لخطابهم بترجعون معنى وكان الظاهر أرجع.
398
وأجيب بأنه يمكن أن يقال: إن الرجل كان في غيظ شديد من تكذيبهم الرسل وتوعدهم إياهم فانتهز الفرصة للانتقام فلما تمكن من تهديدهم أوقع قوله: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في البين أي ما لي لا أعبد الذي من عليّ بنعمة الإيجاد ونعمة الانتقام منكم والتشفي من غيظكم إذ ترجعون إليه فيجزيكم بكفركم وتكذيبكم الرسل وعنادكم، وأنت تعلم أن النظم الجليل لا يساعد على هذا وهو ظاهر فيما تقدم، وقد عاد إلى المساق الأول من التلطف بالإرشاد فقال: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إنكار ونفي لاتخاذ جنس الآلهة على الإطلاق وفيه من تحميق من يعبد الأصنام ما فيه.
وقوله تعالى: إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً استئناف سيق لتعليل النفي المذكور، وجعله صفة لآلهة كما ذهب إليه البعض ربما يوهم أن هناك آلهة ليست كذلك، ومعنى لا تُغْنِي إلخ لا تنفعني شيئا من النفع، وهو إما على حد. لا ترى الضب بها ينجحر. أي لا شفاعة لهم حتى تنفعني، وإما على فرض وقوع الشفاعة أي لا تغني عني شفاعتهم لو وقعت شيئا وَلا يُنْقِذُونِ يخلصون من ذلك الضر بالنصر والمظاهرة، وهو ترق من الأدنى إلى الأعلى بدأ أولا بنفي الجاه وذكر ثانيا انتفاء القدرة وعبر عنه بانتفاء الإنقاذ لأنه نتيجته، وفتح ياء المتكلم في يردني طلحة السمان على ما قال ابن عطية، وقال ابن خالويه: طلحة بن مصرف وعيسى الهمذاني وأبو جعفر، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو، وقال الزمخشري: وقرىء إن يردني الرحمن بضر بمعنى إن يوردني ضرا أي يجعلني موردا للضر اهـ، قال أبو حيان: كأنه والله تعالى أعلم رأى في كتب القراءات «يردني» بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية كالهمزة فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ونصب به اثنين، والذي في كتب الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقا لالتقاء الساكنين، قال في كتاب ابن خالويه:
بفتح الياء ياء الإضافة، وقال في اللوامح: «أن يردني الرحمن» بالفتح وهو أصل الياء البصرية أي المثبتة بالخط الذي يرى بالبصر لكن هذه محذوفة اهـ كلامه، وحسن الظن بالزمخشري يقتضي خلاف ما ذكره إِنِّي إِذاً أي إذا اتخذت من دونه آلهة لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فإن إشراك ما يصنع وليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره ولا خير إلا خيره ضلال وخطأ بين لا يخفى على من له أدنى تمييز إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الظاهر أن الخطاب لقومه شافههم بذلك وصدع بالحق إظهارا للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم، والجملة خبرية لفظا ومعنى، والتأكيد قيل إنهم لم يعلموا من كلامه أنه آمن بل ترددوا في ذلك لما سمعوا منه ما سمعوا.
وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابا أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم فَاسْمَعُونِ أي فاسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك، وقيل: مراده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه، وقيل لم يرد بهذا الكلام إلا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه لما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ وقد عزموا على الإيقاع بهم وليس بشيء وقدر بعضهم المضاف المحذوف عاما وفسر السماع بالقبول كما في سمع الله تعالى لمن حمده أي فاسمعوا جميع ما قلته واقبلوه وهو مما يسمع.
وجعل الخطاب للقوم في الجملتين هو المروي عن ابن عباس وكعب ووهب وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قال: لما قال صاحب يس يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ أي فاشهدوا فالخطاب فيهما للرسل بطريق التلوين، وأكد الخبر إظهارا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط، وأضاف الرب إلى ضميرهم روما لزيادة التقرير وإظهارا للإختصاص والاقتداء بهم كأنه قال: بربكم الذي أرسلكم أو الذي تدعوننا إلى الإيمان به، وطلب السماع منهم ليشهدوا له بالإيمان عند الله عزّ وجلّ كما يشير إليه كلام ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقيل الخطاب الأول لقومه والثاني للرسل خاطبهم على جهة الاستشهاد بهم
وقوله تعالى: إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً استئناف سيق لتعليل النفي المذكور، وجعله صفة لآلهة كما ذهب إليه البعض ربما يوهم أن هناك آلهة ليست كذلك، ومعنى لا تُغْنِي إلخ لا تنفعني شيئا من النفع، وهو إما على حد. لا ترى الضب بها ينجحر. أي لا شفاعة لهم حتى تنفعني، وإما على فرض وقوع الشفاعة أي لا تغني عني شفاعتهم لو وقعت شيئا وَلا يُنْقِذُونِ يخلصون من ذلك الضر بالنصر والمظاهرة، وهو ترق من الأدنى إلى الأعلى بدأ أولا بنفي الجاه وذكر ثانيا انتفاء القدرة وعبر عنه بانتفاء الإنقاذ لأنه نتيجته، وفتح ياء المتكلم في يردني طلحة السمان على ما قال ابن عطية، وقال ابن خالويه: طلحة بن مصرف وعيسى الهمذاني وأبو جعفر، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو، وقال الزمخشري: وقرىء إن يردني الرحمن بضر بمعنى إن يوردني ضرا أي يجعلني موردا للضر اهـ، قال أبو حيان: كأنه والله تعالى أعلم رأى في كتب القراءات «يردني» بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية كالهمزة فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ونصب به اثنين، والذي في كتب الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقا لالتقاء الساكنين، قال في كتاب ابن خالويه:
بفتح الياء ياء الإضافة، وقال في اللوامح: «أن يردني الرحمن» بالفتح وهو أصل الياء البصرية أي المثبتة بالخط الذي يرى بالبصر لكن هذه محذوفة اهـ كلامه، وحسن الظن بالزمخشري يقتضي خلاف ما ذكره إِنِّي إِذاً أي إذا اتخذت من دونه آلهة لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فإن إشراك ما يصنع وليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره ولا خير إلا خيره ضلال وخطأ بين لا يخفى على من له أدنى تمييز إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الظاهر أن الخطاب لقومه شافههم بذلك وصدع بالحق إظهارا للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم، والجملة خبرية لفظا ومعنى، والتأكيد قيل إنهم لم يعلموا من كلامه أنه آمن بل ترددوا في ذلك لما سمعوا منه ما سمعوا.
وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابا أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم فَاسْمَعُونِ أي فاسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك، وقيل: مراده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه، وقيل لم يرد بهذا الكلام إلا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه لما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ وقد عزموا على الإيقاع بهم وليس بشيء وقدر بعضهم المضاف المحذوف عاما وفسر السماع بالقبول كما في سمع الله تعالى لمن حمده أي فاسمعوا جميع ما قلته واقبلوه وهو مما يسمع.
وجعل الخطاب للقوم في الجملتين هو المروي عن ابن عباس وكعب ووهب وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قال: لما قال صاحب يس يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ أي فاشهدوا فالخطاب فيهما للرسل بطريق التلوين، وأكد الخبر إظهارا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط، وأضاف الرب إلى ضميرهم روما لزيادة التقرير وإظهارا للإختصاص والاقتداء بهم كأنه قال: بربكم الذي أرسلكم أو الذي تدعوننا إلى الإيمان به، وطلب السماع منهم ليشهدوا له بالإيمان عند الله عزّ وجلّ كما يشير إليه كلام ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقيل الخطاب الأول لقومه والثاني للرسل خاطبهم على جهة الاستشهاد بهم
399
والاستحفاظ للأمر عندهم، وقيل الخطابان للناس جميعا، وروي عن عاصم أنه قرأ «فاسمعون» بفتح النون، قال أبو حاتم: هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر فإما أن تحذف كما حذفت نون الإعراب ويقال فاسمعوا وإما أن تبقى وتكسر، ومن الناس من وجهه بأن الأصل فاسمعونا أي فاسمعوا كلامنا أي كلامي وكلامهم لتشهدوا بما كان مني ومنهم.
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك، والظاهر أن الأمر إذن له بدخول الجنة حقيقة وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الدنيا فعن ابن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قصبه من دبره وألقى في بئر وهي الرس، وقال السدي: رموه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي حتى مات، وقال الكلبي: رموه في حفرة وردوا التراب عليه فمات، وعن الحسن حرقوه حتى مات وعلقوه في بر المدينة وقبره في سور أنطاكية، وقيل: نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه.
ودخوله الجنة بعد الموت دخول روحه وطوافها فيها كدخول سائر الشهداء، وقيل الأمر للتبشير لا للإذن بالدخول حقيقة قالت له ملائكة الموت ذلك بشارة له بأنه من أهل الجنة يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث، وحكي نحو ذلك عن مجاهد.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال في قوله تعالى: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ وجبت له الجنة، وجاء في رواية عن الحسن أنه قال: لما أراد قومه قتله رفعه الله تعالى إلى السماء حيا كما رفع عيسى عليه السّلام إلى السماء فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السماء وهلاك الجنة فإذا أعاد الله تعالى الجنة أعيد له دخولها فالأمر كما في الأول، والجمهور على أنه قتل، وادعى ابن عطية أنه تواتر الأخبار والروايات بذلك، وقول قتادة أدخله الله تعالى الجنة وهو فيها حي يرزق ليس نصا في نفي القتل. وفي البحر أنه أراد بقوله وهو فيها حي يرزق قوله تعالى:
بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: ١٦٩] وقال بعضهم: الجملة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ما حاله عند لقاء ربه عزّ وجلّ بعد ذلك التصلب في دينه. فقيل: قيل أدخل الجنة، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع، ولعل الأولى ما أشرنا إليه أولا، وإنما لم يقل قيل له لأن الغرض المهم بيان المقول لا القائل والمقول له، وقوله تعالى:
قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ استئناف بياني أيضا كأنه قيل بعد أن أخبر عنه بما أخبر: فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنيّة؟ قال إلخ، وإنما تمني علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والطاعة جريا على سنن الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء، وفي الحديث نصح قومه حيا وميتا.
وقيل: يجوز أن يكون تمنيه ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على صواب ونصيحة وشفقة وأن عداوتهم لم تكسبه إلا فوزا ولم تعقبه إلا سعادة لأن في ذلك زيادة غبطة له وتضاعف لذة وسرور، والوجه الأول أولى، والظاهر أن ما مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة والعائد مقدر أي يا ليت قومي يعلمون بالذي غفر لي به أي بسببه ربي أو بالذي غفره أي بالغفران الذي غفره لي ربي، والمراد تعظيم مغفرته تعالى له فتؤول إلى المصدرية، وقال الزمخشري: أي بالذي غفره لي ربي من الذنوب. وتعقب بأنه ليس بجيد إذ يؤول إلى تمني علمهم بذنوبه المغفورة ولا يحسن ذلك، وكذا عطف وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ عليه لا ينتظم، وما قيل من أن الغرض منه الأعلام بعظم مغفرة الله تعالى ووفور كرمه وسعة رحمته فلا يبعد حينئذ إرادة معنى الاطلاع عليها لذلك بل هو أوقع في النفس من ذكر المغفرة مجردة عن ذكر المغفور لاحتمال حقارته تكلف. وأجاز الفراء أن تكون استفهامية والجار صلة
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك، والظاهر أن الأمر إذن له بدخول الجنة حقيقة وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الدنيا فعن ابن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قصبه من دبره وألقى في بئر وهي الرس، وقال السدي: رموه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي حتى مات، وقال الكلبي: رموه في حفرة وردوا التراب عليه فمات، وعن الحسن حرقوه حتى مات وعلقوه في بر المدينة وقبره في سور أنطاكية، وقيل: نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه.
ودخوله الجنة بعد الموت دخول روحه وطوافها فيها كدخول سائر الشهداء، وقيل الأمر للتبشير لا للإذن بالدخول حقيقة قالت له ملائكة الموت ذلك بشارة له بأنه من أهل الجنة يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث، وحكي نحو ذلك عن مجاهد.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال في قوله تعالى: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ وجبت له الجنة، وجاء في رواية عن الحسن أنه قال: لما أراد قومه قتله رفعه الله تعالى إلى السماء حيا كما رفع عيسى عليه السّلام إلى السماء فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السماء وهلاك الجنة فإذا أعاد الله تعالى الجنة أعيد له دخولها فالأمر كما في الأول، والجمهور على أنه قتل، وادعى ابن عطية أنه تواتر الأخبار والروايات بذلك، وقول قتادة أدخله الله تعالى الجنة وهو فيها حي يرزق ليس نصا في نفي القتل. وفي البحر أنه أراد بقوله وهو فيها حي يرزق قوله تعالى:
بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: ١٦٩] وقال بعضهم: الجملة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ما حاله عند لقاء ربه عزّ وجلّ بعد ذلك التصلب في دينه. فقيل: قيل أدخل الجنة، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع، ولعل الأولى ما أشرنا إليه أولا، وإنما لم يقل قيل له لأن الغرض المهم بيان المقول لا القائل والمقول له، وقوله تعالى:
قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ استئناف بياني أيضا كأنه قيل بعد أن أخبر عنه بما أخبر: فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنيّة؟ قال إلخ، وإنما تمني علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والطاعة جريا على سنن الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء، وفي الحديث نصح قومه حيا وميتا.
وقيل: يجوز أن يكون تمنيه ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على صواب ونصيحة وشفقة وأن عداوتهم لم تكسبه إلا فوزا ولم تعقبه إلا سعادة لأن في ذلك زيادة غبطة له وتضاعف لذة وسرور، والوجه الأول أولى، والظاهر أن ما مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة والعائد مقدر أي يا ليت قومي يعلمون بالذي غفر لي به أي بسببه ربي أو بالذي غفره أي بالغفران الذي غفره لي ربي، والمراد تعظيم مغفرته تعالى له فتؤول إلى المصدرية، وقال الزمخشري: أي بالذي غفره لي ربي من الذنوب. وتعقب بأنه ليس بجيد إذ يؤول إلى تمني علمهم بذنوبه المغفورة ولا يحسن ذلك، وكذا عطف وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ عليه لا ينتظم، وما قيل من أن الغرض منه الأعلام بعظم مغفرة الله تعالى ووفور كرمه وسعة رحمته فلا يبعد حينئذ إرادة معنى الاطلاع عليها لذلك بل هو أوقع في النفس من ذكر المغفرة مجردة عن ذكر المغفور لاحتمال حقارته تكلف. وأجاز الفراء أن تكون استفهامية والجار صلة
400
غَفَرَ أي بأي شيء غفر لي ربي يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة على أذيتهم حتى قتل. وتعقبه الكسائي بأنه لو صح ذلك لقيل بم بغير ألف فإن اللغة الفصيحة حذفها إذا جرت ما (١) الاستفهامية بحرف جر نحو عم يتساءلون، وقوله:
فرقا بينها وبين الموصولة، وإثباتها نادر، وقيل مختص بالضرورة نحو قوله:
وقوله:
وقراءة عكرمة وعيسى «عما يتساءلون» وقرأ «من المكرمين» مشدد الراء مفتوحها مفتوح الكاف.
تم والحمد لله الجزء الثاني والعشرون ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث والعشرون وأوله وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ
علام أقول الرمح أثقل عاتقي | إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت |
على ما قام يشتمني لئيم | كخنزير تمرغ في رماد |
إنا قتلنا بقتلانا سراتكم | أهل اللواء ففيما يكثر القتل |
تم والحمد لله الجزء الثاني والعشرون ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث والعشرون وأوله وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ
(١) وخص الاستفهام لأنه اسم تام فهي معه كاسم واحد اهـ منه.
401
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﰛ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﰜ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﰝ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ
ﰞ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇ
ﰟ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﰠ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ
ﰡ
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ
ﰢ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﰣ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﰤ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﰥ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﰦ
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ أي قوم الرجل الذي قيل له ادخل الجنة مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد قتله، وقيل من بعد رفعه إلى السماء حيا مِنْ جُنْدٍ أي جندا فمن مزيدة لتأكيد النفي، وقيل: يجوز أن تكون للتبعيض وهو خلاف الظاهر، والجند العسكر لما فيه من الغلظة كأنه من الجند أي الأرض الغليظة التي فيها حجارة والظاهر أن المراد بهذا الجند الملائكة أي ما أنزلنا لإهلاكهم ملائكة مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ وما صح في حكمتنا أن ننزل الجند لإهلاكهم لما أنا قدرنا لكل شيء سببا حيث أهلكنا بعض من أهلكنا من الأمم بالحاصب وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالإغراق وجعلنا إنزال الجند من خصائصك في الانتصار لك من قومك وكفينا أمر هؤلاء بصيحة ملك صاح بهم فهلكوا كما قال سبحانه: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ وفي ذلك استحقار لهم ولإهلاكهم وإيماء إلى تفخيم شأن النبي صلّى الله عليه وسلم، وفسر أبو حيان الجند بما يعم الملائكة فقال: كالحجارة والريح وغير ذلك والمتبادر ما تقدم، وقيل: الجند ملائكة الوحي الذين ينزلون على الأنبياء عليهم السلام أي قطعنا عنهم الرسالة حين فعلوا ما فعلوا ولم نعبأ بهم وأهلكناهم، وعن الحسن ومجاهد قالا قطع الله تعالى عنهم الرسالة حين قتلوا رسله، وهذا التفسير بعيد جدا، وقتل الرسل الثلاثة محكي في البحر بقيل وهو ظاهر هذا المروي لكن المعروف أنهم لم يقتلوا وإنما قتل حبيب فقط، وذهبت فرقة إلى أن ما في قوله تعالى وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ موصولة معطوفة على جُنْدٍ والمراد ما أنزلنا على قومه من بعده جندا من السماء وما أنزلنا الذي كنا منزليه على الذين من قبلهم من حجارة وريح وغير ذلك.
3
وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم عليه زيادة مِنْ في المعرفة، ومن هنا قيل الأولى جعلها نكرة موصوفة، وأجيب بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، ولا يخفى أن هذا لا يدفع بعده، ومن أبعد ما يكون قول أبي البقاء: يجوز أن تكون ما زائدة أي وقد كنا منزلين على غيرهم جندا من السماء بل هو ليس بشيء، وإن نافية وكان ناقصة واسمها مضمر وصَيْحَةً خبرها أي ما كانت هي أي الأخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة،
روي أن الله تعالى بعث عليهم جبريل عليه السلام حتى أخذ بعضادتي باب المدينة فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا جميعا
، وإذا فجائية وفيها إشارة إلى سرعة هلاكهم بحيث كان مع الصيحة، وقد شبهوا بالنار على سبيل الاستعارة المكنية والخمود تخييل، وفي ذلك رمز إلى أن الحي كشعلة النار والميت كالرماد كما قال لبيد:
ويجوز أن تكون الاستعارة تصريحية تبعية في الخمود بمعنى البرودة والسكون لأن الروح لفزعها عند الصيحة تندفع إلى الباطن دفعة واحدة ثم تنحصر فتنطفىء الحرارة الغريزية لانحصارها، ولعل في العدول عن هامدون إلى خامِدُونَ رمزا خفيا إلى البعث بعد الموت، والظاهر أنه لم يؤمن منهم سوى حبيب وإنهم هلكوا عن آخرهم، وفي بعض الآثار أنه آمن الملك وآمن قوم من حواشيه ومن لم يؤمن هلك بالصيحة، وهذا بعيد فإنه كان الظاهر أن يظاهر أولئك المؤمنون الرسل كما فعل حبيب ولكان لهم في القرآن الجليل ذكر ما بوجه من الوجوه اللهم إلا أن يقال: إنهم آمنوا خفية وكان لهم ما يعذرون به عن المظاهرة، ومع هذا لا يخلو بعد عن بعد، وقرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحارث القارئ «صيحة» بالرفع على أن كان تامة أي ما حدثت ووقعت إلا صيحة وينبغي أن لا تلحق الفعل تاء التأنيث في مثل هذا التركيب فلا يقال ما قامت إلا هند بل ما قام إلا هند لأن الكلام على معنى ما قام أحد إلا هند والفاعل فيه مذكر، ولم يجوز كثير من النحويين الإلحاق إلا في الشعر كقول ذي الرمة:
وقول الآخر:
ومن هنا أنكر الكثير كما قال أبو حاتم هذه القراءة، ومنهم من أجاز ذلك في الكلام على قلة كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار وأبي رجاء والجحدري وقتادة وأبي حيوة وابن أبي عبلة وأبي بحرية «لا ترى إلّا مساكنهم» بالتاء الفوقية، ووجهه مراعاة الفاعل المذكور، وكأني بك تميل إلى هذا القول، وقرأ ابن مسعود «إلا زقية» من زقى الطائر يزقو ويزقى زقوا وزقاء إذا صاح، ومنه المثل أثقل من الزواقي وهي الديكة لأنهم كانوا يسمرون إلى أن تزقوا فإذا صاحت تفرقوا يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ الحسرة على ما قال الراغب الغم على ما فات والندم عليه كأن المتحسر انحسر عنه قواه من فرط ذلك أو أدركه اعياء عن تدارك ما فرط منه، وفي البحر هي أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى حسيرا، والظاهر أن يا للنداء وحَسْرَةً هو المنادى ونداؤها مجاز بتنزيلها منزلة العقلاء كأنه قيل: يا حسرة احضري فهذه الحال من الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها وهي ما دل عليها قوله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ والمراد بالعباد مكذبو الرسل ويدخل فيهم المهلكون المتقدمون دخولا أوليا، وقيل: هم المراد وليس بذاك وبالحسرة المناداة حسرتهم والمستهزءون بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا على أنفسهم حيث فوتوا عليها السعادة الأبدية وعوضوها العذاب المقيم، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس وأبي وعلي بن الحسين والضحاك ومجاهد والحسن «يا حسرة العباد» بالإضافة،
روي أن الله تعالى بعث عليهم جبريل عليه السلام حتى أخذ بعضادتي باب المدينة فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا جميعا
، وإذا فجائية وفيها إشارة إلى سرعة هلاكهم بحيث كان مع الصيحة، وقد شبهوا بالنار على سبيل الاستعارة المكنية والخمود تخييل، وفي ذلك رمز إلى أن الحي كشعلة النار والميت كالرماد كما قال لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه | يحور رمادا بعد إذ هو ساطع |
طوى النحز والأجراز ما في غروضها | وما بقيت إلا الضلوع الجراشع |
ما برئت من ريبة وذم | في حربنا إلا بنات العم |
4
وكون المراد حسرة غيرهم عليهم والاضافة لأدنى ملابسة خلاف الظاهر وأخرج ابن جرير. وغيره عن قتادة أنه قال في بعض القراءات «يا حسرة العباد على أنفسها ما يأتيهم» إلخ.
وجوز أن تكون حسرة الملائكة عليهم السلام والمؤمنين من الثقلين، وعن الضحاك تخصيصها بحسرة الملائكة عليهم السلام وزعم أن المراد بالعباد الرسل الثلاثة وأبو العالية فسر الْعِبادِ بهذا أيضا لكنه حمل الحسرة على حسرة الكفار المهلكين قال: تحسروا حين رأوا عذاب الله تعالى وتلهفوا على ما فاتهم، وقيل: المراد بالعباد المهلكون والمتحسر الرجل الذي جاء من أقصى المدينة تحسر لما وثب القوم لقتله، وقيل: المراد بالعباد أولئك والمتحسر الرسل حين قتلوا ذلك الرجل وحل بهم العذاب ولم يؤمنوا، ولا يخفى حال هذه الأقوال وكان مراد من قال:
المتحسر الرجل ومن قال المتحسر الرسل عنى أن القول المذكور قول الرجل أو قول الرسل، وفي كلام أبي حيان ما هو ظاهر في ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعول على شيء مما ذكر، وجوز أن يكون التحسر منه سبحانه وتعالى مجازا على استعظام ما جنوه على أنفسهم، وأيد بأنه قرىء «يا حسرتا على العباد» فإن الأصل عليها يا حسرتي فقلبت الياء ألفا، ونحوها قراءة ابن عباس كما قال ابن خالويه «يا حسرة على العباد» بغير تنوين فإن الأصل أيضا يا حسرتي فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الألف واكتفى عنها بالفتحة، وقرأ أبو الزناد وابن هرمز وابن جندب «يا حسرة على العباد» بالهاء الساكنة، قال في المنتقى: وقف «على حسره» وقفا طويلا تعظيما للأمر ثم قيل «على العباد».
وفي اللوامح وقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهه كالتأوه، ثم وصلوه على تلك الحال.
وقال الطيبي: إن العرب إذا أخبرت عن الشيء غير معتد به أسرعت فيه ولم تأت على اللفظ المعبر عنه نحو قلت لها قفي قالت لنا قاف أي وقفت فاقتصرت من جملة الكلمة على حرف منها تهاونا بالحال وتثاقلا عن الإجابة، ولا يخفى أن هذا لا يناسب المقام، وينبغي على هذا القراءة أن لا يكون عَلَى الْعِبادِ متعلقا بحسرة أو صفة له إذ لا يحسن الوقف حينئذ بل يجعل متعلقا بمضمر يدل عليه حَسْرَةً نحو يتحسر أو أتحسر على العباد، وتقدير انظروا ليس بذاك أو خبر مبتدأ محذوف لبيان المتحسر عليه أي الحسرة على العباد وتخريج قراءة «يا حسرتا» بالألف على هذا الطرز بأن يقال: قدر الوقف على المنصوب المنون فإنه يوقف عليه بالألف ككان الله على كل شيء قديرا، وضرب زيد عمرا ليس بشيء ولو سلم أنه شيء لا ينافي التأييد، وقيل يا للنداء والمنادى محذوف وحَسْرَةً مفعول مطلق لفعل مضمر وعَلَى الْعِبادِ متعلق بذلك الفعل أي يا هؤلاء تحسروا حسرة على العباد.
ولعل الأوفق للمقام المتبادر إلى الأفهام أن المراد نداء حسرة كل من يتأتى منه التحسر ففيه من المبالغة ما فيه.
وقوله تعالى ما يَأْتِيهِمْ إلخ استئناف لبيان ما يتحسر منه، وبِهِ متعلق بيستهزئون. وقدم عليه للحصر الادعائي وجوز أن يكون لمراعاة الفواصل.
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ الضمير لأهل مكة والاستفهام للتقرير وكم خبرية في موضع نصب باهلكنا ومِنَ الْقُرُونِ بيان لكم، وجوز بعض المتأخرين كون كَمْ مبتدأ والجملة بعده خبره وهو كلام من لا خبر عنده والجملة معمولة ليروا نافذ معناها فيها وكَمْ معلقة لها عن العمل في اللفظ لأنها وإن كانت خبرية لها صدر الكلام كالاستفهامية فلا يعمل فيها عامل متقدم على اللغة الفصيحة إلا إذا كان حرف جر أو اسما مضافا نحو على كم فقير تصدقت أرجو الثواب وابن كم رئيس صحبته.
وجوز أن تكون حسرة الملائكة عليهم السلام والمؤمنين من الثقلين، وعن الضحاك تخصيصها بحسرة الملائكة عليهم السلام وزعم أن المراد بالعباد الرسل الثلاثة وأبو العالية فسر الْعِبادِ بهذا أيضا لكنه حمل الحسرة على حسرة الكفار المهلكين قال: تحسروا حين رأوا عذاب الله تعالى وتلهفوا على ما فاتهم، وقيل: المراد بالعباد المهلكون والمتحسر الرجل الذي جاء من أقصى المدينة تحسر لما وثب القوم لقتله، وقيل: المراد بالعباد أولئك والمتحسر الرسل حين قتلوا ذلك الرجل وحل بهم العذاب ولم يؤمنوا، ولا يخفى حال هذه الأقوال وكان مراد من قال:
المتحسر الرجل ومن قال المتحسر الرسل عنى أن القول المذكور قول الرجل أو قول الرسل، وفي كلام أبي حيان ما هو ظاهر في ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعول على شيء مما ذكر، وجوز أن يكون التحسر منه سبحانه وتعالى مجازا على استعظام ما جنوه على أنفسهم، وأيد بأنه قرىء «يا حسرتا على العباد» فإن الأصل عليها يا حسرتي فقلبت الياء ألفا، ونحوها قراءة ابن عباس كما قال ابن خالويه «يا حسرة على العباد» بغير تنوين فإن الأصل أيضا يا حسرتي فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الألف واكتفى عنها بالفتحة، وقرأ أبو الزناد وابن هرمز وابن جندب «يا حسرة على العباد» بالهاء الساكنة، قال في المنتقى: وقف «على حسره» وقفا طويلا تعظيما للأمر ثم قيل «على العباد».
وفي اللوامح وقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهه كالتأوه، ثم وصلوه على تلك الحال.
وقال الطيبي: إن العرب إذا أخبرت عن الشيء غير معتد به أسرعت فيه ولم تأت على اللفظ المعبر عنه نحو قلت لها قفي قالت لنا قاف أي وقفت فاقتصرت من جملة الكلمة على حرف منها تهاونا بالحال وتثاقلا عن الإجابة، ولا يخفى أن هذا لا يناسب المقام، وينبغي على هذا القراءة أن لا يكون عَلَى الْعِبادِ متعلقا بحسرة أو صفة له إذ لا يحسن الوقف حينئذ بل يجعل متعلقا بمضمر يدل عليه حَسْرَةً نحو يتحسر أو أتحسر على العباد، وتقدير انظروا ليس بذاك أو خبر مبتدأ محذوف لبيان المتحسر عليه أي الحسرة على العباد وتخريج قراءة «يا حسرتا» بالألف على هذا الطرز بأن يقال: قدر الوقف على المنصوب المنون فإنه يوقف عليه بالألف ككان الله على كل شيء قديرا، وضرب زيد عمرا ليس بشيء ولو سلم أنه شيء لا ينافي التأييد، وقيل يا للنداء والمنادى محذوف وحَسْرَةً مفعول مطلق لفعل مضمر وعَلَى الْعِبادِ متعلق بذلك الفعل أي يا هؤلاء تحسروا حسرة على العباد.
ولعل الأوفق للمقام المتبادر إلى الأفهام أن المراد نداء حسرة كل من يتأتى منه التحسر ففيه من المبالغة ما فيه.
وقوله تعالى ما يَأْتِيهِمْ إلخ استئناف لبيان ما يتحسر منه، وبِهِ متعلق بيستهزئون. وقدم عليه للحصر الادعائي وجوز أن يكون لمراعاة الفواصل.
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ الضمير لأهل مكة والاستفهام للتقرير وكم خبرية في موضع نصب باهلكنا ومِنَ الْقُرُونِ بيان لكم، وجوز بعض المتأخرين كون كَمْ مبتدأ والجملة بعده خبره وهو كلام من لا خبر عنده والجملة معمولة ليروا نافذ معناها فيها وكَمْ معلقة لها عن العمل في اللفظ لأنها وإن كانت خبرية لها صدر الكلام كالاستفهامية فلا يعمل فيها عامل متقدم على اللغة الفصيحة إلا إذا كان حرف جر أو اسما مضافا نحو على كم فقير تصدقت أرجو الثواب وابن كم رئيس صحبته.
5
وحكى الأخفش على ما في البحر جواز تقدم عامل عليها غير ذلك عن بعضهم نحو ملكت كم غلام أي ملكت كثيرا من الغلمان عاملوها معاملة كثير والرؤية علمية لا بصرية خلافا لابن عطية لأنها لا تعلق على المشهور ولأن أهل مكة لم يحضروا إهلاك من قبلهم حتى يروه بل علموه بالأخبار ومشاهدة الآثار، والقرون جمع قرن وهم القوم المقترنون في زمن واحد كعاد وثمود وغيرهم أَنَّهُمْ الضمير عائد على معنى كَمْ وهي القرون أي إن القرون المهلكين إِلَيْهِمْ أي إلى أهل مكة لا يَرْجِعُونَ وأن وما بعدها في تأويل المفرد بدل من جملة كَمْ أَهْلَكْنا على المعنى كما نقل عن سيبويه وتبعه الزجاج أي ألم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم وكونهم غير راجعين إليهم.
وقيل على المعنى لأن الكثرة المذكورة وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية ولا ملابسة كما هو مقتضى البدلية لكن لما كان ذلك في معنى الذين أهلكناهم وأنهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال أو بدل كل من كل قاله الخفاجي: وأفاد صاحب الكشف على أنه من بدل الكل بجعل كونهم غير راجعين كثرة إهلاك تجوزا، وعندي أن هذا الوجه وإن لم يكن فيه إبدال مفرد من جملة وتحقق فيه مصحح البدلية على ما سمعت ولا يخلو عن تكلف، وسيبويه ليس بنبي النحو ليجب اتّباعه.
وقال السيرافي: يجوز أن يجعل أَنَّهُمْ إلخ صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم لا يرجعون أي بهذا الضرب من الهلاك، وجوز ابن هشام في المغني أن يكون إن وصلتها معمول يَرَوْا وجملة كَمْ أَهْلَكْنا معترضة بينهما وأن يكون معلقا عن كَمْ أَهْلَكْنا وأنهم إليهم لا يرجعون مفعولا لأجله، قال الشمني: ليروا والمعنى أنهم علموا لأجل أنهم لا يرجعون إهلاكهم. ورد بأنه لا فائدة يعتد بها فيما ذكر من المعنى. وتعقبه الخفاجي بقوله: لا يخفى أن ما ذكر وارد على البدلية أيضا، والظاهر أن المقصود من ذكره إما التهكم بهم وتحميقهم وإما إفادة ما يفيد تقديم إِلَيْهِمْ من الحصر أي إنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكدا له اه وهو كما ترى، وقال الجلبي:
لعل الحق أن يجعل أول الضميرين لمعنى كَمْ وثانيهما للرسل وإن وصلتها مفعولا لأجله لأهلكناهم، والمعنى أهلكناهم لاستمرارهم على عدم الرجوع عن عقائدهم الفاسدة إلى الرسل وما دعوهم إليه فاختيار لا يَرْجِعُونَ على لم يرجعوا للدلالة على استمرار النفي مع مراعاة الفاصلة انتهى. وهو على بعده ركيك معنى، وأرك منه ما قيل الضمير أن على ما يتبادر فيهما من رجوع الأول بمعنى كَمْ والثاني لمن نسبت إليه الرؤية وأن وصلتها علة لأهلكنا، والمعنى أنهم لا يرجعون إليهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب وجزاء الاستهزاء حق ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم، ونقل عن الفراء أنه يعمل يَرَوْا في كَمْ أَهْلَكْنا وفي أَنَّهُمْ إلخ من غير إبدال ولم يبين كيفية ذلك.
وزعم ابن عطية أن أن وصلتها بدل من كَمْ ولا يخفى أنه إذا جعلها معمول أَهْلَكْنا كما هو المعروف لا يسوغ ذلك لأن البدل على نية تكرار العامل ولا معنى لقولك أهلكنا أنهم لا يرجعون ولعله تسامح في ذلك، والمراد بدل من كَمْ أَهْلَكْنا على المعنى كما حكي عن سيبويه، وأما جعل كَمْ معمولة ليروا والإبدال منها نفسها إذ ذاك فلا يخفى حاله، وقال أبو حيان: الذي تقتضيه صناعة العربية أن أَنَّهُمْ إلخ مفعول لمحذوف دل عليه المعنى وتقديره قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا يرجعون والجملة حال من فاعل أَهْلَكْنا على ما قال الخفاجي وأراه أبعد عن القيل والقال بيد أن في الدلالة على المحذوف خفاء فإن لم يلصق بقلبك لذلك فالأقوال بين يديك ولا حجر عليك.
وكأني بك تختار ما نقل عن السيرافي ولا بأس به، وجوز على بعض الأقوال أن يكون الضمير في أَنَّهُمْ عائدا على من أسند إليه يروا وفي إِلَيْهِمْ عائدا على المهلكين، والمعنى أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين
وقيل على المعنى لأن الكثرة المذكورة وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية ولا ملابسة كما هو مقتضى البدلية لكن لما كان ذلك في معنى الذين أهلكناهم وأنهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال أو بدل كل من كل قاله الخفاجي: وأفاد صاحب الكشف على أنه من بدل الكل بجعل كونهم غير راجعين كثرة إهلاك تجوزا، وعندي أن هذا الوجه وإن لم يكن فيه إبدال مفرد من جملة وتحقق فيه مصحح البدلية على ما سمعت ولا يخلو عن تكلف، وسيبويه ليس بنبي النحو ليجب اتّباعه.
وقال السيرافي: يجوز أن يجعل أَنَّهُمْ إلخ صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم لا يرجعون أي بهذا الضرب من الهلاك، وجوز ابن هشام في المغني أن يكون إن وصلتها معمول يَرَوْا وجملة كَمْ أَهْلَكْنا معترضة بينهما وأن يكون معلقا عن كَمْ أَهْلَكْنا وأنهم إليهم لا يرجعون مفعولا لأجله، قال الشمني: ليروا والمعنى أنهم علموا لأجل أنهم لا يرجعون إهلاكهم. ورد بأنه لا فائدة يعتد بها فيما ذكر من المعنى. وتعقبه الخفاجي بقوله: لا يخفى أن ما ذكر وارد على البدلية أيضا، والظاهر أن المقصود من ذكره إما التهكم بهم وتحميقهم وإما إفادة ما يفيد تقديم إِلَيْهِمْ من الحصر أي إنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكدا له اه وهو كما ترى، وقال الجلبي:
لعل الحق أن يجعل أول الضميرين لمعنى كَمْ وثانيهما للرسل وإن وصلتها مفعولا لأجله لأهلكناهم، والمعنى أهلكناهم لاستمرارهم على عدم الرجوع عن عقائدهم الفاسدة إلى الرسل وما دعوهم إليه فاختيار لا يَرْجِعُونَ على لم يرجعوا للدلالة على استمرار النفي مع مراعاة الفاصلة انتهى. وهو على بعده ركيك معنى، وأرك منه ما قيل الضمير أن على ما يتبادر فيهما من رجوع الأول بمعنى كَمْ والثاني لمن نسبت إليه الرؤية وأن وصلتها علة لأهلكنا، والمعنى أنهم لا يرجعون إليهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب وجزاء الاستهزاء حق ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم، ونقل عن الفراء أنه يعمل يَرَوْا في كَمْ أَهْلَكْنا وفي أَنَّهُمْ إلخ من غير إبدال ولم يبين كيفية ذلك.
وزعم ابن عطية أن أن وصلتها بدل من كَمْ ولا يخفى أنه إذا جعلها معمول أَهْلَكْنا كما هو المعروف لا يسوغ ذلك لأن البدل على نية تكرار العامل ولا معنى لقولك أهلكنا أنهم لا يرجعون ولعله تسامح في ذلك، والمراد بدل من كَمْ أَهْلَكْنا على المعنى كما حكي عن سيبويه، وأما جعل كَمْ معمولة ليروا والإبدال منها نفسها إذ ذاك فلا يخفى حاله، وقال أبو حيان: الذي تقتضيه صناعة العربية أن أَنَّهُمْ إلخ مفعول لمحذوف دل عليه المعنى وتقديره قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا يرجعون والجملة حال من فاعل أَهْلَكْنا على ما قال الخفاجي وأراه أبعد عن القيل والقال بيد أن في الدلالة على المحذوف خفاء فإن لم يلصق بقلبك لذلك فالأقوال بين يديك ولا حجر عليك.
وكأني بك تختار ما نقل عن السيرافي ولا بأس به، وجوز على بعض الأقوال أن يكون الضمير في أَنَّهُمْ عائدا على من أسند إليه يروا وفي إِلَيْهِمْ عائدا على المهلكين، والمعنى أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين
6
بنسب ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم، ويحسن هذا على الوجه المحكي عن السيرافي وقرأ ابن عباس والحسن «إنه» بكسر الهمزة على الاستئناف وقطع الجملة عما قبلها من جهة الاعراب. وقرأ عبد الله «ألم يروا من أهلكنا فإنهم» إلخ على قراءة الفتح بدل اشتمال، ورد بالآية على القائلين بالرجعة كما ذهب إليه الشيعة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي إسحاق قال: قيل لابن عباس أن ناسا يزعمون أن عليا كرم الله تعالى وجهه مبعوث قبل يوم القيامة؟ فسكت ساعة ثم قال: بئس القوم نحن إن نكحنا نساءه واقتسمنا ميراثه أما تقرءون أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ.
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ بيان لرجوع الكل إلى المحشر بعد بيان عدم الرجوع إلى الدنيا وإِنْ نافية وكُلٌّ مبتدأ وتنوينه عوض عن المضاف إليه، ولَمَّا بمعنى إلا ومجيئها بهذا المعنى ثابت في لسان العرب بنقل الثقات فلا يلتفت إلى زعم الكسائي أنه لا يعرف ذلك. وقال أبو عبد الله الرازي: في كونها بهذا المعنى معنى مناسب وهو أنها كأنها حرفا نفي أكد أولهما بثانيهما وهما لم وما وكذلك إلا كأنها حرفا نفي وهما إن النافية ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخر، وهو عندي ضرب من الوساوس وجَمِيعٌ خبر المبتدأ وهو فعيل بمعنى مفعول فيفيد ما لا تفيده كُلٌّ لأنها تفيد إحاطة الأفراد وهذا يفيد اجتماعها وانضمام بعضها إلى بعض ولَدَيْنا ظرف له أو لمحضرون ومُحْضَرُونَ خبر ثان أو نعت وجمع على المعنى، والمعنى ما كلهم إلا مجموعون لدينا محضرون للحساب والجزاء.
وقال ابن سلام: محضرون أي معذبون فكل عبارة عن الكفرة، ويجوز أن يراد به هذا المعنى على الأول. وفي الآية تنبيه على أن المهلك لا يترك. وقرأ جمع من السبعة لَمَّا بالتخفيف على أن إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة وما مزيدة للتأكيد والمعنى أن الشأن كلهم مجموعون إلخ وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية واللام بمعنى إلا وما مزيدة والمعنى كما في قراءة التشديد وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ بالتخفيف وقرأ نافع بالتشديد، وآيَةٌ خبر مقدم للاهتمام وتنكيرها للتفخيم ولَهُمُ إما متعلق بها لأنها بمعنى العلامة أو متعلق بمضمر هو صفة لها وضمير الجمع لكفار أهل مكة ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر، والْأَرْضُ مبتدأ والْمَيْتَةُ صفتها، وقوله تعالى أَحْيَيْناها استئناف مبين لكيفية كونها آية، وقيل في موضع الحال والعامل فيها آية لما فيها من معنى الإعلام وهو تكلف ركيك، وقيل آيَةٌ مبتدأ أول ولَهُمُ صفتها أو متعلق بها وكل من الأمرين مسوغ للابتداء بالنكرة والْأَرْضُ الْمَيْتَةُ مبتدأ ثان وصفة وجملة أَحْيَيْناها خبر المبتدأ الثاني وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم تحتج لرابط، قال الخفاجي: وهذا حسن جدا إلا أن النحاة لم يصرحوا به في غير ضمير الشأن، وقيل إنها مؤولة بمدلول هذا القول فلذا لم يحتج لذلك ولا يخفى بعده، وقيل آيَةٌ مبتدأ والْأَرْضُ خبره وجملة أَحْيَيْناها صفة الأرض لأنها لم يرد بها أرض معينة بل الجنس فلا يلزم توصيف المعرفة بالجملة التي هي في حكم النكرة، ونظير ذلك قوله:
وأنكر جواز ذلك أبو حيان مخالفا للزمخشري وابن مالك في التسهيل وجعل جملة يسبني حالا من اللئيم، وأنت تعلم أن المعنى على استمرار مروره على من يسبه وإغماضه عنه ولهذا قال: أمر وعطف عليه فمضيت والتقييد بالحال لا يؤدي هذا المؤدى، ثم إن مدار الخبرية إرادة الجنس فليس هناك أخبار بالمعرفة عن النكرة ليكون مخالفا للقواعد
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي إسحاق قال: قيل لابن عباس أن ناسا يزعمون أن عليا كرم الله تعالى وجهه مبعوث قبل يوم القيامة؟ فسكت ساعة ثم قال: بئس القوم نحن إن نكحنا نساءه واقتسمنا ميراثه أما تقرءون أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ.
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ بيان لرجوع الكل إلى المحشر بعد بيان عدم الرجوع إلى الدنيا وإِنْ نافية وكُلٌّ مبتدأ وتنوينه عوض عن المضاف إليه، ولَمَّا بمعنى إلا ومجيئها بهذا المعنى ثابت في لسان العرب بنقل الثقات فلا يلتفت إلى زعم الكسائي أنه لا يعرف ذلك. وقال أبو عبد الله الرازي: في كونها بهذا المعنى معنى مناسب وهو أنها كأنها حرفا نفي أكد أولهما بثانيهما وهما لم وما وكذلك إلا كأنها حرفا نفي وهما إن النافية ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخر، وهو عندي ضرب من الوساوس وجَمِيعٌ خبر المبتدأ وهو فعيل بمعنى مفعول فيفيد ما لا تفيده كُلٌّ لأنها تفيد إحاطة الأفراد وهذا يفيد اجتماعها وانضمام بعضها إلى بعض ولَدَيْنا ظرف له أو لمحضرون ومُحْضَرُونَ خبر ثان أو نعت وجمع على المعنى، والمعنى ما كلهم إلا مجموعون لدينا محضرون للحساب والجزاء.
وقال ابن سلام: محضرون أي معذبون فكل عبارة عن الكفرة، ويجوز أن يراد به هذا المعنى على الأول. وفي الآية تنبيه على أن المهلك لا يترك. وقرأ جمع من السبعة لَمَّا بالتخفيف على أن إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة وما مزيدة للتأكيد والمعنى أن الشأن كلهم مجموعون إلخ وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية واللام بمعنى إلا وما مزيدة والمعنى كما في قراءة التشديد وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ بالتخفيف وقرأ نافع بالتشديد، وآيَةٌ خبر مقدم للاهتمام وتنكيرها للتفخيم ولَهُمُ إما متعلق بها لأنها بمعنى العلامة أو متعلق بمضمر هو صفة لها وضمير الجمع لكفار أهل مكة ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر، والْأَرْضُ مبتدأ والْمَيْتَةُ صفتها، وقوله تعالى أَحْيَيْناها استئناف مبين لكيفية كونها آية، وقيل في موضع الحال والعامل فيها آية لما فيها من معنى الإعلام وهو تكلف ركيك، وقيل آيَةٌ مبتدأ أول ولَهُمُ صفتها أو متعلق بها وكل من الأمرين مسوغ للابتداء بالنكرة والْأَرْضُ الْمَيْتَةُ مبتدأ ثان وصفة وجملة أَحْيَيْناها خبر المبتدأ الثاني وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم تحتج لرابط، قال الخفاجي: وهذا حسن جدا إلا أن النحاة لم يصرحوا به في غير ضمير الشأن، وقيل إنها مؤولة بمدلول هذا القول فلذا لم يحتج لذلك ولا يخفى بعده، وقيل آيَةٌ مبتدأ والْأَرْضُ خبره وجملة أَحْيَيْناها صفة الأرض لأنها لم يرد بها أرض معينة بل الجنس فلا يلزم توصيف المعرفة بالجملة التي هي في حكم النكرة، ونظير ذلك قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني | فمضيت ثمت قلت لا يعنيني |
7
كما قيل نعم أرجح الأوجه ما قرر أولا وقد مر المراد بموت الأرض وإحيائها فتذكر.
وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا أي جنس الحب من الحنطة والشعير والأرز وغيرها، والنكرة قد تعم كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه، وفي ذكر الإخراج وكذا الجعل الآتي تنبيه على كمال الأحياء فَمِنْهُ أي من الحب بعد إخراجنا إياه، والفاء داخلة على المسبب ومن ابتدائية أو تبعيضية والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى يَأْكُلُونَ والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ جمع نخل كعبيد جمع عبد كما ذهب إليه أكثر الأئمة وصرح به في القاموس، وقيل اسم جمع، وقال الجوهري: النخل والنخيل بمعنى واحد وعلى الأول المعول وَأَعْنابٍ جمع عنب ويقال على الكرم نفسه وعلى ثمرته كما قال الراغب: ولعله مشترك فيهما، وقيل حقيقة في الثمرة مجاز في الشجرة، وأيا ما كان فالمراد الأول بقرينة العطف على النخيل، وجمعا دون الحب قيل لتدل الجمعية على تعدد الأنواع أي من أنواع النخل وأنواع العنب وذلك لأن النخل والعنب اسمان لنوعين فكل منهما مقول على إفراد حقيقة واحدة فلا يدلان على اختلاف ما تحتهما وتعدد أنواعه إلا إذا عبر عنهما بلفظ الجمع بخلاف الحب فإنه اسم جنس وهو يشعر باختلاف ما تحته لأنه المقول على كثرة مختلفة الحقائق قولا ذاتيا فلا يحتاج في الدلالة على الاختلاف إلى الجمعية، وقولهم جمع العالم في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: ٢] وهو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس لا ينافي ذلك قيل لأن المراد ليشمل شمولا ظاهرا متعينا وإن حصل الإشعار بدونه، وقيل جمعا للدلالة على مزيد النعمة، وأما الحب ففيه قوام البدن وهو حاصل بالجنس.
وامتن عز وجل في معرض الاستدلال على أمر الحشر بجعل الجنات من النخيل والأعناب المراد بها الأشجار ولم يمتن سبحانه وتعالى بجعل ثمرات تلك الأشجار من التمر والعنب كما امتن جل جلاله بإخراج الحب إعظاما للمنة لتضمن ذلك الامتنان بالثمار وغيرها من منافع تلك الأشجار أنفسها بسائر أجزائها للإنسان نفسه بلا واسطة لا سيما النخيل، ولا دلالة في الكلام على حصر ثمرة الجعل بأكل الثمرة، وثمرة التنصيص على ذلك من بين المنافع ظاهرة وهذا بخلاف أشجار الحبوب فإنها ليست بهذه المثابة ولذا غير الأسلوب ولم يعامل ثمر ذلك معاملة الحبوب وكلام البيضاوي عليه الرحمة ظاهر في أن المراد بالأعناب الثمار المعروفة لا الكروم وعلل ذكر النخيل دون ثمارها مع أنه الأوفق بما قبل وما بعد باختصاصها بمزيد النفع وآثار الصنع وتفسير الأعناب بالثمار دون الكروم بعيد عندي لمكان العطف مع أن الجار والمجرور في موضع الصفة لجنات، والمعروف كونها من أشجار لا من ثمار.
قال الراغب: الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنة وعلى ذلك حمل قوله:
من النواضح تسقي جنة سحقا على أن في الآية بعد ما يؤيد إرادة الثمار فتدبر.
وَفَجَّرْنا فِيها أي شققنا في الأرض. وقرأ جناح بن حبيش «فجرنا» بالتخفيف والمعنى واحد بيد أن المشدد دال على المبالغة والتكثير مِنَ الْعُيُونِ أي شيئا من العيون على أن الجار والمجرور في موضع الصفة لمحذوف، ومن بيانية وجوز كونها تبعيضية وليس بذاك، وقيل المفعول محذوف ومِنَ الْعُيُونِ متعلق بفجر ومن ابتدائية على معنى فجرنا من المنابع ما ينتفع به من الماء، وذهب الأخفش إلى زيادة من وجعل العيون مفعول فجرنا لأنه يرى جواز زيادتها في الإثبات مع تعريف مجرورها لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ متعلق بجعلنا وتأخيره عن تفجير العيون
وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا أي جنس الحب من الحنطة والشعير والأرز وغيرها، والنكرة قد تعم كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه، وفي ذكر الإخراج وكذا الجعل الآتي تنبيه على كمال الأحياء فَمِنْهُ أي من الحب بعد إخراجنا إياه، والفاء داخلة على المسبب ومن ابتدائية أو تبعيضية والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى يَأْكُلُونَ والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ جمع نخل كعبيد جمع عبد كما ذهب إليه أكثر الأئمة وصرح به في القاموس، وقيل اسم جمع، وقال الجوهري: النخل والنخيل بمعنى واحد وعلى الأول المعول وَأَعْنابٍ جمع عنب ويقال على الكرم نفسه وعلى ثمرته كما قال الراغب: ولعله مشترك فيهما، وقيل حقيقة في الثمرة مجاز في الشجرة، وأيا ما كان فالمراد الأول بقرينة العطف على النخيل، وجمعا دون الحب قيل لتدل الجمعية على تعدد الأنواع أي من أنواع النخل وأنواع العنب وذلك لأن النخل والعنب اسمان لنوعين فكل منهما مقول على إفراد حقيقة واحدة فلا يدلان على اختلاف ما تحتهما وتعدد أنواعه إلا إذا عبر عنهما بلفظ الجمع بخلاف الحب فإنه اسم جنس وهو يشعر باختلاف ما تحته لأنه المقول على كثرة مختلفة الحقائق قولا ذاتيا فلا يحتاج في الدلالة على الاختلاف إلى الجمعية، وقولهم جمع العالم في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: ٢] وهو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس لا ينافي ذلك قيل لأن المراد ليشمل شمولا ظاهرا متعينا وإن حصل الإشعار بدونه، وقيل جمعا للدلالة على مزيد النعمة، وأما الحب ففيه قوام البدن وهو حاصل بالجنس.
وامتن عز وجل في معرض الاستدلال على أمر الحشر بجعل الجنات من النخيل والأعناب المراد بها الأشجار ولم يمتن سبحانه وتعالى بجعل ثمرات تلك الأشجار من التمر والعنب كما امتن جل جلاله بإخراج الحب إعظاما للمنة لتضمن ذلك الامتنان بالثمار وغيرها من منافع تلك الأشجار أنفسها بسائر أجزائها للإنسان نفسه بلا واسطة لا سيما النخيل، ولا دلالة في الكلام على حصر ثمرة الجعل بأكل الثمرة، وثمرة التنصيص على ذلك من بين المنافع ظاهرة وهذا بخلاف أشجار الحبوب فإنها ليست بهذه المثابة ولذا غير الأسلوب ولم يعامل ثمر ذلك معاملة الحبوب وكلام البيضاوي عليه الرحمة ظاهر في أن المراد بالأعناب الثمار المعروفة لا الكروم وعلل ذكر النخيل دون ثمارها مع أنه الأوفق بما قبل وما بعد باختصاصها بمزيد النفع وآثار الصنع وتفسير الأعناب بالثمار دون الكروم بعيد عندي لمكان العطف مع أن الجار والمجرور في موضع الصفة لجنات، والمعروف كونها من أشجار لا من ثمار.
قال الراغب: الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنة وعلى ذلك حمل قوله:
من النواضح تسقي جنة سحقا على أن في الآية بعد ما يؤيد إرادة الثمار فتدبر.
