تفسير سورة البقرة

إيجاز البيان
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن المعروف بـإيجاز البيان .
لمؤلفه بيان الحق النيسابوري . المتوفي سنة 553 هـ

ومن سورة البقرة
١ الم ونظائرها قيل «١» : إنّها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله وما سمّيت معجمة إلا لإعجامها «٢».
والأصحّ أنّها اختصار كلام يفهمه المخاطب «٣»، أو أسماء للسّور «٤»
(١) أورده المؤلف في وضح البرهان: ١/ ١٠١، ورجح هذا القول ونسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ونقل النحاس هذا القول في معاني القرآن: (١/ ٧٧، ٧٨) عن الشعبي، وأبي حاتم الرازي، ونقله عن الشعبي أيضا البغوي في تفسيره: ١/ ٤٤، وكذا ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ١٣٨، وزاد نسبته إلى سفيان الثوري وجماعة من المحدثين.
وانظر زاد المسير: ١/ ٢٠، وتفسير القرطبي: ١/ ١٥٤، وفيه: «وروى هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما».
(٢) أشار الناسخ إلى ما بعده في الهامش ولم أستطع قراءته، وجاء في وضح البرهان:
١/ ١٠١: «لإعجام بيانها وإبهام أمرها».
(٣) وقد روي نحو هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، من ذلك ما أخرجه الطبري في تفسيره: ١/ ٢٠٧، وابن أبي حاتم في تفسيره: ١/ ٢٧، والنحاس في معاني القرآن: ١/ ٧٣ في قوله: الم قال: أنا الله أعلم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٥٦، وزاد نسبته إلى وكيع، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس، وقد رجح الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٦٢ هذا القول المنسوب إلى ابن عباس، وقال: «والدليل على ذلك أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل به على الكلمة التي هو منها، قال الشاعر:
قلنا لها قفي قالت قاف لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف
فنطق بقاف فقط، يريد قالت أقف»
.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره: ١/ ٢٠٦ عن عبد الرحمن بن أسلم، وعزاه القاضي عبد الجبار في متشابه القرآن: (١٦، ١٧) إلى الحسن البصري، وكذا المؤلف في وضح البرهان:
١/ ١٠٢. وذكر الفخر الرازي في تفسيره: ٢/ ٦ أنه قول أكثر المتكلمين، واختيار الخليل وسيبويه. وقال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ٣٠٠: «فإن كانت أسماء للسور، فهي أعلام تدل على ما تدل عليه الأسماء من أعيان الأشياء وتفرق بينها. فإذا قال القائل:
(المص) أو قرأت: ص أو ن دل بذاك على ما قرأ كما تقول: لقيت محمدا وكلمت عبد الله، فهي تدل بالاسمين على العينين، وإن كان قد يقع بعضها مثل حم والم لعدة سور، فإن الفصل قد يقع بأن تقول: حم السجدة، والم البقرة، كما يقع الوفاق في الأسماء، فتدل بالإضافات وأسماء الآباء والكنى»
. [.....]
63
لأنّ الله أشار بها إلى الكتاب، ولا تصلح صفة للمشار إليه، لأنّ الصّفة للتحلية بالمعاني أو هي إشارة إلى أنّ ذلك الكتاب الموعود مؤلف منها.
فلو كان من عند غير الله لأتيتم بمثله، فيكون موضع الم رفعا بالابتداء، والخبر ذلِكَ الْكِتابُ «١».
وقال المبرّد «٢» : ليس في الم إعراب لأنها حروف هجاء وهي لا يلحقها الإعراب، لأنها علامات إلا أنّها يجوز أن تجعل أسماء للحروف فتعرب.
[٢/ ب] والكتاب والفرض والحكم والقدر واحد «٣»، وفي/ الحديث «٤» :
(١) معاني القرآن للزجاج (١/ ٦٧، ٦٨)، ومشكل إعراب القرآن لمكي: ١/ ٧٣، والبيان لابن الأنباري: ١/ ٤٣، والتبيان للعكبري: ١/ ١٤، والدر المصون: ١/ ٨١.
(٢) المبرد: (٢١٠- ٢٨٥ هـ).
هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي، أبو العباس. الإمام النّحوي الأديب.
صنّف الكامل في النحو، والمذكر والمؤنث، والمقتضب، وغير ذلك.
قال الزّبيدي في شرح خطبة القاموس: ١/ ٩٢: «المبرّد بفتح الراء المشددة عند الأكثر، وبعضهم بكسر».
أخباره في: طبقات النحويين للزبيدي: ١٠١، معجم الأدباء: ١٩/ ١١١، بغية الوعاة:
١/ ٢٦٩.
(٣) تفسير القرطبي: ١/ ١٥٩.
(٤) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: ٣/ ١٦٧، كتاب الصلح، باب «إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود»، والإمام مسلم في صحيحه: ٣/ ١٣٢٥، كتاب الحدود، باب «من اعترف على نفسه بالزنا» عن أبي هريرة رضي الله عنه ورفعه، واللفظ عندهما:
«لأقضين بينكما بكتاب الله». وانظر النهاية لابن الأثير: ٤/ ١٤٧.
64
«لأقضينّ بكتاب الله» أي بحكمه.
٢ لا رَيْبَ فِيهِ يخاطب أهل الكتاب لمعرفتهم به من كتابهم «١». أو لا سبب شكّ وشبهة فيه من انتفاء أسباب التناقض والتعقيد ونحوهما «٢».
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ لأنهم الذين اهتدوا به، وموضع هُدىً نصب على الحال من «هاء» فِيهِ، والعامل فيه هو العامل في الظرف، وهو معنى رَيْبَ أي: لا ريب فيه هاديا، ويجوز موضعه رفعا بمعنى فيه هدى أو يكون خبر ذلِكَ الْكِتابُ «٣».
٣ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ بما يغيب عن الحواس، أو يؤمنون بظهر الغيب ولا ينافقون «٤»، والجار والمجرور في موضع حال، وعلى الأول في معنى مفعول به.
والصَّلاةَ: الدعاء، وفي الحديث «٥» :«إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب وإن كان صائما فليصلّ» أي فليدع لصاحبه.
(١) المحرر الوجيز: ١/ ١٤٢، تفسير القرطبي: ١/ ١٥٨.
(٢) قال المصنف رحمه الله في كتابه «وضح البرهان» : ١/ ١٠٤: إخبار عن كون القرآن حقا وصدقا إذ أسباب الشك عنه زائلة، وصفات التعقيد والتناقض منه بعيدة، والإعجاز واقع، والهدى حاصل، والشيء إذا بلغ هذا المبلغ اتصف بأنه لا رَيْبَ فِيهِ.
(٣) تفسير الطبري: ١/ ٢٣١، معاني القرآن للزجاج: ١/ ٧٠، إعراب القرآن للنحاس:
١/ ١٨٠، الدر المصون: ١/ ٨٦.
(٤) ذكر المفسرون أقوالا كثيرة في المراد بِالْغَيْبِ، راجع هذه الأقوال في تفسير الطبري:
١/ ٢٣٦، تفسير البغوي: ١/ ٤٧، المحرر الوجيز: (١/ ١٤٥، ١٤٦)، زاد المسير:
(١/ ٢٥، ٢٦)، تفسير القرطبي: ١/ ١٦٣. قال الإمام أبو جعفر الطبريّ رحمه الله:
«وأصل الغيب: كل ما غاب عنك من شيء. وهو من قولك: غاب فلان يغيب غيبا».
وأورد ابن عطية رحمه الله بعض الأقوال، ثم قال: «وهذه الأقوال لا تتعارض، بل يقع الغيب على جميعها، والغيب في اللغة: ما غاب عنك من أمر، ومن مطمئن الأرض الذي يغيب فيه داخله.
(٥) أخرجه- باختلاف يسير في بعض ألفاظه- الإمام مسلم في صحيحه: ٢/ ١٠٥٤، كتاب النكاح، باب «الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة»
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. وانظر غريب الحديث لأبي عبيد: ١/ ١٧٨، النهاية لابن الأثير: ٣/ ٥٠، اللسان: ١٤/ ٤٦٥ (صلا).
وقيل «١» : الصلاة من صليت العود، إذا لينته، لأنّ المصلى يلين ويخشع.
وأصل الإنفاق «٢» الإنفاد، أنفق القوم نفد زادهم «٣».
٥ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: يدخل «هم» في مثله فصلا، وفي لفظ الكوفيين عمادا ولا موضع له من الإعراب «٤»، وإنما يؤذن أن الخبر معرفة، أو أن الذي بعده خبر لا صفة.
٦ سَواءٌ عَلَيْهِمْ في قوم من الكفار، وسَواءٌ بمعنى مستو. وفي حديث علي رضي الله عنه: «حبّذا أرض الكوفة، سواء سهلة» «٥».
والحكمة في الإنذار مع العلم بالإصرار إقامة الحجة، وليكون الإرسال عاما، وليثاب الرسول «٦».
وسَواءٌ عَلَيْهِمْ يجوز أن يكون خبر (إن)، ويجوز اعتراضا، والخبر لا يُؤْمِنُونَ «٧»، ولفظ الإنذار «٨» في أَأَنْذَرْتَهُمْ معناه الخبر
(١) هذا القول بنصه في مجمل اللّغة لابن فارس: ٢/ ٣٨ (صلى)، وأورده السمين الحلبي في الدر المصون: ١/ ٩٤، وقال: «ذكر ذلك جماعة أجله وهو مشكل، فإن الصلاة من ذوات الواو، وهذا من الياء».
(٢) من قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.
(٣) تهذيب الألفاظ: ٢١، مفردات الراغب: ٥٠٢، الكشاف: ١/ ١٣٣، البحر المحيط:
١/ ٣٩، الدر المصون: ١/ ٩٦.
(٤) ينظر هذه المسألة في الجمل للزجاجي: ١٤٢، والإنصاف لابن الأنباري: ١/ ٧٠٦.
(٥) أخرجه يحيى بن معين في تاريخه: ٤/ ٥١، واللّفظ عنده: «يا حبذا الكوفة، أرض سواء معروفة تعرفها جمالنا المعلوفة». أخرجه ابن معين عن علي رضي الله عنه، وفيه انقطاع لأن ابن عيينة لم يسمع من علي.
واللّفظ الذي أورده المؤلف رحمه الله في غريب الحديث للخطابي: ٢/ ١٨٧، والفائق للزمخشري: ٢/ ٢٠٩، النهاية: ٢/ ٤٢٧. [.....]
(٦) في وضح البرهان: ١/ ١٠٥: «وقيل لثبات الرسول على محاجة المعاندين».
(٧) إعراب القرآن للنحاس: ١/ ١٨٤، عن ابن كيسان. وانظر مشكل إعراب القرآن: ١/ ٧٦، التبيان للعكبري: ١/ ٢١.
(٨) في «ك» و «ج» : الاستفهام، وكذلك في وضح البرهان للمؤلف.
للتسوية «١» التي في الاستفهام من الإبهام، ولا تسوية في «أو» «٢» لأنها تكون في معنى «أي» وهذا معنى قولهم إن أو لا تعادل الألف، والمعادلة أن تكون أم مع الألف في معنى أي، ولا يجوز: لأضربنه قام أو قعد، ويجوز «أم» «٣»، إذ لا تسوية في الإبهام لأن المعنى لأضربنه على كل حال.
٧ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وسمها بسمة تعرفها الملائكة كما كتب الإيمان في قلوب المؤمنين «٤».
وقيل/: هو حفظ ما في قلوبهم للمجازاة إذ ما يحفظ يختم. [٣/ أ] وقيل: المراد ظاهره، وهو المنع بالخذلان عقوبة لا بسلب القدرة، والقلب مضغة معلقة بالنياط، وعربي خالص.
وفي الخبر «٥» :«لكلّ شيء قلب، وقلب القرآن يس» : ولم يجمع السمع للمصدر أو لتوسطه الجمع «٦» [من طرفيه] «٧».
(١) ذكره الأخفش في معاني القرآن: (١/ ١٨١، ١٨٢)، وانظر معاني القرآن للزجّاج: ١/ ٧٧، إعراب القرآن للنحاس: ١/ ١٨٤، الحجة لأبي علي الفارسي: (١/ ٢٦٤، ٢٦٥)، التبيان للعكبري: ١/ ٢٢، الدر المصون: ١/ ١٠٥.
(٢) الحجة للفارسي: ١/ ٢٦٥.
(٣) راجع هذا المعنى ل «أم» في حروف المعاني للزّجاجي: ٤٨، رصف المباني: ١٨٧، الجنى الداني: ٢٢٥.
(٤) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ٦٧.
(٥) أخرجه الترمذي في السنن: ٥/ ١٦٢، كتاب فضائل القرآن، باب «ما جاء في فضل يس» عن أنس رضي الله عنه مرفوعا، وقال: «هذا حديث غريب».
وأخرجه- أيضا- الدارمي في سننه: ٢/ ٤٥٦، كتاب فضائل القرآن، باب «في فضل يس»، وفي سنده هارون أبو محمد مجهول.
قال العجلوني في كشف الخفاء: ١/ ٢٦٩: «وأجيب بأن غايته أنه ضعيف، وهو يعمل به في الفضائل».
(٦) زاد في وضح البرهان: ١/ ١٠٧، «فكان جمعا بدلالة القرينة، مثل: السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، والظُّلُماتِ وَالنُّورَ.
(٧) ما بين معقوفين عن نسخة «ج»
.
وأصل العذاب: المنع، واستعذب عن كذا: انتهى «١».
وفي حديث علي «٢» رضي الله عنه: «اعذبوا عن ذكر النساء، فإن ذلك يكسركم عن الغزو»، وفي المثل «٣» : لألجمنّك لجاما معذبا، أي: مانعا من ركوب الرأس.
٨ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ دخلت الباء في خبر «ما» مؤكدة للنفي «٤»، لأنه يستدل بها السامع على الجحد إذا كان غفل عن أول الكلام.
٩ يُخادِعُونَ اللَّهَ: مفاعله للواحد، مثل: عافاه الله وقاتله، وعاقبت اللص، أو المراد: مخادعة الرسول والمؤمنين كقوله «٥» : يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [أي: يخادعون رسول الله] «٦»، وأصل الخداع: إظهار غير ما في النفس «٧»، وفي المثل «٨» : أخدع من [ضب] «٩» حرشته.
وفي الحديث «١٠» :«بين يدي الساعة سنون خدّاعة».
(١) تهذيب اللغة: ٢/ ٣٢١، الصحاح: ١/ ١٧٨، اللسان: ١/ ٥٨٤ (عذب).
(٢) الحديث ذكره أبو عبيد في غريب الحديث: ٣/ ٤٦٧ دون إسناد.
وهو في الفائق للزمخشري: ٢/ ٤٠٥، وغريب الحديث لابن الجوزي: ٢/ ٧٦، والنهاية لابن الأثير: ٣/ ١٩٥.
(٣) جمهرة الأمثال للعسكري: ٢/ ٢١٥، ومجمع الأمثال للميداني: ٣/ ١٣٠.
(٤) معاني القرآن للزجاج: ١/ ٨٥، إعراب القرآن للنحاس: ١/ ١٨٧، مشكل إعراب القرآن:
١/ ٧٧، التبيان للعكبري: ١/ ٢٥. [.....]
(٥) من آية ٥٧ سورة الأحزاب.
(٦) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٧) انظر اللسان: ٨/ ٦٣، تاج العروس: ٢٠/ ٤٨٣ (خدع).
(٨) الجمهرة لابن دريد: ١/ ٥١٢، تهذيب اللغة: ١/ ١٥٩، جمهرة الأمثال للعسكري:
١/ ٤٤٠، مجمع الأمثال: ١/ ٤٥٨. والمعنى- كما في مجمع الأمثال- أن خدع الضّبّ إنما يكون من شدة حذره، وأما صفة خدعة فأن يعمد بذنبه باب جحره، ليضرب به حية أو شيئا آخر إن جاءه، فيجيء المحترش فإن كان الضبّ مجرّبا أخرج ذنبه إلى نصف الجحر، فإن دخل عليه شيء ضربه، وإلا بقي في جحره.
(٩) في الأصل: «ظبي»، والمثبت في النص من «ك» و «ج».
(١٠) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ٢/ ٢٩١ باختلاف يسير في اللفظ. وابن ماجة في السنن: ٢/ ١٣٣٩، كتاب الفتن، باب «شدة الزمان» عن أبي هريرة مرفوعا وفي إسنادهما إسحاق بن أبي الفرات، جهّله الحافظ في التقريب: ١٠٢، وهو أيضا في غريب الحديث للخطابي: ١/ ٥٣٠، الفائق للزمخشري: ٣/ ٥٥، النهاية: ٢/ ١٤.
وفي معنى الحديث قال ابن الأثير: «أي تكثر فيها الأمطار ويقل الرّيع، فذلك خداعها، لأنها تطمعهم في الخصب بالمطر ثم تخلف. وقيل: الخدّاعة: القليلة المطر، من خدع الرّيق إذا جفّ».
١٠ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً: أي: عداوة الله «١» كقوله «٢» : فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، أي: من ترك ذكر الله.
وقيل «٣» : ذلك بما كلّفهم من حدود الشريعة وفروضها.
وقيل «٤» : ذلك بزيادة تأييد الرسول تسمية للمسبب باسم السبب.
١٠ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ: «ما» [مع الفعل] «٥» بمعنى المصدر وليس بمعنى الذي «٦» لأن «الذي» يحتاج إلى عائد من الضمير. وإنما جاءهم المفسدون مع فساد غيرهم لشدة فسادهم، فكأنه لم يعتد بغيره.
١٤ وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ: أبلغ من خلوا بهم «٧» لأن فيه دلالة الابتداء والانتهاء، لأن أول لقائهم للمؤمنين أي: إذا خلوا من المؤمنين إلى الشياطين «٨».
(١) في «ج» : أي زادهم عداوة الله مرضا.
(٢) الزمر: آية: ٢٢.
(٣) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: ١/ ٦٩.
(٤) المصدر السابق، أورد معناه دون لفظه.
(٥) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٦) وذكر السمين الحلبي في الدر المصون: ١/ ١٣١ أن «ما» يجوز أن تكون بمعنى الذي، وقال: «وحينئذ فلا بدّ من تقدير عائد، أي: بالذي كانوا يكذّبونه، وجاز حذف العائد لاستكمال الشروط، وهو كونه منصوبا متصلا بفعل، وليس ثمّ عائد آخر».
(٧) في «ج» : خلوا شياطينهم.
راجع هذا المعنى في تفسير الماوردي: ١/ ٧٠، والمحرر الوجيز: (١/ ١٧٤، ١٧٥)، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٠٧، وتفسير ابن كثير: ١/ ٧٧.
(٨) قال السمين الحلبي في الدر المصون: ١/ ١٤٥: «والأكثر في «خلا» أن يتعدى بالباء، وقد يتعدى بإلى، وإنما تعدّى في هذه الآية بإلى لمعنى بديع، وهو أنه إذا تعدّى بالباء احتمل معنيين أحدهما: الانفراد، والثاني: السخرية والاستهزاء، تقول: «خلوت به» أي سخرت منه، وإذا تعدّى بإلى كان نصا في الانفراد فقط، أو تقول: ضمن خلا معنى صرف فتعدّى بإلى، والمعنى: صرفوا خلاهم إلى شياطينهم... ». [.....]
١٥ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ: يجازيهم على استهزائهم «١» أو يرجع وباله عليهم أو يستدرجهم بالزيادة في النعم على الإملاء في الطغيان. وفي حديث عدي بن حاتم أنه يفتح لهم باب الجنة ثم يصرفون إلى النار «٢».
[٣/ ب] وَيَمُدُّهُمْ: يملى لهم ويعمرهم «٣»، وقيل: يكلهم إلى نفوسهم/ ويخذلهم.
١٦ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى: إذ كان الله فطرهم على الإيمان.
ويقال: شريت واشتريت: بعت «٤». وشراة المال وشريه خياره [الذي] «٥» يرغب في شراه وفرس شرى: خيار فائق وفي حديث أم
(١) انظر تأويل مشكل القرآن: ٢٧٧، وتفسير الطبري: (١/ ٣٠٢- ٣٠٤)، ومعاني القرآن للنحاس: ١/ ٩٦، وتفسير الماوردي: ١/ ٧١.
(٢) لم أقف على هذا القول منسوبا إلى عدي بن حاتم، وورد هذا المعنى في أثر أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات: ٢/ ٢٤٤ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي إسناده الكلبي، وأبو صالح، والكلبي متهم بالكذب كما في التقريب: ٤٧٩. ووصف الطبري في تفسيره: ١/ ٦٦ رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بقوله: «وليست الرواية عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله».
(٣) أخرج الطبري في تفسيره: ١/ ٣٠٧ عن ابن عباس، وعن مرّة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يمدّهم» يملي لهم.
ونقل الأخفش في معاني القرآن: ١/ ٢٠٦ عن يونس بن حبيب: «ما كان من الشر فهو «مددت» وما كان من الخير فهو «أمددت» ».
وانظر غريب القرآن وتفسيره لليزيدي: ٦٥، وتفسير المشكل لمكي: ٨٧، وتفسير الماوردي: ١/ ٧٢.
(٤) فهو من الأضداد. انظر الأضداد لابن الأنباري: ٧٢، واللسان: ٤/ ٤٢٨ (شرى).
(٥) في الأصل: التي، والمثبت في النص عن «ج».
زرع «١» :«ركب شريّا وأخذ خطّيّا» «٢».
١٧ مَثَلُهُمْ: في قوم أسلموا ثم نافقوا «٣».
وقيل «٤» : هم اليهود ينتظرون المبعث ويستفتحون
(١) قال الزبير بن بكار في الأخبار الموفقيات: ٤٦٤: «وهي أمّ زرع بنت أكيمل بن ساعد».
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: ٩/ ١٦٧: «وسمى ابن دريد في «الوشاح» أم زرع عاتكة». وأم زرع هي واحدة من إحدى عشرة امرأة من قرية من قرى اليمن كما في الأخبار الموفقيات: ٤٦٢، وقد خرجن إلى مجلس لهن، فقال بعضهن لبعض: تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم، ولا نكذب فتبايعن على ذلك... ».
والحديث في صحيح البخاري: ٦/ ١٤٧، كتاب النكاح، باب «حسن المعاشرة مع الأهل»، وصحيح مسلم: ٤/ ١٩٠١، كتاب فضائل الصحابة، باب «ذكر حديث أم زرع».
(٢) قال القاضي عياض رحمه الله في بغية الرائد: ١٦٠: «والشرى أيضا- بالشين المعجمة- الفرس الذي يستشري في سيره، أي يلج ويمضي بلا فتور ولا انكسار»... و «الخطى» الرمح، نسب إلى الخط، وهو موضع من ناحية البحرين، تأتي الرماح إليها من الهند، ثم تفرق من الخط إلى بلاد العرب فينسب إليه... ».
وانظر غريب الحديث لأبي عبيد: (٢/ ٣٠٨، ٣٠٩)، وغريب الحديث لابن الجوزي:
١/ ٥٣٥، والنهاية لابن الأثير: ٢/ ٤٩٦.
والخطّ بفتح أوله وتشديد ثانيه كما في معجم ما استعجم: ٢/ ٥٠٣، ومعجم البلدان:
٢/ ٣٧٨.
(٣) الآيات التي نزلت في المنافقين في صدر سورة البقرة (٨- ٢٠) من قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ إلى قوله تعالى: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ... الآية.
وانظر خبرهم في تفسير الطبري: ١/ ٣٢٢، وتفسير ابن كثير: (١/ ٨٠، ٨١)، والدر المنثور: (١/ ٨١، ٨٢).
(٤) هذه الآية والآيات التي قبلها نزلت في المنافقين قولا واحدا، ولم أجد من قال إنها نزلت في اليهود والمعنى الذي ذكره المؤلف ورد في قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ البقرة: ٨٩.
فهذه الآية نزلت في اليهود، وقد ورد خبر استفتاح اليهود بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في عدة روايات منها:
ما أخرجه ابن إسحاق (السيرة لابن هشام: ١/ ٢١١)، والطبري في تفسيره: (٢/ ٣٣٢، ٣٣٣)، وأبو نعيم في الدلائل: (١/ ٩٤- ٩٦)، والبيهقي في الدلائل: (٢/ ٧٥، ٧٦) عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ منهم قالوا: فينا والله وفيهم- يعني في الأنصار، وفي اليهود- الذين كانوا جيرانهم- نزلت هذه القصة، يعني: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا قالوا: كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية ونحن أهل الشرك، وهم أهل الكتاب- فكانوا يقولون: إن نبيا الآن مبعثه قد أظل زمانه، يقتلكم قتل عاد وإرم. فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه، كفروا به. يقول الله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ اهـ.
قال الشيخ أحمد شاكر في تخريج هذا الحديث: «هذا له حكم الحديث المرفوع، لأنه حكاية عن وقائع في عهد النبوة، كانت سببا لنزول الآية، تشير الآية إليها. الراجح أن يكون موصولا. لأن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري الظفري المدني: تابعي ثقة، وهو يحكي عن «أشياخ منهم» فهم آله من الأنصار. وعن هذا رجحنا اتصاله» اهـ.
وانظر باقي الروايات الواردة في استفتاح اليهود بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في تفسير الطبري: (٢/ ٣٣٣- ٣٣٦)، ودلائل النبوة لأبي نعيم: ١/ ٩٦، ودلائل النبوة للبيهقي: (٢/ ٧٦، ٧٧)، وأسباب النزول للواحدي: (٦٣، ٦٤)، والدر المنثور: (١/ ٢١٦، ٢١٧).
به «١»، فلما جاءهم كفروا.
وهذا التمثيل إن كان لأنفس المنافقين بأنفس المستوقدين ف «الذي» في معنى الجمع لا غير «٢»، وإن كان ذلك تشبيه حالهم بحال المستوقد جاز فيه معنى الجمع والتوحيد، لأنه إذا أريد به الحال صار الواحد في معنى الجنس «٣»، إذ لا يتعين به مستوقد بخلاف إرادة الذات.
١٨ لا يَرْجِعُونَ أي: إلى الإسلام أو عن الكفر «٤»، لتنوع الرجوع إلى
(١) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٥٨: «كانت اليهود إذا قاتلت أهل الشرك استفتحوا عليهم أي استنصروا الله عليهم. فقالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث إلينا...
والاستفتاح: الاستنصار»
.
وانظر تفسير الطبري: ٢/ ٣٣٢، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ١٧١.
(٢) وهو قول الأخفش في معاني القرآن له: ١/ ٢٠٩.
(٣) انظر معاني القرآن للفراء: ١/ ١٥، ومعاني القرآن للنحاس: ١/ ١٠٢، والتبيان للعكبري، (١/ ٣٢، ٣٣)، والدر المصون: ١/ ١٥٦.
(٤) أخرج الطبري في تفسيره: ١/ ٣٣٢ عن ابن عباس وعن مرّة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فهم لا يرجعون» : فهم لا يرجعون إلى الإسلام. ونقل الماوردي في تفسيره: ١/ ٧٥ عن قتادة مثل هذا القول.
الشيء وعنه، ويقال: كلمني فلان فما رجعت إليه كلمة ولا رجعت «١».
١٩ كَصَيِّبٍ: ذي صوب، فيجوز مطرا أو سحابا «٢» فيعل من صاب يصوب وهو مثل القرآن فما فيه من ذكر الثواب والبشارة وأسباب الهداية كالمطر، وما فيه من الوعيد والتخسير «٣» والذم كالظلمات.
والصواعق والصاعقة: عذاب هدأت فيها النار، وصعق الصوت:
شديدة «٤»، وفي الحديث «٥» :«ينتظر بالمصعوق ثلاثا ما لم يخافوا عليه نتنا».
١٩ حَذَرَ الْمَوْتِ أي: المنافقين آمنوا ظاهرا خوفا من المؤمنين، وتابعوا الكفار باطنا مخافة أن يكون الدائرة لهم، فهم يحذرون الموت كيف ما كانوا.
٢٢ فِراشاً: بساطا [وقيل: فراشا يمكن الاستقرار عليه، ولم يجعلها حزنة غليظة والسماء بناء سقفا] «٦» وفي الحديث «٧» :«فرشنا للنّبيّ- عليه السلام- بناء في يوم مطر» أي نطعا «٨» والمبناة قبة من أدم.
(١) في هامش الأصل ونسخة «ك» و «ج» :«ولا أرجعت». [.....]
(٢) قال ابن فارس في مجمل اللغة: ٢/ ٥٤٤: «الصوب: نزول المطر. والصّيّب: السحاب ذو الصّوب».
(٣) في «ج» : والتحسر.
(٤) اللسان: ١٠/ ١٩٩ (صعق).
(٥) هذا الأثر مقطوع، وهو من قول الحسن البصري رضي الله عنه، كما في الفائق: ٢/ ٢٩٩، وغريب الحديث لابن الجوزي: ١/ ٥٩٠. وهو في النهاية: ٣/ ٣٢ دون عزو. قال ابن الأثير: «هو المغشى عليه، أو الذي يموت فجأة لا يعجّل دفنه».
(٦) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٧) أخرجه- باختلاف في لفظه- الإمام أحمد في المسند: ٦/ ٨٥ عن عائشة رضي الله عنها.
والخطابي في غريب الحديث: ١/ ٢٣٠ وفي إسنادهما مقاتل بن بشير، قال عنه الحافظ في التقريب: ٥٤٤: «مقبول»، وبقية الرجال ثقات.
وأورده الزمخشري في الفائق: ١/ ١٣٠، وابن الجوزي في غريب الحديث: ١/ ٨٨، وابن الأثير في النهاية: ١/ ١٥٨.
(٨) قال الخطابي: «البناء:
٢١ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: على أصلها في الشك والرجاء من المخاطب للتقوى لئلا يأمن العبد مدلّا بتقواه.
٢٢ فَأَخْرَجَ بِهِ: لما كان تقديره: أنه إذا أنزل الماء أخرج الثمرات قال (أخرج به) لأنه كالسبب وإن كان الله لا يفعل بسبب وآلة كقولهم: جازاه بعمله وإن كان فعل واحد لا يكون سبب فعل آخر.
[٤/ أ] ٢٣ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ: (من) للتبعيض «١» كقولك: هات من الدراهم درهما وليست من التجنيس مثل قوله: مِنَ الْأَوْثانِ «٢» لأن التحدي ببعض المثل وليس الرجس ببعض الأوثان «٣».
