ﰡ
(١) - اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
(٢) - (وَتُقْرأ هَذِهِ الحُرُوفُ، مُقَطَّعَةً كُلُّ حَرْفٍ عَلَى حِدَةٍ) اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
(٤) - اللهُ تَعَالَى هُوَ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَجِمِيعُ مَنْ فِيهِنَّ عَبِيدٌ لَهُ، وَهُمْ تَحْتَ قَهْرِهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَهُوَ المُتَعَالِي فَوْقَ كُلِّ مَا فِي الوُجُودِ، العَظِيمُ الذِي لاَ يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ.
(٥) - تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَشَقَّقْنَ (يَتَفْطَّرْنَ) مِنْ هَيْبَةِ اللهِ الذِي هُوَ فَوْقَهُنَّ بِالأُلُوهِيَّةِ والخَلْقِ والعَظَمَةِ، وَالمَلاَئِكَةُ يُنَزِّهُونَ رَبَّهُمْ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ (يُسْبِّحُونَ)، وَيَصِفُونَهُ بِصِفَاتِ الكَمَالِ والجَلاَلِ، وَيَحْمَدُونَهُ عَلَى نِعَمِهِ. وَأَفْضَالِهِ، وَيَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ المَغْفِرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الأَرْضِ. وَهُوَ تَعَالَى كَثِيرُ الغُفْرَانِ لِعِبَادِهِ المُذْنِبِينَ، عَظيمُ الرَّحْمَةِ بِهِمْ.
يَتَفَطَّرْنَ - يَتَشَقَّقْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ.
أَوْلِيَاءَ - مَعْبُودَاتٍ يَزْعُمُونَ نُصْرَتَهَا لَهُمْ.
حَفِيظٌ - رَقِيبٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ.
وَكِيلٌ - مَوْكُولٌ إِلَيهِ أَمْرُهُمْ.
(٧) - وَكَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَأَرْسَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى قَوْمِهِ لِيَسْتَطِيعَ دَعْوَتَهُمْ إِلَى اللهِ بِلُغَتِهِمْ وَلِسَانِهِمْ، وَلِيَفْهَمُوا مِنْهُ مَعَانِي مَا يُرِيدُ إِبْلاَغَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، كَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً وَاضِحاً جَلِيّاً مُنَزَّلاً بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، لُغَةِ قَوْمِكَ لِتُنْذِرَ أَهْلَ مَكَةَ (أُمَّ القُرَى)، وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَتُحَذِّرَهُمْ عِقَابَ اللهِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الخَلاَئِقَ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ يَوْمٌ وَاقِعٌ لاَ شَكَّ فِيهِ وَلاَ رَيْبَ، فَيجْزِي الكَافِرِينَ الظَّالِمِينَ بِمَا اجْتَرَحُوا مِنَ الإِثْمِ والسَّيِّئَاتِ، وَيَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقْذَفُونَ فِيهَا قَذْفاً، وَيَجْزِي المُحْسِنِينَ بِالجَنَّةِ.
يَوْمَ الجَمْعِ - يَوْمَ القِيَامَةِ وَسُمِّيَ كَذِلِكَ لأَنَّ اللهَ يَجْمَعُ فِيهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لِلْحِسَابِ.
أُمَّ القُرَى - مَكَّةَ.
(٨) - وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجََعَلَ النَّاسَ جَمِيعاً أُمَّةً وَاحِدَةً، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ، وَلَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَى أَوْ عَلَى الضَّلاَلَةِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فَهَدَى مَنْ يَشَاءُ إِلَى الحَقِّ، وَأَضَلَّ مَنْ شَاءَ عَنْهُ، وَلَهُ الحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ. فَقَدْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ الإِيْمَانُ مَبْنياً عَلَى التَّكْلِيفِ وَالاخْتِيَارِ، يَدْخُلُ فِيهِ المَرْءُ بِطَوْعِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَنَتِيجَةِ تَأَمُّلِهِ فِي الأَدِلَّةِ المُوصِلَةِ إِلَى الهُدَى، وَقَدْ أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِلْكَافِرِينَ، الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ، عَذَاباً أَلِيماً، وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مَنْ يَنْصُرُهُمْ مِنَ اللهِ، أَوْ يُجِيرُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ، فَلاَ تُهْلِكْ نَفْسَكَ يَا مُحَمَّدُ أَسًى وَحُزْناً عَلَى أَنْ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.
الوَلِيُّ - النَّاصِرُ.
أَنَابَ - رَجَعَ.
(١١) - فَهُوَ تَعَالَى خَالِقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمُبْدِعُهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَقَدْ تَفَضَّلَ عَلَى العِبَادِ بِأَنْ جَعَلَ لِلنَّاسِ أَزْوَاجاً مِنْ جِنْسِهِمْ لِيَكُونَ هُنَاكَ تَنَاسُلٌ وَتَوَالُدٌ وَبَقَاءٌ لِلنَّسْلِ إِلَى الأَجَلِ الذِي حَدَّدَهُ اللهُ. وَجَعَلَ لِلأَنْعَامِ أَزْوَاجاً أَيْضاً لِتَنْظِيمِ شُؤُونِ الحَيَاةِ، وَجَعَلَ البَشَرَ والمَخْلُوقَاتِ تَتَوالَدُ وَتَتَكَاثَرُ عَنْ طَرِيقِ التَّزَاوُجِ بَيْنَ الذُّكُورِ والإِنَاثِ (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)، وَلَيْسَ كَخَالِقِ الأَزْوَاجِ شَيءٌ يُمَاثِلُهُ، فَهُوَ تَعَالَى فَرْدٌ صَمَدٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَلاَ مَثِيلَ، وَهُوَ السَّمِيعُ لِمَا يَنْطِقُ بِهِ الخَلْقُ، البَصِيرُ بِأَعْمَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ.