وَفَجَّرْنا فِيها أي شققنا في الأرض. وقرأ جناح بن حبيش «فجرنا» بالتخفيف والمعنى واحد بيد أن المشدد دال على المبالغة والتكثير مِنَ الْعُيُونِ أي شيئا من العيون على أن الجار والمجرور في موضع الصفة لمحذوف، ومن بيانية وجوز كونها تبعيضية وليس بذاك، وقيل المفعول محذوف ومِنَ الْعُيُونِ متعلق بفجر ومن ابتدائية على معنى فجرنا من المنابع ما ينتفع به من الماء، وذهب الأخفش إلى زيادة من وجعل العيون مفعول فجرنا لأنه يرى جواز زيادتها في الإثبات مع تعريف مجرورها لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ متعلق بجعلنا وتأخيره عن تفجير العيون
8
لأنه من مبادئ الثمر أي وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب ورتبنا مبادئ ثمرها ليأكلوا، وضمير ثمره عائد على المجعول وهو الجنات ولذا أفرد وذكر ولم يقل من ثمرها أي الجنات أو من ثمرهما أي النخيل والأعناب، ومثله ما قيل عائد على المذكور والضمير قد يجري مجرى اسم الاشارة كما في قول رؤبة:
فإنه أراد كما قال لأبي عبيدة وقد سأله كأن ذاك، وقيل عائد على الماء لدلالة العيون عليه أو لكون الكلام على حذف مضاف أي ماء العيون، وقيل على النخيل واكتفى به للعلم باشتراك الأعناب معه في ذلك، وقيل على التفجير المفهوم من فَجَّرْنا والمراد بثمره فوائده كما تقول ثمرة التجارة الربح أو هو ظاهره والإضافة لأدنى ملابسة والكل كما ترى، وجوز أن يكون الضمير له عز وجل وإضافة الثمر إليه تعالى لأنه سبحانه خالقه فكأنه قيل: ليأكلوا مما خلقه الله تعالى من الثمر. وكان الظاهر من ثمرنا لضمير العظمة على قياس ما تقدم إلا أنه التفت من التكلم إلى الغيبة لأن الأكل والتعيش مما يشغل عن الله تعالى فيناسب الغيبة فالالتفات في موقعه.
وزعم بعضهم أن هذا ليس من مظانه لأنه أولى بضمير الواحد المطاع لأنه المقصود بالإحياء والجعل والتفجير وقد أسندت إليه. ورد بأن ما سبق أفخم لأنها أفعال عامة النفع ظاهرة في كمال القدرة والثمر أحط مرتبة من الحب ولذا لم يورد على سبيل الاختصاص فلا يستحق ذلك التفخيم كيف وقد جعل بعضهم الثمر خلق الله تعالى وكماله بفعل الآدمي، وبما تقدم يستغنى عما ذكر. وقرأ طلحة وابن وثاب وحمزة والكسائي «من ثمره» بضمتين وهي لغة فيه أو هو جمع ثمار.
وقرأ الأعمش «من ثمره» بضم فسكون وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ما موصولة في محل جر عطف على ثَمَرِهِ وجعله في محل نصب عطفا على محل مِنْ ثَمَرِهِ خلاف الظاهر أي وليأكلوا من الذي عملوه أو صنعوه بقواهم، والمراد به ما يتخذ من الثمر كالعصير والدبس وغيرهما، وقال الزمخشري: أي من الذي عملته أيديهم بالغرس والسقي والآبار وليس بذاك، وجوز أن تكون ما نكرة موصوفة أي ومن شيء عملته أيديهم والأول أظهر، وقيل: ما نافية وضمير عَمِلَتْهُ راجع إلى الثمر والجملة في موضع الحال، والمراد من نفي عمل أيديهم إياه أنه بخلق الله تعالى لا بفعلهم ولا تقول المشايخ بالتوليد، وروي القول بأنها نافية عن ابن عباس والضحاك، وظاهر كلام الحبر أن الضمير راجع إلى شيئا الموصوف المحذوف والجملة حال منه، فقد روى سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أنه قال: وجدوه معمولا لم تعمله أيديهم يعني الفرات ودجلة ونهر بلخ وأشباهها وفيه بعد. وأيد القول بالموصولية بقراءة طلحة وعيسى وحمزة والكسائي وأبي بكر «وما عملت» بلا هاء، ووجه التأييد أن الموصول مع الصلة كاسم واحد فيحسن معه لاستطالته ولاقتضائه إياه ودلالته عليه يكون كالمذكور، وتقدير اسم ظاهر غير ظاهر وقال الطيبي: جعلها نافية أولى من جعلها موصولة لئلا يوهم استقلالهم بالعمل لأن ذكر الأيدي للتأكيد في هذا المقام كما في قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [يس: ٧١] لأن التركيب من باب أخذته بيدي ورأيته بعيني وحينئذ لا يناسب أن يكون قوله تعالى أَحْيَيْناها إلخ تفسيرا لكون الأرض الميتة آية. وتعقبه في الكشف بأنه ليس بشيء لأن العمل من العباد بمعنى الكسب وقد جاء بما قدمت أيديكم وبما قدمت يداك فهذا التأكيد دافع للإيهام انتهى فلا تغفل.
وجوز على هذه القراءة كون ما مصدرية أي وعمل أيديهم ويراد بالمصدر اسم المفعول أي معمول أيديهم
فيها خطوط من سواد وبلق | كأنه في الجلد توليع البهق (١) |
وزعم بعضهم أن هذا ليس من مظانه لأنه أولى بضمير الواحد المطاع لأنه المقصود بالإحياء والجعل والتفجير وقد أسندت إليه. ورد بأن ما سبق أفخم لأنها أفعال عامة النفع ظاهرة في كمال القدرة والثمر أحط مرتبة من الحب ولذا لم يورد على سبيل الاختصاص فلا يستحق ذلك التفخيم كيف وقد جعل بعضهم الثمر خلق الله تعالى وكماله بفعل الآدمي، وبما تقدم يستغنى عما ذكر. وقرأ طلحة وابن وثاب وحمزة والكسائي «من ثمره» بضمتين وهي لغة فيه أو هو جمع ثمار.
وقرأ الأعمش «من ثمره» بضم فسكون وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ما موصولة في محل جر عطف على ثَمَرِهِ وجعله في محل نصب عطفا على محل مِنْ ثَمَرِهِ خلاف الظاهر أي وليأكلوا من الذي عملوه أو صنعوه بقواهم، والمراد به ما يتخذ من الثمر كالعصير والدبس وغيرهما، وقال الزمخشري: أي من الذي عملته أيديهم بالغرس والسقي والآبار وليس بذاك، وجوز أن تكون ما نكرة موصوفة أي ومن شيء عملته أيديهم والأول أظهر، وقيل: ما نافية وضمير عَمِلَتْهُ راجع إلى الثمر والجملة في موضع الحال، والمراد من نفي عمل أيديهم إياه أنه بخلق الله تعالى لا بفعلهم ولا تقول المشايخ بالتوليد، وروي القول بأنها نافية عن ابن عباس والضحاك، وظاهر كلام الحبر أن الضمير راجع إلى شيئا الموصوف المحذوف والجملة حال منه، فقد روى سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أنه قال: وجدوه معمولا لم تعمله أيديهم يعني الفرات ودجلة ونهر بلخ وأشباهها وفيه بعد. وأيد القول بالموصولية بقراءة طلحة وعيسى وحمزة والكسائي وأبي بكر «وما عملت» بلا هاء، ووجه التأييد أن الموصول مع الصلة كاسم واحد فيحسن معه لاستطالته ولاقتضائه إياه ودلالته عليه يكون كالمذكور، وتقدير اسم ظاهر غير ظاهر وقال الطيبي: جعلها نافية أولى من جعلها موصولة لئلا يوهم استقلالهم بالعمل لأن ذكر الأيدي للتأكيد في هذا المقام كما في قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [يس: ٧١] لأن التركيب من باب أخذته بيدي ورأيته بعيني وحينئذ لا يناسب أن يكون قوله تعالى أَحْيَيْناها إلخ تفسيرا لكون الأرض الميتة آية. وتعقبه في الكشف بأنه ليس بشيء لأن العمل من العباد بمعنى الكسب وقد جاء بما قدمت أيديكم وبما قدمت يداك فهذا التأكيد دافع للإيهام انتهى فلا تغفل.
وجوز على هذه القراءة كون ما مصدرية أي وعمل أيديهم ويراد بالمصدر اسم المفعول أي معمول أيديهم
(١) ظهور النقط البيض على الشيء اه منه.
9
فيعود إلى معنى الموصولة ولا يخفى ما فيه أَفَلا يَشْكُرُونَ إنكار واستقباح لعدم شكرهم للمنعم بالنعم المعدودة بالتوحيد والعبادة، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أيرون هذه النعم أو أيتنعمون بها فلا يشكرون المنعم بها سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها استئناف مسوق لتنزيهه تعالى عما فعلوه من ترك شكره عز وجل واستعظام ما ذكر في حين الصلة من بدائع آثار قدرته وأسرار حكمته وروائع نعمائه الموجبة لشكره تعالى وتخصيص العبادة به سبحانه والتعجيب من إخلالهم بذلك والحال هذه، وقد تقدم الكلام في سُبْحانَ. وفي الإرشاد هنا أنه علم للتسبيح الذي هو التبعيد عن السوء اعتقادا وقولا أي اعتقاد البعد عنه والحكم به من سبح في الأرض والماء إذا بعد فيهما وأمعن وانتصابه على المصدرية أي أسبح سبحانه أي أنزهه عما لا يليق به عقدا وعملا تنزيها خاصا به حقيقا بشأنه عز شأنه، وفيه مبالغة عن جهة الاشتقاق وجهة العدول إلى التفعيل وجهة العدول عن المصدر الدال على الجنس إلى الاسم الموضوع له خاصة لا سيما العلم وجهة إقامته مقام المصدر مع الفعل، وقيل: هو مصدر كغفران أريد به التنزه التام والتباعد الكلي عن السوء ففيه مبالغة من جهة اسناد التنزه إلى الذات المقدس فالمعنى تنزه بذاته عن كل ما لا يليق به تعالى تنزها خاصا به سبحانه، فالجملة على هذا إخبار منه تعالى بتنزهه وبراءته عن كل ما لا يليق به مما فعلوه وما تركوه وعلى الأول حكم منه عز وجل بذلك وتلقين للمؤمنين أن يقولوه ويعتقدوا مضمونه ولا يخلوا به ولا يغفلوا به.
وقدر بعضهم الفعل الناصب أمرا أي سبحوا سبحان، والمراد بالأزواج الأنواع والأصناف، وقال الراغب: الأزواج جمع زوج ويقال لكل واحد من القرينين ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا وكل ما في العالم زوج من حيث إن له ضدا ما أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لا ينفك بوجه من تركيب صورة ومادة وجوهر وعرض.
مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ بيان للأزواج والمراد به كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة وغيرها وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ أي وخلق الأزواج من أنفسهم أي الذكر والأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ أي والأزواج مما لم يطلعهم الله تعالى ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته بخصوصياته وإنما أطلعهم سبحانه على ذلك بطريق الإجمال على منهاج وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ [النحل- ٨] لما نيط به وقوفهم على عظم قدرته وسعة ملكه وجلالة سلطانه عز وجل، ولعله لما كان العلم من أخص صفات الربوبية لم يثبت على وجه الكمال والإحاطة لأحد سواه سبحانه ولو كان بطريق الفيض منه تبارك وتعالى على أن ظرف الممكن يضيق عن الإحاطة فما يجهله كل أحد أكثر مما يعلمه بكثير، وقد يقال على بعض الاعتبارات: إن ما يعلمه كل أحد متناه وما يجهله غير متناه ولا نسبة بين المتناهي وغير المتناهي أصلا فلا نسبة بين معلوم كل أحد ومجهوله، وتأمل في هذا مع دعوى بعض الأكابر الوقوف على الأعيان الثابتة والاطلاع عليها وقل رب زدني علما وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ بيان لقدرته تعالى الباهرة في الزمان بعد ما بينها سبحانه في المكان، وآيَةٌ خبر مقدم واللَّيْلُ مبتدأ مؤخر وقوله تعالى نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ استئناف لبيان كونه آية، وفي التركيب احتمالات أخر تعلم مما مر إلا أن الأرجح ما ذكر أي نكشف ونزيل الضوء من مكان الليل وموضع إلقاء ظله وظلمته وهو الهواء فالنهار عبارة عن الضوء إما على التجوز أو على حذف المضاف، وقوله تعالى مِنْهُ على حذف مضاف وذلك لأن النهار والليل عبارتان عن زمان كون الشمس فوق الأفق وتحته ولا معنى لكشف أحدهما عن الآخر وأصل السلخ كشط الجلد عن نحو الشاة فاستعير لكشف الضوء عن مكان الليل وملقى ظلمته وظله استعارة تبعية مصرحة والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر فإنه يترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل، وجوز أن يكون في النهار استعارة مكنية وفي السلخ استعارة تخييلية والجمهور على ما ذكرنا ومن
وقدر بعضهم الفعل الناصب أمرا أي سبحوا سبحان، والمراد بالأزواج الأنواع والأصناف، وقال الراغب: الأزواج جمع زوج ويقال لكل واحد من القرينين ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا وكل ما في العالم زوج من حيث إن له ضدا ما أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لا ينفك بوجه من تركيب صورة ومادة وجوهر وعرض.
مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ بيان للأزواج والمراد به كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة وغيرها وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ أي وخلق الأزواج من أنفسهم أي الذكر والأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ أي والأزواج مما لم يطلعهم الله تعالى ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته بخصوصياته وإنما أطلعهم سبحانه على ذلك بطريق الإجمال على منهاج وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ [النحل- ٨] لما نيط به وقوفهم على عظم قدرته وسعة ملكه وجلالة سلطانه عز وجل، ولعله لما كان العلم من أخص صفات الربوبية لم يثبت على وجه الكمال والإحاطة لأحد سواه سبحانه ولو كان بطريق الفيض منه تبارك وتعالى على أن ظرف الممكن يضيق عن الإحاطة فما يجهله كل أحد أكثر مما يعلمه بكثير، وقد يقال على بعض الاعتبارات: إن ما يعلمه كل أحد متناه وما يجهله غير متناه ولا نسبة بين المتناهي وغير المتناهي أصلا فلا نسبة بين معلوم كل أحد ومجهوله، وتأمل في هذا مع دعوى بعض الأكابر الوقوف على الأعيان الثابتة والاطلاع عليها وقل رب زدني علما وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ بيان لقدرته تعالى الباهرة في الزمان بعد ما بينها سبحانه في المكان، وآيَةٌ خبر مقدم واللَّيْلُ مبتدأ مؤخر وقوله تعالى نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ استئناف لبيان كونه آية، وفي التركيب احتمالات أخر تعلم مما مر إلا أن الأرجح ما ذكر أي نكشف ونزيل الضوء من مكان الليل وموضع إلقاء ظله وظلمته وهو الهواء فالنهار عبارة عن الضوء إما على التجوز أو على حذف المضاف، وقوله تعالى مِنْهُ على حذف مضاف وذلك لأن النهار والليل عبارتان عن زمان كون الشمس فوق الأفق وتحته ولا معنى لكشف أحدهما عن الآخر وأصل السلخ كشط الجلد عن نحو الشاة فاستعير لكشف الضوء عن مكان الليل وملقى ظلمته وظله استعارة تبعية مصرحة والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر فإنه يترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل، وجوز أن يكون في النهار استعارة مكنية وفي السلخ استعارة تخييلية والجمهور على ما ذكرنا ومن
10
ابتدائية، وقيل: تبعيضية وجعلها سببية ليس بشيء، وهذا التفسير محكي عن الفراء ونحوه تفسير السلخ بالنزع، واستعمال الفاء في قوله تعالى: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ أي داخلون في الظلام كما يفيده همزة الأفعال عليه ظاهر، ووقع في عبارة الشيخ عبد القاهر والإمام السكاكي أن المستعار له في الآية ظهور النهار من ظلمة الليل والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلده وذلك على ما قال العلامة الطيبي والفاضل اليمني مأخوذ من قول الزجاج معنى نسلخ منه النهار نخرج منه النهار إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوئه فالظهور في عبارتهما بمعنى الخروج وهو يتعدى بمن فلا حاجة إلى جعلها بمعنى عن.
وقد جاء بهذا المعنى كما في قول عمر لأبي عبيدة رضي الله تعالى عنهما اظهر بمن معك من المسلمين إليها أي الأرض يعني أخرج إلى ظاهرها،
وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها كان صلّى الله عليه وسلم يصلي العصر ولم يظهر الفيء بعد من الحجرة
أي لم يخرج إلى ظاهرها فسقط ما أورد عليه من أنه لو أريد الظهور لقيل «فإذا هم مبصرون» ولم يقل «فإذا هم مظلمون» لأن الواقع عقيب ظهور النهار من ظلمة الليل إنما هو الإبصار لا الإظلام من غير حاجة إلى حمل العبارة على القلب أي ظهور ظلمة الليل من النهار، وبعضهم (١) رفع هذا الإيراد بأن النهار عبارة عن مجموع المدة من طلوع الفجر أو الشمس إلى الغروب لا عن بعضها فالواقع عقيب هذه المدة كلها الدخول في الظلام. وتعقبه السالكوتي بأن الدخول في الظلام مترتب على السلخ لا على انقضاء مدة النهار.
ولعل مراد البعض أن السلخ بمعنى ظهور النهار لا يتحقق إلا بظهور كل أجزائه ومتى ظهرت أجزاء النهار كلها انقضت مدته، وذكر العلامة القطب أن السلخ قد يكون بمعنى النزع نحو سلخت الإهاب عن الشاة وقد يكون بمعنى الإخراج نحو سلخت الشاة من الإهاب والشاة مسلوخة فذهب الشيخ عبد القاهر والسكاكي إلى الثاني وغيرهما إلى الأول فاستعمال الفاء في فَإِذا هُمْ ظاهر على قول الغير وأما على قولهما فإنما يصح من جهة أنها موضوعة لما يعد في العادة مرتبا غير متراخ وهذا يختلف باختلاف الأمور والعادات فقد يطول الزمان والعادة في مثله تقتضي عدم اعتبار المهلة وقد يكون بالعكس كما في هذه الآية فإن زمان النهار وإن توسط بين إخراج النهار من الليل وبين دخول الظلام لكن لعظم دخول الظلام بعد إضاءة النهار وكونه مما ينبغي أن لا يحصل إلا في أضعاف ذلك الزمان عد الزمان قريبا وجعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب إخراج النهار من الليل بلا مهلة.
ثم لا يخفى أن إذ المفاجأة إنما تصح إذا جعل السلخ بمعنى الإخراج كما يقال: أخرج النهار من الليل ففاجأه دخول الليل فإنه مستقيم بخلاف ما إذا جعل بمعنى النزع فإنه لا يستقيم أن يقال: نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام كما لا يستقيم أن يقال كسرت الكوز ففاجأه الانكسار لأن دخولهم في الظلام عين حصول الظلام فيكون نسبة دخولهم في الظلام إلى نزع ضوء النهار كنسبة الانكسار إلى الكسر فلهذا جعلا السلخ بمعنى الإخراج دون النزاع اه كلامه، وقواه العلامة الثاني بأنه لا شك أن الشيء إنما يكون آية إذا اشتمل على نوع استغراب واستعجاب بحيث يفتقر إلى نوع اقتدار إنما هو مفاجأة الظلام عقيب ظهور النهار لا عقيب زوال ضوء النهار.
وقال السالكوتي: إن عدم استقامة المفاجأة فيما ذكر لأنها إنما تتصور فيما لا يكون مترقبا بل يحصل بغتة حينئذ يمكن أن يقال في الجواب: إن نزع الضوء عن الليل لكون ظهوره في غاية الكمال كان المترقب فيه أن يكون في مدة
وقد جاء بهذا المعنى كما في قول عمر لأبي عبيدة رضي الله تعالى عنهما اظهر بمن معك من المسلمين إليها أي الأرض يعني أخرج إلى ظاهرها،
وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها كان صلّى الله عليه وسلم يصلي العصر ولم يظهر الفيء بعد من الحجرة
أي لم يخرج إلى ظاهرها فسقط ما أورد عليه من أنه لو أريد الظهور لقيل «فإذا هم مبصرون» ولم يقل «فإذا هم مظلمون» لأن الواقع عقيب ظهور النهار من ظلمة الليل إنما هو الإبصار لا الإظلام من غير حاجة إلى حمل العبارة على القلب أي ظهور ظلمة الليل من النهار، وبعضهم (١) رفع هذا الإيراد بأن النهار عبارة عن مجموع المدة من طلوع الفجر أو الشمس إلى الغروب لا عن بعضها فالواقع عقيب هذه المدة كلها الدخول في الظلام. وتعقبه السالكوتي بأن الدخول في الظلام مترتب على السلخ لا على انقضاء مدة النهار.
ولعل مراد البعض أن السلخ بمعنى ظهور النهار لا يتحقق إلا بظهور كل أجزائه ومتى ظهرت أجزاء النهار كلها انقضت مدته، وذكر العلامة القطب أن السلخ قد يكون بمعنى النزع نحو سلخت الإهاب عن الشاة وقد يكون بمعنى الإخراج نحو سلخت الشاة من الإهاب والشاة مسلوخة فذهب الشيخ عبد القاهر والسكاكي إلى الثاني وغيرهما إلى الأول فاستعمال الفاء في فَإِذا هُمْ ظاهر على قول الغير وأما على قولهما فإنما يصح من جهة أنها موضوعة لما يعد في العادة مرتبا غير متراخ وهذا يختلف باختلاف الأمور والعادات فقد يطول الزمان والعادة في مثله تقتضي عدم اعتبار المهلة وقد يكون بالعكس كما في هذه الآية فإن زمان النهار وإن توسط بين إخراج النهار من الليل وبين دخول الظلام لكن لعظم دخول الظلام بعد إضاءة النهار وكونه مما ينبغي أن لا يحصل إلا في أضعاف ذلك الزمان عد الزمان قريبا وجعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب إخراج النهار من الليل بلا مهلة.
ثم لا يخفى أن إذ المفاجأة إنما تصح إذا جعل السلخ بمعنى الإخراج كما يقال: أخرج النهار من الليل ففاجأه دخول الليل فإنه مستقيم بخلاف ما إذا جعل بمعنى النزع فإنه لا يستقيم أن يقال: نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام كما لا يستقيم أن يقال كسرت الكوز ففاجأه الانكسار لأن دخولهم في الظلام عين حصول الظلام فيكون نسبة دخولهم في الظلام إلى نزع ضوء النهار كنسبة الانكسار إلى الكسر فلهذا جعلا السلخ بمعنى الإخراج دون النزاع اه كلامه، وقواه العلامة الثاني بأنه لا شك أن الشيء إنما يكون آية إذا اشتمل على نوع استغراب واستعجاب بحيث يفتقر إلى نوع اقتدار إنما هو مفاجأة الظلام عقيب ظهور النهار لا عقيب زوال ضوء النهار.
وقال السالكوتي: إن عدم استقامة المفاجأة فيما ذكر لأنها إنما تتصور فيما لا يكون مترقبا بل يحصل بغتة حينئذ يمكن أن يقال في الجواب: إن نزع الضوء عن الليل لكون ظهوره في غاية الكمال كان المترقب فيه أن يكون في مدة
(١) هو شيخ الإسلام في حواشيه على المطول اه منه.
11
مديدة فحصول الظلام بعده في مدة قصيرة أمر غير مترقب ثم قال وبهذا ظهر الجواب عن التقوية، وقيل إن الظلمة لكونها مما تنفر عنها الطباع وتكرهها النفوس يكون حصولها كأنه غير مترقب ويكفي نفس السلخ في الدلالة على الاقتدار، والذي يقتضيه ما سبق عن الطيبي واليمني أن الشيخ والسكاكي أرادا إخراج النهار من الليل إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوئه كما قال الزجاج، ومآله إزالة ضوء النهار من مكان الليل وموضع ظلمته كما قال الفراء، وجاء في كلامهم الظهور بمعنى الزوال كما في قول أبي ذؤيب:
وحكى الجوهري: يقال هذا أمر ظاهر عنك عاره أي زائل. وقال المرزوقي في قول الحماسي:
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر أيضا كذلك فلا مانع من أن يكون في كلام الشيخين بهذا المعنى ويراد بالظهور الإظهار، والتعبير به مساهلة لظهور أن نسلخ متعد فيرجع الأمر إلى الإزالة فيتحد كلامهما بما قاله الفراء وكذا على ما قيل المراد بالظهور الخروج على وجه المفارقة لظهور الزوال فيه حينئذ وأمر المساهلة على حاله، وعلى القول بالاتحاد يجيء اعتراض العلامة والجواب هو الجواب فتأمل والله تعالى الهادي إلى الصواب.
وفي الآية على ما قال غير واحد دلالة على أن الأصل الظلمة والنور طارئ عليها يسترها بضوئه وفي الحديث ما يشعر بذلك أيضا،
روى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره اهتدى ومن أخطأه ضل».
وَالشَّمْسُ عطف على اللَّيْلُ أي وآية لهم الشمس.
وقوله تعالى تَجْرِي إلخ استئناف لبيان كونها آية، وقيل الشَّمْسُ مبتدأ وما بعده خبر والجملة عطف على اللَّيْلُ نَسْلَخُ وقيل غير ذلك فلا تغفل، والجري المر السريع، وأصله لمر الماء ولما يجري يجريه والمعنى تسير سريعا لِمُسْتَقَرٍّ لَها لحد معين تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره من حيث أن في كل انتهاء إلى محل معين وإن كان للمسافر قرار دونها، وروي هذا عن الكلبي واختاره ابن قتيبة، والمستقر عليه اسم مكان واللام بمعنى إلى وقرىء بها بدل اللام، وجوز أن تكون تعليلية أو لمنتهى لها من المشارق اليومية والمغارب لأنها تتقصاها مشرقا مشرقا ومغربا مغربا حتى تبلغ أقصاها ثم ترجع فذلك حدها ومستقرها لأنها لا تعدوه.
وروي هذا عن الحسن وهو متفق في أن المستقر اسم مكان واللام على ما سمعت، ومختلف باعتبار أن الأول من استقرار المسافر تشبيها لانتهاء الدورة بانتهاء السفرة وهذا باعتبار مقنطرات الارتفاع وبلوغ أقصاها ومقنطرات الانخفاض كذلك والاستقرار باعتبار عدم التجاوز عن الأول في استقصاء المشارق وعن الثاني في استقصاء المغارب أو لحد لها من مسيرها كل يوم في رأي عيوننا وهو المغرب، والمستقر عليه اسم مكان أيضا واللام كما سمعت أو لكبد السماء ودائرة نصف النهاء فالمستقر (١) واللام على نظير ما تقدم. وكون ذلك محل قرارها إما مجاز عن الحركة البطيئة أو هو باعتبار ما يتراءى قال ذو الرمة يصف فرسه وجريه في الظهيرة وشدة الحر:
وعيرها الواشون أني أحبها | وتلك شكاة ظاهر عنك عارها |
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر أيضا كذلك فلا مانع من أن يكون في كلام الشيخين بهذا المعنى ويراد بالظهور الإظهار، والتعبير به مساهلة لظهور أن نسلخ متعد فيرجع الأمر إلى الإزالة فيتحد كلامهما بما قاله الفراء وكذا على ما قيل المراد بالظهور الخروج على وجه المفارقة لظهور الزوال فيه حينئذ وأمر المساهلة على حاله، وعلى القول بالاتحاد يجيء اعتراض العلامة والجواب هو الجواب فتأمل والله تعالى الهادي إلى الصواب.
وفي الآية على ما قال غير واحد دلالة على أن الأصل الظلمة والنور طارئ عليها يسترها بضوئه وفي الحديث ما يشعر بذلك أيضا،
روى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره اهتدى ومن أخطأه ضل».
وَالشَّمْسُ عطف على اللَّيْلُ أي وآية لهم الشمس.
وقوله تعالى تَجْرِي إلخ استئناف لبيان كونها آية، وقيل الشَّمْسُ مبتدأ وما بعده خبر والجملة عطف على اللَّيْلُ نَسْلَخُ وقيل غير ذلك فلا تغفل، والجري المر السريع، وأصله لمر الماء ولما يجري يجريه والمعنى تسير سريعا لِمُسْتَقَرٍّ لَها لحد معين تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره من حيث أن في كل انتهاء إلى محل معين وإن كان للمسافر قرار دونها، وروي هذا عن الكلبي واختاره ابن قتيبة، والمستقر عليه اسم مكان واللام بمعنى إلى وقرىء بها بدل اللام، وجوز أن تكون تعليلية أو لمنتهى لها من المشارق اليومية والمغارب لأنها تتقصاها مشرقا مشرقا ومغربا مغربا حتى تبلغ أقصاها ثم ترجع فذلك حدها ومستقرها لأنها لا تعدوه.
وروي هذا عن الحسن وهو متفق في أن المستقر اسم مكان واللام على ما سمعت، ومختلف باعتبار أن الأول من استقرار المسافر تشبيها لانتهاء الدورة بانتهاء السفرة وهذا باعتبار مقنطرات الارتفاع وبلوغ أقصاها ومقنطرات الانخفاض كذلك والاستقرار باعتبار عدم التجاوز عن الأول في استقصاء المشارق وعن الثاني في استقصاء المغارب أو لحد لها من مسيرها كل يوم في رأي عيوننا وهو المغرب، والمستقر عليه اسم مكان أيضا واللام كما سمعت أو لكبد السماء ودائرة نصف النهاء فالمستقر (١) واللام على نظير ما تقدم. وكون ذلك محل قرارها إما مجاز عن الحركة البطيئة أو هو باعتبار ما يتراءى قال ذو الرمة يصف فرسه وجريه في الظهيرة وشدة الحر:
معروريا رمض الرضراض تركضه | والشمس حيرى لها بالجو تدويم (٢) |
(١) وجوز كونه مصدرا فلا تغفل اه منه.
(٢) هو وقوف الطائر في الهواء اه منه. [.....]
(٢) هو وقوف الطائر في الهواء اه منه. [.....]
12
أو لاستقرار لها ومكث في كل برج من البروج الاثني عشر على نهج مخصوص فالمستقر مصدر ميمي واللام داخلة على الغاية أو الحامل، وقيل تجري لبيتها وهو برج الأسد، واستقرارها عبارة عن حسن حالها فيه، وهذا غير مقبول إلا عند أهل الأحكام ولا يخفى حكمهم على محققي الإسلام، وقال قتادة. ومقاتل المعنى تجري إلى وقت لها لا تتعداه، قال الواحدي: وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وهذا اختيار الزجاج كما قال النووي:
في شرح صحيح مسلم، ومستقر عليه اسم زمان
وفي غير واحد من الصحاح عن أبي ذر قال: «كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ قلت الله تعالى ورسوله أعلم قال: تذهب لتسجد (١) فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله عز وجل: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها
وفي رواية أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟
قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، الحديث
وفي ذلك عدة روايات وقد روي مختصرا جدا.
وأخرج أحمد والبخاري، ومسلم وأبو داود والترمذي، والنسائي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال مستقرها تحت العرش
فالمستقر اسم مكان والظاهر أن للشمس فيه قرارا حقيقة، قال النووي: قال جماعة بظاهر الحديث، قال الواحدي:
وعلى هذا القول إذا غربت الشمس كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع، ثم قال النووي: وسجودها بتمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها.
وذكر ابن حجر الهيتمي في فتاويه الحديثية أن سجودها تحت العرش إنما هو عند غروبها وحكى فيها عن بعضهم أنها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول: يا رب إن قوما يعصونك فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتنزل من سماء إلى سماء حتى تطلع من المشرق وبنزولها إلى سماء الدنيا يطلع الفجر
، وفيها أيضا
أخرج أبو الشيخ عن عكرمة أنها إذا غربت دخلت نهرا تحت العرش فتسبح ربها حتى إذا أصبحت استعفت ربها عن الخروج فيقول سبحانه لم فتقول إني إذا خرجت عبدت من دونك
، والسجود تحت العرش قد جاء أيضا من روايات الإمامية ولهم في ذلك أخبار عجيبة منها أن الشمس عليها سبعون ألف كلاب وكل كلاب يجره سبعون ألف ملك من مشرقها إلى مغربها ثم ينزعون منها النور فتخر ساجدة تحت العرش ثم يسألون ربهم هل نلبسها لباس النور أم لا؟ فيجابون بما يريده سبحانه ثم يسألونه عز وجل هل نطلعها من مشرقها أو مغربها؟ فيأتيهم النداء بما يريد جل شأنه ثم يسألون عن مقدار الضوء فيأتيهم النداء بما يحتاج إليه الخلق من قصر النهار وطوله.
وفي الهيئة السنية للجلال السيوطي أخبار من هذا القبيل والصحيح من الأخبار قليل، وليس لي على صحة أخبار الإمامية وأكثر ما في الهيئة السنية تعويل نعم ما تقدم عن أبي ذر مما لا كلام في صحته وماذا يقال في أبي ذر وصدق لهجته، والأمر في ذلك مشكل إذا كان السجود والاستقرار كل ليلة تحت العرش سواء قيل منها تطلع من سماء إلى سماء حتى تصل إليه فتسجد أم قيل: إنها تستقر وتسجد تحته من غير طلوع فقد صرح إمام الحرمين وغيره بأنه لا خلاف في أنها تغرب عند قوم وتطلع على آخرين والليل يطول عند قوم ويقصر عند آخرين وبين الليل والنهار
في شرح صحيح مسلم، ومستقر عليه اسم زمان
وفي غير واحد من الصحاح عن أبي ذر قال: «كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ قلت الله تعالى ورسوله أعلم قال: تذهب لتسجد (١) فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله عز وجل: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها
وفي رواية أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟
قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، الحديث
وفي ذلك عدة روايات وقد روي مختصرا جدا.
وأخرج أحمد والبخاري، ومسلم وأبو داود والترمذي، والنسائي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال مستقرها تحت العرش
فالمستقر اسم مكان والظاهر أن للشمس فيه قرارا حقيقة، قال النووي: قال جماعة بظاهر الحديث، قال الواحدي:
وعلى هذا القول إذا غربت الشمس كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع، ثم قال النووي: وسجودها بتمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها.
وذكر ابن حجر الهيتمي في فتاويه الحديثية أن سجودها تحت العرش إنما هو عند غروبها وحكى فيها عن بعضهم أنها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول: يا رب إن قوما يعصونك فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتنزل من سماء إلى سماء حتى تطلع من المشرق وبنزولها إلى سماء الدنيا يطلع الفجر
، وفيها أيضا
أخرج أبو الشيخ عن عكرمة أنها إذا غربت دخلت نهرا تحت العرش فتسبح ربها حتى إذا أصبحت استعفت ربها عن الخروج فيقول سبحانه لم فتقول إني إذا خرجت عبدت من دونك
، والسجود تحت العرش قد جاء أيضا من روايات الإمامية ولهم في ذلك أخبار عجيبة منها أن الشمس عليها سبعون ألف كلاب وكل كلاب يجره سبعون ألف ملك من مشرقها إلى مغربها ثم ينزعون منها النور فتخر ساجدة تحت العرش ثم يسألون ربهم هل نلبسها لباس النور أم لا؟ فيجابون بما يريده سبحانه ثم يسألونه عز وجل هل نطلعها من مشرقها أو مغربها؟ فيأتيهم النداء بما يريد جل شأنه ثم يسألون عن مقدار الضوء فيأتيهم النداء بما يحتاج إليه الخلق من قصر النهار وطوله.
وفي الهيئة السنية للجلال السيوطي أخبار من هذا القبيل والصحيح من الأخبار قليل، وليس لي على صحة أخبار الإمامية وأكثر ما في الهيئة السنية تعويل نعم ما تقدم عن أبي ذر مما لا كلام في صحته وماذا يقال في أبي ذر وصدق لهجته، والأمر في ذلك مشكل إذا كان السجود والاستقرار كل ليلة تحت العرش سواء قيل منها تطلع من سماء إلى سماء حتى تصل إليه فتسجد أم قيل: إنها تستقر وتسجد تحته من غير طلوع فقد صرح إمام الحرمين وغيره بأنه لا خلاف في أنها تغرب عند قوم وتطلع على آخرين والليل يطول عند قوم ويقصر عند آخرين وبين الليل والنهار
(١) أي في الرجوع كما جاء مصرحا به في حديث آخر رواه أحمد والترمذي وغيرهما فلا تغفل اه منه.
13
اختلاف ما في الطول والقصر عند خط الاستواء، وفي بلاد بلغار قد يطلع الفجر قبل أن يغيب شفق الغروب، وفي عرض تسعين لا تزال طالعة ما دامت في البروج الشمالية وغاربة ما دامت في البروج الجنوبية فالسنة نصفها ليل ونصفها نهار على ما فصل في موضعه، والأدلة قائمة على أنها لا تسكن عند غروبها وإلا لكانت ساكنة عند طلوعها بناء على أن غروبها في أفق طلوع في غيره، وأيضا هي قائمة على أنها لا تفارق فلكها فكيف تطلع من سماء إلى سماء حتى تصل إلى العرش بل كون الأمر ليس كذلك أظهر من الشمس لا يحتاج إلى بيان أصلا وكذا كونها تحت العرش دائما بمعنى احتوائه عليها وكونها في جوفه كسائر الأفلاك التي فوق فلكها والتي تحته وقد سألت كثيرا من أجلة المعاصرين عن التوفيق بين ما سمعت من الأخبار الصحيحة وبين ما يقتضي خلافها من العيان والبرهان فلم أوفق لأن أفوز منهم بما يروي الغليل ويشفي العليل، والذي يخطر بالبال في حل ذلك الإشكال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال أن الشمس وكذا سائر الكواكب مدركة عاقلة كما ينبىء عن ذلك قوله تعالى الآتي كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ حيث جيء بالفعل مسندا إلى ضمير جمع العقلاء وقوله تعالى إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤] لنحو ما ذكر يدل وعليه ظاهر ما روي عن أبي ذر من أنها تسجد وتستأذن فإن المتبادر من الاستئذان ما يكون بلسان القال دون لسان الحال. وخلق الله تعالى الإدراك والتمييز فيها حال السجود والاستئذان ثم سلبه عنها مما لا حاجة إلى التزامه بل هو بعيد غاية البعد والشواهد من الكتاب والسنة وكلام العترة على كونها ذات إدراك وتمييز مما لا تكاد تحصي كثرة وبعض يدل على ثبوت ذلك لها بالخصوص وبعضها يدل على ثبوته لها باعتبار دخولها في العموم أو بالمقايسة إذ لا قائل بالفرق ومتى كانت كذلك فلا يبعد أن يكون لها نفس ناطقة كنفس الإنسان بل صرح بعض الصوفية بكونها ذات نفس ناطقة كاملة جدا، والحكماء أثبتوا النفس للفلك وصرح بعضهم بإثباتها للكواكب أيضا وقالوا: كل ما في العالم العلوي من الكواكب والأفلاك الكلية والجزئية والتداوير حي ناطق والأنفس الناطقة الإنسانية إذا كانت قدسية قد تنسلخ عن الأبدان وتذهب متمثلة ظاهرة بصور أبدانها أو بصور أخرى كما يتمثل جبريل عليه السلام ويظهر بصورة دحية أو بصورة بعض الأعراب كما جاء في صحيح الأخبار حيث يشاء الله عز وجل مع بقاء نوع تعلق لها بالأبدان الأصلية يتأتى معه صدور الأفعال منها كما يحكى عن بعض الأولياء قدست أسرارهم أنهم يرون في وقت واحد في عدة مواضع وما ذاك إلا لقوة تجرد أنفسهم وغاية تقدسها فتمثل وتظهر في موضع وبدنها الأصلي في موضع آخر:
وهذا أمر مقرر عند السادة الصوفية مشهور فيما بينهم وهو غير طي المسافة وإنكار من ينكر كلا منهما عليهم مكابرة لا تصدر إلا من جاهل أو معاند، وقد عجب العلامة التفتازاني من بعض فقهاء أهل السنة أي كابن مقاتل حيث حكم بالكفر على معتقد ما روي عن إبراهيم بن أدهم قدس سره أنهم رأوه بالبصرة يوم التروية ورئي ذلك اليوم بمكة، ومبناه زعم أن ذلك من جنس المعجزات الكبار وهو مما لا يثبت كرامة لولي وأنت تعلم أن المعتمد عندنا جواز ثبوت الكرامة للولي مطلقا إلا فيما يثبت بالدليل عدم إمكانه كالإتيان بسورة مثل إحدى سور القرآن، وقد أثبت غير واحد تمثل النفس وتطورها لنبينا صلّى الله عليه وسلم بعد الوفاة وادعى أنه عليه الصلاة والسلام قد يرى في عدة مواضع في وقت واحد مع كونه في قبره الشريف يصلي، وقد تقدم الكلام مستوفى في ذلك،
وصح أنه صلّى الله عليه وسلم رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر
ورآه في السماء وجرى بينهما ما جرى في أمر الصلوات المفروضة، وكونه عليه السلام عرج إلى السماء بجسده الذي كان في القبر بعد أن رآه النبي صلّى الله عليه وسلم مما لم يقله أحد جزما والقول به احتمال بعيد، وقد رأى
لا تقل دارها بشرقي نجد | كل نجد للعامرية دار |
وصح أنه صلّى الله عليه وسلم رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر
ورآه في السماء وجرى بينهما ما جرى في أمر الصلوات المفروضة، وكونه عليه السلام عرج إلى السماء بجسده الذي كان في القبر بعد أن رآه النبي صلّى الله عليه وسلم مما لم يقله أحد جزما والقول به احتمال بعيد، وقد رأى
14
صلّى الله عليه وسلم ليلة أسري به جماعة من الأنبياء غير موسى عليه السلام في السماوات مع أن قبورهم في الأرض ولم يقل أحد إنهم نقلوا منها إليها على قياس ما سمعت آنفا، وليس ذلك مما ادعى الحكميون استحالته من شغل النفس الواحدة أكثر من بدن واحد بل هو أمر وراءه كما لا يخفى على من نور الله تعالى بصريته فيمكن أن يقال: إن للشمس نفسا مثل تلك الأنفس القدسية وأنها تنسلخ عن الجرم المشاهد المعروف مع بقاء نوع من التعلق لها به فتعرج إلى العرش فتسجد تحته بلا واسطة وتستقر هناك وتستأذن ولا ينافي ذلك سير هذا الجرم المعروف وعدم سكونه حسبما يدعيه أهل الهيئة وغيرهم ويكون ذلك إذا غربت وتجاوزت الأفق الحقيقي وانقطعت رؤية سكان المعمور من الأرض إياها ولا يضر فيه طلوعها إذ ذاك في عرض تسعين ونحره لأن ما ذكرنا من كون السجود والسكون باعتبار النفس المنسلخة المتمثلة بما شاء الله تعالى لا ينافي سير الجرم المعروف بل لو كانا نصف النهار في خط الاستواء لم يضر أيضا، ويجوز أن يقال سجودها بعد غروبها عن أفق المدينة ولا يضر فيه كونها طالعة إذ ذاك في أفق آخر لما سمعت إلا أن الذي يغلب على الظن ما ذكر أولا، وعلى هذا الطرز يخرج ما يحكى أن الكعبة كانت تزور واحدا من الأولياء بأن يقال إن الكعبة حقيقة غير ما يعرفه العامة، وهي باعتبار تلك الحقيقة تزور والناس يشاهدونها في مكانها أحجارا مبنية.
وقد ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في الفتوحات كلاما طويلا ظاهرا في أن لها حقيقة غير ما يعرفه العامة وفيه أنه كان بينه وبينها زمان مجاورته مراسلات وتوسلات ومعاتبة دائمة وإنه دون بعض ذلك في جزء سماه تاج الوسائل ومنهاج الرسائل وقد سأل نجم الدين عمر النسفي مفتي الإنس والجن عما يحكى أن الكعبة كانت تزور إلخ هل يجوز القول به فقال نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة وارتضاه العلامة السعد وغيره لكن لم أر من خرج زيارتها على هذا الطرز، وظاهر كلام بعضهم أن ذلك بذهاب الجسم المشاهد منها إلى المزور وانتقاله من مكانه، ففي عدة الفتاوى والولوالجية وغيرهما لو ذهبت الكعبة لزيارة بعض الأولياء فالصلاة إلى هوائها، ويمكن أن يكون أريد به غير ما يحكى فإنه والله تعالى أعلم لم يكن بانتقال الجسم المشاهد ثم الجمع بين الحديث في الشمس وبين ما يقتضيه الحس وكلام أهل الهيئة بهذا الوجه لم أره لأحد بيد أني رأيت في بعض مؤلفات عصرينا الرشتي رئيس الطائفة الإمامية الكشفية أن سجدة الشمس عند غروبها تحت العرش عبارة عن رفع الإنية ونزع جلباب الماهية وهو عندي نوع من الرطانة لا يفهمه من لا خبرة له باصطلاحاته ولو كان ذا فطانة: وقال في موضع آخر بعد أن ذكر حديث الكلاليب السابق إن ذلك لا ينافي كلام أهل الهيئة ولا بقدر سم الخياط ولم يبين وجه عدم المنافاة مع أنها أظهر من الشمس معتذرا بأن الكلام فيه طويل ولا أظنه لو كان آتيا به إلا من ذلك القبيل، وهذا ما عندي فليتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقرأ عبد الله وابن عباس وزين العابدين وابنه الباقر وعكرمة وعطاء بن أبي رباح «لا مستقر لها» بلا النافية للجنس وبناء «مستقر» على الفتح فتقتضي انتفاء كل مستقر حقيقي لجرمها المشاهد وذلك في الدنيا أي هي تجري في الدنيا دائما لا تستقر. وقرأ ابن أبي عبلة بلا أيضا إلا أنه رفع «مستقر» ونونه على أعمالها أعمال ليس كما في قوله:
ذلِكَ إشارة إلى الجري المفهوم من تَجْرِي أي ذلك الجري البديع الشأن المنطوي على الحكم الرائقة التي تحار في فهمها العقول والأذهان تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الغالب بقدرته على كل مقدور الْعَلِيمِ المحيط علمه بكل معلوم، وذكر بعضهم في حكمة جريها حتى تسجد كل ليلة تحت العرش ما يقتضيه الخبر السابق تجدد اكتساب النور من العرش ويترتب عليه في عالم الطبيعة والعناصر ما يترتب وباكتسابها النور من العرش صرح به غير
وقد ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في الفتوحات كلاما طويلا ظاهرا في أن لها حقيقة غير ما يعرفه العامة وفيه أنه كان بينه وبينها زمان مجاورته مراسلات وتوسلات ومعاتبة دائمة وإنه دون بعض ذلك في جزء سماه تاج الوسائل ومنهاج الرسائل وقد سأل نجم الدين عمر النسفي مفتي الإنس والجن عما يحكى أن الكعبة كانت تزور إلخ هل يجوز القول به فقال نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة وارتضاه العلامة السعد وغيره لكن لم أر من خرج زيارتها على هذا الطرز، وظاهر كلام بعضهم أن ذلك بذهاب الجسم المشاهد منها إلى المزور وانتقاله من مكانه، ففي عدة الفتاوى والولوالجية وغيرهما لو ذهبت الكعبة لزيارة بعض الأولياء فالصلاة إلى هوائها، ويمكن أن يكون أريد به غير ما يحكى فإنه والله تعالى أعلم لم يكن بانتقال الجسم المشاهد ثم الجمع بين الحديث في الشمس وبين ما يقتضيه الحس وكلام أهل الهيئة بهذا الوجه لم أره لأحد بيد أني رأيت في بعض مؤلفات عصرينا الرشتي رئيس الطائفة الإمامية الكشفية أن سجدة الشمس عند غروبها تحت العرش عبارة عن رفع الإنية ونزع جلباب الماهية وهو عندي نوع من الرطانة لا يفهمه من لا خبرة له باصطلاحاته ولو كان ذا فطانة: وقال في موضع آخر بعد أن ذكر حديث الكلاليب السابق إن ذلك لا ينافي كلام أهل الهيئة ولا بقدر سم الخياط ولم يبين وجه عدم المنافاة مع أنها أظهر من الشمس معتذرا بأن الكلام فيه طويل ولا أظنه لو كان آتيا به إلا من ذلك القبيل، وهذا ما عندي فليتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقرأ عبد الله وابن عباس وزين العابدين وابنه الباقر وعكرمة وعطاء بن أبي رباح «لا مستقر لها» بلا النافية للجنس وبناء «مستقر» على الفتح فتقتضي انتفاء كل مستقر حقيقي لجرمها المشاهد وذلك في الدنيا أي هي تجري في الدنيا دائما لا تستقر. وقرأ ابن أبي عبلة بلا أيضا إلا أنه رفع «مستقر» ونونه على أعمالها أعمال ليس كما في قوله:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا | ولا وزر مما قضى الله واقيا |
15
واحد، ومن العجيب ما ذكره الرشتي أنها تستمد النور من ظاهر العرش وتمد فلك القمر ومن باطن العرش وتمد فلك زحل وتستمد من ظاهر الكرسي وتمد فلك عطارد ومن باطنه وتمد فلك المشتري وتستمد من ظاهر تقاطع نقطتي المنطقتين وتمد فلك الزهرة ومن باطنه وتمد فلك المريخ، وليت شعري من أين استمد فقال ما قال وذلك مما لم نجد فيه نقلا ولا نظن أنه مر بخيال، وقال الشيخ الأكبر: قدس سره إن نور الشمس ما هو من حيث عينها بل هو من تجل دائم لها من اسمه تعالى النور ونور سائر السيارات من نورها وهو في الحقيقة من تجلي اسمه سبحانه النور فما ثم إلا نوره عز وجل.