و «السورة» : الرفعة «٤» وسور الرأس أعلاه.
وفي الحديث «٥» :«لا يضر المرأة أن لا تنقض شعرها إذا أصاب الماء سور الرأس».
٢٣ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ: أعوانكم «٦»، أي: من يشهد لكم.
(١) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: (١/ ٢٠١، ٢٠٢) ورجحه.
(٢) سورة الحج، آية: ٣٠.
(٣) راجع معاني القرآن للزجاج: ٣/ ٤٢٥، ومشكل إعراب القرآن لمكي: ٢/ ٤٩٢. حيث قال: «من لإبانة الجنس وجعلها الأخفش للتبعيض على معنى: فاجتنبوا الرجس الذي هو بعض الأوثان. ومن جعل (من) إبانة الجنس فمعناه: فاجتنبوا الرجس الذي الأوثان منه فهو أعم في النهي وأولى».
وانظر البيان لابن الأنباري: ٢/ ١٧٤، والتبيان للعكبري: ٢/ ٩٤١.
(٤) انظر غريب الحديث للخطابي: ١/ ٦٣٧، والمجموع المغيث: ٢/ ١٤٨، وتفسير القرطبي:
١/ ٦٥، واللسان: ٤/ ٣٨٦ (سود).
(٥) أخرجه الخطابي في غريب الحديث: ١/ ٦٣٧ عن جابر مرفوعا، وفي سنده أحمد بن عصام، وهو ضعيف كما في لسان الميزان: ١/ ٢٢٠، وانظر النهاية لابن الأثير: ٢/ ٤٢١.
(٦) أخرج الطبري في تفسيره: ١/ ٣٧٦ عن ابن عباس: «وادعوا شهداءكم من دون الله»، يعني أعوانكم على ما أنتم عليه، «وإن كنتم صادقين»، وأخرج نحوه ابن أبي حاتم في تفسيره:
١/ ٨٤. -
ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٧٧ عن ابن عباس، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
١/ ٩٨. وزاد نسبته إلى ابن إسحاق عن ابن عباس أيضا.
٢٤ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ: هي حجارة الكبريت «١» فهي أشد توقدا أو الأصنام المعبودة فهي أشد تحسرا أو كأنهم حذّروا نارا تتقد بها الحجارة «٢».
٢٥ مُتَشابِهاً: أي خيارا كلّه «٣» أو التذاذهم بجميعه متساو لا يتناقض «٤» ولا يتفاضل أو متشابها في اللّون وإن اختلف المطعم «٥» فيقولون ما لم يطعموه هذا الذي رزقناه.
(١) أخرجه الطبري في تفسيره: (١/ ٣٨١، ٣٨٢) عن ابن مسعود، وابن عباس وابن جريج.
والحاكم في المستدرك: (٢/ ٢٦١) كتاب التفسير، سورة البقرة عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٩٠ وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والفريابي، وهناد بن السري، وعبد بن حميد، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والطبراني، والبيهقي، كلهم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. [.....]
(٢) قال الفخر الرازي في تفسيره: ٢/ ١٣٣: «إنها نار ممتازة من النيران بأنها لا تتقد إلا بالناس والحجارة، وذلك يدل على قوتها من وجهين. الأول: أن سائر النيران إذا أريد إحراق الناس بها أو إحماء الحجارة أو قدت أولا بوقود ثم طرح فيها ما يراد إحراقه أو إحماؤه، وتلك- أعاذنا الله منها برحمته الواسعة- توقد بنفس ما تحرق.
الثاني: أنها لإفراط حرها تتقد في الحجر»
.
(٣) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: (١/ ٣٨٩، ٣٩٠) عن الحسن، وقتادة، وابن جريج. وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٩٦، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن الحسن.
(٤) في «ج» : يتناقص.
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره: (١/ ٣٨٧، ٣٩٠) عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعن مجاهد، وعن يحيى بن أبي كثير.
وذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ٧٩ وقال: وهذا قول ابن عباس، وابن مسعود، والربيع بن أنس.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٩٦ وزاد نسبته إلى وكيع، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن مجاهد.
مِنْ تَحْتِهَا، أي: من تحت أشجارها. ونهر الجنة يجري في غير أخدود «١».
٢٦ لا يَسْتَحْيِي: لا يدع ولا يمتنع لا على المأخذ الذي هو الابتداء بل التمام، وأصل الاستحياء: التهيّب «٢» قال صلّى الله عليه وسلّم «٣» :«اللهم لا ترني زمانا لا يتّبع فيه العليم ولا يستحيا فيه من الحليم».
٢٦ ما بَعُوضَةً: أي: يضرب مثلا ما من الأمثال ثم «بعوضة» نصب على البدل «٤».
فَما فَوْقَها أي: في الصّغر «٥»، لأنّ القصد التمثيل بالحقير، كما
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: ١٣/ ٩٧، كتاب الجنة، وابن قتيبة في غريب الحديث:
٢/ ٥٢٢، والطبري في تفسيره: ١/ ٣٨٤، وأبو نعيم في صفة الجنة: ٣/ ١٦٧ عن مسروق.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٩٥ وزاد نسبته إلى ابن مردويه والضياء المقدسي عن أنس مرفوعا. قال ابن الأثير في النهاية: ٢/ ١٣: «الأخدود: الشّقّ في الأرض، وجمعه الأخاديد».
(٢) قال المؤلف- رحمه الله- في كتابه «وضح البرهان» ١/ ١١٩: «والاستحياء عارض في الإنسان يمتنع عنده عما يعاب عليه وذلك لا يجوز على الله، ولكن ضرب المثل بالحقير إذا تضمن جليل الحكمة لا يستحيا عنه، فقارب- جل اسمه- الخطاب في التفهيم باللفظ المعتاد».
(٣) الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ٥/ ٣٤٠ عن سهل بن سعد مرفوعا، واللفظ عنده: «اللهم لا يدركني زمان ولا تدركوا زمانا لا يتبع فيه العليم ولا يستحى فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب».
وفي سنده عبد الله بن لهيعة، قال عنه الحافظ في التقريب: ٣١٩: «صدوق، من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه».
(٤) معاني القرآن للفراء: ١/ ٢١، معاني القرآن للزجاج: (١/ ١٠٣، ١٠٤)، مشكل إعراب القرآن لمكي: ١/ ٨٣، التبيان للعكبري: ١/ ٤٣، الدر المصون: ١/ ٢٢٣.
(٥) قال الفراء في معاني القرآن: ١/ ٢٠: «ولست أستحسنه لأن البعوضة كأنها غاية في الصغر، فأحبّ إلى أن أجعل «ما فوقها» أكبر منها... ».
وقال الطبري في تفسيره: ١/ ٤٠٥: «وأما تأويل قوله «فما فوقها» : فما هو أعظم منها- عندي- لما ذكرنا قبل من قول قتادة وابن جريج: أن البعوضة أضعف خلق الله، فإذ كانت أضعف خلق الله فهي نهاية في القلة والضعف. وإذ كانت كذلك فلا شك أن ما فوق أضعف الأشياء، لا يكون إلا أقوى منه... ».
وانظر القول الذي ذكره المؤلف- رحمه الله- في المصدرين السابقين ومجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٣٥، ومعاني القرآن للأخفش: ١/ ٢١٥.
وأورد ابن عطية القولين في المحرر الوجيز: ١/ ٢١٥، وقال: «والكل محتمل».
[يقول] «١» : هو قليل العقل فيقال: وفوق ذلك.
يُضِلُّ: يحكم بالضّلال ويقضيه، أو يضل عن الجنّة والثّواب، أو يخليهم واختيار الضّلال، أو يملي لهم في الضّلال، أو يجدهم ضالين.
أضل ناقته إذا ضلّت.
وفي الحديث «٢» :«أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قومه فأضلّهم» [أي: فوجدهم ضالين] «٣».
٢٧ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ: ما أمر به في كتبه، وقيل: هو حجة الله القائمة في العقول على التوحيد والنّبوات.
وموضع «أن» في أَنْ يُوصَلَ خفض على البدل من الهاء في «به» «٤» إذ يجوز أمر الله بأن يوصل.
٢٨ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً: نطفا في أصلاب آبائكم «٥»، أو أمواتا في القبور
(١) في «ك» : يقال.
(٢) أورده الخطابي في غريب الحديث: ١/ ٧١٦، مع أحاديث أخرى قائلا: «وهذه مقطعات من الحديث لم يحضرني إسنادها. وهو في الفائق للزمخشري: ٢/ ٣٤٦، والنهاية لابن الأثير: ٣/ ٩٨.
ونقل الخطابي عن أبي موسى قال: «ومعناه أنه وجدهم ضلالا. تقول العرب: أتيت بني فلان فأحمدتهم: أي وجدتهم محمودين، وأبخلتهم: وجدتهم بخلاء، وأضللتهم: وجدتهم ضلالا»
.
(٣) ما بين معقوفين ساقط من الأصل، والمثبت في النص من «ك».
(٤) معاني القرآن للأخفش: ١/ ٢١٦، معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٠٦، التبيان للعكبري:
١/ ٤٤، البحر المحيط: ١/ ١٢٨، الدر المصون: ١/ ٢٣٦.
(٥) أخرج الطبري- رحمه الله- هذا المعنى في تفسيره: (١/ ٤١٩، ٤٢٠) عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن قتادة، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١/ ١٠٢، وقال: «وروى عن أبي العالية والحسن البصري وأبي صالح والسدي وقتادة نحو ذلك». -
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ١٠٥ وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وصحح ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٥٧ هذا القول ونسبه إلى ابن عباس وقتادة ومقاتل والفراء وثعلب والزجاج وابن قتيبة وابن الأنباري. [.....]
فأحياكم للسؤال «١»، لأنّ الموت ما كان عن حياة، إلا «٢» أن الميت ولا شيء سواء.
[٤/ ب] والواو في وَكُنْتُمْ للحال/، أي: كيف وهذه حالكم، وقد فيه مضمرة «٣».
٢٩ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: قصد وعمد إلى خلقها «٤»، أو صعد أمره الذي به كانت الأشياء إليها «٥».
أو تقديره: لأنّ القضاء والقدر من السّماء فحذف الأمر والتقدير لدلالة الحال.
وقيل «٦» : استولى على ملك السماء ولم يجعلها كالأرض المعارة من العباد.
(١) أخرجه الطبري في تفسيره: ١/ ٤١٩ عن أبي صالح، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
١/ ١٠٥ وزاد نسبته إلى وكيع عن أبي صالح.
وانظر المحرر الوجيز: ١/ ٢٢١، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٤٩، وتفسير ابن كثير: ١/ ٩٧.
(٢) في «ك» و «ج» :«أو لأن الميت ولا شيء سواء».
(٣) انظر معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٤، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ١٠٧، والتبيان للعكبري:
١/ ٤٥، والدر المصون: ١/ ٢٣٨.
(٤) نقل الزجاج في معاني القرآن: ١/ ١٠٧ عن بعضهم- ولم يسمهم- عمد وقصد إلى السماء كما تقول قد فرغ الأمير من بلد كذا وكذا، ثم استوى إلى بلد كذا، معناه قصد بالاستواء إليه.
(٥) ذكره الزجاج في معاني القرآن: ١/ ١٠٧ وعزاه إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: ٣/ ٢١٣ عند تفسير قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الأعراف: ٥٤، وأورد البيتين اللذين يستشهد بهما أصحاب هذا القول وهما قول الشاعر:
حتى استوى بشر على العراق... من غير سيف ودم مهراق
وبقول الشاعر: -
هما استويا بفضلهما جميعا... على عرش الملوك بغير زور
قال ابن الجوزي: «وهذا منكر عند اللغويين. قال ابن الأعرابي: العرب لا تعرف «استوى» بمعنى «استولى»، ومن قال ذلك فقد أعظم، قالوا: وإنما يقال: استوى فلان على كذا، إذا كان بعيدا عنه غير متمكن منه، ثم تمكن منه، والله- عز وجل- لم يزل مستوليا على الأشياء، والبيتان لا يعرف قائلهما كذا قال ابن فارس اللغوي، ولو صحا فلا حجة فيهما لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا. نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة».
وقال القرطبي في تفسيره: ٧/ ٢١٩: «وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف أنه استوى على عرشه حقيقة. وخص العرش بذلك لأنه أعظم المخلوقات، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته... ».
78
وقيل لمالك: كيف استوى؟ فقال: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول «١».
ولا يصح معنى فَسَوَّاهُنَّ عند الحمل على الانتصاب، ولا يناقض الآية قوله «٢» : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها، لأنّ الدّحو: البسط «٣» فإنّما دحاها بعد أن خلقها وبنى عليها السماء «٤».
(١) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات: (٢/ ١٥٠، ١٥١)، وتتمة كلام الإمام مالك:
والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا. فأمر به أن يخرج. قال البيهقي: «وروى ذلك أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس رضي الله عنهما». وانظر شرح العقيدة الطحاوية: ٧٦، والدر المنثور: ٣/ ٤٧٤.
(٢) سورة النازعات: آية: ٣٠.
(٣) انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٥١٣، وتأويل مشكل القرآن: ٦٨، وتفسير المشكل لمكي: ٣٧٤، وتفسير القرطبي: ١٩/ ٢٠٤.
(٤) هذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله نسب إلى مجاهد كما في زاد المسير: ١/ ٥٨، وأورده ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ٦٧ آية النازعات وقال: فدلت هذه الآيات على أنه خلق السماء قبل الأرض. وليس في كتاب الله تحريف الجاهلين، وغلط المتأولين. وإنما كان يجد الطاعن متعلّقا لو قال: والأرض بعد ذلك خلقها أو ابتدأها أو أنشأها، وإنما قال:
دَحاها فابتدأ الخلق للأرض على ما في الآي الأول في يومين، ثم خلق السماوات وكانت دخانا في يومين، ثم دحا بعد ذلك الأرض، أي بسطها ومدها.
79
٣٠ وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ: «إذ» دلالة على معنى في الماضي «١»، وتأويله: اذكر إذ قال ربك.
خَلِيفَةً: أي: آدم «٢»، أو جميع بنيه يخلف بعضهم بعضا «٣»، أو أولو الأمر منهم، فهم خلفاء الله في الحكم بين الخلق «٤» وتدبير ما على الأرض.
وفي حديث ابن عباس «٥» أن أعرابيا قال له: أنت خليفة رسول الله، فقال: لا أنا الخالفة بعده.
والخالفة الذي يستخلفه الرّئيس على أهله.
(١) انظر تفسير الطبري: ١/ ٤٤٣، وحروف المعاني للزجاجي: ٦٣، ورصف المباني: ١٤٨، والجنى الداني: ٢١١، والدر المصون: ١/ ٢٤٧.
(٢) المعنى أنه خلف من سلف في الأرض قبله، فخليفة على هذا «فعيلة» بمعنى «فاعله» أي:
يخلف من سبقه.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (١/ ٤٥٠، ٤٥١) عن ابن عباس رضي الله عنهما والربيع بن أنس، وأخرجه الحاكم في المستدرك: ٢/ ٢٦١، كتاب التفسير، باب «سورة البقرة» عن ابن عباس وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي».
قال الطبري رحمه الله: «فعلى هذا القول إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً من الجن يخلفونهم فيها فيسكنونها ويعمرونها».
(٣) ذكره الطبري في تفسيره: ١/ ٤٥١، وقال: وهذا قول حكى عن الحسن البصري. اهـ.
ف «خليفة» على هذا القول «فعيلة» بمعنى «مفعولة» أي: مخلوف.
(٤) هذا المعنى فهمه الطبري رحمه الله من الرواية التي أخرجها في تفسيره: (١/ ٤٥١، ٤٥٢) عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما وهي: أن الله جل ثناؤه قال للملائكة: «إني جاعل في الأرض خليفة». قالوا: ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا». قال الطبري: «فكان تأويل الآية على هذه الرواية التي ذكرناها عن ابن مسعود وابن عباس: إنّي جاعل في الأرض خليفة منّي يخلفني في الحكم بين خلقي. وذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه... ». وقال البغوي في تفسيره: ١/ ٦٠: «والصحيح أنه خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ قضاياه». [.....]
(٥) كذا في النسخ الثلاث، وفي تاج العروس: ٢٣/ ٢٧٨ (خلف) : وفيه حديث ابن عباس.
أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ على التألم أو الاغتمام لمن يفسد، وعلى الاستعظام للمعصية مع جلائل النّعمة، أو على استعلام وجه التدبير فيه «١» أو على السؤال أن يكونوا الخلفاء فيسبحوه بدل من يفسد فقال الله: إني أعلم من صلاح كل واحد ما لا تعلمون فدلهم به على أنّ صلاحهم في أن اختار لهم السماء وللبشر الأرض، وفي قوله: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ إشارة إلى أنّ ذلك الخليفة يكون من ذريته أهل طاعة [وولاية] «٢»، وفيهم الأنبياء والعلماء، ولا تتم مصلحة الجميع إلا بما دبّرته من خلق من يفسد ويعصي معهم «٣».
٣١ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها: أي: بمعانيها على اللّغات المختلفة «٤»، فلما تفرّق ولده تكلّم كل قوم بلسان أحبوه وتناسوا غيره.
وتخصيص الأسماء لظهورها على الأفعال والحروف، كقوله «٥» :
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ، ولم يكن التعليم بالعلم الضروري ولا/ [٥/ أ] بالمواضعة «٦» والإيماء تعالى الله عنه، بل بالوحي في أصول الأسماء والمصادر ومبادئ الأفعال والحروف عند حصول أول اللّغة بالاصطلاح ثم زيادة الهداية في التصريف والاشتقاق.
٣١ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ: أي: المسمّيات «٧» لقوله: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ.
(١) ذكره الزجاج في معاني القرآن: ١/ ١٠٩ وقال: «وتأويل استخبارهم هذا على جهة الاستعلام وجهة الحكمة، لا على الإنكار، فكأنهم قالوا: يا الله، إن كان ظننا فعرفنا وجه الحق فيه».
(٢) في الأصل: وولادة، والمثبت عن نسخة «ك» و «ج».
(٣) انظر تفسير البغوي: ١/ ٦١، والمحرر الوجيز: (١/ ٢٢٩، ٢٣١)، وزاد المسير: ١/ ٦٠، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٧٤، وتفسير ابن كثير: (١/ ٩٩، ١٠٠).
(٤) انظر تفسير البغوي: ١/ ٦١، والمحرر الوجيز: ١/ ٢٣٥، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٨٤.
(٥) سورة النور: آية: ٤٥.
(٦) المواضعة: الموافقة على النظر في الأمر، وفي القاموس: ٩٩٧: «وهلم أواضعك الرأي:
أطلعك على رأي، وتطلعني على رأيك»
.
وينظر اللسان: ٨/ ٤٠١، وتاج العروس: ٢٢/ ٣٤٣ (وضع).
(٧) قال الفراء في معاني القرآن: ١/ ٢٦: «فكان عَرَضَهُمْ على مذهب شخوص العالمين وسائر العالم، ولو قصد قصد الأسماء بلا شخوص جاز فيه «عرضهن» و «عرضها». وهي في حروف عبد الله «ثم عرضهن» وفي حرف أبيّ «ثم عرضها»، فإذا قلت: «عرضها» جاز أن تكون للأسماء دون الشخص وللشخوص دون الأسماء».
وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٤٦: أي عرض أعيان الخلق عليهم. وأخرج الطبري في تفسيره: ١/ ٤٨٧ عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ثم عرضهم»، ثم عرض الخلق على الملائكة.
وأخرج عن مجاهد: «ثم عرضهم»، عرض أصحاب الأسماء على الملائكة.
وانظر المحرر الوجيز: ١/ ٢٣٥، تفسير القرطبي: ١/ ٢٨٣، تفسير ابن كثير: ١/ ١٠٥.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ: فيما هجس في نفوسكم أنكم أفضل، وقيل «١» : في «عرضهم» أنه خلقهم، وقيل: صوّرهم لقلوب الملائكة.
وقيل: أَنْبِئُونِي أمر مشروط بمعنى: إن أمكنكم أن تخبروا بالصدق فيه فافعلوا، أو معناه التنبيه، كسؤال العالم للمتعلم: ما تقول في كذا؟ ليبعثه عليه ويشوقه [إليه] «٢».
صادِقِينَ: عالمين، كقولك: أخبرني بما في يدي إن كنت صادقا، وإذا أفادتنا هذه الآية أنّ علم اللّغة فوق التحلي بالعبادة فكيف علم الشّريعة والحكمة «٣».
٣٢ سُبْحانَكَ تنزيها لك أن يخفى عليك شيء، وهو نصب على المصدر «٤».
(١) في تفسير الماوردي: ١/ ٩٠: ثم في زمان عرضهم قولان: أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم. والثاني أنه صورهم لقلوب الملائكة، ثم عرضهم قبل خلقهم.
وانظر تفسير القرطبي: ١/ ٢٨٣.
(٢) عن نسخة «ج».
(٣) في وضح البرهان: ١/ ١٢٧: «وكان أبو القاسم الداودي يحتج بهذه الآية أن علم اللغة أفضل من التخلي بالعبادة، لأن الملائكة تطاولت بالتسبيح والتقديس ففضل الله عليهم بعلم اللغات فإن كان هذا الأمر على هذا في علم الألفاظ فكيف في المعالم الشرعية والمعارف الحكمية» اهـ.
(٤) معاني القرآن للأخفش: ١/ ٢٢٠، وإعراب القرآن للنحاس: ١/ ٢١٠، والتبيان للعكبري:
١/ ٤٩، والدر المصون: ١/ ٢٦٥.
إِلَّا ما عَلَّمْتَنا مرفوع استثناء من مجحود.
٣٣ أَلَمْ أَقُلْ ألف تنبيه وتقرير كأنه أحضرهم ما علموه، كقوله «١» :
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وحكى سيبويه «٢» أما ترى أيّ برق هاهنا.
وفي الآيات بيان معجزات آدم عليه السلام [حيث] «٣» فتق لسانه بما لا يعلمه الملائكة على خلاف مجرى العادة، فكان مفتتح المعجزات ومختتمها في آدم ومحمد عليهما السلام بالكلام.
٣٤ اسْجُدُوا لِآدَمَ: هو السجود اللّغوي الذي هو التذلل، أو كان آدم كالقبلة لضرب تعظيم له فيه «٤».
وعن ابن عباس «٥» رضي الله عنه: أنّ إبليس كان ملكا من جنس المستثنى منهم.
وقال الحسن «٦» : الملائكة لباب الخليفة من الأرواح لا يتناسلون،
(١) سورة البقرة: آية: ١٠٦.
(٢) لم أقف على هذا النقل عن سيبويه في الكتاب. [.....]
(٣) عن نسخة «ج».
(٤) تفسير الماوردي: ١/ ٩١.
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره: ١/ ٥٠٢ وفي سنده بشر بن عمارة وهو ضعيف كما في التقريب: ١٢٣، ونقله البغوي في تفسيره: ١/ ٦٣ عن ابن عباس أيضا.
وذكر القرطبي في تفسيره: ١/ ٢٩٤ أنه قول الجمهور، ونسبه لابن عباس، وابن مسعود، وابن جريج، وابن المسيب، وقتادة وغيرهم.
والصحيح أن الاستثناء هنا منقطع ليس من جنس الأول، وأن إبليس لم يكن من الملائكة، لأن الملائكة لا يعصون الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم: ٦].
(٦) الحسن البصري: (٢١- ١١٠ هـ).
هو الحسن بن يسار أبو سعيد، الإمام التابعي الجليل، إمام أهل البصرة، وحبر الأمّة، الفقيه الفصيح، الزاهد المشهور. -
أخباره في حلية الأولياء: ٢/ ١٣١، وفيات الأعيان: ٢/ ٦٩، سير أعلام النبلاء:
٤/ ٥٦٣.
وانظر هذا القول المنسوب إليه في تفسير الماوردي: ١/ ٩٢، والمحرر الوجيز: ١/ ٢٤٥، وزاد المسير: ١/ ٦٥، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٩٤.
وأخرج الطبري في تفسيره: ١/ ٥٠٦ عن الحسن قال: «ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس».
وأورد ابن كثير في تفسيره: ١/ ١١٠ هذا الأثر وقال: «وهذا إسناد صحيح عن الحسن».
وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سواء».
83
وإبليس من نار السموم وهو أب الجنّ «١».
وإبليس اسم أعجميّ بدليل أنه لا ينصرف عجمة وتعريفا «٢».
وقيل «٣» : بل عربيّ من الإبلاس، ولم ينصرف لأنه لا نظير له من الأسماء العربية فشبّه بالأعجمي.
وكيف ونظيره كثير كإزميل للشّفرة «٤»، وإحريص لصبغ أحمر «٥»، وإصليت لسيف ماض «٦».
٣٤ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ: صار منهم إذ لا كافر قبله «٧».
(١) قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: ١/ ٥٠٧: «وعلّة من قال هذه المقالة، أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أنه خلق إبليس من نار السّموم، ومن مارج من نار، ولم يخبر عن الملائكة أنه خلقها من شيء من ذلك، وأن الله جل ثناؤه أخبر أنه من الجن- فقالوا: فغير جائز أن ينسب إلى غير ما نسبه الله إليه، قالوا: ولإبليس نسل وذرية، والملائكة لا تتناسل ولا تتوالد».
(٢) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٣٨، والزجاج في معاني القرآن: ١/ ١١٤، ورجحه الجواليقي في المعرّب: ٧١.
(٣) ذكره الطبري في تفسيره: ١/ ٥١٠، وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٩٢، ومفردات الراغب:
٦٠، واللسان: ٦/ ٦٩ (بلس).
(٤) اللسان: ١١/ ٣١١ (زمل).
(٥) هكذا ورد في النسخ المعتمدة هنا، ولم أقف على هذا اللفظ بهذا المعنى فيما تحت يدي من المعاجم.
(٦) انظر اللسان: ٢/ ٥٣ (صلت).
(٧) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ٩٣ وعزاه للحسن.
84
٣٥ فَتَكُونا نصب، لأن الفاء جواب النّهي «١».
مِنَ الظَّالِمِينَ بإحباط بعض الثواب، أو فاعل الصغيرة ظالم نفسه بارتكاب الحرام الواجب التوبة [عنه] «٢».
٣٦ فَأَزَلَّهُمَا أكسبهما الزّلة بوسوسته «٣»، وبأن قاسمهما على نصحه «٤».
ولا يجوز أن يكون آدم قبل من اللّعين لأنه أعظم المعاصي وفوق الأكل، وإنّما زلة آدم- عليه السلام- بالخطإ في التأويل، إما بحمل النّهي على التنزيه دون التحريم «٥»، أو بحمل اللّام على التعريف لا الجنس «٦»، وكأن الله أراد الجنس ومكّنه من الدليل عليه، فغفل عنه وظن أنه لا يلزمه «٧».
٣٧ فَتابَ عَلَيْهِ: وإن كانت الصغيرة مكفّرة أي جبر نقيصة المعصية حتى كأنه لم يفعلها بما نال من ثواب هذه الكلمات وهي قوله «٨» : رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الآية.
والهبوط «٩» : النزول ونقصان المنزلة أيضا «١٠»، ولذلك تكرر.
(١) والتقدير: إن تقربا تكونا.
انظر معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٦، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ١١٤، وإعراب القرآن للنحاس: ١/ ٢١٤، والتبيان للعكبري: ١/ ٥٢.
(٢) عن نسخة «ج».
(٣) من قوله تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ [الأعراف: ٢٠].
وانظر تفسير الطبري: (١/ ٥٣١، ٥٣٢)، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ١١٥.
(٤) من قوله تعالى: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ.
(٥) انظر عصمة الأنبياء للفخر الرازي: ٣٩.
(٦) في «ج» : تعريف العهد لا الجنس. [.....]
(٧) مصدر المؤلف في هذا النص الماوردي في تفسيره: ١/ ٩٥.
(٨) سورة الأعراف: آية: ٢٣.
(٩) من قوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً....
(١٠) انظر مفردات الراغب: ٥٣٦، واللسان: ٧/ ٤٢٢ (هبط).
ويقال: هبط المرض العليل: نقّصه «١».
وفي الحديث «٢» :«اللهم غبطا لا هبطا» أي: نسألك الغبطة ونعوذ بك من نقصان الحال.
وقيل «٣» : إن الهبوط الأول من الجنة إلى السماء، والثاني من السماء إلى الأرض. وينبغي أن يعلم أنّ الله تعالى خلق آدم للأرض، ولو لم يعص لخرج على غير تلك الحال «٤».
٣٨ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ.
حذف الجواب الأول أي: فاتبعوه ونحوه «٥».
[٦/ أ] وقيل «٦» : الشرط وجوابه/ نظير المبتدأ والخبر، ويجوز خبر المبتدأ جملة هي خبر ومبتدأ، فكذا «٧» جواب الشرط جملة هي شرط وجواب، وإنّما دخلت «ما» مع «إن» في الشرط ليصح دخول النون للتوكيد في الفعل، فهي كاللام في أنها تؤكد أول الكلام والنون آخره.
٣٩ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ.
أُولئِكَ بدل من «الَّذِينَ» «٨»، ويجوز عطف بيان، وأَصْحابُ النَّارِ بيان عنه، والخبر هُمْ فِيها خالِدُونَ.
ويجوز أن يكون ابتداء وخبرا في موضع خبر الأول، ويجوز أن يكون
(١) في اللسان: هبط المرض لحمه نقصه وأحدره وهزله.
(٢) الحديث في الفائق: ٣/ ٤٦، وغريب الحديث لابن الجوزي: ٢/ ١٤٥، والنهاية:
٥/ ٢٣٩، ولم أقف عليه مسندا.
(٣) تفسير الفخر الرازي: ٣/ ٢ عن أبي علي الجبّائي.
(٤) نقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٩٨ عن الحسن.
(٥) الدر المصون: (١/ ٣٠١، ٣٠٢).
(٦) ذكره المؤلف- رحمه الله- في كتابه «وضح البرهان» : ١/ ١٣٢ عن ابن سراج النحوي.
(٧) في «ج» : فكذلك.
(٨) في قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ....
على خبرين بمنزلة خبر «١» واحد كقولك: حلو حامض.
٤٠ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ.
وهي كثرة من أرسل فيهم من الرسل وأنزل من الكتب ونحوها «٢».
ويجوز أن يكون المراد النّعمة على أسلافهم فهي نعمة عليهم «٣».