الفَاطِرُ - الخَالِقُ المُوجِدُ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ.
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً - زَوْجَاتٍ وَحَلاَئِلَ مِنْ جِنْسِكُمْ.
مِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً - أَصْنَافاً ذَكَراً وَأُنْثَى.
يَذْرَؤُكُمْ - يَبُثكُمْ وَيُكَثِّرُكُمْ بِالتَّزَاوُجِ.
(١٢) - لَهُ تَعَالَى مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَبِيَدِهِ مَفَاتِيحُ الخَيْرِ والشَّرِّ، وَهُوَ الحَاكِمُ المُتَصَرِّفُ فِي الخَلْقِ كَيْفَ يَشَاءُ، فَمَا فَتَحَ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا، يُوَسِّعُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاء، وَيُضَيِّقُهُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ، وَلَهُ الحُكْمُ والتَّدْبِيرُ، وَهُوَ عَليمٌ بِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ العِبَادُ، وَبِمَنْ يُصْلِحُهُ بَسْطُ الرِّزْقِ وَمَنْ يفْسِدُهُ، وَمَنْ يُصْلِحُهُ التَّضْيِيقُ وَمَنْ يُفْسِدُهُ، فَيُعَطِي كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ.
المَقَالِيدُ - المَفَاتِيحُ (وَقِيلَ إِنَّهُ أَعْجَمِيُّ مُعَرَّبٌ).
يَقْدِرُ - يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ.
(١٣) - شَرَعَ اللهُ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا شَرَعَ لِنُوحٍ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ وَأُوْلِي العَزْمِ مِنَ الرُسُلِ، وَأَمْرَهُمْ أَمْراً مُؤَكَّداً مِمَّا هُوَ أَصْلُ الإِيْمَانِ، وَأَصْلُ الشَّرَائِعِ، مِمَّا لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتَلافِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ: كَالإِيْمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالإِيْمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ، وَالإِيْمَانِ بِالمَلاَئِكَةِ وَالكُتُبِ والرُّسُلِ. وَقَدْ أَوْصَاهُمْ تَعَالَى جَمِيعاً بِإِقَامَةِ دِينِ التَّوْحِيدِ والتَّمْسُّكِ بِهِ، وَبِحِفْظِهِ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ زَيغٌ أَوِ اضْطِرَابٌ، وَبِأَلاَّ يَتَفَرَّقُوا فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَمَبَادِئِهَا.
(أَمَّا فِي التَّفَاصِيلِ فَقَدْ جَاءَ كُلُّ مُرْسَلٍ بِمَا يُنَاسِبُ قَوْمَهُ وَزَمَانَهُ (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً).
وَقَدْ شَقَّ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَتَركِ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَمَا أَلْفَوْا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ، وَاللهُ يَصْطَفِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيُقَرِّبُهُمْ إِلَيهِ، وَيُوَفِّقُهُمْ لِلعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَأتِّبَاعِ رُسُلِهِ.
اجْتَبَى - اصْطَفَى وَاخْتَارَ وَقَرَّبَ.
أَنَابَ - رَجَعَ.
كَبُرَ - عَظُمَ وَشَقَّ.
شَرَعَ - بَيَّنَ لَكُمْ طَرِيقاً وَاضِحاً.
(١٤) - يُبَيِّنَ اللهُ تَعَالَى الأَسْبَابَ التِي حَمَلَتِ النَّاسَ عَلَى التَّفَرُّقِ والاخْتِلاَفِ فِي الدِّينِ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ جَمِيعاً بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَطَلَبَ مِنْهُمِ الأَخْذَ بِهِ، وَعَدَمَ التَّفَرُّقِ فِيهِ. فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ عَلِمُوا أَنَّ الفُرْقَةُ ضَلاَلَةٌ، وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ بَغْياً وَطَلَباً لِلرِئَاسَةِ وَلِلحَمِيَّةِ وَالعَصِبِيَّةِ، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَذْهَبُ مَذْهَباً وَتَدْعُو إِلَيهِ، وَتُقَبِّحُ مَا سَوَاهُ لِلظُّهُورِ وَالتَّفَاخُرِ، وَلَوْلاَ الكَلِمَةُ السَّابِقَةَ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِأَنْ يُؤَخِّرَ حَسَابِهُمْ، وَالفَصْلَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لَعَجَّلَ لَهُمْ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا. وَالذِينَ وَرِثُوا التَّوْرَاةَ والإِنْجِيل عَنْ أَسْلاَفِهِم السَّابِقِينَ، هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ كِتَابِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ حَقَّ الإِيْمَانِ.
وَهُمْ يَقَلِّدُونَ أَسْلاَفَهُمْ بِلاَ حُجَّةٍ وَلاَ دَلِيلٍ وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فِي شَكٍّ وَحِيرَةٍ مُقْلِقَيْنِ.