وادعى كثير من أجلة المحققين أن نور جميع الكواكب ثوابتها وسياراتها مستفاد من ضوء الشمس وهو مفاض عليها من الفياض المطلق جل جلاله وعم نواله. وفي الآية رد على القائلين بأن الشمس ساكنة وهي مركز العالم والكواكب والأرض كرات دائرة عليها وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ أي صيرنا مسيره أي محله الذي يسير فيه مَنازِلَ فقدر بمعنى صير الناصب لمفعولين والكلام على حذف مضاف والمضاف المحذوف مفعوله الأول ومَنازِلَ مفعوله الثاني واختار أبو حيان تقدير مصدر مضاف متعد إلى واحد ومَنازِلَ منصوب على الظرفية أي قدرنا سيره في منازل وقدر بعضهم نورا أي قدرنا نوره في منازل فيزيد مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية وينقص في المنازل الاستقبالية لما أن نوره مستفاد من ضوء الشمس لاختلاف تشكلاته بالقرب والبعد منها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها وبهذا يتم الاستدلال والحق أنه لا قطع بذلك وليس هناك إلا غلبة الظن، ويجوز أن يكون قدر متعديا لاثنين ومَنازِلَ بتقدير ذا منازل، وأن يكون متعديا لواحد وهو مَنازِلَ والأصل قدرنا له منازل على الحذف والإيصال واختاره أبو السعود، ونصب الْقَمَرَ بفعل يفسره المذكور أي وقدرنا القمر قدرناه وفي ذلك من الاعتناء بأمر التقدير ما فيه، وكأنه لما أن شهرهم باعتباره ويعلم منه سر تغيير الأسلوب.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه «والقمر» بالرفع قال غير واحد، على الابتداء وجملة قَدَّرْناهُ خبره، ويجوز فيما أرى أن يجري في التركيب ما جرى في قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي من الإعراب تدبر، والمنازل جمع منزل والمراد به المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة وهي عند أهل الهند سبعة وعشرون لأن القمر يقطع فلك البروج في سبعة وعشرين يوما وثلث فحذفوا الثلث لأنه ناقص عن النصف كما هو مصطلح أهل التنجيم، وعند العرب وساكني البدو ثمانية وعشرون لا لأنهم تمموا الثلث واحدا كما قال بعضهم بل لأنه لما كانت سنوهم باعتبار الأهلّة مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء أخرى وكذا أوقات تجارتهم وزمان أعيادهم احتاجوا إلى ضبط سنة الشمس لمعرفة فصول السنة حتى يشتغلوا في استقبال كل فصل بما يهمهم في ذلك الفصل من الانتقال إلى المراعي وغيرها فاحتالوا في ضبطها فنظروا أولا إلى القمر فوجدوه يعود إلى وضع له من الشمس في قريب من ثلاثين يوما ويختفي آخر الشهر لليلتين أو أقل أو أكثر فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون وهو زمان ما بين أول ظهوره بالعشيات مستهلا أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات مستترا آخره فقسموا دور الفلك عليه فكان كل قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريبا وهو ستة أسباع درجة فنصيب كل برج منه منزلان وثلث ثم لما انضبط الدور بهذه القسمة احتالوا في ضبط سنة الشمس بكيفية قطعها لهذه المنازل فوجدوها تستر دائما ثلاثة منازل ما هي فيه بشاعها وما قبلها بضياء الفجر وما بعدها بضياء الشمس ورصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين كل ظهوري منزلتين ثلاثة عشر يوما تقريبا فأيام جميع المنازل تكون ثلاثمائة وأربعة وستين لكن الشمس تقطع جميعها في ثلاثمائة وخمس وستين فزادوا يوما في أيام
وادعى كثير من أجلة المحققين أن نور جميع الكواكب ثوابتها وسياراتها مستفاد من ضوء الشمس وهو مفاض عليها من الفياض المطلق جل جلاله وعم نواله. وفي الآية رد على القائلين بأن الشمس ساكنة وهي مركز العالم والكواكب والأرض كرات دائرة عليها وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ أي صيرنا مسيره أي محله الذي يسير فيه مَنازِلَ فقدر بمعنى صير الناصب لمفعولين والكلام على حذف مضاف والمضاف المحذوف مفعوله الأول ومَنازِلَ مفعوله الثاني واختار أبو حيان تقدير مصدر مضاف متعد إلى واحد ومَنازِلَ منصوب على الظرفية أي قدرنا سيره في منازل وقدر بعضهم نورا أي قدرنا نوره في منازل فيزيد مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية وينقص في المنازل الاستقبالية لما أن نوره مستفاد من ضوء الشمس لاختلاف تشكلاته بالقرب والبعد منها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها وبهذا يتم الاستدلال والحق أنه لا قطع بذلك وليس هناك إلا غلبة الظن، ويجوز أن يكون قدر متعديا لاثنين ومَنازِلَ بتقدير ذا منازل، وأن يكون متعديا لواحد وهو مَنازِلَ والأصل قدرنا له منازل على الحذف والإيصال واختاره أبو السعود، ونصب الْقَمَرَ بفعل يفسره المذكور أي وقدرنا القمر قدرناه وفي ذلك من الاعتناء بأمر التقدير ما فيه، وكأنه لما أن شهرهم باعتباره ويعلم منه سر تغيير الأسلوب.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه «والقمر» بالرفع قال غير واحد، على الابتداء وجملة قَدَّرْناهُ خبره، ويجوز فيما أرى أن يجري في التركيب ما جرى في قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي من الإعراب تدبر، والمنازل جمع منزل والمراد به المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة وهي عند أهل الهند سبعة وعشرون لأن القمر يقطع فلك البروج في سبعة وعشرين يوما وثلث فحذفوا الثلث لأنه ناقص عن النصف كما هو مصطلح أهل التنجيم، وعند العرب وساكني البدو ثمانية وعشرون لا لأنهم تمموا الثلث واحدا كما قال بعضهم بل لأنه لما كانت سنوهم باعتبار الأهلّة مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء أخرى وكذا أوقات تجارتهم وزمان أعيادهم احتاجوا إلى ضبط سنة الشمس لمعرفة فصول السنة حتى يشتغلوا في استقبال كل فصل بما يهمهم في ذلك الفصل من الانتقال إلى المراعي وغيرها فاحتالوا في ضبطها فنظروا أولا إلى القمر فوجدوه يعود إلى وضع له من الشمس في قريب من ثلاثين يوما ويختفي آخر الشهر لليلتين أو أقل أو أكثر فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون وهو زمان ما بين أول ظهوره بالعشيات مستهلا أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات مستترا آخره فقسموا دور الفلك عليه فكان كل قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريبا وهو ستة أسباع درجة فنصيب كل برج منه منزلان وثلث ثم لما انضبط الدور بهذه القسمة احتالوا في ضبط سنة الشمس بكيفية قطعها لهذه المنازل فوجدوها تستر دائما ثلاثة منازل ما هي فيه بشاعها وما قبلها بضياء الفجر وما بعدها بضياء الشمس ورصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين كل ظهوري منزلتين ثلاثة عشر يوما تقريبا فأيام جميع المنازل تكون ثلاثمائة وأربعة وستين لكن الشمس تقطع جميعها في ثلاثمائة وخمس وستين فزادوا يوما في أيام
16
منزل غفر وزادوه هاهنا اصطلاحا منهم أو لشرفه على ما تسمعه إن شاء الله تعالى وقد يحتاج إلى زيادة يومين ليكون انقضاء الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة ويرجع الأمر إلى النجم الأول، واعلم أن العرب جعلت علامات الأقسام الثمانية والعشرين من الكواكب الظاهرة القريبة من المنطقة مما يقارب طريقة القمر في ممره أو يحاذيه فيرى القمر كل ليلة نازلا بقرب أحدها وأحوال كواكب المنازل مع المنازل كأحوال كواكب البروج مع البروج عند أهل الهيئة من أنها مسامتة للمنازل وهي في فلك الأفلاك وإذا أسرع القمر في سيره فقد يخلي منزلا في الوسط وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل أول الليلتين في أوله وآخرهما في آخره وقد يرى في بعض الليالي بين منزلتين، وما يقال في الشهور إن الظاهر من المنازل في كل ليلة يكون أربعة عشر وكذا الخفي وأنه إذا طلع منزل غاب رقيبه وهو الخامس عشر من الطالع سمي به تشبيها له برقيب يرصده ليسقط في المغرب إذا ظهر ذلك في المشرق ظاهر الفساد لأنها ليست على نفس المنطقة ولا أبعاد ما بينها متساوية ولهذا قد يكون الظاهر ستة عشر وسبعة عشر وقد يكون الخفي ثلاثة عشر وهذه الكواكب المسماة بالمنازل المسامتة للمنازل الحقيقية على ما روي عن ابن عباس وغيره أولها الشرطان بفتح الشين والراء مثنى شرط بفتحتين وهي العلامة وهما كوكبان نيران من القدر الثالث على قرني الحمل معترضان بين الشمال والجنوب بينهما ثلاثة أشبار وبقرب الجنوبي منهما كوكب صغير سمت العرب الكل أشراطا لأنها بسقوطها علامات المطر والريح والقمر يحاذيهما وبقرب الشمالي منهما كوكب نير هو الشرطان عند بعض ويقال للشرطين الناطح أيضا ثم البطين تصغير البطن وهو ثلاثة كواكب خفية من القدر الخامس على شكل مثلث حاد الزوايا على فخذي الحمل بينه وبين الشرطين قيد رمح والقمر يجتاز بها أحيانا ثم الثريا (١)
تصغير ثروى من الثراء وهو الكثرة ويسمى بالنجم وهي على المشهور عند المنجمين ستة كواكب مجتمعة كشكل مروحة مقبضها نحو المشرق وفيه انحناء في جانب الشمال، وقيل هي شبيهة بعنقود عنب وعليه قول أحيحة بن الجلاح أو قيس بن الأسلت:
والمرصود منها أربعة كلها من القدر الخامس وموضعها سنام الثور، وفي الكشف هي ألية الحمل وربما يكسفها القمر ثم الدبران بفتحتين سمي به لأنه دبر الثريا وخلفها وهو كوكب أحمر نير من القدر الأول على طرف صورة السبعة من رقوم الهند ويسمى المجدح وموقعه عين الثور والذي على طرفه الآخر من القدر الثالث على عينه الأخرى والثلاثة الباقية وهي من الثالث أيضا على وجهه وزاوية هذا الرقم على خطم الثور وبعضهم يسمى الدبران بقلب الثور وقد يكسفه القمر ثم الهقعة بفتح الهاء وسكون القاف وفتح العين المهملة وهي ثلاثة كواكب خفية مجتمعة شبيهة بنقط الثاء كأنها لطخة سحابية شبهت بالدائرة التي تكون في عرض زور الفرس أو بحيث تصيب رجل الفارس أو بلمعة بياض تكون في جنب الفرس الأيسر تسمى بذلك وتسمى الأثافي أيضا وهي على رأس الجبار المسمى بالجوزاء والقمر يحاذيها ولا يقاربها ثم الهنعة بوزن الهقعة وثانية نون وهي كوكبان من القدر الرابع والثالث شبهت بسمة في منخفض عنق الفرس وهما على رجلي التوأمين (٢) مما يلي الشمال وفي الكشف هي منكب الجوزاء الأيسر والقمر يمر بهما ثم الذراع وهما كوكبان أزهران من القدر الثاني على رأسي التوأمين يعنون بهما ذراع الأسد المبسوطة إذ المقبوضة هي الشعرى الشامية مع مرزمها والقمر يقارب المبسوطة ثم النثرة وهي الفرجة بين الشاربين حيال وترة الأنف
تصغير ثروى من الثراء وهو الكثرة ويسمى بالنجم وهي على المشهور عند المنجمين ستة كواكب مجتمعة كشكل مروحة مقبضها نحو المشرق وفيه انحناء في جانب الشمال، وقيل هي شبيهة بعنقود عنب وعليه قول أحيحة بن الجلاح أو قيس بن الأسلت:
وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى | كعنقود ملاحية حين نورا |
(١) رأيت منها بواسطة بعض الآلات ما يزيد على ثلاثين كوكب اه منه.
(٢) الجوزاء اه منه.
(٢) الجوزاء اه منه.
17
وهو أنف الأسد وهما كوكبان خفيان من الرابع بينهما قيد ذراع ولطخة سحابية وهي على وسط السرطان ويقربها كوكبان يسميان بالحمارين واللطخة التي بينهما بالمعلف تشبها لها بالتبن وبمحظة الأسد أي موضع استتاره ويكسب القمر كلا منهما ثم الطرف وهما كوكبان صغيران من الرابع أحدهما على رأس الأسد قدام عينيه والآخر قدام يده المقدمة والقمر يحاذي أشملهما ويكسف أجنبهما ويعنون بالطرف عين الأسد ثم الجبهة ويعنون بها جبهة الأسد وهي أربعة كواكب على سطر فيه تعويج آخذ من الشمال إلى الجنوب أعظمها على طرف السطر مما يلي الجنوب يسمى قلب الأسد لكونه في موضعه ويسمى الملكي أيضا وهو من القدر الأول والقمر يمر به وبالذي يليه ثم الزبرة بضم الزاي وسكون الباء وهما كوكبان نيران على أثر الجبهة بينهما أرجح من ذراع وهما على زبرة الأسد أي كاهله عند العرب وعند المنجمين عند مؤخره فزبرة الأسد شعره الذي يزبر عند الغضب في قفاه أجنبهما من الثالث وأشملهما من الثاني وتسمى ظهر الأسد والقمر يحاذيهما من جهة الجنوب ثم الصرفة وهو كوكب واحد على طرف ذنب الأسد ويسمى ذنب الأسد والقمر يحاذيه من جهة الجنوب وسمي بذلك لأن البرد ينصرف عند سقوطه ثم العواء يمد ويقصر والقصر أجود وهي خمسة كواكب من الثالث على هيئة لام في الخط العربي ثلاثة منها آخذة من منكب العذراء الأيسر إلى تحت ثديها الأيسر وهي على سطر جنوبي من الصرفة ثم ينعطف اثنان على سطر يحيط مع الأول بزاوية منفرجة زعمت العرب أنها كلاب تعوي خلف الأسد ولذلك سميت العواء، وقيل في ذلك كأنها تعوي في أثر البرد ولهذا سميت طاردة البرد، وقيل هي من عوى الشيء عطفه فلما فيها من الانعطاف سميت بذلك.
وفي الكشف العواء سافلة الإنسان ويقال إنها ورك الأسد والقمر يخرقها ثم السماك الأعزل وهو كوكب نير من الأول على كتف العذراء اليسرى قريب من المنطقة والقمر يمر به ويكسفه ويقابل السماك الأعزل السماك الرامح وليس من المنازل وسمي رامحا لكوكب يقدمه كأنه رمحه وسمي سماكا لأنه سمك أي ارتفع ثم الغفر وهي ثلاثة كواكب من الرابع على ذيل العذراء ورجلها المؤخرة على سطر معوج حدبته إلى الشمال وقيل كوكبان والقمر يمر بجنوبيهما وقد يحاذي الشمالي وهو منزل خير بعد عن شرين مقدم الأسد ومؤخر العقرب ويقال: إنه طالع الأنبياء والصالحين وسميت غفرا لسترها ونقصان نورها وذكر بعضهم أنها من كواكب الميزان ثم الزبانا بالضم وآخره ألف وهما كوكبان نيران من الثاني متباعدان في الشمال والجنوب بينهما قيد رمح على كفتي الميزان.
وقال غير واحد: هما قرنا العقرب والقمر قد يكسف جنوبيهما ثم الإكليل وهي ثلاثة كواكب خفية معترضة من الشمال إلى الجنوب على سطر مقوس يشبه شكلها شكل الغفر الأوسط منها متقدم والاثنان تاليان وهي من الرابع والقمر يمر بجميعها، وقيل هي أربعة كواكب برأس العقرب ولذا سميت به وأصل معناه التاج ثم القلب وهو قلب العقرب كوكب أحمر نير أوسط الثلاثة التي على بدن العقرب على استقامة من المغرب إلى المشرق وهو من الثاني واللذان قبله وبعده ويسميان نياطين من الثالث والقمر يمر به ويكسفه من المنطقة ثم الشولة بفتح الشين المعجمة واللام وتسمى ابرة العقرب عند الحجازيين كوكبان من الثاني أزهران متقاربان على طرف ذنب العقرب في موضع الحمة والقمر يحاذيهما ثم النعائم أربعة كواكب من الثالث على منحرف تابع للشولة وتسمى النعائم الواردة أي إلى المجرة والقمر يمر باثنين منها ويحاذي الباقية ويقرب منها أربعة أخرى من الثالث على منحرف هي النعائم الصادرة أي من مجرة وكلها من صورة الرامي وسميت نعائم تشبيها بالخشبات التي تكون على البئر، ثم البلدة وهي قطعة من السماء خالية من الكواكب مستديرة شبهت ببلدة الثعلب وهي ما يكنسه بذنبه وتسمى أيضا بالمفازة والفرجة، وقيل سميت بذلك تشبها بالفرجة التي تكون بين الحاجبين وموضعها خلف الكواكب التي تسمى بالقلادة وهي عصابة الرامي ثم
وفي الكشف العواء سافلة الإنسان ويقال إنها ورك الأسد والقمر يخرقها ثم السماك الأعزل وهو كوكب نير من الأول على كتف العذراء اليسرى قريب من المنطقة والقمر يمر به ويكسفه ويقابل السماك الأعزل السماك الرامح وليس من المنازل وسمي رامحا لكوكب يقدمه كأنه رمحه وسمي سماكا لأنه سمك أي ارتفع ثم الغفر وهي ثلاثة كواكب من الرابع على ذيل العذراء ورجلها المؤخرة على سطر معوج حدبته إلى الشمال وقيل كوكبان والقمر يمر بجنوبيهما وقد يحاذي الشمالي وهو منزل خير بعد عن شرين مقدم الأسد ومؤخر العقرب ويقال: إنه طالع الأنبياء والصالحين وسميت غفرا لسترها ونقصان نورها وذكر بعضهم أنها من كواكب الميزان ثم الزبانا بالضم وآخره ألف وهما كوكبان نيران من الثاني متباعدان في الشمال والجنوب بينهما قيد رمح على كفتي الميزان.
وقال غير واحد: هما قرنا العقرب والقمر قد يكسف جنوبيهما ثم الإكليل وهي ثلاثة كواكب خفية معترضة من الشمال إلى الجنوب على سطر مقوس يشبه شكلها شكل الغفر الأوسط منها متقدم والاثنان تاليان وهي من الرابع والقمر يمر بجميعها، وقيل هي أربعة كواكب برأس العقرب ولذا سميت به وأصل معناه التاج ثم القلب وهو قلب العقرب كوكب أحمر نير أوسط الثلاثة التي على بدن العقرب على استقامة من المغرب إلى المشرق وهو من الثاني واللذان قبله وبعده ويسميان نياطين من الثالث والقمر يمر به ويكسفه من المنطقة ثم الشولة بفتح الشين المعجمة واللام وتسمى ابرة العقرب عند الحجازيين كوكبان من الثاني أزهران متقاربان على طرف ذنب العقرب في موضع الحمة والقمر يحاذيهما ثم النعائم أربعة كواكب من الثالث على منحرف تابع للشولة وتسمى النعائم الواردة أي إلى المجرة والقمر يمر باثنين منها ويحاذي الباقية ويقرب منها أربعة أخرى من الثالث على منحرف هي النعائم الصادرة أي من مجرة وكلها من صورة الرامي وسميت نعائم تشبيها بالخشبات التي تكون على البئر، ثم البلدة وهي قطعة من السماء خالية من الكواكب مستديرة شبهت ببلدة الثعلب وهي ما يكنسه بذنبه وتسمى أيضا بالمفازة والفرجة، وقيل سميت بذلك تشبها بالفرجة التي تكون بين الحاجبين وموضعها خلف الكواكب التي تسمى بالقلادة وهي عصابة الرامي ثم
18
سعد الذابح كوكبان على قرني الجدي بينهما قدر باع جنوبيهما من الثالث والقمر يقاربه ولا يكسفه ويقرب الشمالي كوكب صغير يكاد يلتصق به يقال: إنه شاته التي يريد أن يذبحها، وقيل: إنه في مذبحة ولهذا يسمى بالذابح ثم سعد بلع (١) كوكبان على كف ساكب الماء اليسرى فوق ظهر الجدي بينهما قدر باع غربيهما من الثالث وشرقيهما من الرابع ويقرب متقدمهما كوكب صغير كأنه ابتلعه فلهذا سمي به، وفي القاموس سعد بلع كزفر معرفة منزل للقمر طلع لما قال الله تعالى يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ [هود: ٤٤] وهو نجمان مستويان في المجرى أحدهما خفي والآخر مضيء يسمى بالعا كأنه بلع الآخر، وقيل: لأنه ليس له ما لسعد الذابح فكأنه بلغ شاته والقمر يقارب أجنبهما ولا يكسفه ثم سعد السعود كوكبان، وقيل: ثلاثة على خط مقوس بين الشمال والجنوب حدبته إلى المغرب أجنبهما والقمر يقرب منه من الخامس على طرف ذنب الجدي وأشملهما من الثالث وهو مع الآخر في القول الآخر من كواكب القوس والقمر يقارب أجنبهما وسمي بذلك لأنه في وقت طلوعه ابتداء ما به يعيشون وتعيش مواشيهم ثم سعد الأخبية أربعة كواكب من الثالث ومن كواكب الرامي على يد ساكب الماء اليمنى ثلاثة منها على شكل مثلث حاد الزوايا والرابع وسطه وهو السعد والثلاث خباؤه ولذا سمي بذلك، وقيل: لأنه يطلع قبل الدفء فيخرج من الهوام ما كان مختبئا والقمر يقاربها من ناحية الجنوب ثم الفرغ المقدم ويقال الأعلى كوكبان نيران من الثاني بينهما قيد رمح اجنبهما على متن الفرس الأكبر المجنح (٢) وأشملهما على منكبه والقمر يمر بالبعد منهما ثم الفرغ المؤخر كوكبان نيران من الثاني بينهما قيد رمح أيضا أجنبهما على جناح الفرس وأشملهما مشترك بين سرته ورأس المسلسلة شبهت العرب الأربعة بفرغ الدلو وهو بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وغين معجمة مصب الماء منها لكثرة الأمطار في وقتها ثم بطن الحوت ويقال له: الرشاء بكسر الراء أي رشاء الدلو وقلب الحوت أيضا كوكب نير من الثالث على جنب المرأة المسلسلة يحاذيه القمر ولا يقاربه وإنما سمي به لوقوعه في بطن سمكة عظيمة تحت نحر الناقة تصورها العرب من سطرين عليهما كواكب خفية بعضها من المسلسلة وبعضها من إحدى سمكتي الحوت.
هذا واعلم أن هذه المنازل الثمانية والعشرين تسمي العرب الأربعة عشر الشمالية منها التي أولها الشرطان وآخرها السماك شامية والباقية منها التي أولها الغفر وآخرها بطن الحوت يمانية وأنها تسمى خروج المنزل من ضياء الفجر طلوعه وغروب رقيبه وقت الصبح سقوطه والمنازل التي يكون طلوعها في مواسم المطر الأنواء ورقباؤها إذا طلعت في غير مواسم المطر البوارح قاله القطب، وقال الجوهري: النوء سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى مضي ثلاثة عشر يوما ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما، قال أبو عبيد: ولم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع والعرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها، وقال الأصمعي: إلى الطالع في سلطانه فتقول مطرنا بنوء الثريا مثلا والجمع أنواء ونوان مثل عبد وعبدان، وذكر الطيبي عن المرزوقي أن نوء الشرطين ثلاثة أيام ونوء البطين ثلاث ليال ونوء الثريا خمس ليال ونوء الدبران ثلاث ليال ونوء الهقعة ست ليال ولا يذكرون نوأها إلا بنوء الجوزاء ونوء الهنعة لا يذكر أيضا وإنما يكون في أنواء الجوزاء والذراع لا نوء له ونوء النثرة سبع ليال ونوء الطرف ثلاث ليال ونوء الجبهة سبع والزبرة أربع والصرفة ثلاث والعواء ليلة والسماك أربع والغفر ثلاث وقيل ليلة والزبانا ثلاث والإكليل أربع والقلب ثلاث والشولة كذلك
هذا واعلم أن هذه المنازل الثمانية والعشرين تسمي العرب الأربعة عشر الشمالية منها التي أولها الشرطان وآخرها السماك شامية والباقية منها التي أولها الغفر وآخرها بطن الحوت يمانية وأنها تسمى خروج المنزل من ضياء الفجر طلوعه وغروب رقيبه وقت الصبح سقوطه والمنازل التي يكون طلوعها في مواسم المطر الأنواء ورقباؤها إذا طلعت في غير مواسم المطر البوارح قاله القطب، وقال الجوهري: النوء سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى مضي ثلاثة عشر يوما ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما، قال أبو عبيد: ولم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع والعرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها، وقال الأصمعي: إلى الطالع في سلطانه فتقول مطرنا بنوء الثريا مثلا والجمع أنواء ونوان مثل عبد وعبدان، وذكر الطيبي عن المرزوقي أن نوء الشرطين ثلاثة أيام ونوء البطين ثلاث ليال ونوء الثريا خمس ليال ونوء الدبران ثلاث ليال ونوء الهقعة ست ليال ولا يذكرون نوأها إلا بنوء الجوزاء ونوء الهنعة لا يذكر أيضا وإنما يكون في أنواء الجوزاء والذراع لا نوء له ونوء النثرة سبع ليال ونوء الطرف ثلاث ليال ونوء الجبهة سبع والزبرة أربع والصرفة ثلاث والعواء ليلة والسماك أربع والغفر ثلاث وقيل ليلة والزبانا ثلاث والإكليل أربع والقلب ثلاث والشولة كذلك
(١) طلوعه لليلة تبقى من كانون الآخر وسقوطه لليلة تمضي من آب اه قاموس اه منه.
(٢) أي ذي الجناحين اه منه.
(٢) أي ذي الجناحين اه منه.
19
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ
ﰧ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ
ﰨ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﰩ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﰪ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﰫ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ
ﰬ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﰭ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﰮ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﰯ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﰰ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﰱ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰲ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﰳ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﰴ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ
ﰵ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ
ﰶ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﰷ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦ
ﰸ
ﭨﭩﭪﭫﭬ
ﰹ
والنعائم ليلة والبلدة ثلاث، وقيل: ليلة وسعد الذابح ليلة وبلع وسعد السعود وسعد الأخبية والفرغ المقدم ثلاث والمؤخر أربع ولم يذكر في نسختي للرشاء نوءا. ثم إن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا إن أراد به أن النوء نزل بالماء فهو كفر والقائل كافر حلال دمه إن لم يتب كما نص عليه الشافعي وغيره، وفي الروضة من اعتقد أن النوء يمطر حقيقة كفر وصار مرتدا وإن أراد أن النوء سبب ينزل الله تعالى به الماء حسبما علم وقدر فهو ليس بكفر بل مباح لكن قال ابن عبد البر: هو وإن كان مباحا كفر بنعمة الله تعالى وجهل بلطيف حكمته.
وفي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال أثر سماء: «هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله تعالى ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب»
وظاهره أن الكفر مقابل الإيمان فيحمل على ما إذا أراد القائل ما سمعت أولا والله تعالى الحافظ من كل سوء لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره. والقمر في العرف العام هو الكوكب المعروف في جميع ليالي الشهر، والمشهور عند اللغويين أنه بعد الاجتماع مع الشمس ومفارقته إياها لا يسمى قمرا إلا من ثلاث ليال وست وعشرين ليلة وفيما عدا ذلك يسمى هلالا ولعل الأظهر في الآية حمله على المعنى الأول وهو الشائع إذا ذكر مع الشمس أي قدرنا هذا الجرم المعروف منازل ومسافات مخصوصة فسار فيها ونزلها منزلة منزلة حَتَّى عادَ أي صار في أواخر سيره وقربه من الشمس في رأي العين كَالْعُرْجُونِ هو عود عزق النخلة من بين الشمراخ إلى منبته منها وروي ذلك عن الحسن وقتادة، وعن ابن عباس أنه أصل العذق، وقيل الشمراخ وهو ما عليه البسر من عيدان العذق والكباسة، والمشهور الأول، ونونه على ما حكي عن الزجاج زائدة فوزنه فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج والانعطاف، وذهب قوم واختاره الراغب والسمين وصاحب القاموس إلى أنها أصلية فوزنه فعلول، وقرأ سليمان التيمي «كالعرجون» بكسر العين وسكون الراء وفتح الجيم وهي لغة فيه كالبزيون والبزيون وهو بساط رومي أو السندس الْقَدِيمِ أي العتيق الذي مر عليه زمان يبس فيه ووجه الشبه الاصفرار والدقة والاعوجاج، وقيل: أقل مدة القدم حول فلو قال رجل كل مملوك لي قديم فهو حر عتق منهم من مضى له حول وأكثر،
وقيل: ستة أشهر وحكاه بعض الإمامية عن أبي الحسن الرضا رضي الله عنه.
وفي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال أثر سماء: «هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله تعالى ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب»
وظاهره أن الكفر مقابل الإيمان فيحمل على ما إذا أراد القائل ما سمعت أولا والله تعالى الحافظ من كل سوء لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره. والقمر في العرف العام هو الكوكب المعروف في جميع ليالي الشهر، والمشهور عند اللغويين أنه بعد الاجتماع مع الشمس ومفارقته إياها لا يسمى قمرا إلا من ثلاث ليال وست وعشرين ليلة وفيما عدا ذلك يسمى هلالا ولعل الأظهر في الآية حمله على المعنى الأول وهو الشائع إذا ذكر مع الشمس أي قدرنا هذا الجرم المعروف منازل ومسافات مخصوصة فسار فيها ونزلها منزلة منزلة حَتَّى عادَ أي صار في أواخر سيره وقربه من الشمس في رأي العين كَالْعُرْجُونِ هو عود عزق النخلة من بين الشمراخ إلى منبته منها وروي ذلك عن الحسن وقتادة، وعن ابن عباس أنه أصل العذق، وقيل الشمراخ وهو ما عليه البسر من عيدان العذق والكباسة، والمشهور الأول، ونونه على ما حكي عن الزجاج زائدة فوزنه فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج والانعطاف، وذهب قوم واختاره الراغب والسمين وصاحب القاموس إلى أنها أصلية فوزنه فعلول، وقرأ سليمان التيمي «كالعرجون» بكسر العين وسكون الراء وفتح الجيم وهي لغة فيه كالبزيون والبزيون وهو بساط رومي أو السندس الْقَدِيمِ أي العتيق الذي مر عليه زمان يبس فيه ووجه الشبه الاصفرار والدقة والاعوجاج، وقيل: أقل مدة القدم حول فلو قال رجل كل مملوك لي قديم فهو حر عتق منهم من مضى له حول وأكثر،
وقيل: ستة أشهر وحكاه بعض الإمامية عن أبي الحسن الرضا رضي الله عنه.
20
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أي يتسخر ويتسهل كما في قولك النار ينبغي أن تحرق الثوب أو يحسن ويليق أي حكمة كما في قولك الملك ينبغي أن يكرم العالم، واختار غير واحد المعنى الأول، وأصل يَنْبَغِي مطاوع بغى بمعنى طلب وما طاوع وقبل الفعل فقد تسخر وتسهل، والنفي راجع في الحقيقة إلى يَنْبَغِي فكأنه قيل: لا يتسهل للشمس ولا يتسخر أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ أي في سلطانه بأن تجتمع معه في الوقت الذي حده الله تعالى له وجعله مظهرا لسلطانه فإنه عز وجل جعل لتدبير هذا العالم بمقتضى الحكمة لكل من النيرين الشمس والقمر حدا محدودا ووقتا معينا يظهر فيه سلطانه فلا يدخل أحدهما في سلطان الآخر بل يتعاقبان إلى أن يأتي أمر الله عز وجل، وهذه الجملة لنفي أن تدرك الشمس القمر فيما جعل له وقوله تعالى وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ لنفي أن يدرك القمر الشمس فيما جعل لها أي ولا آية الليل سابقة أية النهار وظاهر سلطانها في وقت ظهور سلطانها وإلى هذا المعنى يشير كلام قتادة والضحاك وعكرمة وأبي صالح واختاره الزمخشري ليناسب قوله تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها ولأن الكلام في الآيتين دل عليه قوله تعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي الآيتان وآخرا كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وعبر بالإدراك أولا وبالسبق ثانيا على ما في الكشاف لمناسبة حال الشمس من بطء السير وحال القمر من سرعته، ولم يقل ولا القمر سابق الشمس ليؤذن على ما قال الطيبي بالتعاقب بين الليل والنهار وبنصوصية التدبير على المعاقبة فإنه مستفاد من الحركة اليومية التي مدار تصرف كل منهما عليها. وفي الكشف التحقيق أن المقصود بيان معاقبة كل من الشمس والقمر في ترتب الإضاءة وسلطانه على الاستقلال وكذلك اختلاف الليل والنهار فقيل: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ كناية عن سبق آيته آيته فحصل الدلالة على الاختلاف أيضا إدماجا لأنها لا تنافي إرادة الحقيقة، وجاء من ضرورة التقابل هذا المعنى في النهار أيضا من قوله تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولما ذكر مع الشمس الإدراك المؤذن بأنها طالبة للحاق قيل «لا ينبغي» رعاية للمناسبة وجيء بالفعل المؤذن بالتجدد ولما نفي السبق في المقابل أكد ذلك بأن جيء بالجملة الاسمية المحضة من دون الابتغاء لأنه مطلوب اللحوق اه.
ولم يذكر السر في إدخال حرف النفي على الشمس دون الفعل المؤذن بصفتها ويوشك أن يكون أخفى من السها وكان ذلك ليستشعر منه في المقام الخطابي أن الشمس إذا خليت وذاتها تكون معدومة كما هو شأن سائر الممكنات وإنما يحصل لها ما يحصل من علته التي هي عبارة عن تعلق قدرته تعالى به على وفق إرادته سبحانه الكاملة التي لا يأبى عنها شيء من أشياء عالم الإمكان ويفيد ذلك في غاية كونها مسخرة في قبضة تصرفه عز وجل لا شيء فوق تلك المسخرية وفيه تأكيد لما يفيده قوله تعالى ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ورد بليغ لمن إليها يسند التأثير.
وجوز أن يكون ذلك لإفادة كونها مسخرة لا يتسهل لها إلا ما أريد بها من حيث تقديم المسند إليه على الفعل وجعله بعد حرف النفي نحو ما أنا قلت هذا وما زيد سعى في حاجتك يفيد التخصيص أي ما أنا قلت هذا بل غيري وما زيد سعي في حاجتك بل غيره على ما حققه علماء البلاغة والمقصود من نفي تسهل إدراك القمر في سلطانه عن الشمس نفى أن يتسهل لها أن تطمس نوره وتذهب سلطانه ويرجع ذلك إلى نفي قدرتها على الطمس وإذهاب السلطان فيكون المعنى بناء على قاعدة التقديم أن الشمس لا تقدر على ذلك بل غيرها يقدر عليه وهو الله عز وجل وهذا بعد إثبات الجريان لها بتقدير العزيز العليم مشعر بكونها مسخرة لا يتسهل لها إلا ما أريد بها.
ولم يذكر السر في إدخال حرف النفي على الشمس دون الفعل المؤذن بصفتها ويوشك أن يكون أخفى من السها وكان ذلك ليستشعر منه في المقام الخطابي أن الشمس إذا خليت وذاتها تكون معدومة كما هو شأن سائر الممكنات وإنما يحصل لها ما يحصل من علته التي هي عبارة عن تعلق قدرته تعالى به على وفق إرادته سبحانه الكاملة التي لا يأبى عنها شيء من أشياء عالم الإمكان ويفيد ذلك في غاية كونها مسخرة في قبضة تصرفه عز وجل لا شيء فوق تلك المسخرية وفيه تأكيد لما يفيده قوله تعالى ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ورد بليغ لمن إليها يسند التأثير.
وجوز أن يكون ذلك لإفادة كونها مسخرة لا يتسهل لها إلا ما أريد بها من حيث تقديم المسند إليه على الفعل وجعله بعد حرف النفي نحو ما أنا قلت هذا وما زيد سعى في حاجتك يفيد التخصيص أي ما أنا قلت هذا بل غيري وما زيد سعي في حاجتك بل غيره على ما حققه علماء البلاغة والمقصود من نفي تسهل إدراك القمر في سلطانه عن الشمس نفى أن يتسهل لها أن تطمس نوره وتذهب سلطانه ويرجع ذلك إلى نفي قدرتها على الطمس وإذهاب السلطان فيكون المعنى بناء على قاعدة التقديم أن الشمس لا تقدر على ذلك بل غيرها يقدر عليه وهو الله عز وجل وهذا بعد إثبات الجريان لها بتقدير العزيز العليم مشعر بكونها مسخرة لا يتسهل لها إلا ما أريد بها.
21
وقال بعض الفضلاء فيما كتبه على هامش تفسير البيضاوي عند قوله: وإيلاء حرف النفي الشمس للدلالة على أنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها وجه الدلالة أن الإيلاء المذكور يفيد التخصيص والابتغاء بمعنى الصحة والتسهيل المساوقين للاقتدار فيفيد الكلام أن الشمس ليس لها قدرة على إدراك القمر وسرعة المسير التي هي ضد لحركتها الخاصة بل القدرة عليهما لله سبحانه فهو فاعل لحركتها حقيقة ولها مجرد المحلية للحركة فصحت الدلالة المذكورة ثم قال: وتفصيل الكلام أن الله سبحانه ذكر أولا أن الشمس تجري لمستقر لها إشارة إلى حركتها الخاصة ثم ذكر سبحانه أنه قدر القمر أيضا في منازل الشمس حتى عاد كالعرجون القديم أي رجع إلى الشكل الهلالي وذلك إنما يكون عند قربه إلى الشمس ورجوعه إليها ولما كان للوهم سبيل إلى أن يتوهم أن جري الشمس وسيرها وتقدير أنوار القمر وجرمه المرئي مما يستند إلى إرادتهما على سبيل إرادتنا التي تتعلق تارة بالشيء وأخرى بضده فيصح ويتيسر للنيرين الأمران كما يصحان لنا وأن يتوهم أن إسناد أمر الشمس والقمر إلى التقدير الإلهي من قبيل إسناد أفعالنا إليه من حيث إن الأقدار والتمكين منه تعالى وأنه سبحانه المبدأ والمنتهى إلى غير ذلك من الاعتبارات.
نبه جل شأنه بالتخصيص المذكور على دفع على هذا التوهم على سبيل التنبيه على كون الشيء مسخرا مضطرا في أمره بسلب اقتداره على ضده وإن لم يذكر جميع أضداده فأشار سبحانه إلى أن الحركة السريعة المفضية إلى إدراك القمر التي هي ضد الحركة الخاصة للشمس لا يصح استنادها إليها والقدرة عليها مختصة بغيرها وهو الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ حتى يظهر أن وجود الحركة الخاصة لها مستند إلى تقديره تعالى وتدبيره جل شأنه من غير مشاركة للشمس معه سبحانه ثم أردف ذلك بحكم القمر حيث قال تعالى وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ فإن الأقرب كون المعنى فيه ليس لآية الليل القدرة على أن تسبق آية النهار بحيث تفوتها ولا تكون لها مراجعة إليها ولحوق بها تنبيها على أن تقدير القمر في المنازل على الوجه المرصود الذي يعود به إلى الشكل الهلال الشبيه بالعرجون ويفضي إلى مقاربة الشمس مستند أيضا إلى تقديره تعالى وتدبيره سبحانه من غير مشاركة للقمر فيه فالجملتان في قوة التأكيد للآيتين السابقتين ولهذا فصلتا اه، وفيه دغدغة لا تخفى على ذكي فتأمل.
وما أشار إليه من أن معنى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ أن الشمس لا قدرة لها على أن تدرك القمر في سيره لبطء حركتها الخاصة وسرعة حركته كذلك قاله غير واحد. وادعى النحاس أنه أظهر ما قيل في معناه وبينه وبين ما تقدم من المعنى قرب ما بل قال بعضهم: الفرق بين الوجهين بالاعتبار، وقال بعض من ذهب إليه في وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ إن المراد أن القمر لا يسبق الشمس بالحركة اليومية وهي ما تكون له وكذا لسائر الكواكب بواسطة فلك الأفلاك فإن هذه الحركة لا يقع بسببها تقدم ولا تأخر وقيل المراد بقوله تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ إنه لا ينبغي لها أن تدركه في آثاره ومنافعه فإنه سبحانه خص كلا منهما بآثار ومنافع كالتلوين بالنسبة للقمر والنضج بالنسبة للشمس، وعن الحسن أن المراد أنهما لا يجتمعان فيما يشاهد من السماء ليلة الهلال خاصة أي لا تبقى الشمس طالعة إلى أن يطلع القمر ولكن إذا غربت طلع، وقال يحيى بن سلام: المراد لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر المغيب قبل طلوعها وكلا القولين لا يعول عليهما ولا ينبغي أن يلتفت إليهما، وقيل في معنى الجملة الثانية إن الليل لا يسبق النهار ويتقدم على وقته فيدخل قبل مضيه.
وفي الدر المنثور عن بعض الأجلة أي لا ينبغي إذا كان ليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، وعليك بما تقدم فهو لعمري أقوم، واستدل بالآية أن النهار سابق على الليل في الخلق
روى العياشي في تفسير بالإسناد عن الأشعث بن حاتم قال كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا رضي الله تعالى عنه والمأمون والفضل بن سهل في الإيوان
نبه جل شأنه بالتخصيص المذكور على دفع على هذا التوهم على سبيل التنبيه على كون الشيء مسخرا مضطرا في أمره بسلب اقتداره على ضده وإن لم يذكر جميع أضداده فأشار سبحانه إلى أن الحركة السريعة المفضية إلى إدراك القمر التي هي ضد الحركة الخاصة للشمس لا يصح استنادها إليها والقدرة عليها مختصة بغيرها وهو الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ حتى يظهر أن وجود الحركة الخاصة لها مستند إلى تقديره تعالى وتدبيره جل شأنه من غير مشاركة للشمس معه سبحانه ثم أردف ذلك بحكم القمر حيث قال تعالى وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ فإن الأقرب كون المعنى فيه ليس لآية الليل القدرة على أن تسبق آية النهار بحيث تفوتها ولا تكون لها مراجعة إليها ولحوق بها تنبيها على أن تقدير القمر في المنازل على الوجه المرصود الذي يعود به إلى الشكل الهلال الشبيه بالعرجون ويفضي إلى مقاربة الشمس مستند أيضا إلى تقديره تعالى وتدبيره سبحانه من غير مشاركة للقمر فيه فالجملتان في قوة التأكيد للآيتين السابقتين ولهذا فصلتا اه، وفيه دغدغة لا تخفى على ذكي فتأمل.
وما أشار إليه من أن معنى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ أن الشمس لا قدرة لها على أن تدرك القمر في سيره لبطء حركتها الخاصة وسرعة حركته كذلك قاله غير واحد. وادعى النحاس أنه أظهر ما قيل في معناه وبينه وبين ما تقدم من المعنى قرب ما بل قال بعضهم: الفرق بين الوجهين بالاعتبار، وقال بعض من ذهب إليه في وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ إن المراد أن القمر لا يسبق الشمس بالحركة اليومية وهي ما تكون له وكذا لسائر الكواكب بواسطة فلك الأفلاك فإن هذه الحركة لا يقع بسببها تقدم ولا تأخر وقيل المراد بقوله تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ إنه لا ينبغي لها أن تدركه في آثاره ومنافعه فإنه سبحانه خص كلا منهما بآثار ومنافع كالتلوين بالنسبة للقمر والنضج بالنسبة للشمس، وعن الحسن أن المراد أنهما لا يجتمعان فيما يشاهد من السماء ليلة الهلال خاصة أي لا تبقى الشمس طالعة إلى أن يطلع القمر ولكن إذا غربت طلع، وقال يحيى بن سلام: المراد لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر المغيب قبل طلوعها وكلا القولين لا يعول عليهما ولا ينبغي أن يلتفت إليهما، وقيل في معنى الجملة الثانية إن الليل لا يسبق النهار ويتقدم على وقته فيدخل قبل مضيه.
وفي الدر المنثور عن بعض الأجلة أي لا ينبغي إذا كان ليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، وعليك بما تقدم فهو لعمري أقوم، واستدل بالآية أن النهار سابق على الليل في الخلق
روى العياشي في تفسير بالإسناد عن الأشعث بن حاتم قال كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا رضي الله تعالى عنه والمأمون والفضل بن سهل في الإيوان
22
بمرو فوضعت المائدة فقال الرضا: إن رجلا من بني إسرائيل سألني بالمدينة فقال: النهار خلق قبل أم الليل فما عندكم؟
فأرادوا الكلام فلم يكن عندهم شيء فقال الفضل للرضا: أخبرنا بها أصلحك الله تعالى قال نعم من القرآن أم من الحساب؟ قال له الفضل: من جهة الحساب فقال رضي الله تعالى عنه: قد علمت يا فضل أن طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والمريخ في الجدي والشمس في الحمل والزهرة في الحوت وعطارد في السنبلة والقمر في الثور فتكون الشمس في العاشر وسط السماء فالنهار قبل الليل، ومن القرآن قوله تعالى: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أي الليل قد سبقه النهار اه.
وفي الاستدلال بالآية بحث ظاهر وأما بالحساب فله وجه في الجملة. ورأى المنجمون أن ابتداء الدورة دائرة نصف النهار وله موافقة لما ذكر، والذي يغلب على الظن عدم صحة الخبر من مبتدئه فالرضى أجل من أن يستدل بالآية على ما سمعت من دعواه وفهم الإمام من قوله تعالى وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أن الليل مسبوق لا سابق ومن قوله سبحانه يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ [الأعراف: ٥٤، الرعد: ٣] يطلبه حثيثا أن الليل سابق لأن النهار يطلبه، وأجاب عما يلزم عليه من كون الليل سابقا مسبوقا بأن المراد من الليل هنا آيته وهو القمر وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية والمراد من الليل هناك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقب الآخر كان طالبه وتعقبه أبو حيان بأن فيه جعل الضمير الفاعل في يَطْلُبُهُ عائدا على النهار وضمير المفعول عائدا على اللَّيْلَ والظاهر أن ضمير الفاعل عائد على ما هو الفاعل في المعنى وهو الليل لأنه كان قبل دخول همزة النقل يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ وضمير المفعول عائد على النَّهارَ لأنه المفعول قبل النقل وبعده وحينئذ كلتا الآيتين تفيد أن النهار سابق فلا سؤال انتهى. فتأمل ولا تغفل.
وقرأ عمار بن عقيل «سابق» بغير تنوين «النهار» بالنصب قال المبرد: سمعته يقرأ فقلت ما هذا؟ قال: أردت سابق النهار بالتنوين فحذفت لأنه أخف. وفي البحر حذف التنوين لالتقاء الساكنين «وكل» أي كل واحد من الشمس والقمر إذ هما المذكوران صريحا والتنوين عوض عن المضاف إليه وقدره بعضهم ضمير جمع العقلاء ليوافق ما بعد أي كلهم وقدره آخر اسم إشارة أي كل ذلك أي المذكور الشمس والقمر فِي فَلَكٍ هو كما قال الراغب مجرى الكوكب سمي به لاستدارته كفلكة المغزل وهي الخشبة المستديرة في وسطه وفلكة الخيمة وهي الخشبة المستديرة التي توضع على رأس العمود لئلا تتمزق الخيمة.
يَسْبَحُونَ أي يسيرون فيه بانبساط وكل من بسط في شيء فهو يسبح فيه، ومنه السباحة في الماء، وهذا المجرى في السماء ولا مانع عندنا أن يجري الكوكب بنفسه في جوف السماء وهي ساكنة لا تدور أصلا وذلك بأن يكون فيها تجويف مملوء هواء أو جسما آخر لطيفا مثله يجري الكوكب فيه جريان السمكة في الماء أو البندقة في الأنبوب مثلا أو تجويف خال من سائر ما يشغله من الأجسام يجري الكوكب فيه أو بأن تكون السماء بأسرها لطيفة أو ما هو مجرى الكوكب منها لطيفا فيشق الكوكب ما يحاذيه وتجري كما تجري السمكة في البحر أو في ساقية منه وقد انجمد سائره وانقطاع كرة الهواء عند كرة النار المماسة لمقعر فلك القمر عند الفلاسفة وانحصار الأجسام اللطيفة بالعناصر الثلاثة وصلابة جرم السماء وتساوي أجزائها واستحالة الخرق والالتئام عليها واستحالة وجود الخلاء لم يتم دليل على شيء منه، وأقوى ما يذكر في ذلك شبهات أوهن من بيت العنكبوت وإنه ورب السماء لأوهن البيوت.
ويجوز أن يكون الفلك عبارة عن جسم مستدير ويكون الكوكب فيه يجري بجريانه في ثخن السماء من غير دوران للسماء، ولا مانع من أن يعتبر هذا الفلك لبعض الكواكب الفلك الكلي ويكون فيه نحو ما يثبته أهل الهيئة لضبط الحركات المختلفة من الأفلاك الجزئية لكن لا يضطر إلى ذلك بناء على القواعد الإسلامية كما لا يخفى إلا أن في
فأرادوا الكلام فلم يكن عندهم شيء فقال الفضل للرضا: أخبرنا بها أصلحك الله تعالى قال نعم من القرآن أم من الحساب؟ قال له الفضل: من جهة الحساب فقال رضي الله تعالى عنه: قد علمت يا فضل أن طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والمريخ في الجدي والشمس في الحمل والزهرة في الحوت وعطارد في السنبلة والقمر في الثور فتكون الشمس في العاشر وسط السماء فالنهار قبل الليل، ومن القرآن قوله تعالى: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أي الليل قد سبقه النهار اه.
وفي الاستدلال بالآية بحث ظاهر وأما بالحساب فله وجه في الجملة. ورأى المنجمون أن ابتداء الدورة دائرة نصف النهار وله موافقة لما ذكر، والذي يغلب على الظن عدم صحة الخبر من مبتدئه فالرضى أجل من أن يستدل بالآية على ما سمعت من دعواه وفهم الإمام من قوله تعالى وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أن الليل مسبوق لا سابق ومن قوله سبحانه يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ [الأعراف: ٥٤، الرعد: ٣] يطلبه حثيثا أن الليل سابق لأن النهار يطلبه، وأجاب عما يلزم عليه من كون الليل سابقا مسبوقا بأن المراد من الليل هنا آيته وهو القمر وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية والمراد من الليل هناك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقب الآخر كان طالبه وتعقبه أبو حيان بأن فيه جعل الضمير الفاعل في يَطْلُبُهُ عائدا على النهار وضمير المفعول عائدا على اللَّيْلَ والظاهر أن ضمير الفاعل عائد على ما هو الفاعل في المعنى وهو الليل لأنه كان قبل دخول همزة النقل يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ وضمير المفعول عائد على النَّهارَ لأنه المفعول قبل النقل وبعده وحينئذ كلتا الآيتين تفيد أن النهار سابق فلا سؤال انتهى. فتأمل ولا تغفل.
وقرأ عمار بن عقيل «سابق» بغير تنوين «النهار» بالنصب قال المبرد: سمعته يقرأ فقلت ما هذا؟ قال: أردت سابق النهار بالتنوين فحذفت لأنه أخف. وفي البحر حذف التنوين لالتقاء الساكنين «وكل» أي كل واحد من الشمس والقمر إذ هما المذكوران صريحا والتنوين عوض عن المضاف إليه وقدره بعضهم ضمير جمع العقلاء ليوافق ما بعد أي كلهم وقدره آخر اسم إشارة أي كل ذلك أي المذكور الشمس والقمر فِي فَلَكٍ هو كما قال الراغب مجرى الكوكب سمي به لاستدارته كفلكة المغزل وهي الخشبة المستديرة في وسطه وفلكة الخيمة وهي الخشبة المستديرة التي توضع على رأس العمود لئلا تتمزق الخيمة.
يَسْبَحُونَ أي يسيرون فيه بانبساط وكل من بسط في شيء فهو يسبح فيه، ومنه السباحة في الماء، وهذا المجرى في السماء ولا مانع عندنا أن يجري الكوكب بنفسه في جوف السماء وهي ساكنة لا تدور أصلا وذلك بأن يكون فيها تجويف مملوء هواء أو جسما آخر لطيفا مثله يجري الكوكب فيه جريان السمكة في الماء أو البندقة في الأنبوب مثلا أو تجويف خال من سائر ما يشغله من الأجسام يجري الكوكب فيه أو بأن تكون السماء بأسرها لطيفة أو ما هو مجرى الكوكب منها لطيفا فيشق الكوكب ما يحاذيه وتجري كما تجري السمكة في البحر أو في ساقية منه وقد انجمد سائره وانقطاع كرة الهواء عند كرة النار المماسة لمقعر فلك القمر عند الفلاسفة وانحصار الأجسام اللطيفة بالعناصر الثلاثة وصلابة جرم السماء وتساوي أجزائها واستحالة الخرق والالتئام عليها واستحالة وجود الخلاء لم يتم دليل على شيء منه، وأقوى ما يذكر في ذلك شبهات أوهن من بيت العنكبوت وإنه ورب السماء لأوهن البيوت.
ويجوز أن يكون الفلك عبارة عن جسم مستدير ويكون الكوكب فيه يجري بجريانه في ثخن السماء من غير دوران للسماء، ولا مانع من أن يعتبر هذا الفلك لبعض الكواكب الفلك الكلي ويكون فيه نحو ما يثبته أهل الهيئة لضبط الحركات المختلفة من الأفلاك الجزئية لكن لا يضطر إلى ذلك بناء على القواعد الإسلامية كما لا يخفى إلا أن في
23
نسبة السبح إلى الكوكب نوع إباء بظاهره عن هذا الاحتمال، وفي كلام الأئمة من الصحابة وغيرهم إيماء إلى بعض ما ذكرنا.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس أنه قال في الآية: كُلٌّ فِي فَلَكٍ فلكة كفلكة المغزل يسبحون يدورون في أبواب السماء كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج الأخيران عن مجاهد أنه قال:
لا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل والنجوم في فلكة كفلكة المغزل فلا يدرن إلا بها ولا تدور إلا بهن. وفي الفتوحات المكية للشيخ الأكبر قدس سره جعل الله تعالى السماوات ساكنة وخلق فيها سبحانه نجوما وجعل لها في عالم سيرها وسباحتها في هذه السماوات حركات مقدرة لا تزيد ولا تنقص وجعلها عاقلة سامعة مطيعة وأوحى في كل سماء أمرها ثم إنه عز وجل لما جعل السباحة للنجوم في هذه السماوات حدثت لسيرها طرق لكل كوكب طريق وهو قوله تعالى وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ [الذاريات: ٧] فسميت تلك الطرق أفلاكا فالأفلاك تحدث بحدوث سير الكواكب وهي سريعة السير في جرم السماء الذي هو مساحتها فتخرق الهواء المماس لها فيحدث لسيرها أصوات ونغمات مطربة لكون سيرها على وزن معلوم فتلك نغمات الأفلاك الحادثة من قطع الكواكب المسافات السماوية فهي تجري في هذه الطرق بعادة مستمرة قد علم بالرصد مقادير ودخول بعضها على بعض في السير وجعل سيرها للناظرين بين بطء وسرعة وجعل سبحانه لها تقدما وتأخرا في أماكن معلومة من السماء تعينها أجرام الكواكب لإضاءتها دونها إلى آخر ما قال. وقال الإمام: إن الله تعالى قادر على أن يجعل الكوكب بحيث يشق السماء فيجعل دائرة متوهمة كما لو جرت سمكة في الماء على الاستدارة وهذا هو المفهوم من قوله تعالى فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ والظاهر أن حركة الكوكب على هذا الوجه.
وأرباب الهيئة أنكروا ذلك للزوم الخرق والالتئام إن انشق موضع الجري والتأم أو الخلاء إن انشق ولم يلتئم والكل محال عندهم وعندنا لا محالية في ذلك وما يلزم هنا الخرق والالتئام لأنه المفهوم من يسبحون ولا دليل لهم على الاستحالة فيما عدا المحدد وهو هناك شبهة ضعيفة لا دليل، وظاهر الآية أن كل واحد من من النيرين في فلك أي في مجرى خاص به وهذا مما يشهد به الحس وذهب إلى نحوه فلاسفة الإسلام كغيرهم من الفلاسفة بيد أنهم يقولون باتحاد الفلك والسماء ولما سمعوا عمن قبلهم أن كلا من السبع السيارة في فلك وكل الكواكب الثوابت في فلك وفوق كل ذلك فلك يحرك الجميع من المشرق إلى المغرب ويسمى فلك الأفلاك لتحريكه إياها والفلك الأعظم لإحاطته بها والفلك الأطلس لأنه كاسمه غير مكوكب وسمعوا عن الشارع ذكر السماوات السبع والكرسي والعرش أرادوا أن يطبقوا بين الأمرين فقالوا: السماوات السبع في كلام الشارع هي الأفلاك السبعة في كلام الفلاسفة فلكل من السيارات سماء من السماوات والكرسي هو فلك الثوابت والعرش هو الفلك المحرك للجميع المسمى بفلك الأفلاك وقد أخطؤوا في ذلك وخالفوا سلف الأمة فيه فالفلك غير السماء، وقوله تعالى مع ما هنا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً
[نوح: ١٥، ١٦] لا يدل على الاتحاد لما قلنا من أن الكوكب في الفلك والفلك في السماء فيكون الكوكب فيها بلا شبهة فلا يحوج الجمع إلى القول بالعينية ولم يقم دليل على كرية العرش بل ظاهر ما ورد في الأخبار من أن له قوائم يدل على عدم الكرية، نعم ورد ما يدل بظاهره أنه مقبب وهذا شيء غير ما يزعمونه فيه وكذا الكرسي لم يدل دليل على كريته كما يزعمون ومع هذا ليس عندهم دليل تام على كون الثوابت كلها في فلك فيجوز أن تكون في أفلاك كممثلات كلها فوق زحل أو بعضها فوقه وبعضها بين أفلاك العلوية وهي لا تكسف الثوابت التي عروضها أكثر من عروضها ولا لها اختلاف منظر ليعرف بأحد الوجهين كون
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس أنه قال في الآية: كُلٌّ فِي فَلَكٍ فلكة كفلكة المغزل يسبحون يدورون في أبواب السماء كما تدور الفلكة في المغزل. وأخرج الأخيران عن مجاهد أنه قال:
لا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل والنجوم في فلكة كفلكة المغزل فلا يدرن إلا بها ولا تدور إلا بهن. وفي الفتوحات المكية للشيخ الأكبر قدس سره جعل الله تعالى السماوات ساكنة وخلق فيها سبحانه نجوما وجعل لها في عالم سيرها وسباحتها في هذه السماوات حركات مقدرة لا تزيد ولا تنقص وجعلها عاقلة سامعة مطيعة وأوحى في كل سماء أمرها ثم إنه عز وجل لما جعل السباحة للنجوم في هذه السماوات حدثت لسيرها طرق لكل كوكب طريق وهو قوله تعالى وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ [الذاريات: ٧] فسميت تلك الطرق أفلاكا فالأفلاك تحدث بحدوث سير الكواكب وهي سريعة السير في جرم السماء الذي هو مساحتها فتخرق الهواء المماس لها فيحدث لسيرها أصوات ونغمات مطربة لكون سيرها على وزن معلوم فتلك نغمات الأفلاك الحادثة من قطع الكواكب المسافات السماوية فهي تجري في هذه الطرق بعادة مستمرة قد علم بالرصد مقادير ودخول بعضها على بعض في السير وجعل سيرها للناظرين بين بطء وسرعة وجعل سبحانه لها تقدما وتأخرا في أماكن معلومة من السماء تعينها أجرام الكواكب لإضاءتها دونها إلى آخر ما قال. وقال الإمام: إن الله تعالى قادر على أن يجعل الكوكب بحيث يشق السماء فيجعل دائرة متوهمة كما لو جرت سمكة في الماء على الاستدارة وهذا هو المفهوم من قوله تعالى فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ والظاهر أن حركة الكوكب على هذا الوجه.