ويجوز النعم الواصلة إليهم.
[وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم] «٤».
وعهد الله: ما أمر به ونهى عنه، وعهدهم الرضا عنهم عند ذلك والمغفرة لهم «٥».
وَإِيَّايَ منصوب بما دل عليه فَارْهَبُونِ وإنما لم ينصب لأنه مشغول بالضمير كما لا يجوز نصب زيد في قولك: زيدا فاضربه باضرب [الذي هو ظاهر] «٦».
(١) أشار الناسخ في هامش الأصل إلى نسخة أخرى جاء فيها: «على جزءين بمنزلة جزء».
(٢) أخرجه الطبري في تفسير: (١/ ٥٥٥، ٥٥٦) عن أبي العالية. [.....]
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره: ١/ ٥٥٦ عن مجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٩٩ عن الحسن، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٧٣ عن الحسن والزجاج.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٢٦٧: «والنعمة هنا اسم الجنس، فهي مفردة بمعنى الجمع... والعموم في اللفظ هو الحسن».
(٤) عن نسخة «ج».
(٥) أخرج الطبري في تفسيره: ١/ ٥٥٩ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أوفوا بما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي غيره. «أوف بعهدكم» : يقول:
أرض عنكم وأدخلكم الجنة».
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٢٦٨: «واختلف المتأولون في هذا العهد إليهم، فقال الجمهور ذلك عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه، فيدخل في ذلك ذكر محمد صلّى الله عليه وسلّم في التوراة... ».
(٦) عن نسخة «ج».
وانظر معاني القرآن للأخفش: ١/ ٢٤٦، معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٢١، إعراب القرآن للنحاس: ١/ ٢١٨، التبيان للعكبري: ١/ ٥٧.
وانتصب [ مصدقا ] على الحال من الهاء المحذوفة كأنه : أنزلت مصدقا أو انتصب ب " آمنوا " أي : آمنوا بالقرآن مصدقا١.
٤١ [ أول كافر به ] أو حزب كافر، أي : لا تكونوا أئمة الكفر٢.
٤١ [ ثمنا قليلا ] قال الحسن : هو٣ الدنيا بحذافيرها٤.
١ الدر المصون ج١ ص٣١٥..
٢ الجامع لأحكام القرآن ج١ ص٣٣٣..
٣ في ب هي..
٤ انظر قوله في تفسير القرآن العظيم ج١ ص٨٣..
وانتصب مُصَدِّقاً على الحال من الهاء المحذوفة، كأنه: أنزلته مصدقا، أو انتصب ب «آمنوا» أي: آمنوا بالقرآن مصدقا.
أَوَّلَ كافِرٍ: أول حزب كافر «١»، أي: لا تكونوا أئمة الكفر.
ثَمَناً قَلِيلًا قال الحسن «٢» : هو الدنيا بحذافيرها.
٤٣ وَارْكَعُوا مع ذكر الصلاة للتأكيد، إذ لا ركوع في صلاة أهل الكتاب «٣» أو هو الركوع اللّغوي أي الخضوع «٤».
٤٤ تَتْلُونَ الْكِتابَ: تتّبعونه «٥»، والتلاوة اتباع الحروف، والقراءة جمعها.
[أَفَلا تَعْقِلُونَ ومصدره: العقل، وهو] «٦» نوع علم يستبان به العواقب ويترك به القبائح، والعقل يكمل مع فقد بعض العلم، والعلم «٧» لا يكمل مع فقد بعض العقل.
والصبر حبس النّفس عمّا تنازع إليه «٨».
(١) ذكره الزجاج في معاني القرآن: ١/ ١٢٣ عن البصريين، وعن الأخفش أن معناه أول من كفر به. ثم قال: وكلا القولين صواب حسن.
وانظر: معاني القرآن للفراء: ١/ ٣٢، وتفسير الطبري: ١/ ٥٦٢.
(٢) أورده ابن كثير في تفسيره: ١/ ١١٩ وعزا إخراجه إلى عبد الله بن المبارك.
(٣) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ١٠١ دون عزو، وقال البغوي في تفسيره: ١/ ٦٧: «وذكر بلفظ الركوع لأن الركوع ركن من أركان الصلاة، ولأن صلاة اليهود لم يكن فيها ركوع، وكأنه قال: صلوا صلاة ذات ركوع».
وانظر المحرر الوجيز: (١/ ٢٧٤، ٢٧٥)، وزاد المسير: ١/ ٧٥.
(٤) وهذا قول الطبري في تفسيره: ١/ ٥٧٤، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ١٠٢ عن الأصمعي والفضل.
(٥) انظر الجمهرة لابن دريد: ١/ ٤١٠، وتهذيب اللغة للأزهري: ١٤/ ٣١٦، واللسان:
١٤/ ١٠٤ (تلا).
(٦) عن نسخة «ج».
(٧) في نسخة «ج». والعلم المكتسب.
(٨) نصّ هذا الكلام في تفسير الماوردي: ١/ ١٠٢.
وفي الحديث «١» :«أمسك رجل آخر حتى قتل، فقال عليه السلام:
اقتلوا القاتل واصبروا الصابر»
«٢».
٤٥ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ: أي: الاستعانة «٣»، أو كلّ واحد منهما «٤».
إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ: لأنّهم تعوّدوها وعرفوا فضلها.
٤٦ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ: أي ملاقوه بذنوبهم وتقصيرهم «٥»، أو ملاقوه في كل حين/ مراقبة للموت، أو ملاقوا ثوابه، وينبغي أن يكون على [٦/ ب] الظن [والطمع] «٦» كقول إبراهيم عليه السلام: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي «٧».
(١) الحديث في غريب أبي عبيد: ١/ ٢٥٤ يرويه أبو عبيد عن ابن المبارك عن معمر عن إسماعيل بن أمية مرفوعا، رجال إسناده ثقات إلا أنه مرسل لأن إسماعيل تابعي رفعه، وأخرجه البيهقي في السنن: ٨/ ٥١، كتاب الجنايات، باب «الرجل يحبس الرجل للآخر فيقتله» عن إسماعيل بن أمية مرفوعا.
وهو في الاشتقاق لابن دريد: ١٢٦، والفائق: ٢/ ٢٧٦، وغريب الحديث لابن الجوزي:
١/ ٥٧٨، والنهاية: ٣/ ٨.
(٢) قال أبو عبيد في غريب الحديث: ١/ ٢٥٥: «قوله: اصبروا الصابر يعني احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت ومنه قيل للرجل الذي يقدّم فيضرب عنقه: قتل صبرا، يعني أنه أمسك على الموت، وكذلك لو حبس رجل نفسه على شيء يريده قال: صبرت نفسي... ». [.....]
(٣) عن الحسين بن الفضل في تفسير البغوي: ١/ ٦٩، وعن محمد بن القاسم النحوي في زاد المسير: ١/ ٧٦ وجاء بعده في نسخة «ك» :«... المدلول عليها باستعينوا بالصبر وإنها لكبيرة، وبالصلاة وإنها لكبيرة فحذف اختصارا. وقيل: رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعمّ.
وقيل: رد الكناية إلى القصة لأنها أعم. وقيل: رد الكناية إلى الصلاة لأن الصبر داخل في (الصلاة) كما قال الله تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ولم يقل (يرضوهما) لأن رضا الرسول داخل في رضى الله تعالى، وقوله: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها لأن التجارة أعم لكونها من ضرورات البقاء»
.
ينظر معنى هذا النص في تفسير البغوي: (١/ ٦٨، ٦٩).
(٤) تفسير الماوردي: ١/ ١٠٣.
(٥) تفسير الماوردي: ١/ ١٠٣.
(٦) في الأصل: «والطبع»، والمثبت في النص من «ك».
(٧) سورة الشعراء: آية: ٨٢.
إِلَيْهِ راجِعُونَ: لا يملك أمرهم في الآخرة أحد سواه كما هو الأمر في بدء خلقهم «١»، والرجوع: العود إلى الحال الأولى.
٤٧ فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ: عالمي زمانهم «٢»، أي: آبائهم، إذ في تفضيل الآباء شرف الأبناء.
٤٨ [وَاتَّقُوا يَوْماً: أي: عقاب يوم فحذف المضاف وانتصب يَوْماً على أنه مفعول] «٣».
[لا تَجْزِي نَفْسٌ أي: لا تجزئ فيه نفس فحذف الجار والمجرور العائد إليه اختصارا لدلالة ما ذكر عليه كقولك: البر بستين، أي: منه] «٤».
لا تَجْزِي لا تغني حجازية، و «أجزأت» تميمية «٥».
وقيل «٦» : تجزي: تقضي، وتغني أبلغ من تقضي لأن تغني يكون نقصا وبدفع ومنع.
والعدل: الفدية «٧».
(١) تفسير الماوردي: ١/ ١٠٤.
(٢) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٤٨، وقال: «وهو من العام الذي أريد به الخاص».
وأورده الطبري في تفسيره: ٢/ ٣٢، والزجاج في معاني القرآن: (١/ ١٢٧، ١٢٨)، والبغوي في تفسيره: ١/ ٦٩، وابن عطية في المحرر والوجيز: ١/ ٢٨١.
وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٧٦ إلى ابن عباس، وأبي العالية، ومجاهد، وابن زيد.
(٣) عن نسخة «ج».
(٤) عن نسخة «ج».
(٥) قال الأخفش في معاني القرآن: ١/ ٢٦١: «فهذه لغة أهل الحجاز لا يهمزون، وبنو تميم يقولون في هذا المعنى: «أجزأت عنه وتجزي عنه... ».
وانظر تفسير غريب في القرآن لابن قتيبة: ٤٨، وتفسير المشكل لمكي: ٩١.
(٦) نقله المؤلف في وضح البرهان: ١/ ١٣٤ عن المفضل الضبي.
وانظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٤٨، وتفسير الطبري: (٢/ ٢٧، ٢٨).
(٧) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٤٨: «وإنما قيل للفداء عدل لأنه مثل الشيء، يقال:
هذا عدل هذا وعديله»
. وانظر تفسير الطبري: ٢/ ٣٥، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ١٢٨، وزاد المسير: ١/ ٧٧.
[يروى ذلك] «١» عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم «٢».
٤٩ يَسُومُونَكُمْ: يرسلون عليكم، من سوم الإبل في الرّعي.
وفي الحديث «٣» :«نهى عن السّوم قبل طلوع الشّمس».
قيل «٤» : هي «٥» مساومة السلعة في ذلك الوقت، لأنه وقت ذكر الله تعالى.
وقيل «٦» : من سوم الإبل في الرعي، لأنها إذا رعت قبل الشمس في النّدى أصابها الوباء، ويقال: سوّمته في مالي [أي] «٧» حكّمته «٨»، وسوّأت
(١) عن نسخة «ج».
(٢) أخرج الطبري في تفسيره: ٢/ ٣٤ عن عمرو بن قيس الملائي، عن رجل من بني أمية- من أهل الشام أحسن عليه الثناء- قال: قيل يا رسول الله، ما العدل؟ قال: العدل الفدية».
نقل هذا الأثر الحافظ ابن كثير في تفسيره: ١/ ١٢٧، والسيوطي في الدر المنثور:
١/ ١٦٦.
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تخريجه: «وقد روى هذا الحديث مرفوعا، عن رجل أبهم اسمه وأثنى عليه، والراجح أنه تابعي، فيكون الإسناد مرسلا أو منقطعا، فهو ضعيف». [.....]
(٣) أخرجه ابن ماجة في سننه: ٢/ ٧٤٤، كتاب التجارات، باب «السوم» عن علي رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن السّوم قبل طلوع الشمس، وعن ذبح ذوات الدّرّ» وفي سنده نوفل بن عبد الملك قال عنه الحافظ في التقريب: ٥٦٧: «مستور من السادسة».
وأخرجه- أيضا الخطّابي في غريب الحديث: ١/ ٦٤٣، وهو في الفائق للزمخشري:
٢/ ٢٠٧، وغريب الحديث لابن الجوزي: ١/ ٥١٠، والنهاية: ٢/ ٤٢٥.
(٤) غريب الحديث لابن الجوزي: ١/ ٥١٠، واللسان: ١٢/ ٣١١ (سوم) عن أبي إسحاق الزجاج.
(٥) في «ج» : هو.
(٦) غريب الحديث للخطابي: ١/ ٦٤٣ عن ابن الأعرابي، قال ابن الجوزي في غريب الحديث: «وهذا أظهر الوجهين، وهو اختيار الخطابي».
(٧) عن نسخة «ج».
(٨) تهذيب اللغة للأزهري: ١٣/ ١١٢ عن أبي زيد الأنصاري، وانظر مجمل اللغة لابن فارس:
٢/ ٤٧٩، واللسان: ١٢/ ٣١٤ (سوم).
عليه ما صنع قلت له: أسأت «١».
٤٩ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ: البلاء الاختبار في الخير والشرّ، فبلاء محنة في ذبح أبنائكم، وبلاء نعمة في تنجيتكم.
٥١ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ليس بظرف لأن الوعد «٢» ليس فيها «٣»، بل [المراد] «٤» انقضاء الأربعين وهو تقدير الإعراب، أي: وعدناه انقضاء أربعين مفعول ثاني.
وذم المخاطبين بالعجل «٥» - ولم يتخذوه لرضاهم، بما فعلته أسلافهم.
٥٣ الْكِتابَ: التوراة، وَالْفُرْقانَ: فرق الله بهم البحر «٦»، أو الفرج من الكرب كقوله «٧» : يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً.
٥٤ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ عقوبة للّذين لم ينكروا العجل كراهة القتال «٨»،
(١) تهذيب اللغة: ١٣/ ١٣١.
(٢) في «ج» : الموعد.
(٣) كذا في «ك»، وأشار ناسخ الأصل في الهامش إلى ورود «منها» في نسخة أخرى.
(٤) عن نسخة «ج».
(٥) في قوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ.
(٦) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ١٠٨ دون عزو.
(٧) سورة الأنفال: آية: ٢٩.
قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: ٢/ ٧١: «وأولى هذه التأويلات بتأويل الآية، ما روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد: من أنّ «الفرقان»، الذي ذكر الله أنه آتاه موسى في هذا الموضع، هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل، وهو نعت للتوراة وصفة لها.
فيكون تأويل الآية حينئذ: وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها في الألواح وفرقنا بها بين الحق والباطل.
فيكون «الكتاب» نعتا للتوراة أقيم مقامها استغناء به عن ذكر التوراة، ثم عطف عليه ب «الفرقان» إذ كان من نعتها».
(٨) نقله الماوردي في تفسيره: ١/ ١٠٩ عن ابن جريج، وفيه أيضا: «فجعلت توبتهم بالقتل- الذي خافوه». [.....]
94
وهو قتل البعض بعضا، أو الاستسلام للقتل لأنه ليس للمرء بعد قتله نفسه حال مصلحة ولم يسقط بالتوبة، لأنه وجب حدا. وحكى الحكم الرّعيني «١» أن خالدا القسري «٢»
أرسله إلى قتادة «٣» يسأله عن حروف منها فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، فقال: إنما هو «فاقتلوا» من الاستقالة «٤».
(١) هو الحكم بن عمر- وقيل ابن عمرو بواو- الرّعيني: بضم الراء وفتح العين المهملة وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون. نسبة إلى ذي رعين من اليمن.
عن الأنساب للسمعاني: ٦/ ١٣٩.
ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: ٣/ ١٢٣، والذهبي في ميزان الاعتدال:
١/ ٥٧٨، والمغني في الضعفاء: ١/ ٢٧٣، وابن حجر في لسان الميزان: ٢/ ٤٢.
وذكروا له رواية عن قتادة. ونقل الذهبي في الميزان عن يحيى بن معين قال: ليس بشيء، لا يكتب حديثه. وعن النسائي قال: ضعيف.
(٢) خالد القسري: (٦٦- ١٢٦ هـ).
هو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري: بفتح القاف وسكون السين المهملة وفي آخرها الراء المهملة نسبة إلى قسر، بطن من قيس.
كان خالد واليا على مكة في زمن الوليد بن عبد الملك، ثم تولى إمارة العراق في عهد هشام بن عبد الملك واستمرت ولايته حتى عام ١٢٠ هـ حيث عزله هشام، وخلفه في إمارة العراق يوسف بن عمر الثقفي.
وقتل سنة ١٢٦ هـ.
أخباره في: الأنساب للسمعاني: ١٠/ ١٤٤، وفيات الأعيان: ٢/ ٢٢٦، سير أعلام النبلاء: ٥/ ٤٢٥، والبداية والنهاية: ١٠/ ١٩.
(٣) قتادة: (٦٠- ١١٧ هـ).
هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السدوسي البصري أبو الخطاب، الإمام التابعي، أخذ عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وغيرهما، وروى عنه أيوب السختياني، ومعمر بن راشد، والأوزاعي وغيرهم.
ترجمته في: المعارف: ٤٦٢، وإنباه الرواة: ٣/ ٣٥، تذكرة الحفاظ: ١/ ١٢٢، طبقات المفسرين للداودي: ٢/ ٤٣.
(٤) في نسخة «ج» : الاقتيال. وأورد ابن جني في المحتسب: ١ (٨٢، ٨٣) هذه الرواية من طريق ابن مجاهد، ثم قال: «اقتال هذه افتعل، ويصلح أن يكون عينها واوا كاقتاد، وأن يكون ياء كاقتاس. وقول قتادة: إنها من الاستقالة يقتضي أن يكون عينها ياء لما حكاها أصحابنا عموما: من قلت الرجل في البيع بمعنى أقلته، وليس في قلت دليل على أنه من الياء لقولهم: خفت ونمت وهما من الخوف والنوم، لكنه في قولهم في مضارعه:
أقيله... »
.
ونقل ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٢٩٨ قول قتادة، ثم قال: «والتصريف يضعف أن يكون من الاستقالة، ولكن قتادة- رحمه الله- ينبغي أن يحسن الظن به في أنه لم يورد ذلك إلا بحجة من عنده».
ونقل أبو حيان في البحر المحيط: ١/ ٢٠٨ عن الثعلبي قال: «فأما فأقيلوا» فهو أمر من الإقالة وكأن المعنى: أن أنفسكم قد تورطت في عذاب الله بهذا الفعل العظيم الذي تعاطيتموه من عبادة العجل وقد هلكت فأقيلوها بالتوبة والتزام الطاعة وأزيلوا آثار تلك المعاصي بإظهار الطاعات».
95
[٧/ أ] والمشهور عن قتادة أنه غشيتهم ظلمة، فقاموا يتناجزون «١» فلما بلغ/ الله نقمته منهم انجلت الظلمة، وسقطت الشّفار «٢» من أيديهم فكان ذلك للحي مصلحة وللمقتول شهادة «٣».
والجهرة «٤» : ظهور الشيء بالمعاينة «٥»، إلّا أنّ المعاينة ترجع إلى المدرك والجهرة إلى المدرك. وجهرت الجيش وأجهرتهم: إذا كثروا في عينك «٦».
والصاعقة هنا: الموت «٧».
(١) في اللسان: ٥/ ٤١٤ (نجز) :«المناجزة في القتال: المبارزة والمقاتلة، وهو أن يتبارز الفارسان فيتمارسا حتى يقتل كل واحد منهما صاحبه أو يقتل أحدهما... وتناجز القوم:
تسافكوا دماءهم كأنهم أسرعوا في ذلك»
.
(٢) الشّفرة- بالفتح-: السكين العريضة العظيمة، وجمعها شفر وشفار، وشفرات السيوف:
حروف حدّها.
تهذيب اللغة: ١١/ ٣٥١، واللسان: ٤/ ٤٢٠ (شفر).
(٣) نقله ابن كثير في تفسيره: ١/ ١٣١ عن قتادة، وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ١٦٩ ونسب إخراجه إلى عبد بن حميد عن قتادة أيضا.
(٤) من قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [البقرة: ٥٥].
(٥) انظر معاني القرآن للأخفش: ١/ ٢٦٧، وتفسير الماوردي: ١/ ١٠٩، وتفسير البغوي: ١/ ٧٤.
(٦) هذا النصّ في تهذيب اللغة للأزهري: ٦/ ٤٩ عن الأصمعي، وانظر اللسان: ٤/ ١٥٠، وتاج العروس: ١٠/ ٤٩٠ (جهر).
(٧) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٤٩، وقال: «يدلك على ذلك قوله:
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ١/ ١٣٧، وقال ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٨٣: «هذا قول الأكثرين. وزعم أنهم لم يموتوا، واحتجوا بقوله تعالى: وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً وهذا قول ضعيف، لأن الله تعالى فرق بين الموضعين، فقال هناك: فَلَمَّا أَفاقَ وقال ها هنا: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ والإفاقة للمغشي عليه، والبعث للميت»
اهـ.
وانظر تفسير المشكل لمكي: ٩٢، وتفسير الماوردي: ١/ ١٠٩، وتفسير البغوي: ١/ ٧٤.
96
والجهرة :١ظهور/ الشيء بالمعاينة، إلا أن المعاينة ترجع على المدرك، والجهرة ترجع إلى المدرك، وجهرت الجيش واجتهرتهم إذا كثروا في عينك٢.
والصاعقة : هنا الموت كما في قوله :[ فصعق من في السماوات ومن في الأرض ]٣.
١ يشير إلى قوله تعالى: [وإذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون] سورة البقرة: الآية ٥٥..
٢ عمدة الحفاظ مادة "الجهر" ص١٠٣، ولسان العرب مادة "الجهر" ج٤ ص١٤٩-١٥٠..
٣ سورة الزمر: الآية٦٨. وانظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ج١ ص١٣٧، وعمدة الحفاظ مادة "صعق" ص٢٩٤..
كما في قوله تعالى «١» : فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ.
٥٦ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ: أحييناكم، إذ قالوا: لا نعلم أنّ ما نسمع كلام الله فيظهر «٢» لنا، فأهلكهم الله بالصاعقة ثم أحياهم إلى آجالهم.
والمنّ «٣» : التّرنجبين «٤»، وكان ينزل عليهم مثل الثلج.
والسّلوى: طير مثل السّمانى «٥». أو المنّ: من المنّ الذي هو الإحسان.
والسّلوى: مما أسلاك عن غيره.
والسّلوان: تراب قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ينقع في الماء فيشرب للتسلي «٦».
(١) سورة الزمر: آية: ٦٨.
(٢) في «ج» : فليظهر.
(٣) من قوله تعالى: وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى... آية: ٥٧. [.....]
(٤) الترنجبين: بتشديد الراء وتسكين النون، ويقال: الطرنجبين بالطاء: طل ينزل من السماء وهو ندى شبيه بالعسل جامد متحبب.
وهذا القول في المراد ب «المن» ذكره الطبري في تفسيره: ٢/ ٩٣ دون عزو، وذكره البغوي في تفسيره: ١/ ٧٥ وقال: الأكثرون عليه ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٨٤ عن ابن عباس رضي الله عنهما، ونقله القرطبي في تفسيره: ١/ ٤٠٦ عن النحاس، وقال: وعلى هذا أكثر المفسرين.
وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه: ٥/ ١٤٨، كتاب التفسير، باب قوله تعالى:
وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى... ، والإمام مسلم في صحيحه:
٣/ ١٦١٩، كتاب الأشربة، باب «فضل الكمأة ومداواة العين بها» عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين».
(٥) أخرج الطبري رحمه الله في تفسيره: ٢/ ٩٧ عن ابن عباس، وعامر، والضحاك أنه السّماني بعينه.
وانظر تفسير البغوي: ١/ ٧٥، وزاد المسير: ١/ ٨٤.
(٦) في اللسان: ١٤/ ٣٩٥ (سلا) : والسّلوان: ما يشرب فيسلّى. وقال اللحياني: السلوان والسلوانة شيء يسقاه العاشق ليسلو عن المرأة. وقال: وقال بعضهم: هو أن يؤخذ من تراب قبر ميت فيذرّ على الماء فيسقاه العاشق ليسلو عن المرأة فيموت حبه».
والذي ذكره المؤلف هنا لم يرد له أصل شرعي.
97
والقرية «١» : بيت المقدس «٢». والباب: باب القبّة «٣» التي كان يصلّي إليها موسى عليه السّلام.
سُجَّداً: ركعا خضعا «٤».
حِطَّةٌ: أي: دخولنا سجدا حطة لذنوبنا «٥»، أو مسألتنا حطة.
(١) من قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً... آية: ٥٨.
(٢) هو قول الجمهور، وأخرجه الطبري في تفسيره: (٢/ ١٠٢، ١٠٣) عن قتادة، والربيع بن أنس، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ١٧٢ وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة.
وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٨٤ وعزاه لابن عباس، وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم.
ونقله البغوي في تفسيره: ١/ ٧٦ عن مجاهد. ورجحه ابن كثير في تفسيره: ١/ ١٣٨.
(٣) ذكر الزمخشري في الكشاف: ١/ ٢٣٨، وابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٣٠٧ دون عزو.
(٤) أخرج الطبري في تفسيره: ٢/ ١٠٤ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أمروا أن يدخلوا ركعا». وأخرج- نحوه- الحاكم في المستدرك: ٢/ ٢٦٢، كتاب التفسير «سورة البقرة».
وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: (١/ ١٧٢)، ١٧٣) وزاد نسبته إلى وكيع، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا.
قال الطبري رحمه الله: «وأصل السجود» الانحناء لمن سجد له تعظيما بذلك. فكل منحن لشيء تعظيما له فهو «ساجد»... فذلك تأويل ابن عباس قوله: سُجَّداً ركعا لأن الراكع منحن، وإن كان الساجد أشد انحناء منه».
(٥) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٤١، وغريب القرآن لليزيدي: ٧٠، وتفسير المشكل لمكي: ٩٣.
وقال ابن قتيبة في تفسير الغريب: ٥٠: «وهي كلمة أمروا أن يقولوها في معنى الاستغفار من حططت. أي: حطّ عنا ذنوبنا».
98
مثل قالُوا مَعْذِرَةً «١»، أي: موعظتنا معذرة «٢». ونصبه «٣» على معنى حط لنا حطة كقولك: سمعا وطاعة أي اسمع سمعا.
فبدلوا «٤» : إما قولا حنطة «٥» بدل حطة وإما فعلا دخلوا على أستاههم «٦».
(١) سورة الأعراف: آية: ١٦٤.
(٢) معاني القرآن للأخفش: ١/ ٢٧٠.
(٣) ذكر الأخفش قراءة النصب ولم ينسبها، ونسبها ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٣٠٨، وأبو حيان في البحر المحيط: ١/ ٢٢٢، والسمين الحلبي في الدر المصون: ١/ ٣٧٥ إلى إبراهيم بن أبي عبلة. ورجح الزمخشري في الكشاف: ١/ ٢٨٣ هذا الوجه. ورجح النحاس في إعراب القرآن: ١/ ٢٢٨ قراءة الرفع وقال: «وهو أولى في اللغة والأئمة من القراء على الرفع، وإنما صار أولى في اللغة لما حكى عن العرب في معنى بدل. قال أحمد بن يحيى: يقال: بدلت الشيء، أي: غيّرته ولم أزل عينه، وأبدلته أزلت عينه وشخصه... ».
(٤) من قوله تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [البقرة: ٥٩].
(٥) ورد معنى هذا القول بالإضافة إلى دخولهم على أستاههم في آثار أخرجها الطبريّ في تفسيره: (٢/ ١١٣، ١١٤) عن ابن عباس، وابن مسعود، ومجاهد رضي الله تعالى عنهم.
وأخرج نحوه الحاكم في المستدرك: ٢/ ٢٦٢، كتاب التفسير، «سورة البقرة»، وقال:
«وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي. وأورده السيوطي في الدر المنثور: (١/ ١٧٢، ١٧٣) وزاد نسبته إلى وكيع، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٦) أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: ٥/ ١٤٨، كتاب التفسير، باب وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ. والإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: ٤/ ٢٣١٢، كتاب التفسير، كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «قيل لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالوا: حطة حبة في شعرة» اهـ.
وهذا الحديث يدل على أنهم بدلوا قولا وفعلا، وقرنوا بين ذلك مخالفة لأمر الله عز وجل. [.....]
99
والمن : الترنجبين وكان ينزل عليهم مثل الثلج.
والسلوى : طائر مثل السماني١ أو المن من المن الذي هو الإحسان.
والسلوى : ما أسلاك من غيره٢ والسلوان : تراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم ينقع في الماء فيشرب للتسلي٣.
١ غريب القرآن لابن قتيبة ص٤٩، ٥٠ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ج١ ص١٣٨..
٢ عمدة الحفاظ مادة "منن" ص٥٥٢..
٣ والذي في كتب اللغة أن السلوان ما يشرب ليسلي، أو هو أن يأخذ تراب قبر ميت فيجعل في ماء فيسقي العاشق فيموت حبه، أو هو دواء يسقاه الحزين فيفرحه. وما ذكر المؤلف لا أصل له.
انظر القاموس المحيط مادة "سلو" ج٢ ص٦٠٧، ولسان العرب ج١٤ ص٣٩٥..

والقرية١ : بيت المقدس٢.
والباب : باب القبة التي يصلي إليها موسى.
٥٨ [ سجدا ] أي : ركعا خضعا٣.
( حطة ) أي : دخولنا سجدا حطة لذنوبنا٤، أو مسألتنا حطة٥، مثل : قالوا معذرة أي : موعظتنا معذرة ونصبه٦ على معنى حط لنا حطة كقولك : سمعا وطاعة أي أسمع سمعا٧.
١ يشير إلى قوله تعالى: [وإذا قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين] سورة البقرة: الآية ٥٨..
٢ انظر الجامع لأحكام القرآن ج١ ص٤٠٩..
٣ الجامع لأحكام القرآن ج١ ص٤١٠، ومعالم التنزيل ج١ ص٧٦..
٤ رجح هذا القول ابن جرير الطبري في تفسيره ج١ ص٣٠١..
٥ وهو رأي الزمخشري فتكون حطة خبر لمبتدأ محذوف، الكشاف ج١ ص٢٨٣..
٦ على قراءة إبراهيم بن أبي عبلة. انظر البحر المحيط ج١ ص٢٢٢..
٧ معاني القرآن للأخشف الأوسط ج١ ص٩٦..
[ فبدل الذين ] أي : إما قولا فقد قالوا : حنطة بدل حطة، إما فعلا فقد دخلوا على أستاههم١.
