مكية كلها في قول الحسن وعطاء وجابر وعكرمة. وقال ابن عباس وقتادة إلا آية هي " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
﴿ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ﴾ وفي إضافة التنزيل إليه في هذا الموضع وفي أمثاله وجهان :
أحدهما : افتتاح كتاب منه كما يفتتح الكاتب كتابه به.
الثاني : تعظيماً لقدره وتضخيماً لشأنه عليه في الابتداء بإضافته إليه.
أحدهما : يعني اختلافهما بالطول والقصر.
الثاني : اختلافهما بذهاب أحدهما ومجيء الآخر.
﴿ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن رزْقٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : المطر الذي ينبت به الزرع وتحيا به الأرض.
الثاني : ما قضاه في السماء من أرزاق العباد.
﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : تصريفها بإرسالها حيث يشاء.
الثاني : ينقل الشمال جنوباً والجنوب شمالاً، قاله الحسن.
الثالث : أن يجعلها تارة رحمة وتارة نقمة ؛ قاله قتادة.
أحدها : أن الأفاك : الكذاب، قاله ابن جريج.
الثاني : أنه المكذب بربه١.
الثالث : أنه الكاهن، قاله قتادة.
﴿ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدها : يقيم على شركه مستكبراً عن طاعة ربه، وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني : أن الإصرار على الشيء العقد بالعزم عليه. وهو مأخوذ من صَرَّ الصُّرَّةَ إذا شدها، قاله ابن عيسى.
﴿ كَأَن لمْ يَسْمَعْهَا ﴾ في عدم الاتعاظ بها والقبول لها.
﴿ فَبَشَّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ قال ابن جريج نزلت١ هذه الآية في النضر بن الحارث.
أحدها : لا ينالون نعم الله، قاله مجاهد.
الثاني : لا يخشون عذاب الله، قاله الكلبي ومقاتل.
الثالث : لا يطمعون في نصر الله في الدنيا ولا في الآخرة، قاله ابن بحر.
وفي المراد بأيام الله وجهان :
أحدهما : أيام إنعامه وانتقامه في الدنيا، لأنه ليس في الآخرة أيام بين ليل ونهار.
الثاني : أنها أيام الثواب والعقاب في الآخرة. وتكون الأيام وقتاً وإن تكن أياماً على الحقيقة.
وفي الكلام أمر محذوف فتقديره : قل للذين آمنوا١ اغفروا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله. الغفران ها هنا العفو وترك المجازاة على الأذى.
وحكى الكلبي أن هذه الآية نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد شتمه رجل من المشركين فهمَّ أن يبطش به، فلما نزل ذلك فيه كف عنه.
وفي نسخ هذه الآية قولان :
أحدهما : أنها ثابتة في العفو عن الأذى في غير الدين.
الثاني : أنها منسوخة وفيما٢ نسخها قولان :
أحدهما : بقوله سبحانه ﴿ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ٣ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ قاله قتادة.
الثاني : بقوله ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم٤ ظُلِمُوا ﴾ قاله أبو صالح.
٢ في ك وفي نسخها..
٣ الآية ٥ من سورة التوبة..
٤ الآية ٣٩ من سورة الحج..
أحدهما : ذكر الرسول وشواهد نبوته.
الثاني : بيان الحلال والحرام، قاله السدي.
﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العِلمُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من بعد يوشع بن نون، فآمن بعضهم وكفر بعضهم١، حكاه النقاش.
الثاني : بعدما أعلمهم الله ما في التوراة.
﴿ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : طلباً للرسالة وأنفة من الإذعان للصواب، حكاه ابن عيسى.
الثاني : بغياً على رسول الله صلى عليه وسلم في جحود ما في كتابهم من نبوته وصفته، قاله الضحاك.
الثالث : أنهم أرادوا الدنيا ورخاءها فغيروا كتابهم وأحلوا فيه ما شاؤوا، وحرموا ما شاؤوا٢، قاله يحيى بن آدم.
٢ هذه العبارة ساقطة من ك..
وفي المراد بالشريعة أربعة أقاويل :
أحدها : أنها الدين، قاله ابن زيد، لأنه طريق للنجاة١.
الثاني : أنها الفرائض والحدود والأمر والنهي، قاله قتادة ؛ لأنها طريق إلى الدين.
الثالث : أنها البينة، قاله مقاتل ؛ لأنها طريق الحق.
الرابع : السنة، حكاه الكلبي ؛ لأنه يستنّ بطريقة من قبله من الأنبياء.
(هبوني امرأً منكم اضلَّ بعيره | له ذمة إن الذمام كثير) |
أحدها : أفرأيت من اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئاً إلا ركبه، قاله ابن عباس.