وأرباب الهيئة أنكروا ذلك للزوم الخرق والالتئام إن انشق موضع الجري والتأم أو الخلاء إن انشق ولم يلتئم والكل محال عندهم وعندنا لا محالية في ذلك وما يلزم هنا الخرق والالتئام لأنه المفهوم من يسبحون ولا دليل لهم على الاستحالة فيما عدا المحدد وهو هناك شبهة ضعيفة لا دليل، وظاهر الآية أن كل واحد من من النيرين في فلك أي في مجرى خاص به وهذا مما يشهد به الحس وذهب إلى نحوه فلاسفة الإسلام كغيرهم من الفلاسفة بيد أنهم يقولون باتحاد الفلك والسماء ولما سمعوا عمن قبلهم أن كلا من السبع السيارة في فلك وكل الكواكب الثوابت في فلك وفوق كل ذلك فلك يحرك الجميع من المشرق إلى المغرب ويسمى فلك الأفلاك لتحريكه إياها والفلك الأعظم لإحاطته بها والفلك الأطلس لأنه كاسمه غير مكوكب وسمعوا عن الشارع ذكر السماوات السبع والكرسي والعرش أرادوا أن يطبقوا بين الأمرين فقالوا: السماوات السبع في كلام الشارع هي الأفلاك السبعة في كلام الفلاسفة فلكل من السيارات سماء من السماوات والكرسي هو فلك الثوابت والعرش هو الفلك المحرك للجميع المسمى بفلك الأفلاك وقد أخطؤوا في ذلك وخالفوا سلف الأمة فيه فالفلك غير السماء، وقوله تعالى مع ما هنا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً
[نوح: ١٥، ١٦] لا يدل على الاتحاد لما قلنا من أن الكوكب في الفلك والفلك في السماء فيكون الكوكب فيها بلا شبهة فلا يحوج الجمع إلى القول بالعينية ولم يقم دليل على كرية العرش بل ظاهر ما ورد في الأخبار من أن له قوائم يدل على عدم الكرية، نعم ورد ما يدل بظاهره أنه مقبب وهذا شيء غير ما يزعمونه فيه وكذا الكرسي لم يدل دليل على كريته كما يزعمون ومع هذا ليس عندهم دليل تام على كون الثوابت كلها في فلك فيجوز أن تكون في أفلاك كممثلات كلها فوق زحل أو بعضها فوقه وبعضها بين أفلاك العلوية وهي لا تكسف الثوابت التي عروضها أكثر من عروضها ولا لها اختلاف منظر ليعرف بأحد الوجهين كون
24
الجميع فوق العلوية أو كتداوير ولا يلزم اختلاف إبعاد بعضها من بعض لجواز تساوي أجرام التداوير وحركاتها ولا اختلاف حركاتها بالسرعة والبطء للبعد والقرب وموافقة الممثل ومخالفته لأنا لا نسلم أن حركاتها لا تختلف بذلك المقدار ولا اختلاف أبعادها من الأرض لأنها غير محققة، ويجوز أيضا أن تكون كلها مركوزة في محدب بمثل زحل على أنه يتحرك الحركة البطيئة والمعدل الحركة السريعة، وأيضا يجوز أن يكون فيما سموه الفلك الأطلس كواكب لا ترى لصغرها جدا أو ترى وهي سريعة الحركة ولم يرصد كل كوكب ليتحقق بطء حركة الجميع، وأيضا يجوز أن تكون السيارات أكثر من سبع فيحتاج إلى أزيد من سبع سماوات، ويقرب هذا ظفر أهل الأرصاد الجديدة بكوكب سيار غير السبع سموه باسم من ظفر به وأدركه وهو هرشل، وبالجملة لا قاطع فيما قالوه، وللشيخ الأكبر قدس سره في هذا الباب كلام آخر مبناه الكشف وهو أن العرش الذي استوى الرحمن سبحانه عليه سرير ذو أركان أربعة ووجوه أربعة هي قوائمه الأصلية وهي على الماء الجامد وفي جوفه الكرسي وهو على شكله في التربيع لا في القوائم ومقره على الماء الجامد أيضا وبين مقعر العرش وبينه فضاء واسع وهواء مخترق وفي جوف الكرسي خلق الله تعالى الفلك الأطلس جسما شفافا مستديرا مقسما إلى اثني عشر قسما هي البروج المعروفة وفي جوفه الفلك المكوكب وما بينهما الجنات وبعد أن خلق الله تعالى الأرضين واكتسى الهواء صورة الدخان خلق الله سبحانه السماوات السبع وجعل في كل منها كوكبا وهي الجواري، وزعم الخفاجي أن المراد بالفلك في الآية الفلك الأعظم لأن الشمس والقمر وكذا سائر الكواكب تتحرك بحركته فالسباحة عنده عبارة عن الحركة القسرية، وفي القلب من ذلك شيء، ثم على ما هو الظاهر من أن لكل واحد فلكا يخصه ذهبوا إلى أن فلك الشمس فوق فلك القمر لما أنه يكسفها والمكسوف فوق الكاسف ضرورة، وذكر معظم أهل الهيئة أن الفلك الأدنى فلك القمر وفوقه فلك عطارد وفوقه فلك الزهرة وفوقه فلك الشمس وفوقه فلك المريخ
وفوقه فلك المشتري وفوقه فلك زحل واستدلوا على بعض ذلك بالكسف وعلى بعضه الآخر بأن فيه حسن الترتيب وجودة النظام، ولا مانع فيما أرى من القول بذلك لكن لا على الوجه الذي قال به أهل الهيئة من كون السماوات هي الأفلاك الدائرة بل على وجه يتأتى معه القول بسكون السماوات ودوران الكواكب في أفلاكها ومجاريها بعضها فوق بعض، وقد مر لك ما ينفعك في هذا المقام فراجعه، وجوز كون ضمير يَسْبَحُونَ عائدا على الكواكب ويشعر بها ذكر الشمس والقمر والليل والنهار، ورجح على الأول بأن الإتيان بضمير الجمع عليه ظاهر لا يحتاج إلى تكلف بخلافه على الأول فإنه محوج إلى أن يقال اختلاف أحوال الشمس والقمر في المطالع وغيرها نزل منزلة تعدد أفرادهما فكان المرجع شموسا وأقمارا، وظني أنه لا يحتاج إلى ذلك بناء على أنه قد يعتبر الاثنان جمعا أو بناء على ما قال الإمام من أن لفظ كل يجوز أن يوحد نظرا إلى لفظه وأن يجمع نظرا إلى كونه بمعنى الجميع وأما التثنية فلا يدل عليها اللفظ ولا المعنى قال: فعلى هذا يحسن أن يقال زيد وعمرو كل جاؤوا وكل جاءا ولا يحسن كل جاؤوا بالتثنية، واستدل بالإتيان بضمير جمع العقلاء على أن الشمس والقمر من ذوي العقول. وأجيب بأن ذاك لما أن المسند إليهما فعل ذوي العقول كما في قوله تعالى في حق الأصنام ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ [الصافات:
٩٢] وقوله سبحانه أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات: ٢٧] والظواهر غير ما ذكر مع المستدلين. واستدل بالآية بعض فلاسفة الإسلام القائلين باتحاد السماء والفلك على استدارة السماء وجعلوا من اللطائف فيها أن كُلٌّ فِي فَلَكٍ لا يستحيل بالانعكاس نحو كلامك كمالك وسر فلا كبابك الفرس وقالوا: لا يعكر على ذلك أنه سبحانه سماها سقفا في قوله عز قائلا وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور: ٥] لأن السقف المقبب لا يخرج عن كونه سقفا بالتقبيب، وأنت تعلم أن السماوات غير الأفلاك ومع هذا أقول باستدارة السماوات كما ذهب إليه بعض السلف، وبعض ظواهر الأخبار يقتضي أنها أنصاف كرات كل سماء نصف كرة كالقبة على أرض من الأرضين السبع وإليه ذهب الشيخ الأكبر
وفوقه فلك المشتري وفوقه فلك زحل واستدلوا على بعض ذلك بالكسف وعلى بعضه الآخر بأن فيه حسن الترتيب وجودة النظام، ولا مانع فيما أرى من القول بذلك لكن لا على الوجه الذي قال به أهل الهيئة من كون السماوات هي الأفلاك الدائرة بل على وجه يتأتى معه القول بسكون السماوات ودوران الكواكب في أفلاكها ومجاريها بعضها فوق بعض، وقد مر لك ما ينفعك في هذا المقام فراجعه، وجوز كون ضمير يَسْبَحُونَ عائدا على الكواكب ويشعر بها ذكر الشمس والقمر والليل والنهار، ورجح على الأول بأن الإتيان بضمير الجمع عليه ظاهر لا يحتاج إلى تكلف بخلافه على الأول فإنه محوج إلى أن يقال اختلاف أحوال الشمس والقمر في المطالع وغيرها نزل منزلة تعدد أفرادهما فكان المرجع شموسا وأقمارا، وظني أنه لا يحتاج إلى ذلك بناء على أنه قد يعتبر الاثنان جمعا أو بناء على ما قال الإمام من أن لفظ كل يجوز أن يوحد نظرا إلى لفظه وأن يجمع نظرا إلى كونه بمعنى الجميع وأما التثنية فلا يدل عليها اللفظ ولا المعنى قال: فعلى هذا يحسن أن يقال زيد وعمرو كل جاؤوا وكل جاءا ولا يحسن كل جاؤوا بالتثنية، واستدل بالإتيان بضمير جمع العقلاء على أن الشمس والقمر من ذوي العقول. وأجيب بأن ذاك لما أن المسند إليهما فعل ذوي العقول كما في قوله تعالى في حق الأصنام ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ [الصافات:
٩٢] وقوله سبحانه أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات: ٢٧] والظواهر غير ما ذكر مع المستدلين. واستدل بالآية بعض فلاسفة الإسلام القائلين باتحاد السماء والفلك على استدارة السماء وجعلوا من اللطائف فيها أن كُلٌّ فِي فَلَكٍ لا يستحيل بالانعكاس نحو كلامك كمالك وسر فلا كبابك الفرس وقالوا: لا يعكر على ذلك أنه سبحانه سماها سقفا في قوله عز قائلا وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور: ٥] لأن السقف المقبب لا يخرج عن كونه سقفا بالتقبيب، وأنت تعلم أن السماوات غير الأفلاك ومع هذا أقول باستدارة السماوات كما ذهب إليه بعض السلف، وبعض ظواهر الأخبار يقتضي أنها أنصاف كرات كل سماء نصف كرة كالقبة على أرض من الأرضين السبع وإليه ذهب الشيخ الأكبر
25
وقال بالاستدارة لفلك المنازل دون السماوات السبع وادعى أن تحت الأرضين السبع التي على كل منها سماء ماء، وتحته هواء، وتحته ظلمة وعليه فليتأمل في كيفية سير الكوكب بعد غروبه حتى يطلع.
ثم إن الفلاسفة الذاهبين إلى استدارة السماء تمسكوا في ذلك بأدلة أقربها على ما قيل دليلان، الأول أنا متى قصدنا عدة مساكن على خط واحد من عرض الأرض وحصلنا الكواكب المارة على سمت رأس في كل واحدة منها ثم اعتبرنا أبعاد ممرات تلك الكواكب في دائرة نصف النهار بعضها من بعض وجدناها على نسب المسافات الأرضية بين تلك المساكن، وكذلك وجدنا ارتفاع القطب فيها متفاضلا بمثل تلك النسب فتحدب السماء في العرض مشابه لتحدب الأرض فيه لكن هذا التشابه موجود في كل خط من خطوط العرض وكذا في كل خط من خطوط الطول فسطح السماء بأسره مواز لسطح الظاهر من الأرض بأسره وهذا السطح مستدير حسا فكذا سطح السماء الموازي له، والثاني أن أصحاب الأرصاد دونوا في كتبهم مقادير أجرام الكواكب وأبعاد ما بينها في الأماكن المختلفة في وقت واحد ما في أنصاف نهار تلك الأماكن مثلا متساوية وهذا يدل على تساوي أبعاد مراكز الكواكب عن مناظر الأبصار المستلزم لتساوي أبعادها عن مركز العالم لاستدارة الأرض المستلزم لكون جرم السماء كريا ونوقش في هذا بأنه إنما يصح أن لو كان الفلك ساكنا والكواكب متحركا إذ لو كان الفلك متحركا جاز أن يكون مربعا وتكون مساواة أبعاد مراكز الكواكب عن مناظر الأبصار وتساوي مقادير الأجرام للكواكب حاصلة، وفي الأول بأنه إنما يصح لو كان الإعتبار المذكور موجودا في كل خط من خطوط الطول والعرض ولا يخفى جريان كل من المناقشتين في كل من الدليلين، ولهم غير ذلك من الأدلة مذكورة بما لها وعليها في مطولات كتبهم وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ أي أولادهم، قال الراغب: الذرية أصلها الصغار من الأولاد ويقع في التعارف على الصغار والكبار معا ويستعمل للواحد والجمع وأصله للجمع، وفيه ثلاثة أقوال فقيل هو من ذرأ الله الخلق فترك همزته نحو برية وروية، وقيل: أصله ذروية، وقيل: هو فعلية من الذر نحو قمرية واستظهر حمله على الأولاد مطلقا أبو حيان، وجوز غير واحد أن يحمل على الكبار لأنهم المبعوثون للتجارة أي حملناهم حين يبعثوهم للتجارة فِي الْفُلْكِ أي السفينة سميت بذلك على ما في مجمع البيان لأنها تدور في الماء الْمَشْحُونِ أي المملوء، وقيل: هو مستعمل على أصله وهم الأولاد الصغار الذين يستصحبونهم، وقيل: المراد به النساء فإنه يطلق عليهن، وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن قتل الذراري وفسر بالنساء.
وفي الفائق قال حنظلة الكاتب: كنا في غزاة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرأى امرأة مقتولة فقال: هاه ما كانت هذه تقاتل الحق خالدا وقل لا تقتلن ذرية ولا عسيفا
، وهي نسل الرجل وأوقعت على النساء كقولهم للمطر سماء ويراد بالنساء اللاتي يستصحبونهن وتخصيص الذرية على هذين القولين بالذكر لأن استقرارهم وتماسكهم في الفلك أعجب، وقيل: تطلق الذرية على الآباء وعلى الأبناء قاله أبو عثمان وتعقبه ابن عطية بأنه تخليط لا يعرف في اللغة، وقيل:
الذرية النطف والفلك المشحون بطون النساء ذكره الماوردي ونسب إلى علي كرم الله تعالى وجهه
، والظاهر أنه لم يصح ذلك عنه رضي الله تعالى عنه وفي الآية ما يبعده وهو أشبه شيء بتأويلات الباطنية والمراد بالفلك جنسه والوصف بالمشحون أقوى في الامتنان بسلامتهم فيه، وقيل: لأنه أبعد من الخطر، وإرادة الجنس مروية عن ابن عباس ومجاهد والسدي، وفسر ما في قوله تعالى:
وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ عليه بالإبل فإنها سفائن البر لكثرة ما تحمل وقلة كلالها في المسير، وإطلاق السفائن عليها شائع كما قيل:
ثم إن الفلاسفة الذاهبين إلى استدارة السماء تمسكوا في ذلك بأدلة أقربها على ما قيل دليلان، الأول أنا متى قصدنا عدة مساكن على خط واحد من عرض الأرض وحصلنا الكواكب المارة على سمت رأس في كل واحدة منها ثم اعتبرنا أبعاد ممرات تلك الكواكب في دائرة نصف النهار بعضها من بعض وجدناها على نسب المسافات الأرضية بين تلك المساكن، وكذلك وجدنا ارتفاع القطب فيها متفاضلا بمثل تلك النسب فتحدب السماء في العرض مشابه لتحدب الأرض فيه لكن هذا التشابه موجود في كل خط من خطوط العرض وكذا في كل خط من خطوط الطول فسطح السماء بأسره مواز لسطح الظاهر من الأرض بأسره وهذا السطح مستدير حسا فكذا سطح السماء الموازي له، والثاني أن أصحاب الأرصاد دونوا في كتبهم مقادير أجرام الكواكب وأبعاد ما بينها في الأماكن المختلفة في وقت واحد ما في أنصاف نهار تلك الأماكن مثلا متساوية وهذا يدل على تساوي أبعاد مراكز الكواكب عن مناظر الأبصار المستلزم لتساوي أبعادها عن مركز العالم لاستدارة الأرض المستلزم لكون جرم السماء كريا ونوقش في هذا بأنه إنما يصح أن لو كان الفلك ساكنا والكواكب متحركا إذ لو كان الفلك متحركا جاز أن يكون مربعا وتكون مساواة أبعاد مراكز الكواكب عن مناظر الأبصار وتساوي مقادير الأجرام للكواكب حاصلة، وفي الأول بأنه إنما يصح لو كان الإعتبار المذكور موجودا في كل خط من خطوط الطول والعرض ولا يخفى جريان كل من المناقشتين في كل من الدليلين، ولهم غير ذلك من الأدلة مذكورة بما لها وعليها في مطولات كتبهم وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ أي أولادهم، قال الراغب: الذرية أصلها الصغار من الأولاد ويقع في التعارف على الصغار والكبار معا ويستعمل للواحد والجمع وأصله للجمع، وفيه ثلاثة أقوال فقيل هو من ذرأ الله الخلق فترك همزته نحو برية وروية، وقيل: أصله ذروية، وقيل: هو فعلية من الذر نحو قمرية واستظهر حمله على الأولاد مطلقا أبو حيان، وجوز غير واحد أن يحمل على الكبار لأنهم المبعوثون للتجارة أي حملناهم حين يبعثوهم للتجارة فِي الْفُلْكِ أي السفينة سميت بذلك على ما في مجمع البيان لأنها تدور في الماء الْمَشْحُونِ أي المملوء، وقيل: هو مستعمل على أصله وهم الأولاد الصغار الذين يستصحبونهم، وقيل: المراد به النساء فإنه يطلق عليهن، وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن قتل الذراري وفسر بالنساء.
وفي الفائق قال حنظلة الكاتب: كنا في غزاة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرأى امرأة مقتولة فقال: هاه ما كانت هذه تقاتل الحق خالدا وقل لا تقتلن ذرية ولا عسيفا
، وهي نسل الرجل وأوقعت على النساء كقولهم للمطر سماء ويراد بالنساء اللاتي يستصحبونهن وتخصيص الذرية على هذين القولين بالذكر لأن استقرارهم وتماسكهم في الفلك أعجب، وقيل: تطلق الذرية على الآباء وعلى الأبناء قاله أبو عثمان وتعقبه ابن عطية بأنه تخليط لا يعرف في اللغة، وقيل:
الذرية النطف والفلك المشحون بطون النساء ذكره الماوردي ونسب إلى علي كرم الله تعالى وجهه
، والظاهر أنه لم يصح ذلك عنه رضي الله تعالى عنه وفي الآية ما يبعده وهو أشبه شيء بتأويلات الباطنية والمراد بالفلك جنسه والوصف بالمشحون أقوى في الامتنان بسلامتهم فيه، وقيل: لأنه أبعد من الخطر، وإرادة الجنس مروية عن ابن عباس ومجاهد والسدي، وفسر ما في قوله تعالى:
وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ عليه بالإبل فإنها سفائن البر لكثرة ما تحمل وقلة كلالها في المسير، وإطلاق السفائن عليها شائع كما قيل:
26
سفائن برّ والسراب بحارها وروي ذلك عن الحسن وعبد الله بن شداد، وفسره مجاهد بالأنعام الإبل وغيرها، وعن أبي مالك وأبي صالح وغيرهما وهي رواية عن ابن عباس أيضا أن المراد بالفلك سفينة نوح عليه السلام على أن التعريف للعهد فما عبارة عما سمعت أيضا عند بعض وعند آخرين هي السفن والزوارق التي كانت بعد تلك السفينة. واستشكل حمل ذريتهم في سفينة نوح عليه السلام. وأجيب بأن ذلك بحمل آبائهم الأقدمين وفي أصلابهم هؤلاء وذريتهم، وتخصيص الذرية مع أنهم محمولون بالتبع لأنه أبلغ في الامتنان حيث تضمن بقاء عقبهم وأدخل في التعجب ظاهرا حيث تضمن حمل ما لا يكاد يحصى كثرة في سفينة واحدة مع الإيجاز لأنه كان الظاهر أن يقال حملناهم ومن معهم ليبقى نسلهم فذكر الذرية يدل على بقاء النسل وهو يستلزم سلامة أصولهم فدل بلفظ قليل على معنى كثير، وقال الإمام: يحتمل عندي أن التخصيص لأن الموجودين كانوا كفارا لا فائدة في وجودهم أي لم يكن الحمل حملا لهم وإنما كان حملا لما في أصلابهم من المؤمنين، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي حملنا ذريات جنسهم وهو كما ترى، وقيل: ضمير لَهُمْ لأهل مكة وضمير ذُرِّيَّتَهُمْ للقرون الماضية الذين هم منهم وحكي ذلك عن علي بن سليمان وليس بشيء، وجوز الإمام كون الضميرين للعباد في قوله تعالى يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [يس: ٣٠] ولا يكون المراد في كل أشخاصا معينين بل ذلك على نحو هؤلاء القوم هم قتلوا أنفسهم على معنى قتل بعضهم بعضا فالمعنى آية لكل بعض منهم أنا حملنا ذرية كل بعض منهم أو ذرية بعض منهم وفيه من البعد ما فيه، ورجح تفسير ما بالإبل ونحوها من الأنعام دون السفن بأن المتبادر من الخلق الإنشاء والاختراع فيبعد أن يتعلق بما هو مصنوع العباد. وتعقب بأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى عند أهل الحق وتبادر الإنشاء ممنوع وعليه يكن في الآية رد على المعتزلة كما قيل في قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [الصافات: ٩٦] على تقدير كون ما موصولة، ومِنْ تحتمل أن تكون للبيان وأن تكون للتبعيض وجوز زيادتها على نظر الأخفش ورأيه، والظاهر أن ضمير لَهُمْ الثاني عائد على ما عاد عليه ضمير الأول، وجوز عوده على الذرية، وجوز أيضا عود ضمير مِثْلِهِ على معلوم غير مذكور تقديره من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله سبحانه سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ [يس: ٣٦] وهو أبعد من العيوق، وأيا ما كان فلا يخفى مناسبة هذه الآية لقوله تعالى: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وإنما لم يؤت بها على أسلوب أخواتها بأن يقال وآية لهم الفلك حملنا ذريتهم فيه كما قال سبحانه وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها [يس: ٣٣] وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ لأنه ليس الفلك نفسه عجبا وإنما حملهم فيه هو العجب، وقرأ نافع وابن عامر والأعمش وزيد بن علي وأبان بن عثمان «ذرياتهم» بالجمع، وكسر زيد وأبان الذال وَإِنْ نَشَأْ إغراقهم نُغْرِقْهُمْ في الماء مع ما حملناهم فيه من الفلك وما يركبون من السفن والزوارق فالكلام من تمام ما تقدم فإن كان المراد بما هناك السفن والزوارق فالأمر ظاهر وإن كان المراد بها الإبل ونحوها كان الكلام من تمام صدر الآية أي نغرقهم مع ما حملنا هم فيه من الفلك وكان حديث خلق الإبل ونحوها في البين استطرادا للتماثل، ولما في ذلك من نوع بعد قيل إن قوله سبحانه وإِنْ نَشَأْ إلخ يرجح حمل الْفُلْكِ على الجنس وما على السفن والزوارق الموجودة بين بني آدم إلى يوم القيامة، وفي تعليق الإغراق بمحض المشيئة إشعار بأنه قد تكامل ما يستدعي إهلاكهم من معاصيهم ولم يبق إلا تعلق مشيئته تعالى به، وقيل إن في ذلك إشارة إلى الرد على من يتوهم إن حمل الفلك الذرية من غير أن يغرق أمر تقتضيه الطبيعة ويستدعيه امتناع الخلاء، وقرأ الحسن «نغرقهم» بالتشديد فَلا صَرِيخَ لَهُمْ أي فلا مغيث لهم يحفظهم من الغرق، وتفسير الصريخ بالمغيث مروي عن مجاهد وقتادة، ويكون بمعنى
27
الصارخ وهو المستغيث ولا يراد هنا، ويكون مصدرا كالصراخ ويتجوز به عن الإغاثة لأن المستغيث ينادي من يستغيث به فيصرخ له ويقول جاءك العون والنصر قال المبرد في أول الكامل: قال سلامة بن جندل:
يقول إذا أتانا مستغيث كانت اغاثته الجد في نصرته، وجوز إرادته هنا أي فلا اغاثة لهم وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ أي ينجون من الموت به بعد وقوعه إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً استثناء مفرغ من أعم العلل الشاملة للباعث المتقدم والغاية المتأخرة أي لا يغاثون ولا ينقذون لشيء من الأشياء إلا لرحمة عظيمة من قبلنا داعية إلى الإغاثة والإنقاذ وتمتيع بالحياة مترتب عليهما، ويجوز أن يراد بالرحمة ما يقارن التمتيع بالحياة الدنيوية فيكون كلاهما غاية للإغاثة والانقاذ أي لنوع من الرحمة وتمتيع، وإلى كونه استثناء مفرغا مما يكون مفعولا لأجله ذهب الزجاج والكسائي، والاستثناء على ما يقتضيه الظاهر متصل، وقيل: الاستثناء منقطع على معنى ولكن رحمة منا ومتاع يكونان سببا لنجاتهم وليس بذاك، وجوز أن يكون النصب بتقدير الباء أي إلا برحمة ومتاع، والجار متعلق بينقذون ولما حذف انتصب مجروره بنزع الخافض. وقيل هو على المصدرية لفعل محذوف أي إلا أن نرحمهم رحمة ونمتعهم تمتيعا، ولا يخفى حاله وكذا حال ما قبله إِلى حِينٍ أي إلى زمان قدر فيه حسبما تقتضيه الحكمة آجالهم، ومن هنا أخذ أبو الطيب قوله:
والظاهر أن المحدث عنه من يشاء الله تعالى إغراقهم، وقال ابن عطية: إن فَلا صَرِيخَ لَهُمْ إلخ استئناف أخبار عن المسافرين في البحر ناجين كانوا أو مغرقين أي لا نجاة لهم إلا برحمة الله تعالى، وليس مربوطا بالمغرقين وقد يصح ربطه به والأول أحسن فتأمله اه، وقد تأملناه فوجدناه لا حسن فيه فضلا عن أن يكون أحسن.
والفاء ظاهرة في تعلق ما بعدها بما قبلها وَإِذا قِيلَ لَهُمُ إلخ بيان لإعراضهم عن الآيات التنزيلية بعد بيان إعراضهم عن الآيات الآفاقية التي كانوا يشاهدونها وعدم تأملهم فيها أي إذا قيل لأهل مكة بطريق الإنذار بما نزل من الآيات أو بغيره اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ قال قتادة ومقاتل: أي عذاب الأمم التي قبلكم، والمراد اتقوا مثل عذابهم وَما خَلْفَكُمْ أي عذاب الآخرة، وقال مجاهد في رواية عكس ذلك، وجاء عنه في رواية أخرى ما بين أيديهم، ما تقدم من ذنوبهم وما خلفهم ما يأتي منها، وعن الحسن مثله، وقيل ما بين أيديهم نوازل السماء وما خلفهم نوائب الأرض، وقيل ما بين أيديهم المكاره من حيث يحتسبون وما خلفهم المكاره من حيث لا يحتسبون، وحاصل الأمر على ما قيل اتقوا العذاب أو اتقوا ما يترتب العذاب عليه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ حال من واو اتقوا أو غاية له راجين أن ترحموا أو كي ترحموا، وفسرت الرحمة بالإنجاء من العذاب، وجواب إذا محذوف ثقة بانفهامه من قوله تعالى وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ انفهاما بينا، أما إذا كان الإنذار بالآية الكريمة فبعبارة النص، وأما إذا كان بغيرها فبدلالته لأنهم حين أعرضوا عن آيات ربهم فلأن يعرضوا عن غيرها بطريق الأولى كأنه قيل: وإذا قيل لهم اتقوا العذاب أو اتقوا ما يوجبه أعرضوا لأنهم اعتادوه وتمرنوا عليه، وما نافية وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثانية تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع صفة لآية، وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه في حقها، والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه تعالى الموجبة للإقبال عليها والايمان وإيتاؤها نزول
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع | كان الصراخ له فزع المطانيب (١) |
ولم أسلم لكي أبقى ولكن | سلمت من الحمام إلى الحمام |
والفاء ظاهرة في تعلق ما بعدها بما قبلها وَإِذا قِيلَ لَهُمُ إلخ بيان لإعراضهم عن الآيات التنزيلية بعد بيان إعراضهم عن الآيات الآفاقية التي كانوا يشاهدونها وعدم تأملهم فيها أي إذا قيل لأهل مكة بطريق الإنذار بما نزل من الآيات أو بغيره اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ قال قتادة ومقاتل: أي عذاب الأمم التي قبلكم، والمراد اتقوا مثل عذابهم وَما خَلْفَكُمْ أي عذاب الآخرة، وقال مجاهد في رواية عكس ذلك، وجاء عنه في رواية أخرى ما بين أيديهم، ما تقدم من ذنوبهم وما خلفهم ما يأتي منها، وعن الحسن مثله، وقيل ما بين أيديهم نوازل السماء وما خلفهم نوائب الأرض، وقيل ما بين أيديهم المكاره من حيث يحتسبون وما خلفهم المكاره من حيث لا يحتسبون، وحاصل الأمر على ما قيل اتقوا العذاب أو اتقوا ما يترتب العذاب عليه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ حال من واو اتقوا أو غاية له راجين أن ترحموا أو كي ترحموا، وفسرت الرحمة بالإنجاء من العذاب، وجواب إذا محذوف ثقة بانفهامه من قوله تعالى وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ انفهاما بينا، أما إذا كان الإنذار بالآية الكريمة فبعبارة النص، وأما إذا كان بغيرها فبدلالته لأنهم حين أعرضوا عن آيات ربهم فلأن يعرضوا عن غيرها بطريق الأولى كأنه قيل: وإذا قيل لهم اتقوا العذاب أو اتقوا ما يوجبه أعرضوا لأنهم اعتادوه وتمرنوا عليه، وما نافية وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثانية تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع صفة لآية، وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه في حقها، والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه تعالى الموجبة للإقبال عليها والايمان وإيتاؤها نزول
(١) لعله جمع مطناب الجيش العظيم اه منه.
28
الوحي بها أي ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا وإيتاؤها ظهورها لهم أي ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدي إلى الإيمان به عز وجل.
وفي الكلام إشارة إلى استمرارهم على الاعراض حسب استمرار إتيان الآيات، و (عن) متعلقة بمعرضين قدمت عليه للحصر الادعائي مبالغة في تقبيح حالهم، وقيل للحصر الإضافي أي معرضين عنها لا عما هم عليه من الكفر وقيل لرعاية الفواصل والجملة في حيز النصب على أنها حال من مفعول تأتي أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما تأتيهم آية من آيات ربهم في حال من أحوالهم إلا حال إعراضهم عنها أو ما تأتيهم آية منها في حال من أحوالها إلا حال اعراضهم عنها.
وجملة وَما تَأْتِيهِمْ إلخ- على ما يشعر به كلام الكشاف- تذييل يؤكد ما سبق من حديث الإعراض، وإلى كونه تذييلا ذهب الخفاجي ثم قال: فتكون معترضة أو حالا مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنه مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم فتأمل وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي أعطاكم سبحانه بطريق التفضل والإنعام من أنواع الأموال، وعبر بذلك تحقيقا للحق وترغيبا في الإنفاق على منهاج قوله تعالى وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: ٧٧] وتنبيها على عظم جنايتهم في ترك الامتثال بالأمر، وكذلك الإتيان بمن التبعيضية، والكلام على ما قيل لذمهم على ترك الشفقة على خلق الله تعالى أثر ذمهم على ترك تعظيمه عز وجل بترك التقوى، وفي ذلك إشارة إلى أنهم أخلوا بجميع التكاليف لأنها كلها ترجع إلى أمرين التعظيم لله تعالى والشفقة على خلقه سبحانه، وقيل هو للإشارة إلى عدم مبالاتهم بنصح الناصح وإرشاده إياهم إلى ما يدفع البلاء عنهم نظير قوله تعالى وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا إلخ والمعنى عليه. إذا قيل لهم بطريق النصيحة والإرشاد إلى ما فيه نفعهم أنفقوا بعض ما آتاكم الله من فضله على المحتاجين فإن ذلك مما يرد البلاء ويدفع المكاره قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ والأول أظهر، والظاهر أن الذين كفروا هم الذين قيل لهم أنفقوا وعدل عن ضميرهم إلى الظاهر إيماء إلى علة القول المذكور، وفي كون القول للذين آمنوا إيماء إلى أنهم القائلون، قيل: لما أسلم حواشي الكفار من أقربائهم ومواليهم من المستضعفين قطعوا عنهم ما كانوا يواسونهم به وكان ذلك بمكة قبل نزول آيات القتال فندبهم المؤمنون إلى صلة حواشيهم فقالوا: أَنُطْعِمُ إلخ، وقيل:
شحت قريش بسبب أزمة على المساكين من مؤمن وغيره فندبهم النبي صلّى الله عليه وسلم إلى النفقة عليهم فقالوا هذا القول، وقيل:
قال فقراء المؤمنين أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله تعالى فحرموا وقالوا ذلك، وروي هذا عن مقاتل، وقال ابن عباس: كان بمكة زنادقة إذا أمروا بالصدقة قالوا لا والله أيفقره الله تعالى ونطعمه نحن وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون الأفعال بمشيئة الله تعالى يقولون لو شاء الله تعالى لأغنى فلانا ولو شاء لأعزه ولو شاء سبحانه لكان كذا فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولون.
وقال القشيري أيضا: إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة لا يؤمنون بالصانع وأنكروا وجوده فقولهم لو يشاء الله من باب الاستهزاء بالمسلمين. وجوز أن يكون مبنيا على اعتقاد المخاطبين ويفهم من هذا أن الزنديق من ينكر الصانع، وقد حقق الأمر فيه على الوجه الأكمل ابن الكمال في رسالة مستقلة فارجع إليها إن أردت ذلك وعن الحسن. وأبي خالد أن الآية نزلت في اليهود أمروا بالإنفاق على الفقراء فقالوا ذلك.
وفي الكلام إشارة إلى استمرارهم على الاعراض حسب استمرار إتيان الآيات، و (عن) متعلقة بمعرضين قدمت عليه للحصر الادعائي مبالغة في تقبيح حالهم، وقيل للحصر الإضافي أي معرضين عنها لا عما هم عليه من الكفر وقيل لرعاية الفواصل والجملة في حيز النصب على أنها حال من مفعول تأتي أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما تأتيهم آية من آيات ربهم في حال من أحوالهم إلا حال إعراضهم عنها أو ما تأتيهم آية منها في حال من أحوالها إلا حال اعراضهم عنها.
وجملة وَما تَأْتِيهِمْ إلخ- على ما يشعر به كلام الكشاف- تذييل يؤكد ما سبق من حديث الإعراض، وإلى كونه تذييلا ذهب الخفاجي ثم قال: فتكون معترضة أو حالا مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنه مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم فتأمل وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي أعطاكم سبحانه بطريق التفضل والإنعام من أنواع الأموال، وعبر بذلك تحقيقا للحق وترغيبا في الإنفاق على منهاج قوله تعالى وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: ٧٧] وتنبيها على عظم جنايتهم في ترك الامتثال بالأمر، وكذلك الإتيان بمن التبعيضية، والكلام على ما قيل لذمهم على ترك الشفقة على خلق الله تعالى أثر ذمهم على ترك تعظيمه عز وجل بترك التقوى، وفي ذلك إشارة إلى أنهم أخلوا بجميع التكاليف لأنها كلها ترجع إلى أمرين التعظيم لله تعالى والشفقة على خلقه سبحانه، وقيل هو للإشارة إلى عدم مبالاتهم بنصح الناصح وإرشاده إياهم إلى ما يدفع البلاء عنهم نظير قوله تعالى وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا إلخ والمعنى عليه. إذا قيل لهم بطريق النصيحة والإرشاد إلى ما فيه نفعهم أنفقوا بعض ما آتاكم الله من فضله على المحتاجين فإن ذلك مما يرد البلاء ويدفع المكاره قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ والأول أظهر، والظاهر أن الذين كفروا هم الذين قيل لهم أنفقوا وعدل عن ضميرهم إلى الظاهر إيماء إلى علة القول المذكور، وفي كون القول للذين آمنوا إيماء إلى أنهم القائلون، قيل: لما أسلم حواشي الكفار من أقربائهم ومواليهم من المستضعفين قطعوا عنهم ما كانوا يواسونهم به وكان ذلك بمكة قبل نزول آيات القتال فندبهم المؤمنون إلى صلة حواشيهم فقالوا: أَنُطْعِمُ إلخ، وقيل:
شحت قريش بسبب أزمة على المساكين من مؤمن وغيره فندبهم النبي صلّى الله عليه وسلم إلى النفقة عليهم فقالوا هذا القول، وقيل:
قال فقراء المؤمنين أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله تعالى فحرموا وقالوا ذلك، وروي هذا عن مقاتل، وقال ابن عباس: كان بمكة زنادقة إذا أمروا بالصدقة قالوا لا والله أيفقره الله تعالى ونطعمه نحن وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون الأفعال بمشيئة الله تعالى يقولون لو شاء الله تعالى لأغنى فلانا ولو شاء لأعزه ولو شاء سبحانه لكان كذا فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولون.
وقال القشيري أيضا: إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة لا يؤمنون بالصانع وأنكروا وجوده فقولهم لو يشاء الله من باب الاستهزاء بالمسلمين. وجوز أن يكون مبنيا على اعتقاد المخاطبين ويفهم من هذا أن الزنديق من ينكر الصانع، وقد حقق الأمر فيه على الوجه الأكمل ابن الكمال في رسالة مستقلة فارجع إليها إن أردت ذلك وعن الحسن. وأبي خالد أن الآية نزلت في اليهود أمروا بالإنفاق على الفقراء فقالوا ذلك.
29
وظاهر ما تقدم يقتضي أنها في كفار مكة أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله تعالى وهو عام في الإطعام وغيره فأجابوا بنفي الإطعام الذي لم يزالوا يفتخرون به دلالة على نفي غيره بالطريق الأولى ولذا لم يقل أننفق.
وقيل لم يقل ذلك لأن الإطعام هو المراد من الإنفاق أو لأن نُطْعِمُ بمعنى نعطي وليس بذاك، وأَطْعَمَهُ جواب لَوْ وورود الموجب جوابا بغير لام فصيح ومنه أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ [الأعراف: ١٠٠] لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً [الواقعة: ٧٠] نعم الأكثر مجيئه باللام.
والظاهر أن قوله تعالى إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ من تتمة قول الذين كفروا للذين آمنوا أي ما أنتم إلا في ضلال ظاهر حيث طلبتم منا ما يخالف مشيئة الله عز وجل، ولعمري إن الإناء ينضح بما فيه فإن جوابهم يدل على غاية ضلالهم وفرط جهلهم حيث لم يعلموا أنه تعالى يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم سبحانه له، ويجوز أن يكون جوابا من جهته تعالى زجر به الكفرة وجهلهم به أو حكاية لجواب المؤمنين لهم فيكون على الوجهين استئنافا بيانيا جوابا لما عسى أن يقال ما قال الله تعالى أو ما قال المؤمنون في جوابهم؟.
وقوله تعالى وَيَقُولُونَ عطف على الشرطية السابقة مفيد لإنكارهم البعث الذي هو مبدأ كل قبيح والنبي صلّى الله عليه وسلم لم يزل يعدهم بذلك، ومما يستحضر في أذهانهم ما تقدم من الأوامر فلذا أتوا بالإشارة إلى القريب في قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ يعنون وعد البعث، وجوز أن يكون ذلك من باب الاستهزاء وأرادوا متى يكون ذلك ويتحقق في الخارج إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما تقولون وتعدون فأخبرونا بذلك، والخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين لما أنهم أيضا كانوا يتلون عليهم الآيات الدالة عليه والآمرة بالإيمان به وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل: إن ذاك لأنهم زعموا إن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث بناء على أن الآية في غير المعطلة ما يَنْظُرُونَ جواب من جهته تعالى أي ما ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً عظيمة واحِدَةً وهي النفخة الأولى في الصور التي يموت بها أهل الأرض. وعبر بالإنظار نظرا إلى ظاهر قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ أو لأن الصيحة لما كانت لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها تَأْخُذُهُمْ تقهرهم وتستولي عليهم فيهلكون وَهُمْ يَخِصِّمُونَ أي يتخاصمون ويتنازعون في معاملاتهم ومتاجرهم لا يخطر ببالهم شيء من مخايلها كقوله تعالى أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف: ١٠٧] فلا يغتروا بعدم ظهور علائمها حسبما يريدون ولا يزعمون أنها لا تأتي،
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: «لينفخن في الصور والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم حتى أن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان فما يرسله أحدهما من يده حتى ينفخ في الصور فيصعق به» وهي التي قال الله تعالى ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً
إلخ،
وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة والرجل يليط حوضه فلا يسقى منه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن نعجته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها»
وأصل يخصمون يختصمون وبه قرأ أبي فسكنت التاء وأدغمت في الصاد بعد قلبها صادا ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين، وجوز أن يكون الكسر لاتباع حركة الصاد الثانية والساكن لا يضر حاجزا.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو والأعرج وشبل وابن قسطنطين بإدغام التاء في الصاد ونقل حركتها وهي الفتحة إلى الخاء، وأبو عمرو أيضا وقالون بخلف باختلاس حركة الخاء وتشديد الصاد، وعنهما اسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصمه إذا جادله، والمفعول عليها محذوف أي يخصم بعضهم بعضا، وقيل يخصمون مجادلتهم عن أنفسهم، وبعضهم يكسر ياء المضارعة اتباعا لكسرة الخاء وشد الصاد، وكسر ياء المضارعة لغة حكاها سيبويه عن الخليل في
وقيل لم يقل ذلك لأن الإطعام هو المراد من الإنفاق أو لأن نُطْعِمُ بمعنى نعطي وليس بذاك، وأَطْعَمَهُ جواب لَوْ وورود الموجب جوابا بغير لام فصيح ومنه أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ [الأعراف: ١٠٠] لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً [الواقعة: ٧٠] نعم الأكثر مجيئه باللام.
والظاهر أن قوله تعالى إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ من تتمة قول الذين كفروا للذين آمنوا أي ما أنتم إلا في ضلال ظاهر حيث طلبتم منا ما يخالف مشيئة الله عز وجل، ولعمري إن الإناء ينضح بما فيه فإن جوابهم يدل على غاية ضلالهم وفرط جهلهم حيث لم يعلموا أنه تعالى يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم سبحانه له، ويجوز أن يكون جوابا من جهته تعالى زجر به الكفرة وجهلهم به أو حكاية لجواب المؤمنين لهم فيكون على الوجهين استئنافا بيانيا جوابا لما عسى أن يقال ما قال الله تعالى أو ما قال المؤمنون في جوابهم؟.
وقوله تعالى وَيَقُولُونَ عطف على الشرطية السابقة مفيد لإنكارهم البعث الذي هو مبدأ كل قبيح والنبي صلّى الله عليه وسلم لم يزل يعدهم بذلك، ومما يستحضر في أذهانهم ما تقدم من الأوامر فلذا أتوا بالإشارة إلى القريب في قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ يعنون وعد البعث، وجوز أن يكون ذلك من باب الاستهزاء وأرادوا متى يكون ذلك ويتحقق في الخارج إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما تقولون وتعدون فأخبرونا بذلك، والخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين لما أنهم أيضا كانوا يتلون عليهم الآيات الدالة عليه والآمرة بالإيمان به وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد، وقيل: إن ذاك لأنهم زعموا إن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث بناء على أن الآية في غير المعطلة ما يَنْظُرُونَ جواب من جهته تعالى أي ما ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً عظيمة واحِدَةً وهي النفخة الأولى في الصور التي يموت بها أهل الأرض. وعبر بالإنظار نظرا إلى ظاهر قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ أو لأن الصيحة لما كانت لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها تَأْخُذُهُمْ تقهرهم وتستولي عليهم فيهلكون وَهُمْ يَخِصِّمُونَ أي يتخاصمون ويتنازعون في معاملاتهم ومتاجرهم لا يخطر ببالهم شيء من مخايلها كقوله تعالى أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف: ١٠٧] فلا يغتروا بعدم ظهور علائمها حسبما يريدون ولا يزعمون أنها لا تأتي،
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: «لينفخن في الصور والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم حتى أن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان فما يرسله أحدهما من يده حتى ينفخ في الصور فيصعق به» وهي التي قال الله تعالى ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً
إلخ،
وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة والرجل يليط حوضه فلا يسقى منه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن نعجته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها»
وأصل يخصمون يختصمون وبه قرأ أبي فسكنت التاء وأدغمت في الصاد بعد قلبها صادا ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين، وجوز أن يكون الكسر لاتباع حركة الصاد الثانية والساكن لا يضر حاجزا.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو والأعرج وشبل وابن قسطنطين بإدغام التاء في الصاد ونقل حركتها وهي الفتحة إلى الخاء، وأبو عمرو أيضا وقالون بخلف باختلاس حركة الخاء وتشديد الصاد، وعنهما اسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصمه إذا جادله، والمفعول عليها محذوف أي يخصم بعضهم بعضا، وقيل يخصمون مجادلتهم عن أنفسهم، وبعضهم يكسر ياء المضارعة اتباعا لكسرة الخاء وشد الصاد، وكسر ياء المضارعة لغة حكاها سيبويه عن الخليل في
30
مواضع، وعن نافع أنه قرأ بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الصاد المكسورة، وفيها الجمع بين الساكنين على حده المعروف، وكأنه يجوز الجمع بينهما إذا كان الثاني مدغما كان الأول حرف مد أيضا أم لا، وهذا ما اخترناه في نقل القراءات تبعا لبعض الأجلة والرواة في ذلك مختلفون.
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً في شيء من أمورهم إذا كانوا فيما بين أهليهم، ونصب تَوْصِيَةً على أنه مفعول به ليستطيعون، وجوز أن يكون مفعولا مطلقا لمقدر وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ إذا كانوا في خارج أبوابهم بل تبغتهم الصيحة فيموتون حيثما كانوا ويرجعون إلى الله عز وجل لا إلى غيره سبحانه. وقرأ ابن محيصن «يرجعون» بالبناء للمفعول والضمائر للقائلين مَتى هذَا الْوَعْدُ لا من حيث أعيانهم أعني أهل مكة الذين كانوا وقت النزول بل لمنكري البعث مطلقا وَنُفِخَ فِي الصُّورِ هي النفخة الثانية بينها وبين الأولى أربعون أي النفخ فيه، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع.
وقرأ الأعرج «الصور» بفتح الواو وقد مر الكلام في ذلك فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ أي القبور جمع جدث بفتحتين، وقرىء بالفاء بدل الثاء والمعنى واحد إِلى رَبِّهِمْ مالك أمرهم يَنْسِلُونَ يسرعون بطريق الإجبار لقوله تعالى لَدَيْنا مُحْضَرُونَ قيل: وذكر الرب للإشارة إلى إسراعهم بعد الإساءة إلى من أحسن إليهم حين اضطروا إليه، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: ٦٨] لجواز اجتماع القيام والنظر والمشي أو لتقارب زمان القيام ناظرين وزمان الإسراع في المشي. وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو عمرو بخلاف عنه بضم السين قالُوا أي في ابتداء بعثهم من القبور يا وَيْلَنا أي هلاكنا أحضر فهذا أوانك وقيل أي يا قومنا انظروا ويلنا وتعجبوا منه، وعلى حذف المنادي قيل وي كلمة تعجب ولنا بيان ونسب للكوفيين وليس بشيء.
وقرأ ابن أبي ليلى «يا ويلتنا» بتاء التأنيث، وعنه أيضا «يا ويلتي» بتاء بعدها ألف بدل من ياء الإضافة، والمراد أن كل واحد منهم يقول يا ويلتي مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا أي رقادنا على أنه مصدر ميمي أو محل رقادنا على أنه اسم مكان ويراد بالمفرد الجمع أي مراقدنا، وفيه تشبيه الموت بالرقاد من حيث عدم ظهور الفعل والاستراحة من الأفعال الاختيارية، ويجوز أن يكون المرقد على حقيقته والقوم لاختلاط عقولهم ظنوا كانوا نياما ولم يكن لهم إدراك لعذاب القبر لذلك فاستفهموا عن موقظهم، وقيل سموا ذلك مرقدا مع علمهم بما كانوا يقاسون فيه من العذاب لعظم ما شاهدوه فكأن ذلك مرقد بالنسبة إليه، فقد روي أنهم إذا عاينوا جهنم وما فيها من ألوان العذاب يرون ما كانوا فيه مثل النوم في جنبها فيقولون ذلك.
وأخرج القرباني وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب أنه قال: ينامون قبل البعث نومة، وأخرج هؤلاء ما عدا ابن جرير عن مجاهد قال: للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم قبل يوم القيامة فإذا صيح بأهل القبور يقولون يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا وروي عن ابن عباس أن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بالنفخة الثانية وشاهدوا الأهوال قالوا: ذلك.
وفي البحر أن هذا غير صحيح الإسناد واختار أن المرقد استعارة عن مضجع الموت.
وقرأ أمير المؤمنين عليّ وابن عباس والضحاك وأبو نهيك «من بعثنا» بمن الجارة والمصدر المجرور وهو متعلق بويل أو بمحذوف وقع حالا منه: ونحوه في الخبر:
ويلي عليك وويلي منك يا رجل
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً في شيء من أمورهم إذا كانوا فيما بين أهليهم، ونصب تَوْصِيَةً على أنه مفعول به ليستطيعون، وجوز أن يكون مفعولا مطلقا لمقدر وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ إذا كانوا في خارج أبوابهم بل تبغتهم الصيحة فيموتون حيثما كانوا ويرجعون إلى الله عز وجل لا إلى غيره سبحانه. وقرأ ابن محيصن «يرجعون» بالبناء للمفعول والضمائر للقائلين مَتى هذَا الْوَعْدُ لا من حيث أعيانهم أعني أهل مكة الذين كانوا وقت النزول بل لمنكري البعث مطلقا وَنُفِخَ فِي الصُّورِ هي النفخة الثانية بينها وبين الأولى أربعون أي النفخ فيه، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع.
وقرأ الأعرج «الصور» بفتح الواو وقد مر الكلام في ذلك فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ أي القبور جمع جدث بفتحتين، وقرىء بالفاء بدل الثاء والمعنى واحد إِلى رَبِّهِمْ مالك أمرهم يَنْسِلُونَ يسرعون بطريق الإجبار لقوله تعالى لَدَيْنا مُحْضَرُونَ قيل: وذكر الرب للإشارة إلى إسراعهم بعد الإساءة إلى من أحسن إليهم حين اضطروا إليه، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: ٦٨] لجواز اجتماع القيام والنظر والمشي أو لتقارب زمان القيام ناظرين وزمان الإسراع في المشي. وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو عمرو بخلاف عنه بضم السين قالُوا أي في ابتداء بعثهم من القبور يا وَيْلَنا أي هلاكنا أحضر فهذا أوانك وقيل أي يا قومنا انظروا ويلنا وتعجبوا منه، وعلى حذف المنادي قيل وي كلمة تعجب ولنا بيان ونسب للكوفيين وليس بشيء.
وقرأ ابن أبي ليلى «يا ويلتنا» بتاء التأنيث، وعنه أيضا «يا ويلتي» بتاء بعدها ألف بدل من ياء الإضافة، والمراد أن كل واحد منهم يقول يا ويلتي مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا أي رقادنا على أنه مصدر ميمي أو محل رقادنا على أنه اسم مكان ويراد بالمفرد الجمع أي مراقدنا، وفيه تشبيه الموت بالرقاد من حيث عدم ظهور الفعل والاستراحة من الأفعال الاختيارية، ويجوز أن يكون المرقد على حقيقته والقوم لاختلاط عقولهم ظنوا كانوا نياما ولم يكن لهم إدراك لعذاب القبر لذلك فاستفهموا عن موقظهم، وقيل سموا ذلك مرقدا مع علمهم بما كانوا يقاسون فيه من العذاب لعظم ما شاهدوه فكأن ذلك مرقد بالنسبة إليه، فقد روي أنهم إذا عاينوا جهنم وما فيها من ألوان العذاب يرون ما كانوا فيه مثل النوم في جنبها فيقولون ذلك.
وأخرج القرباني وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب أنه قال: ينامون قبل البعث نومة، وأخرج هؤلاء ما عدا ابن جرير عن مجاهد قال: للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم قبل يوم القيامة فإذا صيح بأهل القبور يقولون يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا وروي عن ابن عباس أن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بالنفخة الثانية وشاهدوا الأهوال قالوا: ذلك.
وفي البحر أن هذا غير صحيح الإسناد واختار أن المرقد استعارة عن مضجع الموت.
وقرأ أمير المؤمنين عليّ وابن عباس والضحاك وأبو نهيك «من بعثنا» بمن الجارة والمصدر المجرور وهو متعلق بويل أو بمحذوف وقع حالا منه: ونحوه في الخبر:
ويلي عليك وويلي منك يا رجل
31
ومن الثانية متعلقة ببعث.
وعن ابن مسعود أنه قرأ «من أهبنا» بمن الاستفهامية وأهب بالهمز من هب من نومه إذا انتبه وأهببته أنا أي أنبهته.
وعن أبي أنه قرأ «هبنا» بلا همز قال ابن جني: وقراءة ابن مسعود أقيس فهبني بمعنى أيقظني لم أر لها أصلا ولا مر بنا في اللغة مهبوب بمعنى موقظ اللهم إلا أن يكون حرف الجر محذوفا أي هب بنا أي أيقظنا ثم حذف وأوصل الفعل، وليس المعنى على من هب فهببنا معه وإنما معناه من أيقظنا. وقال البيضاوي: هبنا بدون الهمز بمعنى أهبنا بالهمز، وقرىء «من هبنا» بمن الجارة والمصدر من هب يهب هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ جملة من مبتدأ وخبر وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ عطف على ما في حيز ما، وعطفه على الجملة الاسمية أو جعله حالا بتقدير قد بدونه خلاف الظاهر، وما موصولة محذوفة العائد أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون أي صدق فيه من قولهم صدقت زيدا الحديث أي صدقته فيه ومنه قولهم صدقني سن بكره أو مصدرية أي هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق، وهو على ما قيل جواب من جهته عز وجل وعلى ما قال الفراء من قبل الملائكة وعلى ما قال قتادة ومجاهد من قبل المؤمنين وكان الظاهر أن يجابوا بالفاعل لأنه الذي سألوا عنه بأن يقال الرحمن أو الله بعثكم لكن عدل عنه إلى ما ذكر تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه مع تضمنه الاشارة إلى الفاعل، وذكر غير واحد أنه من الأسلوب الحكيم على أن المعنى لا تسألوا عن الباعث فإن هذا البعث ليس كبعث النائم وإن ذلك ليس مما يهمكم الآن وإنما الذي يهمكم أن تسألوا ما هذا البعث ذو الأهوال والافزاع، وفيه من تقريعهم ما فيه.