والرجز : العذاب، ٢ من الرجز وهو داء يصيب الإبل. ٣
١ انظر جامع البيان ج١ ص٣٠٣-٣٠٤، وتفسير القرآن العظيم ج١ ص٩٩ وأستاههم جمع الأست وهو العجز وقد يراد به حلقه الدبر الصحاح مادة "سته" ج٦ ص٢٢٣٣..
٢ مجاز القرآن لأبي عبيدة ج١ ص٤١..
٣ الجامع لأحكام القرآن ج١ ص٤١٧، ولسان العرب مادة "رجز" ج٥ ص٣٤٩..
والرجز: العذاب «١» من الرجز داء يصيب الإبل «٢».
وفي الأعراف «٣» :«انبجست»، وهو رشح الماء «٤»، والانفجار خروجه بكثرة وغزارة لأنه انبجس ثم انفجر، كما قال في العصا إنها جان «٥» وهي حية صغيرة، والثعبان الكبيرة لأنها ابتدأت صغيرة.
٦٠ وَلا تَعْثَوْا: عاث وعثي: أفسد أعظم الفساد «٦»، وقال مُفْسِدِينَ إذ بعض العيث في الظاهر باطنه صلاح، كخرق الخضر السفينة وقتله الغلام.
والفوم «٧» : الحنطة «٨»...............
(١) غريب القرآن لليزيدي: ٧٠، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٧٠، تفسير الطبري:
٢/ ١١٦، وتفسير المشكل لمكي: ٩٣.
(٢) قال ابن دريد في الجمهرة: ١/ ٤٥٦: والرّجز داء يصيب الإبل في أعجازها، فإذا ثارت الناقة ارتعشت فخذاها.
وانظر تهذيب اللغة: ١٠/ ٦١٢، واللسان: ٥/ ٣٤٩ (رجز).
(٣) آية: ١٦٠، في قوله تعالى: فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً.
(٤) نقل الأزهري في تهذيب اللغة: ١٠/ ٥٩٩ عن الليث قال: البجس: انشقاق في قرية أو حجر أو أرض ينبع منه الماء فإن لم ينبع فليس بانبجاس.
وفي اللسان: ٦/ ٢٤ (بجس) : وماء بجيس: سائل.
وفي تفسير البغوي: ١/ ٧٧ عن أبي عمرو بن العلاء: انبجست عرقت وانفجرت، أي سالت.
(٥) في قوله تعالى: وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ سورة النمل: آية: ١٠.
(٦) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٤١، ومعاني الأخفش: ١/ ٢٧٢، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٥٠، وتفسير الطبري: ٢/ ١٢٣، وتفسير المشكل لمكي: ٩٣.
(٧) من قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها... البقرة: آية: ٦١.
(٨) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٢/ ١٢٨، ١٢٩) عن ابن عباس، والحسن، وأبي مالك الغفاري.
كما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ١٠/ ٣٠٨ عن ابن عباس.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ١٧٦ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. -
- قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ١٤٣: «ولا خلاف عند أهل اللغة أن الفوم الحنطة، وسائر الحبوب التي تخبز يلحقها اسم الفوم».
فوموا لنا «١»، وقيل «٢» : الثوم، كالجدف والجدث «٣»، والفوم والبصل لا يليق بألفاظ القرآن في فصاحتها وجلالتها، ولكنها حكاية عنهم وعن دناءتهم.
٦١ اهْبِطُوا مِصْراً: أيّ من الأمصار «٤»، فإنّ ما سألتم يكون فيها، وإن كان المراد موضعا بعينه «٥» فصرفه/ على أنه اسم للمكان لا البلدة. [٧/ ب]
(١) بمعنى: اختبزوا لنا. انظر معاني القرآن للفراء: ١/ ٤١، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
٥١، وتفسير الطبري: ٢/ ١٣٠، معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٤٣.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره: ٢/ ١٢٩ عن مجاهد، والربيع بن أنس.
(٣) قال الفراء في معاني القرآن: ١/ ٤١: «وهي في قراءة عبد الله «وثومها» بالثاء... والعرب تبدل الفاء بالثاء فيقولون: جدث وجدف، ووقعوا في عاثور شر وعافور شر، والأثاثي والأثافي. وسمعت كثيرا من بني أسد يسمى المغافير المغاثير».
وقد ذكر ابن قتيبة في تفسير الغريب: ٥١ قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: «ثومها» بالثاء، وكذا الطبري في تفسيره: ٢/ ١٣٠، ومكي في تفسير المشكل: ٩٤.
(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٢/ ١٣٣ عن قتادة، ومجاهد، وابن زيد، والسدي.
وذكر ابن كثير هذا القول في تفسيره: ١/ ١٤٥ وعزا إخراجه إلى ابن حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ١٧٨ ونسب إخراجه إلى سفيان بن عيينة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا.
(٥) قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: (٢/ ١٣٥، ١٣٦) :«والذي نقول به في ذلك، أنه لا دلالة في كتاب الله على الصواب من هذين التأويلين، ولا خبر به عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقطع مجيئه العذر. وأهل التأويل متنازعون تأويله، فأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن موسى سأل ربّه أن يعطى قوم ما سألوه من نبات الأرض- على ما بينه الله جل وعز في كتابه- وهم في الأرض تائهون فاستجاب الله لموسى دعاءه، وأمره أن يهبط بمن معه من قومه قرارا من الأرض التي تنبت لهم ما سأل لهم من ذلك، إذ كان الذي سألوه لا تنبته إلا القرى والأمصار، وأنه قد أعطاهم ذلك إذ صاروا إليه. وجائز أن يكون ذلك القرار «مصر»، وجائز أن يكون «الشأم».
فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين: اهْبِطُوا مِصْراً. وهي القراءة التي لا يجوز عندي غيرها، لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين، واتفاق قراءة القراء على ذلك. ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه، إلا من لا يجوز الاعتراض به على الحجة، فيما جاءت- به من القراءة مستفيضا بينها» اهـ.
والذّلّة: الجزية «١».
وَباؤُ بِغَضَبٍ: رجعوا بغضب استولى عليهم، والغضب الأول لكفرهم بعيسى، والثاني لكفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم.
٦٢ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا: أي: كلّهم سواء إذا آمنوا في المستقبل وعملوا الصالحات فلهم أجرهم لا يختلف حال الأجر بالاختلاف في الأحوال المتقدمة.
واليهود لأنهم هادوا وتابوا «٢»، أو للنسبة «٣» إلى يهود «٤» ابن يعقوب، والنّصارى لنزول عيسى قرية ناصرة «٥»، ..............
(١) أخرجه الطبري في تفسيره: ٢/ ١٣٧ عن الحسن وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ١٧٨ ونسب إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. [.....]
(٢) قال الطبري في تفسيره: ٢/ ١٤٣: «ومعنى (هادوا) تابوا. يقال منه: هاد القوم يهودون هودا وهادة. وقيل: إنما سميت اليهود «يهود»، من أجل قولهم: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ الأعراف: ١٥٦» اهـ.
وأخرج عن ابن جريج قال: إنما سميت اليهود من أجل أنهم قالوا: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره، سورة الأعراف: ٢/ ٥٥١ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نحن أعلم الناس من أين تسمى اليهود باليهودية بكلمة موسى عليه السلام: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ، ولم تسمّت النصارى بالنصرانية، من كلمة عيسى عليه السلام:
كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ.
(٣) في «ج» : بالنسبة إلى يهوذا بن يعقوب، ثم انقلبت الذال المعجمة دالا مهملة للتعريب.
(٤) كذا في نسخة «ك» :«يهود» بالدال المهملة. وقال الجواليقي في المعرّب: ٤٠٥: «أعجمي معرّب. وهم منسوبون إلى يهوذا بن يعقوب فسمّوا «اليهود» وعرّبت بالدال».
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ١١٦، والتعريف والإعلام للسهيلي: ١٨، واللسان: ٣/ ٤٣٩ (هود).
(٥) الناصرة: قرية بينها وبين طبرية ثلاثة عشر ميلا، وهي الآن في فلسطين المحتلة أعادها الله إلى حوزة المسلمين.
ينظر معجم ما استعجم: ٢/ ١٣١٠، معجم البلدان: ٥/ ٢٥١، الروض المعطار: ٥٧١.
وقد ورد سبب تسمية النصارى بذلك في أثر أخرجه ابن سعد في الطبقات: (١/ ٥٣، ٥٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما، والطبري في تفسيره: ٢/ ١٤٥ عن ابن عباس وقتادة.
وانظر زاد المسير: ١/ ٩١، وتفسير ابن كثير: ١/ ١٤٨.
أو لقوله «١» : مَنْ أَنْصارِي.
والصابئون: قوم يقرءون الزّبور، ويصلّون [إلى] «٢» القبلة، لكنّهم يعظّمون الكواكب لا على العبادة «٣» حتى جوّز أبو حنيفة «٤» - رحمه الله- التزوج بنسائهم وإذا همز كان من صبأ أي: خرج «٥»، وغير مهموز «٦» من صبا يصبوا: مال.
٦٣ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ: تعرّضوا لذكر ما فيه، إذ الذكر والنسيان ليسا من الإنسان.
وَرَفَعْنا: واو الحال، أي أخذنا ميثاقكم حال رفع الطور.
٦٥ خاسِئِينَ: مبعدين «٧»، خسأت الكلب خسئا فخسأ خسؤا.
(١) سورة آل عمران: آية: ٥٢، وسورة الصّف: آية: ١٤.
قال السيوطي في الدر المنثور: ١/ ١٨٢: «وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال:
«... وإنما تسمّت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فتسموا بالنصرانية»
.
(٢) سقط من الأصل، والمثبت عن «ك».
(٣) أخرج الطبريّ في تفسيره: ٢/ ١٤٧ عن قتادة قال: الصابئون قوم يعبدون الملائكة، يصلّون إلى القبلة ويقرءون الزّبور.
وانظر الاختلاف في الصابئين في تفسير الطبري: (٢/ ١٤٦، ١٤٧)، وتفسير الماوردي:
١/ ١١٧، وتفسير البغوي: ١/ ٧٩، والدر المنثور: (١/ ١٨٢، ١٨٣).
(٤) شرح فتح القدير للكمال بن الهمام: ٣/ ١٣٨، وتفسير القرطبي: ١/ ٤٣٤.
(٥) غريب القرآن لليزيدي: ٧٢، وقال ابن قتيبة في تفسير الغريب: ٥٢: «وأصل الحرف من صَبَأتُ: إذا خرجت من شيء إلى شيء ومن دين إلى دين. ولذلك كانت قريش تقول في الرجل إذا أسلم واتبع النبي- صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله-: قد صبأ فلان- بالهمز- أي خرج عن ديننا إلى دينه».
والهمز في «الصابئون» قراءة الجمهور.
(٦) وهي قراءة نافع من القراء السبعة.
انظر السبعة لابن مجاهد: ١٥٨، وحجة القراءات: ١٠٠.
(٧) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٤٣، ومعاني الأخفش: ١/ ٢٧٧، وغريب القرآن- لليزيدي: ٧٢، وتفسير الغريب لابن قتيبة: ٥٢، وتفسير المشكل لمكي: ٩٤، واللسان:
١/ ٦٥ (خسأ). -
٦٦ فَجَعَلْناها نَكالًا: المسخة أو العقوبة، لأن النّكال العقوبة التي ينكّل بها عن الإقدام.
والنّكل: القيد، وأنكلته عن حاجته: دفعته.
وفي الحديث «١» :«مضر صخرة الله التي لا تنكل»، أي: لا تدفع لرسوخها.
لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها من القرى «٢»، أو من الأمم الآتية والخالية.
٦٧ أَتَتَّخِذُنا هُزُواً: الهزء حدث فلا يصلح مفعولا إلا بتقدير: أصحاب هزو، أو الهزء [المهزوءة] «٣» كخلق الله، وضرب بغداد.
والفارض «٤» : المسنّة «٥» وهي الفريضة وفرض الرّجل: أسنّ.
(١) الحديث في تهذيب اللغة للأزهري: ١٠/ ٢٤٦، والفائق: ٤/ ٢٤، وغريب الحديث لابن الجوزي: ٢/ ٤٣٦، والنهاية: ٥/ ١١٧. وقد ورد في النهاية لابن الأثير: ٤/ ٣٣٨، ولسان العرب: ٥/ ١٧٨، وتاج العروس: ١٤/ ١٣١ (مضر) حديث حذيفة، وذكر خروج عائشة فقال: «تقاتل معها مضر، مضّرها الله في النار»، أي: جعلها في النار فهذا الحديث صريح في ذم مضر، والحديث الذي أورده المؤلف- رحمه الله- في مدح هذه القبيلة، وكلاهما ذكرا في تلك المصادر بغير إسناد.
(٢) ذكره ابن قتيبة في تفسير الغريب: ٥٢، وأخرجه الطبري في تفسيره: ٢/ ١٧٨، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ١٢٠، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٩٦ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ١٤٩: «ومعنى: لِما بَيْنَ يَدَيْها يحتمل شيئين من التفسير: يحتمل أن يكون لِما بَيْنَ يَدَيْها لما أسلفت من ذنوبها، ويحتمل أن يكون لِما بَيْنَ يَدَيْها للأمم التي تراها وَما خَلْفَها ما يكون بعدها».
(٣) في الأصل: «المهزوبة». [.....]
(٤) من قوله تعالى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ البقرة: ٦٨.
(٥) ينظر غريب القرآن لليزيدي: ٧٢، وتفسير الغريب لابن قتيبة: ٥٢، والصحاح: - ٣/ ١٠٩٧، واللسان: ٧/ ٢٠٣ (فرض).
والفارض : المسنة، وهي الفريضة، وفرض الرجل أسن١.
والبكر : الشاب٢، وفي الحديث :( لا تعلموا أبكار أولادكم كتب النصارى )٣ يعني الأحداث.
والعوان : الوسط٤، عونت المرأة تعوينا٥.
١ تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص٥٢، وعمدة الحفاظ مادة "فرض" ص٤١٩، ولسان العرب مادة "فرض" ج٧ ص٢٠٣..
٢ أو الصغيرة كما قال به جمهور المفسرين. جامع البيان ج١ ص٣٤٢..
٣ الحديث أورده أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي في الغريبين ج١ ص٢٠٢، وابن الأثير في النهاية ج١ ص١٤٩، وابن الجوزي في غريب الحديث ج١ ص٨٤..
٤ الفرادات مادة "عون" ص٣٥٤..
٥ إذا صارت عونا، والعوان من النساء التي كان لها زوج، وقيل: الثيب انظر لسان العرب مادة "عون" ج١٣ ص٢٩٩..
والفاقع : الخالص الصفرة١.
١ معاني القرآن للأخفش الأوسط ج١ ص١٠٣..
والبكر: الشّاب، وفي الحديث «١» :«لا تعلّموا أبكار أولادكم كتب النّصارى» يعني: الأحداث.
والعوان: الوسط «٢»، عوّنت المرأة تعوينا.
والفاقع: الخالص الصفرة «٣».
والشّية «٤» : العلامة «٥» من لون «٦» آخر، وشى يشي وشيا وشية.
٧١ وَما كادُوا يَفْعَلُونَ: لغلاء ثمنها «٧»، أو لخوف/ الفضيحة «٨». [٨/ أ]
(١) أورده الخطابي في غريب الحديث: ٢/ ٧٢، وقال: «يرويه ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر أن عمر- رضي الله عنه- كتب إلى أهل حمص... ».
وذكره الزمخشري في الفائق: ٣/ ٤٠٢، وابن الجوزي في غريب الحديث: ١/ ٨٤، وابن الأثير في النهاية: ١/ ١٤٩.
(٢) قال الجوهري في الصحاح: ٦/ ٢١٦٨ (عون) :«العوان: النصف في سنّها من كل شيء، والجمع عون... وتقول منه: عوّنت المرأة تعوينا.
وفي اللسان: ١٣/ ٢٩٩ (عون) عن ابن سيده: العوان من النساء التي قد كان لها زوج، وقيل: هي الثيب.
(٣) معاني القرآن للأخفش: ١/ ٢٧٩، وقال الزّجاج في معاني القرآن: ١/ ١٥١: «فاقع نعت للأصفر الشديد الصفرة، يقال: أصفر فاقع، وأبيض ناصع، وأحمر قان... »
.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٣٤٤: «والفقوع نعت مختص بالصفرة... ».
وفي تفسير القرطبي: ١/ ٤٥١ عن الكسائي: يقال: فقع لونها يفقع فقوعا إذا خلصت صفرته.
(٤) من قوله تعالى: قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها... البقرة: ٧١.
(٥) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٥٤: «أي لا لون فيها يخالف معظم لونها»، وقال مكي في تفسير المشكل: ٩٦: «أي لا لون فيها سوى لون جلدها».
(٦) في «ج» : نوع.
(٧) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٢/ ٢١٩ عن محمد بن كعب القرظي.
وأورده الماوردي في تفسيره: ١/ ١٢٤ وزاد نسبته إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
(٨) أخرجه الطبري في تفسيره: ٢/ ٢٢١ عن وهب بن منبه.
وأورده الماوردي في تفسيره: ١/ ١٢٤ وزاد نسبته إلى عكرمة.
قال الطبري بعد أن أورد القولين: «والصواب من التأويل عندنا: أن القوم لم يكادوا يفعلون ما أمرهم الله به من ذبح البقرة، للخلتين كلتيهما: إحداهما: غلاء ثمنها، مع ما ذكر لنا من صغر خطرها وقلة قيمتها، والأخرى: خوف عظيم الفضيحة على أنفسهم، بإظهار الله نبيّه موسى صلوات الله عليه وأتباعه على قاتله».
٧٢ فَادَّارَأْتُمْ: تدافعتم «١»، دفع كل قبيلة عن نفسه»
. وهو تدارأتم، ثم أدغمت التاء في الدال، وجلبت لسكونها ألف الوصل، وكتب في المصحف «فادّارءتم» بغير ألف اختصارا كما في «الرحمن» لكثرة الاستعمال.
٧٣ [اضْرِبُوهُ]
«٣» بَعْضِها: فيه حذف، أي: ليحيا فضرب فحيي «٤».
والحكمة فيه ليكون وقت إحيائه إليهم ثم بضربهم إياه بموات.
والسبب «٥» أن شيخا موسرا قتله بنو أخيه وألقوه في محلة أخرى،
(١) ينظر معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٥٣، وتفسير المشكل لمكي: ٩٦، واللسان: ١/ ٧١ (درأ).
(٢) في «ج» : أنفسهم.
(٣) في الأصل: «فاضربوه»، والمثبت في النّص هو الموافق لرسم المصحف ونسخة «ك».
(٤) معاني القرآن للفراء: ١/ ٤٨، ونقل الماوردي في تفسيره: ١/ ١٢٥ عن الفراء قال: «وفي الكلام حذف وتقديره: فقلنا اضربوه ببعضها ليحيا فضربوه فحيي. كذلك يحيي الله الموتى فدل بذلك على البعث والنشور، وجعل سبب إحيائه الضرب بميت لا حياة فيه لئلا يلتبس على ذي شبهة أن الحياة إنما انتقلت إليه مما ضرب به لتزول الشبهة وتتأكد الحجة». [.....]
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره: (٢/ ١٨٣- ١٨٧) عن عبيدة السلماني، وأخرج نحو هذه الرواية عن أبي العالية والسدي.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١/ ٢١٤ (سورة البقرة) عن عبيدة السلماني. وكذا البيهقي في السنن الكبرى: ٦/ ٢٢٠.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ١٨٦، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن عبيدة أيضا ونقله الطبريّ عن قتادة، ومجاهد، ووهب بن منبه، ومحمد بن كعب القرظي، وابن عباس، وقال: «فذكر جميعهم أن السبب الذي من أجله قال لهم موسى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً نحو السبب الذي ذكره عبيدة وأبو العالية والسدي، غير أن بعضهم ذكر أن الذي قتل القتيل الذي اختصم في أمره إلى موسى، كان أخا المقتول، وذكر بعضهم أنه كان ابن أخيه، وقال بعضهم: بل كانوا جماعة ورثة استبطئوا حياته، إلا أنهم جميعا مجمعون على أن موسى إنما أمرهم بذبح البقرة من أجل القتيل إذ احتكموا إليه... »
.
وأورد ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ١/ ١٥٧ هذه الروايات، وقال: «وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم، فيها اختلاف ما، والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل، وهي مما يجوز نقلها، ولكن لا نصدق ولا نكذب، فلهذا لا نعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا، والله أعلم».
وطلبوا الدّية، فسألوا موسى، فأمرهم بذبح بقرة، فظنوه هزؤا لما لم يكن في ظاهره جوابهم، فاستعاذ من الهزء، وعدّه «١» من الجهل.
٧٤ أَوْ أَشَدُّ: أي عندكم، كقوله «٢» : قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، وقوله «٣» : أَوْ يَزِيدُونَ، أي: لقلتم إنهم مائة ألف أو يزيدون «٤»، وقيل «٥» : معناه الإباحة والتخيير، أي «٦» : تشبه الحجارة إن شبّهت بها، وإن شبّهت بما هو أشد منها تشبهه.
يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ: قيل: إنه متعد، أي: يهبط غيره إذا رآه فيخشع لله فحذف المفعول.
ومعناه لازما: إن الذي فيها من الهبوط والهويّ- لا سيما عند الزلازل والرّجفان- انقياد لأمر الله الذي لو كان مثله من حي قادر لكان من خشية الله.
(١) في الأصل: ووعده.
(٢) سورة النجم: آية: ٩.
(٣) سورة الصافات: آية: ١٤٧.
(٤) «أو» هنا بمعنى «بل».
ينظر معاني القرآن للفراء: ٣/ ٣٩٣، وتفسير الطبري: ٢/ ٢٣٧، وحروف المعاني للزجاجي: ٥٢، ورصف المباني: ٢١١، والجنى الداني: ٢٤٦.
(٥) نصّ هذا القول في تفسير الماوردي: ١/ ١٢٧ دون عزو.
وانظر معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٥٦، ومغني اللبيب: ١/ ٦٢.
(٦) العبارة في «ج» : أي تشبه الحجارة وإن شبّهت بما هو أشد منها تشبهه.
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ «١».
٧٨ إِلَّا أَمانِيَّ: الأكاذيب «٢»، أو التلاوة الظاهرة «٣»، أو ما يقدّرونه على آرائهم وأهوائهم. والمنى: القدر «٤».
٨٣ لا تَعْبُدُونَ: رفعه بسقوط «أن» إذ أصله: / أن لا تعبدوا «٥»، [٨/ ب] ويجوز رفعه جوابا للقسم «٦»، إذ معنى أخذ الميثاق التحليف، وتقول:
حلفته لا يقوم.
وَبِالْوالِدَيْنِ معطوف على معنى لا تَعْبُدُونَ، أي: بأن لا تعبدوا وبأن
(١) سورة الكهف: آية: ٤٢.
(٢) رجح الفراء هذا القول في معاني القرآن: ١/ ٥٠، وقال الطبريّ في تفسيره: ٢/ ٢٦٢:
«و «التمني» في هذا الموضع، هو تخلق الكذب وتخرّصه وافتعاله. يقال منه «تمنيت كذا»، إذا افتعلته وتخرّصته... ».
وانظر معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٥٩، وتفسير المشكل لمكيّ: ٩٦، وتفسير غريب القرآن لابن الملقن: ٥٨.
(٣) ينظر معاني الفراء: ١/ ٤٩، وغريب القرآن لليزيدي: ٧٤، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
٥٥، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ١٥٩، وتفسير المشكل لمكيّ: ٩٧، واللسان: ١٥/ ٢٩٤ (منى).
(٤) اللسان: ١٥/ ٢٩٢ (منى)، وفي «ج» : التقدير.
(٥) وهو مذهب الأخفش.
ينظر معاني القرآن له: ١/ ٣٠٨، ومعاني الزجاج: ١/ ١٦٢، ومشكل إعراب القرآن لمكي: ١/ ١٠١.
وقد ذكر السّمين الحلبي هذا الوجه في الدر المصون: ١/ ٤٥٩، وأورد أدلة القائلين به وشواهدهم، ثم قال: «وفيه نظر، فإن إضمار «أن» لا ينقاس، إنما يجوز في مواضع عدها النحويون وجعلوا ما سواها شاذا قليلا، وهو الصحيح خلافا للكوفيين، وإذا حذفت «أن» فالصحيح جواز النصب والرفع... ».
(٦) وهو رأي سيبويه في الكتاب: ٣/ ١٠٦، وذكره الفراء في المعاني: ١/ ٥٤.
وانظر التبيان للعكبري: ١/ ٨٣، والدر المصون للسمين الحلبي: (١/ ٤٥٨- ٤٦١) الذي أورد ثمانية أوجه في إعراب الآية.
تحسنوا «١»، أو تقديره: ووصيناهم [إحسانا] «٢» بالوالدين «٣».
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً: قولا ذا حسن، أو حسنا، فأقيم المصدر مقام الاسم. أو يكونان اسمين كالعرب والعرب. ولا وجه لقراءة «حسني» «٤» لأن أفعل [وفعلى] «٥» صفة لا تخلو «٦» إما عن «من» أو عن الألف واللام على التعاقب.
٨٤ أَقْرَرْتُمْ: رضيتم.
٨٥ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ: أي: يا هؤلاء «٧» توكيد «أنتم»، وعماده أي أنتم تقتلون فيكون تقتلون خبره رفعا.
ويجوز هؤُلاءِ بمعنى: الذين «٨»، وتَقْتُلُونَ صلته ولا موضع له
(١) ينظر تفسير الطبري: ٢/ ٢٩٠، والبيان لابن الأنباري: ١/ ١٠٢، والدر المصون:
١/ ٤٦٢.
(٢) عن نسخة «ج».
(٣) معاني القرآن للأخفش: ١/ ٣٠٩، ومعاني الزجاج: ١/ ١٦٣، وإعراب القرآن للنحاس:
١/ ٢٤١.
(٤) ذكر الأخفش هذه القراءة في معاني القرآن: ١/ ٣٠٩، وذكرها الطبريّ في تفسيره:
٢/ ٢٩٤، والزجاج في معانيه: ١/ ١٦٣، والنحاس في إعراب القرآن: ١/ ٢٤١، وابن جني في المحتسب: ٢/ ٣٦٣، وابن الأنباري في البيان: ١/ ١٠٣.
وتنسب أيضا إلى الحسن كما في إتحاف فضلاء البشر: ١/ ٤٠١.
وقد ضعّف كلّ من الطبريّ والزّجاج والنحاس وابن الأنباري هذا الوجه. [.....]
(٥) في الأصل: «وفعل». والمثبت في النص من «ك»، ومن المصادر التي مرت من قبل.
(٦) في «ك» و «ج» :«لا يخلوان».
(٧) نقل النحاس في إعراب القرآن: ١/ ٢٤٣ هذا التقدير عن ابن قتيبة، ثم قال: «هذا خطأ على قول سيبويه لا يجوز عنده: هذا أقبل».
وقال ابن الأنباري في البيان: ١/ ١٠٣: «وهو ضعيف ولا يجيزه سيبويه، لأن حرف النداء إنما يحذف مما لا يحسن أن يكون وصفا لأيّ، نحو: زيد وعمر، و «هؤلاء» يحسن أن يكون وصفا لأيّ، نحو: يا أيها هؤلاء. فلا يجوز حذف حرف النداء منه».
وانظر مشكل إعراب القرآن لمكي: ١/ ١٠٢، والتبيان للعكبري: ١/ ٨٦.
(٨) نص هذا الكلام في معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٦٧، وهو مذهب الكوفيين، كما في الإنصاف: ٢/ ٧١٧.
وذكره النحاس في إعراب القرآن: ١/ ٢٤٣، ومكي في مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٠٢، والعكبري في التبيان: ١/ ٨٦ وضعفه.
وأورد السّمين الحلبي في الدر المصون: (١/ ٤٧٤- ٤٧٨) سبعة أوجه في إعراب الآية.
كقوله «١» : وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ أي: [ما] «٢» التي.
وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى: أي من غير ملتكم تفدوهم.
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ: إخراجهم كان كفرا وفداؤهم كان إيمانا «٣».
مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ: أي: الكفر والإيمان.
٨٧ بِرُوحِ الْقُدُسِ: جبريل «٤»، أو الإنجيل «٥»، أو الاسم الذي كان
(١) سورة طه: آية: ١٧.
(٢) عن نسخة «ج».
(٣) ينظر تفسير الطبري: (٢/ ٣٠٨، ٣٠٩)، وتفسير البغوي: ١/ ٩١، والمحرر الوجيز:
١/ ٣٨٢، وزاد المسير: ١/ ١١٢.
قال ابن عطية في تفسير قوله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ: «يعني التوراة، والذي آمنوا به فداء الأسارى، والذي كفروا به قتل بعضهم بعضا وإخراجهم من ديارهم، وهذا توبيخ لهم، وبيان لقبح فعلهم».
(٤) ورد هذا القول في تفسير الطبري: (٢/ ٢٢٠، ٢٢١) حيث أخرجه عن قتادة، والسدي، والربيع بن أنس، والضحاك، وشهر بن حوشب ورفعه.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٤٧٦ (تفسير سورة البقرة) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ورجح الطبريّ- رحمه الله- هذا القول. وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٣٨٦:
«وهذا أصح الأقوال».
وانظر: معاني الزجاج: ١/ ١٦٨، وتفسير الماوردي: ١/ ١٣٥، وزاد المسير: ١/ ١١٢، وتفسير القرطبي: ٢/ ٢٤، وتفسير ابن كثير: (١/ ١٧٥، ١٧٦).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٤٧٧ (تفسير سورة البقرة) عن الربيع بن أنس باختلاف يسير في اللفظ.
وذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ١٣٥ دون عزو، وقال: سماه روحا كما سمى الله القرآن روحا في قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا.
ونقل ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٣٨٦ هذا القول عن مجاهد والربيع بن أنس.
يحيي به الموتى «١».
والقدس والقدس «٢» واحد، وقيل لجبريل روح الله تشريفا وكذلك للمسيح.
٨٨ غُلْفٌ: جمع أغلف «٣» الذي لا يفهم كأنّ قلبه في غلاف.
وهذا أصح من [قول القائل] «٤» إنها أوعية للعلوم «٥» امتلأت بها فلا موضع لما يقول: لأن كثرة العلم لا يمنع المزيد.
واللّعن: الإبعاد من رحمه الله، فلا تلعن البهائم إذ الله لا يبعدها من رحمته.
فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ: أي قليل منهم يؤمنون «٦» «٧» [وانتصب على
(١) أخرجه الطبريّ في تفسيره: ٢/ ٣٢١، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٢/ ٤٧٧ عن ابن عباس رضي الله عنهما، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ١٣٤، وابن عطية في المحرر الوجيز:
١/ ٣٨٦ عن ابن عباس أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٢١٣، وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن عباس.
(٢) في «ك» :«والقدوس».
وانظر تفسير الطبري: ٢/ ٣٢٣، والدر المصون: ١/ ٤٩٧.
(٣) ينظر غريب القرآن لليزيدي: ٧٥، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٥٧، وتفسير المشكل لمكي: ٩٨، وتفسير غريب القرآن لابن الملقن: ٥٩.
(٤) عن نسخة «ج».
(٥) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٥٨: «ومن قرأه «غلف» مثقل. أراد جمع غلاف.
أي هي أوعية للعلم».
وقد رجح الزجاج في معانيه: ١/ ١٦٩ ما رجحه المؤلف هنا.
وانظر تفسير المشكل لمكي: ٥٨، وتفسير الماوردي: ١/ ١٣٦. [.....]
(٦) عن نسخة «ج».
(٧) أخرج الطبري- رحمه الله- هذا القول في تفسيره: ٢/ ٣٢٩ عن قتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ١٣٦، والبغوي في تفسيره: ١/ ٩٣، وابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٣٨٨ عن قتادة.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١١٣ وزاد نسبته إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
الحال و «ما» صلة]، أو [بقليل] «١» يؤمنون «٢» أو إيمانا قليلا يؤمنون:
صفة مصدر محذوف «٣».
٩٠ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا: أي: بئس شيئا باعوا به أنفسهم «٤» لأنّ الغرض واحد وهو المبادلة. وموضع أَنْ يَكْفُرُوا خفض على موضع الهاء في (به) على البدل «٥»، ويجوز رفعه على قولهم: نعم رجلا زيد.
٩١ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً: نصبه بمعنى الحال [المؤكدة] «٦»، والعامل معنى الفعل، [أي: أثبته أو أحقه] »
، كقولك: هو زيد معروفا، أي:
(١) في الأصل: «فقليل»، والمثبت في النص من «ك».
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره: ٢/ ٣٢٩ عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ١٣٦ عن قتادة، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١١٣ عن معمر.
قال الطبريّ- رحمه الله-: «وأولى التأويلات في قوله: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ بالصواب، ما نحن متقنوه إن شاء الله. وهو أن الله جل ثناؤه أخبر أنه لعن الذين وصف صفتهم في هذه الآية، ثم أخبر عنهم أنهم قليلو الإيمان بما أنزل الله إلى نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم. ولذلك نصب قوله: فَقَلِيلًا لأنه نعت للمصدر المتروك ذكره. ومعناه: بل لعنهم الله بكفرهم، فإيمانا قليلا ما يؤمنون. فقد تبين إذا بما بينا فساد القول الذي روي عن قتادة في ذلك لأن معنى ذلك لو كان على ما روى من أنه يعني به: فلا يؤمن منهم إلا قليل، أو فقليل منهم من يؤمن، لكان «القليل» مرفوعا لا منصوبا لأنه إذا كان ذلك تأويله، كان «القليل» حينئذ مرافعا «ما» فإذا نصب «القليل» - و «ما» في معنى «من» أو «الذي» - فقد بقيت «ما» لا مرافع لها. وذلك غير جائز في لغة أحد من العرب».
(٣) ينظر البيان لابن الأنباري: ١/ ١٠٦، والتبيان للعكبري: ١/ ٩٠، والبحر المحيط:
١/ ٣٠١، والدر المصون للسمين الحلبي: ١/ ٥٠٢ الذي رجح هذا الوجه من بين ستة وجود ذكرها في إعراب فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ.
(٤) نسب هذا القول إلى الكسائي كما في مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٠٤، والدر المصون: ١/ ٥٠٨.
(٥) ذكره الفراء في معاني القرآن: ١/ ٥٦، وانظر البيان لابن الأنباري: ١/ ١٠٩، والتبيان للعكبري: ١/ ٩١، والدر المصون: ١/ ٥١٠.
(٦) عن نسخة «ك».
وينظر: إعراب القرآن للنحاس: ١/ ٢٤٨، والبيان لابن الأنباري: ١/ ١٠٩، والتبيان للعكبري: ١/ ٩٣، والدر المصون: (١/ ٥١٥، ٥١٦).
(٧) عن نسخة «ج».
أعرفه عرفانا «١». ولا يصح هو زيد قائما حالا لأن الحال لا يعمل فيها إلا [٩/ أ] فعل/ أو معنى فعل، وجاز [قولك: هذا زيد قائما بدلالة اسم الإشارة على معنى الفعل، أي: أشير إلى زيد قائما، أي في حال قيامه] «٢».
فَلِمَ تَقْتُلُونَ [أَنْبِياءَ اللَّهِ] «٣» مِنْ قَبْلُ: والمراد: لم قتلتم لأنه كالصفة اللازمة لهم، كقولك للكاذب: لم تكذب؟ بمعنى: لم كذبت.
٩٧ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ: ردّ لمعاداتهم جبريل «٤»، أي: لو نزّله غير جبريل لنزّله أيضا على هذا الحد.
١٠٢ وَاتَّبَعُوا: يعني اليهود، ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ: أي: شياطين الإنس «٥» من السّحر.
وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ: ما سحر وذلك لإنكار اليهود نبوّته، وأنه ظهر من تحت كرسيّه كتب السّحر «٦».
(١) في «ج» : أثبته معروفا.
(٢) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٣) عن نسخة «ج».
(٤) هذه الآية نزلت في اليهود. وقال الطبري في تفسيره: ٢/ ٣٧٧: «أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا على أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل إذ زعموا أن جبريل عدوّ لهم، وأن ميكائيل وليّ لهم... ».
راجع سبب نزول الآية في مسند الإمام أحمد: ١/ ٧٤، وتفسير الطبري: (٢/ ٣٨٣- ٣٨٤)، وأسباب النزول للواحدي: ٦٤، وتفسير البغوي: ١/ ٩٦، وتفسير ابن كثير:
(١/ ١٨٥، ١٨٦).
(٥) قال الفخر الرازي في تفسيره: (٣/ ٢٢٠) :«واختلفوا في «الشياطين»، فقيل: المراد شياطين الجن وهو قول الأكثرين. وقيل: شياطين الإنس وهو قول المتكلمين من المعتزلة.
وقيل: هم شياطين الإنس والجن معا... ». [.....]
(٦) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٥٩، وتفسير الطبري: (٢/ ٤٠٥- ٤٠٧)، وأسباب النزول للواحدي: (٦٨، ٦٩)، وتفسير البغوي: (١/ ٩٨، ٩٩)، وتفسير ابن كثير: ١/ ١٩٤.
قال الطبري- رحمه الله-: «والصواب من القول في تأويل قوله: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ أن ذلك توبيخ من الله لأحبار اليهود الذين أدركوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجحدوا نبوته، وهم يعلمون أنه لله رسول مرسل وتأنيب منه لهم في- رفضهم تنزيله، وهجرهم العمل به، وهو في أيديهم يعلمونه ويعرفون أنه كتاب الله، واتباعهم واتباع أوائلهم وأسلافهم ما تلته الشياطين في عهد سليمان، وقد بينا وجه جواز إضافة أفعال أسلافهم إليهم فيما مضى... ».
114
وهو إما- إن فعلها- لئلا يعمل بها «١»، أو افتعلها السّحرة بعده لتفخيم السّحر «٢» وأنه استسخر به ولذلك قال: «تتلوا عليه» لأنّ في الحق:
تلا «٣» عنه.
وقيل: عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ معناه: على «٤» ذهاب ملكه، [أي:
حين نزع الله عنه الملك] «٥».
وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ أي: واتبعوا ذلك، وأنزل عليهما من السحر ليعلما ما السحر وفساده وكيف الاحتيال به.
فِتْنَةٌ: خبرة «٦» [من] «٧»، فتنت الذهب، أي تظهر «٨» بما تتعلمون
(١) ينظر: متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار: (٩٩- ١٠٣)، وتفسير الفخر الرازي: (٣/ ٢٣٨- ٢٣٩)، وتفسير القرطبي: ٢/ ٥٤.
(٢) تفسير الفخر الرازي: ٣/ ٢٢١.
(٣) المصدر السابق.
(٤) في «ج» و «ك» :«في ذهاب ملكه».
وانظر هذا المعنى في تفسير الطبري: (٢/ ٤١١، ٤١٢).
(٥) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
وقال الفخر الرازي- رحمه الله- في تفسيره: ٣/ ٢٢١ «أما قوله: عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ فقيل: في ملك سليمان عن ابن جريج، وقيل: على عهد ملك سليمان.
والأقرب أن يكون المراد: واتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان، لأنهم كانوا يقرءون من كتب السحر ويقولون: إن سليمان إنما وجد ذلك الملك بسبب هذا العلم، فكانت تلاوتهم لتلك الكتب كالافتراء على ملك سليمان»
.
(٦) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٥٩، وفي تهذيب اللّغة للأزهري: ١٤/ ٢٩٦: «جماع معنى الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضّة والذهب إذا أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجيّد... ».
وانظر لسان العرب: ١٣/ ٣١٧ (فتن).
(٧) عن نسخة «ج».
(٨) في «ك» و «ج» :«أي اختبرته ليظهر... ».
115
منّا حالكم في اجتناب السحر الذي نعلم فساده والعمل به.
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما: أي: مكان ما علما من تقبيح السحر.
ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ: وذلك بالتبغيض «١»، أو إذا سحر كفر فتبين امرأته «٢». وقيل: بالجحد في (وما [أنزل] «٣» ).
وصرف ويتعلمون منهما إلى السّحر والكفر لدلالة ما تقدّم عليهما.
كقوله: يَتَجَنَّبُهَا
«٤» أي: الذكرى لدلالة سَيَذَّكَّرُ عليها.
بِإِذْنِ اللَّهِ: بعلم الله «٥»، أو بتخليته، أو بفعله وإرادته لأنّ الضّرر بالسّحر وإن كان لا يرضاه عنه «٦» تعالى عند السبب الواقع من الساحر.
وقال: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ مع قوله: وَلَقَدْ عَلِمُوا لأنه في فريق
(١) تفسير الطبري: ٢/ ٤٤٧ عن قتادة.
(٢) تفسير الفخر الرازي: ٣/ ٢٣٩.
(٣) عن نسخة «ك» و «ج».
(٤) سورة الأعلى: الآيتان: (١٠، ١١).
(٥) قال الطبري- رحمه الله تعالى- في تفسيره: ٢/ ٤٤٩: «ول «الإذن» في كلام العرب أوجه منها:
- الأمر على غير وجه الإلزام. وغير جائز أن يكون منه قوله: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لأن الله جل ثناؤه قد حرّم التفريق بين المرء وحليلته بغير سحر- فكيف به على وجه السحر؟ - على لسان الأمة.
- ومنها: التخلية بين المأذون له، والمخلّى بينه وبينه.
- ومنها العلم بالشيء، يقال منه: «قد أذنت بهذا الأمر» إذا علمت به... وهذا هو معنى الآية، كأنه قال جل ثناؤه: وما هم بضارين، بالذي تعلموا من الملكين، من أحد إلا بعلم الله، يعني: بالذي سبق له في علم الله أنه يضره».
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ١٤٣، والمحرر الوجيز: ١/ ٤٢٣، وتفسير الفخر الرازي:
٣/ ٢٣٩. [.....]
(٦) من المعلوم أن «رضي» يأتي لازما فيتعدى بحرف الجر «عن» نحو قولك: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ويأتي متعديا بنفسه نحو قوله: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً، وعليه تكون صحة العبارة إما أن يقال: ولا يرضى عنه تعالى، وإما أن يقال: ولا يرضاه تعالى، حيث لم يجر العرف اللغوي باستعمال الفعل لازما متعديا في عبارة واحدة.
116
عاند وفي فريق جهل، أو لما لم يعملوا بما علموا كأنهم لم يعلموا «١».
لَمَنِ اشْتَراهُ: في معنى الجزاء «٢»، وجوابه مكتفى منه بجواب القسم كقوله «٣» : لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ.
والهاء في اشْتَراهُ يعود على السحر، أي من استبدل السحر بدين الله.
والخلاق: النّصيب من الخير.
١٠٣ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا: محذوف الجواب لأن شرط الفعل ب «لو» يجاب بالفعل، ولام لَمَثُوبَةٌ لام الابتداء.
١٠٤ راعِنا: أرعنا سمعك كما نرعيك «٤»، فنهوا عن لفظ المفاعلة، لأنّها/ للمماثلة. [٩/ ب] انْظُرْنا: أفهمنا، أو انظر إلينا، أو انتظرنا نفهم ما تعلّمنا «٥».
١٠٦ ما نَنْسَخْ النّسخ «٦» : رفع حكم شرعي إلى بدل منه، كنسخ الشمس بالظل. وقيل: هو بيان مدة المصلحة، والمصالح تختلف بالأوقات والأعيان والأحوال فكذلك الأحكام، وهو كتصريف العالم بين السرّاء والضراء
(١) معاني القرآن للزجاج: ١/ ١٨٦.
(٢) ينظر معاني الفراء: (١/ ٦٥، ٦٦)، وتفسير الطبري: ٢/ ٤٥٢.
(٣) سورة الحشر: آية: ١٢.
(٤) تفسير الطبري: ٢/ ٤٦٠. قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٦٠: «وكان المسلمون يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: راعنا وأرعنا سمعك، وكان اليهود يقولون: راعنا- وهي بلغتهم سب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالرّعونة- وينوون بها السّبّ: فأمر الله المؤمنين أن لا يقولوها: لئلا يقولها اليهود، وأن يجعلوا مكانها (انظرنا) أي انتظرنا».
(٥) هذه الأقوال الثلاثة في تفسير الماوردي: ١/ ١٤٤. وانظر معاني الفراء: ١/ ٧٠، وغريب القرآن لليزيدي: ٧٨، وتفسير غريب القرآن: ٦٠، وتفسير الطبري: (٢/ ٤٦٧، ٤٦٨).
(٦) ينظر تعريف النسخ في معجم مقاييس اللغة: ٥/ ٤٢٤، والإيضاح لمكي: ٤٩، والمفردات للراغب: ٤٩٠، ونواسخ القرآن لابن الجوزي: ٩٠، والبرهان للزركشي: ٢/ ٢٩، واللسان: ٣/ ٦١ (نسخ).
لمصالح الخلق.
أَوْ نُنْسِها: نتركها فلا ننسخها «١»، أو ننسها من قلوب الحافظين «٢» وننسأها «٣» : نؤخرها «٤»، نسأته وأنساته.
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها: في التخفيف أو في المصلحة «٥».
١٠٨ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى سألت قريش تحويل الصفا ذهبا «٦».
١٠٩ فَاعْفُوا: فاتركوهم، وَاصْفَحُوا: اعرضوا بصفحة وجوهكم «٧»
(١) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: ٢/ ٤٧٦ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن السّدّي، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١/ ٣٣٦ (سورة البقرة)، والبيهقي في الأسماء والصفات: (١/ ٣٦٢، ٣٦٣) عن ابن عباس.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٢٥٥ وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن عباس أيضا.
(٢) ينظر معاني الفراء: (١/ ٦٤، ٦٥)، وتفسير الطبري: (٢/ ٤٧٤، ٤٧٥).
(٣) ننسأها- بفتح النون الأولى وأخرى بعدها ساكنة وسين مفتوحة بعدها ألف مهموزة- قراءة سبعية قرأ بها أبو عمرو وابن كثير، ونسبت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابن عباس، وعطاء بن أبي رباح ومجاهد، وإبراهيم النخعي، وعبيد بن عمير.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ١٦٨، والتبصرة لمكي: ١٥٣، والتيسير للداني: ٧٦، والبحر المحيط: ١/ ٣٤٣، ومعجم القراءات: ١/ ٩٩.
(٤) معاني الفراء: ١/ ٦٥، وغريب القرآن لليزيدي: ٧٩، وتفسير الطبري: ٢/ ٤٧٧، ومعاني الزجاج: ١/ ١٩٠، والمحرر الوجيز: ١/ ٤٣٦.
(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٦١، وأخرج الطبري في تفسيره: ٢/ ٤٨١، والبيهقي في الأسماء والصفات: ١/ ٣٦٢ عن ابن عباس رضي الله عنهما: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها يقول:
خير لكم في المنفعة وأرفق بكم».
(٦) أخرجه الطبريّ في تفسيره: (٢/ ٤٩٠، ٤٩١) عن مجاهد، ونقله الواحدي في أسباب النزول: ٧٠ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٢٦١، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٧) قال الأزهري في التهذيب: ٤/ ٢٥٦: «وصفح كل شيء: وجهه وناحيته... ، ويقال:
صفح فلان عني أي أعرض بوجهه وولاني وجه قفاه... يقال: صفح عن فلان أي أعرض عنه موليّا»
. [.....]
كما جاء الإعراض في الإقبال بعرض الوجه.
١١١ هُوداً: يهودا، أسقطت الياء الزائدة «١»، أو جمع هائد، كحول وحائل «٢» [والحايل ولد الناقة] «٣».
١١٢ بَلى مَنْ أَسْلَمَ: «بلى» جواب جحد أو استفهام مقدّر، كأنه قيل:
ما يدخل الجنّة أحد، فيقال: بَلى مَنْ أَسْلَمَ، أو قيل: أما يدخل الجنّة أحد؟.
وأَسْلَمَ: أخلص «٤» كقوله تعالى «٥» : وَرَجُلًا سَلَماً.
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ مع قوله: فَلَهُ أَجْرُهُ: ليعلم أنهم على يقين لا على رجاء يخاف معه.
١١٧ بَدِيعُ السَّماواتِ: أبلغ من مبدعها لأنه صفة يستحقها في غير حال الفعل على معنى القدرة على الإبداع «٦».
(١) معاني الفراء: ١/ ٧٣، تفسير الطبري: ٢/ ٥٧١.
ونقل مكي في مشكل إعراب القرآن: ١٠٩ هذا القول عن الفراء، وقال: «ولا قياس يعضد هذا القول».
وقال العكبري في التبيان: ١/ ١٠٥: «وهو بعيد جدا».
(٢) في اللسان: ٣/ ٤٣٩: «الهود: التوبة، هاد يهود هودا وتهوّد: تاب ورجع إلى الحق، فهو هائد. وقوم هود. مثل حائك وحوك وبازل وبزل».
وانظر معاني الفراء: ١/ ٧٣، وتفسير الطبري: ٢/ ٥٠٧، ومعاني الزجاج: ١/ ١٩٤.
(٣) عن نسخة «ج».
(٤) ينظر تفسير الطبريّ: ٢/ ٥١٠، وتفسير البغوي: ١/ ١٠٦، وزاد المسير: ١/ ١٣٣، وتفسير القرطبي: ٢/ ٧٥، والبحر المحيط: ١/ ٣٥٢.
(٥) سورة الزمر: آية: ٢٩.
والقراءة التي أوردها المؤلف لابن كثير وأبي عمرو من القراء السبعة، ونسبت أيضا إلى ابن عباس، وابن مسعود، ومجاهد، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والزهري رضي الله عنهم أجمعين.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ٥٦٢، والتبصرة لمكي: ٣١٤، وتفسير الفخر الرازي:
٢٦/ ٢٧٧، والبحر المحيط: ٧/ ٤٢٤، ومعجم القراءات: (٦/ ١٥، ١٦).
(٦) تفسير الفخر الرازي: ٤/ ٢٧.
وانظر تهذيب اللغة: ٢/ ٢٤١، واللسان: (٨/ ٦، ٧) (بدع).
ينصب فَيَكُونُ في سورتي «النحل» «١» و «يس» «٢» لا على جواب الأمر بالفاء ولكن بالعطف على قوله: أَنْ نَقُولَ، وأَنْ يَقُولَ.
١١٨ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ: إنّما لم يؤتوا ما سألوا لأنّ صلاحهم فيها «٣»، أو فسادهم، أو هلاكهم إذا عصوا بعدها، أو إصرارهم «٤» على التكذيب معها، كما فعلته ثمود لا يعلمه إلا الله.
١٢٤ وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ: الابتلاء مجازه تكليف ما يشق ليثاب عليه، ولما كان في الحاضر الأوامر في مثله على الاختبار خاطبنا الله بما نتفاهم، بل من العدل أن يعاملنا الله في أوامره معاملة المبتلى الممتحن لا العالم الخبير ليقع جزاؤه على عملنا لا على علمه بنا.
بِكَلِماتٍ: هي السّنن العشر «٥»، وقيل «٦» : مناسك الحج.
(١) آية: ٤٠، من قوله تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
ينظر هذه القراءة للكسائي في السبعة لابن مجاهد: ٣٧٣، والتيسير للداني: ١٣٧.
(٢) آية: ٨٣، من قوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
ينظر هذه القراءة للكسائي في السبعة لابن مجاهد: ٥٤٤، والتيسير للداني: ١٣٧.
(٣) في «ج» : صلاحهم في ذلك ولأن فيها فسادهم.
(٤) في «ج» : لإصرارهم.
(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٦٣، وأخرج الطبريّ في تفسيره: ٣/ ٩ عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة، والحاكم في المستدرك: ٢/ ٢٦٦، كتاب التفسير عن ابن عباس قال: «ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس، وخمس في الجسد. في الرأس: قصّ الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ١٥٤، وزاد المسير: ١/ ١٤٠، وتفسير القرطبي: ٢/ ٩٨.
(٦) أخرجه الطبريّ في تفسيره: (٣/ ١٢، ١٣) عن ابن عباس وقتادة. ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ١٥٤ عن قتادة، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١٤٠ عن قتادة عن ابن عباس.
وقيل «١» : النجوم. وقيل «٢» : الهجرة، وقرى الأضياف، وذبح الولد، والنار.
١٢٥ مَثابَةً: موضعا للثّواب، أو مرجعا إليه، وأصله: مثوبة «مفعلة» من ثاب يثوب «٣».
وَأَمْناً: أي للخائف إذا لجأ إليه، أو من ظهور الجبابرة عليه.
وَاتَّخِذُوا: عطف على معنى مَثابَةً إذ تضمنت: ثوبوا إليه.
١٢٦ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا: بالرزق أو بالبقاء.
١٢٨ وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ: هو تسليم النّفس وإخلاص العمل، أو بما يكون من الله ليثبّت به العبد على الإسلام.
وَتُبْ عَلَيْنا: على وجه السّنّة والتعليم ليقتدى بهما فيه، أو هي
(١) أخرجه الطبري في تفسيره: ٣/ ١٤ عن الحسن، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ١٥٤، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١٤٠ عن الحسن أيضا.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره: ٣/ ١٤ عن الحسن، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير:
١/ ١٤٠، والرازي في تفسيره: ٤/ ٤٢ عن الحسن أيضا.
قال الطبريّ- رحمه الله-: «والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عباده أنه اختبر إبراهيم خليله بكلمات أوحاهن إليه، وأمره أن يعمل بهن فأتمهن، كما أخبر الله جل ثناؤه عنه أنه فعل، وجائز أن تكون بعضه. لأن لإبراهيم صلوات الله عليه قد كان امتحن فيما بلغنا بكل ذلك، فعمل به، وقام فيه بطاعة الله وأمره الواجب عليه فيه.
وإذا كان ذلك كذلك فغير جائز لأحد أن يقول: عنى الله بالكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم شيئا من ذلك بعينه دون شيء، ولا عنى به كل ذلك، إلا بحجة يجب التسليم: من خبر عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو إجماع من الحجة. ولم يصح في شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته... »
.
(٣) نصّ عليه الطبريّ في تفسيره: ٣/ ٢٥، وأورد نحوه الزجاج في معانيه: ١/ ٢٠٦، وقال:
«والأصل في «مثابة» مثوبة، ولكن حركة الواو نقلت إلى التاء، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفا، وهذا إعلال إتباع، تبع «مثابة» باب «ثاب»، وأصل ثاب ثوب، ولكن الواو قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، لا اختلاف بين النّحويين في ذلك».
وانظر تفسير القرطبي: ٢/ ١١٠، والدر المصون: ٢/ ١٠٤.
للتوبة «١» في الصغائر والعصمة «٢» منها.
١٢٩ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ: القرآن، وَالْحِكْمَةَ: العلم بالأحكام «٣».
١٣٠ سَفِهَ نَفْسَهُ أوبقها وأهلكها «٤»، أو سفه في نفسه «٥» فانتصب بنزع الخافض. وعن ابن الأعرابي «٦» : سفه «٧» يسفه سفاهة وسفاها: طاش وخرق.
وسفه نفسه يسفهها. «٨» : جهلها «٩»، والأصل أنّ الفعل بمعنى فعل يوضع موضع صاحبه كقوله «١٠» : بَطِرَتْ مَعِيشَتَها أي: سخطتها، لأنّ البطر مستثقل للنّعمة غير راض بها.
والشّقاق «١١» : الاختلاف والافتراق، إذ كل مخالف في شق غير شق
(١) في «ج» : التوبة من الصغائر وطلب العصمة منها.
(٢) ينظر عصمة الأنبياء للفخر الرازي: ٢٧، وتفسيره: ٤/ ٦٩.
(٣) اختاره الطبري في تفسيره: ٣/ ٨٧، وينظر زاد المسير: ١/ ١٤٦، وتفسير القرطبي:
٢/ ١٣١.
(٤) وهو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن له: ١/ ٥٦، واليزيدي في غريب القرآن: ٨٢.
(٥) في «ج» : بنفسه. [.....]
(٦) ابن الأعرابي: (١٥٠- ٢٣١ هـ).
هو محمد بن زياد بن الأعرابي الكوفي أبو عبد الله، الإمام الغوي النسابة.
قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: ١٠/ ٦٨٨: «له مصنفات كثيرة أدبية، وتاريخ القبائل، وكان صاحب سنة واتباع».
أخباره في: تاريخ بغداد: ٥/ ٢٨٢، وطبقات النحويين للزبيدي: ١٩٥، وإنباه الرواة:
٣/ ١٢٨.
(٧) في «ج» : سفه نفسه سفها وسفاها.
(٨) في «ج» : وسفه نفسه يسفه سفها.
(٩) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٦٤، وتفسير الطبري: ٣/ ٩٠ وهو اختيار الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٢١١، وتهذيب اللغة: ٦/ ١٣٣.
(١٠) سورة القصص: آية: ٥٨.
(١١) من قوله تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
[البقرة: ١٣٧].
صاحبه «١» أو يسومه ما يشق عليه «٢».
[١٠/ ب] ١٣٣ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ: استفهام في معنى/ الجحد «٣»، أي: ما كنتم شهداء.
١٣٧ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ: أي: على مثل إيمانكم «٤» كقولك:
كتبت على ما كتبت، كأنك جعلت المثال آلة تعمل به.
١٣٨ صِبْغَةَ اللَّهِ: دين الله «٥»، كأنّ نور الطهارة وسيما العبادة شبيه اللّون الّذي يظهر عند الصّبغ.
١٤٣ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ: العامل في الكاف «جعلنا».
وَسَطاً: عدلا «٦»، أو خيارا «٧».
(١) راجع هذا المعنى في معاني الزجاج: ١/ ٢١٤، وتفسير الماوردي: ١/ ١٦٢، والمحرر الوجيز: ١/ ٥٠٤، وتفسير القرطبي: ٢/ ١٤٣.
(٢) تفسير القرطبي: ٢/ ١٤٣.
(٣) البحر المحيط: ١/ ٤٠٠، قال أبو حيان: «ومعنى الاستفهام هنا التقريع والتوبيخ، وهو في معنى النفي أي: ما كنتم شهداء فكيف تنسبون إليه ما لا تعلمون ولا شهدتموه أنتم ولا أسلافكم».
(٤) رأى النيسابوري هنا أن الباء بمعنى «على».
وانظر هذا المعنى في معاني الزجاج: ١/ ٢١٤، والبحر المحيط: ١/ ٤٠٩، والدر المصون: ٢/ ١٤٠.
(٥) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٣/ ١١٨، ١١٩) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة، وأبي العالية، ومجاهد، والربيع بن أنس، والسدي، وابن زيد.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١/ ٤٠٢ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٥٩، ومعاني القرآن للأخفش:
١/ ٣٤٠، وتفسير الغريب لابن قتيبة: ٦٤، وتفسير الماوردي: ١/ ١٦٢.
(٦) ورد هذا المعنى في حديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: ٥/ ١٥١، كتاب التفسير، والإمام أحمد في مسنده: ٣/ ٩ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا.
وأخرجه الطبريّ في تفسيره: (٣/ ١٤٢، ١٤٣) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة مرفوعا أيضا.
وانظر هذا المعنى في معاني الفراء: ١/ ٨٣، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٥٩، وتفسير الماوردي: ١/ ١٦٥.
(٧) ذكره الطبريّ في تفسيره: ٣/ ١٤١، واستشهد بقول زهير بن أبي سلمى:
النّطع، والمشهور منه المبناة، يقال للنّطع مبناة ومبناة- بكسر الميم وفتحها- وإنما سمّي النطع مبناة، لأنها تتخذ من أديمين يوصل أحدهما بالآخر، والمبناة في قول أبي عبيدة خيمة، وهي العيبة أيضا».
هم وسط ترضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
وانظر معاني الزجاج: ١/ ٢١٩، وتفسير الماوردي: ١/ ١٦٤.
124
شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ: في تبليغ محمد، أو في تبليغ جميع الرسل كما سمعتم من الرسول الصّادق. أو الشّهادة هي الحجّة وظهور الدّلالة، أي: قولكم وإجماعكم حجة.
إِلَّا لِنَعْلَمَ: ليعلم رسولنا وحزبنا «١» كما يقال: بنى الأمير وجبى الوزير، أو هو على ملاطفة الخطاب لمن لا يعلم «٢»، كقولك لمن ينكر ذوب الذّهب: فلتنفخ عليه بالنّار لنعلم أيذوب؟.
أو المعنى [ليوجد أي] «٣» ليكون الموجود كما نعلم «٤» لأن الموجود لا يخالف معلومه، فتعلق الموجود بمعلومه فوق تعلق المسبّب بالسبب.
وَإِنْ كانَتْ: أي: القبلة «٥»، أو التحويلة «٦».