البَغْيُ - الظُّلْمُ والتَجَاوُزُ.
تَفَرَّقُوا فِيهِ - اخْتَلَفُوا فَأَتَوْا بَعْضاً وَتَرَكُوا بَعْضاً.
مُرِيبٍ - مُثِيرٍ لِلشَّكِّ وَالرَّيبَةِ.
(١٥) - فَادْعُ النَّاسَ إِلَى إِقَامَةِ الدِّينِ القَوِيمِ، الذِي أَوْحَى بِهِ اللهُ إِلَى جَمِيعِ المُرْسَلِينَ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ، الذِينَ جَاؤُوا قَبْلَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ قَدْ دَعَوْتَ إِلَى تَحْقِيقِ وَحْدَةِ الدِّينِ كَمَا أَنْزَلَهَا اللهُ، وَاثْبُتْ أَنْتَ وَمَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ، وَعَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دِينٍ وَشَرْعٍ كَمَا أَمَرَكُمْ، وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ المُشْرِكِينَ، الذِينَ شَكُّوا فِي الحَقِّ بِمَا ابْتَدَعُوهُ وَافْتَرَوْهُ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ والأَوْثَانِ، وَقُلْ: إِنَّنِي صَدَّقْتُ بِجَمِيعِ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ عَلَى الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ مِنَ التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، لا أُكَذِّبُ بِشَيءٍ مِنْهَا، وَإِنَّ رَبِّي قَدْ أَمَرَنِي بِالعَدْلِ فِي الحُكْمِ والقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، فَلا أَحِيفُ وَلاَ أَجُورُ، وَأَمَرَنِي رَبِّي بِأَنْ أَقُولَ لِهَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ: إِنَّ اللهَ هُوَ المَعْبُودُ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ، وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ، وَنَحْنُ نُقِرُّ بِهِ طَوْعاً وَاخْتِيَاراً، وَأَنْتُمْ تُنْكِرُونَ رَبُوبِيَّتَهُ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لاَ يَضِيرُهُ بِشَيءٍ فَلَهُ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، وَنَحْنُ بَرَاءٌ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْمَلُونَ، فَنَحْنُ نُجْزَى بِأَعْمَالِنَا، وَأَنْتُمْ تُجْزَونَ بِأَعْمَالِكُمْ وَلاَ يَحْمِلُ أَحَدٌ وِزْرَ أََحَدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ وَلاَ خُصُومَةَ بَينَنَا وَبَيْنَكُمْ وَلاَ احْتِجَاجَ، فَإِنَّ الحَقَّ قَدْ وَضَحَ وَلَيْسَ لِلمحَاجَّةِ مَجَالٌ، وَاللهُ تَعَالَى سَيَجْمَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقْضي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ بِالحَقِّ فِيمَا كُنَّا نَخْتَلِفُ فِيهِ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِلَيهِ المَرْجِعُ والمآبُ فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بَعَمَلِهِ إِنَّ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَراً.
(وَقَالَ ابْنُ عِبَّاسٍ: لَقَدْ جَادَلُوا المُؤْمِنِينَ بَعْدَ مَا اسْتَجَابُوا للهِ وَلِلرسُولِ لِيَصُدُّوهُمْ عَنِ الهُدَى، وَطَمِعُوا فِي أَنْ تَعُودَ الجَاهِلِيَّةُ).
يُحَاجُّونَ - يُجَادِلُونَ وَيُخَاصِمُونَ.
حُجَتُهُمْ دَاحِضَةٌ - حُجَّتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَزَائِفَةٌ.
(١٧) - اللهُ تَعَالَى أَنْزَلَ كُتُبَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ مُتَضَمِّنَةً الحَقَّ الذِي لاَ شُبْهَةَ فِيهِ، وَأَنْزَلَ العَدْلَ (المِيزَانَ) لِيَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِالإْنْصَافِ دُونَ حَيْفٍ وَلاَ جَوْرٍ. والسَّاعَةُ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَلاَ شَكَّ، وَسَيَبْعَثُ اللهُ الخَلْقَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ مَوْعِدُ السَّاعَةِ قَرِيباً وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي، فَعَلَى العَاقِلِ أَنْ لاَ يَغْتَرَّ بِالدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَأَنْ يُشَمِّر عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ لِلعَمَلِ لآخِرَتِهِ لَعَلَّهُ يَكُونُ مِنَ الفَائِزِينَ.
مَا يُدْرِيكَ - مَا يُعْلِمُكَ وَيُعَرِّفُكَ.
(١٨) - رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ذَكَرَ السَّاعَةَ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَقَالُوا لَهُ اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيباً: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ والتِي قَبْلَهَا.
وَيَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ المُشْرِكِينَ المُكَذِّبِينَ الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَلاَ بِالسَّاعَةِ يَسْتَعْجِلُونَ قِيَامَ السَّاعَةِ اسْتِهْزَاءً بِهَا وَتَكْذِيباً. أَمَّا المُؤْمِنُونَ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا سَتَكُونَ بَالِغَةَ الهَوْلِ والشِّدَّةِ عَلَى الكَافِرِينَ المُكَذِّبِينَ. لِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِهَا، وَيُصَدِّقُونَ بِحُدُوثِهَا، وَيَسْتَشْعِرُونَ الخشْيَةَ مِنْهَا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونُوا قَصَّرُوا فِي طَاعَةِ رَبِّهِمْ فَيُصِيبُهُمْ شَيءٌ مِنْ أَهْوَالِ السَّاعَةِ، والذِينَ يَشُكُّونَ فِي حُدُوثِ السَّاعَةِ، وَيُجُادِلُونَ فِي وَقُوعِهَا لَفِي جَوْرٍ بَيِّنٍ عَنْ طَرِيقِ الهُدَى، وَفِي بُعْدٍ عَنِ الصَّوَابِ.