وزعم الطيبي أن ذكر الفاعل ليس بكاف في الجواب لأن قولهم مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا حكاية عن قولهم ذلك عند البعث بعد ما سبق من قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فلا بد في الجواب من قول مضمن معنيين فكان مقتضى الظاهر أن يقال بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به الرسل لكن عدل إلى ما يشعر بتكذيبهم ليكون أهول وفي التقريع أدخل، وهو وارد على الأسلوب الحكيم وفي دعوى عدم كفاية ذكر الفاعل في الجواب نظر، وفي إيثارهم اسم الرحمن قيل اشارة إلى زيادة التقريع من حيث إن الوعد بالبعث من آثار الرحمة وهم لم يلقوا له بالا ولم يلتفتوا إليه وكذبوا به ولم يستعدوا لما يقتضيه، وقيل آثره المجيبون من المؤمنين لما أن الرحمة قد غمرتهم فهي نصب أعينهم، واختصاص رحمة الرحمن بما يكون في الدنيا ورحمة الرحيم بما يكون في الأخرى ممنوع فقد ورد با رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
وقال ابن زيد: هذا الجواب من قبل الكفار على أنهم أجابوا أنفسهم حيث تذكروا ما سمعوه من المرسلين عليهم السلام أو أجاب بعضهم بعضا، وآثروا اسم الرحمن طمعا في أن يرحمهم وهيهات ليس لكافر نصيب يومئذ من رحمته عز وجل، وجوز الزجاج كون هذا صفة لمرقدنا لتأويله بمشتق فيصح الوقف عليه، وقد روي عن حفص أنه وقف عليه وسكت سكتة خفيفة فحكاية إجماع القراء على الوقف على مَرْقَدِنا غير تامة، وما مبتدأ محذوف الخبر أي حق أو مبتدأ خبره محذوف أي هو أو هذا ما وعد، وفيه من البديع صنعة التجاذب وهو أن تكون كلمة محتملة أن تكون من الساق وأن تكون من اللاحق، ومثله كما قال الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره (١) المسمى بإيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ومن خطه الشريف نقلت الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ [البقرة: ١٤٦، الأنعام: ٢٠] الآية بعد قوله تعالى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة: ١٤٥]
وعن ابن مسعود أنه قرأ «من أهبنا» بمن الاستفهامية وأهب بالهمز من هب من نومه إذا انتبه وأهببته أنا أي أنبهته.
وعن أبي أنه قرأ «هبنا» بلا همز قال ابن جني: وقراءة ابن مسعود أقيس فهبني بمعنى أيقظني لم أر لها أصلا ولا مر بنا في اللغة مهبوب بمعنى موقظ اللهم إلا أن يكون حرف الجر محذوفا أي هب بنا أي أيقظنا ثم حذف وأوصل الفعل، وليس المعنى على من هب فهببنا معه وإنما معناه من أيقظنا. وقال البيضاوي: هبنا بدون الهمز بمعنى أهبنا بالهمز، وقرىء «من هبنا» بمن الجارة والمصدر من هب يهب هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ جملة من مبتدأ وخبر وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ عطف على ما في حيز ما، وعطفه على الجملة الاسمية أو جعله حالا بتقدير قد بدونه خلاف الظاهر، وما موصولة محذوفة العائد أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون أي صدق فيه من قولهم صدقت زيدا الحديث أي صدقته فيه ومنه قولهم صدقني سن بكره أو مصدرية أي هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق، وهو على ما قيل جواب من جهته عز وجل وعلى ما قال الفراء من قبل الملائكة وعلى ما قال قتادة ومجاهد من قبل المؤمنين وكان الظاهر أن يجابوا بالفاعل لأنه الذي سألوا عنه بأن يقال الرحمن أو الله بعثكم لكن عدل عنه إلى ما ذكر تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه مع تضمنه الاشارة إلى الفاعل، وذكر غير واحد أنه من الأسلوب الحكيم على أن المعنى لا تسألوا عن الباعث فإن هذا البعث ليس كبعث النائم وإن ذلك ليس مما يهمكم الآن وإنما الذي يهمكم أن تسألوا ما هذا البعث ذو الأهوال والافزاع، وفيه من تقريعهم ما فيه.
وزعم الطيبي أن ذكر الفاعل ليس بكاف في الجواب لأن قولهم مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا حكاية عن قولهم ذلك عند البعث بعد ما سبق من قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فلا بد في الجواب من قول مضمن معنيين فكان مقتضى الظاهر أن يقال بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به الرسل لكن عدل إلى ما يشعر بتكذيبهم ليكون أهول وفي التقريع أدخل، وهو وارد على الأسلوب الحكيم وفي دعوى عدم كفاية ذكر الفاعل في الجواب نظر، وفي إيثارهم اسم الرحمن قيل اشارة إلى زيادة التقريع من حيث إن الوعد بالبعث من آثار الرحمة وهم لم يلقوا له بالا ولم يلتفتوا إليه وكذبوا به ولم يستعدوا لما يقتضيه، وقيل آثره المجيبون من المؤمنين لما أن الرحمة قد غمرتهم فهي نصب أعينهم، واختصاص رحمة الرحمن بما يكون في الدنيا ورحمة الرحيم بما يكون في الأخرى ممنوع فقد ورد با رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
وقال ابن زيد: هذا الجواب من قبل الكفار على أنهم أجابوا أنفسهم حيث تذكروا ما سمعوه من المرسلين عليهم السلام أو أجاب بعضهم بعضا، وآثروا اسم الرحمن طمعا في أن يرحمهم وهيهات ليس لكافر نصيب يومئذ من رحمته عز وجل، وجوز الزجاج كون هذا صفة لمرقدنا لتأويله بمشتق فيصح الوقف عليه، وقد روي عن حفص أنه وقف عليه وسكت سكتة خفيفة فحكاية إجماع القراء على الوقف على مَرْقَدِنا غير تامة، وما مبتدأ محذوف الخبر أي حق أو مبتدأ خبره محذوف أي هو أو هذا ما وعد، وفيه من البديع صنعة التجاذب وهو أن تكون كلمة محتملة أن تكون من الساق وأن تكون من اللاحق، ومثله كما قال الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره (١) المسمى بإيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ومن خطه الشريف نقلت الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ [البقرة: ١٤٦، الأنعام: ٢٠] الآية بعد قوله تعالى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة: ١٤٥]
(١) وهو على اسلوب تفاسير المفسرين دون أهل التأويل اه منه.
32
وقوله تعالى فِيهِ هُدىً- بعد- لا رَيْبَ [البقرة: ٢] فليحفظ إِنْ كانَتْ أي ما كانت الفعلة أو النفخة التي حكيت آنفا إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً حصلت من نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور، وقيل: هي قول إسرافيل عليه السلام أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة والشعور المتمزقة إن الله يأمر كن أن تجتمعن لفصل القضاء. وقرىء برفع «صيحة» ومر توجيهها فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ مجموع لَدَيْنا عندنا وفي محل حكمنا وانقطاع التصرف الظاهري من غيرنا مُحْضَرُونَ لفصل الحساب من غير لبث ما طرفة عين، وفيه من تهوين أمر البعث والحشر والإيذان باستغنائهما عن الأسباب ما لا يخفى.
فَالْيَوْمَ الحاضر أو المعهود وهو يوم القيامة الدال نفخ الصور عليه وانتصب على الظرف والعامل فيه قوله تعالى لا تُظْلَمُ نَفْسٌ من النفوس برة كانت أو فاجرة شَيْئاً من الظلم فهو نصب على المصدرية أو شيئا من الأشياء على أنه مفعول به على الحذف والإيصال وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي الإجزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصي فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد أو إلا بما كنتم تعملونه أي بمقابلته أو بسببه، وقيل: لا تجزون إلا نفس ما كنتم تعملونه بأن يظهر بصورة العذاب، وهذا حكاية عما يقال للكافرين حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق وتقريعا لهم، واستظهر أبو حيان أن الخطاب يعم المؤمنين بأن يكون الكلام اخبارا من الله تعالى عما لأهل المحشر على العموم كما يشير إليه تنكير نَفْسٌ واختاره السكاكي، وقيل: عليه يأباه الحصر لأنه تعالى يوفي المؤمنين أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة. ورد بأن المعنى أن الصالح لا ينقص ثوابه والطالح لا يزاد عقابه لأن الحكمة تأبى ما هو على صورة الظلم أما زيادة الثواب ونقص العقاب فليس كذلك أو المراد بقوله تعالى وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إنكم لا تجزون إلا من جنس عملكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وقوله تعالى إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ على تقدير كون الخطاب السابق خاصا بالكفرة من جملة ما سيقال لهم يومئذ زيادة لحسرتهم وندامتهم فإن الأخبار يحسن حال أعدائهم أثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة وفي حكاية ذلك مزجرة لهؤلاء الكفرة عما هم عليه ومدعاة إلى الاقتداء بسيرة المؤمنين، وعلى تقدير كونه عاما ابتداء كلام وأخبار لنا بما يكون في يوم القيامة إذا صار كل إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب، والشغل هو الشأن الذي يصد المرء ويشغله عما سواه من شؤونه لكونه أهم عنده من الكل إما لا يجابه كمال المسرة أو كمال المساءة والمراد هاهنا هو الأول، وتنكيره للتعظيم كأنه شغل لا يدرك كنهه، والمراد به ما هم فيه من النعيم الذي شغلهم عن كل ما يخطر بالبال، وعن ابن عباس وابن مسعود، وقتادة هو افتضاض الأبكار وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه، وفي رواية أخرى عن ابن عباس ضرب الأوتار.
وقيل السماع وروي عن وكيع وعن ابن كيسان التزاور، وقيل ضيافة الله تعالى وهي يوم الجمعة في الفردوس الأعلى عند كثيب المسك وهناك يتجلى سبحانه لهم فيرونه جل شأنه جميعا، وعن الحسن نعيم شغلهم عما فيه أهل النار من العذاب، وعن الكلبي شغلهم عن أهاليهم من أهل النار لا يذكرونهم لئلا يتنغصوا، ولعل التعميم أولى.
وليس مراد أهل هذه الأقوال بذلك حصر شغلهم فيما ذكروه فقط بل بيان أنه من جملة أشغالهم، وتخصيص كل منهم كلا من تلك الأمور بالذكر محمول على اقتضاء مقام البيان إياه، وأفرد الشغل باعتبار أنه نعيم وهو واحد بهذا الاعتبار، والجار مع مجروره متعلق بمحذوف وقع خبرا لأن وفاكِهُونَ خبر ثان لها وجوز أن يكون هو الخبر وفِي شُغُلٍ متعلق به أو حال من ضميره والمراد بفاكهون على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن
فَالْيَوْمَ الحاضر أو المعهود وهو يوم القيامة الدال نفخ الصور عليه وانتصب على الظرف والعامل فيه قوله تعالى لا تُظْلَمُ نَفْسٌ من النفوس برة كانت أو فاجرة شَيْئاً من الظلم فهو نصب على المصدرية أو شيئا من الأشياء على أنه مفعول به على الحذف والإيصال وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي الإجزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصي فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد أو إلا بما كنتم تعملونه أي بمقابلته أو بسببه، وقيل: لا تجزون إلا نفس ما كنتم تعملونه بأن يظهر بصورة العذاب، وهذا حكاية عما يقال للكافرين حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق وتقريعا لهم، واستظهر أبو حيان أن الخطاب يعم المؤمنين بأن يكون الكلام اخبارا من الله تعالى عما لأهل المحشر على العموم كما يشير إليه تنكير نَفْسٌ واختاره السكاكي، وقيل: عليه يأباه الحصر لأنه تعالى يوفي المؤمنين أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة. ورد بأن المعنى أن الصالح لا ينقص ثوابه والطالح لا يزاد عقابه لأن الحكمة تأبى ما هو على صورة الظلم أما زيادة الثواب ونقص العقاب فليس كذلك أو المراد بقوله تعالى وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إنكم لا تجزون إلا من جنس عملكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وقوله تعالى إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ على تقدير كون الخطاب السابق خاصا بالكفرة من جملة ما سيقال لهم يومئذ زيادة لحسرتهم وندامتهم فإن الأخبار يحسن حال أعدائهم أثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة وفي حكاية ذلك مزجرة لهؤلاء الكفرة عما هم عليه ومدعاة إلى الاقتداء بسيرة المؤمنين، وعلى تقدير كونه عاما ابتداء كلام وأخبار لنا بما يكون في يوم القيامة إذا صار كل إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب، والشغل هو الشأن الذي يصد المرء ويشغله عما سواه من شؤونه لكونه أهم عنده من الكل إما لا يجابه كمال المسرة أو كمال المساءة والمراد هاهنا هو الأول، وتنكيره للتعظيم كأنه شغل لا يدرك كنهه، والمراد به ما هم فيه من النعيم الذي شغلهم عن كل ما يخطر بالبال، وعن ابن عباس وابن مسعود، وقتادة هو افتضاض الأبكار وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه، وفي رواية أخرى عن ابن عباس ضرب الأوتار.
وقيل السماع وروي عن وكيع وعن ابن كيسان التزاور، وقيل ضيافة الله تعالى وهي يوم الجمعة في الفردوس الأعلى عند كثيب المسك وهناك يتجلى سبحانه لهم فيرونه جل شأنه جميعا، وعن الحسن نعيم شغلهم عما فيه أهل النار من العذاب، وعن الكلبي شغلهم عن أهاليهم من أهل النار لا يذكرونهم لئلا يتنغصوا، ولعل التعميم أولى.
وليس مراد أهل هذه الأقوال بذلك حصر شغلهم فيما ذكروه فقط بل بيان أنه من جملة أشغالهم، وتخصيص كل منهم كلا من تلك الأمور بالذكر محمول على اقتضاء مقام البيان إياه، وأفرد الشغل باعتبار أنه نعيم وهو واحد بهذا الاعتبار، والجار مع مجروره متعلق بمحذوف وقع خبرا لأن وفاكِهُونَ خبر ثان لها وجوز أن يكون هو الخبر وفِي شُغُلٍ متعلق به أو حال من ضميره والمراد بفاكهون على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن
33
ابن عباس فرحون، وأخرجوا عن مجاهد أن المعنى يتعجبون بما هم فيه.
وقال أبو زيد: الفاكه الطيب النفس الضحوك ولم يسمع له فعل من الثلاثي، وقال أبو مسلم: إنه مأخوذ من الفكاهة بالضم وهي التحدث بما يسر، وقيل التمتع والتلذذ قيل فاكِهُونَ ذوو فاكهة نحو لابن وتامر.
وظاهر صنيع أبي حيان اختياره، والتعبير عن حالهم هذه بالجملة الاسمية قبل تحققها لتنزيل المترقب المترفع منزلة الواقع للإيذان بغاية سرعة تحققها ووقوعها، وفيه على تقدير خصوص الخطاب زيادة لمساءة المخاطبين.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو «شغل» بضم الشين وسكون الغين وهي لغة في شغل بضمتين للحجازيين ما قال الفراء.
وقرأ مجاهد وأبو السمال وابن هبيرة فيما نقل عنه ابن خالويه بفتحتين، ويزيد النحوي وابن هبيرة أيضا فيما نقل عنه أبو الفضل الرازي بفتح الشين وإسكان الغين وهما لغتان أيضا فيه.
وقرأ الحسن وأبو جعفر وقتادة وأبو حيوة ومجاهد وشيبة وأبو رجاء ويحيى بن صبيح ونافع في رواية «فاكهون» جمع فكه كحذر وحذرون وهو صفة مشبهة تدل على المبالغة والثبوت، وقرأ طلحة والأعمش «فاكهين» بالألف وبالياء نصبا على الحال (١) وفِي شُغُلٍ هو الخبر، وقرىء «فكهين» بغير ألف وبالياء كذلك، وقرىء «فكهون» بفتح الفاء وضم الكاف وفعل بضم العين من أوزان الصفة المشبهة كنطس وهو الحاذق الدقيق النظر الصادق الفراسة، وقوله تعالى: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ استئناف مسوق لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلها بما يزيدهم بهجة وسرورا من شركة أزواجهم، فهم مبتدأ وأَزْواجُهُمْ عطف عليه ومُتَّكِؤُنَ خبر والجار أن صلة له قيل قدما عليه لمراعاة الفواصل أو هو والجاران بما تعلقا به من الاستقرار أخبار مترتبة، وجوز أن يكون الخبر هو الظرف الأول والظرف الثاني متعلق بمتكئون وهو خبر مبتدأ محذوف أي هم متكئون على الأرائك أو الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ومُتَّكِؤُنَ مبتدأ مؤخر والجملة على الوجهين استئناف بياني، وقيل هُمْ تأكيد للمستكن في خبر إن أعني فاكهون أو في شغل.
ومنعه بعضهم زعما منه أن فيه الفصل بين المؤكد والمؤكد بأجنبي ومُتَّكِؤُنَ خبر آخر لها وعَلَى الْأَرائِكِ متعلق به وكذا فِي ظِلالٍ أو هو متعلق بمحذوف هو حال من المعطوف والمعطوف عليه، ومن جوز مجيء الحال من المبتدأ جوز هذا الاحتمال على تقدير أن يكون هُمْ مبتدأ أيضا، والظلال جمع ظل وجمع فعل على فعال كثير كشعب وشعاب وذئب وذئاب، ويحتمل أن يكون جمع ظلة بالضم كقبة وقباب وبرمة وبرام، وأيد بقراءة عبد الله والسلمي وطلحة وحمزة والكسائي «في ظلل» بضم ففتح فإنه جمع ظلة لا ظل والأصل توافق القراءات، ومنذر بن سعيد يقول: مع ظلة بالكسر وهي لغة في ظلة بالضم فيكون كلقحة ولقاح وهو قليل.
وفسر الإمام الظل بالوقاية عن مظان الألم ولأهل الجنة من ظل الله تعالى ما يقيهم الأسواء والجمع باعتبار ما لكل واحد منهم من ذلك أو هو متعدد للشخص الواحد باعتبار تعدد ما منه الوقاية. ويحتمل أنه جمع باعتبار كونه عظيم الشأن جليل القدر كجمع اليد بمعنى القدرة على قول في قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات: ٤٧].
وفسر أبو حيان الظلال جمع ظلة بالملابس ونحوها من الأشياء التي تظل كالستور، وأقول قال ابن الأثير: الظل الفيء الحاصل من الحاجز بينك وبين الشمس أي شيء كان، وقيل هو مخصوص بما كان منه إلى زوال الشمس وما
وقال أبو زيد: الفاكه الطيب النفس الضحوك ولم يسمع له فعل من الثلاثي، وقال أبو مسلم: إنه مأخوذ من الفكاهة بالضم وهي التحدث بما يسر، وقيل التمتع والتلذذ قيل فاكِهُونَ ذوو فاكهة نحو لابن وتامر.
وظاهر صنيع أبي حيان اختياره، والتعبير عن حالهم هذه بالجملة الاسمية قبل تحققها لتنزيل المترقب المترفع منزلة الواقع للإيذان بغاية سرعة تحققها ووقوعها، وفيه على تقدير خصوص الخطاب زيادة لمساءة المخاطبين.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو «شغل» بضم الشين وسكون الغين وهي لغة في شغل بضمتين للحجازيين ما قال الفراء.
وقرأ مجاهد وأبو السمال وابن هبيرة فيما نقل عنه ابن خالويه بفتحتين، ويزيد النحوي وابن هبيرة أيضا فيما نقل عنه أبو الفضل الرازي بفتح الشين وإسكان الغين وهما لغتان أيضا فيه.
وقرأ الحسن وأبو جعفر وقتادة وأبو حيوة ومجاهد وشيبة وأبو رجاء ويحيى بن صبيح ونافع في رواية «فاكهون» جمع فكه كحذر وحذرون وهو صفة مشبهة تدل على المبالغة والثبوت، وقرأ طلحة والأعمش «فاكهين» بالألف وبالياء نصبا على الحال (١) وفِي شُغُلٍ هو الخبر، وقرىء «فكهين» بغير ألف وبالياء كذلك، وقرىء «فكهون» بفتح الفاء وضم الكاف وفعل بضم العين من أوزان الصفة المشبهة كنطس وهو الحاذق الدقيق النظر الصادق الفراسة، وقوله تعالى: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ استئناف مسوق لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلها بما يزيدهم بهجة وسرورا من شركة أزواجهم، فهم مبتدأ وأَزْواجُهُمْ عطف عليه ومُتَّكِؤُنَ خبر والجار أن صلة له قيل قدما عليه لمراعاة الفواصل أو هو والجاران بما تعلقا به من الاستقرار أخبار مترتبة، وجوز أن يكون الخبر هو الظرف الأول والظرف الثاني متعلق بمتكئون وهو خبر مبتدأ محذوف أي هم متكئون على الأرائك أو الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ومُتَّكِؤُنَ مبتدأ مؤخر والجملة على الوجهين استئناف بياني، وقيل هُمْ تأكيد للمستكن في خبر إن أعني فاكهون أو في شغل.
ومنعه بعضهم زعما منه أن فيه الفصل بين المؤكد والمؤكد بأجنبي ومُتَّكِؤُنَ خبر آخر لها وعَلَى الْأَرائِكِ متعلق به وكذا فِي ظِلالٍ أو هو متعلق بمحذوف هو حال من المعطوف والمعطوف عليه، ومن جوز مجيء الحال من المبتدأ جوز هذا الاحتمال على تقدير أن يكون هُمْ مبتدأ أيضا، والظلال جمع ظل وجمع فعل على فعال كثير كشعب وشعاب وذئب وذئاب، ويحتمل أن يكون جمع ظلة بالضم كقبة وقباب وبرمة وبرام، وأيد بقراءة عبد الله والسلمي وطلحة وحمزة والكسائي «في ظلل» بضم ففتح فإنه جمع ظلة لا ظل والأصل توافق القراءات، ومنذر بن سعيد يقول: مع ظلة بالكسر وهي لغة في ظلة بالضم فيكون كلقحة ولقاح وهو قليل.
وفسر الإمام الظل بالوقاية عن مظان الألم ولأهل الجنة من ظل الله تعالى ما يقيهم الأسواء والجمع باعتبار ما لكل واحد منهم من ذلك أو هو متعدد للشخص الواحد باعتبار تعدد ما منه الوقاية. ويحتمل أنه جمع باعتبار كونه عظيم الشأن جليل القدر كجمع اليد بمعنى القدرة على قول في قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات: ٤٧].
وفسر أبو حيان الظلال جمع ظلة بالملابس ونحوها من الأشياء التي تظل كالستور، وأقول قال ابن الأثير: الظل الفيء الحاصل من الحاجز بينك وبين الشمس أي شيء كان، وقيل هو مخصوص بما كان منه إلى زوال الشمس وما
(١) في الظرف أي من المستكن اه.
34
كان بعد فهو الفيء، وأنت تعلم أن الظل بالمعنى الذي تعتبر فيه الشمس لا يتصور في الجنة إذ لا شمس فيها، ومن هنا قال الراغب: الظل ضد الضح وهو أعم من الفيء فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة، وجاء في ظلها ما يدل على أنه كالظل الذي يكون في الدنيا قبل طلوع الشمس، فقد روى ابن القيم في حادي الأرواح عن ابن عباس أنه سئل ما أرض الجنة؟ قال: مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قيل: ما نورها؟ قال: ما رأيت الساعة التي قبل طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنها ليس فيها شمس ولا زمهرير، وذكر ابن عطية نحو هذا لكن لم يعزه. وتعقبه أبو حيان بأنه يحتاج إلى نقل صحيح وكيف يكون ذلك وفي الحديث ما يدل على أن حوراء من حور الجنة لو ظهرت لأضاءت منها الدنيا أو نحو من هذا، ويمكن الجواب بأن المراد تقريب الأمر لفهم السائل وإيضاح الحال بما يفهمه أو بيان نورها في نفسها لا الأعم منه ومما يحصل فيها من أنوار سكانها الحور العين وغيرهم.
نعم نورها في نفسها أتم من نور الدنيا قبل طلوع الشمس كما يومىء إليه ما
أخرجه ابن ماجة عن أسامة قال:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها أي لا عدل ولا مثل وهي ورب الكعبة نور يتلألأ» الحديث
، ويجوز حمل الظلال جمع ظل هنا على هذا المعنى وجمعه للتعدد الاعتباري، ويجوز حمل الظل على العزة والمناعة فإنه قد يعبر به عن ذلك وبهذا فسر الراغب قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات: ٤١] وهو غير معنى الوقاية عن مظان الألم الذي ذكره الإمام، ويجوز حمله على أنه جمع ظلة على الستور التي تكون فوق الرأس من سقف وشجر ونحوهما ووجود ذلك في الجنة مما لا شبهة فيه فقد جاء في الكتاب وصح في السنة أن فيها غرفا وهي ظاهرة فيما كان ذا سقف بل صرح في بعض الأخبار بالسقف وجاء فيها أيضا ما هو ظاهر في أن فيها شجرا مرتفعا يظل من تحته،
وقد صح من رواية الشيخين أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرؤوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ
[الواقعة: ٣٠] » وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها يخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها الخبر، وابن الأثير يقول: معنى في ظلها في ذراها وناحيتها، وكان هذا لدفع أنها تظل من الشمس أو نحوها، والْأَرائِكِ
جمع أريكة وهو السرير في قول، وقيل: الوسادة حكاه الطبرسي وقال الزهري: كل ما اتكئ عليه فهو أريكة، وقال ابن عباس: لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة فإن كان سرير بغير حجلة لا تكون أريكة وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة فالسرير والحجلة أريكة وفي حادي الأرواح لا تكون أريكة إلا أن يكون السرير في الحجلة وأن يكون على السرير فراش، وفي الصحاح الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت، وقال الراغب: الأريكة حجلة على سرير والجمع آرائك، وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك هو شجر معروف أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الاقامات.
وبالجملة إن كلام الأكثرين يدل على أن السرير وحده لا يسمى أريكة نعم يقال للمتكئ على أريكة متكىء على سرير فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [الطور: ٢٠] لجواز أن تكون السرر في الحجال فتكون أرائك، ويجوز أن يقال: إن أهل الجنة تارة يتكئون على الأرائك وأخرى يتكئون على السرر التي ليست بآرائك، وسيأتي إن شاء تعالى ما ورد في وصف سررهم رزقنا الله تعالى وإياكم الجلوس على هاتيك السرر والاتكاء مع الأزواج على الأرائك، والظاهر أن المراد بالأزواج أزواجهم المؤمنات اللاتي كن لهم في الدنيا، وقيل أزواجهم اللاتي زوجهم الله تعالى إياهن من الحور العين، ويجوز فيما يظهر أن يراد الأعم من الصنفين ومن المؤمنات اللاتي متن
نعم نورها في نفسها أتم من نور الدنيا قبل طلوع الشمس كما يومىء إليه ما
أخرجه ابن ماجة عن أسامة قال:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها أي لا عدل ولا مثل وهي ورب الكعبة نور يتلألأ» الحديث
، ويجوز حمل الظلال جمع ظل هنا على هذا المعنى وجمعه للتعدد الاعتباري، ويجوز حمل الظل على العزة والمناعة فإنه قد يعبر به عن ذلك وبهذا فسر الراغب قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات: ٤١] وهو غير معنى الوقاية عن مظان الألم الذي ذكره الإمام، ويجوز حمله على أنه جمع ظلة على الستور التي تكون فوق الرأس من سقف وشجر ونحوهما ووجود ذلك في الجنة مما لا شبهة فيه فقد جاء في الكتاب وصح في السنة أن فيها غرفا وهي ظاهرة فيما كان ذا سقف بل صرح في بعض الأخبار بالسقف وجاء فيها أيضا ما هو ظاهر في أن فيها شجرا مرتفعا يظل من تحته،
وقد صح من رواية الشيخين أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرؤوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ
[الواقعة: ٣٠] » وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها يخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها الخبر، وابن الأثير يقول: معنى في ظلها في ذراها وناحيتها، وكان هذا لدفع أنها تظل من الشمس أو نحوها، والْأَرائِكِ
جمع أريكة وهو السرير في قول، وقيل: الوسادة حكاه الطبرسي وقال الزهري: كل ما اتكئ عليه فهو أريكة، وقال ابن عباس: لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة فإن كان سرير بغير حجلة لا تكون أريكة وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة فالسرير والحجلة أريكة وفي حادي الأرواح لا تكون أريكة إلا أن يكون السرير في الحجلة وأن يكون على السرير فراش، وفي الصحاح الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت، وقال الراغب: الأريكة حجلة على سرير والجمع آرائك، وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك هو شجر معروف أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الاقامات.
وبالجملة إن كلام الأكثرين يدل على أن السرير وحده لا يسمى أريكة نعم يقال للمتكئ على أريكة متكىء على سرير فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [الطور: ٢٠] لجواز أن تكون السرر في الحجال فتكون أرائك، ويجوز أن يقال: إن أهل الجنة تارة يتكئون على الأرائك وأخرى يتكئون على السرر التي ليست بآرائك، وسيأتي إن شاء تعالى ما ورد في وصف سررهم رزقنا الله تعالى وإياكم الجلوس على هاتيك السرر والاتكاء مع الأزواج على الأرائك، والظاهر أن المراد بالأزواج أزواجهم المؤمنات اللاتي كن لهم في الدنيا، وقيل أزواجهم اللاتي زوجهم الله تعالى إياهن من الحور العين، ويجوز فيما يظهر أن يراد الأعم من الصنفين ومن المؤمنات اللاتي متن
35
ولم يتزوجن في الدنيا فزوجهن الله تعالى في الجنة من شاء من عباده بل الأعم من ذلك كله ومن المؤمنات اللاتي تزوجن في الدنيا بأزواج ماتوا كفارا فأدخلوا النار مخلدين فيها وأدخلن الجنة كامرأة فرعون فقد جاء في الأخبار أنها تكون زوجة نبينا صلّى الله عليه وسلم وجوز أن يكون المراد بأزواجهم أشكالهم في الإحسان وأمثالهم في الإيمان كما قال سبحانه:
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص: ٥٨] وقريب منه ما قيل المراد به أخلاؤهم كما في قوله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: ٢٢] وقيل يجوز أن يراد به ما يعم الأشكال والأخلاء ومن سمعت أولا، وأنت تعلم بعد إرادة ذلك وكذا إرادة الأشكال أو الإخلاء بالخصوص لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ بيان لما يتمتعون به في الجنة من المآكل والمشارب وما يتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحانية بعد بيان ما لهم فيها من مجالس الأنس ومحافل القدس تكميلا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة كذا قيل، ويجوز أن يكون استئنافا بيانيا وقع جواب سؤال نشأ مما يدل عليه اللام السابق من اشتغالهم بالأنس واتكائهم على الأرائك عدم تعاطيهم أسباب المأكل والمشرب فكأنه قيل: إذا كان حالهم ما ذكر فكيف يصنعون في أمر مأكلهم؟ فأجيب بقوله سبحانه: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وهو مشير إلى أن لهم من المأكل ما لهم على أتم وجه، وأفيد أن فيه إشارة إلى أنه لا جوع هناك وليس الأكل لدفع ألم الجوع، وإنما مأكولهم فاكهة ولو كان لحما، والتنوين للتفخيم أي فاكهة جليلة الشأن، وفي قوله سبحانه: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ دون يأكلون فيها فاكهة إشارة إلى كون زمام الاختيار بأيديهم وكونهم مالكين قادرين فإن شاؤوا أكلوا وإن شاؤوا أمسكوا.
وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ أي ما يدعون به لأنفسهم أي لهم كل ما يطلبه أحد لنفسه لا إنهم يطلبون فإنه حاصل كما إذا سألك أحد فقلت: لك ذلك تعني فلم تطلب أو لهم ما يطلبون بالفعل على أن هناك طلبا وإجابة لأن الغبطة بالإجابة توجب اللذة بالطلب فإنه مرتبة سنية لا سيما والمطلوب منه والمجيب هو الله تعالى الملك الجليل جل جلاله وعم نواله، فيدعون من الدعاء بمعنى الطلب، وأصله يد تعيون على وزن يفتعلون سكنت الياء بعد أن ألقيت حركتها على ما قبلها وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وقيل بل ضمت العين لأجل واو الجمع ولم يلق حركة الياء عليها وإنما حذفت استثقالا ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار يدتعون فقلبت التاء دالا وأدغمت، وافتعل بمعنى فعل الثلاثي كثير ومنه اشتوى بمعنى شوي واجتمل بمعنى جمل أي أذاب الشحم.
قال لبيد: فاشتوى (١) ليلة ريح واجتمل. ولَهُمْ خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وهي موصولة والجملة بعدها صلة والعائد محذوف وهو إما ضمير مجرور أو ضمير منصوب على الحذف والإيصال، وجوز أن تكون ما نكرة موصوفة وأن تكون مصدرية فالمصدر (٢) حينئذ مبتدأ وهو خلاف الظاهر، والجملة عطف على الجملة قبلها، وعدم الاكتفاء بعطف ما على فاكِهَةٌ لئلا يتوهم كونها عبارة عن توابع الفاكهة ومتمماتها.
وجوز أن يكون يَدَّعُونَ من الافتعال بمعنى التفاعل كارتموه بمعنى تراموه أي لهم ما يتداعون، والمعنى كل ما يصح أن يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم أو ما يطلبه بعضهم من بعض بالفعل لما في ذلك من التحاب، وأن يكون من الافتعال على ما سمعت أولا إلا إن الدعاء بمعنى التمني.
قال أبو عبيدة: العرب تقول ادع علي ما شئت بمعنى تمن علي، وتقول فلان في خير ما ادعى أي تمنى أي لهم ما
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص: ٥٨] وقريب منه ما قيل المراد به أخلاؤهم كما في قوله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: ٢٢] وقيل يجوز أن يراد به ما يعم الأشكال والأخلاء ومن سمعت أولا، وأنت تعلم بعد إرادة ذلك وكذا إرادة الأشكال أو الإخلاء بالخصوص لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ بيان لما يتمتعون به في الجنة من المآكل والمشارب وما يتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحانية بعد بيان ما لهم فيها من مجالس الأنس ومحافل القدس تكميلا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة كذا قيل، ويجوز أن يكون استئنافا بيانيا وقع جواب سؤال نشأ مما يدل عليه اللام السابق من اشتغالهم بالأنس واتكائهم على الأرائك عدم تعاطيهم أسباب المأكل والمشرب فكأنه قيل: إذا كان حالهم ما ذكر فكيف يصنعون في أمر مأكلهم؟ فأجيب بقوله سبحانه: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وهو مشير إلى أن لهم من المأكل ما لهم على أتم وجه، وأفيد أن فيه إشارة إلى أنه لا جوع هناك وليس الأكل لدفع ألم الجوع، وإنما مأكولهم فاكهة ولو كان لحما، والتنوين للتفخيم أي فاكهة جليلة الشأن، وفي قوله سبحانه: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ دون يأكلون فيها فاكهة إشارة إلى كون زمام الاختيار بأيديهم وكونهم مالكين قادرين فإن شاؤوا أكلوا وإن شاؤوا أمسكوا.
وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ أي ما يدعون به لأنفسهم أي لهم كل ما يطلبه أحد لنفسه لا إنهم يطلبون فإنه حاصل كما إذا سألك أحد فقلت: لك ذلك تعني فلم تطلب أو لهم ما يطلبون بالفعل على أن هناك طلبا وإجابة لأن الغبطة بالإجابة توجب اللذة بالطلب فإنه مرتبة سنية لا سيما والمطلوب منه والمجيب هو الله تعالى الملك الجليل جل جلاله وعم نواله، فيدعون من الدعاء بمعنى الطلب، وأصله يد تعيون على وزن يفتعلون سكنت الياء بعد أن ألقيت حركتها على ما قبلها وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وقيل بل ضمت العين لأجل واو الجمع ولم يلق حركة الياء عليها وإنما حذفت استثقالا ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار يدتعون فقلبت التاء دالا وأدغمت، وافتعل بمعنى فعل الثلاثي كثير ومنه اشتوى بمعنى شوي واجتمل بمعنى جمل أي أذاب الشحم.
قال لبيد: فاشتوى (١) ليلة ريح واجتمل. ولَهُمْ خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وهي موصولة والجملة بعدها صلة والعائد محذوف وهو إما ضمير مجرور أو ضمير منصوب على الحذف والإيصال، وجوز أن تكون ما نكرة موصوفة وأن تكون مصدرية فالمصدر (٢) حينئذ مبتدأ وهو خلاف الظاهر، والجملة عطف على الجملة قبلها، وعدم الاكتفاء بعطف ما على فاكِهَةٌ لئلا يتوهم كونها عبارة عن توابع الفاكهة ومتمماتها.
وجوز أن يكون يَدَّعُونَ من الافتعال بمعنى التفاعل كارتموه بمعنى تراموه أي لهم ما يتداعون، والمعنى كل ما يصح أن يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم أو ما يطلبه بعضهم من بعض بالفعل لما في ذلك من التحاب، وأن يكون من الافتعال على ما سمعت أولا إلا إن الدعاء بمعنى التمني.
قال أبو عبيدة: العرب تقول ادع علي ما شئت بمعنى تمن علي، وتقول فلان في خير ما ادعى أي تمنى أي لهم ما
(١) وغلام أرسلته أمه بألوك فبذلنا ما سأل. أرسلته فأتاه رزقه فاشترى إلخ اه منه.
(٢) قيل إذا جعلت مصدرية فالمصدر بمعنى المفعول اه منه.
(٢) قيل إذا جعلت مصدرية فالمصدر بمعنى المفعول اه منه.
36
يتمنون، قال الزجاج: وهو مأخوذ من الدعاء أي كل ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم، قيل افتعل بمعنى فعل فيدعون بمعنى يدعون من الدعاء بمعناه المشهور أي لهم ما كان يدعون به الله عز وجل في الدنيا من الجنة ودرجاتها.
وقوله تعالى: سَلامٌ جوز أن يكون بدلا من ما يدل بعض من كل ولزوم الضمير غير مسلم، وقوله تعالى:
قَوْلًا مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة صفة سلاما، وقوله تعالى مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ صفة قَوْلًا أي سلام يقال لهم قولا من جهة رب رحيم أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيما لهم،
فقد أخرج ابن ماجة وجماعة عن جابر قال: «قال النبي صلّى الله عليه وسلم بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قول الله تعالى سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم»
وقيل بواسطة الملائكة عليهم السلام لقوله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد: ٢٣، ٢٤] وروي ذلك عن ابن عباس وعلى الأول الأكثرون، وأما ما قيل إن ذلك سلام الملائكة على المؤمنين عند الموت فليس بشيء، والبدلية المذكورة مبنية على أن ما عامة.
وجوز أن يكون بدل كل من كل على تقدير أن يراد بها خاص أو على ادعاء الاتحاد تعظيما، ولا بأس في إبدال هذه النكرة منها على تقدير موصوليتها لأنها نكرة موصوفة بالجملة بعدها، على أنه يجوز أن يلتزم جواز إبدال النكرة من المعرفة مطلقا من غير قبح، ويجوز أن يكون سَلامٌ خبر مبتدأ محذوف والجملة بعده صفته أي هو أو ذلك سلام يقال قولا من رب رحيم، والضمير لما وكذا الاشارة، وجوز أن يكون صفة لما أي لهم ما يدعون سالم أو ذو سلامة مما يكره، وقَوْلًا مصدر مؤكد لقوله تعالى لَهُمْ ما يَدَّعُونَ سلام أي عدة من رب رحيم، وهذه الوصفية على تقدير كون ما نكرة موصوفة ولا يصح على تقدير كونها موصولة للتخالف تعريفا وتنكيرا وأن يكون خبرا لما، ولَهُمْ متعلق به لبيان الجهة كما يقال لزيد الشرف متوفر أي ما يدعون سالم لهم خالص لا شوب فيه، ونصب قَوْلًا على ما سمعت آنفا.
وفي الكشاف الأوجه أن ينتصب على الاختصاص وهو من مجازه فيكون الكلام جملة مفصولة عما سبق ولا ضير في نصب النكرة على ذلك، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي ولهم سلام يقال قولا من رب رحيم، وقدر الخبر مقدما لتكون الجملة على أسلوب أخواتها لا ليسوغ الابتداء بالنكرة فإن النكرة موصوفة بالجملة بعدها، وظاهر كلامهم تقدير العاطف أيضا ويمكن أن لا يقدر، وفصل الجملة على ما قيل لأنها كالتعليل لما تضمنته لآي قبلها فإن سلام الرب الرحيم منشأ كل تعظيم وتكريم، وجوز على تقدير كونه مبتدأ تقدير الخبر المحذوف عليهم قال الإمام:
فيكون ذلك اخبارا من الله تعالى في الدنيا كأنه سبحانه حكى لنا وقال جل شأنه إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ ثم لما كمل بيان حالهم قال سَلامٌ عليهم وهذا كما قال سبحانه سَلامٌ عَلى نُوحٍ [الصافات: ٧٩] وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات: ١٨١] فيكون جل وعلا قد أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين ثم قال:
وهذا وجه مبتكر يد ما يدل عليه فنقول: أو نقول تقديره سلام عليكم ويكون هذا نوعا من الالتفات حيث قال تعالى لهم كذا وكذا ثم قال سبحانه سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الأنعام: ٥٤، الأعراف: ٤٦، الرعد: ٢٤، القصص: ٥٥، الزمر: ٧٣] اه.
ووجه الابتداء بسلام في مثل هذا التركيب موصوفا كان أم لا معروف عند أصاغر الطلبة. وقرأ محمد بن كعب القرظي «سلم» بكسر السين وسكون اللام ومعناه سلام. وقال أبو الفضل الرازي: مسالم لهم أي ذلك مسالم وليس بذاك.
وقرأ أبي وعبد الله وعيسى والغنوي «سلاما» بالنصب على المصدر أي يسلم عليهم سلاما أو على الحال من
وقوله تعالى: سَلامٌ جوز أن يكون بدلا من ما يدل بعض من كل ولزوم الضمير غير مسلم، وقوله تعالى:
قَوْلًا مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة صفة سلاما، وقوله تعالى مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ صفة قَوْلًا أي سلام يقال لهم قولا من جهة رب رحيم أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيما لهم،
فقد أخرج ابن ماجة وجماعة عن جابر قال: «قال النبي صلّى الله عليه وسلم بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قول الله تعالى سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم»
وقيل بواسطة الملائكة عليهم السلام لقوله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد: ٢٣، ٢٤] وروي ذلك عن ابن عباس وعلى الأول الأكثرون، وأما ما قيل إن ذلك سلام الملائكة على المؤمنين عند الموت فليس بشيء، والبدلية المذكورة مبنية على أن ما عامة.
وجوز أن يكون بدل كل من كل على تقدير أن يراد بها خاص أو على ادعاء الاتحاد تعظيما، ولا بأس في إبدال هذه النكرة منها على تقدير موصوليتها لأنها نكرة موصوفة بالجملة بعدها، على أنه يجوز أن يلتزم جواز إبدال النكرة من المعرفة مطلقا من غير قبح، ويجوز أن يكون سَلامٌ خبر مبتدأ محذوف والجملة بعده صفته أي هو أو ذلك سلام يقال قولا من رب رحيم، والضمير لما وكذا الاشارة، وجوز أن يكون صفة لما أي لهم ما يدعون سالم أو ذو سلامة مما يكره، وقَوْلًا مصدر مؤكد لقوله تعالى لَهُمْ ما يَدَّعُونَ سلام أي عدة من رب رحيم، وهذه الوصفية على تقدير كون ما نكرة موصوفة ولا يصح على تقدير كونها موصولة للتخالف تعريفا وتنكيرا وأن يكون خبرا لما، ولَهُمْ متعلق به لبيان الجهة كما يقال لزيد الشرف متوفر أي ما يدعون سالم لهم خالص لا شوب فيه، ونصب قَوْلًا على ما سمعت آنفا.
وفي الكشاف الأوجه أن ينتصب على الاختصاص وهو من مجازه فيكون الكلام جملة مفصولة عما سبق ولا ضير في نصب النكرة على ذلك، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي ولهم سلام يقال قولا من رب رحيم، وقدر الخبر مقدما لتكون الجملة على أسلوب أخواتها لا ليسوغ الابتداء بالنكرة فإن النكرة موصوفة بالجملة بعدها، وظاهر كلامهم تقدير العاطف أيضا ويمكن أن لا يقدر، وفصل الجملة على ما قيل لأنها كالتعليل لما تضمنته لآي قبلها فإن سلام الرب الرحيم منشأ كل تعظيم وتكريم، وجوز على تقدير كونه مبتدأ تقدير الخبر المحذوف عليهم قال الإمام:
فيكون ذلك اخبارا من الله تعالى في الدنيا كأنه سبحانه حكى لنا وقال جل شأنه إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ ثم لما كمل بيان حالهم قال سَلامٌ عليهم وهذا كما قال سبحانه سَلامٌ عَلى نُوحٍ [الصافات: ٧٩] وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات: ١٨١] فيكون جل وعلا قد أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين ثم قال:
وهذا وجه مبتكر يد ما يدل عليه فنقول: أو نقول تقديره سلام عليكم ويكون هذا نوعا من الالتفات حيث قال تعالى لهم كذا وكذا ثم قال سبحانه سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الأنعام: ٥٤، الأعراف: ٤٦، الرعد: ٢٤، القصص: ٥٥، الزمر: ٧٣] اه.
ووجه الابتداء بسلام في مثل هذا التركيب موصوفا كان أم لا معروف عند أصاغر الطلبة. وقرأ محمد بن كعب القرظي «سلم» بكسر السين وسكون اللام ومعناه سلام. وقال أبو الفضل الرازي: مسالم لهم أي ذلك مسالم وليس بذاك.
وقرأ أبي وعبد الله وعيسى والغنوي «سلاما» بالنصب على المصدر أي يسلم عليهم سلاما أو على الحال من
37
ﭮﭯﭰﭱ
ﰺ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﰻ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﰼ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﰽ
ﮔﮕﮖﮗﮘ
ﰾ
ﮚﮛﮜﮝﮞ
ﰿ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﱀ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﱁ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﱂ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﱃ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ
ﱄ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﱅ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﱆ
ضمير ما في الخبر أو منها على القول بجواز مجيء الحال من المبتدأ أي ولهم مرادهم خالصا.
وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أي انفردوا عن المؤمنين إلى مصيركم من النار. وأخرج عبد بن حميد وغيره عن قتادة أي اعتزلوا عن كل خير، وعن الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى أي على خلاف ما للمؤمنين من الاجتماع مع من يحبون، ولعل هذا بعد زمان من أول دخولهم فلا ينافي عتاب بعضهم بعضا الوارد في آيات أخر كقوله تعالى وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ [غافر: ٤٧] ويحتمل أنه أراد لكل صنف كافر كاليهود والنصارى، وجوز الإمام كون الأمر أمر تكوين كما في كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: ١١٧، وغيرها] على معنى أن الله تعالى يقول لهم ذلك فتظهر عليهم سيماء يعرفون بها كما قال سبحانه يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ [الرحمن:
٤١] ولا يخفى بعده، والجملة عطفا ما على الجملة السابقة المسوقة لبيان أحوال أصحاب الجنة من عطف القصة على القصة فلا يضر التخالف إنشائية وخبرية، وكأن تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما، وإما على مضمر ينساق إليه حكاية حال أصحاب الجنة كأنه قيل إثر بيان كونهم في شغل عظيم الشأن وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم أيها المجرمون.
قال أبو السعود، وقال الخفاجي: يجوز أن يكون بتقدير ويقال امتازوا على أنه معطوف على يقال المقدر العامل في قولا وهو أقرب وأقل تكلفا لأن حذف القول وقيام معموله مقامه كثير حتى قيل فيه هو البحر حدث عنه ولا حرج، وفيه بحث يظهر بأدنى تأمل، وقيل: إن المذكور من قوله تعالى إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ إلى هنا تفصيل للمجمل السابق أعني قوله تعالى: وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وبني عليه أن المعطوف عليه متضمن لمعنى الطلب على معنى فليمتز المؤمنون عنكم يا أهل المحشر إلى الجنة وامتازوا عنهم إلى النار، وتعقبه في الكشف بأنه ليس بظاهر إذ بأحد الأمرين غنية عن الآخر ثم قال: والوجه أن المقصود عطف جملة قصة أصحاب النار على جملة قصة أصحاب الجنة وأوثرها هنا الطلب زيادة للتهويل والتعنيف ألا ترى إلى قوله تعالى اصْلَوْهَا الْيَوْمَ وإن كان لا بد من التضمين فالمعطوف أولى بأن يجعل في معنى الخبر على معنى وأن المجرمون ممتازون منفردون.
وفائدة العدول ما في الخطاب والطلب من النكتة اه، وما ذكره من حديث أغناه أحد الأمرين عن الآخر سهل لكون الأمر تقديريا مع أن الامتياز الأول على وجه الإكرام وتحقيق الوعد والآخر على وجه الإهانة وتعجيل الوعيد
وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أي انفردوا عن المؤمنين إلى مصيركم من النار. وأخرج عبد بن حميد وغيره عن قتادة أي اعتزلوا عن كل خير، وعن الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى أي على خلاف ما للمؤمنين من الاجتماع مع من يحبون، ولعل هذا بعد زمان من أول دخولهم فلا ينافي عتاب بعضهم بعضا الوارد في آيات أخر كقوله تعالى وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ [غافر: ٤٧] ويحتمل أنه أراد لكل صنف كافر كاليهود والنصارى، وجوز الإمام كون الأمر أمر تكوين كما في كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: ١١٧، وغيرها] على معنى أن الله تعالى يقول لهم ذلك فتظهر عليهم سيماء يعرفون بها كما قال سبحانه يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ [الرحمن:
٤١] ولا يخفى بعده، والجملة عطفا ما على الجملة السابقة المسوقة لبيان أحوال أصحاب الجنة من عطف القصة على القصة فلا يضر التخالف إنشائية وخبرية، وكأن تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما، وإما على مضمر ينساق إليه حكاية حال أصحاب الجنة كأنه قيل إثر بيان كونهم في شغل عظيم الشأن وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم أيها المجرمون.
قال أبو السعود، وقال الخفاجي: يجوز أن يكون بتقدير ويقال امتازوا على أنه معطوف على يقال المقدر العامل في قولا وهو أقرب وأقل تكلفا لأن حذف القول وقيام معموله مقامه كثير حتى قيل فيه هو البحر حدث عنه ولا حرج، وفيه بحث يظهر بأدنى تأمل، وقيل: إن المذكور من قوله تعالى إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ إلى هنا تفصيل للمجمل السابق أعني قوله تعالى: وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وبني عليه أن المعطوف عليه متضمن لمعنى الطلب على معنى فليمتز المؤمنون عنكم يا أهل المحشر إلى الجنة وامتازوا عنهم إلى النار، وتعقبه في الكشف بأنه ليس بظاهر إذ بأحد الأمرين غنية عن الآخر ثم قال: والوجه أن المقصود عطف جملة قصة أصحاب النار على جملة قصة أصحاب الجنة وأوثرها هنا الطلب زيادة للتهويل والتعنيف ألا ترى إلى قوله تعالى اصْلَوْهَا الْيَوْمَ وإن كان لا بد من التضمين فالمعطوف أولى بأن يجعل في معنى الخبر على معنى وأن المجرمون ممتازون منفردون.
وفائدة العدول ما في الخطاب والطلب من النكتة اه، وما ذكره من حديث أغناه أحد الأمرين عن الآخر سهل لكون الأمر تقديريا مع أن الامتياز الأول على وجه الإكرام وتحقيق الوعد والآخر على وجه الإهانة وتعجيل الوعيد
38
فيفيد كل منهما ما لا يفيده الآخر، نعم قال العلامة أبو السعود في ذلك: إن اعتبار فليمتز المؤمنون وإضماره بمعزل عن السداد لما أن المحكي عنهم ليس مصيرهم إلى ما ذكر من الحال المرضية حتى يتسنى ترتيب الأمر المذكور عليه بل إنما هو استقرارهم عليها بالفعل، وكون ذلك تنزيل المترقب منزلة الواقع لا يجدي نفعا لأن مناط الاعتبار والإضمار انسياق الأفهام إليه وانصباب نظم الكلام عليه فبعد التنزيل المذكور وإسقاط الترقب عن درجة الاعتبار يكون التصدي لإضمار شيء يتعلق به إخراجا للنظم الكريم عن الجزالة بالمرة، والظاهر أنه لا فرق في هذا بين التضمين والإضمار، والذي يغلب على الظن أن ما ذكر لا يفيد أثر من أولوية تقدير فليقروا عينا على تقدير فليمتازوا فليفهم، وقال بعض الأذكياء: يجوز أن يكون امْتازُوا فعلا ماضيا والضمير للمؤمنين أي انفرد المؤمنون عنكم بالفوز بالجنة ونعيمها أيها المجرمون ففيه تحسير لهم والعطف حينئذ من عطف الفعلية الخبرية على الاسمية الخبرية ولا منع منه، وتعقب بأنه مع ما فيه من المخالفة للأسلوب المعروف من وقوع النداء مع الأمر نحو يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا [يوسف: ٢٩] قليل الجدوى وما ذكره من التحسير يكفي فيه ما قبل من ذكر ما هم عليه من التنعم وأيضا المأثور يأبى عنه غاية الإباء وهو كالنص في أن امْتازُوا فعل أمر ولا يكاد يخطر لقارىء ذلك.
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ من جملة ما يقال لهم بطريق التقريع والإلزام والتبكيت بين الأمر بالامتياز والأمر بمقاساة حر جهنم، والعهد الوصية والتقدم بأمر فيه خير ومنفعة، والمراد به هاهنا ما كان منه تعالى على ألسنة الرسل عليهم السلام من الأوامر والنواهي التي من جملتها قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: ٢٧] الآية، وقوله تعالى وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: ١٦٨] وغيرهما من الآيات الواردة في هذا المعنى، وقيل: هو الميثاق المأخوذ عليهم في عالم الذر إذ قال سبحانه لهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] وقيل: هو ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادة الله تعالى الزاجرة عن عبادة غيره. عز وجل فكأنه استعارة لإقامة البراهين والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها ولوقوعها في مقابلة عبادته عز وجل، وجوز أن يراد بها عبادة غير الله تعالى من الآلهة الباطل وإضافتها إلى الشيطان لأنه الآمر بها والمزين لها فالتجوز في النسبة، وقرأ طلحة والهذيل بن شرحبيل الكوفي «اعهد» بكسر الهمزة قاله صاحب اللوامح وقال هي لغة تميم، وهذا الكسر في النون والتاء أكثر من بين أحرف المضارعة وقال ابن عطية قرأ الهذيل وابن وثاب «ألم اعهد» بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء وهي من كسر حرف المضارعة سوى الياء، وروي عن ابن وثاب «ألم أعهد» بكسر الهاء ويقال عهد وعهد اه.