(١) أورده الطبري في تفسيره: ٣/ ١٥٨ وقال: «إن الله جل ثناؤه هو العالم بالأشياء كلها قبل كونها، وليس قوله: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، بخبر عن أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجوده... أما معناه عندنا، فإنه:
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، فقال جل ثناؤه: إِلَّا لِنَعْلَمَ ومعناه: ليعلم رسولي وأوليائي، إذ كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأولياؤه من حزبه، وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس إلى الرئيس، وما فعل بهم إليه، نحو قولهم: فتح عمر بن الخطاب سواد العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك أصحابه، عن سبب كان منه في ذلك... »
.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ١٦٦، والمحرر الوجيز: ٢/ ٨، وتفسير الفخر الرازي: ٤/ ١١٤. [.....]
(٢) هو قول الفراء في معاني القرآن له: ٢/ ٣٦٠، وانظر زاد المسير: ١/ ١٥٥، وتفسير الفخر الرازي: ٤/ ١١٥.
(٣) عن نسخة «ج».
(٤) تفسير الفخر الرازي: ٤/ ١١٤.
(٥) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٣/ ١٦٤ عن أبي العالية. وبه قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٢٢٠، وانظر تفسير الماوردي: ١/ ١٦٦، وتفسير البغوي: ١/ ١٢٣، وزاد المسير: ١/ ١٥٥.
(٦) أخرجه الطبري في تفسيره: ٣/ ١٦٤ عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وقتادة، ونقل الماوردي في تفسيره: ١/ ١٦٦ هذا القول عنهم، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١٥٥ وزاد نسبته إلى مقاتل.
قال الطبري- رحمه الله-: «قال بعض نحويي البصرة: أنّثت «الكبيرة» لتأنيث القبلة، وإياها عنى جل ثناؤه بقوله: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً.
وقال بعض نحويي الكوفة: بل أنّثت «الكبيرة» لتأنيث التولية والتحويلة.
فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة: وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليتناك عنها، إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليتناك لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ.
وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلّى الله عليه وسلّم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى، لا عين القبلة، ولا الصلاة، لأن القبلة الأولى والصلاة، قد كانت وهي غير كبيرة عليهم، إلا أن يوجّه موجّه تأنيث «الكبيرة» إلى «القبلة»، ويقول: اجتزئ بذكر «القبلة» من ذكر التولية والتحويلة، لدلالة الكلام على ذلك، كما قد وصفنا لك في نظائره. فيكون ذلك وجها صحيحا ومذهبا مفهوما».
125
إِيمانَكُمْ: توجهكم إلى القبلة الناسخة. وقيل «١» : صلواتكم إلى
(١) أخرج الإمام البخاري في صحيحه: (٥/ ١٥٠، ١٥١)، كتاب التفسير عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمرّ على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده: ٤/ ٢٤١ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما حرمت الخمر قال أناس: يا رسول الله، أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزلت: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا، قال: ولما حوّلت القبلة قال أناس: يا رسول الله، أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزلت:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: «إسناده صحيح»
.
وأخرج نحوه الترمذي في سننه: ٥/ ٢٠٨، كتاب التفسير، باب «ومن سورة البقرة»، وقال: «هذا حديث حسن صحيح».
والطبري في تفسيره: (٣/ ١٦٧- ١٦٩) عن ابن عباس رضي الله عنهما، والبراء، وقتادة، وسعيد بن المسيب، والربيع بن أنس.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: ٢/ ٢٦٩، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٢٥٣، وزاد نسبته إلى وكيع، والفريابي، والطيالسي، وعبد بن حميد، وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر أسباب النزول للواحدي: ٧٧، وتفسير الماوردي: ١/ ١٦٧، وتفسير ابن كثير:
١/ ٢٧٨.
126
[ قد نرى تقلب وجهك ] لتوقع الوحي في الموعود بتحويل القبلة لا بتتبع النفس هوى الكعبة، إذ كان يحب الكعبة لا عن هوى ولكنها قبلة العرب فتتوفر بها دواعيهم إلى الإيمان١.
١ انظر الكشاف ج١ ص٣١٩، والبحر المحيط ج٢ ص٢٢..
المنسوخة.
١٤٥ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ: في مداراتهم حرصا على إيمانهم.
١٤٤ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ: لتوقع الوحي في الموعود بتحويل القبلة «١»، لا بتتبع النّفس هوى الكعبة، إذ كان يحب الكعبة لا عن هوى ولكنها «٢» قبلة العرب فيتوفر بها دواعيهم إلى الإيمان.
١٤٨ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
: شرعة ومنهاج «٣». وقيل «٤» : قبلة، أي: لكل أهل دين، أو لكل أهل بلدة من المسلمين.
َ مُوَلِّيها
: أي وجهه «٥»، والضمير في
وَالله، أي: الله مولّيها إياه، بمعنى: موليه إياها.
ومن قال «٦» : معناه مولّي إليها فالضمير «لكل».
(١) راجع سبب نزول هذه الآية في صحيح البخاري: ٥/ ١٥٢، كتاب التفسير، وصحيح مسلم: (١/ ٣٧٤، ٣٧٥)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب «تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة»، وأسباب النزول للواحدي: ٧٨.
(٢) في «ج» : لأنها.
(٣) تفسير الفخر الرازي: ٤/ ١٤٥ عن الحسن رضي الله عنه.
(٤) انظر غريب القرآن لليزيدي: ٨٤، وتفسير الغريب لابن قتيبة: ٦٥، وتفسير الطبري:
(٣/ ١٩٢، ١٩٣)، وتفسير الماوردي: ١/ ١٧٠، والمحرر الوجيز: ٢/ ٢٢، وزاد المسير:
١/ ١٥٩.
(٥) في «ك» و «ج» :«الوجهة».
(٦) قال الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٢٢٥: «وهو أكثر القول... وكلا القولين جائز».
وانظر البيان لابن الأنباري: ١/ ١٢٨، والبحر المحيط: ١/ ٤٣٧، والدر المصون:
(٢/ ١٧٣، ١٧٤).
وقيل «١» : معناه متوليها أي: متبعها وراضيها.
١٥٠ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ: في خلاف ما في التوراة من تحويل القبلة، وموضع لام لِئَلَّا [مع ما بعدها] «٢» نصب، والعامل معنى الكلام أي: عرّفتكم ذلك لئلا يكون حجة «٣».
إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا: إلّا أن يظلموكم في كتمانه «٤».
[١١/ أ] أو معناه: ولكن الّذين ظلموا يحاجونكم بالباطل والشّبهة «٥» / كقول النّابغة «٦» :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب
أي: إن كان فيهم عيب فهذا، وليس هذا بعيب، فإذا لا عيب فيهم «٧». وإن كان على المؤمنين حجة فللظالم، ولا حجة له، فليس إذا عليهم حجة.
(١) عزاه الفخر الرازي في تفسيره: ٤/ ١٤٦ إلى أبي معاذ.
(٢) ما بين معقوفين عن نسخة «ج». [.....]
(٣) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٦٠، وقد صرح المؤلف رحمه الله بالنقل عنه في وضح البرهان: ١/ ١٧٩.
وانظر معاني الزّجّاج: ١/ ٢٢٦، والتبيان للعكبري: ١/ ١٢٨، والدر المصون: ٢/ ١٧٧.
(٤) على أنه استثناء متصل كما ذكر الفخر الرازي في تفسيره: ٤/ ١٥٤، وقال: «والمراد ب «الناس» أهل الكتاب فإنهم وجدوه في كتابهم أنه عليه الصلاة والسلام يحول القبلة فلما حوّلت بطلت حجتهم إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا بسبب أنهم كتموا ما عرفوا، عن أبي روق».
(٥) وهذا المعنى على تقدير أنه استثناء منقطع.
انظر تفسير الطبريّ: ٣/ ٢٠١، وتفسير الماوردي: ١/ ١٧٢، وتفسير الفخر الرازي:
٤/ ١٥٤.
(٦) هو النابغة زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني، الشاعر الجاهلي المشهور (ت نحو ١٨ قبل الهجرة)، والبيت في ديوانه: ٤٤.
(٧) قال الفخر الرازي في تفسيره: ٤/ ١٥٥: «ويقال له: ما على حق إلا التعدي، يعني:
يتعدى ويظلم، ونظيره أيضا قوله تعالى: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ، وهذا النوع من الكلام عادة مشهورة للعرب»
.
١٥٤ بَلْ أَحْياءٌ: قيل «١» : المراد أرواحهم، فالروح: الإنسان.
والصحيح أنّ الله يلطّف بعد الموت أو القتل ما يقوم به البنية الحيوانية فيجعله بحيث شاء من علّيين أو سجّين «٢».
١٥٨ شَعائِرِ اللَّهِ: معالم دينه وأعلام شرعه. من شعرت: علمت «٣» وأشعار الهدي ليعلم به.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما: أي: لولا أنهما من شعائر الحج لكان التطوف «٤» بهما جناحا. وقيل «٥» : إنه بسبب صنمين كانا عليهما:
إساف ونائلة.
فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ: مجاز، لأن مقابلة الجزاء للعمل كالشكر للنّعمة.
١٦٣ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: موضع (هو) رفع لأنه بدل من موضع «لا» مع الاسم «٦»، ولا تنصبه على قولك: ما قام أحد إلّا زيدا لأنّ البدل يدل على أنّ الاعتماد على الثاني، والنّصب يدل على أنّ الاعتماد على الأول.
١٦٥ كَحُبِّ اللَّهِ: كحبّهم لله، لأنّ المشرك يعرفه إلّا أنه يشرك
(١) هذا قول أبي بكر الجصاص في أحكام القرآن: ١/ ٩٤، وقد صرح المؤلف رحمه الله بالنقل عنه في وضح البرهان: ١/ ١٧٩.
وانظر تفسير الفخر الرازي: ٤/ ١٦٢.
(٢) هذا معنى قول جمهور أهل السّنّة في أن نعيم القبر وعذابه للروح والجسد.
ينظر شرح العقيدة الطحاوية: (٤٥٦، ٤٥٧).
(٣) معاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٣٣، وتهذيب اللّغة: ١/ ٤١٧، واللسان: ٤/ ٤١٥ (شعر).
(٤) في «ج» : الطواف.
(٥) ينظر سبب نزول هذه الآية في صحيح البخاري: ٥/ ١٥٣، كتاب التفسير، وصحيح مسلم:
٢/ ٩٢٨، كتاب الحج، باب «بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به»، وتفسير الطبري: (٣/ ٢٣١- ٢٣٤)، وأسباب النزول للواحدي: (٧٩، ٨٠).
(٦) البيان لابن الأنباري: ١/ ١٣١، والتبيان للعكبري: ١/ ١٣٢، والبحر الحيط: ١/ ٤٦٣، والدر المصون: ٢/ ١٩٧.
129
به «١». أو معناه: كحب الله الواجب عليهم «٢»، أو كحب المؤمنين «٣» لله.
وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا: «لو» : إذا جاء فيما يشوّق إليه أو يخوّف منه قلّما يوصل بجوابه ليذهب القلب فيه كلّ مذهب «٤».
أَنَّ الْقُوَّةَ: موضع «أن» نصب «٥» على معنى الجواب المحذوف أي: لرأوا أنّ القوة لله. ويكسر «٦» على الاستئناف أو الحكاية فيما حذف من الجواب بمعنى: لقالوا إن القوة [لله] «٧».
(١) اختاره الزّجّاج في معاني القرآن له: ١/ ٢٣٧، وانظر تفسير البغوي: ١/ ١٣٦، والمحرر الوجيز: ٢/ ٥٤، وزاد المسير: ١/ ١٧٠، وتفسير الفخر الرازي: ٤/ ٢٢٦.
(٢) تفسير الفخر الرازي: ٤/ ٢٢٦.
(٣) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٣/ ٢٨٠ عن ابن زيد، وذكره البغوي في تفسيره:
١/ ١٣٦ دون عزو، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١٧٠ عن ابن عباس، وعكرمة، وأبي العالية، وابن زيد، والفراء.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٤٠١ ونسب إخراجه إلى عبد بن حميد عن عكرمة.
وذكره الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٢٣٧، وقال: «وهذا قول ليس بشيء، ودليل نقضه قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، والمعنى: أن المخلصين الذين لا يشركون مع الله غيره هم المؤمنون حقا.
وقال السمين الحلبي في الدر المصون: ٢/ ٢١١: «وهذا الذي قاله الزجاج من الدليل واضح لأن التسوية بين محبة الكفار لأوثانهم وبين محبة المؤمنين لله ينافي قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ فإن فيه نفي المساواة»
. [.....]
(٤) جواب «لو» محذوف، وفي تقديره اختلاف كثير.
ينظر تفسير الطبري (٣/ ٢٨٣، ٢٨٦)، ومعاني الزجاج: ١/ ٢٣٨، والمحرر الوجيز:
(٢/ ٥٥، ٥٦)، والبحر المحيط: ١/ ٤٧١، والدر المصون: (٢/ ٢١٢- ٢١٤).
(٥) وهي قراءة الجمهور.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ١٧٤، والمحرر الوجيز: ٢/ ٥٦، والبحر المحيط: ١/ ٤٧١، ومعجم القراءات: ١/ ١٣٢.
(٦) وهي قراءة الحسن، وقتادة، وشيبة بن نصاح، وأبي جعفر، ويعقوب.
المحرر الوجيز: ٢/ ٥٦، وتفسير القرطبي: ٢/ ٢٠٥، والبحر المحيط: ١/ ٤٧١، والدر المصون: ٢/ ٢١٣، ومعجم القراءات: ١/ ١٣٢.
(٧) عن نسخة «ج».
130
١٦٨ خُطُواتِ الشَّيْطانِ: أعماله ووساوسه.
١٧١ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ: أي: مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم، أو مثل داعي الكافرين إلى الله كمثل النّاعق بما لا يسمع، فاكتفى في الأول بالمدعوّ، وفي الثاني بالدّاعي لدلالة كل واحد منهما على الآخر «١».
١٧٣ أُهِلَّ بِهِ: الإهلال: رفع الصّوت بالدّعاء «٢».
غَيْرَ باغٍ: أي: للذة وشهوة، وَلا عادٍ: متعدّ مقدار الحاجة.
وقول الشّافعي «٣» : غير باغ على الإمام/ ولا عاد في سفر حرام [١١/ ب] ضعيف لأنّ سفر الطّاعة لا يبيح ولا ضرورة، والحبس في الحضر يبيح ولا سفر، ولأنّ الميتة للمضطر كالذكيّة للواجد، ولأنّ على الباغي حفظ النّفس عن الهلاك.
١٧٥ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ: أجرأهم على عمل يدخل النّار.
وحكى الفرّاء «٤» : أنّ أحد الخصمين حلف عند قاضي اليمن، فقال صاحبه: ما أصبرك على الله [أي: على عذاب الله] «٥».
وقال المبرّد «٦» : هو استفهام توبيخ لهم وتعجيب «٧» لنا.
(١) ينظر ما سلف في: تفسير الطبري: (٣/ ٣١١- ٣١٣)، وتفسير الماوردي: ١/ ١٨٤، وتفسير الفخر الرازي: (٥/ ٨، ٩)، وملاك التأويل: (١/ ١٨٠- ١٨٢).
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٣١٩، ومعاني الزجاج: ١/ ٢٤٣، وتهذيب اللّغة: ٥/ ٣٦٦، واللسان: ١١/ ٧٠١ (هلل).
(٣) ينظر معنى هذا القول في كتاب الأم: (١/ ١٨٤، ١٨٥).
(٤) معاني القرآن: ١/ ١٠٣ عن الكسائي قال: سألني قاضي اليمن وهو بمكة، فقال: اختصم إليّ رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حق صاحبه، فقال له: ما أصبرك على الله! وفي هذه أن يراد بها: ما أصبرك على عذاب الله، ثم تلقى العذاب فيكون كلاما كما تقول:
ما أشبه سخاءك بما تم».
(٥) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٦) المقتضب: (٤/ ١٨٣، ١٨٤).
(٧) في «ج» : تعجب.
١٧٧ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ: أي: البرّ برّ من آمن، أو ذا البرّ من آمن، والقولان على حذف المضاف، والأول أجود «١»، لأنّ الخبر أولى بالحذف من المبتدأ، لأنّ الاتساع أليق بالأعجاز من الصّدور.
وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ: أي: على حبّ المال «٢». أو على حبّ الإيتاء «٣».
وَفِي الرِّقابِ أي: عتقها، أو إعانة المكاتبين «٤».
والْبَأْساءِ: الفقر، وَالضَّرَّاءِ: السّقم، وَحِينَ الْبَأْسِ القتال.
وَالْمُوفُونَ: على تقدير: ولكنّ ذا البر- أي البار- من آمن بالله والموفون.
(١) وهو قول قطرب كما في البحر المحيط: ٢/ ٣، واختاره سيبويه في الكتاب: ١/ ٢١٢، وانظر معاني الزجاج: ١/ ٢٤٦، ومشكل إعراب القرآن لمكي: ١/ ١١٨، والتبيان للعكبري: ١/ ١٤٣، والدر المصون: ٢/ ٢٤٦.
(٢) مشكل إعراب القرآن لمكي: ١/ ١١٨، والبيان لابن الأنباري: ١/ ١٣٩، والتبيان للعكبري: ١/ ١٤٤، وقال أبو حيان في البحر المحيط: ٢/ ٥: «والمعنى أنه يعطي المال محبا له، أي في حال محبته للمال واختياره وإيثاره، وهذا وصف عظيم أن يكون نفس الإنسان متعلقة بشيء تعلق المحب بمحبوبه ثم يؤثر به غيره ابتغاء وجه الله... والظاهر أن الضمير في حُبِّهِ عائد على المال لأنه أقرب مذكور، ومن قواعد النحويين أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل... ».
وانظر ترجيح السمين الحلبي لهذا الوجه في الدر المصون: ٢/ ٢٤٧.
(٣) ذكر هذا الوجه مكي في مشكل الإعراب: ١/ ١١٩، وابن الأنباري في البيان: ١/ ١٤٠، والعكبري في التبيان: ١/ ١٤٤، ونقله أبو حيان في البحر: ٢/ ٥ عن ابن الفضل، ثم عقب عليه بقوله: «بعيد من حيث اللّفظ ومن حيث المعنى، أما من حيث اللّفظ، فإنه يعود على غير مصرح به وعلى أبعد من المال، وأما المعنى فلأن من فعل شيئا وهو يحب أن يفعله لا يكاد يمدح على ذلك، لأن في فعله ذلك هوى نفسه ومرادها... ».
وانظر الدر المصون (٢/ ٢٤٧، ٢٤٨). [.....]
(٤) تفسير الطبري: ٣/ ٣٤٧، ونسبه الماوردي في تفسيره: ١/ ١٨٨ إلى الإمام الشافعي.
ونصب «الصابرين» على المدح «١». وعند الكسائي «٢» : بإيتاء المال. أي: آتاه ذوي القربى والصابرين، فيكون وَأَقامَ الصَّلاةَ، وَالْمُوفُونَ اعتراضا، ولكنّ الاعتراض لا يكون معتمد الكلام.
١٧٨ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ: أي: القاتل، عفا عنه الوليّ وصالحه «٣»، أو عفا بعض الأولياء، أو الوليّ عن بعض القصاص ليفيد التقييد ب «شيء» «٤».
فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ: يطلب الدّية بالمعروف، وينظر القاتل إن أعسر.
وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ: لا يماطل القاتل ولا ينقص.
فَمَنِ اعْتَدى: كان «٥» يصالح عن القاتل أولياؤه، حتى إذا أمن يقتل ثم يرمى إليهم بالدّية «٦».
١٧٩ وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ: كانوا يتفانون بالطوائل «٧» فكفاها
(١) معاني الفراء: ١/ ١٠٥، وتفسير الطبري: ٣/ ٣٥٢، ومعاني الزجاج: ١/ ٢٤٧، وإعراب القرآن للنحاس: ١/ ٢٨٠، والدر المصون: ٢/ ٢٥٠.
قال الطبري- رحمه الله-: «وأما «الصابرين» فنصب، وهو من نعت «من» على وجه المدح. لأن من شأن العرب- إذ تطاولت صفة الواحد- الاعتراض بالمدح والذم بالنصب أحيانا، وبالرفع أحيانا... ».
(٢) إعراب القرآن للنحاس: ١/ ٢٨١، وذكره الفراء في معاني القرآن له: ١/ ١٠٨، دون نسبة وردّه، وكذا الطبريّ في تفسيره: (٣/ ٣٥٣، ٣٥٤)، والزجاج في معاني القرآن: ١/ ٢٤٧.
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٣٧١.
(٤) تفسير الفخر الرازي: (٥/ ٥٧، ٥٨).
(٥) أشار ناسخ الأصل إلى نسخة أخرى ورد فيها: كان أولياء القتيل يصالحون مع أولياء القاتل عند تواريه واختفائه، حتى إذا أمن فظهر رموا إليه بالدّية وقتلوه.
(٦) أخرجه الطبريّ في تفسيره: ٣/ ٣٧٧ عن الحسن، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
١/ ٤٢١ وزاد نسبته إلى وكيع وعبد بن حميد عن الحسن أيضا.
(٧) جاء في اللسان: ١١/ ٤١٤ (طول) : والطوائل: الأوتار والذحول، واحدتها طائلة، يقال:
فلان يطلب بني فلان بطائلة أي بوتر كأن له فيهم ثارا فهو يطلبه بدم قتيله، وبينهم طائلة أي عداوة وترة.
القصاص ويقال «١» : أقصّ الحاكم فلانا من فلان وإباءه وأمثله فامتثل أي:
اقتص.
١٨١ فَمَنْ بَدَّلَهُ: أي: الوصية «٢»، لأنّ الوصية والإيصاء واحد «٣»، أو فمن بدّل قول الموصي «٤».
والجنف والإثم «٥» : التوصية في غير القرابة، أو التفاوت بينهم هوى وميلا أو إعطاء البعض دون البعض «٦».
[١٢/ أ] وقال/ طاوس «٧» : جنفه: توليجه، وهو أن يوصي لابن بنته ليكون
(١) تهذيب اللغة: ٨/ ٢٥٥، واللسان: ٧/ ٧٦ (قصص).
(٢) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٧٣، وتفسير الطبري: (٣/ ٣٩٦، ٣٩٧)، ومعاني الزجاج: ١/ ٢٥١.
(٣) جاء في هامش الأصل: «إشارة إلى وجه تذكير الضمير الراجع إلى الوصية- أن الوصية بمعنى الإيصاء، وبهذا الاعتبار والتأويل ذكّر الضمير».
(٤) تفسير الماوردي: ١/ ١٩٤.
(٥) من قوله تعالى: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً... ، [البقرة: ١٨٢].
قال الفخر الرازي في تفسيره: ٥/ ٧١: «والفرق بين الجنف والإثم أن الجنف هو الخطأ من حيث لا يعلم به، والإثم هو العمد».
(٦) أخرجه الطبري في تفسيره: ٣/ ٤٠٢ عن عطاء.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ١٩٥. [.....]
(٧) طاوس: (٣٣/ ١٠٦ هـ).
هو طاوس بن كيسان الجندي الخولاني أبو عبد الرحمن.
الإمام الحافظ، التابعي، قال عنه الذهبي: «الفقيه القدوة عالم اليمن».
أخباره في طبقات ابن سعد: ٥/ ٥٣٧، وطبقات الفقهاء للشيرازي: ٧٣، وتذكرة الحفاظ:
١/ ٩٠، وسير أعلام النبلاء: ٥/ ٣٨.
وهذا القول الذي أورده المؤلف عن طاوس في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٧٣، وأخرجه الطبريّ في تفسيره: ٣/ ٤٠٢، وأورده البغوي في تفسيره: ١/ ١٤٨.
قال الطبريّ- رحمه الله-: «وأولى الأقوال في تأويل الآية أن يكون تأويلها: فمن خاف من موص جنفا أو إثما وهو أن يميل إلى غير الحق خطأ منه، أو يتعمد إثما في وصيته، بأن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه بأكثر مما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله، وغير ما أذن الله له به مما جاوز الثلث أو بالثلث كله وفي المال قلة، وفي الورثة كثرة فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يوصى لهم، وبين ورثة الميت وبين الميت، بأن يأمر الميت في ذلك بالمعروف ويعرّفه ما أباح الله له في ذلك وأذن له فيه في الوصية في ماله، وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ... ».
والجنف والإثم : التوصية في غير القرابة١، أوالتفاوت بينهم هوى وميلا٢ أوإعطاء البعض دون البعض٣. وقال طاووس٤ :" جنفه " ( توجيهه ) ٥ وهوأن يوصي لابن بنته ليكون٦ المال كله للبنت فيصلح بينهم الأمير أو الوصي٧.
وقيل : خاف علم٨، لأن الخشية للمستقبل والوصية واقعة.
١ وهو قول الحسن، انظر البحر المحيط ج٢ ص٢٣..
٢ وهول السدي وعبد الرحمان بن زيد، انظر جامع البيان ج٢ ص١٢٥..
٣ وهو قول عطاء، انظر جامع البيان ج٢ ص١٢٤..
٤ طاووس: هو أبوعبد الرحمان طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني، الفقيه القدوة الحافظ، عالم اليمن أحد كبار التابعين، توفي بمكة حاجا سنة ١٠٦ ه انظر سير أعلام النبلاء ج٥ ص٣٨، وطبقات الحافظ ص٣٤..
٥ هكذا في معالم التنزيل ج١ ص١٤٨، وفي النسختيبن أ، ب توليجه، ولعله تصحيف..
٦ في ب فيكون..
٧ انظر قول الطاووس في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص٧٣، وجامع البيان ج٢ ص١٢٥ ومعالم التنزيل ج١ ص١٤٨..
٨ وهو قول ابن عباس وقتادة والربيع انظر البحر المحيط ج٢ ص٢٣..
المال كلّه للبنت، فيصلح بينهم الأمير أو الوصيّ.
وقيل «١» : خافَ علم، لأنّ الخشية للمستقبل والوصية واقعة.
١٨٤ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ: ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ «٢».
(١) هذا قول ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ١٩١، ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز:
٢/ ٩٩ عن ابن عباس وقتادة والربيع.
وانظر الوجوه والنظائر للدامغاني: ١٦٥، وزاد المسير: ١/ ١٨٣، وتفسير الفخر الرازي:
(٥/ ٧١، ٧٢).
(٢) أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: (٣/ ٤١٤، ٤١٥) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعن قتادة وعطاء.
وروايته عن ابن عباس من طريق محمد بن سعد العوفي عن أبيه عن عمه (الحسين بن الحسن بن عطية) عن أبيه (الحسن) عن أبيه (عطية بن سعد بن جنادة).
وهذا الإسناد مسلسل بالضعفاء.
- انظر ترجمة محمد بن سعد العوفي في تاريخ بغداد: (٥/ ٣٢٢، ٣٢٣).
- وترجمة أبيه سعد بن محمد بن الحسن في تاريخ بغداد: ٩/ ١٢٦، ولسان الميزان:
٣/ ١٩.
- وعمه الحسين بن الحسن في تاريخ بغداد: (٨/ ٢٩- ٣٢)، والمغني في الضعفاء للذهبي: ١/ ٢٥٢، ولسان الميزان: ٢/ ٢٧٨.
- وترجمة الحسن بن عطية بن سعد العوفي في التاريخ الكبير للبخاري: ٢/ ٣٠١، والجرح والتعديل: ٣/ ٢٦، وتقريب التهذيب: ١٦٢.
- وترجمة عطية بن سعد بن جنادة في الجرح والتعديل: (٦/ ٣٨٢، ٣٨٣)، وتقريب التهذيب: ٣٩٣.
وانظر القول الذي ذكره المؤلف- رحمه الله- في الناسخ والمنسوخ للنحاس: ٢٥، والناسخ والمنسوخ لابن العربي: ٢/ ٥٥، ونواسخ القرآن لابن الجوزي: (١٦٩، ١٧٠)، والدر المنثور: ١/ ٤٢٩.
وأورده الطبري- رحمه الله- في تفسيره: (٣/ ٤١٣- ٤١٧) أقوالا أخرى في المراد ب «الأيام» ثم قال: «وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال: عنى الله جل ثناؤه بقوله:
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أيام شهر رمضان. وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة، بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان، ثم نسخ بصوم شهر رمضان، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية، أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات بإبانته عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذي هم مجمعون على وجوب فرض صومه- ثم نسخ ذلك- سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة، إذ لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر»
.
١٨٥ شَهْرُ رَمَضانَ مبتدأ خبره الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، ونصبه «١» على الأمر، أي: صوموه، أو على البدل من أَيَّاماً «٢».
هُدىً: حال من الشَّهْرَ «٣».
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ: عدد ما أفطر المريض والمسافر «٤».
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ: هو التكبير يوم الفطر «٥»، وقيل «٦» : تعظيم الله
(١) تنسب قراءة النصب إلى الحسن، ومجاهد، وشهر بن حوشب، وهارون الأعور.
ينظر معاني الفراء: ١/ ١١٢، وإعراب القرآن للنحاس: ١/ ٢٨٦، وتفسير الفخر الرازي:
٥/ ٩٠، والبحر المحيط: ٢/ ٣٨.
(٢) في الأصل: «أيام»، والمثبت في النص من «ك».
قال الزّجّاج في معانيه: ١/ ٢٥٤: «ومن نصب «شهر رمضان» نصبه على وجهين، أحدهما: أن يكون بدلا من «أيام معدودات»، والوجه الثاني: على الأمر، كأنه قال: عليكم شهر رمضان على الإغراء».
وقال النحاس في إعراب القرآن: ١/ ٢٨٧: «وهذا بعيد أيضا لأنه لم يتقدم ذكر الشهر فيغرى به».
وانظر البحر المحيط: ٢/ ٣٩، والدر المصون: (٢/ ٢٧٧، ٢٧٨).
(٣) في «ك» و «ج» :«حال من القرآن».
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره: ٣/ ٤٧٧ عن الضحاك وابن زيد.
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره: ٣/ ٤٧٨ عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن سفيان وزيد بن أسلم، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١/ ٣٦٢ (سورة البقرة) عن زيد بن أسلم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٤٦٨، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، والمروزي عن زيد بن أسلم.
(٦) ذكره الطبري في تفسيره: ٣/ ٤٧٨، وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٢٠٢، وتفسير الفخر الرازي: ٥/ ١٠٠.