مَارَى - جَادَلَ وَشَكَّ.
مُشْفِقُونَ - خَائِفُونَ.
لَطِيفٌ - بَرٌّ، رَفِيقٌ.
(وَرُوِي أَنَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: " ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلأَتُ صَدْرَكَ شُغْلاً وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ "). (أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ والبَيْهَقِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ).
حَرْثَ الآخِرَةِ - ثَوابَهَا المَوْعُودَ أَوِ العَمَلَ لَهَا.
(٢١) - إِنَّهُمْ لاَ يَتَّبِعُونَ مَا شَرَعَ اللهُ مِنَ الدِّينِ القَوِيمِ بَلْ يَتَّبِعُونَ مَا شَرَعَ لَهُمْ شَيَاطِينُهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمُو عَلَيْهِمْ مِنَ البَحَائِرِ والوَصَائِلِ والسَّوَائِب، وَتَحْلِيلِ أَكْلِ المِيتَةِ والدَّمِ، وَالمَيْسِرِ، وَإِنْكَارِ البَعْثِ والنُّشُورِ والحِسَابِ.. وَلَوْلاَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَضَى بِأَنْ يُؤخِّرَ عِقَابِهُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لَعَاجَلَهُمْ بِالعُقُوبَةِ والعَذَابِ. والذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِشَرْعِ مَا لَمْ يَأْذَنِ اللهُ لَهُمْ بِهِ، لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ.
كَلِمَةُ الفَصْلِ - الحُكْمُ بِتَأْخِيرِ العَذَابِ إِلَى الآخِرَةِ.
(٢٢) - وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الظَّالِمِينَ خَائِفِينَ فَزِعِينَ مِنَ العِقَابِ العَادِلِ الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ عَمَّا اجْتَرَحُوهُ مِنَ الأَعْمَالِ السَّيئَةِ، وَهَذَا العِقَابُ وَاقِعٌ بِهِمْ لاَ مَحَالَةَ. أَمَّا الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ، وَأَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ مِنَ الخَوْفِ والفَزَعِ، يَتَمَتَّعُونَ بِمَحَاسِنِهَا، وَيَأْتِيهِمْ مَا تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ، وَيَنَالُونَ مَا يَشَاؤُونَ مِنْ ضُرُوبِ اللَّذَاتِ والمُتَعِ، وَذِلِكَ الذِي أَعْطَاهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ هَذَا النَّعِيمِ هُوَ الفَضْلُ الكَبيرُ الذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الآمَالُ.
رَوْضَاتِ الجِنَّاتِ - أَطْيَبِ بِقَاعِهَا أَوْ مَحَاسِنِهَا.
(٢٣) - وَهَذَا الذِي أَخْبَركُم اللهُ بِأَنَّهُ أَعَدَّهُ فِي الآخِرَةِ جَزَاءً لِلَذِينَ آمَنُوا وَعِمِلُوا صَالِحَ الأَعْمَالِ، هُوَ البُشْرَى التِي يُرِيدُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُبَشِّرَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا لِيتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهَا كَائِنَةٌ لاَ مَحَالَةَ. وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ: إِنَّنِي لاَ أَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَجَزَاءً عَلَى مَا أَقُومُ بِهِ مِنْ تَبْلِيغْكُمْ رِسَالاَتِ رَبِي، وَمَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دِين حَقٍّ، وَخَيْرٍ وَبُشْرَى فِي الآخِرَةِ، وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَتْرُكُونِي أُبَلِّغُ رِسَالاَتِ رَبِّي فَلاَ تُؤْذُوني بِحَقِّ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَاسٍ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: أَلاَّ تُؤْذُونِي فِي نفْسِي لِقَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَتَحْفَظُوا القَرَابَةَ التِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
وَمَنْ يَعْمَلْ عَمَلاً فِيهِ طَاعَةٌ للهِ وَلِلرَّسُولِ نَزِدْ لَهُ فِيهِ أَجْراً وَثَوَاباً، فَنَجْعَلُ لَهُ مََكَانَ الحَسَنَةِ عَشرَةَ أَضْعَافِهَا، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى سَبْعِمِِئَةِ ضِعْفٍ، فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرَحْمَةً، وَاللهُ تَعَالَى يَغْفِرُ الكَثِيرَ مِنَ السَّيئَاتِ، وَيُكَثِّرُ القَلِيلَ مِنَ الحَسَنَاتِ فَيَسْتُرُ وَيَغْفِرُ وَيُضَاعِفُ وَيَشْكُرُ.