ولعله أراد أن كسر الميم يدل على كسر الهمزة لأن حركة الميم هي الحركة التي نقلت إليها من الهمزة وحذفت الهمزة بعد نقل حركتها لا أن الميم مكسورة والهمزة بعدها مكسورة أيضا فتلفظ بها، وقال الزمخشري: قرىء «اعهد» بكسر الهمزة وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر إلا في الياء و «أعهد» بكسر الهاء وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب و «احهد» بإبدال العين وحدها حاء مهملة و «أحد» بإبدالها مع إبدال الهاء وادغامها وهي لغة تميم ومنه قولهم دحا محا أي دعها معها وما ذكره من قوله: إلا في الياء مبني على بعض اللغات وعن بعض كلب أنهم يكسرون الياء أيضا فيقولون يعلم مثلا وقوله في أحهد وأحد لغة بني تميم هو المشهور، وقيل:
أحهد لغة هذيل وأحد لغة بني تميم وقولهم دحا محا إما يريدوا به دع هذه القربة مع هذه المرأة أودع هذه المرأة مع هذه القربة إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أي ظاهر العداوة وهو تعليل لوجوب الانتهاء، وقيل: تعليل للنهي وعداوة اللعين جاءت من قبل عداوته لآدم عليه السلام والنداء بوصف النبوة لآدم كالتمهيد لهذا التعليل والتأكيد لعدم جريهم على
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ من جملة ما يقال لهم بطريق التقريع والإلزام والتبكيت بين الأمر بالامتياز والأمر بمقاساة حر جهنم، والعهد الوصية والتقدم بأمر فيه خير ومنفعة، والمراد به هاهنا ما كان منه تعالى على ألسنة الرسل عليهم السلام من الأوامر والنواهي التي من جملتها قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: ٢٧] الآية، وقوله تعالى وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: ١٦٨] وغيرهما من الآيات الواردة في هذا المعنى، وقيل: هو الميثاق المأخوذ عليهم في عالم الذر إذ قال سبحانه لهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] وقيل: هو ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادة الله تعالى الزاجرة عن عبادة غيره. عز وجل فكأنه استعارة لإقامة البراهين والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها ولوقوعها في مقابلة عبادته عز وجل، وجوز أن يراد بها عبادة غير الله تعالى من الآلهة الباطل وإضافتها إلى الشيطان لأنه الآمر بها والمزين لها فالتجوز في النسبة، وقرأ طلحة والهذيل بن شرحبيل الكوفي «اعهد» بكسر الهمزة قاله صاحب اللوامح وقال هي لغة تميم، وهذا الكسر في النون والتاء أكثر من بين أحرف المضارعة وقال ابن عطية قرأ الهذيل وابن وثاب «ألم اعهد» بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء وهي من كسر حرف المضارعة سوى الياء، وروي عن ابن وثاب «ألم أعهد» بكسر الهاء ويقال عهد وعهد اه.
ولعله أراد أن كسر الميم يدل على كسر الهمزة لأن حركة الميم هي الحركة التي نقلت إليها من الهمزة وحذفت الهمزة بعد نقل حركتها لا أن الميم مكسورة والهمزة بعدها مكسورة أيضا فتلفظ بها، وقال الزمخشري: قرىء «اعهد» بكسر الهمزة وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر إلا في الياء و «أعهد» بكسر الهاء وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب و «احهد» بإبدال العين وحدها حاء مهملة و «أحد» بإبدالها مع إبدال الهاء وادغامها وهي لغة تميم ومنه قولهم دحا محا أي دعها معها وما ذكره من قوله: إلا في الياء مبني على بعض اللغات وعن بعض كلب أنهم يكسرون الياء أيضا فيقولون يعلم مثلا وقوله في أحهد وأحد لغة بني تميم هو المشهور، وقيل:
أحهد لغة هذيل وأحد لغة بني تميم وقولهم دحا محا إما يريدوا به دع هذه القربة مع هذه المرأة أودع هذه المرأة مع هذه القربة إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أي ظاهر العداوة وهو تعليل لوجوب الانتهاء، وقيل: تعليل للنهي وعداوة اللعين جاءت من قبل عداوته لآدم عليه السلام والنداء بوصف النبوة لآدم كالتمهيد لهذا التعليل والتأكيد لعدم جريهم على
39
مقتضى العلم فهم والمنكرون سواء وَأَنِ اعْبُدُونِي عطف على أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ على أن أَنِ فيها مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه أو مصدرية حذف عنها الجار أي ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان وفي عبادتي وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية قيل: وليتصل به قوله تعالى:
هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى لأنه المعروف في الصراط المستقيم. وجعل بعضهم الاشارة إلى ما عهد إليهم من ترك عبادة الشيطان وفعل عبادة الله عز وجل.
ورجح بأن عبادته تعالى إذا لم تنفرد عن عبادة غيره سبحانه لا تسمى صراطا مستقيما فتأمل والجملة استئنافية جيء بها لبيان المقتضى للعهد بعبادته تعالى أو للعهد بشقيه والتنكير للمبالغة والتعظيم أي هذا صراط بليغ في استقامته جامع لكل ما يجب أن يكون عليه واصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف ولذا لم يقل هذا الصراط المستقيم أو هذا هو الصراط المستقيم وإن كان مفيدا للحصر، وجوز أن يكون التنكير للتبعيض على معنى هذا بعض الصراط المستقيمة وهو للهضم من حقه على الكلام المنصف، وفيه ادماج التوبيخ على معنى أنه لو كان بعض الصراط الموصوفة بالاستقامة لكفى ذلك في انتهاجه كيف وهو الأصل والعدة كما قيل:
وفيه أن المطلوب الاستقامة والأمر دائر معها وقليلها كثير وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً استئناف مسوق لتشديد التوبيخ وتأكيد التقريع ببيان عدم اتعاظهم بغيرهم أثر بيان نقضهم العهد فالخطاب لمتأخريهم الذين من جملتهم كفار خصوا بزيادة التوبيخ والتقريع لتضاعف جناياتهم، وإسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء.
والجبل- قال الراغب- الجماعة العظيمة أطلق عليهم تشبيها بالجبل في العظم، وعن الضحاك أقل الجبل وهي الأمة العظيمة عشرة آلاف، وفسره بعضهم بالجماعة وبعض بالأمة بدون الوصف وقيل هو الطبع المخلوق عليه الذي لا ينتقل كأنه جبل وهو هنا خلاف الظاهر.
وقرأ العربيان، والهذيل «جبلا» بضم اليم وإسكان الباء. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بضمتين مع تخفيف اللام والحسن وابن أبي إسحاق والزهري وابن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير وحفص بن حميد بضمتين وتشديد اللام، والأشهب العقيلي واليماني وحماد بن سلمة عن عاصم بكسر الجيم وسكون الباء، والأعمش بكسرتين وتخفيف اللام جمع جبلة نحر فطرة وفطر، وقرأ أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه وبعض الخراسانيين «جيلا» بكسر الجيم بعدها ياء آخر الحروف واحد الأجيال وهو الصنف من الناس كالعرب والروم.
أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ عطف على مقدر يقتضيه المقام أي أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون أنها لضلالهم أو فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم.
وقرأ طلحة وعيسى وعاصم في رواية عبد بن حميد عنه بياء الغيبة فالضمير للجبل.
وقوله تعالى: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ استئناف يخاطبون به بعد تمام التوبيخ والتقريع والإلزام والتبكيت عند إشرافهم على شفير جهنم أي هذه التي ترونها جهنم التي لم تزالوا توعدون بدخولها على ألسنة الرسل عليهم السلام والمبلغين عنهم بمقابلة عبادة الشيطان اصْلَوْهَا الْيَوْمَ أمر تحقير وإهانة كقوله تعالى ذُقْ إِنَّكَ
هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى لأنه المعروف في الصراط المستقيم. وجعل بعضهم الاشارة إلى ما عهد إليهم من ترك عبادة الشيطان وفعل عبادة الله عز وجل.
ورجح بأن عبادته تعالى إذا لم تنفرد عن عبادة غيره سبحانه لا تسمى صراطا مستقيما فتأمل والجملة استئنافية جيء بها لبيان المقتضى للعهد بعبادته تعالى أو للعهد بشقيه والتنكير للمبالغة والتعظيم أي هذا صراط بليغ في استقامته جامع لكل ما يجب أن يكون عليه واصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف ولذا لم يقل هذا الصراط المستقيم أو هذا هو الصراط المستقيم وإن كان مفيدا للحصر، وجوز أن يكون التنكير للتبعيض على معنى هذا بعض الصراط المستقيمة وهو للهضم من حقه على الكلام المنصف، وفيه ادماج التوبيخ على معنى أنه لو كان بعض الصراط الموصوفة بالاستقامة لكفى ذلك في انتهاجه كيف وهو الأصل والعدة كما قيل:
وأقول بعض الناس عنك كناية | خوف الوشاة وأنت كل الناس |
والجبل- قال الراغب- الجماعة العظيمة أطلق عليهم تشبيها بالجبل في العظم، وعن الضحاك أقل الجبل وهي الأمة العظيمة عشرة آلاف، وفسره بعضهم بالجماعة وبعض بالأمة بدون الوصف وقيل هو الطبع المخلوق عليه الذي لا ينتقل كأنه جبل وهو هنا خلاف الظاهر.
وقرأ العربيان، والهذيل «جبلا» بضم اليم وإسكان الباء. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بضمتين مع تخفيف اللام والحسن وابن أبي إسحاق والزهري وابن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير وحفص بن حميد بضمتين وتشديد اللام، والأشهب العقيلي واليماني وحماد بن سلمة عن عاصم بكسر الجيم وسكون الباء، والأعمش بكسرتين وتخفيف اللام جمع جبلة نحر فطرة وفطر، وقرأ أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه وبعض الخراسانيين «جيلا» بكسر الجيم بعدها ياء آخر الحروف واحد الأجيال وهو الصنف من الناس كالعرب والروم.
أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ عطف على مقدر يقتضيه المقام أي أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون أنها لضلالهم أو فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العذاب الأليم.
وقرأ طلحة وعيسى وعاصم في رواية عبد بن حميد عنه بياء الغيبة فالضمير للجبل.
وقوله تعالى: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ استئناف يخاطبون به بعد تمام التوبيخ والتقريع والإلزام والتبكيت عند إشرافهم على شفير جهنم أي هذه التي ترونها جهنم التي لم تزالوا توعدون بدخولها على ألسنة الرسل عليهم السلام والمبلغين عنهم بمقابلة عبادة الشيطان اصْلَوْهَا الْيَوْمَ أمر تحقير وإهانة كقوله تعالى ذُقْ إِنَّكَ
40
أَنْتَ
[الدخان: ٤٩] إلخ أي قاسوا حرها في هذا اليوم الذي لم تستعدوا له، وقال أبو مسلم: أي صيروا صلاها أو وقودها.
وقال الطبرسي: ألزموا العذاب بها وأصل الصلا اللزوم ومنه المصلى الذي يجيء في أثر السابق للزومه أثره.
بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ كفركم المستمر في الدنيا فالباء للسببية وما مصدرية واحتمال كونها موصولة بعيد.
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ كناية عن منعهم من التكلم، ولا مانع من أن يكون هناك ختم على أفواههم حقيقة.
وجوز أن يكون الختم مستعارا لمعنى المنع بأن يشبه أحداث حالة في أفواههم مانعة من التكلم بالختم الحقيقي ثم يستعار له الختم ويشتق منه نختم فالاستعارة تبعية أي اليوم نمنع أفواههم من الكلام منعا شبيها بالختم، والأول أولى في نظري وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي بالذي استمروا على كسبه في الدنيا وكأن الجار والمجرور قد تنازع فيه تكلم وتشهد، ولعل المعنى والله تعالى أعلم تكلمنا أيديهم بالذي استمروا على عمله ولم يتوبوا عنه وتخبرنا به وتقول فعلوا بنا وبواسطتنا كذا وكذا وتشهد عليهم أرجلهم بذلك.
ونسبة التكليم إلى الأيدي دون الشهادة لمزيد اختصاصها بمباشرة الأعمال حتى أنها كثر نسبة العمل إليها بطريق الفاعلية كما في قوله تعالى: وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ
[النبأ: ٤٠] وقوله سبحانه وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ [يس: ٣٥] وقوله عز وجل بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: ٤١] وقوله جل وعلا فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: ٣٠] إلى غير ذلك ولا كذلك إلا رجل فكانت الشهادة أنسب بها لما أنها لم تضف إليها الأعمال فكانت كالأجنبية، وكان التكليم أنسب بالأيدي لكثرة مباشرتها الأعمال وإضافتها إليها فكأنها هي العاملة، هذا مع ما في جمع التكليم مع الختم على الأفواه المراد منه المنع من التكلم من الحسن.
وكأنه سبحانه لما صدر آية النور وهي قوله تعالى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ [النور: ٢٤] بالشهادة وذكر جل وعلا الأعضاء من الأعالي إلى الأسافل أسندها إلى الجميع ولم يخص سبحانه الأيدي بالتكليم لوقوعها بين الشهود مع أن ما يصدر منها شهادة أيضا في الحقيقة فإن كونها عاملة ليس على الحقيقة بل هي آلة والعامل هو الإنسان حقيقة وكان اعتبار الشهادة من المصدر هناك أوفق بالمقام لسبق قصة الإفك وما يتعلق لها ولذا نص فيها على الألسنة ولم ينص هاهنا عليها بل الآية ساكتة عن الإفصاح بأمرها من الشهادة وعدمها، والختم على الأفواه ليس بعدم شهادتها إذ المراد منه منع المحدث عنهم عن التكلم بألسنتهم وهو أمر وراء تكلم الألسنة أنفسها وشهادتها بأن يجعل فيها علم وإرادة وقدرة على التكلم فتتكلم هي وتشهد بما تشهد وأصحابها مختوم على أفواههم لا يتكلمون.
ومنه يعلم أن آية النور ليس فيها ما هو نص في عدم الختم على الأفواه، نعم الظاهر هناك أن لا ختم وهنا أن لا شهادة من الألسنة، وعلى هذا الظاهر يجوز أن يكون المحدث عنه في الآيتين واحدا بأن يختم على أفواههم وتنطق أيديهم وأرجلهم أولا ثم يرفع الختم وتشهد ألسنتهم أما مع تجدد ما يكون من الأيدي والأرجل أو مع عدمه والاكتفاء بما كان قبل منهما وذلك أما في مقام واحد من مقامات يوم القيامة أو في مقامين، وليس في كل من الآيتين ما يدل على الحصر ونفي شهادة غير ما ذكر من الأعضاء فلا منافاة بينهما وبين قوله تعالى حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت: ٢٠] فيجوز أن يكون هناك شهادة السمع والأبصار والألسنة والأيدي والأرجل وسائر الأعضاء كما يشعر بهذا ظاهر قوله تعالى والجلود في آية السجدة لكن لم يذكر
[الدخان: ٤٩] إلخ أي قاسوا حرها في هذا اليوم الذي لم تستعدوا له، وقال أبو مسلم: أي صيروا صلاها أو وقودها.
وقال الطبرسي: ألزموا العذاب بها وأصل الصلا اللزوم ومنه المصلى الذي يجيء في أثر السابق للزومه أثره.
بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ كفركم المستمر في الدنيا فالباء للسببية وما مصدرية واحتمال كونها موصولة بعيد.
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ كناية عن منعهم من التكلم، ولا مانع من أن يكون هناك ختم على أفواههم حقيقة.
وجوز أن يكون الختم مستعارا لمعنى المنع بأن يشبه أحداث حالة في أفواههم مانعة من التكلم بالختم الحقيقي ثم يستعار له الختم ويشتق منه نختم فالاستعارة تبعية أي اليوم نمنع أفواههم من الكلام منعا شبيها بالختم، والأول أولى في نظري وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي بالذي استمروا على كسبه في الدنيا وكأن الجار والمجرور قد تنازع فيه تكلم وتشهد، ولعل المعنى والله تعالى أعلم تكلمنا أيديهم بالذي استمروا على عمله ولم يتوبوا عنه وتخبرنا به وتقول فعلوا بنا وبواسطتنا كذا وكذا وتشهد عليهم أرجلهم بذلك.
ونسبة التكليم إلى الأيدي دون الشهادة لمزيد اختصاصها بمباشرة الأعمال حتى أنها كثر نسبة العمل إليها بطريق الفاعلية كما في قوله تعالى: وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ
[النبأ: ٤٠] وقوله سبحانه وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ [يس: ٣٥] وقوله عز وجل بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: ٤١] وقوله جل وعلا فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: ٣٠] إلى غير ذلك ولا كذلك إلا رجل فكانت الشهادة أنسب بها لما أنها لم تضف إليها الأعمال فكانت كالأجنبية، وكان التكليم أنسب بالأيدي لكثرة مباشرتها الأعمال وإضافتها إليها فكأنها هي العاملة، هذا مع ما في جمع التكليم مع الختم على الأفواه المراد منه المنع من التكلم من الحسن.
وكأنه سبحانه لما صدر آية النور وهي قوله تعالى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ [النور: ٢٤] بالشهادة وذكر جل وعلا الأعضاء من الأعالي إلى الأسافل أسندها إلى الجميع ولم يخص سبحانه الأيدي بالتكليم لوقوعها بين الشهود مع أن ما يصدر منها شهادة أيضا في الحقيقة فإن كونها عاملة ليس على الحقيقة بل هي آلة والعامل هو الإنسان حقيقة وكان اعتبار الشهادة من المصدر هناك أوفق بالمقام لسبق قصة الإفك وما يتعلق لها ولذا نص فيها على الألسنة ولم ينص هاهنا عليها بل الآية ساكتة عن الإفصاح بأمرها من الشهادة وعدمها، والختم على الأفواه ليس بعدم شهادتها إذ المراد منه منع المحدث عنهم عن التكلم بألسنتهم وهو أمر وراء تكلم الألسنة أنفسها وشهادتها بأن يجعل فيها علم وإرادة وقدرة على التكلم فتتكلم هي وتشهد بما تشهد وأصحابها مختوم على أفواههم لا يتكلمون.
ومنه يعلم أن آية النور ليس فيها ما هو نص في عدم الختم على الأفواه، نعم الظاهر هناك أن لا ختم وهنا أن لا شهادة من الألسنة، وعلى هذا الظاهر يجوز أن يكون المحدث عنه في الآيتين واحدا بأن يختم على أفواههم وتنطق أيديهم وأرجلهم أولا ثم يرفع الختم وتشهد ألسنتهم أما مع تجدد ما يكون من الأيدي والأرجل أو مع عدمه والاكتفاء بما كان قبل منهما وذلك أما في مقام واحد من مقامات يوم القيامة أو في مقامين، وليس في كل من الآيتين ما يدل على الحصر ونفي شهادة غير ما ذكر من الأعضاء فلا منافاة بينهما وبين قوله تعالى حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت: ٢٠] فيجوز أن يكون هناك شهادة السمع والأبصار والألسنة والأيدي والأرجل وسائر الأعضاء كما يشعر بهذا ظاهر قوله تعالى والجلود في آية السجدة لكن لم يذكر
41
بعض من ذلك في بعض من الآيات اكتفاء بذكره في البعض الآخر منها أو دلالته عليه بوجه، ويجوز أن يكون المحدث عنه في كل طائفة من الناس، وقد جعل بعضهم المحدث عنه في آية السجدة قوم ثمود، وحمل أعداء الله عليهم بقوله تعالى بعد وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [فصلت ٢٥] ولا يبعد أن يكون المحدث عنه في آية النور أصحاب الإفك من المنافقين والذين يرمون المحصنات ثم إن آية السجدة ظاهرة في أن الشهادة عند المجيء إلى النار وآية النور ليس فيها ما يدل على ذلك، وأما هذه الآية فيشعر كلام البعض بأن الختم والشهادة فيها بعد خطاب المحدث عنهم بقوله تعالى هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ فيكون ذلك عند المجيء إلى النار أيضا، قال في إرشاد العقل السليم: إن قوله تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ إلخ التفات إلى الغيبة للإيذان بأن ذكر أحوالهم القبيحة استدعى أن يعرض عنهم وتحكى أحوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الإيماء إلى أن ذلك من مقتضيات الختم لأن الخطاب لتلقي الجواب وقد انقطع بالكلية، لكن قال في موضع آخر:
إن الشهادة تتحقق في موقف الحساب لا بعد تمام السؤال والجواب وسوقهم إلى النار، والأخبار ظاهرة في ذلك.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري من حديث «يدعي الكافر والمنافق للحساب فيعرض ربه عليه عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته فإذا فعل ذلك ختم علي فيه فإني أحسب أول ما تنطق منه فخذه اليمنى ثم تلا اليوم تختم على أفواههم الآية»
وفي حديث أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعا «إنه يلقى العبد ربه فيقول الله تعالى له أي فل ألم أكرمك إلى أن قال صلّى الله عليه وسلم فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول: ألا نبعث شاهدنا عليك فيفكر في نفسه من الذي يشهد علي فيختم علي فيه ويقال لفخذه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله».
وفي بعض الأخبار ما يدل على أن العبد يطلب شاهدا منه فيختم على فيه،
أخرج أحمد ومسلم وابن أبي الدنيا واللفظ له عن أنس في قوله تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ قال كنا عند النبي صلّى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه قال: أتدرون مم ضحكت؟ قلنا: لا يا رسول الله قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟
فيقول: بلى فيقول: إني لا أجيز علىّ إلّا شاهدا مني فيقول كفى بنفسك عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل»
والجمع بالتزام القول بالتعدد فتارة يكون ذلك عند الحساب وأخرى عند النار والقول باختلاف أحوال الناس فيما ذكر.
وما تقدم في حديث أبي موسى من أن الفخذ اليمنى أول ما تنطق على ما يحسب جزم به الحسن،
وأخرج أحمد وجماعة عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال»
ثم الظاهر أن التكلم والشهادة بنطق حقيقة وذلك بعد إعطاء الله تعالى الأعضاء حياة وعلما وقدرة فيرد بذلك على من زعم أن البينة المخصوصة شرط فيما ذكر وإسناد الختم إليه تعالى دون ما بعد قيل لئلا يحتمل الجبر على الشهادة والكلام فدل على ذلك باختيار الأعضاء المذكورة بعد أقدار الله تعالى فإنه أدل على تفضيح المحدث عنهم، وهل يشهد كل عضو بما فعل به أو يشهد بذلك وبما فعل بغيره فيه خلاف والثاني أبلغ في التفظيع، والعلم بالمشهود به يحتمل أن يكون حصوله بخلق الله تعالى إياه في ذلك الوقت ولا يكون حاصلا في الدنيا ويحتمل أن يكون حصوله في الدنيا بأن تكون الأعضاء قد خلق الله تعالى فيها الإدراك فهي تدرك الأفعال كما يدركها الفاعل فإذا كان يوم القيامة رد الله تعالى لها ما كان وجعلها مستحضرة لما عملته أولا وأنطقها نطقا يفقهه المشهود
إن الشهادة تتحقق في موقف الحساب لا بعد تمام السؤال والجواب وسوقهم إلى النار، والأخبار ظاهرة في ذلك.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري من حديث «يدعي الكافر والمنافق للحساب فيعرض ربه عليه عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته فإذا فعل ذلك ختم علي فيه فإني أحسب أول ما تنطق منه فخذه اليمنى ثم تلا اليوم تختم على أفواههم الآية»
وفي حديث أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعا «إنه يلقى العبد ربه فيقول الله تعالى له أي فل ألم أكرمك إلى أن قال صلّى الله عليه وسلم فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول: ألا نبعث شاهدنا عليك فيفكر في نفسه من الذي يشهد علي فيختم علي فيه ويقال لفخذه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله».
وفي بعض الأخبار ما يدل على أن العبد يطلب شاهدا منه فيختم على فيه،
أخرج أحمد ومسلم وابن أبي الدنيا واللفظ له عن أنس في قوله تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ قال كنا عند النبي صلّى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه قال: أتدرون مم ضحكت؟ قلنا: لا يا رسول الله قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟
فيقول: بلى فيقول: إني لا أجيز علىّ إلّا شاهدا مني فيقول كفى بنفسك عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل»
والجمع بالتزام القول بالتعدد فتارة يكون ذلك عند الحساب وأخرى عند النار والقول باختلاف أحوال الناس فيما ذكر.
وما تقدم في حديث أبي موسى من أن الفخذ اليمنى أول ما تنطق على ما يحسب جزم به الحسن،
وأخرج أحمد وجماعة عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال»
ثم الظاهر أن التكلم والشهادة بنطق حقيقة وذلك بعد إعطاء الله تعالى الأعضاء حياة وعلما وقدرة فيرد بذلك على من زعم أن البينة المخصوصة شرط فيما ذكر وإسناد الختم إليه تعالى دون ما بعد قيل لئلا يحتمل الجبر على الشهادة والكلام فدل على ذلك باختيار الأعضاء المذكورة بعد أقدار الله تعالى فإنه أدل على تفضيح المحدث عنهم، وهل يشهد كل عضو بما فعل به أو يشهد بذلك وبما فعل بغيره فيه خلاف والثاني أبلغ في التفظيع، والعلم بالمشهود به يحتمل أن يكون حصوله بخلق الله تعالى إياه في ذلك الوقت ولا يكون حاصلا في الدنيا ويحتمل أن يكون حصوله في الدنيا بأن تكون الأعضاء قد خلق الله تعالى فيها الإدراك فهي تدرك الأفعال كما يدركها الفاعل فإذا كان يوم القيامة رد الله تعالى لها ما كان وجعلها مستحضرة لما عملته أولا وأنطقها نطقا يفقهه المشهود
42
عليه، وهذا نحو ما قالوا من تسبيح جميع الأشياء بلسان القال والله تعالى على كل شيء قدير والعقل لا يحيل ذلك وليس هو بأبعد من خلق الله تعالى فيها العلم والارادة والقدرة حتى تنطق يوم القيامة فمن يؤمن بهذا فليؤمن بذلك، والتشبث بذيل الاستبعاد يجر إلى إنكار الحشر بالكلية والعياذ بالله تعالى أو تأويله بما أوله به الباطنية الذين قتل واحد منهم- قال حجة الإسلام الغزالي- أفضل من قتل مائة كافر، وعلى هذا تكون الآية من مؤيدات القول بالتسبيح القالي للجمادات ونحوها، وعلى الاحتمال الأول يؤيد القول بجواز شهادة الشاهد إذا حصل عنده العلم الذي يقطع به بأي وجه حصل وإن لم يشهد ذلك ولا حضره، وقد أفاد الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره المسمى بإيجاز البيان في ترجمة القرآن إن قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: ١٤٣] يفيد جواز ذلك، وذكر فيه أن الشاهد يأثم إن لم يشهد بعلمه، ولا يخفى عليك ما للفقهاء في المسألة من الكلام، وكأن الشهادة على الاحتمال الثاني بعد الاستشهاد بأن يقال للأركان ألم يفعل كذا فتقول بلى فعل.
ويمكن أن تكون بعد أن تؤمر الأركان بالشهادة بأن يقال لها اشهدي بما فعلوا فتشهد معددة أفعالهم، وهذا إما بأن تذكر جميع أفعالهم من المعاصي وغيرها غير مميزة المعصية عن غيرها، وكون ذلك شهادة عليهم باعتبار الواقع لتضمنها ضررهم بذكر ما هو معصية في نفس الأمر، وإما بأن تذكر المعاصي فقط، وهذا يحتاج إلى التزام القول بأن الأركان تميز في الدنيا ما كان معصية من الأفعال ما لم يكن كذلك ولا أظنك تقول به ولم أسمع أن أحدا يدعيه.
وذهب بعضهم إلى أن تكليم الأركان وشهادتها دلالتها على أفعالها وظهور آثار المعاصي عليها بأن يبدل الله تعالى هيئاتها بأخرى يفهم منها أهل الحشر ويستدلون بها على ما صدر منهم فجعلت الدلالة الخالية بمنزلة المقالية مجازا، وفيه أنه لا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة لا سيما وما يأتي في سورة السجدة من قوله تعالى قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
[فصلت: ٢١] ظاهر جدا في النطق القالي والأخبار أظهر وأظهر، نعم يهون على هذا القول أمر الاستبعاد ولا يكاد يترك لأجله الظواهر العلماء الأمجاد، وهذا والآية كالظاهرة في تكليف الكفار بالفروع إذ لو لم يكونوا مكلفين بها لا فائدة في شهادة الأعضاء بما كسبوا، وإتمام الحجة عليهم بها وتخصيص ما كسبوا بالكفر مما لا يكاد يلتفت إليه ولا أظن أن أحدا يقول به بل ربما يدعي تخصيصه بما سوى الكفر بناء على أنه من أفعال القلب دون الأعضاء التي تشهد لكن الذي يترجح في نظري العموم.
وشهادتها به إما بشهادتها بما يدل عليه من الأفعال البدنية والأقوال اللسانية أو بالعلم الضروري الذي يخلقه الله تعالى لها ذلك اليوم أو بالعلم الحاصل لها بخلق لله تعالى في الدنيا فتعلمه بواسطة الأفعال والأقوال الدالة عليه أو بطريق آخر يعلمه الله تعالى، وهي ظاهرة في أن الحشر يكون بأجزاء البدن الأصلية لا ببدن آخر ليس فيه الأجزاء الأصلية للبدن الذي كان في الدنيا إذ أركان ذلك البدن لم تكن الأعمال السيئة معمولة بها فلا يحسن الشهادة بها منها فليحفظ. وقرىء «يختم» مبنيا للمفعول «وتتكلم أيديهم» بتاءين، وقرىء «ولتكلمنا أيديهم ولتشهد أرجلهم» بلام الأمر على أن الله تعالى يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة. وروى عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده طلحة أنه قرأ «ولتكلمنا أيديهم ولتشهد» بلام كي والنصب على معنى لتكليم الأيدي إيانا ولشهادة الأرجل نختم على أفواههم وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ بيان أنهم اليوم في قبضة القدرة ومستحقون للعذاب إلا أن عز وجل لم يشأ ذلك لحكمته جل وعلا الباهرة، والطمس إزالة الأثر بالمحو، والمعنى لو نشاء الطمس على أعينهم وإزالة ضوئها وصورتها بالكلية بحيث تعود ممسوحة لطمسنا عليها وأذهبنا أثرها.
وجوز أن يراد بالطمس إذهاب الضوء من غير إذهاب العضو وأثره أي ولو نشاء لأعميناهم، وإيثار صيغة
ويمكن أن تكون بعد أن تؤمر الأركان بالشهادة بأن يقال لها اشهدي بما فعلوا فتشهد معددة أفعالهم، وهذا إما بأن تذكر جميع أفعالهم من المعاصي وغيرها غير مميزة المعصية عن غيرها، وكون ذلك شهادة عليهم باعتبار الواقع لتضمنها ضررهم بذكر ما هو معصية في نفس الأمر، وإما بأن تذكر المعاصي فقط، وهذا يحتاج إلى التزام القول بأن الأركان تميز في الدنيا ما كان معصية من الأفعال ما لم يكن كذلك ولا أظنك تقول به ولم أسمع أن أحدا يدعيه.
وذهب بعضهم إلى أن تكليم الأركان وشهادتها دلالتها على أفعالها وظهور آثار المعاصي عليها بأن يبدل الله تعالى هيئاتها بأخرى يفهم منها أهل الحشر ويستدلون بها على ما صدر منهم فجعلت الدلالة الخالية بمنزلة المقالية مجازا، وفيه أنه لا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة لا سيما وما يأتي في سورة السجدة من قوله تعالى قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
[فصلت: ٢١] ظاهر جدا في النطق القالي والأخبار أظهر وأظهر، نعم يهون على هذا القول أمر الاستبعاد ولا يكاد يترك لأجله الظواهر العلماء الأمجاد، وهذا والآية كالظاهرة في تكليف الكفار بالفروع إذ لو لم يكونوا مكلفين بها لا فائدة في شهادة الأعضاء بما كسبوا، وإتمام الحجة عليهم بها وتخصيص ما كسبوا بالكفر مما لا يكاد يلتفت إليه ولا أظن أن أحدا يقول به بل ربما يدعي تخصيصه بما سوى الكفر بناء على أنه من أفعال القلب دون الأعضاء التي تشهد لكن الذي يترجح في نظري العموم.
وشهادتها به إما بشهادتها بما يدل عليه من الأفعال البدنية والأقوال اللسانية أو بالعلم الضروري الذي يخلقه الله تعالى لها ذلك اليوم أو بالعلم الحاصل لها بخلق لله تعالى في الدنيا فتعلمه بواسطة الأفعال والأقوال الدالة عليه أو بطريق آخر يعلمه الله تعالى، وهي ظاهرة في أن الحشر يكون بأجزاء البدن الأصلية لا ببدن آخر ليس فيه الأجزاء الأصلية للبدن الذي كان في الدنيا إذ أركان ذلك البدن لم تكن الأعمال السيئة معمولة بها فلا يحسن الشهادة بها منها فليحفظ. وقرىء «يختم» مبنيا للمفعول «وتتكلم أيديهم» بتاءين، وقرىء «ولتكلمنا أيديهم ولتشهد أرجلهم» بلام الأمر على أن الله تعالى يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة. وروى عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده طلحة أنه قرأ «ولتكلمنا أيديهم ولتشهد» بلام كي والنصب على معنى لتكليم الأيدي إيانا ولشهادة الأرجل نختم على أفواههم وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ بيان أنهم اليوم في قبضة القدرة ومستحقون للعذاب إلا أن عز وجل لم يشأ ذلك لحكمته جل وعلا الباهرة، والطمس إزالة الأثر بالمحو، والمعنى لو نشاء الطمس على أعينهم وإزالة ضوئها وصورتها بالكلية بحيث تعود ممسوحة لطمسنا عليها وأذهبنا أثرها.
وجوز أن يراد بالطمس إذهاب الضوء من غير إذهاب العضو وأثره أي ولو نشاء لأعميناهم، وإيثار صيغة
43
الاستقبال وإن كان المعنى على المضي لإفادة أن عدم الطمس على أعينهم لاستمرار عدم المشيئة فإن المضارع المنفي الواقع موقع المضي ليس بنص في إفادة انتفاء استمرار الفعل بل قد يفيد استمرار انتفائه.
وقوله تعالى: فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ عطف على لَطَمَسْنا على الفرض والصراط منصوب بنزع الخافض أي فأرادوا الاستباق إلى الطريق الواضح المألوف لهم فَأَنَّى يُبْصِرُونَ أي فكيف يبصرون ذلك الطريق وجهة السلوك والمقصود إنكار أبصارهم، وحاصله لو نشاء لأذهبنا أحداقهم وأبصارهم فلو أرادوا الاستباق وسلوك الطريق الذي اعتادوا سلوكه لا يقدرون عليه ولا يبصرونه، وتأويل استبقوا بأرادوا الاستباق مما ذهب إليه البعض، وقيل لا حاجة لتأويله فإن الأعمى يجوز شروعه في السباق، ونصب الصِّراطَ بنزع الخافض ولم ينصب على الظرفية لأنه كالطريق مكان مختص ومثله لا ينتصب على الظرفية، وجوز كونه مفعولا به لتضمين استبقوا معنى ابتدروا، ونقل عن الأساس في قسم الحقيقة فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ ابتدروه، قال في الكشف: شبيه لا تضمين، وادعى بعضهم توهم دعوى أن ذلك معنى حقيقي وصاحب الأساس إنما ذكره في آخر قسم المجاز والمعنى لو شئنا لفعلنا ما فعلنا في أعينهم فلو أرادوا الاستباق متبدرين الطريق لا يبصرون، وقيل يجوز كونه مفعولا به على أن استبقوا بمعنى سبقوا ويجعل الطريق مسبوقا على التجوز في النسبة أو الاستعارة المكنية أو على أنه بمعنى جاوزوا، قال في القاموس: استبق الصراط جاوزه وظاهره أنه حقيقة في ذلك، وقال غير واحد: هو مجاز والعلاقة اللزوم، والمعنى ولو نشاء لفعلنا ما فعلنا في أعينهم فلو طالبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقا يعني أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك كما ترى العميان يهتدون فيما ألفوا وضربوا به من المقاصد دون غيرها. وذهب ابن الطراوة إلى أن الصراط والطريق وما أشبههما من الظروف المكانية ليست مختصة فيجوز انتصابها على الظرفية، وهذا خلاف ما صرح به سيبويه وجعل انتصابها على الظرفية من الشذوذ وأنشد:
والمعنى في الآية لو انتصب على الظرفية لو نشاء لفعلنا ما فعلنا في أعينهم فلو أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف كما كان ذلك هجيراهم لم يستطيعوا، وحمل الأعين على ما هو الظاهر منها أعني الأعضاء المعروفة والصراط على الطريق المحسوس هو المروي عن الحسن وقتادة، وعن ابن عباس حمل الأعين على البصائر والصراط على الطريق المعقول.
أخرج ابن جرير وجماعة عنه أنه قال: ولو نشاء لطمسنا على أعينهم أعميناهم وأضللناهم عن الهدى فأنّى يبصرون فكيف يهتدون وهو خلاف الظاهر. وقرأ عيسى «فاستبقوا» على الأمر وهو على إضمار القول أي فيقال لهم استبقوا وهو أمر تعجيز إذ لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ أي لحولنا صورهم إلى صور أخرى قبيحة. عن ابن عباس أي لمسخناهم قردة وخنازير، وقيل: لمسخناهم حجارة وروي ذلك عن أبي صالح، ويعلم من هذا الخلاف أن في مسخ الحيوان المخصوص لا يشترط بقاء الصورة الحيوانية، وسمي بعضهم قلب الحيوان جمادا رسخا وقلبه نباتا فسخا وخص المسخ بقلبه حيوانا آخر، ومفعول المشيئة على قياس السابق أي ولو نشاء مسخهم على مكانتهم لمسخناهم عَلى مَكانَتِهِمْ أي مكانهم كالمقامة والمقام.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في معنى الآية لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم.
وقال الحسن وقتادة وجماعة المعنى لو نشاء لأقعدناهم وأزمناهم وجعلناهم كسحا لا يقومون. وقرأ الحسن وأبو
وقوله تعالى: فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ عطف على لَطَمَسْنا على الفرض والصراط منصوب بنزع الخافض أي فأرادوا الاستباق إلى الطريق الواضح المألوف لهم فَأَنَّى يُبْصِرُونَ أي فكيف يبصرون ذلك الطريق وجهة السلوك والمقصود إنكار أبصارهم، وحاصله لو نشاء لأذهبنا أحداقهم وأبصارهم فلو أرادوا الاستباق وسلوك الطريق الذي اعتادوا سلوكه لا يقدرون عليه ولا يبصرونه، وتأويل استبقوا بأرادوا الاستباق مما ذهب إليه البعض، وقيل لا حاجة لتأويله فإن الأعمى يجوز شروعه في السباق، ونصب الصِّراطَ بنزع الخافض ولم ينصب على الظرفية لأنه كالطريق مكان مختص ومثله لا ينتصب على الظرفية، وجوز كونه مفعولا به لتضمين استبقوا معنى ابتدروا، ونقل عن الأساس في قسم الحقيقة فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ ابتدروه، قال في الكشف: شبيه لا تضمين، وادعى بعضهم توهم دعوى أن ذلك معنى حقيقي وصاحب الأساس إنما ذكره في آخر قسم المجاز والمعنى لو شئنا لفعلنا ما فعلنا في أعينهم فلو أرادوا الاستباق متبدرين الطريق لا يبصرون، وقيل يجوز كونه مفعولا به على أن استبقوا بمعنى سبقوا ويجعل الطريق مسبوقا على التجوز في النسبة أو الاستعارة المكنية أو على أنه بمعنى جاوزوا، قال في القاموس: استبق الصراط جاوزه وظاهره أنه حقيقة في ذلك، وقال غير واحد: هو مجاز والعلاقة اللزوم، والمعنى ولو نشاء لفعلنا ما فعلنا في أعينهم فلو طالبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقا يعني أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك كما ترى العميان يهتدون فيما ألفوا وضربوا به من المقاصد دون غيرها. وذهب ابن الطراوة إلى أن الصراط والطريق وما أشبههما من الظروف المكانية ليست مختصة فيجوز انتصابها على الظرفية، وهذا خلاف ما صرح به سيبويه وجعل انتصابها على الظرفية من الشذوذ وأنشد:
لدن بهز الكف يعسل متنه | فيه كما عسل الطريق الثعلب |
أخرج ابن جرير وجماعة عنه أنه قال: ولو نشاء لطمسنا على أعينهم أعميناهم وأضللناهم عن الهدى فأنّى يبصرون فكيف يهتدون وهو خلاف الظاهر. وقرأ عيسى «فاستبقوا» على الأمر وهو على إضمار القول أي فيقال لهم استبقوا وهو أمر تعجيز إذ لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ أي لحولنا صورهم إلى صور أخرى قبيحة. عن ابن عباس أي لمسخناهم قردة وخنازير، وقيل: لمسخناهم حجارة وروي ذلك عن أبي صالح، ويعلم من هذا الخلاف أن في مسخ الحيوان المخصوص لا يشترط بقاء الصورة الحيوانية، وسمي بعضهم قلب الحيوان جمادا رسخا وقلبه نباتا فسخا وخص المسخ بقلبه حيوانا آخر، ومفعول المشيئة على قياس السابق أي ولو نشاء مسخهم على مكانتهم لمسخناهم عَلى مَكانَتِهِمْ أي مكانهم كالمقامة والمقام.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في معنى الآية لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم.
وقال الحسن وقتادة وجماعة المعنى لو نشاء لأقعدناهم وأزمناهم وجعلناهم كسحا لا يقومون. وقرأ الحسن وأبو
44
بكر «مكاناتهم» بالجمع لتعددهم فَمَا اسْتَطاعُوا لذلك مُضِيًّا أي ذهابا إلى مقاصدهم وَلا يَرْجِعُونَ قيل هو عطف على مُضِيًّا المفعول به لاستطاعوا وهو من باب- تسمع بالمعيدي خير من أن تراه- فيكون التقدير فما استطاعوا مضيا ولا رجوعا وإلا فمفعول استطاعوا لا يكون جملة، والتعبير بذلك دون الاسم الصريح قيل للفواصل مع الإيماء إلى مغايرة الرجوع للمضي بناء على ما قال الإمام من أنه أهون من المضي لأنه ينبىء عن سلوك الطريق من قبل والمضي لا ينبىء عنه، وقيل لذلك مع الإيماء إلى استمرار النفي نظرا إلى ظاهر اللفظ ويكون هناك ترق من جهتين إذا لوحظ ما أومأ إليه الإمام، وقيل له مع الإيماء إلى أن الرجوع المنفي ما كان عن إرادة واختيار فإن اعتبارهما في الفعل المسند إلى الفاعل أقرب إلى التبادر من اعتبارهما في المصدر.
واقتصر بعضهم في النكتة على رعاية الفواصل، والإمام بعد الاقتصار على رعاية الفواصل في بيان نكتة العدول عن الظاهر تقصيرا وقيل هو عطف على جملة ما استطاعوا، والمراد ولا يرجعون عن تكذيبهم لما أنه قد طبع على قلوبهم، وقيل هو عطف على ما ذكر إلا أن المعنى ولا يرجعون إلى ما كانوا عليه قبل المسخ وليس بالبعيد.
وعلى القولين المراد بالمضي الذهاب عن المكان ونفي استطاعته مغن عن نفي استطاعة الرجوع، وأيا ما كان فالظاهر أن هذا وكذا ما قبله لو كان لكان في الدنيا، وقال ابن سلام: هذا التوعد كله يوم القيامة وهو خلاف الظاهر ولا يكاد يصح على بعض الأقوال.
وأصل مُضِيًّا مضوي اجتمعت الواو ساكنة مع الياء فقلبت ياء كما هو القاعدة وأدغمت الياء في الياء وقلبت ضمة الضاد كسرة لتخف وتناسب الياء. وقرأ أبو حيوة وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي «مضيا» بكسر الميم اتباعا لحركة الضاد كالعتى بضم العين والعتى بكسرها. وقرىء «مضيا» بفتح الميم فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل كالرسيم والوجيف والصئي بفتح الصاد المهملة بعدها همزة مكسورة ثم ياء مشددة مصدر صأى الديك أو الفرخ إذا صاح وَمَنْ نُعَمِّرْهُ أي نطل عمره.
نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاص بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء أمره، وفيه تشبيه التنكيس المعنوي بالتنكيس الحسي واستعارة الحسي له، وعن سفيان أن التنكيس في سن ثمانين سنة، والحق أن زمان ابتداء الضعف وانتقاص البنية مختلف لاختلاف الأمزجة والعوارض كما لا يخفى.
والكلام عطف على قوله تعالى وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا إلخ عطف العلة على المعلول لأنه كالشاهد لذلك.
وقرأ جمع من السبعة «ننكسه» مخففا من الانكاس أَفَلا يَعْقِلُونَ أي أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك قدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما.
وقرأ نافع وابن ذكوان وأبو عمرو في رواية عياش «تعقلون» بتاء الخطاب لجرى الخطاب قبله.
وَما عَلَّمْناهُ بتعليم الكتاب المشتمل على هذا البيان والتلخيص في أمر المبدأ والمعاد الشِّعْرَ إذ لا يخفى على من به أدنى مسكة أن هذا الكتاب الحكيم المتضمن لجميع المنافع الدينية والدنيوية على أسلوب أفحم كل منطيق ببيان الشعر ولا مثل الثريا للثرى، أما لفظا فلعدم وزنه وتقفيته، وأما معنى فلأن الشعر تخيلات مرغبة أو منفرة أو نحو ذلك وهو مقر الأكاذيب، ولذا قيل أعذبه أكذبه، والقرآن حكم وعقائد وشرائع.
والمراد من نفي تعليمه صلّى الله عليه وسلم بتعليم الكتاب الشعر نفي أن يكون القرآن شعرا على سبيل الكناية لأن ما علمه الله
واقتصر بعضهم في النكتة على رعاية الفواصل، والإمام بعد الاقتصار على رعاية الفواصل في بيان نكتة العدول عن الظاهر تقصيرا وقيل هو عطف على جملة ما استطاعوا، والمراد ولا يرجعون عن تكذيبهم لما أنه قد طبع على قلوبهم، وقيل هو عطف على ما ذكر إلا أن المعنى ولا يرجعون إلى ما كانوا عليه قبل المسخ وليس بالبعيد.
وعلى القولين المراد بالمضي الذهاب عن المكان ونفي استطاعته مغن عن نفي استطاعة الرجوع، وأيا ما كان فالظاهر أن هذا وكذا ما قبله لو كان لكان في الدنيا، وقال ابن سلام: هذا التوعد كله يوم القيامة وهو خلاف الظاهر ولا يكاد يصح على بعض الأقوال.
وأصل مُضِيًّا مضوي اجتمعت الواو ساكنة مع الياء فقلبت ياء كما هو القاعدة وأدغمت الياء في الياء وقلبت ضمة الضاد كسرة لتخف وتناسب الياء. وقرأ أبو حيوة وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي «مضيا» بكسر الميم اتباعا لحركة الضاد كالعتى بضم العين والعتى بكسرها. وقرىء «مضيا» بفتح الميم فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل كالرسيم والوجيف والصئي بفتح الصاد المهملة بعدها همزة مكسورة ثم ياء مشددة مصدر صأى الديك أو الفرخ إذا صاح وَمَنْ نُعَمِّرْهُ أي نطل عمره.
نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاص بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء أمره، وفيه تشبيه التنكيس المعنوي بالتنكيس الحسي واستعارة الحسي له، وعن سفيان أن التنكيس في سن ثمانين سنة، والحق أن زمان ابتداء الضعف وانتقاص البنية مختلف لاختلاف الأمزجة والعوارض كما لا يخفى.
والكلام عطف على قوله تعالى وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا إلخ عطف العلة على المعلول لأنه كالشاهد لذلك.
وقرأ جمع من السبعة «ننكسه» مخففا من الانكاس أَفَلا يَعْقِلُونَ أي أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك قدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما.
وقرأ نافع وابن ذكوان وأبو عمرو في رواية عياش «تعقلون» بتاء الخطاب لجرى الخطاب قبله.
وَما عَلَّمْناهُ بتعليم الكتاب المشتمل على هذا البيان والتلخيص في أمر المبدأ والمعاد الشِّعْرَ إذ لا يخفى على من به أدنى مسكة أن هذا الكتاب الحكيم المتضمن لجميع المنافع الدينية والدنيوية على أسلوب أفحم كل منطيق ببيان الشعر ولا مثل الثريا للثرى، أما لفظا فلعدم وزنه وتقفيته، وأما معنى فلأن الشعر تخيلات مرغبة أو منفرة أو نحو ذلك وهو مقر الأكاذيب، ولذا قيل أعذبه أكذبه، والقرآن حكم وعقائد وشرائع.
والمراد من نفي تعليمه صلّى الله عليه وسلم بتعليم الكتاب الشعر نفي أن يكون القرآن شعرا على سبيل الكناية لأن ما علمه الله
45
تعالى هو القرآن وإذا لم يكن المعلم شعرا لم يكن القرآن شعرا البتة، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام ليس بشاعر إدماجا وليس هناك كناية تلويحية كما قيل، وهذا رد لما كانوا يقولونه من أن القرآن شعر والنبي صلّى الله عليه وسلم شاعر وغرضهم من ذلك أن ما جاء به عليه الصلاة والسلام من القرآن افتراء وتخيل وحاشاه ثم حاشاه من ذلك وَما يَنْبَغِي لَهُ اعتراض لتقرير ما أدمج أي لا يليق ولا يصلح له صلّى الله عليه وسلم الشعر لأنه يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن ولأن أحسنه المبالغة والمجازفة والإغراق في الوصف وأكثره تحسين ما ليس بحسن وتقبيح ما ليس بقبيح وكل ذلك يستدعي الكذب أو يحاكيه الكذب وجل جناب الشارع عن ذلك كذا قيل.
وقال ابن الحاجب: أي لا يستقيم عقلا أن يقول صلّى الله عليه وسلم الشعر لأنه لو كان ممن يقوله لتطرقت التهمة عند كثير من الناس في أن ما جاء به من قبل نفسه وأنه من تلك القوة الشعرية ولذا عقب هذا بقوله تعالى وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ لأنه إذا انتفت الريبة لم يبق إلا المعاندة فيحق القول عليهم، وتعقب بأن الإيجاز يرفع التهمة وإلا فكونه عليه الصلاة والسلام في المرتبة العليا من الفصاحة والبلاغة في النثر ليس بأضعف من قول الشعر في كونه مظنة تطرق التهمة بل ربما يتخيل أنه أعظم من قول الشعر في ذلك فلو كانت علة منعه عليه الصلاة والسلام من الشعر ما ذكر لزم أن يمنع من الكلام الفصيح البليغ سدا لباب الريبة ودحضا للشبهة وإعظاما للحجة فحيث لم يكن ذلك اكتفاء بالإعجاز وأن التهمة والريب معه مما لا ينبغي أن يصدر من عاقل ولذا نفي الريب مع أنه وقع علم أن العلة في أنه عليه الصلاة والسلام لا ينبغي له الشعر شيء آخر، واختار هذا ابن عطية وجعل العلة ما في قول الشعر من التخييل والتزويق للقول وهو قريب مما سمعت أولا، وهو الذي ينبغي أن يعول عليه، وفي الآية عليه دلالة على غضاضة الشعر وهي ظاهرة في أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط طبيعة شعرية اعتناء بشأنه ورفعا لقدره وتبعيدا له صلّى الله عليه وسلم من أن يكون فيه مبدأ لما يخل بمنصبه في الجملة.
وإنما لم يعط صلّى الله عليه وسلم القدرة على الشعر مع حفظه عن إنشائه لأن ذلك سلب القدرة عليه في الإبعاد عما يخل بمنصبه الجليل صلّى الله عليه وسلم ونظير ما ذكرنا العصمة والحفظ، ويفهم من كلام المواهب اللدنية أن من الناس من ذهب إلى أنه عليه الصلاة والسلام كان له قدرة على الشعر إلا أنه يحرم عليه أن يشعر وليس بذاك، نعم القول بحرمة إنشاء الشعر مقبول ومعناه على القول السابق على ما قيل حرمة التوصل إليه، وقد يقال: لا حاجة إلى التأويل وحرمة الشيء تجامع عدم القدرة عليه، وهل عدم الشعر خاص به عليه الصلاة والسلام أو عام لنوع الأنبياء قال بعضهم هو عام لهذه الآية إذ لا يظهر للخصوص نكتة، وقيل يجوز أن يكون خاصا والنكتة زيادة التكريم لما أن مقامه صلّى الله عليه وسلم فوق مقام الأنبياء عليهم السلام ويكون الثابت لهم الحفظ عن الإنشاء مع ثبوت القدرة عليه وإن صح خبر إنشاء آدم عليه السلام يوم قتل ولده:
اتضح أمر الخصوص وعلم أن لا حفظ من الإنشاء أيضا، ولعل الحفظ حينئذ مما فيه ما يشين ويخل بمنصب النبوة مطلقا، والنكتة في الخصوص ظاهرة على ما نقل عن ابن الحاجب لأن أعظم معجزاته عليه الصلاة والسلام القرآن فربما تحصل التهمة فيه لو قال صلّى الله عليه وسلم الشعر وكذلك معجزات الأنبياء عليهم السلام فتأمل.
وأيّا ما كان لا يرد أنه عليه الصلاة والسلام قال يوم حنين وهو على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث آخذ بزمامها ولم يبق معه عليه الصلاة والسلام من الناس إلا قليل (١).
وقال ابن الحاجب: أي لا يستقيم عقلا أن يقول صلّى الله عليه وسلم الشعر لأنه لو كان ممن يقوله لتطرقت التهمة عند كثير من الناس في أن ما جاء به من قبل نفسه وأنه من تلك القوة الشعرية ولذا عقب هذا بقوله تعالى وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ لأنه إذا انتفت الريبة لم يبق إلا المعاندة فيحق القول عليهم، وتعقب بأن الإيجاز يرفع التهمة وإلا فكونه عليه الصلاة والسلام في المرتبة العليا من الفصاحة والبلاغة في النثر ليس بأضعف من قول الشعر في كونه مظنة تطرق التهمة بل ربما يتخيل أنه أعظم من قول الشعر في ذلك فلو كانت علة منعه عليه الصلاة والسلام من الشعر ما ذكر لزم أن يمنع من الكلام الفصيح البليغ سدا لباب الريبة ودحضا للشبهة وإعظاما للحجة فحيث لم يكن ذلك اكتفاء بالإعجاز وأن التهمة والريب معه مما لا ينبغي أن يصدر من عاقل ولذا نفي الريب مع أنه وقع علم أن العلة في أنه عليه الصلاة والسلام لا ينبغي له الشعر شيء آخر، واختار هذا ابن عطية وجعل العلة ما في قول الشعر من التخييل والتزويق للقول وهو قريب مما سمعت أولا، وهو الذي ينبغي أن يعول عليه، وفي الآية عليه دلالة على غضاضة الشعر وهي ظاهرة في أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط طبيعة شعرية اعتناء بشأنه ورفعا لقدره وتبعيدا له صلّى الله عليه وسلم من أن يكون فيه مبدأ لما يخل بمنصبه في الجملة.