على ما هدى إليه.
١٨٦ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي: هو الانقياد في كلّ ما أوجبه الله حتى إذا استجاب لله في أوامره أجابه الله في مسائله.
والرّفث: الجماع «١»، وأصله الحديث عن النّساء بقول فاحش «٢».
١٨٨ وَتُدْلُوا بِها: أدليت الدلو أرسلتها لتملأها، ودلوتها: انتزعتها ملأى «٣».
وفي استسقاء عمر [رضي الله عنه] :«وقد دلونا به إليك» «٤» يعني العباس. فيكون الحاكم سبب المتوسل إليه في احتجان «٥» المال كسبب الدّلو.
(١) أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: (٣/ ٤٨٧، ٤٨٨) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعن قتادة ومجاهد والسدي.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١/ ٣٦٧ (سورة البقرة: عن ابن عباس رضي الله عنهما).
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٤٧٨ وزاد نسبته إلى وكيع وابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس أيضا. كما عزاه السيوطي إلى ابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وانظر هذا المعنى في معاني الفراء: ١/ ١١٤، وتفسير الغريب لابن قتيبة: ٧٤، وغريب الحديث للخطابي: ٢/ ٥٦٦.
(٢) اللسان: ٢/ ١٥٣، وتاج العروس: (٥/ ٢٦٣، ٢٦٤) (رفث).
(٣) ينظر هذا المعنى في معاني الزجاج: ١/ ٢٥٨، وتهذيب اللغة: ١٤/ ١٧١، واللسان:
١٤/ ٢٦٧ (دلا).
(٤) ذكره بهذا اللفظ ابن قتيبة في غريب الحديث: (٢/ ١٨٢، ١٨٣)، والخطابي في غريب الحديث: (٢/ ٢٤٢، ٢٤٣)، وابن الجوزي في غريب الحديث: ١/ ٣٤٧، وابن الأثير في النهاية: ١/ ١٣٢.
قال ابن قتيبة: «يروى حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما من وجوه بألفاظ مختلفة، وهذا أتمها. وهو رواية أبي يعقوب الخطابي عن أبيه عن جده».
(٥) قال ابن الأثير في النهاية: ١/ ٣٤٨: «والاحتجان: جمع الشيء وضمّه إليك». وفي اللسان: ١٣/ ١٠٩ (حجن) :«واحتجان المال: إصلاحه وجمعه وضمّ ما انتشر منه.
واحتجان مال غيرك: اقتطاعه وسرقته»
. [.....]
١٨٩ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ: في زيادتها ونقصانها «١».
وَلَيْسَ الْبِرُّ «٢» : كانت العرب في الجاهلية إذا أحرمت نقبت «٣» في ظهور بيوتها للدخول والخروج «٤»، وإن اعتبرت عموم اللفظ فهو الدخول في الأمر من بابه.
١٩١ ثَقِفْتُمُوهُمْ: ظفرتم بهم، ثقفته ثقفا: وقفت له فظفرت به «٥».
١٩٤ الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ: القتال في الشّهر الحرام قصاص الكفر فيه.
(١) تفسير الطبريّ: ٣/ ٥٥٣، ونقل الواحدي في أسباب النزول: (٨٥، ٨٦) عن الكلبي قال:
«نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة، وهما رجلان من الأنصار، قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينتقص ويدق حتى يكون كما كان، لا يكون على حال واحدة؟ فنزلت هذه الآية».
وأورد نحوه السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٤٩٠ ونسبه إلى ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما وضعف السيوطي سند ابن عساكر.
(٢) وتمامه: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
(٣) أي: ثقبت.
الصحاح: ١/ ٢٢٧، واللسان: ١/ ٧٦٥ (نقب).
(٤) أخرج الإمام البخاري في صحيحه: ٥/ ١٥٧، كتاب التفسير، في سبب نزول قوله تعالى:
وَلَيْسَ الْبِرُّ... الآية عن البراء رضي الله عنه أنه قال: «كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها.
وانظر سبب نزول هذه الآية- أيضا- في صحيح مسلم: ٤/ ٢٣١٩، كتاب التفسير، وتفسير الطبري: (٣/ ٥٥٦- ٥٦٠)، وأسباب النزول للواحدي: ٨٦، والدر المنثور:
(١/ ٤٩١- ٤٩٣).
(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٧٦، وتفسير الطبري: ٣/ ٥٦٤، معاني القرآن للزجاج:
١/ ٢٦٣، معاني القرآن للنحاس: ١/ ١٠٦، وتفسير الماوردي: ١/ ٢١٠، وتحفة الأريب:
٨٢.
وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ: متساوية فكيف يحرم القتال ولا يحرم الكفر، وإن اعتبرت خصوص السّبب فقريش صدّت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن المسجد الحرام في ذي القعدة عام الحديبية، فأدخله الله مكة في ذي القعدة القابل «١».
١٩٦ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ: قال الشّافعي «٢» رحمة الله عليه: الإحصار منع العدوّ لأنّها «٣» في عمرة الحديبية، ولقوله: فَإِذا أَمِنْتُمْ.
وعندنا «٤» الإحصار بالمرض وبالعدو، والحصر في العدو خاصّة.
قال أبو عبيد «٥» : الإحصار ما كان من المرض وذهاب/ النفقة، وما [١٢/ ب] كان من سجن أو حبس. قيل: حصر فهو محصور.
قال المبرّد «٦» : حصر: حبس، وأحصر: عرض للحبس على الأصل نحو اقتله عرّضه للقتل وأقبره جعل له القبر.
(١) ورد هذا السبب- باختلاف في ألفاظه- في عدة روايات منها ما أخرجه الطبريّ في تفسيره:
(٣/ ٥٧٥- ٥٧٨) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن أبي العالية، ومجاهد، وقتادة.
ونقله الواحدي في أسباب النزول: ٨٨ عن قتادة، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
١/ ٤٩٧ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن مجاهد وقتادة.
(٢) ينظر قول الإمام الشافعي في الأم: ٢/ ١٨٥، وأحكام القرآن: (١/ ١٣٠، ١٣١)، واستدل فيه بحديث ابن عباس: «لا حصر إلا حصر العدو»، وقال: وعن ابن عمر وعائشة معناه.
وقال أيضا: «فمن حال بينه وبين البيت مرض حابس فليس بداخل في معنى الآية، لأن الآية نزلت في الحائل من العدو، والله أعلم».
(٣) في «ج» : لأنه.
(٤) أي عند الحنفية.
ينظر هذا القول في أحكام القرآن للجصاص: (١/ ٢٦٨، ٢٦٩)، وبدائع الصنائع:
٢/ ١٧٥، والهداية: ١/ ١٨٠، وفتح القدير لابن الهمام: ٣/ ٥١.
(٥) لم أقف على قوله في كتابه غريب الحديث، ونقله الأزهري في تهذيب اللغة: ٤/ ٢٢٣ عن أبي عبيد بن أبي عبيدة، وهو في مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى: ١/ ٦٩.
وانظر معاني القرآن للأخفش: ١/ ٣٥٥، والصحاح: ٢/ ٦٣٢، واللسان: ٤/ ١٩٥ (حصر).
(٦) لم أجد قوله فيما تيسر لي من كتبه، وذكره النحاس في معاني القرآن له: ١/ ١١٧ دون عزو.
139
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: جمع هديّة «١» وهو «٢» شاة، وموضع «ما» رفع «٣»، ويجوز نصبه «٤» على «فليهد».
ومَحِلَّهُ: الحرم «٥». وعند الشافعي «٦» موضع الإحصار.
والمتمتع بالعمرة إلى الحج: هو المحرم بالعمرة في أشهر الحج، إذا أحرم بالحج بعد الفراغ من العمرة من غير أن يلمّ بأهله عند العبادلة «٧» والفقهاء «٨».
ولفظ مشايخنا في «شروح المتفق» «٩» هو المتزوّد من العمرة إلى الحج.
(١) مجاز القرآن: ١/ ٦٩ عن أبي عمرو بن العلاء، وعنه أيضا: تقديرها جدية السرج، والجميع الجدي، مخفف. قال أبو عمرو: ولا أعلم حرفا يشبهه.
وانظر تفسير الغريب: ٧٨، وتفسير الطبري: ٤/ ٣٤.
قال الطبري- رحمه الله- و «الهدى» عندي إنما سمي «هديا» لأنه تقرب به إلى الله جل وعز مهدية، بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربا بها إليه. يقال منه: «أهديت الهدى إلى بيت الله، فأنا أهديه إهداء». كما يقال في الهدية يهديها الرجل إلى غيره: أهديت إلى فلان هدية وأنا أهديها»، ويقال للبدنة هدية... ».
(٢) في «ج» : وهي.
(٣) معاني الفراء: ١/ ١١٨، تفسير الطبري: ٤/ ٣٤، معاني الزجاج: ١/ ٢٦٧.
وقال العكبري في التبيان: ١/ ١٥٩: «ما» في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف، أي: فعليكم.
ويجوز أن تكون خبرا والمبتدأ محذوف أي: فالواجب ما استيسر. [.....]
(٤) معاني الزجاج: ١/ ٢٦٨، ومشكل إعراب القرآن: ١/ ١٢٣، والدر المصون: ٢/ ٣١٣.
(٥) وهو قول الحنفية كما في أحكام القرآن للجصاص: ١/ ٢٧٢، وبدائع الصنائع: ٢/ ١٧٨.
(٦) كتاب الأم: (٢/ ١٥٨، ١٥٩)، وأحكام القرآن: ١/ ١٣١.
ورجحه الطبري في تفسيره: (٤/ ٥٠، ٥١)، وابن العربي في أحكام القرآن: ١/ ١٢٢، والقرطبي في تفسيره: ٢/ ٣٧٩.
(٧) هم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم. ينظر: تدريب الراوي: ٢/ ٢١٩.
(٨) ينظر الكافي لابن قدامة: ١/ ٣٩٤، وروضة الطالبين: ٣/ ٤٦، وحاشية الهيثمي على الإيضاح: ١٥٦، والخرشي على مختصر خليل: (٢/ ٣١٠، ٣١١).
(٩) كتاب المتفق في فروع الحنفية لأبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد الجوزقي المتوفى سنة ٣٨٨ هـ.
ترجمته في الأنساب: ٣/ ٣٦٥، وتذكرة الحفاظ: ٣/ ١٠١٣، وسير أعلام النبلاء:
١٦/ ٤٩٣.
وذكر حاجي خليفة في كشف الظنون: ٢/ ١٦٨٥ من شروحه المحقق، ولم يذكر مؤلفه.
والتمتع عند الحنفية: هو الترفق بأداء النسكين (العمرة والحج) في أشهر الحج في عام واحد من غير أن يلم بأهله إلماما صحيحا بين العمرة والحج.
والإلمام الصحيح: هو الذي يكون في حالة تحلّله من العمرة وقبل شروعه في الحج.
ينظر لباب المناسك: ١٧٩، وشرحه المسلك المتقسط: (١٧٢، ١٧٣).
140
وقال السّدّي «١» : هو فسخ الحج بالعمرة «٢».
وقال ابن الزّبير «٣» : هو المحصر إذا دخل مكة بعد فوت الحج.
فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ: قبل [يوم] «٤» النحر ما بين إحرامه في أشهر الحج إلى يوم عرفة «٥»، وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ: إذا رجع المتمتع من
(١) السدي: (- ١٢٧ هـ).
هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي. تابعي روى عن ابن عباس وطائفة.
وعنه أبو عوانة والثوري وغيرهما.
والسّدّي كما في اللباب لابن الأثير: ٢/ ١١٠: «- بضم السين المهملة وتشديد الدال- هذه النسبة إلى السدة، وهي الباب، وإنما نسب السّدّي الكبير إليها لأنه كان يبيع الخمر بسدة الجامع بالكوفة».
ترجمه الحافظ في التقريب: ١٠٨، وقال: «صدوق بهم ورومي بالتشيع».
وانظر ترجمته في ميزان الاعتدال: ١/ ٢٣٦، وطبقات المفسرين للداودي: ١/ ١٠٩.
(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٤/ ٩١ عن السدي.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٢١٤.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: ٤/ ١٣٤، كتاب الحج، باب «في الرجل يهل بالحج فيحصر ما عليه».
وأخرجه- أيضا- الطبري في تفسيره: (٤/ ٨٨، ٨٩) وابن أبي حاتم في تفسيره: ٤٦٧.
وضعف المحقق إسناده.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٥١٦ وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن الزبير أيضا.
(٤) عن نسخة «ج».
(٥) أخرجه الطبريّ في تفسيره: ٤/ ٩٤ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول الحنفية كما في أحكام القرآن للجصاص: (١/ ٢٩٣- ٢٩٥)، والمسلك المتقسط: ١٧٧.
141
الحج «١». وعند الشّافعي «٢» : إذا رجع إلى الأهل.
تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ: في الأجر «٣»، أو قيامها مقام الهدي «٤»، أو المراد رفع الإبهام «٥» فلا يتوهم في «الواو» أنها بمعنى «أو».
وحاضر والمسجد الحرام: أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة، فليس لهم أن يتمتعوا عندنا «٦»، ولو فعلوا لزمهم دم الجناية لا المتعة.
١٩٧ الْحَجُّ أَشْهُرٌ: أي: أشهر الحج فحذف المضاف، أو الحج حج أشهر، فحذف المصدر المضاف، أو جعل الأشهر الحجّ لمّا كان الحج فيها كقولك: ليل نائم، ونهار صائم.
وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة جمعت لبعض الثالث «٧»، والفعل في بعض اليوم فعل في اليوم.
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ: أوجب على نفسه، أي: أحرم.
والرّفث: الجماع وذكره عند النساء «٨». والفسوق: السّباب «٩».
(١) أحكام القرآن للجصاص: ١/ ٢٩٩.
(٢) أحكام القرآن: ١/ ١٣٠، ونهاية المحتاج: ٢/ ٤٤٦ وهو اختيار الطبري في تفسيره:
٤/ ١٠٦، وقال النحاس في معانيه: ١/ ١٢٦: «وهذا كأنه إجماع».
(٣) معاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٦٨. [.....]
(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٤/ ١٠٨ عن الحسن رحمه الله، وذكره الزجاج في معاني القرآن: ١/ ٢٦٨.
(٥) ينظر هذا المعنى في معاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٦٨، ومعاني القرآن للنحاس: ١/ ١٢٦.
(٦) أي عند الحنفية. ينظر هذا القول في أحكام الجصاص: ١/ ٢٨٩، وبدائع الصنائع:
٢/ ١٦٩. وقد أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: ٤/ ١١١ عن عطاء، ومكحول.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٢١٥، وأحكام القرآن لابن العربي: ١/ ١٣١.
(٧) معاني الفراء: ١/ ١١٩.
(٨) ذكره الفراء في معاني القرآن: ١/ ١٢٠، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٧٩، وأخرجه الطبري في تفسيره: (٤/ ١٢٩- ١٣٣) عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والربيع وعطاء بن أبي رباح.
(٩) معاني الفراء: ١/ ١٢٠، وتفسير الغريب: ٧٩، وأخرجه الطبري في تفسيره: (٤/ ١٣٨، ١٣٩) عن ابن عمر، وابن عباس، ومجاهد.
والجدال: الملاحاة مع أهل الرفقة.
وقيل «١» : لا جدال لا خلاف في الحج أنه في ذي الحجة، وهو وجه امتناع لا جدال. وإن قرأت «٢» :«لا رفث ولا فسوق ولا جدال» نفي، إذ لم يجادلوا أنّ الحج في ذي الحجة فكانت لا نافية، ولا/ رفث نهي، إذ ربّما [١٣/ أ] يفعلونه فكانت بمعنى «ليس».
١٩٨ أَفَضْتُمْ: دفعتم بكثرة منها إلى مزدلفة كفيض الإناء عند الامتلاء.
والإفاضة: سرعة الرّكض، وأفاضوا في الحديث: اندفعوا فيه «٣».
وصرف عَرَفاتٍ مع التأنيث والتعريف لأنها اسم واحد على حكاية الجمع «٤».
وعرفات من تعارف النّاس في ذلك المجمع «٥»،
(١) ذكره النحاس في إعرابه: ١/ ٢٩٥.
(٢) برفع «الرفث والفسوق» وتنوينهما، وفتح «جدال» بغير تنوين، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو كما في السبعة لابن مجاهد: ١٨٠، والتبصرة لمكي: ١٥٩ فتكون «لا» الأولى للنهي، أي: لا ترفثوا ولا تفسقوا، وتكون «لا» الثانية لنفي الجنس التي تعمل عمل «ليس»، على معنى نفي الجدال في أن الحج في ذي الحجة- أي لا جدال كائن في الحج وأنه فيه- أما «الرفث والفسوق» فقد يفعلونهما فنهوا عنهما.
ينظر توجيه هذه القراءة في معاني القرآن للفراء: ١/ ١٢٠، وتفسير الطبري: (٤/ ١٥٣، ١٥٤)، والكشف لمكي: ١/ ٢٨٦.
(٣) ينظر ما سبق في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٧٩، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٧٢، ومعاني القرآن للنحاس: ١/ ١٣٦، ومفردات الراغب: ٣٨٨، واللسان: ٧/ ٢١٢ (فيض).
(٤) هذا قول الزجاج في معانيه: ١/ ٢٧٢، وقال السّمين الحلبي في الدر المصون: ٢/ ٣٣١:
«والتنوين في «عرفات» وبابه فيه ثلاثة أقوال، أظهرها: أنه تنوين مقابلة، يعنون بذلك أن تنوين هذا الجمع مقابل لنون جمع الذكور...
الثاني: أنه تنوين صرف وهو ظاهر قول الزمخشري.
الثالث: أن جمع المؤنث إن كان له جمع مذكر كمسلمات ومسلمين فالتنوين للمقابلة وإلّا فللصرف كعرفات».
(٥) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: ٥/ ١٨٨ دون عزو.
143
وقيل «١» : من تعارف آدم وحواء هناك.
وقيل «٢» : كان جبريل يعرّف إبراهيم- عليه السلام- المناسك، فلمّا صار بعرفات قال: عرفت.
والمشعر الحرام ما بين جبلي مزدلفة «٣»، وقيل «٤» : الجبل الذي يقف عليه الإمام بجمع «٥».
(١) ذكره الماوردي في تفسيره: ١/ ٢١٨ دون عزو، ونقله البغوي في تفسيره: ١/ ١٧٤ عن الضحاك، وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ١٧٤، وقال: «والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع».
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره: (٤/ ١٧٣، ١٧٤) عن ابن عباس من طريق وكيع بن مسلم القرشي، عن أبي طهفة، عن أبي الطفيل عن ابن عباس نحوه.
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: «هذا إسناد مشكل لا أدري ما وجه صوابه. أما «وكيع بن مسلم القرشي» فما وجدت راويا بهذا الاسم ولا ما يشبهه.
والذي أكاد أجزم به أنه «وكيع بن الجراح» الإمام المعروف. وأن كلمة «بن» محرفة عن كلمة «عن»، ثم يزيد الإشكال أن لم أجد من اسمه «مسلم القرشي» وإشكال ثالث، أن «أبا طهفة» هذا لا ندري ما هو؟ واليقين- عندي- أن الإسناد محرف غير مستقيم» كما أخرج الطبري هذا القول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، من طريق ابن جريج قال:
قال ابن المسيب: قال علي بن أبي طالب وذكر نحوه. وهذا منقطع بين ابن جريج وسعيد بن المسيب، وأخرج الطبري- نحوه- عن عطاء، والسدي، ونعيم بن أبي هند.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٥١٩ (سورة البقرة) عن عبد الله بن عمرو، وضعّف محقق هذا الجزء من تفسير ابن أبي حاتم إسناد هذا الأثر، لمحمد بن داود: مسكوت عنه، وأبي حذيفة النهدي: صدوق سيء الحفظ، وثابت بن هرمز: صدوق يهم. وأورد السيوطي هذا الخبر في الدر المنثور: ١/ ٥٣٦ ونسب إخراجه إلى وكيع، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٤/ ١٧٦، ١٧٧) عن ابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن جبير ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٥٣٩ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما. [.....]
(٤) ذكره أبو حيان في البحر: ٢/ ٩٦.
(٥) أي: بمزدلفة. -
ينظر تفسير الطبري: ٤/ ١٧٩، ومعاني الزجاج: ١/ ٢٧٣، ونقل النحاس في معانيه:
١/ ١٣٨ عن قتادة قال: هي جمع، وإنما سميت جمعا، لأنه يجمع فيها بين صلاة المغرب والعشاء.
144
١٩٩ مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ: أمر لقريش بالإفاضة من عرفات إلى جمع وكانوا يقفون بجمع بأنّا أهل الحرم لا نخرج عنه، [لأنّ جمعا من الحرم وعرفات من الحلّ] «١»، بل الإفاضة من عرفات مذكورة فهي الإفاضة من جمع إلى منى. والنّاس: إبراهيم ومن تبعه «٢».
مِنْ خَلاقٍ: من نصيب «٣»، من الخلافة التي هي الاختصاص «٤»، أو الخليفة التي هي من حظ الفتى من طبيعته «٥».
والأيّام المعدودات «٦» : أيام التشريق «٧»، ثلاثة بعد المعلومات عشر ذي
(١) عن نسخة «ج».
(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٤/ ١٨٩ عن الضحاك، ونقله النحاس في معانيه:
١/ ١٤٠، والبغوي في تفسيره: ١/ ١٧٦، وابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ١٧٧، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٢١٤ عن الضحاك أيضا.
(٣) تفسير الطبري: ٤/ ٢٠٣، ومعاني الزجاج: ١/ ٢٧٤، ومعاني النحاس: ١/ ١٤٢.
(٤) ينظر اللسان: ١٠/ ٩١، وتاج العروس: ٢٥/ ٢٥٣ (خلق).
(٥) في اللسان: ١٠/ ٨٦ (خلق) : والخليقة: الطبيعة التي يخلق بها الإنسان.
(٦) من قوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ... البقرة: ٢٠٣.
(٧) أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: (٤/ ٢٠٨- ٢١١) عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، والربيع بن أنس، والضحاك، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٥٦٢ وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، والمروزي، وابن المنذر وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما.
كما عزا إخراجه إلى ابن أبي الدنيا، والمحاملي في أماليه، والبيهقي عن مجاهد.
قال الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٢٠: «وهذا قول جمع المفسرين، وإن خالف بعض الفقهاء في أن أشرك بين بعضها وبين الأيام المعلومات».
145
الحجة «١»، فهي معدودات لقلتها بالقياس إلى المعلومات «٢» التي يعلمها النّاس للحج.
وذكر الله فيها التكبير المختصّ به، وابتداؤه عند أبي حنيفة «٣» - رحمه الله- من فجر يوم عرفة في أدبار الصلوات الثمان التي آخرها عصر يوم النّحر.
وأوّل أيام التشريق: يوم القرّ «٤» لاستقرار الناس بمنى، والثاني: يوم النّفر الأول إذ ينفرون ويخرجون إلى أهليهم، وهو قوله: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي الخروج في النّفر الأول، ومن تأخر إلى النّفر الثاني وهو ثالث أيام منى فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى أي: الصيد «٥» إلى يوم الثالث، وقيل «٦» : اتقى في جميع الحج، أو في بقية عمره لئلا يحبط عمله «٧».
(١) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٧١، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٨٠.
(٢) قال الزجاج في معانيه: ١/ ٢٧٥: «معدودات: يستعمل كثيرا في اللّغة للشيء القليل وكل عدد قل أو كثر فهو معدود، ولكن معدودات أدل على القلة لأن كل قليل يجمع بالألف والتاء، نحو دريهمات وجماعات... ».
(٣) ينظر تحفة الفقهاء للسمرقندي: ١/ ٢٨٨، والهداية: ١/ ٨٧.
(٤) ينظر الأيام والليالي والشهور للفراء: ٧٩، وغريب الحديث لأبي عبيد: ٢/ ٥٣، والنهاية:
٤/ ٣٧، واللسان: ٥/ ٨٧ (قرر).
(٥) أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: ٤/ ٢٢١، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٥٦١ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٥٦٦ وزاد نسبته إلى سفيان بن عيينة، وابن المنذر عن ابن عباس. [.....]
(٦) أخرجه الطبريّ في تفسيره: (٤/ ٢٢١، ٢٢٢) عن قتادة، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير:
١/ ٢١٨ عن قتادة أيضا.
(٧) أخرجه الطبري في تفسيره: ٤/ ٢٢٠ عن أبي العالية وإبراهيم.
ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٢٠ عن أبي العالية، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٥٦٨ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن أبي العالية.
146
[ من خلاق ] من نصيب، من الخلاقة التي هي الاختصاص، أو الخليقة التي هي حظ الفتى من طبيعته١.
١ انظر لسان العرب مادة "خلق" ج١٠ ص٨٦- ٩٢..
والأيام المعدودات : أيام التشريق ثلاثة بعد المعلومات عشر ذي الحجة، سميت١ معدودات لقلتها بالقياس إلى المعلومات التي يعلمها الناس للحج٢.
وذكر الله فيها : التكبير المختص بها٣، وابتداؤه عند أبي حنيفة رحمه الله من فجر يوم عرفة في أدبار الصلوات الثمان التي آخرها عصره يوم النحر٤.
وأول أيام التشريق : القر لاستقرار الناس بمنى، والثاني : يوم النفر الأول إذ ينفرون ويخرجون إلى أهاليهم٥ وهو قوله :
٢٠٣ [ فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ] أي الخروج في النفر الأول.
٢٠٣ [ ومن تأخر ] إلى النفر الثاني ثالث أيام منى.
٢٠٣ [ فلا إثم عليه لمن اتقى ] أي : الصيد إلى اليوم٦ الثالث٧.
وقيل اتقى في جميع الحج٨. أو في بقية عمره لئلا يحبط عمله٩.
١ في أ بدل "سميت" "فهي"..
٢ انظر مفاتيح الغيب ج٥ ص٢٠٨، والجامع لأحكام القرآن ج٣ ص١..
٣ في أ به..
٤ انظر المحرر الوجيز ج٢ ص١٨٣، والبحر المحيط ج٢ ص٣١٨، وقد رجح ابن العربي أن التكبير يكون في أيام منى ثلاثة سوى يوم النحر وقال عن قول أبي حنيفة: "فأما من قال: إنه يكبر يوم عرفة ويقطع العصر يوم النحر فقد خرج عن الظاهر لأن الله تعالى قال: [في أيام معلومات] وأقلها ثلاثة، وقد قال هؤلاء: يكبر في يومين فتركوا الظاهر لغير دليل" أحكام القرآن لابن العربي ج١ ص١٤٢..
٥ المحرر الوجيز ج٢ ص١٨٣..
٦ في أ إلى يوم..
٧ روي هذا القول عن ابن عباس، وضعفه الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ج٥ ص٢١٢..
٨ روي هذا القول عن قتادة انظر زاد المسير ج١ ص٢١٨..
٩ روي هذا القول عن أبي العالية انظر جامع البيان ج٢ ص٣٠٨..
[ الخصام ] مصدر١، أو جمع خصم كبحر وبحار٢.
١ خاصم قال به الخليل انظر البحر المحيط ج٢ ص٣٢٧..
٢ قال به الزجاج انظر معاني القرآن وإعرابه ج١ ص٢٧٧..
٢٠٤ والخصام مصدر «١»، أو جمع خصم «٢» كبحر وبحار.
٢٠٧ يَشْرِي: يبيع «٣».
٢٠٨ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ: في طائفة أسلموا ولم يتركوا السّبت «٤».
[فأمروا بترك السبت، أي بترك تعظيمه بالدخول في الإسلام إلى منتهى شرائعه] «٥». بل هو أمر المؤمنين بشرائع الإسلام، أو بالدوام على الإسلام كقوله «٦» : يا أَيُّهَا/ الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا. [١٣/ ب] كَافَّةً: جميعا. كففت: جمعت «٧»، وكفّة الميزان لجمعه ما فيه، ويجوز من الكفّ المنع «٨» لأنهم إذا اجتمعوا تمانعوا.
(١) وهو قول الخليل كما في تفسير القرطبي: ٣/ ١٦، وذكره دون نسبه النحاس في إعراب القرآن: ١/ ٢٩٩، ومكي في مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٢٥.
وقال العكبري في التبيان: ١/ ١٦٦: ويجوز أن يكون مصدرا وفي الكلام حذف مضاف أي أشد ذوي الخصام. ويجوز أن الخصام هنا مصدرا في معنى اسم الفاعل، كما يوصف بالمصدر في قولك: رجل عدل وخصم.
(٢) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٨٠، ومعاني الزجاج: ١/ ٢٧٧، وإعراب القرآن للنحاس:
١/ ٢٩٩، والبيان لابن الأنباري: ١/ ١٤٨، والتبيان للعكبري: ١/ ١٦٦.
(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٧١، وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٨١: «يقال:
شريت الشيء إذا بعته واشتريته. وهو من الأضداد»
.
وانظر تفسير الطبري: ٤/ ٢٤٦، والأضداد لابن الأنباري: ٧٢، واللسان: ١٤/ ٤٢٨ (شرى).
(٤) أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: (٤/ ٢٥٥، ٢٥٦) عن عكرمة، وأخرجه الواحدي في أسباب النزول: ٥٩ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٢٣، وابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ١٩٨ عن عكرمة.
(٥) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٦) سورة النساء: آية: ١٣٦.
(٧) اللسان: ٩/ ٣٠١ (كفف).
(٨) معاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٧٩، وتهذيب اللّغة: ٩/ ٤٥٥، واللسان: ٩/ ٣٠٥ (كفف).
٢١٠ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ: أي: آياته. أو أمره «١»، كقوله «٢» : أْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ.
٢١٢ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: قيل «٣» : الشيطان يزينها لهم. بل الله يفعل ذلك: ليصح التكليف وليعظم الثواب «٤».
بِغَيْرِ حِسابٍ: بغير استحقاق على التفضل «٥»، وعَطاءً حِساباً «٦» يكافئ العمل ويقابله وكأنه يعطي المحسوب «٧» بما
(١) أورد الطبري- رحمه الله- هذا القول في تفسيره: ٤/ ٢٦٥ دون نسبة، ونقل عن بعضهم:
«لا صفة لذلك غير الذي وصف به نفسه عز وجل من المجيء والإتيان والنزول. وغير جائز تكلف القول في ذلك لأحد إلا بخبر من الله جل جلاله أو من رسول مرسل. فأما القول في صفات الله وأسمائه، فغير جائز لأحد من جهة الاستخراج إلا بما ذكرنا».