(٢٤) - أَيَقُولُ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ إِنَّ مُحَمَّداً افْتَرَى القُرْآنَ وَنَسَبَهُ إِلَى رَبِّهِ كَذِباً، وَقَالَ إِنَّ اللهَ أَوْحَاهُ إِليهِ، مَعَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُوحِ إِلَيهِ شَيئاً؟ وَلَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَدَعَ أَحَداً يَدَّعِي أَنَّ الله أَوْحَى إِلَيهِ وَهُوَ لَمْ يُوحِ إِلَيْهِ شَيئاً، وَاللهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْتِمَ عَلَى قَلْبِهِ فَلاَ يَنْطِق بِقُرْآنٍ كَهَذَا، وَأَنْ يَكْشِفَ البَاطِلَ الذِي جَاءَ بِهِ وَيَمْحُوهُ، وَأَنْ يُظهِرَ الحَقَّ مِنْ وَرَائِهِ وَيُثْبِتَهُ، وَمَا كَانَ لِيَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَدُورُ فِي خَلَدِ مُحَمَّدٍ لأَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَا تُكِنَّهُ الصُّدُورُ.
خَتَمَ عَلَى قَلْبِهِ - طَبَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَغْلَقَهُ.
يُحِقُّ الحَقَّ - يُثَبِّتُهُ.
كَلِمَاتُ اللهِ - حُجَجُهُ وَآيَاتُهُ.
(٢٥) - وَيَمْتَنُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِأَنَّهُ مِنْ كَرَمِهِ وَحِلْمِهِ يَقْبَلُ تَوْبَتهمْ فِي المُسْتَقْبَلِ، إِذَا تَابُوا وَرَجَعُوا إِلَيْهِ، وَيَعْفُوا عَمَّا فَعَلُوا، مِنَ السِّيِئَاتِ فِيمَا سَلَفَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ مَا يَفْعَلُونَ وَمَا يَقُولُونَ.
(٢٦) - وَيَسْتَجِيبُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لِدَعْوَةِ رَبِّهِمْ، وَهُوَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ إِذَا مَا دَعَوْهُ، أَمَّا الكَافِرُونَ فَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاللهُ تَعَالَى لاَ يَسْتَجِيبُ لِدُعَائِهِمْ ﴿وَمَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾.
(وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى ﴿وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ﴾ هُوَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ لِدُعَاءِ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِذَا دَعَوْهُ).
بَسَطَ الرِّزْقَ - وَسَّعَهُ وَزَادَ فِيهِ.
البَغْيُ - الظُّلْمُ والاعْتِدَاءُ وَتَجَاوزُ الحَدِّ.
بِقَدَرٍ - بِتَقْدِيرٍ مُحْكَمٍ.
الغَيْثَ - المَطَرَ.
قَنَطَ - يَئِسَ.
نَشَرَ الرَّحْمَةَ - عَمّمَ مَنَافِعَ المَطَرِ.
(٢٩) - وَمِنْ دَلاَئِل عَظَمَتِهِ تَعَالَى، وَقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَمَا نَشَرَ فِيهِمَا مِنْ مَخْلُوقَاتٍ تَدِبُّ وَتَتَحَرَّكُ، وَيَجْمَعُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ جَمِيعاً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ لِيُحَاسِبَهُمْ، وَيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالعَدْلِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى جَمْعِهِمْ وَحِسَابِهِمْ.
(٣٠) - مَا يَحِلُّ بِكُمْ مِنَ مَصَائِبِ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا تُصَابُونَ بِهِ عُقُوبَةً لَكُمْ عَلَى مَا اجْتَرَحْتُمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ والذُنُوبِ والآثَامِ، وِمَا عَفَا اللهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، أَوْ آخَذَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لاَ يُعَاقِبُ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى اتَّصَفَ بِالرَّحْمَةِ، وَتَنَزَّهَ عَنِ الظُّلْمِ.
(٣٢) - وَمِنْ دَلاَئِلِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى تَسْخِيْرُهُ البَحْرَ لِتَجْرِيَ فِيهِ السُّفُنُ (الجَوَارِي) بِأَمْرِهِ كَالجِبَالِ الشَّاهِقَاتِ.
الجَوَارِي - السُّفُنُ والمَرَاكِبُ أَوِ الفُلْكُ.
الأَعْلاَمُ - الجِبَالُ الشَّاهِقَاتُ.
(٣٣) - وَلَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُسْكِنَ هُبُوبَ الرِّيحِ التِي تُسَيِّرُ السُّفُنَ فِي البَحْرِ لأَسْكَنَهَا فَتَتَوقَّفُ السُّفُنُ عَنِ الجَرْيِ، وَتَثْبُتُ فِي أَمَاكِنِهَا عَلَى سَطْحِ المَاءِ.
وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَرْيِ السُّفُنِ فِي البَحْرِ بِقُوَّةِ الرِّيَاحِ، التِي يُسَخِّرُهَا اللهُ لَهَا، وَفِي تَوَقُّفِهَا حِينَ تَسْكُنُ الرِّيحُ، لآيَاتٌ لِكُلِّ صَبَّارٍ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، كَثِيرِ الشُّكْرِ لأَنْعمِهِ.
أَسْكَنَ الرِّيحَ وَسَكَّنَهَا - أَوْقَفَ هُبُوبَهَا.
رَوَاكِدَ - سَوَاكِنَ.
يُوبِقْهُنَّ - يَجْعَلهُنَّ يَسِرْنَ عَلَى غَيْرِ هُدًى وَكَأَنَّهُنَّ آبِقَاتٌ.