وإنما لم يعط صلّى الله عليه وسلم القدرة على الشعر مع حفظه عن إنشائه لأن ذلك سلب القدرة عليه في الإبعاد عما يخل بمنصبه الجليل صلّى الله عليه وسلم ونظير ما ذكرنا العصمة والحفظ، ويفهم من كلام المواهب اللدنية أن من الناس من ذهب إلى أنه عليه الصلاة والسلام كان له قدرة على الشعر إلا أنه يحرم عليه أن يشعر وليس بذاك، نعم القول بحرمة إنشاء الشعر مقبول ومعناه على القول السابق على ما قيل حرمة التوصل إليه، وقد يقال: لا حاجة إلى التأويل وحرمة الشيء تجامع عدم القدرة عليه، وهل عدم الشعر خاص به عليه الصلاة والسلام أو عام لنوع الأنبياء قال بعضهم هو عام لهذه الآية إذ لا يظهر للخصوص نكتة، وقيل يجوز أن يكون خاصا والنكتة زيادة التكريم لما أن مقامه صلّى الله عليه وسلم فوق مقام الأنبياء عليهم السلام ويكون الثابت لهم الحفظ عن الإنشاء مع ثبوت القدرة عليه وإن صح خبر إنشاء آدم عليه السلام يوم قتل ولده:
تغيرت البلاد ومن عليها | ووجه الأرض مغبر قبيح |
تغير كل ذي طعم ولون | وقل بشاشة الوجه الصبيح |
وأيّا ما كان لا يرد أنه عليه الصلاة والسلام قال يوم حنين وهو على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث آخذ بزمامها ولم يبق معه عليه الصلاة والسلام من الناس إلا قليل (١).
(١) نحو مائة او اثني عشر او عشرة اه منه.
46
- أنا النبي لا كذب (١) أنا ابن عبد المطلب- لأنا لا نسلم أنه شعر فقد عرفوه بأنه الكلام المقفى الموزون على سبيل القصد وهذا مما اتفق له عليه الصلاة والسلام من غير قصد لوزنه ومثله يقع كثيرا في الكلام المنثور ولا يسمى شعرا ولا قائله شاعرا، ولا يتوهم من انتسابه صلّى الله عليه وسلم فيه إلى جده دون أبيه دليل القصد لأن النسبة إلى الجد شائعة ولأنه هو الذي قام بتربيته حيث توفي أبوه عليه الصلاة والسلام وهو حمل فحين ولد قام بأمره فوق ما يقوم الوالد بأمر الولد ولأنه كان مشهورا بينهم بالصدق والشرف والعزة فلذا خصه بالذكر ليكون كالدليل على ما قبل أو كمانع آخر من الانهزام ولأن كثيرا من الناس كانوا يدعونه عليه الصلاة والسلام بابن عبد المطلب. ومنه حديث ضمام بن ثعلبة أيكم ابن عبد المطلب على أن منهم من لم يعد الرجز مطلقا وأصله ما كان على مستفعلن ست مرات شعرا ولذا يسمى قائله راجزا لا شاعرا، وعن الخليل أن المشطور منه وهو ما حذف نصفه فبقي وزنه مستفعلن ثلاث مرات والمنهوك وهو ما حذف ثلثاه فبقي وزنه مستفعلن مرتين ليسا بشعر، وفي رواية أخرى عنه أن المجزوء وهو ما حذف من كل مصراع منه جزء فبقي وزنه مستفعلن أربع مرات كذلك
فقوله صلّى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب
إن كان نصف بيت فهو مجزو فليس بشعر على هذه الرواية وأن فرض أن هناك قصدا وإن كان بيتا تاما فهو فليس منهوك بشعر أيضا على الرواية الأولى وكونه ليس بشعر على قول من لا يرى الرجز مطلقا شعرا ظاهر.
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام حرك الباء من كذب والمطلب فلا يكون ذلك موزونا فكونه ليس بشعر أظهر وأظهر، والقول بأن ضمير لَهُ للقرآن المعلوم من السياق أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرا فيجوز صدور الشعر عنه صلّى الله عليه وسلم ولا يحتاج إلى توجيه ليس بشيء فإنه يكفي في نفي الشعر عنه عليه الصلاة والسلام قوله سبحانه وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ مع أن الظاهر عود الضمير عليه عليه الصلاة والسلام، وأولى التوجيهات إخراج ذلك من الشعر بانتفاء القصد وبذلك يخرج ما وقع في القرآن من نظائره منه، وقد ذكرنا لك فيما مر كثيرا منها، وليس في الآية ما يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلم لا ينبغي له التكلم بشعر قاله بعض الشعراء والمتمثل به، وفي الأخبار ما يدل على وقوع التكلم بالبيت متزنا نادرا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد بيت ابن رواحة:
وإنشاده إياه كذلك مذكور في البحر،
وروي أنه صلّى الله عليه وسلم أصاب أصبعه الشريفة حجر في بعض غزواته فدميت فتمثل بقول الوليد بن المغيرة: على ما قاله ابن هشام في السيرة أو ابن رواحة على ما صححه ابن الجوزي:
ما أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
قيل: هو له عليه الصلاة والسلام والكلام فيه كالكلام في قوله صلّى الله عليه وسلم أنا النبي إلخ إلا أن هذا يحتمل أن يكون مشطورا إذا كان كل من شطريه بيتا وعلى وقوع التكلم بالبيت غير متزن مع إحراز المعنى كثيرا كما
روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد:
فقوله صلّى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب
إن كان نصف بيت فهو مجزو فليس بشعر على هذه الرواية وأن فرض أن هناك قصدا وإن كان بيتا تاما فهو فليس منهوك بشعر أيضا على الرواية الأولى وكونه ليس بشعر على قول من لا يرى الرجز مطلقا شعرا ظاهر.
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام حرك الباء من كذب والمطلب فلا يكون ذلك موزونا فكونه ليس بشعر أظهر وأظهر، والقول بأن ضمير لَهُ للقرآن المعلوم من السياق أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرا فيجوز صدور الشعر عنه صلّى الله عليه وسلم ولا يحتاج إلى توجيه ليس بشيء فإنه يكفي في نفي الشعر عنه عليه الصلاة والسلام قوله سبحانه وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ مع أن الظاهر عود الضمير عليه عليه الصلاة والسلام، وأولى التوجيهات إخراج ذلك من الشعر بانتفاء القصد وبذلك يخرج ما وقع في القرآن من نظائره منه، وقد ذكرنا لك فيما مر كثيرا منها، وليس في الآية ما يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلم لا ينبغي له التكلم بشعر قاله بعض الشعراء والمتمثل به، وفي الأخبار ما يدل على وقوع التكلم بالبيت متزنا نادرا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد بيت ابن رواحة:
يبيت يجافي جنبه عن فراشه | إذا استثقلت بالمشركين المضاجع |
وروي أنه صلّى الله عليه وسلم أصاب أصبعه الشريفة حجر في بعض غزواته فدميت فتمثل بقول الوليد بن المغيرة: على ما قاله ابن هشام في السيرة أو ابن رواحة على ما صححه ابن الجوزي:
ما أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
قيل: هو له عليه الصلاة والسلام والكلام فيه كالكلام في قوله صلّى الله عليه وسلم أنا النبي إلخ إلا أن هذا يحتمل أن يكون مشطورا إذا كان كل من شطريه بيتا وعلى وقوع التكلم بالبيت غير متزن مع إحراز المعنى كثيرا كما
روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا | ويأتيك من لم تزود بالأخبار |
(١) فيه اشارة الى استحالة الكذب على النبي فكانه قال أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم وانا متيقن ان الذي وعدني الله تعالى من النصر حق فلا يجوز عليّ الفرار. ثم أشار عليه الصلاة والسلام الى انه لا يليق به من حيث نسبه الجليل الفرار ايضا تدبر اه منه.
47
فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليس هكذا يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام «إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي»
وفي خبر أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفة
ويأتيك من لم تزود بالأخبار.
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن الحسن أنه صلّى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا
فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله ما علمك الشعر وما ينبغي لك،
وأخرج ابن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس: أرأيت قولك:
أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينة فقال له أبو بكر: رضي الله تعالى عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أنت بشاعر ولا راوية ولا ينبغي لك إنما قال بين عيينة والأقرع،
وروي أنه قيل له عليه الصلاة والسلام: من أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول:
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها وإن لم تطيب طيبا
وأخرج البيهقي في سننه بسند فيه مجهول عن عائشة قالت ما جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيت شعر قط إلا بيتا واحدا:
تفاءل بما تهوى يكن فلقلما يقال لشيء كان إلا تحقق
قالت عائشة ولم يقل تحققا لئلا يعربه فيصير شعرا، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع هذا لم يكن يحب الشعر ففي مسند أحمد بن حنبل عن عائشة قالت: كان أبغض الحديث إليه صلّى الله عليه وسلم الشعر،
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا»
وهذا ظاهر في ذم الإكثار منه، وما
روي عن الخليل أنه قال كان الشعر أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من كثير من الكلام
مناف لما سمعت عن المسند، ولعل الجمع بالتفصيل بين شعر وشعر، وقد تقدم الكلام في الشعر مفصلا في سورة الشعراء فتذكر.
إِنْ هُوَ أي ما القرآن إِلَّا ذِكْرٌ أي عظة من الله عز وجل وإرشاد للثقلين كما قال سبحانه: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ [يوسف: ١٠٤، ص: ٨٧، التكوير: ٢٧] وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أي كتاب سماوي ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإعجاز الذي ألقم من تصدي للمعارضة الحجر لِيُنْذِرَ أي القرآن أو الرسول عليه الصلاة والسلام، ويؤيده قراءة نافع وابن عامر «لتنذر» بتاء الخطاب. وقرأ اليماني «لينذر» مبنيا للمفعول ونقلها ابن خالويه عن الجحدري وقال: عن أبي السمال واليماني أنهما قرءا «لينذر» بفتح الياء والذال مضارع نذر بالشيء بكسر الذال إذا علم به.
مَنْ كانَ حَيًّا أي عاقلا كما أخرج ذلك ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن الضحاك، وفيه استعارة مصرحة بتشبيه العقل بالحياة أو مؤمنا بقرينة مقابلته بالكافرين، وفيه أيضا استعارة مصرحة لتشبيه الإيمان بالحياة، ويجوز كونه مجازا مرسلا لأنه سبب للحياة الحقيقية الأبدية، والمضي في كانَ باعتبار ما في علمه عز وجل لتحققه، وقيل كان بمعنى يكون، وقيل في الكلام مجاز المشارفة ونزلت منزلة المضي وهو كما ترى، وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع بذلك وَيَحِقَّ الْقَوْلُ أي تجب كلمة العذاب عَلَى الْكافِرِينَ الموسومين بهذا الوسم المصرين على الكفر، وفي إيرادهم بمقابلة من كان حيا إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها كالمعرفة أموات في الحقيقة، وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية قرينتها استعارة أخرى. وكأنه جيء بقوله سبحانه لِيُنْذِرَ إلخ رجوعا إلى
وفي خبر أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفة
ويأتيك من لم تزود بالأخبار.
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن الحسن أنه صلّى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا
فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله ما علمك الشعر وما ينبغي لك،
وأخرج ابن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس: أرأيت قولك:
أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينة فقال له أبو بكر: رضي الله تعالى عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أنت بشاعر ولا راوية ولا ينبغي لك إنما قال بين عيينة والأقرع،
وروي أنه قيل له عليه الصلاة والسلام: من أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول:
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها وإن لم تطيب طيبا
وأخرج البيهقي في سننه بسند فيه مجهول عن عائشة قالت ما جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيت شعر قط إلا بيتا واحدا:
تفاءل بما تهوى يكن فلقلما يقال لشيء كان إلا تحقق
قالت عائشة ولم يقل تحققا لئلا يعربه فيصير شعرا، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع هذا لم يكن يحب الشعر ففي مسند أحمد بن حنبل عن عائشة قالت: كان أبغض الحديث إليه صلّى الله عليه وسلم الشعر،
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا»
وهذا ظاهر في ذم الإكثار منه، وما
روي عن الخليل أنه قال كان الشعر أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من كثير من الكلام
مناف لما سمعت عن المسند، ولعل الجمع بالتفصيل بين شعر وشعر، وقد تقدم الكلام في الشعر مفصلا في سورة الشعراء فتذكر.
إِنْ هُوَ أي ما القرآن إِلَّا ذِكْرٌ أي عظة من الله عز وجل وإرشاد للثقلين كما قال سبحانه: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ [يوسف: ١٠٤، ص: ٨٧، التكوير: ٢٧] وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أي كتاب سماوي ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإعجاز الذي ألقم من تصدي للمعارضة الحجر لِيُنْذِرَ أي القرآن أو الرسول عليه الصلاة والسلام، ويؤيده قراءة نافع وابن عامر «لتنذر» بتاء الخطاب. وقرأ اليماني «لينذر» مبنيا للمفعول ونقلها ابن خالويه عن الجحدري وقال: عن أبي السمال واليماني أنهما قرءا «لينذر» بفتح الياء والذال مضارع نذر بالشيء بكسر الذال إذا علم به.
مَنْ كانَ حَيًّا أي عاقلا كما أخرج ذلك ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن الضحاك، وفيه استعارة مصرحة بتشبيه العقل بالحياة أو مؤمنا بقرينة مقابلته بالكافرين، وفيه أيضا استعارة مصرحة لتشبيه الإيمان بالحياة، ويجوز كونه مجازا مرسلا لأنه سبب للحياة الحقيقية الأبدية، والمضي في كانَ باعتبار ما في علمه عز وجل لتحققه، وقيل كان بمعنى يكون، وقيل في الكلام مجاز المشارفة ونزلت منزلة المضي وهو كما ترى، وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع بذلك وَيَحِقَّ الْقَوْلُ أي تجب كلمة العذاب عَلَى الْكافِرِينَ الموسومين بهذا الوسم المصرين على الكفر، وفي إيرادهم بمقابلة من كان حيا إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها كالمعرفة أموات في الحقيقة، وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية قرينتها استعارة أخرى. وكأنه جيء بقوله سبحانه لِيُنْذِرَ إلخ رجوعا إلى
48
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﱇ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﱈ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﱉ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﱊ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﱋ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﱌ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﱍ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﱎ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ
ﱏ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﱐ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ
ﱑ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﱒ
ما بدىء به السورة من قوله عز وجل: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [يس: ٦] ولو نظرت إلى هذا التخلص من حديث المعاد إلى حديث القرآن والإنذار لقضيت العجب من حسن موقعه أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة منفية مقدرة مستتبعة للمعطوف أي ألم يتفكروا أو ألم يلا حظوا أو ألم يعلموا علما يقينيا مشابها للمعاينة زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا [يس: ٣١] إلخ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى: أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ أي لأجلهم وانتفاعهم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أي مما تولينا إحداثه بالذات من غير مدخل لغيرنا فيه لا خلقا ولا كسبا.
والكلام استعارة تمثيلية فيما ذكر، وجوز أن يكون قد كني عن الإيجاد بعمل الأيدي فيمن له ذلك ثم بعد الشيوع أريد به ما أريد مجازا متفرعا على الكناية، وقال بعضهم: المراد بالعمل الأحداث وبالأيدي القدرة مجازا، وأوثرت صيغة التعظيم والأيدي مجموعة تعظيما لشأن الأثر وإنه أمر عجيب وصنع غريب وليس بذاك، وقيل الأيدي مجاز عن الملائكة المأمورين بمباشرة الأعمال حسبما يريده عز وجل في عالم الكون والفساد كملائكة التصوير وملائكة نفخ الأرواح في الأبدان بعد إكمال تصويرها ونحوهم، ولا يخفى ما فيه.
ونحوه ما قيل الأيدي مجاز عن الأسماء فإن كل أثر في العالم بواسطة اسم خاص من أسمائه عز وجل.
وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة أفردت- كيد الله فوق أيديهم- أو ثنيت كخلقت بيدي أو جمعت كما هنا بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١] وارتضاه كثير ممن وفقه الله تعالى من الخلق، ولا أرى الطاعنين عليهم إلا جهلة أَنْعاماً مفعول خَلَقْنا وأخر عن الجارين المتعلقين به اعتناء بالمقدم وتشويقا إلى المؤخر وجمعا بينه وبين ما يتعلق به من أحكامه المتفرعة عليه والمراد بالأنعام الأزواج الثمانية وخصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع، وهذا كقوله تعالى: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت فَهُمْ لَها مالِكُونَ أي متملكون لها بتمليكنا إياها لهم، والفاء قيل للتفريع على مقدر أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها، وقيل للتفريع على خلقها لهم وفيه خفاء. وجوز أن يكون الملك بمعنى القدرة والقهر من ملكت العجين إذا أجدت عجنه، ومنه قول الربيع بن منيع الفزاري وقد سئل عن حاله بعد إذ كبر:
والأول أظهر ليكون ما بعد تأسيسا لا تأكيدا، وأيا ما كان فلها متعلق بمالكون واللام مقوية للعمل وقدم لرعاية الفواصل مع الاهتمام، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها.
والكلام استعارة تمثيلية فيما ذكر، وجوز أن يكون قد كني عن الإيجاد بعمل الأيدي فيمن له ذلك ثم بعد الشيوع أريد به ما أريد مجازا متفرعا على الكناية، وقال بعضهم: المراد بالعمل الأحداث وبالأيدي القدرة مجازا، وأوثرت صيغة التعظيم والأيدي مجموعة تعظيما لشأن الأثر وإنه أمر عجيب وصنع غريب وليس بذاك، وقيل الأيدي مجاز عن الملائكة المأمورين بمباشرة الأعمال حسبما يريده عز وجل في عالم الكون والفساد كملائكة التصوير وملائكة نفخ الأرواح في الأبدان بعد إكمال تصويرها ونحوهم، ولا يخفى ما فيه.
ونحوه ما قيل الأيدي مجاز عن الأسماء فإن كل أثر في العالم بواسطة اسم خاص من أسمائه عز وجل.
وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة أفردت- كيد الله فوق أيديهم- أو ثنيت كخلقت بيدي أو جمعت كما هنا بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١] وارتضاه كثير ممن وفقه الله تعالى من الخلق، ولا أرى الطاعنين عليهم إلا جهلة أَنْعاماً مفعول خَلَقْنا وأخر عن الجارين المتعلقين به اعتناء بالمقدم وتشويقا إلى المؤخر وجمعا بينه وبين ما يتعلق به من أحكامه المتفرعة عليه والمراد بالأنعام الأزواج الثمانية وخصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع، وهذا كقوله تعالى: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت فَهُمْ لَها مالِكُونَ أي متملكون لها بتمليكنا إياها لهم، والفاء قيل للتفريع على مقدر أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها، وقيل للتفريع على خلقها لهم وفيه خفاء. وجوز أن يكون الملك بمعنى القدرة والقهر من ملكت العجين إذا أجدت عجنه، ومنه قول الربيع بن منيع الفزاري وقد سئل عن حاله بعد إذ كبر:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا | أملك رأس البعير إن نفرا |
49
وَذَلَّلْناها لَهُمْ أي وصيرناها سهلة غير مستعصية عليهم في شيء مما يريدون بها حتى الذبح حسبما ينطق به قوله تعالى فَمِنْها رَكُوبُهُمْ فإن الفاء فيه لتفريع أحكام التذليل عليه وتفصيلها أي فبعض منها مركوبهم فركوب فعول بمعنى مفعول كحصور وحلوب وقزوع وهو مما لا ينقاس. وقرأ أبي وعائشة «ركوبتهم» بالتاء وهي فعولة بمعنى مفعولة كحلوبة، وقيل جمع ركوب، وتعقب بأنه لم يسمع فعولة بفتح الفاء في الجموع ولا في أسمائها. وقرأ الحسن والأعمش وأبو البرهسم «ركوبهم» بضم الراء وبغير تاء وهو مصدر كالقعود والدخول فأما أن يؤول بالمفعول أو يقدر مضاف في الكلام إما في جانب المسند إليه أي ذو ركوبهم أو في جانب المسند أي فمن منافعها ركوبهم وَمِنْها يَأْكُلُونَ أي وبعض منها يأكلون لحمه، والتبعيض هنا باعتبار الأجزاء وفيما قيل باعتبار الجزئيات والجملة معطوفة على ما قبلها، وغير الأسلوب لأن الأكل عام في الأنعام جميعها وكثير مستمر بخلاف الركوب كذا قيل، وقيل الفعل موضوع موضع المصدر وهو بمعنى المفعول للفاصلة.
وَلَهُمْ فِيها أي في الأنعام بكلا قسميها مَنافِعُ غير الركوب والأكل كالجلود والأصواف والأوبار وغيرها وكالحراثة بالثيران وَمَشارِبُ جمع مشرب مصدر بمعنى المفعول والمراد به اللبن، وخص مع دخوله في المنافع لشرفه واعتناء العرب به، وجمع باعتبار أصنافه ولا ريب في تعددها، وتعميم المشارب للزبد والسمن والجبن والأقط لا يصح إلا بالتغليب أو التجوز لأنها غير مشروبة ولا حاجة إليه مع دخولها في المنافع، وجوز أن تكون المشارب جمع مشرب موضع الشرب.
قال الإمام: وهو الآنية فإن من الجلود يتخذ أواني الشرب من القرب ونحوها، وقال الخفاجي: إذا كان موضعا فالمشارب هي نفسها لقوله سبحانه: فِيها فإنها مقرة، ولعله أظهر من قول الإمام أَفَلا يَشْكُرُونَ أي يشاهدون هذه النعم فلا يشكرون المنعم بها ويخصونه سبحانه بالعبادة وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أي متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم الظاهرة وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها آلِهَةً من الأصنام وأشركوها به عز وجل في العبادة لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ رجاء أن ينصروا أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى:
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ إلخ استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم وخيبة رجائهم وانعكاس تدبيرهم أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم، وقول ابن عطية، يحتمل أن يكون ضمير يَسْتَطِيعُونَ للمشركين وضمير نَصْرَهُمْ للأصنام ليس بشيء أصلا وَهُمْ أي أولئك المتخذون المشركون لَهُمْ أي لآلهتهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ أي معدون لحفظهم والذب عنهم في الدنيا.
أخرجه ابن أبي حاتم وابن المنذر عن الحسن وقتادة، وقيل: المعنى أن المشركين جند لآلهتهم في الدنيا محضرون للنار في الآخرة، وجاء بذلك في رواية أخرجها ابن أبي حاتم عن الحسن، واختار بعض الأجلة أن معنى والمشركون لآلهتهم جند محضرون يوم القيامة أثرهم في النار وجعلهم جندا من باب التهكم والاستهزاء. وكذلك لام لهم الدالة على النفع، وقيل هُمْ للآلهة وضمير لَهُمْ للمشركين أي وإن الآلهة معدون محضرون لعذاب أولئك المشركين يوم القيامة لأنهم يجعلون وقود النار أو محضرون عند حساب الكفرة إظهارا لعجزهم وإقناطا للمشركين عن
وَلَهُمْ فِيها أي في الأنعام بكلا قسميها مَنافِعُ غير الركوب والأكل كالجلود والأصواف والأوبار وغيرها وكالحراثة بالثيران وَمَشارِبُ جمع مشرب مصدر بمعنى المفعول والمراد به اللبن، وخص مع دخوله في المنافع لشرفه واعتناء العرب به، وجمع باعتبار أصنافه ولا ريب في تعددها، وتعميم المشارب للزبد والسمن والجبن والأقط لا يصح إلا بالتغليب أو التجوز لأنها غير مشروبة ولا حاجة إليه مع دخولها في المنافع، وجوز أن تكون المشارب جمع مشرب موضع الشرب.
قال الإمام: وهو الآنية فإن من الجلود يتخذ أواني الشرب من القرب ونحوها، وقال الخفاجي: إذا كان موضعا فالمشارب هي نفسها لقوله سبحانه: فِيها فإنها مقرة، ولعله أظهر من قول الإمام أَفَلا يَشْكُرُونَ أي يشاهدون هذه النعم فلا يشكرون المنعم بها ويخصونه سبحانه بالعبادة وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أي متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم الظاهرة وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها آلِهَةً من الأصنام وأشركوها به عز وجل في العبادة لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ رجاء أن ينصروا أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى:
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ إلخ استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم وخيبة رجائهم وانعكاس تدبيرهم أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم، وقول ابن عطية، يحتمل أن يكون ضمير يَسْتَطِيعُونَ للمشركين وضمير نَصْرَهُمْ للأصنام ليس بشيء أصلا وَهُمْ أي أولئك المتخذون المشركون لَهُمْ أي لآلهتهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ أي معدون لحفظهم والذب عنهم في الدنيا.
أخرجه ابن أبي حاتم وابن المنذر عن الحسن وقتادة، وقيل: المعنى أن المشركين جند لآلهتهم في الدنيا محضرون للنار في الآخرة، وجاء بذلك في رواية أخرجها ابن أبي حاتم عن الحسن، واختار بعض الأجلة أن معنى والمشركون لآلهتهم جند محضرون يوم القيامة أثرهم في النار وجعلهم جندا من باب التهكم والاستهزاء. وكذلك لام لهم الدالة على النفع، وقيل هُمْ للآلهة وضمير لَهُمْ للمشركين أي وإن الآلهة معدون محضرون لعذاب أولئك المشركين يوم القيامة لأنهم يجعلون وقود النار أو محضرون عند حساب الكفرة إظهارا لعجزهم وإقناطا للمشركين عن
50
شفاعتهم وجعلهم جندا، والتعبير باللام في الوجهين على ما مر آنفا، واختلاف مراجع الضمائر في الآية ليس من التفكيك المحظور، والواو في قوله سبحانه وَهُمْ إلخ على جميع ما مر إما عاطفة أو حالية إلا أن الحال مقدرة في بعض الأوجه كما لا يخفى. والفاء في قوله تعالى فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ فصيحة أي إذا كان هذا حالهم مع ربهم عز وجل فلا تحزن بسبب قولهم عليك هو شاعر أو إذا كان حالهم يوم القيامة ما سمعت فلا تحزن بسبب قولهم على الله سبحانه إن له شركاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أو عليك هو شاعر أو على الله تعالى وعليك ما لا يليق بشأنه عز وجل وشأنك، والاقتصار في بيان قولهم عليه صلّى الله عليه وسلم بأنه وحاشاه شاعر لأنه الأوفق بما تقدم من قوله تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ وقد يعمم فيشمل جميع ما لا يليق بشأنه عليه الصلاة والسلام من الأقوال، وتفسير الشرط الذي أفصحت عنه الفاء بما ذكرنا أولا هو المناسب لما روي عن الحسن وقتادة في معنى قوله تعالى وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ وبما ذكرنا ثانيا هو المناسب لما ذكر بعد في معنى ذلك، وقيل التقدير على الأول إذا كانوا في هذه المرتبة من سخافة العقول حيث اتخذوا رجاء النصر آلهة من دون الله عز وجل لا يقدرون على نصرهم والذب عنهم بل هم يذبون عن تلك الآلهة فلا تحزن بسبب قولهم عليك ما قالوا ولعل الأول أولى، وأيا ما كان فالنهي وإن كان بحسب الظاهر متوجها إلى قولهم لكنه في الحقيقة كما أشرنا إليه متوجه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمراد نهيه عليه الصلاة والسلام عن التأثر من الحزن بطريق الكناية على أبلغ وجه وأكده كما لا يخفى.
وقرأ نافع «فلا يحزنك» بضم الياء وكسر الزاي من أحزن المنقول من حزن اللازم وجاء حزنه وأحزنه. إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ تعليل صريح للنهي بطريق الاستئناف بعد تعليلة بطريق الإشعار بناء على التقدير الثاني في الشرط فإن العلم بما ذكر مجاز عن مجازاتهم عليه أو كناية عنها للزومها إياه إذ علم الملك القادر الحكيم بما جرى من عدوه الذي تقتضي الحكمة الانتقام منه مقتض لمجازاته والانتقام منه، وهو على التقدير الأول قيل استئناف بياني وقع جواب سؤال مقدر كأنه قيل: يا رب فإذا كان حالهم معك ومع نبيك ذلك فماذا تصنع بهم؟ فقيل: إِنَّا نَعْلَمُ إلخ أي نجازيهم بجميع جناياتهم، وقيل هو تعليل لترتيب النهي على الشرط فتأمل، وما موصولة والعائد محذوف أي نعلم الذي يسرونه من العقائد الزائغة والعداوة لك ونحو ذلك والذي يعلنونه من كلمات الإشراك والتكذيب ونحوها، وجوز أن تكون مصدرية أي نعلم أسرارهم وإعلانهم والمفعول محذوف أو الفعلان منزلان منزلة اللازم والمتبادر الأول وهو الأولى.
وتقديم السر على العلن لبيان احاطة علمه سبحانه بحيث إن علم السر عنده تعالى كأنه أقدم من علم العلن، وقيل: لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب قبل ذلك فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة، وقيل: للإشارة إلى الاهتمام بإصلاح الباطن فإنه ملاك الأمر ولأنه محل الاشتباه المحتاج للبيان، وشاع أن الوقف على قَوْلُهُمْ متعين، وقيل: ليس به لأنه جوز في إِنَّا نَعْلَمُ إلخ كونه مقول القول على أن ذلك من باب الإلهاب والتعريض كقوله تعالى وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ١٤، يونس: ١٠٥، القصص: ٨٧] أو على أن المراد فلا يحزنك قولم على سبيل السخرية والاستهزاء إنا نعلم إلخ، ومنه يعلم أنه لو قرأ قارئ أنا نعلم بالفتح وجعل ذلك بدلا من قَوْلُهُمْ لا تنتقض صلاته ولا يكفر لو اعتقد ما يعطيه من المعنى كما لو جعله تعليلا على حذف حرف التعليل، والحق أن مثل هذا التوجيه لا بأس بقبوله في درء الكفر، وأما أمر الوقف فالذي ينبغي أن يقال فيه إنه على قولهم كالمتعين أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث بعد ما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب التصديق به كما أن ما سبق
وقرأ نافع «فلا يحزنك» بضم الياء وكسر الزاي من أحزن المنقول من حزن اللازم وجاء حزنه وأحزنه. إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ تعليل صريح للنهي بطريق الاستئناف بعد تعليلة بطريق الإشعار بناء على التقدير الثاني في الشرط فإن العلم بما ذكر مجاز عن مجازاتهم عليه أو كناية عنها للزومها إياه إذ علم الملك القادر الحكيم بما جرى من عدوه الذي تقتضي الحكمة الانتقام منه مقتض لمجازاته والانتقام منه، وهو على التقدير الأول قيل استئناف بياني وقع جواب سؤال مقدر كأنه قيل: يا رب فإذا كان حالهم معك ومع نبيك ذلك فماذا تصنع بهم؟ فقيل: إِنَّا نَعْلَمُ إلخ أي نجازيهم بجميع جناياتهم، وقيل هو تعليل لترتيب النهي على الشرط فتأمل، وما موصولة والعائد محذوف أي نعلم الذي يسرونه من العقائد الزائغة والعداوة لك ونحو ذلك والذي يعلنونه من كلمات الإشراك والتكذيب ونحوها، وجوز أن تكون مصدرية أي نعلم أسرارهم وإعلانهم والمفعول محذوف أو الفعلان منزلان منزلة اللازم والمتبادر الأول وهو الأولى.
وتقديم السر على العلن لبيان احاطة علمه سبحانه بحيث إن علم السر عنده تعالى كأنه أقدم من علم العلن، وقيل: لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب قبل ذلك فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة، وقيل: للإشارة إلى الاهتمام بإصلاح الباطن فإنه ملاك الأمر ولأنه محل الاشتباه المحتاج للبيان، وشاع أن الوقف على قَوْلُهُمْ متعين، وقيل: ليس به لأنه جوز في إِنَّا نَعْلَمُ إلخ كونه مقول القول على أن ذلك من باب الإلهاب والتعريض كقوله تعالى وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ١٤، يونس: ١٠٥، القصص: ٨٧] أو على أن المراد فلا يحزنك قولم على سبيل السخرية والاستهزاء إنا نعلم إلخ، ومنه يعلم أنه لو قرأ قارئ أنا نعلم بالفتح وجعل ذلك بدلا من قَوْلُهُمْ لا تنتقض صلاته ولا يكفر لو اعتقد ما يعطيه من المعنى كما لو جعله تعليلا على حذف حرف التعليل، والحق أن مثل هذا التوجيه لا بأس بقبوله في درء الكفر، وأما أمر الوقف فالذي ينبغي أن يقال فيه إنه على قولهم كالمتعين أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث بعد ما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب التصديق به كما أن ما سبق
51
مسوق لبيان بطلان إشراكهم بالله عز وجل وبعد ما عاينوا فيما بأيديهم ما يوجب التوحيد والإسلام، وقيل: إنه تسلية له عليه الصلاة والسلام كقوله تعالى فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ وذلك بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر وليس بشيء.
والهمزة للإنكار والتعجب والواو للعطف على جملة مقدرة هي مستتبعة للمعطوف كما مر في قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا إلخ أي ألم يتفكر الإنسان ولم يعلم أنا خلقناه من نطفة أو هي عين تلك الجملة أعيدت تأكيدا للنكير السابق وتمهيدا لإنكار ما هو أحق منه بالإنكار لما أن المنكر عين علمهم بما يتعلق بخلق أنفسهم، ولا ريب في أن علم الإنسان بأحوال نفسه أهم وإحاطته بها أسهل وأتم فالإنكار والتعجيب من الإخلال بذلك كأنه قيل ألم يعلموا خلقه تعالى لأسباب معايشهم ولم يعلموا خلقه تعالى لأنفسهم أيضا مع كون العلم بذلك في غاية الظهور ونهاية الأهمية، ويشير كلام بعض الأجلة إلى أن العطف على أَوَلَمْ يَرَوْا السابق والجامع ابتناء كل منهما على التعكيس فإنه تعالى خلق للإنسان ما خلق ليشكر فكفر وجحد المنعم والنعم وخلقه سبحانه من نطفة قذرة ليكون منقادا متذللا فطغى وتكبر وخاصم، وإيراد الإنسان مورد الضمير لأن مدار الإنكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان.
وقوله تعالى فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ أي مبالغ في الخصومة والجدال الباطل مُبِينٌ ظاهر متجاهر في ذلك عطف على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار والتعجيب كأنه قيل: أو لم يرانا خلقناه من أخس الأشياء وأمهنها ففاجأ خصومتنا في أمر يشهد بصحته مبدأ فطرته شهادة بينة، وإيراد الجمل اسمية للدلالة على استقراره في الخصومة واستمراره عليها. وفي الحواشي الخفاجية أن تعقيب الإنكار بالفاء وإذا الفجائية على ما يقتضي خلافه مقو للتعجيب، والمراد بالإنسان الجنس، والخصيم إنما هو الكافر المنكر للبعث مطلقا، نعم نزلت الآية في كافر مخصوص،
أخرج جماعة منهم الضياء في المختارة عن ابن عباس قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته بيده فقال: يا محمد أيحيي الله تعالى هذا بعد ما أرم؟ قال: نعم يبعث الله تعالى هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت الآيات أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ إلى آخر السورة
، وفي رواية ابن مردويه عنه أن الجائي ذلك القائل أبي بن خلف وهو الذي قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد بالحربة، وروي ذلك عن أبي مالك ومجاهد وقتادة والسدي وعكرمة وغيرهم كما في الدر المنثور. وفي رواية أخرى عن الحبر أنه أبو جهل بن هشام، وفي أخرى عنه أيضا أنه عبد الله بن أبي، وتعقب ذلك أبو حيان بأن نسبة ذلك إلى أن عباس رضي الله تعالى عنهما وهم لأن السورة والآية مكية بإجماع ولأن عبد الله بن أبي لم يجاهر قط هذه المجاهرة، وحكي عن مجاهد وقتادة أنه أمية بن خلف، والذي اختاره وأدعى أنه أصح الأقوال أنه أبي بن خلف ثم قال: ويحتمل أن كلا من هؤلاء الكفرة وقع منه ذلك، وقيل معنى قوله تعالى فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا رجل مميز منطيق قادر على الخصام مبين معرب عما في ضميره فصيح فهو حينئذ معطوف على «خلقناه» والتعقيب والمفاجأة ناظران إلى خلقه، ومُبِينٌ متعد والكلام من متممات شواهد صحة البعث فقوله تعالى وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا معطوف حينئذ على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار، وأما على الأول فهو عطف على الجملة الفجائية، والمعنى ففاجأ خصومتنا وضرب لنا مثلا أي أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الأمر هي في الغرابة كالمثل وهي إنكار احيائنا العظام أو قصة عجيبة في زعمه واستبعدها وعدها من قبيل المثل وأنكرها أشد الإنكار وهي أحياؤنا إياها أو جعل لنا مثلا ونظيرا من الخلق وقاس قدرتنا على قدرتهم ونفي الكل على العموم، وقوله تعالى وَنَسِيَ خَلْقَهُ أي خلقنا إياه على الوجه المذكور الدال على بطلان ما ضربه أما عطف على «ضرب» داخل في حيز الإنكار والتعجيب أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه، ونسيان خلقه بأن لم
والهمزة للإنكار والتعجب والواو للعطف على جملة مقدرة هي مستتبعة للمعطوف كما مر في قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا إلخ أي ألم يتفكر الإنسان ولم يعلم أنا خلقناه من نطفة أو هي عين تلك الجملة أعيدت تأكيدا للنكير السابق وتمهيدا لإنكار ما هو أحق منه بالإنكار لما أن المنكر عين علمهم بما يتعلق بخلق أنفسهم، ولا ريب في أن علم الإنسان بأحوال نفسه أهم وإحاطته بها أسهل وأتم فالإنكار والتعجيب من الإخلال بذلك كأنه قيل ألم يعلموا خلقه تعالى لأسباب معايشهم ولم يعلموا خلقه تعالى لأنفسهم أيضا مع كون العلم بذلك في غاية الظهور ونهاية الأهمية، ويشير كلام بعض الأجلة إلى أن العطف على أَوَلَمْ يَرَوْا السابق والجامع ابتناء كل منهما على التعكيس فإنه تعالى خلق للإنسان ما خلق ليشكر فكفر وجحد المنعم والنعم وخلقه سبحانه من نطفة قذرة ليكون منقادا متذللا فطغى وتكبر وخاصم، وإيراد الإنسان مورد الضمير لأن مدار الإنكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان.
وقوله تعالى فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ أي مبالغ في الخصومة والجدال الباطل مُبِينٌ ظاهر متجاهر في ذلك عطف على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار والتعجيب كأنه قيل: أو لم يرانا خلقناه من أخس الأشياء وأمهنها ففاجأ خصومتنا في أمر يشهد بصحته مبدأ فطرته شهادة بينة، وإيراد الجمل اسمية للدلالة على استقراره في الخصومة واستمراره عليها. وفي الحواشي الخفاجية أن تعقيب الإنكار بالفاء وإذا الفجائية على ما يقتضي خلافه مقو للتعجيب، والمراد بالإنسان الجنس، والخصيم إنما هو الكافر المنكر للبعث مطلقا، نعم نزلت الآية في كافر مخصوص،
أخرج جماعة منهم الضياء في المختارة عن ابن عباس قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته بيده فقال: يا محمد أيحيي الله تعالى هذا بعد ما أرم؟ قال: نعم يبعث الله تعالى هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت الآيات أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ إلى آخر السورة
، وفي رواية ابن مردويه عنه أن الجائي ذلك القائل أبي بن خلف وهو الذي قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد بالحربة، وروي ذلك عن أبي مالك ومجاهد وقتادة والسدي وعكرمة وغيرهم كما في الدر المنثور. وفي رواية أخرى عن الحبر أنه أبو جهل بن هشام، وفي أخرى عنه أيضا أنه عبد الله بن أبي، وتعقب ذلك أبو حيان بأن نسبة ذلك إلى أن عباس رضي الله تعالى عنهما وهم لأن السورة والآية مكية بإجماع ولأن عبد الله بن أبي لم يجاهر قط هذه المجاهرة، وحكي عن مجاهد وقتادة أنه أمية بن خلف، والذي اختاره وأدعى أنه أصح الأقوال أنه أبي بن خلف ثم قال: ويحتمل أن كلا من هؤلاء الكفرة وقع منه ذلك، وقيل معنى قوله تعالى فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا رجل مميز منطيق قادر على الخصام مبين معرب عما في ضميره فصيح فهو حينئذ معطوف على «خلقناه» والتعقيب والمفاجأة ناظران إلى خلقه، ومُبِينٌ متعد والكلام من متممات شواهد صحة البعث فقوله تعالى وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا معطوف حينئذ على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار، وأما على الأول فهو عطف على الجملة الفجائية، والمعنى ففاجأ خصومتنا وضرب لنا مثلا أي أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الأمر هي في الغرابة كالمثل وهي إنكار احيائنا العظام أو قصة عجيبة في زعمه واستبعدها وعدها من قبيل المثل وأنكرها أشد الإنكار وهي أحياؤنا إياها أو جعل لنا مثلا ونظيرا من الخلق وقاس قدرتنا على قدرتهم ونفي الكل على العموم، وقوله تعالى وَنَسِيَ خَلْقَهُ أي خلقنا إياه على الوجه المذكور الدال على بطلان ما ضربه أما عطف على «ضرب» داخل في حيز الإنكار والتعجيب أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه، ونسيان خلقه بأن لم
52
يتذكره على ما قيل وفيه دغدغة أو ترك تذكره لكفره وعناده أو هو كالناسي لعدم جريه على مقتضى التذكر وقوله سبحانه قالَ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل كأنه قيل: أي مثل ضرب أو ماذا قال؟
فقيل: قال مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ منكرا ذلك ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد وهو كونها رميما أي بالية أشد البلى، والظاهر أن «رميم» صفة لا اسم جامد فإن كان من رم اللام بمعنى بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فالحق بالأسماء الجامدة أو حمل على فعيل بمعنى مفعول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقال محيي السنة: لم يقل رميمة لأنه معدول من فاعلة فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله «بغيا» في قوله تعالى «ما كانت أمك بغيا» أسقط الهاء منها لأنها كانت مصروفة عن باغية، وقال الأزهري: إن عظاما لكونه بوزن المفرد ككتاب وقراب عومل معاملته فقيل رميم دون رميمة وذكر له شواهد وهو غريب، وإن كان من رم المتعدي بمعنى ابلى يقال رمه أي أبلاه وأصل معناه الأكل كما ذكره الأزهري من رمث الإبل الحشيش فكان ما بلى أكلته الأرض فهو فعيل بمعنى مفعول، وتذكيره على هذا ظاهر للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وفي المطلع الرميم اسم غير صفة كالرمة والرفات لا فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ولأجل أنه اسم لا صفة لا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث؟ ولا يخفى أن له فعلا وهو رم كما ذكره أهل اللغة وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامدا غير ظاهر قُلْ تبكيتا له بتذكير ما نسيه من فطرته الدالة على حقيقة الحال وإرشاده إلى طريقة الاستشهاد بها يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أي أوجدها ورباها أَوَّلَ مَرَّةٍ أي في أول مرة إذ لم يسبق لها إيجاد ولا شك أن الإحياء بعد أهون من الإنشاء قبل فمن قدر على الإنشاء كان على الأحياء أقدر وأقدر، ولا احتمال لعروض العجز فإن قدرته عز وجل ذاتية أزلية لا تقبل الزوال ولا التغير بوجه من الوجوه.
وفي الحواشي الخفاجية كان الفارابي يقول وددت لو أن أرسطو وقف على القياس الجلي في قوله تعالى «قل يحييها» إلخ وهو الله تعالى أنشأ العظام وأحياها أول مرة وكل من انشأ شيئا أولا قادر على إنشائه وإحيائه ثانيا فيلزم أن الله عز وجل قادر على انشائها وإحيائها بقواها ثانيا، والآية ظاهرة فيما ذهب إليه الإمام الشافعي قيل ومالك وأحمد من أن العظم تحله الحياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء وبنوا على ذلك الحكم بنجاسة عظم الميتة ومسألة حلول الحياة في العظم وعدمه مما اختلف فيه الفقهاء والحكماء، واستدل من قال منهما بعدم حلولها فيه بأن الحياة تستلزم الحس والعظم لا إحساس له فإنه لا يتألم بقطعة كما يشاهد في القرن، وما قد يحصل في قطع العظم من التألم إنما هو لما يجاوره، وقال ابن زهر في كتاب التيسير: اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها احساس أم لا والذي ظهر لي أن لها حسا بطيئا وليت شعري ما يمنعها من التعفن والتفتت في الحياة غير حلول الروح الحيواني فيها انتهى.
وبعض من ذهب من الفقهاء إلى أن العظام لا حياة فيها بنى عليه الحكم بطهارتها من الميتة إذ الموت زوال الحياة فحيث لم تحلها الحياة لم يحلها الموت فلم تكن نجسة. وأورد عليهم هذه الآية فقيل المراد بالعظام فيها صاحبها بتقدير أو تجوز أو المراد بإحيائها ردها لما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس، ورجح هذا على إرادة صاحبها بأن سبب النزول لا بد من دخوله وعلى تلك الإرادة لا يدخل، ويدخل على تأويل إحيائها بإعادتها لما كانت عليه. ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر، والظاهر مع الشافعية ومن الفقهاء القائلين بعدم نجاسة عظام الميتة من رأى قوة الاستدلال بالآية على أن العظام تحلها الحياة فعلل الطهارة بغير ما سمعت فقال: إن نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجسا، ومنع الشافعية كون النجاسة للرطوبة وتمام الكلام في الفروع وَهُوَ عز وجل بِكُلِّ خَلْقٍ أي مخلوق عَلِيمٌ مبالغ في العلم
فقيل: قال مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ منكرا ذلك ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد وهو كونها رميما أي بالية أشد البلى، والظاهر أن «رميم» صفة لا اسم جامد فإن كان من رم اللام بمعنى بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فالحق بالأسماء الجامدة أو حمل على فعيل بمعنى مفعول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقال محيي السنة: لم يقل رميمة لأنه معدول من فاعلة فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله «بغيا» في قوله تعالى «ما كانت أمك بغيا» أسقط الهاء منها لأنها كانت مصروفة عن باغية، وقال الأزهري: إن عظاما لكونه بوزن المفرد ككتاب وقراب عومل معاملته فقيل رميم دون رميمة وذكر له شواهد وهو غريب، وإن كان من رم المتعدي بمعنى ابلى يقال رمه أي أبلاه وأصل معناه الأكل كما ذكره الأزهري من رمث الإبل الحشيش فكان ما بلى أكلته الأرض فهو فعيل بمعنى مفعول، وتذكيره على هذا ظاهر للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وفي المطلع الرميم اسم غير صفة كالرمة والرفات لا فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ولأجل أنه اسم لا صفة لا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث؟ ولا يخفى أن له فعلا وهو رم كما ذكره أهل اللغة وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامدا غير ظاهر قُلْ تبكيتا له بتذكير ما نسيه من فطرته الدالة على حقيقة الحال وإرشاده إلى طريقة الاستشهاد بها يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أي أوجدها ورباها أَوَّلَ مَرَّةٍ أي في أول مرة إذ لم يسبق لها إيجاد ولا شك أن الإحياء بعد أهون من الإنشاء قبل فمن قدر على الإنشاء كان على الأحياء أقدر وأقدر، ولا احتمال لعروض العجز فإن قدرته عز وجل ذاتية أزلية لا تقبل الزوال ولا التغير بوجه من الوجوه.
وفي الحواشي الخفاجية كان الفارابي يقول وددت لو أن أرسطو وقف على القياس الجلي في قوله تعالى «قل يحييها» إلخ وهو الله تعالى أنشأ العظام وأحياها أول مرة وكل من انشأ شيئا أولا قادر على إنشائه وإحيائه ثانيا فيلزم أن الله عز وجل قادر على انشائها وإحيائها بقواها ثانيا، والآية ظاهرة فيما ذهب إليه الإمام الشافعي قيل ومالك وأحمد من أن العظم تحله الحياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء وبنوا على ذلك الحكم بنجاسة عظم الميتة ومسألة حلول الحياة في العظم وعدمه مما اختلف فيه الفقهاء والحكماء، واستدل من قال منهما بعدم حلولها فيه بأن الحياة تستلزم الحس والعظم لا إحساس له فإنه لا يتألم بقطعة كما يشاهد في القرن، وما قد يحصل في قطع العظم من التألم إنما هو لما يجاوره، وقال ابن زهر في كتاب التيسير: اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها احساس أم لا والذي ظهر لي أن لها حسا بطيئا وليت شعري ما يمنعها من التعفن والتفتت في الحياة غير حلول الروح الحيواني فيها انتهى.
وبعض من ذهب من الفقهاء إلى أن العظام لا حياة فيها بنى عليه الحكم بطهارتها من الميتة إذ الموت زوال الحياة فحيث لم تحلها الحياة لم يحلها الموت فلم تكن نجسة. وأورد عليهم هذه الآية فقيل المراد بالعظام فيها صاحبها بتقدير أو تجوز أو المراد بإحيائها ردها لما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس، ورجح هذا على إرادة صاحبها بأن سبب النزول لا بد من دخوله وعلى تلك الإرادة لا يدخل، ويدخل على تأويل إحيائها بإعادتها لما كانت عليه. ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر، والظاهر مع الشافعية ومن الفقهاء القائلين بعدم نجاسة عظام الميتة من رأى قوة الاستدلال بالآية على أن العظام تحلها الحياة فعلل الطهارة بغير ما سمعت فقال: إن نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجسا، ومنع الشافعية كون النجاسة للرطوبة وتمام الكلام في الفروع وَهُوَ عز وجل بِكُلِّ خَلْقٍ أي مخلوق عَلِيمٌ مبالغ في العلم
53
فيعلم جل وعلا بجميع الأجزاء المتفتتة المتبددة لكل شخص من الأشخاص أصولها وفروعها وأوضاع بعضها من بعض من الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق فيعيد كلا من ذلك على النمط السابق مع القوى التي كانت قبل، والجملة إما اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما تقدم أو معطوفة على الصلة، والعدول إلى الاسمية للتنبيه على أن علمه تعالى بما ذكر أمر مستمر ليس كإنشائه للمنشآت.
وقوله تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً بدل من الموصول الأول وعدم الاكتفاء بعطف صلته على صلته للتأكيد ولتفاوتهما في كيفية الدلالة، والظرفان متعلقان بجعل قدما على ناراً مفعوله الصريح للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، والْأَخْضَرِ صفة الشجر وقرىء الخضراء، وأهل الحجاز يؤنثون الجنس المميز واحدة بالتاء مثل الشجر إذ يقال في واحده شجرة، وأهل نجد يذكرونه إلا ألفاظا استثنيت في كتب النحو، وذكر بعضهم أن التذكير لرعاية اللفظ والتأنيث لرعاية المعنى لأنه في معنى الأشجار والجمع تؤنث صفة، وقيل لأنه في معنى الشجرة وكما يؤنث صفته يؤنث ضميره كما في قوله تعالى مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الواقعة:
٥٢، ٥٣] والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار يتخذ من المرخ وهو ذكر الزند الأعلى ومن العفار بفتح العين وهو أنثى الزندة السفلى ويسحق الأول على الثاني وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى، وكون المرخ بمنزلة الذكر والعفار بمنزلة الأنثى هو ما ذكره الزمخشري وغيره واللفظ كالشاهد له، وعكس الجوهري وعن ابن عباس والكلبي في كل شجر نار إلا العناب قيل ولذا يتخذ منه مدق القصارين، وأنشد الخفاجي لنفسه:
واشتهر العموم وعدم الاستثناء ففي المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثرا من النار من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى واسع كثير، ومنه رجل ماجد أي مفضال، واختار بعضهم حمل الشجر الأخضر على الجنس وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريا وأكثر نارا كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل المرخ والعفار لا يلدان غير النار.
فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ كالتأكيد لما قبله والتحقيق له أي فإذا أنتم من ذلك الشجر الأخضر توقدون النار لا تشكون في أنها نار حقيقة تخرج منه وليست كنار الحباحب، وأشار سبحانه بقوله تعالى الَّذِي إلخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته فإن الماء بارد رطب والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلي، ثم إن هذه النار يخلقها الله تعالى عند سحق إحدى الشجرتين على الأخرى لا أن هناك نارا كامنة تخرج بالسحق ومِنَ الشَّجَرِ لا يصلح دليلا لذلك، وفي كل شجر نار من مسامحات العرب فلا تغفل، وإياك واعتقاد الكمون.
وقوله تعالى أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إلخ استئناف مسوق من جهته تعالى لتحقيق مضمون الجواب الذي أمر صلّى الله عليه وسلم أن يخاطبهم به ويلزمهم الحجة، والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أليس الذي أنشاها أول مرة وليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وليس الذي خلق السماوات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ في الصغر والحقارة بالنسبة إليهما على أن المراد بمثلهم هم وأمثالهم أو على أن المراد به هم أنفسهم بطريق الكناية كما في مثلك يفعل كذا، وقال بعضهم:
مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في هذا المقام، وزعم جماعة
وقوله تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً بدل من الموصول الأول وعدم الاكتفاء بعطف صلته على صلته للتأكيد ولتفاوتهما في كيفية الدلالة، والظرفان متعلقان بجعل قدما على ناراً مفعوله الصريح للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، والْأَخْضَرِ صفة الشجر وقرىء الخضراء، وأهل الحجاز يؤنثون الجنس المميز واحدة بالتاء مثل الشجر إذ يقال في واحده شجرة، وأهل نجد يذكرونه إلا ألفاظا استثنيت في كتب النحو، وذكر بعضهم أن التذكير لرعاية اللفظ والتأنيث لرعاية المعنى لأنه في معنى الأشجار والجمع تؤنث صفة، وقيل لأنه في معنى الشجرة وكما يؤنث صفته يؤنث ضميره كما في قوله تعالى مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الواقعة:
٥٢، ٥٣] والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار يتخذ من المرخ وهو ذكر الزند الأعلى ومن العفار بفتح العين وهو أنثى الزندة السفلى ويسحق الأول على الثاني وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى، وكون المرخ بمنزلة الذكر والعفار بمنزلة الأنثى هو ما ذكره الزمخشري وغيره واللفظ كالشاهد له، وعكس الجوهري وعن ابن عباس والكلبي في كل شجر نار إلا العناب قيل ولذا يتخذ منه مدق القصارين، وأنشد الخفاجي لنفسه:
أيا شجر العناب نارك أوقدت | بقلبي وما العناب من شجر النار |
فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ كالتأكيد لما قبله والتحقيق له أي فإذا أنتم من ذلك الشجر الأخضر توقدون النار لا تشكون في أنها نار حقيقة تخرج منه وليست كنار الحباحب، وأشار سبحانه بقوله تعالى الَّذِي إلخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته فإن الماء بارد رطب والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فيبس وبلي، ثم إن هذه النار يخلقها الله تعالى عند سحق إحدى الشجرتين على الأخرى لا أن هناك نارا كامنة تخرج بالسحق ومِنَ الشَّجَرِ لا يصلح دليلا لذلك، وفي كل شجر نار من مسامحات العرب فلا تغفل، وإياك واعتقاد الكمون.