الثاني : أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه ويستحسنه، فإذا استحسن شيئاً وهويه١ اتخذه إلهاً، قاله عكرمة، قاله سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر. فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر.
الثالث : أفرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده تعجباً لذوي العقول من هذا الجهل.
﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلمٍ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : وجده ضالاً، حكاه ابن بحر.
الثاني : معناه ضل عن الله. ومنه قول الشاعر :
هبوني امرأً منكم أضلَّ بعيره | له ذمة إن الذمام كثير |
وفي قوله :﴿ عَلَى عِلمٍ ﴾ وجهان :
أحدهما : على علم منه أنه ضال، قاله مقاتل.
الثاني : قاله ابن عباس أي في سابق علمه أنه سيضل.
﴿ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلبِهِ ﴾ أي طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ، وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى.
﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غَشَاوَةً ﴾ حتى لا يبصر الرشد.
ثم في هذا الكلام وجهان :
أحدهما : أنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم.
الثاني : أنه خارج مخرج الدعاء بذلك عليهم.
وحكى ابن جريج أنها نزلت في الحارث بن قيس من الغياطلة٢، وحكى الضحاك أنها نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف.
٢ جاء في كتاب الاشتقاق لابن دريد طبع أوربا ص ٧٥ (بنو قيس بن عدي كانوا من رجال قريش يلقبون الغياطل "بالغين" وكان قيس سيد قريش في دهره غير مدافع) قال: والغياطل جمع غيطله وهو الشجر الملتف واختلاط الظلام..
(لكل أمر أتى يوماً له سبب | والدهر فيه وفي تصريفه عجب) |
(أمن المنون وريبها تتوجع | والدهر ليس بمعتب من يجزع) |
أحدها : مستوفزة، قاله مجاهد. وقال سفيان : المستوفز الذي لا يصيب منه الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله.
الثاني : مجتمعة، قاله ابن عباس.
الثالث : متميزة، قاله عكرمة.
الرابع : خاضعة بلغة قريش، قاله مؤرج.
الخامس : باركة على الركب، قاله الحسن.
وفي الجثاة قولان :
أحدهما : أنه للكفار خاصة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنه عام للمؤمن والكافر انتظاراً للحساب.
وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبد الله بن باباه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كأني أراكم بالكوم١ جاثين دون جهنم.
﴿ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى حسابها، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر، قاله الكلبي٢.
الثالث : إلى كتابها الذي أنزل على رسولها، حكاه الجاحظ٣.
٢ وهذا قول مقاتل ومعنى قول مجاهد..
٣ وقبل "كتابها" ما كتبت الملائكة عليها، وقيل الكتاب هاهنا اللوح المحفوظ..
أحدها : أنه القرآن يدلكم على ما فيه من الحق، فكأنه شاهد عليكم، قاله ابن قتيبة.
الثاني : أنه اللوح المحفوظ يشهد بما قضي فيه من سعادة وشقاء، خير وشر، قاله مقاتل، وهو معنى قول مجاهد.
الثالث : أنه كتاب الأعمال الذي يكتب الحفظة فيه أعمال العباد ويشهد عليكم بما تضمنه من صدق أعمالكم، قاله الكلبي.
﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُم تَعْمَلُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني يكتب الحفظة ما كنتم تعملون في الدنيا، قاله١ علي رضي الله عنه ومن زعم أنه كتاب الأعمال.
الثاني : أنه الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدوَّن عندها من أحوال العباد، قاله ابن عباس ومن زعم أن الكتاب هو اللوح المحفوظ.
الثالث : نستنسخ ما كتبت٢ عليكم الملائكة الحفظة، قاله الحسن ؛ لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال.
٢ في الأصل حفظت والتصويب من تفسير القرطبي عند نقله قول الحسن ص ١٧٥ ج ١٦ من تفسير القرطبي..
مكية في قول الجميع إلا رواية تشذ عن ابن عباس وقتادة أنها كذلك إلا آية منها مدنية وهي ﴿قل أرأيتم إن كان من عند الله﴾ وقال الكلبي: بل هي ﴿وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله﴾. بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري، قاله الضحاك.
الثاني : اليوم نترككم من الرحمة كما تركتم الطاعة، وهو محتمل.
الثالث : اليوم نترككم من الخير كما تركتمونا من العمل، قاله سعيد بن جبير.
أحدها : أن الكبرياء العظمة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنه السلطان، قاله مجاهد.
الثالث : الشرف، قاله ابن زياد.
الرابع : البقاء والخلود.
﴿ وَهُوَ العَزِيزُ ﴾ في انتقامه ﴿ الحَكِيمُ ﴾ في تدبيره.