(٣٥) - وَلْيَعْلَمِ الذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ تَعَالَى وَيُكَذِّبُونَهَا أَنَّهُمْ تَحْتَ قَهْرِ اللهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلاَ مَهْرَبَ لَهُمْ مِنْ بَأْسِهِ وَنَقْمَتِهِ.
مَحِيصٍ - مَهْرَبٍ وَمَحيدٍ.
(٣٦) - وَكُلُّ مَا حَصَلْتُمْ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَأَثَاثٍ وَرِيَاشٍ وَنَعْمَةٍ.. فَهُوَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ تَافِهٌ تَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ الفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ، وَمَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الثَّوَابِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ مَتَاعِ هَذِهِ الدُّنْيَا، لأَنَّهُ بَاقٍ دَائِمٌ لاَ يَزُولُ، وَلاَ يَنْصُبُ، وَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى الذِينَ آمَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ، وَهُمْ يَتَوكَّلُونَ عَلَى رَبهِمْ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ... بِأَنّهُ سَيُعِينُهُمْ عَلَى الصَّبْرِ فِي أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ.
مَتَاعٌ - مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ مِنْ أَثَاثٍ وَرِيَاشٍ وَنِعْمَةٍ.
يَتَوَكَّلُونَ - يُفَوِّضُونَ أَمْرَهُمْ إِلَيهِ.
(٣٧) - وَيَصِفُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ الذِينَ أَعَدَّ لَهُم الثَّوَابَ والجَنَّةَ فِي الآيَاتِ التَّالِياتِ. فَهُم الذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنِ ارْتِكَابِ كَبَائِرِ الإِثْمِ كَالقَتْلِ وَالزِّنَى والسَّرقَةِ، وَيَبْتَعِدُونَ عَنِ الفَوَاحِش مِنْ قَوْلٍ أَو فِعْلٍ، وَإِذَا مَا غَضَبُوا كَظَمُوا غَيْظَهُمْ وَصَفُحُوا وَعَفَوا عَمَنْ أَغْضَبَهُمْ.
الفَوَاحِشَ - مَا عَظُمَ قُبْحُهُ مِنَ الذُّنُوبِ.
(٣٨) - وَهَؤُلاَءِ المُؤْمِنُونَ، الذِينَ أَعَدَّ لَهُم اللهُ تَعَالَى الثَّوَابَ والجَنَّةَ فِي الآيَاتِ السَّابِقَاتِ، هُمُ الذِينَ أَجَابُوا رَبَّهُم الكَرِيمَ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيهِ مِنَ الإِيْمَانِ بِهِ، وَتوْحِيدِهِ وَإِطَاعَةِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ، وَأَدّوهَا حَقَّ أَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا، وَأَتَمُّوهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَخُشُوعِهَا، وَلاَ يُبْرِمُونَ أَمْراً حَتَّى يَتَشَاوَرُوا فِيهِ، وَيُدْلِي كُلٌّ بِرأْيِهِ لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ الهُدَى والصَّوَابُ فِيهِ. وَلِتَتَبَيَّنَ جَمِيعُ جَوانِبِ المَوْضُوعِ، فَلاَ يَنْتَكِسُ أَمْرُ المُسْلِمِينَ بِاسْتِبْدَادِ فَرْدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ فِي الرَّأْيِ. وَيُنْفِقُونَ مِمَّا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ فِي سَبِيلِ الخَيْرِ والبِرِّ، فِيمَا فِيهِ نَفْعُ الجَمَاعَةِ.
أَمْرُهُمْ شَوْرَى - يَتَشَاوَرُونَ وَيَتَرَاجَعُونَ فِيهِ.
أَصَابَهُم البَغْيُ - نَالَهُمُ الظُّلْمُ والعُدْوَانُ.
يَنْتَصِرُونَ - يَنْتَقِمُونَ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَلاَ يَعْتَدُونَ عَلَى النَّاسِ.
(٤٠) - وَجَزَاءُ مَا يَفْعَلُهُ المُسِيءُ مِنَ السُّوءِ هُوَ أَنْ يُعَاقَبَ وَفْقَ مَا شَرَعَهُ اللهُ مِنْ عُقُوبَةٍ لِجُرْمِهِ، وَقَدْ سمى اللهُ تَعَالَى العُقُوَبَةَ سَيِّئَةً لأَنَّهَا تَسُوءُ مَنْ تَنْزِلُ بِهِ. فَمَنْ عَفَا عَنْ مُسِيءٍ، وَأَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَادَاهُ بِالعَفُو عَنْهُ، وَبِالصَّفْحِ عَنْ ذَنْبِهِ، فَإِنَّ اللهَ يَجْزِيهِ عَلَى فِعْلِهِ أَعْظَمَ الجَزَاءِ، وَاللهُ لاَ يُجِبُّ الظَّالمِينَ، المُتَجَتاوِزِينَ للحُدُودِ، المُعْتَدِينَ عَلَى العِبَادِ.
السَّيِّئَةُ - الفِعْلُ الذِي يَسُوءُ.
(٤١) - وَالذِينَ نَزَلَ بِهِمْ ظُلْمٌ فَانْتَصَرُوا مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ، فَلَيْسَ لِلظَّالِمِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَظْلِمُوهُ، وَإِنَّمَا انْتَصَرُوا بِحَقٍّ مِنْ ظُلْمِهِ، وَمَنْ أَخَذَ حَقَّهُ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَدَّهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَظْلِمْ، فَلاَ سَبِيلِ لأَحَدٍ عَلَيْهِ.