وقوله تعالى أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إلخ استئناف مسوق من جهته تعالى لتحقيق مضمون الجواب الذي أمر صلّى الله عليه وسلم أن يخاطبهم به ويلزمهم الحجة، والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أليس الذي أنشاها أول مرة وليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وليس الذي خلق السماوات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ في الصغر والحقارة بالنسبة إليهما على أن المراد بمثلهم هم وأمثالهم أو على أن المراد به هم أنفسهم بطريق الكناية كما في مثلك يفعل كذا، وقال بعضهم:
مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في هذا المقام، وزعم جماعة
54
من المفسرين عود ضمير مِثْلَهُمْ للسماوات والأرض لشمولهما لمن فيهما من العقلاء فلذا كان ضمير العقلاء تغليبا والمقصود بالكلام دفع توهم قدم العالم المقتضي لعدم إمكان إعادته وهو تكلف ومخالف للظاهر والمشركون لا يقولون بقدم العالم فيما يظهر. وتعقب أيضا بأن قدم العالم لو فرض مع قدم النوع الإنساني وعدم تناهي أفراده في جانب المبدأ لا يأبى الحشر الجسماني إذ هو بالنسبة إلى المكلفين وهم متناهون. وزعم أن ما ثبت قدمه استحال عدمه غير تام كما قرر في محله فلا تغفل، وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق والأعرج وسلام ويعقوب في رواية «يقدر» بفتح الياء وسكون القاف فعلا مضارعا.
بَلى جواب من جهته تعالى وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي من القدرة على الخلق وإيذان بتعيينه للجواب نطقوا به أو تلعثموا فيه مخافة الالتزام، وقوله تعالى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ عطف على ما يفيده الإيجاب أي بلى هو سبحانه قادر على ذلك وهو جل وعلا المبالغ في الخلق والعلم كيفا وكما.
وقرأ الحسن والجحدري وزيد بن علي ومالك بن دينار «الخالق» بزنة الفاعل إِنَّما أَمْرُهُ أي شأنه تعالى شأنه في الإيجاد، وجوز فيه أن يراد الأمر القولي فيوافق قوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ [النحل: ٤٠] ويراد به القول النافذ.
إِذا أَرادَ شَيْئاً أي إيجاد شيء من الأشياء أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ أي أوجد فَيَكُونُ أي فهو يكون ويوجد، والظاهر أن هناك قولا لفظيا هو لفظ كن وإليه ذهب معظم السلف وشؤون الله تعالى وراء ما تصل إليه الأفهام فدع عنك الكلام والخصام، وقيل ليس هناك قول لفظي لئلا يلزم التسلسل، ويجوز أن يكون هناك قول نفسي وقوله للشيء تعلقه به، وفيه ما يأباه السلف غاية الإباء، وذهب غير واحد إلى أنه لا قول أصلا وإنما المراد تمثيل لتأثير قدرته تعالى في مراده بأمر الآمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة حصول المأمور به من غير امتناع وتوقف على شيء.
وقرأ ابن عامر والكسائي «فيكون» بالنصب عطفا على يَقُولَ وجوز كونه منصوبا في جواب الأمر، وأباه بعضهم لعدم كونه أمرا حقيقة، وفيه بحث فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ تنزيه له عز وجل مما وصفوه به تعالى وتعجيب عما قالوا في شأنه عز شأنه، والفاء جزائية أي إذا علم ذلك فسبحان أو سببية لأن ما قبل سبب لتنزيهه سبحانه، والملكوت مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت فهو الملك التام، وفي تعليق سبحان بما في حيزه إيماء إلى أن كونه تعالى مالكا للملك كله قادرا على كل شيء مقتض للتسبيح، وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب فتخصيصه بالذكر قيل لاختصاص التصرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة.
وقرأ طلحة والأعمش «ملكة» على وزن شجرة أي بيده ضبط كل شيء، وقرىء «مملكة» على وزن مفعلة وقرىء «ملك» وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لا إلى غيره تعالى وهذا وعد للمقرين ووعيد للمنكرين فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين، وقيل هو وعيد فقط على أن الخطاب للمشركين لا غير توبيخا لهم ولذا عدل عن مقتضى الظاهر وهو وإليه يرجع الأمر كله ففيه دلالة على أنهم استحقوا غضبا عظيما. وقرأ زيد بن علي «ترجعون» مبنيا للفاعل.
هذا ما لخص من كلامهم في هذه الآيات الكريمة وفيها دلالة واضحة على المعاد الجسماني وإيماء إلى دفع بعض الشبه عنه، وهذه المسألة من مهمات مسائل الدين وحيث إن هذه السورة الكريمة قد تضمنت من أمره ماله كانت عند أجلة العلماء الصدور قلب القرآن لا بأس بأن يذكر في إتمام الكلام فيها ما للعلماء في تحقيق أمر ذلك فأقول طالبا من الله عز وجل التوفيق إلى القول المقبول: اعلم أولا أن المسلمين اختلفوا في أن الإنسان ما هو فقيل هو هذا الهيكل المحسوس مع أجزاء سارية فيه سريان ماء الورد والنار في الفحم وهي جسم لطيف نوراني مخالف بالحقيقة والماهية
بَلى جواب من جهته تعالى وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي من القدرة على الخلق وإيذان بتعيينه للجواب نطقوا به أو تلعثموا فيه مخافة الالتزام، وقوله تعالى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ عطف على ما يفيده الإيجاب أي بلى هو سبحانه قادر على ذلك وهو جل وعلا المبالغ في الخلق والعلم كيفا وكما.
وقرأ الحسن والجحدري وزيد بن علي ومالك بن دينار «الخالق» بزنة الفاعل إِنَّما أَمْرُهُ أي شأنه تعالى شأنه في الإيجاد، وجوز فيه أن يراد الأمر القولي فيوافق قوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ [النحل: ٤٠] ويراد به القول النافذ.
إِذا أَرادَ شَيْئاً أي إيجاد شيء من الأشياء أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ أي أوجد فَيَكُونُ أي فهو يكون ويوجد، والظاهر أن هناك قولا لفظيا هو لفظ كن وإليه ذهب معظم السلف وشؤون الله تعالى وراء ما تصل إليه الأفهام فدع عنك الكلام والخصام، وقيل ليس هناك قول لفظي لئلا يلزم التسلسل، ويجوز أن يكون هناك قول نفسي وقوله للشيء تعلقه به، وفيه ما يأباه السلف غاية الإباء، وذهب غير واحد إلى أنه لا قول أصلا وإنما المراد تمثيل لتأثير قدرته تعالى في مراده بأمر الآمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة حصول المأمور به من غير امتناع وتوقف على شيء.
وقرأ ابن عامر والكسائي «فيكون» بالنصب عطفا على يَقُولَ وجوز كونه منصوبا في جواب الأمر، وأباه بعضهم لعدم كونه أمرا حقيقة، وفيه بحث فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ تنزيه له عز وجل مما وصفوه به تعالى وتعجيب عما قالوا في شأنه عز شأنه، والفاء جزائية أي إذا علم ذلك فسبحان أو سببية لأن ما قبل سبب لتنزيهه سبحانه، والملكوت مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت فهو الملك التام، وفي تعليق سبحان بما في حيزه إيماء إلى أن كونه تعالى مالكا للملك كله قادرا على كل شيء مقتض للتسبيح، وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب فتخصيصه بالذكر قيل لاختصاص التصرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة.
وقرأ طلحة والأعمش «ملكة» على وزن شجرة أي بيده ضبط كل شيء، وقرىء «مملكة» على وزن مفعلة وقرىء «ملك» وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لا إلى غيره تعالى وهذا وعد للمقرين ووعيد للمنكرين فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين، وقيل هو وعيد فقط على أن الخطاب للمشركين لا غير توبيخا لهم ولذا عدل عن مقتضى الظاهر وهو وإليه يرجع الأمر كله ففيه دلالة على أنهم استحقوا غضبا عظيما. وقرأ زيد بن علي «ترجعون» مبنيا للفاعل.
هذا ما لخص من كلامهم في هذه الآيات الكريمة وفيها دلالة واضحة على المعاد الجسماني وإيماء إلى دفع بعض الشبه عنه، وهذه المسألة من مهمات مسائل الدين وحيث إن هذه السورة الكريمة قد تضمنت من أمره ماله كانت عند أجلة العلماء الصدور قلب القرآن لا بأس بأن يذكر في إتمام الكلام فيها ما للعلماء في تحقيق أمر ذلك فأقول طالبا من الله عز وجل التوفيق إلى القول المقبول: اعلم أولا أن المسلمين اختلفوا في أن الإنسان ما هو فقيل هو هذا الهيكل المحسوس مع أجزاء سارية فيه سريان ماء الورد والنار في الفحم وهي جسم لطيف نوراني مخالف بالحقيقة والماهية
55
للأجسام التي منها ائتلف هذا الهيكل وإن كان لسريانه فبه بشبهه صورة ولا نعلم حقيقة هذا الجسم وهو الروح المشار إليها بقوله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥] عند معظم السلف الصالح وبينه وبين البدن علاقة يعبر عنها بالروح الحيواني وهو بخار لطيف إذا فسد وخرج عن الصلاحية لأن يكون علاقة تخرج الروح عن البدن خروجا اضطراريا وتزول الحياة، وما دام باقيا على الوجه الذي يصلح به لأن يكون علاقة تبقي الروح والحياة، وهذا الجسم المعبر عنه بالروح على ما قال الإمام القرطبي في التذكرة مما له أول وليس له آخر بمعنى أنه لا يفنى وإن فارق البدن المحسوس، وذكر فيها أن من قال إنه يفنى فهو ملحد، وقيل هو هذا الهيكل المحسوس مع النفس الناطقة التي هي جوهر مجرد بل هو الإنسان حقيقة على ما صرح به بعضهم، وإلى إثبات هذا الجوهر ذهب الحليمي والغزالي والراغب وأبو زيد الدبوسي ومعمر من قدماء المعتزلة وجمهور متأخري الإمامية وكثير من الصوفية وهو الروح الأمرية وليست داخلة البدن ولا خارجة عنه فنسبتها إليه نسبة الله سبحانه وتعالى إلى العالم وهي بعد حدوثها الزماني عندهم لا تفنى أيضا.
ورد هذا المذهب ابن القيم في كتاب الروح بما لا مزيد عليه، وكما اختلفوا في ذلك اختلفوا في أن البدن هل يتفرق بعد الموت فقط أم يتفرق وتعدم ذاته بكل قال بعض، ولعل من قال بالثاني استثنى عجب الذنب لصحة خبر استثنائه من البلى، وكل هؤلاء المختلفين اتفقوا على القول بالحشر الجسماني إلا أن منهم من قال بالحشر الجسماني فقط بمعنى أنه لا يحشر إلا جسم إذ ليس وراء الجسم عندهم جوهر مجرد يسمى بالنفس الناطقة، ومنهم من قال بالحشر الجسماني والحشر الروحاني معا بمعنى أنه يحشر الجسم متعلقا به أمر ليس بجسم هو النفس الناطقة وكل من أصحاب هذين القولين منهم من يقول بأن البدن إذا تفرق تجمع أجزاؤه يوم القيامة للحشر وتقوم فيها الروح أو تتعلق كما في الدنيا بل القيام أو التعلق هناك أتم إذ لا انقطاع له أصلا بعد تحققه فالحشر عند هؤلاء بجمع الأجزاء المتفرقة وعود قيام الروح أو تعلقها إليها، والمراد بالأجزاء الأجزاء الأصلية وهي أجزاء البدن حال نفخ الروح فيه في الدنيا لا الذرة التي أخذ عليها العهد يوم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] كما قيل: والله تعالى قادر على حفظها من التحلل والتبدل وكذا على حفظها من ان تكون أجزاء بدن آخر وإن تفرقت في أقطار الأرض واختلطت بالعناصر، وقيل:
يجوز أن تكون الأجزاء الأصلية يقبضها الملك بإذن الله تعالى عند حضور الموت فلا يتعلق بها الأكل ولا تختلط بالتراب ولا يحصل منها نماء نبات أو حيوان وهو مجرد احتمال لا دليل عليه بل مخالف لقوله سبحانه: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فإنه ظاهر في أن المحشور أجزاء رميمة مخلوطة بالتراب، ويجوز أن تكون الأجزاء الأصلية هي الأجزاء الترابية التي ينثرها الملك في الرحم على المني كما ورد في الحديث الصحيح وهو لا ينثر ترابا واحدا مرتين ويحشر البدن بعد الجمع على أكمل حالاته كما يشير إليه
قوله عليه الصلاة والسلام «يحشر الناس حفاة عراة غرلا»
ثم يزاد في أجساد أهل الجنة فيكون أحدهم كآدم عليه السلام طولا وعرضا، وكذا يزاد في أجساد أهل النار خلافا للمعتزلة حتى أن سن أحدهم لتكون كجبل أحد، وجاء كل من الزيادتين في الحديث فالمقطوع أو المجذوع مثلا لا يحشر إلا كاملا كما كان قبل القطع أو الجذع ومن خلق في الدنيا بأربع أيد مثلا يحشر على ما هو المعتاد المعروف في بني نوعه وكذا من خلق بلا يد أو رجل مثلا، والقول بأنه يلزم تعذيب جسد لم يعص وترك تعذيب جسد عصى ناشىء عن غفلة عظيمة إذ المعذب إنما هو الروح وهو الذي عصى ولا يعقل العصيان والتعذيب لنفس الجسد وحرقه بالنار ليس تعذيبا له نفسه وإلا لكان حرق الخشب تعذيبا له بل هو وسيلة إلى تعذيب الروح وهذا كما لو جعل شخص في صندوق حديد مثلا ووضع في النار أو لف في ثوب وضرب بالسياط حتى
ورد هذا المذهب ابن القيم في كتاب الروح بما لا مزيد عليه، وكما اختلفوا في ذلك اختلفوا في أن البدن هل يتفرق بعد الموت فقط أم يتفرق وتعدم ذاته بكل قال بعض، ولعل من قال بالثاني استثنى عجب الذنب لصحة خبر استثنائه من البلى، وكل هؤلاء المختلفين اتفقوا على القول بالحشر الجسماني إلا أن منهم من قال بالحشر الجسماني فقط بمعنى أنه لا يحشر إلا جسم إذ ليس وراء الجسم عندهم جوهر مجرد يسمى بالنفس الناطقة، ومنهم من قال بالحشر الجسماني والحشر الروحاني معا بمعنى أنه يحشر الجسم متعلقا به أمر ليس بجسم هو النفس الناطقة وكل من أصحاب هذين القولين منهم من يقول بأن البدن إذا تفرق تجمع أجزاؤه يوم القيامة للحشر وتقوم فيها الروح أو تتعلق كما في الدنيا بل القيام أو التعلق هناك أتم إذ لا انقطاع له أصلا بعد تحققه فالحشر عند هؤلاء بجمع الأجزاء المتفرقة وعود قيام الروح أو تعلقها إليها، والمراد بالأجزاء الأجزاء الأصلية وهي أجزاء البدن حال نفخ الروح فيه في الدنيا لا الذرة التي أخذ عليها العهد يوم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] كما قيل: والله تعالى قادر على حفظها من التحلل والتبدل وكذا على حفظها من ان تكون أجزاء بدن آخر وإن تفرقت في أقطار الأرض واختلطت بالعناصر، وقيل:
يجوز أن تكون الأجزاء الأصلية يقبضها الملك بإذن الله تعالى عند حضور الموت فلا يتعلق بها الأكل ولا تختلط بالتراب ولا يحصل منها نماء نبات أو حيوان وهو مجرد احتمال لا دليل عليه بل مخالف لقوله سبحانه: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فإنه ظاهر في أن المحشور أجزاء رميمة مخلوطة بالتراب، ويجوز أن تكون الأجزاء الأصلية هي الأجزاء الترابية التي ينثرها الملك في الرحم على المني كما ورد في الحديث الصحيح وهو لا ينثر ترابا واحدا مرتين ويحشر البدن بعد الجمع على أكمل حالاته كما يشير إليه
قوله عليه الصلاة والسلام «يحشر الناس حفاة عراة غرلا»
ثم يزاد في أجساد أهل الجنة فيكون أحدهم كآدم عليه السلام طولا وعرضا، وكذا يزاد في أجساد أهل النار خلافا للمعتزلة حتى أن سن أحدهم لتكون كجبل أحد، وجاء كل من الزيادتين في الحديث فالمقطوع أو المجذوع مثلا لا يحشر إلا كاملا كما كان قبل القطع أو الجذع ومن خلق في الدنيا بأربع أيد مثلا يحشر على ما هو المعتاد المعروف في بني نوعه وكذا من خلق بلا يد أو رجل مثلا، والقول بأنه يلزم تعذيب جسد لم يعص وترك تعذيب جسد عصى ناشىء عن غفلة عظيمة إذ المعذب إنما هو الروح وهو الذي عصى ولا يعقل العصيان والتعذيب لنفس الجسد وحرقه بالنار ليس تعذيبا له نفسه وإلا لكان حرق الخشب تعذيبا له بل هو وسيلة إلى تعذيب الروح وهذا كما لو جعل شخص في صندوق حديد مثلا ووضع في النار أو لف في ثوب وضرب بالسياط حتى
56
تخرق الثوب فالروح بمنزلة هذا الشخص والجسد بمنزلة الصندوق أو الثوب، وعلى القول بأن لكل شيء حياة لائقة به لا يلزم التعذيب أيضا إذ ليس كل حي تؤلمه النار، واعتبر ذلك بالسمند وبالنعامة وكذا بخزنة جهنم وحياتها وعقاربها والعياذ بالله عز وجل. ومنهم من يقول: إن البدن يعدم لا أنه تتفرق أجزاؤه فقط ثم يعاد للحشر بعينه، ومنهم من يقول يعدم ثم يخلق يوم القيامة مثله فتقوم فيه الروح أو تتعلق به. واستدل للقول الأول بقوله تعالى: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فإنه ظاهر في أن العظام لا تعدم ذواتها في الخارج ولا يكاد يفهم من الرميم أكثر من تفرق الأجزاء وكأن المنكرين استبعدوا جمعها فأشير إلى دفع استبعادهم بأن الإنشاء أبعد وقد وقع ثم دفع ما عسى يتوهم من أن اختلاط الأجزاء بعد تفرقها وعودها إلى عناصرها يوجب عدم تميزها فلا يتيسر جمعها بقوله سبحانه: وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ثم أشير إلى دفع ما يتوهم من أن الإنشاء كان تدريجيا نقلت فيه الأجزاء من حالة إلى حالة حتى حصل استعدادها للحياة ومناسبتها للروح ولا كذلك ما يكون يوم القيامة فلا مناسبة بين الأجزاء التي تجمع وبين الروح والحياة فلا يلزم من صحة الإنشاء صحة الحشر بقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً وحيث كان هذا معروفا بينهم يشاهده الكبير والصغير منهم أشار سبحانه إلى الدفع به وإلا فإنشاؤه تعالى لما يكون بالتولد من الحيوان كالفأر والذباب دافع لذلك.
ومن الناس من زعم أن ما يكون قبيل الساعة من الزلازل وإنزال مطر كمني الرجال ونحو ذلك لتحصيل استعداد للروح في تلك الأجزاء، وهو مما لا يحتاج إلى التزامه، وكذا استدل لذلك القول بما أرشد إليه إبراهيم عليه السلام حين قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [البقرة: ٢٦٠] وبقوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [القيامة: ٣، ٤] إلى غير ذلك من الآيات وفي الأخبار ما يقتضيه أيضا، واستدل لدعوى أن البدن يعدم ذاتا في القول الثاني بقوله سبحانه: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] وقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن: ٢٦] ورد بأنه يجوز أن يكون التفرق هلاكا بل قال بعض المحققين: إن معنى الآية كل شيء ليس بموجود في الحال في حد نفسه إلا ذات الواجب تعالى بناء على أن وجود الممكن مستفاد من الغير فلا وجود فيه مع قطع النظر عن الغير بخلاف وجود الواجب تعالى فإنه من ذاته سبحانه بل عين ذاته، ويقال نظير ذلك في الآية الثانية لو سلم دخول البدن في عموم من، واستدل لدعوى أنه يخلق يوم القيامة مثله في القول الثالث بقوله تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وأجيب بأن المراد مثلهم في الصغر والقماة على ما سمعت فيما تقدم، ولا يراد أنه تعالى قادر على أن يخلق يوم القيامة مثل أبدانهم التي كانت في الدنيا ويعيد أرواحهم إليها إذ لا يكاد يفهم هذا من الآية ولا داعي لالتزام القول بأن الحشر بخلق مثل البدن السابق وإن قيل بأن ذلك البدن تعدم ذاته في الخارج. ومن الناس من توهم وجوب التزامه إن قيل بذلك لاستحالة إعادة المعدوم.
واستدل على الاستحالة بأنه لو أعيد لزم تخلل العدم بين الشيء ونفسه وهو محال.
ورد بناء على أن الوقت ليس من المشخصات المعتبرة في الوجود بأنا لا نسلم أن التخلل هاهنا محال لأن معناه أنه كان موجودا زمانا ثم زال عنه الوجود في زمان آخر ثم اتصف بالوجود في الزمان الثالث وهو في الحقيقة تخلل العدم وقطع الاتصال بين زماني الوجود ولا استحالة فيه لوجود الطرفين المتغايرين بالذات إنما المحال تخلل العدم بين ذات الشيء ونفسه بمعنى قطع الاتصال بين الشيء ونفسه بأن يكون الشيء موجودا ولم يكن نفسه موجودا ثم يجد نفسه وهاهنا ليس كذلك فإن الشيء وجد مع نفسه في الزمان الأول ثم اتصف مع نفسه بالعدم في الزمان الآخر
ومن الناس من زعم أن ما يكون قبيل الساعة من الزلازل وإنزال مطر كمني الرجال ونحو ذلك لتحصيل استعداد للروح في تلك الأجزاء، وهو مما لا يحتاج إلى التزامه، وكذا استدل لذلك القول بما أرشد إليه إبراهيم عليه السلام حين قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [البقرة: ٢٦٠] وبقوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [القيامة: ٣، ٤] إلى غير ذلك من الآيات وفي الأخبار ما يقتضيه أيضا، واستدل لدعوى أن البدن يعدم ذاتا في القول الثاني بقوله سبحانه: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] وقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن: ٢٦] ورد بأنه يجوز أن يكون التفرق هلاكا بل قال بعض المحققين: إن معنى الآية كل شيء ليس بموجود في الحال في حد نفسه إلا ذات الواجب تعالى بناء على أن وجود الممكن مستفاد من الغير فلا وجود فيه مع قطع النظر عن الغير بخلاف وجود الواجب تعالى فإنه من ذاته سبحانه بل عين ذاته، ويقال نظير ذلك في الآية الثانية لو سلم دخول البدن في عموم من، واستدل لدعوى أنه يخلق يوم القيامة مثله في القول الثالث بقوله تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وأجيب بأن المراد مثلهم في الصغر والقماة على ما سمعت فيما تقدم، ولا يراد أنه تعالى قادر على أن يخلق يوم القيامة مثل أبدانهم التي كانت في الدنيا ويعيد أرواحهم إليها إذ لا يكاد يفهم هذا من الآية ولا داعي لالتزام القول بأن الحشر بخلق مثل البدن السابق وإن قيل بأن ذلك البدن تعدم ذاته في الخارج. ومن الناس من توهم وجوب التزامه إن قيل بذلك لاستحالة إعادة المعدوم.
واستدل على الاستحالة بأنه لو أعيد لزم تخلل العدم بين الشيء ونفسه وهو محال.
ورد بناء على أن الوقت ليس من المشخصات المعتبرة في الوجود بأنا لا نسلم أن التخلل هاهنا محال لأن معناه أنه كان موجودا زمانا ثم زال عنه الوجود في زمان آخر ثم اتصف بالوجود في الزمان الثالث وهو في الحقيقة تخلل العدم وقطع الاتصال بين زماني الوجود ولا استحالة فيه لوجود الطرفين المتغايرين بالذات إنما المحال تخلل العدم بين ذات الشيء ونفسه بمعنى قطع الاتصال بين الشيء ونفسه بأن يكون الشيء موجودا ولم يكن نفسه موجودا ثم يجد نفسه وهاهنا ليس كذلك فإن الشيء وجد مع نفسه في الزمان الأول ثم اتصف مع نفسه بالعدم في الزمان الآخر
57
ثم اتصف بالوجود مع نفسه في الزمان الثالث فلم يتحقق قطع الاتصال بين الشيء ونفسه في زمان من الأزمنة وهل هذا إلا كلبس شخص ثوبا معينا ثم خلعه ثم لبسه. واستدل أيضا بأنه لو جاز إعادة المعدوم بعينه لجاز إعادته مع مثله من كل وجه واللازم باطل لأن المتماثلين إما أن يكون أحدهما معادا دون الآخر وذلك باطل مستلزم للتحكم والترجيح بلا مرجح. وإما أن يكونا معادين وهو أيضا باطل مستلزم لاتحاد الاثنين، وإما أن لا يكون شيء منهما معادا وهو أيضا باطل مستلزم خلاف المفروض إذ قد فرض كون أحدهما معادا، وفيه أنه لا يتم إلا بإثبات فقدان الذات وبطلان الهوية فيما بين الوجودين السابق واللاحق فإنه مدار لزوم التحكم، ويجوز أن يقال: الشيء إذا عدم في الخارج بقي في نفس الأمر بحسب وجوده الذهني فيحفظ وحدته الشخصية بحسب ذلك الوجود كما لو كان متميزا ثابتا في العدم ثبوتا منفكا عن الوجود الخارجي كما ذهب إليه المعتزلة وموافقوهم، وزعم أن وحدته الشخصية غير محفوظة في الذهن إذ لا وحدة بدون الوجود ولا وجود بدون التشخص سواء كان وجودا خارجيا أو ذهنيا، والهوية الذهنية إنما تكون موجودة في الذهن بمشخصاتها الذهنية وهي بتلك المشخصات ليست هوية خارجية وإلا لزم اتصاف الهوية الخارجية بالعوارض المختصة بالوجود الذهني وهو ضروري البطلان بل بشرط تجريدها عنها، وقولهم باتحادها معها بمعنى أنها بعد التجريد عينها فليست إياها مطلقا بالفعل يتجه عليه أنه ليس معنى تجريد الهوية عن مشخصاتها جعلها خالية عنها في الواقع بل معناه قطع النظر عنها وعدم اعتبارها ولا يلزم من عدم اعتبارها اعتبار عدمها فضلا عن عدمها في الواقع وقطع النظر لا يمنع من الاتحاد في الواقع، والقول بأن قولنا: هذا معاد وهذا مبدأ قضية شخصية خارجية يتوقف صدقها على وجود الموضوع في الخارج لا ذهنية يكفي في صدقها وجود الموضوع في الذهن فقط فلا بد من انحفاظ الوحدة في الخارج ولا يكفي انحفاظها في الذهن يتجه عليه أن صدق الحكم الذهني كاف في اندفاع التحكم فتدبر، وقيل: كما أن المعدوم موجود في الذهن كذلك المبتدأ المفروض موجود فيه أيضا فليست نسبة الموجود الثاني إلى المعدوم السابق أولى من نسبته إلى المبتدأ المفروض. وتعقب بأن فيه بحثا، أما على مذهب الفلاسفة فلأن صورة المعدوم السابق مرتسمة في القوى المنطبعة للأفلاك عندهم بناء على أن صور جميع الحوادث الجسمانية منطبعة فيها بزعمهم فله صورة خيالية جزئية محفوظة الوحدة الشخصية بعد عدمه بخلاف المستأنف فإنه ليس له تلك الصورة قبل وجوده بصورته الجزئية فإذا وجد بتلك الصورة الجزئية كان معادا وإذا وجد بالصورة الكلية فإن مستأنفا، وأما على مذهب الأشاعرة من المتكلمين فلأن للمعدوم أيضا صورة جزئية حاصلة بتعلق صفة البصر من الموجد تعالى شأنه وليس تلك الصورة للمستأنف وجوده فإنها وإن كانت جزئية حقيقية أيضا إلا أنها لم تترتب على تعلق صفة البصر، ولا شك أن المترتب على تعلق صفة البصر أكمل من غير المترتب عليه فبين الصورتين تمايز واضح، وإذا انحفظ وحدة الموجود الخارجي بالصورة الجزئية الخيالية لنا فانحفاظها بالصورة الجزئية الحاصلة له سبحانه بواسطة تعلق البصر بالطريق الأولى، والقول بأن نسبة الصورة الخيالية وما هو بمنزلتها إلى كل من المعاد والمستأنف سواء أيضا فتكون الوحدة المحفوظة نوعية لا شخصية يلزم عليه أن لا تكون الصورة الخيالية جزئية بل كلية وهو خلاف ما صرحوا.
واستدل أيضا بأنه لو جاز إعادة المعدوم بعينه لما حصل القطع بحدوث شيء إذ يجوز أن يكون لكل ما نعتقده حادثا وجود سابق يعدم تارة ويعاد أخرى واللازم باطل باتفاق العقلاء. وتعقب بأن التجويز العقلي لا ينكر إلا أن الأصل عدم الوجود السابق وبه يحصل نوع من العلم، ولعل ذلك من قبيل علمنا بأن جبل أحد لا ينقلب ذهبا مع تجويز العقل انقلابه وبالجملة أدلة استحالة إعادة المعدوم غير سليمة من القوادح كما لا يخفى على من راجع المطولات من كتب
واستدل أيضا بأنه لو جاز إعادة المعدوم بعينه لما حصل القطع بحدوث شيء إذ يجوز أن يكون لكل ما نعتقده حادثا وجود سابق يعدم تارة ويعاد أخرى واللازم باطل باتفاق العقلاء. وتعقب بأن التجويز العقلي لا ينكر إلا أن الأصل عدم الوجود السابق وبه يحصل نوع من العلم، ولعل ذلك من قبيل علمنا بأن جبل أحد لا ينقلب ذهبا مع تجويز العقل انقلابه وبالجملة أدلة استحالة إعادة المعدوم غير سليمة من القوادح كما لا يخفى على من راجع المطولات من كتب
58
الكلام، وقد أشير فيما تقدم من الآيات إلى دفع شبهة عدم انحفاظ الوحدة الشخصية بقوله تعالى وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ والذي يترجح من هذه المذاهب أن الحشر يجمع الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلى آخره وهي إما أجزاء عنصرية أكثرها ترجع إلى التراب وتختلط به كما تختلط سائر الأجزاء بعناصره أو أجزاء ترابية فقط على ما سمعت فيما تقدم غير بعيد، وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه إذ حديث العناصر الأربعة وتركب البدن منها لا سيما حديث عنصر النار لم يصح فيه شيء من الشارع صلّى الله عليه وسلم ولم يذكر في كتب السلف بل هو شيء ولع فيه الفلاسفة، على أن أصحاب الفلسفة الجديدة نسمعهم ينكرون كرة النار التي قال بها المتقدمون فالأجزاء الأصلية بعد أن تتفرق وتصير ترابا يجمعها الله تعالى حيث كانت وهو سبحانه بها عليم أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: ١٤] وهذا إن ضم إليه القول بإعادة الصورة التي هي جزء جوهري من الجسم عند القائلين بتركبه منها ومن الهيولى أو العوارض المختصة بالأنواع التي هي جزء من أفراد النوع كالصورة النوعية الجوهرية كما هو مذهب النافين لتركب الجسم من الهيولى والصورة من المتكلمين يتوقف القول به على جواز إعادة المعدوم وإذا لم يضم إليه ذلك بل اكتفى بالقول يجمع الأجزاء الأصلية العنصرية وتشكيلها بشكل مثل الشكل الأول وتحليتها بعوارض مشابهة للعوارض السابقة لم يتوقف القول به على ذلك أصلا والمغايرة في الشكل وعدم اتحاد العوارض بالذات مما لا يضر في كون المحشور هو المبدأ شرعا وعرفا، ولا يلزم على ذلك التناسخ المصطلح كما لا يخفى. وفي أبكار الأفكار للآمدي بعد التفصيل المشبع بذكر الآيات والأحاديث الدالة على وقوع المعاد الجسماني والأدلة السمعية في ذلك لا يحويها كتاب ولا يحصرها خطاب وكلها ظاهرة في الدلالة على حشر الأجساد ونشرها مع إمكان ذلك في نفسه فلا يجوز تركها من غير دليل لكن هل الإعادة للأجسام بإيجادها بعد عدمها أو بتأليف أجزائها بعد تفرقها فقد اختلف فيه، والحق إمكان كل واحد من الأمرين والسمع موجب لأحدهما من غير تعيين. وبتقدير أن تكون الإعادة للأجسام بتأليف أجزائها بعد تفرقها فهل تجب إعادة عين ما تقضى ومضى من التأليفات في الدنيا أو أن الله تعالى يجوز أن يؤلفها بتأليف آخر فذهب أبو هاشم إلى المنع من إعادتها بتأليف آخر مصيرا منه إلى أن جواهر الأشخاص متماثلة وإنما يتميز كل واحد من الأجزاء بتعيينه وتأليفه الخاص فإذا لم يعد ذلك التأليف الخاص به فذلك الشخص لا يكون هو العائد بل غيره وهو مخالف حينئذ لما ورد به السمع من حشر أجساد الناس على صورهم، ومذهب من عداه من أهل الحق أن كل واحد من الأمرين جائز عقلا ولا دليل على التعيين من سمع وغيره، وما قيل من أن تعين كل شخص إنما هو بخصوص تأليفه غير مسلم بل جاز أن يكون بلونه أو بعض آخر مع التأليف. ومذهب أبي هاشم أنه لا تجب إعادة غير التأليف من الأعراض فما هو جوابه عن غير التأليف فهو جواب لنا في التأليف وما ورد من حشر الناس على صورهم ليس فيه ما يدل على إعادة عين ما تقضى من التأليف ولا مانع أن يكون الإعادة بمثل ذلك التأليف لا عينه اه.
وزعم الإمام إجماع المسلمين على المعاد بجمع الأجزائية بعد افتراقها وليس بذاك لما سمعت من الخلاف في كيفيته وهو مذكور في المواقف وغيره. ومسألة إعادة الأعراض أكثر خلافا من مسألة إعادة الجواهر فذهب معظم أهل الحق إلى جواز إعادتها مطلقا حتى أن منهم من جوز إعادتها في غير محالها. والمعتزلة اتفقوا على جواز إعادة ما كان منها على أصولهم باقيا غير متولد واختلفوا في جواز إعادة ما لا بقاء له كالحرارة والأصوات والإرادات فذهب الأكثرون منهم إلى المنع من إعادتها وجوزها الأقلون كالبلخي وغيره. وذهب إلى عدم جواز إعادة المعدوم مطلقا من المسلمين أبو الحسن البصري وبعض الكرامية. ومن الناس من خص المنع فيما عدم ذاتا ووجودا وجوز فيما عدم وجودا. وإلى القول بالمعاد الجسماني ذهب اليهود والنصارى على ما نص عليه الدواني لكن ذكر الإمام في
وزعم الإمام إجماع المسلمين على المعاد بجمع الأجزائية بعد افتراقها وليس بذاك لما سمعت من الخلاف في كيفيته وهو مذكور في المواقف وغيره. ومسألة إعادة الأعراض أكثر خلافا من مسألة إعادة الجواهر فذهب معظم أهل الحق إلى جواز إعادتها مطلقا حتى أن منهم من جوز إعادتها في غير محالها. والمعتزلة اتفقوا على جواز إعادة ما كان منها على أصولهم باقيا غير متولد واختلفوا في جواز إعادة ما لا بقاء له كالحرارة والأصوات والإرادات فذهب الأكثرون منهم إلى المنع من إعادتها وجوزها الأقلون كالبلخي وغيره. وذهب إلى عدم جواز إعادة المعدوم مطلقا من المسلمين أبو الحسن البصري وبعض الكرامية. ومن الناس من خص المنع فيما عدم ذاتا ووجودا وجوز فيما عدم وجودا. وإلى القول بالمعاد الجسماني ذهب اليهود والنصارى على ما نص عليه الدواني لكن ذكر الإمام في
59
المحصل أن سائر الأنبياء سوى نبينا صلّى الله عليه وسلم لم يقولوا إلا بالمعاد الروحاني.
وقال المحقق الطوسي في تلخيصه: أما الأنبياء المتقدمون على نبينا صلّى الله عليه وسلم فالظاهر من كلام أممهم أن موسى عليه السلام لم يذكر المعاد البدني ولا أنزل عليه في التوراة لكن جاء ذلك في كتب الأنبياء الذين جاؤوا بعده كحزقيل وشعيا عليهما السلام ولذا أقر اليهود به، وأما الإنجيل فالأظهر أن المذكور فيه المعاد الروحاني وهو مخالف لما سمعت عن الإمام، ويخالفهما ما قاله حجة الإسلام الغزالي في كتابه الموسوم بالمضنون به على غير أهله من أن في التوراة أن أهل الجنة يمكثون في النعيم خمسة عشر ألف سنة ثم يصيرون ملائكة وأن أهل النار يمكثون بها كذا وأزيد ثم يصيرون شياطين فإنه ظاهر في أن موسى عليه السلام ذكر المعاد الجسماني ونزل عليه في التوراة، والحق أن الأناجيل مملوءة مما يدل ظاهرا على أن الإنسان يحشر نفسا وجسما وأما التوراة فليس ما ذكر فيها على سبيل التصريح على ما نقل لي بعض المطلعين من مسلمي أهل الكتاب على ذلك وأنكره الفلاسفة الإلهيون وقالوا بالمعاد الروحاني فقط، وهذا الإنكار مبني إما على زعم استحالة إعادة المعدوم فيه ما فيه أو على استحالة عدم تناهي الأبعاد فإن منهم من قال: الإنسان قديم بالنوع والنفوس الناطقة غير متناهية كالأبدان فلو قيل بالحشر الجسماني يلزم اجتماع الأبدان الغير المتناهية في الوجود إذ لا بد لكل نفس من بدن مستقل فيلزم بعد غير متناه لتجتمع فيه تلك الأبدان الغير المتناهية. وقال بعضهم: إن الإنسان افراده غير متناهية والعناصر متناهية فأجزاؤها لا تفي بتلك الأبدان فكيف تحشر.
وتعقب بأن القدم النوعي للإنسان وعدم التناهي لأفراده مما لا يتم لهم عليه برهان.
وقال ابن الكمال: بناء استحالة الحشر الجسماني على استحالة عدم تناهي الأبعاد وهم سبق إليه وهم بعض أجلة الناظرين وليس الأمر كما توهم فإن حشر الأجساد اللازم على تقدير وقوع المعاد الجسماني هو حشر المكلفين من المطيع المستحق للثواب والعاصي المستحق للعقاب لا حشر جميع أفراد البشر مكلفا كان أو غيره فإنه ليس من ضروريات الدين لأن الأخبار فيه لم تصل إلى حد التواتر ولم ينعقد عليه الإجماع وقد نبه عليه المحقق الطوسي في التجريد حيث قال: والسمع دل عليه ويتأول في المكلف بالتفريق، وقال الشارح: يعني لا إشكال في غير المكلفين فإنه يجوز أن ينعدم بالكلية ولا يعاد وأما بالنسبة إلى المكلفين فإنه يتأول العدم بتفريق الأجزاء.
وفي تلخيص المحصل أيضا حيث قال: وقال القائلون بإمكان إعادة المعدوم أن الله تعالى يعدم المكلفين ثم يعيدهم ونبه على ذلك أيضا الآمدي في أبكار الأفكار حيث قرر الخلاف في إعادة المكلف ولا خفاء في أن عدم تناهي جميع أفراد البشر لا يستلزم عدم تناهي المكلفين منهم ليحتاج أمر حشرهم إلى الأبعاد الغير المتناهية اه.
والحق الطعن في قولهم بالقدم النوعي وعدم تناهي أفراد الإنسان وبرهان التطبيق متكفل عندنا بإبطال الغير المتناهي اجتمعت أجزاؤه في الوجود أم لم تجتمع ترتبت أم لم تترتب، وأما قصر الحشر على المكلفين دون غيرهم من المجانين والصغار والذين لم تبلغهم الدعوة ونحوهم فليس بشيء، والأخبار في ذلك كثيرة ولعلها من قبيل المتواتر المعنوي على أنها لو لم تكن كذلك لا داعي إلى عدم اعتبارها والقول بخلاف ما تدل عليه كما لا يخفى، وذهب القدماء من الفلاسفة الطبيعيين إلى عدم ثبوت شيء من الحشر الجسماني والحشر الروحاني، ويحكى ذلك عن التناسخية ما عدا اليهود والتناسخ عندهم غير مستمر بل يقع للنفس الواحدة ثلاث مرات على ما قيل.
وحكي عن جالينوس التوقف في أمر الحشر فإنه قال: لم يتبين لي أن النفس هل هي المزاج الذي ينعدم عند الموت فيستحيل إعادتها أو هي جوهر باق بعد فساد البنية فيمكن المعاد، والمشركون في شك منه مريب لذا ترى
وقال المحقق الطوسي في تلخيصه: أما الأنبياء المتقدمون على نبينا صلّى الله عليه وسلم فالظاهر من كلام أممهم أن موسى عليه السلام لم يذكر المعاد البدني ولا أنزل عليه في التوراة لكن جاء ذلك في كتب الأنبياء الذين جاؤوا بعده كحزقيل وشعيا عليهما السلام ولذا أقر اليهود به، وأما الإنجيل فالأظهر أن المذكور فيه المعاد الروحاني وهو مخالف لما سمعت عن الإمام، ويخالفهما ما قاله حجة الإسلام الغزالي في كتابه الموسوم بالمضنون به على غير أهله من أن في التوراة أن أهل الجنة يمكثون في النعيم خمسة عشر ألف سنة ثم يصيرون ملائكة وأن أهل النار يمكثون بها كذا وأزيد ثم يصيرون شياطين فإنه ظاهر في أن موسى عليه السلام ذكر المعاد الجسماني ونزل عليه في التوراة، والحق أن الأناجيل مملوءة مما يدل ظاهرا على أن الإنسان يحشر نفسا وجسما وأما التوراة فليس ما ذكر فيها على سبيل التصريح على ما نقل لي بعض المطلعين من مسلمي أهل الكتاب على ذلك وأنكره الفلاسفة الإلهيون وقالوا بالمعاد الروحاني فقط، وهذا الإنكار مبني إما على زعم استحالة إعادة المعدوم فيه ما فيه أو على استحالة عدم تناهي الأبعاد فإن منهم من قال: الإنسان قديم بالنوع والنفوس الناطقة غير متناهية كالأبدان فلو قيل بالحشر الجسماني يلزم اجتماع الأبدان الغير المتناهية في الوجود إذ لا بد لكل نفس من بدن مستقل فيلزم بعد غير متناه لتجتمع فيه تلك الأبدان الغير المتناهية. وقال بعضهم: إن الإنسان افراده غير متناهية والعناصر متناهية فأجزاؤها لا تفي بتلك الأبدان فكيف تحشر.
وتعقب بأن القدم النوعي للإنسان وعدم التناهي لأفراده مما لا يتم لهم عليه برهان.
وقال ابن الكمال: بناء استحالة الحشر الجسماني على استحالة عدم تناهي الأبعاد وهم سبق إليه وهم بعض أجلة الناظرين وليس الأمر كما توهم فإن حشر الأجساد اللازم على تقدير وقوع المعاد الجسماني هو حشر المكلفين من المطيع المستحق للثواب والعاصي المستحق للعقاب لا حشر جميع أفراد البشر مكلفا كان أو غيره فإنه ليس من ضروريات الدين لأن الأخبار فيه لم تصل إلى حد التواتر ولم ينعقد عليه الإجماع وقد نبه عليه المحقق الطوسي في التجريد حيث قال: والسمع دل عليه ويتأول في المكلف بالتفريق، وقال الشارح: يعني لا إشكال في غير المكلفين فإنه يجوز أن ينعدم بالكلية ولا يعاد وأما بالنسبة إلى المكلفين فإنه يتأول العدم بتفريق الأجزاء.
وفي تلخيص المحصل أيضا حيث قال: وقال القائلون بإمكان إعادة المعدوم أن الله تعالى يعدم المكلفين ثم يعيدهم ونبه على ذلك أيضا الآمدي في أبكار الأفكار حيث قرر الخلاف في إعادة المكلف ولا خفاء في أن عدم تناهي جميع أفراد البشر لا يستلزم عدم تناهي المكلفين منهم ليحتاج أمر حشرهم إلى الأبعاد الغير المتناهية اه.
والحق الطعن في قولهم بالقدم النوعي وعدم تناهي أفراد الإنسان وبرهان التطبيق متكفل عندنا بإبطال الغير المتناهي اجتمعت أجزاؤه في الوجود أم لم تجتمع ترتبت أم لم تترتب، وأما قصر الحشر على المكلفين دون غيرهم من المجانين والصغار والذين لم تبلغهم الدعوة ونحوهم فليس بشيء، والأخبار في ذلك كثيرة ولعلها من قبيل المتواتر المعنوي على أنها لو لم تكن كذلك لا داعي إلى عدم اعتبارها والقول بخلاف ما تدل عليه كما لا يخفى، وذهب القدماء من الفلاسفة الطبيعيين إلى عدم ثبوت شيء من الحشر الجسماني والحشر الروحاني، ويحكى ذلك عن التناسخية ما عدا اليهود والتناسخ عندهم غير مستمر بل يقع للنفس الواحدة ثلاث مرات على ما قيل.
وحكي عن جالينوس التوقف في أمر الحشر فإنه قال: لم يتبين لي أن النفس هل هي المزاج الذي ينعدم عند الموت فيستحيل إعادتها أو هي جوهر باق بعد فساد البنية فيمكن المعاد، والمشركون في شك منه مريب لذا ترى
60
كلامهم مضطربا فيه، والمسلمون مجمعون على وقوعه إلا أنهم مختلفون كما سمعت في كيفيته وكذا هم مختلفون في وجوبه سمعا أو عقلا، فأهل السنة على وجوبه سمعا مطلقا، والمعتزلة على أنه للمكلفين واجب عقلا لوجوب الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية عندهم وكل من الأمرين يتوقف على الحشر، وفيه نظر والله تعالى أعلم.
وقد اشتملت هذه السورة الكريمة على تقرير مطالب علية وتضمنت أدلة جليلة جلية ألا ترى أنه تعالى أقسم على كونه صلّى الله عليه وسلم أكمل الرسل وأن طريقه أوضح السبل وأشار سبحانه إلى أن المقصود ما ذكر بقوله تعالى لِتُنْذِرَ إلخ ثم بينه إجمالا أنه اتباع الذكر وخشية الرحمن بالغيب وتممه بضرب المثل مدمجا فيه التحريض على التمسك بحبل الكتاب والمنزل عليه وتفضيلهما على الكتب والرسل والتنبيه عليه ثانيا بأنه عبادة من إليه الرجعى وحده ثم أخذ في بيان المقدمات بذكر الآيات وأوثر منها الواضحات الدالة على العلم والقدرة والحكمة والرحمة وضمن فيه أن العبادة شكر المنعم وتلقي النعمة بالصرف في رضاه والحذر من الركون إلى من سواه ثم في بيان المتمم بذكر الوعد والوعيد بما ينال في المعاد وأدرج فيه حديث من سلك ومن ترك وذكر غايتهما ولخص فيه أن الصراط المستقيم هو عبادة الله تعالى بالإخلاص عن شائبتي الهوى والرياء حيث قدم على الأمر بعبادته تعالى التجنب عن عبادة الشيطان وضمن فيه أن أساسها التوحيد وكما أنه ذكر الآيات لئلا يكون الكلام خطابيا في المقدمات ختم بالبرهان على الإعادة ليكون على منواله في المتممات وجعل سبحانه ختام الخاتمة أنه عز وجل لا يتعاظمه شيء ولا ينقص خزائنه عطاء وأنه لا يخرج عن ملكته من قربه قبول أو بعده إباء تحقيقا لكل ما سلف على الوجه الأتم، ولما كان كلاما صادرا عن مقام العظمة والجلال وجب أن يراعى فيه نكتة الالتفات في قوله تعالى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ليكون إجمالا لتوضيح التفصيل كذا قرره صاحب الكشف والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
«ومن باب الاشارة» قيل إن قوله سبحانه يس إشارة إلى سيادته عليه الصلاة والسلام على جميع المخلوقات فالسيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة وهي هاهنا جميع الخلق فكأنه قيل: يا سيد الخلق وتوليته عليه الصلاة والسلام عليهم لأنه الواسطة العظمى في الإفاضة والامداد
وفي الخبر: الله تعالى المعطي وأنا القاسم
فمنزلته صلّى الله عليه وسلم من العالم بأسره بمنزلة القلب من البدن فما ألطف افتتاح قلب القرآن بقلب الأكوان وفي السين بيناتها وزبرها أسرار لا تحصى وكذا في مجموع يس وَالْقُرْآنِ قد يكون إشارة إليه صلّى الله عليه وسلم فقد ذكر الصوفية أنه يشار به إلى الإنسان الكامل وكذا الكتاب المبين وعلى ذلك جاء قول الشيخ الأكبر قدس سره:
ولا أحد أكمل من النبي عليه الصلاة والسلام، وطبق بعضهم قصة أهل انطاكية على ما في الأنفس بجعل القرية إشارة إلى القلب وأصحابها إشارة إلى النفس وصفاتها والاثنين إشارة إلى الخاطر الرحماني والإلهام الرباني والثالث المعزز به إشارة إلى الجذبة والرجل الجائي من أقصى المدينة إشارة إلى الروح، وطبق كثيرا من آيات هذه السورة على هذا الطرز، وقيل: في قوله سبحانه طائِرُكُمْ مَعَكُمْ إنه إشارة إلى استعدادهم الشيء الذي طار بهم عنقاء مغربة:
إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم وقيل: في أَصْحابَ الْجَنَّةِ في قوله تعالى: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ إنه إشارة إلى طائفة من المؤمنين كان الغالب عليهم في الدنيا طلب الجنة ولذا أضيفوا إليها وهم دون أهل الله تعالى وخاصته الذين لم يلتفتوا إلى شيء سواه عز وجل فأولئك مشغولون بلذائذ ما
وقد اشتملت هذه السورة الكريمة على تقرير مطالب علية وتضمنت أدلة جليلة جلية ألا ترى أنه تعالى أقسم على كونه صلّى الله عليه وسلم أكمل الرسل وأن طريقه أوضح السبل وأشار سبحانه إلى أن المقصود ما ذكر بقوله تعالى لِتُنْذِرَ إلخ ثم بينه إجمالا أنه اتباع الذكر وخشية الرحمن بالغيب وتممه بضرب المثل مدمجا فيه التحريض على التمسك بحبل الكتاب والمنزل عليه وتفضيلهما على الكتب والرسل والتنبيه عليه ثانيا بأنه عبادة من إليه الرجعى وحده ثم أخذ في بيان المقدمات بذكر الآيات وأوثر منها الواضحات الدالة على العلم والقدرة والحكمة والرحمة وضمن فيه أن العبادة شكر المنعم وتلقي النعمة بالصرف في رضاه والحذر من الركون إلى من سواه ثم في بيان المتمم بذكر الوعد والوعيد بما ينال في المعاد وأدرج فيه حديث من سلك ومن ترك وذكر غايتهما ولخص فيه أن الصراط المستقيم هو عبادة الله تعالى بالإخلاص عن شائبتي الهوى والرياء حيث قدم على الأمر بعبادته تعالى التجنب عن عبادة الشيطان وضمن فيه أن أساسها التوحيد وكما أنه ذكر الآيات لئلا يكون الكلام خطابيا في المقدمات ختم بالبرهان على الإعادة ليكون على منواله في المتممات وجعل سبحانه ختام الخاتمة أنه عز وجل لا يتعاظمه شيء ولا ينقص خزائنه عطاء وأنه لا يخرج عن ملكته من قربه قبول أو بعده إباء تحقيقا لكل ما سلف على الوجه الأتم، ولما كان كلاما صادرا عن مقام العظمة والجلال وجب أن يراعى فيه نكتة الالتفات في قوله تعالى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ليكون إجمالا لتوضيح التفصيل كذا قرره صاحب الكشف والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
«ومن باب الاشارة» قيل إن قوله سبحانه يس إشارة إلى سيادته عليه الصلاة والسلام على جميع المخلوقات فالسيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة وهي هاهنا جميع الخلق فكأنه قيل: يا سيد الخلق وتوليته عليه الصلاة والسلام عليهم لأنه الواسطة العظمى في الإفاضة والامداد
وفي الخبر: الله تعالى المعطي وأنا القاسم
فمنزلته صلّى الله عليه وسلم من العالم بأسره بمنزلة القلب من البدن فما ألطف افتتاح قلب القرآن بقلب الأكوان وفي السين بيناتها وزبرها أسرار لا تحصى وكذا في مجموع يس وَالْقُرْآنِ قد يكون إشارة إليه صلّى الله عليه وسلم فقد ذكر الصوفية أنه يشار به إلى الإنسان الكامل وكذا الكتاب المبين وعلى ذلك جاء قول الشيخ الأكبر قدس سره:
أنا القرآن والسبع المثاني | وروح الروح لا روح الأواني |
إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم وقيل: في أَصْحابَ الْجَنَّةِ في قوله تعالى: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ إنه إشارة إلى طائفة من المؤمنين كان الغالب عليهم في الدنيا طلب الجنة ولذا أضيفوا إليها وهم دون أهل الله تعالى وخاصته الذين لم يلتفتوا إلى شيء سواه عز وجل فأولئك مشغولون بلذائذ ما
61
طلبوه وهؤلاء جلساء الحضرة المشغولون بمولاهم جل شأنه المتنعمون بوصاله ومشاهدة جماله وفرق بين الحالين وشتان ما بين الفريقين، ولذا قيل: أكثر أهل الجنة البله فافهم الإشارة.
والشيطان في قوله تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إشارة إلى كل ما يطاع ويذل له غير الله عز وجل كائنا ما كان وعداوته لما أنه سبب الحجاب عن رب الأرباب، وفي قوله تعالى فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إشارة إلى أنه لا ينبغي الاكتراث بأذى الأعداء والالتفات إليه فإن الله تعالى سيجازيهم عليه إذا أوقفهم بين يديه، هذا ونسأل الله تعالى أن يحفظنا من شر الأشرار وأن ينور قلوبنا بمعرفته كما نور قلوب عباده الأبرار ونصلي ونسلم على حبيبه قلب جسد الأعيان وعلى آله وصحبه ما دامت سورة يس قلب القرآن.
والشيطان في قوله تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إشارة إلى كل ما يطاع ويذل له غير الله عز وجل كائنا ما كان وعداوته لما أنه سبب الحجاب عن رب الأرباب، وفي قوله تعالى فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إشارة إلى أنه لا ينبغي الاكتراث بأذى الأعداء والالتفات إليه فإن الله تعالى سيجازيهم عليه إذا أوقفهم بين يديه، هذا ونسأل الله تعالى أن يحفظنا من شر الأشرار وأن ينور قلوبنا بمعرفته كما نور قلوب عباده الأبرار ونصلي ونسلم على حبيبه قلب جسد الأعيان وعلى آله وصحبه ما دامت سورة يس قلب القرآن.
62