انْتَصَرَ - سَعَى فِي نَصْرِ نَفْسِهِ بِجُهْدِهِ.
مِنْ سَبِيلٍ - مِنْ عِتَابٍ أَوْ لَوْمٍ أَوْ عِقَابٍ.
(٤٢) - إِنَّمَا الحَرَجُ واللُّوْمُ والإِثْمُ عَلَى الذِينَ يَبْدَؤُونَ النَّاسَ بِالظُّلْمِ، وَيَزِيدُونَ فِي الانْتِقَامِ، وَيَتَجَاوَزُونَ حَقَّهُمْ، وَيَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ، وَيُفْسِدُونَ فِيهَا، وَهؤُلاءِ لَهُمْ عَذَابٌ مُؤْلِمٌ عِقَاباً لَهُمْ عَلَى بَغْيِهِمْ وَظُلْمِهِمْ.
(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلاَثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا إِلاَّ أَعَزَّهُ اللهُ تَعَالَى بِهَا وَنَصَرَهُ. وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً إِلاَّ زَادَهُ اللهُ بِهَ كَثْرَةً. وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً ").
(أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيِرَةَ).
مِنْ عَزمِ الأُمُورِ - مِنَ الأُمُورِ الحَمِيدَةِ المَشْكُورَةِ أَوْ مِنَ الأَمُورِ التِي يُوجِبُهَا الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ.
(٤٤) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ أَنَّهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَلاَ رَادَّ لأَمْرِهِ، وَمَنْ أَضَلَّهُ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ مِنْ دُونِهِ. ثُمَّ يُخْبِرُ الله تَعَالَى الكَافِرِينَ، الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ، أَنَّهُمْ حِينَمَا يَرونَ العَذَابَ يَومَ القِيَامَةِ، يَتَمَنَّونَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيَعْمَلُوا صَالِحاً غَيْرَ الذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَلِيُؤْمِنُوا وَيُطِيعُوا الرَّسُولَ، وَيَقُولُونَ: هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى الرَّجْعَةِ إِلَى الدُّنْيَا لِنَعْمَلَ صَالِحاً غَيرَ الذِي كُنَّا نَعْمَلُ؟
(٤٥) - وَيُعْرَضُ هَؤُلاَءِ الكَفَرَةُ المُشْرِكُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى النَّارِ وَهُمْ خَاشِعُونَ مِنَ الذُّلِّ الذِي اعْتَرَاهُمْ لِمَا عَرَفُوهُ مِنْ عِظَمِ ذُنُوبِهِمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَنْظُرُونَ إِلَى النَّارِ مِنْ طَرفٍ خَفِيٍّ وَهُمْ يَدْرِكُونَ أَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَيهَا لاَ مَحَالَةَ. وَيَقُولُ المُؤْمِنُونَ فِي ذَلِكَ اليَومِ العَصِيبِ: إِنَّ الخَاسِرِينَ أَعْظَمَ الخَسَارَةِ هُمْ الذِينَ يَصِيرُونَ إِلَى النَّارِ فَيُنْسِيهِمُ العَذَابُ فِيهَا لَذَائِذَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ فَيَخْسَرُونَهُمْ. أَلاَ إِنَّ الكَافِرِينَ لَفِي عَذَابٍ دَائِمٍ لاَ يَفْتُرُ وَلاَ يَتَوَّقَفُ وَلاَ يَنْقَطِعُ.
خَاشِعِينَ - خَاضِعِينَ مُتَضَائِلِينَ.
مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ - يُسَارِقُونَ النَّظَرَ إِلَيهَا مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ.
(٤٧) - وَبَعْدَ أَنْ ذَكَّرَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِمَا يَكُونُ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ مِنَ الأهْوَالِ والعَظَائِمِ، حَذَّرَهُمْ مِنْهُ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الاسْتِعْدَادِ لَهُ فَقَالَ لَهُمْ: أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَآمِنُوا بِهِ، وَاتَّبعُوهُ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِي يَوْمُ القِيَامَةِ، وَأَنْتُمْ غَافِلُونَ، وَهُوَ يَوْمٌ آتٍ وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌَ أَنْ يَمْنَعَ مَجِيئَهُ إِذَا جَاءَ بِهِ اللهُ. وَلَيْسَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ اليَومِ مِنْ مَكَانٍ تَلْتَجِئُونَ إِلَيهِ لِتَنْجُونَ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَلَيْسَ لَكُمْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى إِنْكَارِ مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ جَرَائِمَ وَسَيِّئَاتٍ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا، لأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَسْطُورٌ فِي صَحِيفَةِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِذَا جَحَدْتُمُوهُ أَشْهَدَ اللهُ عَلَيكُمْ جُلُودَكُمْ وَأَسْمَاعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ.
(وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ المَعْنَى هُوَ: أَنَّ الظَّالِمِينَ لَنْ يَجِدُوا لَهُمْ نَاصِراً يُنْكِرُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ الأَليمِ.
وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ المَعْنَى هُوَ: لَيْسَ لَكُمْ مِنْ مَكَانٍ يَسْتُرُكُمْ وَتَتَنَكَّرُونَ فِيهِ فَتَغِيبُوا عَنْ بَصَرِ اللهِ تَعَالَى).
نَكِيرٍ - إِنْكَارٍ لِذُنُوبِكُمْ - أَوْ مُنْكَرٍ لِعَذَابِكُمْ.
(٤٨) - فَإِنْ أَعْرَضَ المُشْرِكُونَ عَمَّا أَتَيتَهُمْ بِهِ مِنْ الحَقِّ، وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ، فَدَعْهُمْ وَشَأْنَهُمْ، فَإِنَّنَا أَرْسَلْنَاكَ لِتُبَلِّغَهُمْ مَا أَوْحَيْنَا إِلَيكَ مِنَ الدِّينِ والقُرْآنِ، وَلَمْ نُرْسِلْكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً تُحْصِي عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ وَتَحْفَظُهَا.
وَإِنَّا إِذَا أَصَبْنَا الإِنْسَانَ بِنِعْمَةِ مِنَّا وَرَحْمَةٍ وَرِزْقٍ فَرِحَ بِذَلِكَ وَسُرَّ، وَإِنْ أَصَابِتْهُ فَاقَةٌ أَوْ مَرَضٌ (سَيِّئَةٌ) بِسَبَبِ مَا عَمِلَ مِنَ المَعَاصِي، جَحَدَ نِعْمَتَنَا، وَآيَسَ مِنَ الخَيرِ؛ وَالإِنْسَانُ مِنْ طَبْعِهِ الجُحُودُ وَكُفْرَانُ النِّعْمَةِ.
فَرِحَ بِهَا - بَطِرَ لأَجْلِهَا.
(٤٩) - اللهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَالِكُهَا، وَالمُتَصَرِّفُ فِيهَا، يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَمْنَعُ عَمَّنْ يَشَاءُ، وَلاَ رادَّ لِحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، فَيَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ذُرِّيةً إِنَاثاً، وَيَهَبُ مَنْ يَشَاءُ ذُريَّةً ذُكُوراً.
(٥٠) - أَوْ يُعْطِي مَنْ يَشَاءَ ذُرِّيةً مِنَ الزَّوْجِينِ الذُّكُورِ والإِنَاثِ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً بِلاَ نَسْلٍ، وَإِنَّهُ تَعَالَى عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ، قَدِيرٌ عَلَى خَلْقِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَ، فَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ.
(٥١) - يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ الطُّرُقَ التِي يُوحِي بِهََا أَوَامِرَهُ إِلَى مَنْ يَخْتَارُهُمْ مِنْ عِبَادِهِ:
أ - أَنْ يُحسَّ الرَّسُولُ بِمَعَانٍ تُلْقَى فِي قَلْبِهِ فَلاَ يَتَمَارَى فِي أَنَّهَا مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا فاتَّقُوا اللهً، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَب " (صَحِيحُ ابْنِ حبَّانَ).
ب - أَوْ يَرَى فِي نَوْمِهِ مَنَاماً لاَ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَرُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، أَنَّهُ يَذْبَحُ ابْنَهُ.
ج - أَنْ يَسْمَعَ كَلاَماً مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، كَمَا سَمِعَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فِي وَادِي الطُّورِ دُونَ أَنْ يُبْصِرَ مَنْ يُكَلِّمُهُ.
د - أَنْ يُرْسِلَ اللهُ تَعَالَى إِلَى رَسُولِهِ مَلَكاً فَيُوحِي ذَلِكَ المَلَكُ مَا يَشَاءُ إِلَى النَّبِيِّ.
واللهُ تَعَالَى قَاهِرٌ فَوْقَ عِبَادِهِ، حَكِيمٌ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ.
(٥٢) - وَكَمَا أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ، كَذَلِكَ أَوْحَى إِلَيكَ القُرْآنَ، وَلَمْ تَكُنْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنْزِلَ عَلَيْكَ وَحْيَهُ، تَعْلَمُ مَا القُرْآنُ، وَمَا الشَّرَائِعُ، التِي بِهَا هِدَايَةُ البَشَرِ، وَلَكِنَّ الله تَعَالَى هُوَ الذِي أَوْحَى إِلَيكَ القُرْآنَ، وَجَعَلَهُ نُوراً يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ هِدَايَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ.
وَإِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَتَهْدِي بِذَلِكَ النُّورِ المُنَزَّلِ عَلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، مَنْ أَرَادَ اللهُ هِدَايَتَهُ.
رُوحاً مِنْ أمْرِنَا - قُرآناً - أَوْ جِبْرِيلَ، عَلْيهِ السَّلاَمُ، أَوْ نُبُوَّةً.
(٥٣) - وَهَذَا القُرْآنُ هُوَ الطَرِيقُ القَوِيمُ الذِي يَهْدِي اللهُ إِلَيهِ عِبَادَهُ وَهُوَ الطَّرِيقُ الذِي شَرَعَهُ اللهُ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ. والمُتَصَرِّفُ بِهِمَا، والحَاكِمُ الذِي لاَ مُعَقَّبَ عَلَى حُكْمِهِ، أَلاَ إِنَّ أُمُورَ الخَلاَئِقِ كُلَّهَا تَصِيرُ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَفْصلُ فِيهَا بِعَدْلِهِ التَّام، وَحِكْمَتِهِ.