(٢) سورة النحل: آية: ٣٣.
(٣) هو قول المعتزلة الذين لا ينسبون خلق فعل الشر إلى الله.
ينظر قولهم في متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار: ١٢٢، والكشاف: ١/ ٣٥٤.
(٤) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ٢٠٣: «المزيّن هو خالقها ومخترعها وخالق الكفر.
ويزينها الشيطان بوسوسته وإغوائه... وخصّ الذين كفروا لقبولهم التزيين جملة، وإقبالهم على الدنيا، وإعراضهم عن الآخرة بسببها. والتزيين من الله تعالى واقع للكل... »
.
وأورد أبو حيان قول الزمخشري في البحر المحيط: ٢/ ١٢٩، ثم قال: «وهو جار على مذهب المعتزلة بأن الله تعالى لا يخلق الشر، وإنما ذلك من خلق العبد، فلذلك تأول التزيين على الخذلان أو على الإمهال. وقيل: المزين الشيطان، وتزيينه بتحسين ما قبح شرعا وتقبيح ما حسن شرعا. والفرق بين التزيينين أن تزيين الله بما ركبه ووضعه في الجبلة، وتزيين الشيطان بإذكار ما وقع غفالة وتحسينه بوساوسه إياها لهم. [.....]
(٥) تفسير الفخر الرازي: ٦/ ٩.
(٦) سورة النبأ: آية: ٣٦.
(٧) في «ج»
: مما لا يحسب.
قال الفخر الرازي- رحمه الله- في تفسيره: ٦/ ١٠: «فإن قيل: قد قال تعالى في صفة المتقين وما يصل إليهم: عَطاءً حِساباً أليس ذلك كالمناقض لما في هذه الآية؟.
قلنا: أما من حمل قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ على التفضل، وحمل قوله: عَطاءً حِساباً على المستحق بحسب الوعد على ما هو قولنا، أو بحسب الاستحقاق على ما هو قول المعتزلة، فالسؤال ساقط، وأما من حمل قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ على سائر الوجوه، فله أن يقول إن ذلك العطاء إذا كان يتشابه في الأوقات ويتماثل، صح من هذا الوجه أن يوصف بكونه عطاء حسابا، ولا ينقضه ما ذكرناه في معنى قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ.
لا يحتسب.
٢١٣ كانَ النَّاسُ أُمَّةً: ملّة وطريقة «١»، أي: أهل ملّة، وتلك الملّة:
الضلال فهو الغالب عليهم، وإن كانت الأرض لم تخل عن حجة الله.
وقيل «٢» : كانوا على الحق متفقين فاختلفوا.
بَغْياً بَيْنَهُمْ: مفعول، أي: اختلفوا للبغي «٣».
٢١٤ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ: لم يأتكم، كقوله «٤» : وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ.
وَزُلْزِلُوا: أزعجوا بالخوف يوم الأحزاب «٥»، وهو «زلّوا» ضوعف
(١) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٧٢، وتفسير الغريب لابن قتيبة: ٨١، وقال الطبري في تفسيره: ٤/ ٢٧٦: «وأصل «الأمة» الجماعة تجتمع على دين واحد، ثم يكتفى بالخبر عن «الأمة» من الخبر عن الدين لدلالتها عليه، كما قال جل ثناؤه: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [سورة المائدة: ٤٨، سورة النحل: ٩٣]، يراد به: أهل دين واحد وملة واحدة... ».
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره: (٤/ ٢٧٥، ٢٧٦) عن ابن عباس وقتادة، وأخرجه الحاكم في المستدرك: (٢/ ٥٤٦، ٥٤٧)، كتاب التاريخ، «ذكر نوح النبي صلّى الله عليه وسلّم» عن ابن عباس، وقال:
«هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.
ونقله البغوي في تفسيره: ١/ ١٨٦ عن قتادة وعكرمة، وابن عطية في المحرر الوجيز:
٢/ ٢٠٧ عن ابن عباس وقتادة.
قال الفخر الرازي في تفسيره: (٦/ ١١، ١٢) :«وهذا قول أكثر المحققين».
وقال ابن كثير في تفسيره: ١/ ٣٦٥ عن هذا القول المنسوب إلى ابن عباس أنه: «أصح سندا ومعنى، لأن الناس كانوا على ملة آدم عليه السلام حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحا عليه السلام، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض».
(٣) معاني الزجاج: (١/ ٢٨٤، ٢٨٥)، ومعاني النحاس: ١/ ١٦٢، والتبيان للعكبري:
١/ ١٧١، والدر المصون: ٢/ ٣٧٨.
(٤) سورة الجمعة: آية: ٣.
(٥) ينظر تفسير الطبري: (٤/ ٢٨٨، ٢٨٩)، وأسباب النزول للواحدي: ٩٨، وتفسير ابن كثير:
١/ ٣٦٦، والدر المنثور: ١/ ٥٨٤.
لفظه لمضاعفة معناه.
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ يسأل النّصر الموعود، لا أنه استبطأ النّصر، لأن الله لا يؤخره عن وقته.
٢١٩ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ: أي: الفضل عن الحاجة «١»، أو السهل المتيسر، خذ ما عفا: أي سهل وصفا «٢»، ونصبه على أنه جواب المنصوب وهو «ماذا» «٣» و «ماذا» اسم واحد، ولهذا لا يصح «٤» «عمّ ذا تسأل» كما يصح «عم تسأل».
ومن رفع «٥» الْعَفْوَ جعل «ذا» بمنزلة «الذي» [ويجعلهما] «٦».
(١) أخرج الطبري في تفسيره: ٤/ ٣٣٧ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: العفو ما فضل عن أهلك. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٦٥٦ (سورة البقرة).
والنحاس في الناسخ والمنسوخ: ٦٧، والطبراني في المعجم الكبير: ١١/ ٣٨٦، وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٦٠٧ وزاد نسبته إلى وكيع، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي- كلهم- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وبه قال الفراء في معاني القرآن: ١/ ١٤١، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٨٢، وأخرجه- أيضا- الطبري في تفسيره: (٤/ ٣٣٧، ٣٣٨) عن قتادة وعطاء والحسن.
وأورد الطبري- رحمه الله- أقوالا أخرى في المراد ب «العفو» ثم قال: «وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى «العفو» : الفضل من مال الرجل عن نفسه وأهله في مؤونتهم ما لا بد لهم منه. وذلك هو الفضل الذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالإذن في الصدقة... ».
وقال النحاس في معانيه: ١/ ١٧٥: «وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد، لأن العفو في اللّغة: ما سهل».
(٢) ينظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٧٣، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
٨٢، ومعاني النحاس: ١/ ١٧٥، ومفردات الراغب: ٣٣٩.
(٣) معاني الزجاج: ١/ ٢٩٣، وإعراب النحاس: ١/ ٣٠٩، والكشف لمكي: ١/ ٢٩٣، والتبيان للعكبري: ١/ ١٧٦، والدر المصون: ٢/ ٤٠٩.
(٤) في «ج» : لا يصلح عن ماذا تسأل.
(٥) وهي قراءة أبي عمرو كما في السبعة لابن مجاهد: ١٨٢، وإعراب القرآن للنحاس:
١/ ٣٠٩. والكشف لمكي: ١/ ٢٩٢.
(٦) في الأصل: ويجعلها، والمثبت في النص عن «ج». [.....]
اسمين كأنه: ما الذي ينفقون «١».
٢٢٠ لَأَعْنَتَكُمْ: لشدد عليكم «٢».
٢٢٢ يَطْهُرْنَ: ينقطع دمهن ويَطْهُرْنَ «٣» : يتطهرن فأدغمت.
٢٢٣ أَنَّى شِئْتُمْ: كيف شئتم، أو من أين شئتم بعد أن لا يخرج عن موضع الحرث بدليل نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ.
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ: التسمية عند الجماع «٤». [أو طلب الولد الذي يدعو له بالخير بعد موته] «٥». بل العبرة بعموم اللفظ «٦».
٢٢٤ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ: علة وحجة في ترك البرّ والاصطلاح»
فتعتلوا بالأيمان، فكأنّ اليمين سبب يعرض فيمنع من البرّ والتقوى، أو يوجب الإعراض عنهما.
وقيل «٨» : لا تجعلوا الله بذلة أيمانكم/ من غير حاجة وبغير استثناء. [١٤/ أ] أَنْ تَبَرُّوا: أن لا تبرّوا، على هذا موضع أَنْ تَبَرُّوا نصب «٩»
(١) ينظر معاني الزجاج: (١/ ٢٨٧، ٢٩٣)، وإعراب النحاس: ١/ ٣٠٩، والكشف لمكي:
١/ ٢٩٢، والدر المصون: (٢/ ٤٠٨، ٤٠٩).
(٢) ينظر معنى «العنت» في تفسير الغريب: ٨٣، وتفسير الطبري: (٤/ ٣٥٩، ٣٦٠)، ومعاني الزجاج: (١/ ٢٩٤، ٢٩٥)، وتفسير القرطبي: ٣/ ٦٦، وتحفة الأريب: ٢١٩.
(٣) بفتح الطاء والهاء وتشديدهما، وهي قراءة حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية شعبة.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ١٨٢، والتبصرة لمكي: ١٦٠، والتيسير للداني: ٨٠.
(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٤/ ٤١٧، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله البغوي في تفسيره: ١/ ١٩٩ عن عطاء، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير ١/ ٢٥٣ وقال: «رواه عطاء عن ابن عباس».
(٥) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٦) ينظر تفسير الطبري: (٤/ ٤١٧، ٤١٨)، وتفسير الفخر الرازي: ٦/ ٧٩.
(٧) في «ج» : الإصلاح.
(٨) ذكر نحوه الفخر الرازي في تفسيره: ٦/ ٨٠.
(٩) قال الزجاج في معانيه: ١/ ٢٩٩: «والنصب في «أن» في هذا الموضع هو الاختيار عند جميع النحويين». -
وانظر إعراب النحاس: (١/ ٣١١، ٣١٢)، والتبيان للعكبري: ١/ ١٧٨، والدر المصون:
٢/ ٤٢٦.
لوصول الفعل إليه مع الجار، أو خفض «١»، لأن التقدير: لأن تبروا، أي تكونوا بررة أتقياء إذا لم تجعلوه عرضة [أي: بدلة] «٢».
واللّغو «٣» : اليمين على الظن إذا تبين خلافه «٤»، أو ما يسبق به اللّسان عن سهو أو غضب من غير قصد «٥».
٢٢٦ يُؤْلُونَ: يحلفون، إيلاء وأليّة وألوة وألوة «٦».
والإيلاء هنا: قول الرّجل لامرأته: والله لا أقربك، أو حرّمها على نفسه بهذه النيّة، فإن فاء إليها بالوطء ورجع قبل أربعة أشهر كفّر عن يمينه، وإلّا بانت «٧».
(١) وهو قول الكسائي والخليل كما في مشكل الإعراب لمكي: ١/ ١٣٠، وتفسير القرطبي: ٣/ ٩٩.
(٢) عن نسخة «ج».
(٣) من قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ... [البقرة: ٢٢٥].
(٤) أخرج الطبري- رحمه الله- نحو هذا القول في تفسيره: (٤/ ٤٣٢- ٤٣٧) عن أبي هريرة، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وأبي مالك.
ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٣٩ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(٥) أخرج الإمام البخاري- رحمه الله- في صحيحه: ٧/ ٢٢٥ كتاب الأيمان والنذور، باب:
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ... عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أنزلت في قوله: لا والله وبلى والله».
وأخرجه أبو داود في سننه: ٣/ ٥٧١، كتاب الأيمان والنذور، باب «لغو اليمين» عن عائشة مرفوعا.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (٤/ ٤٢٨- ٤٣٢) عن عائشة، وابن عباس، والشعبي، وعكرمة. وهو قول الشافعي رحمه الله كما في: أحكام القرآن له: ٢/ ١١٠.
وقال الصنعاني في سبل السلام: ٤/ ٢٠٧: «وتفسير عائشة أقرب لأنها شاهدت التنزيل وهي عارفة بلغة العرب». [.....]
(٦) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٧٣، وتفسير الغريب لابن قتيبة: (٨٥، ٨٦)، وتفسير الطبري: ٤/ ٤٥٦، واللسان: ١٤/ ٤٠ (ألا).
(٧) ينظر معنى «الإيلاء» في اصطلاح الفقهاء، وشروطه، واختلاف المذاهب فيه في بدائع الصنائع: ٣/ ١٧٠، والخرشي على مختصر خليل: ٤/ ٨٩، ومغني المحتاج: ٣/ ٣٤٤، والمغني لابن قدامة: ٧/ ٢٩٨.
152
والتربّص: الانتظار «١»، أو مقلوبة أي: التصبّر «٢».
والقرء «٣» : الحيض «٤»، أقرأت: حاضت [فهي] «٥» مقرئ، وأصله- إن كان- الاجتماع بدليل القرآن، والقرية للنّاس وللنّمل، [واجتماع] «٦» الدّم في الحيض، وإلّا لسال دفعة.
وإن كان الانتقال «٧» من قرأت النجوم وأقرأت «٨»، فالانتقال إلى الحيض الذي هو طارئ.
ويقال: هو يقرئ جاريته أي: يستبرئها، واستقريت الأرض واقتريتها
(١) معاني القرآن للزجاج: ١/ ٣٠١، ومفردات الراغب: ١٨٥، وتفسير الفخر الرازي:
٦/ ٨٦.
(٢) الدر المصون: ٢/ ٤٣٥.
(٣) من قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ... [البقرة: ٢٢٨].
(٤) هذا قول الإمام أبي حنيفة وأصحابه كما في أحكام القرآن للجصاص: ١/ ٣٦٤، والهداية:
٢/ ٢٨، واللباب لابن المنبجي: ٢/ ٧١٤.
وقد أخرجه الطبريّ في تفسيره: (٤/ ٥٠٠- ٥٠٣) عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة، والضحاك، والربيع، والسّدّي.
وذكر ابن الجوزي هذا القول في زاد المسير: ١/ ٢٥٩ وزاد نسبته إلى علي بن أبي طالب، وأبي موسى، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، وسفيان الثوري، والأوزاعي.
وانظر تفسير ابن كثير: ١/ ٣٩٧، والدر المنثور: ١/ ٦٥٧.
وقد رجح ابن القيم هذا القول في زاد المعاد: (٥/ ٦٠٠، ٦٠١).
(٥) في الأصل: «فهو»، والمثبت في النص من «ك»، وانظر تفسير الطبري: ٣/ ١١٣.
(٦) في الأصل: «فاجتماع»، والمثبت في النص عن «ج».
(٧) في وضح البرهان: ١/ ٢٠٩: وإن كان الأصل «الانتقال» من قول العرب: قرأت النجوم وأقرأت... ».
(٨) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٧٤: «وأظنه أنا من قولهم: قد أقرأت النجوم، إذا غابت».
ونقل الفخر الرازي في تفسيره: ٦/ ٩٤ عن أبي عمرو بن العلاء قال: أن القرء هو الوقت، يقال: أقرأت النجوم إذا طلعت، وأقرأت إذا أفلت».
153
سرت فيها تنظر حالها.
وجمع قروء على الكثرة، لأنه حكم كلّ مطلّقة في الدّنيا فقد دخلها معنى الكثرة «١»، أو هو على تقدير: ثلاثة من القروء «٢».
٢٢٩ الطَّلاقُ مَرَّتانِ: أي: الطلاق الرّجعي، وسأل رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الثالثة فقال «٣» : أَوْ تَسْرِيحٌ.
٢٣١ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: قاربنه وشارفنه «٤»، أو بلغن أجل الرّجعة.
آياتِ اللَّهِ هُزُواً: كان الرجل يطلّق ويعتق ثم يقول: كنت هازلا [هازئا] «٥». وأمّا عموم اللّفظ: لا تستهزءوا بالأحكام مع كثرة فروعها.
ولا تعضلوهن «٦» : العضل: المنع والتضييق، أعضل الأمر أعيا،
(١) التبيان للعكبري: ١/ ١٨١، والدر المصون: ٢/ ٤٣٨.
(٢) هذا مذهب المبرد كما في المقتضب: (٢/ ١٥٦، ١٥٧)، وانظر الدر المصون: ٢/ ٤٣٩.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: ٦/ ٣٣٨، كتاب النكاح، باب (الطلاق مرتان)، عن أبي رزين الأسدي مرسلا، وكذا الطبري في تفسيره: ٤/ ٥٤٥. وقال الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله-: «وهو حديث مرسل ضعيف»، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٧٥٦ (سورة البقرة)، والنحاس في ناسخه: ٨٢ عن أبي رزين، والبيهقي في سننه: ٧/ ٣٤٠، كتاب «الخلع والطلاق»، باب «ما جاء في موضع الطلقة الثالثة من كتاب الله عز وجل».
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٦٦٤ وزاد نسبته إلى وكيع، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وأبي داود، وابن مردويه عن أبي رزين الأسدي.
وأخرجه البيهقي في سننه: ٧/ ٣٤٠ عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٦٦٤ وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن أنس أيضا.
(٤) إعراب القرآن للنحاس: ١/ ٢٠٨، وتفسير الماوردي: ١/ ٢٤٧، وتفسير الفخر الرازي:
٦/ ١٨٧، وقال القرطبي في تفسيره: ٣/ ١٥٥: «معنى «بلغن» قاربن بإجماع من العلماء ولأن المعنى يضطر إلى ذلك لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك، وهو في الآية التي بعدها بمعنى التناهي لأن المعنى يقتضي ذلك، فهو حقيقة في الثانية مجاز في الأولى». [.....]
(٥) من نسخة «ج».
(٦) من قوله تعالى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ...
[البقرة: ٢٣٢].
154
وعضلت المرأة: عسرت ولادتها «١».
نزل «٢» في معقل بن يسار المزنيّ «٣»، منع أخته جميلة «٤» الرجوع إلى زوجها الأول أبي البدّاح «٥» بن عاصم. وقوله «٦» : فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ في
(١) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٨٨، وتفسير الطبري: ٥/ ٢٤، وتفسير الماوردي:
١/ ٢٤٨، ومفردات الراغب: ٣٣٨، واللسان: ١١/ ٤٥١ (عضل).
(٢) صحيح البخاري:
٥/ ١٦٠، كتاب التفسير، باب (وإذا طلقتم النساء )، وليس فيه ذكر لاسم المرأة وزوجها.
وانظر تفسير الطبري: (٥/ ١٧- ٢٠)، وأسباب النزول للواحدي: (١١١- ١١٤)، وتفسير ابن كثير: ١/ ٤١٦.
(٣) هو معقل بن يسار بن عبد الله بن معبر المزني، صحابي جليل، أسلم قبل الحديبية، وشهد بيعة الرضوان.
ترجمته في الاستيعاب: ٣/ ١٤٣٢، وأسد الغابة: ٥/ ٢٣٢، والإصابة: ٦/ ١٨٤.
(٤) في «ك» و «ج» :«جميل»، والذي ورد في الأصل ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح: ٩/ ٩٣ عن الثعلبي.
وورد في رواية الطبري في تفسيره: ٥/ ٢٠ عن ابن جريج أن اسمها «جمل»، وكذا في غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال: ١/ ٢٩٣، والإصابة: ٧/ ٥٥٥ (ترجمة جمل بنت يسار).
وذكر السهيلي في التعريف والإعلام: ٢٩ أن اسمها «جميل»، وقيل: اسمها «ليلى».
وذكر الحافظ في الفتح: ٩/ ٩٣ قولا آخر في اسمها وهو «فاطمة» ثم قال: «ويحتمل التعدد بأن لها اسمان ولقب أو لقب واسم».
(٥) ترجمة أبي البدّاح بن عاصم بن عدي الأنصاري في الاستيعاب: ٤/ ١٦٠٨، وأسد الغابة:
٦/ ٢٧، والإصابة: ٧/ ٣٥.
(٦) سورة البقرة: آية: ٢٢٩.
وقد ثبت اسم جميلة في سبب نزول هذه الآية فيما أخرجه الإمام البخاري- رحمه الله- تعليقا عن عكرمة (صحيح البخاري: ٦/ ١٧١، كتاب الطلاق، باب «الخلع وكيف الطلاق فيه» ).
وثبت ذلك أيضا في رواية أخرجها ابن ماجة في سننه: ١/ ٦٦٣، كتاب الطلاق، باب «المختلعة تأخذ ما أعطاها، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره: ١/ ٤٠٣ وعزا إخراجه إلى أبي بكر بن مردويه عن ابن عباس أيضا.
وقيل في اسم المختلعة: حبيبة بنت سهل، كما في موطأ الإمام مالك: ٢/ ٥٦٤، كتاب الطلاق، باب «وما جاء في الخلع»
، ومسند الإمام أحمد: (٦/ ٤٣٣، ٤٣٤)، وسنن أبي داود: (٢/ ٦٦٨، ٦٦٩)، كتاب الطلاق، باب «ما جاء في الخلع»، وتفسير الطبري:
٤/ ٥٥٥، وتفسير ابن كثير: ١/ ٤٠٢.
155
[ فلا تعضلوهن ] العضل : المنع والتضييق، أعضل الأمر أعيا، وعضلت المرأة عسرت ولادتها١. نزل في معقل ببت يسار المزني٢ منع أخته جميلة٣ حين أرادت الرجوع إلى زوجها عبد الله٤ بن عاصم٥.
١ الصحاح مادة "عضل" ج٥ ص١٧٦٦، وعمدة الحفاظ ص٣٦٨..
٢ هو معقل بن يسار بن عبد الله بن معبر المزني، صحابي أسلم قبل الحديبية، وشهد بيعة الرضوان نزل البصرة ومات بها في خلافة معاوية رضي الله عنه. الإصابة ج٩ ص٢٥٩..
٣ هي جميلة بنت يسار المزينة. وذكر الطبري عن ابن جريح أن اسمها "جميل" وكذا سماها ابن حجر في فتح الباري، وسماها ابن فتحون "جمل" بغير تصعير وقيل اسمها "ليلى" وقيل "فاطمة" يقول ابن حجر ويحتمل التعدد بأن يكون لها اسمان ولقب أو لقبان واسم. انظر جامع البيان ج٢ ص٤٥٨ وفتح الباري ج٩ ص١٦٠، والإصابة ج١٢ ص١٧٤..
٤ في ب عبيد الله..
٥ ذكر ابن حجر أن الرجل هو: أبو البداح بن عاصم الأنصاري، ونقل عن عز بن عبد السلام في كتابه "المجاز" أن اسمه عبد الله بن رواحة. انظر فتح الباري ج٩ ص١٦٠، والإصابة ج١١ ص٣٢.
والأثر أخرجه البخاري بلفظ آخر وهو أن الحسن قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال زوجتك أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه. فأنزل الله هذه الآية" [فلا تعضلوهن] فقلت: الآن أفعل يا رسول الله قال: فزوجها إياه.
صحيح البخاري ج٦ ص١٣٣، في كتاب النكاح من قال لا نكاح إلا بولي..

جميلة «١» بنت عبد الله بن أبيّ بن سلول خالعت زوجها ثابت «٢» بن قيس بن شمّاس بمهرها.
[١٤/ ب] ٢٣٣ لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها: بأخذ ولدها بعد/ ما [رضي] «٣» بها.
وَلا مَوْلُودٌ لَهُ: أي: الأب بردّ الولد عليه بعد ما عرف أمه ولا يقبل ثدي غيرها.
وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ: أي: على وارث الولد من النّفقة، وترك المضارّة «٤» ما على المولود له وهو الوالد إذا كان حيّا.
فِصالًا: فطاما قبل الحولين «٥». و «التراضي» لئلا يكره أحدهما
(١) ترجمتها في الاستيعاب: ٤/ ١٨٠٢، وأسد الغابة: ٧/ ٥٤، والإصابة: (٧/ ٥٦٢، ٥٦٣).
(٢) ثابت بن قيس بن شمّاس الخزرجي الأنصاري، صحابي جليل، استشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.
ترجمته في: الاستيعاب: (١/ ٢٠٠- ٢٠٣)، وأسد الغابة: (١/ ٢٧٥، ٢٧٦)، والإصابة:
(١/ ٣٩٥- ٣٩٦).
(٣) في الأصل: «رضيت»، والمثبت في النص عن «ج».
(٤) على الأمرين معا وهما: النفقة، وترك المضارة. وهذا مذهب الحنفية كما في أحكام القرآن للجصاص: (١/ ٤٠٦، ٤٠٧)، وتفسير النسفي: ١/ ١١٨.
وأورده ابن كثير في تفسيره: ١/ ٤١٨ وقال: «وهو قول الجمهور».
ونقل ابن العربي هذا القول في أحكام القرآن: ١/ ٢٠٥ عن قتادة والحسن، وقال: «ويسند إلى عمر رضي الله عنه، فأوجبوا على قرابة المولود الذين يرثونه نفقته إذا عدم أبوه في تفصيل طويل لا معنى له. وقالت طائفة من العلماء: إن قوله تعالى: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ لا يرجع إلى جميع ما تقدم كله وإنما يرجع إلى تحريم الإضرار. والمعنى: وعلى الوارث من تحريم الإضرار بالأم ما على الأب. وهذا هو الأصل فمن ادعى أنه يرجع العطف فيه إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل... ».
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ٢٩٧: «فالإجماع من الأمّة ألا يضار الوارث، والخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا؟».
وانظر تفسير القرطبي: (٣/ ١٦٩، ١٧٠)، والبحر المحيط: ٢/ ٢١٦.
(٥) معاني الزجاج: ١/ ٣١٣، معاني النحاس: ١/ ٢٢٠، وقال فيه: «وأصل «الفصال» في اللّغة التفريق، والمعنى (عن تراض) من الأبوين ومشاورة ليكون ذلك من غير إضرار منهما بالولد».
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ٢٩٨: «الضمير في أَرادا للوالدين، وفِصالًا معناه: فطاما عن الرضاع، ولا يقع التشاور ولا يجوز التراضي إلا بما لا ضرر فيه على المولود،... وتحرير القول في هذا أن فصله قبل الحولين لا يصح إلا بتراضيهما، وألا يكون على المولود ضرر، وأما بعد تمامها فمن دعا إلى الفصل فذلك له، إلا أن يكون في ذلك على الصبي ضرر».
الفطام [أو ليرضى] «١» بما لا يعلمه الآخر.
والتشاور: ليكون التراضي عن تفكر فلا تضرّ «٢» الرضيع. فسبحانه وبحمده يؤدّب الكبير ولا [يهمل] «٣» الصّغير.
تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ: أي: لأولادكم «٤» إذا أرادت الأمّ أن تتزوج وحذفت اللام، لأن الاسترضاع لا يكون إلّا للأولاد.
٢٣٥ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا: لا تشاوروهنّ بالنكاح، أو لا تنكحوهن سرا «٥».
(١) عن نسخة «ج». [.....]
(٢) في «ج» : يردّ.
(٣) في الأصل: «يمهل»، والمثبت في النّص من «ك»، ومن وضح البرهان للمؤلف.
(٤) هذا قول الزجاج في معانيه: ١/ ٣١٤، ونسبه إليه- أيضا- النحاس في معانيه: ١/ ٢٢١، والقرطبي في تفسيره: ٣/ ١٧٢.
قال النحاس في إعراب القرآن: ١/ ٣١٧: «التقدير في العربية: وإن أردتم أن تسترضعوا أجنبية لأولادكم وحذفت اللام لأنه يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف... ».
وانظر البحر المحيط: ٢/ ٢١٨، والدر المصون: (٢/ ٤٧٣، ٤٧٤).
(٥) وهو قول عبد الرحمن بن زيد.
أخرجه الطبريّ في تفسيره: ٥/ ١١٠، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٥٤، والبغوي في تفسيره: ١/ ٢١٦، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٢٧٨، والقرطبي في تفسيره: ٣/ ١٩١ عن ابن زيد أيضا.
قال النحاس في معانيه: ١/ ٢٢٨: «ولا يكون السرّ النكاح الصحيح، لأنه لا يكون إلّا بولي وشاهدين، وهذا علانية».
وقال الفخر الرازي في تفسيره: ٦/ ١٤٢: «السر ضد الجهر والإعلان، فيحتمل أن يكون السر هاهنا صفة المواعدة على شيء: ولا تواعدوهن مواعدة سرية. ويحتمل أن يكون صفة للموعود به على معنى: ولا توعدوهن بالشيء الذي يكون موصوفا بوصف كونه سرا... ».
يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ: تنقضي العدّة «١»، والكتاب ما كتب عليها من الحداد والقرار.
٢٣٦ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ: لأنّها لا تطلّق في طهر المسيس «٢».
أو لا جناح في النّفقة والمهر سوى متعة قدر المكنة، وأدنى متعة الطلاق درع وخمار «٣». وتخصيص المحسن لأنّهم الّذين يقبلونه ويعملون به.
ونصب مَتاعاً على المصدر «٤» من «متعوهنّ»، ويجوز
(١) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٩٠، وتفسير الطبري: (٥/ ١١٥، ١١٦)، وتفسير البغوي:
(١/ ٢١٦، ٢١٧)، والمحرر الوجيز: ٢/ ٣١٠، وتفسير ابن كثير: ١/ ٤٢٣.
(٢) أي في طهر جامعها فيه زوجها.
قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: ٥/ ١١٨: «والمماسّة في هذا الموضع كناية عن اسم الجماع».
(٣) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: (٥/ ١٢١، ١٢٢) عن الربيع بن أنس، وقتادة، والشعبي.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٢٨٠ عن الإمام أحمد.
قال الجصاص في أحكام القرآن: ١/ ٤٣٣: «وإثبات المقدار على اعتبار حاله في الإعسار واليسار طريقه الاجتهاد وغالب الظن، ويختلف ذلك في الأزمان أيضا لأن الله تعالى شرط في مقدارها شيئين:
- أحدهما: اعتبارها بيسار الرجل وإعساره.
- والثاني: أن يكون بالمعروف مع ذلك، فوجب اعتبار المعنيين في ذلك... »
.
وانظر الأقوال التي قيلت في مقدار المتعة في تفسير الماوردي: ١/ ٢٥٥، وتفسير البغوي: ١/ ٢١٨، وتفسير القرطبي: ٣/ ٢٠١.
(٤) ذكره أبو حيان في البحر المحيط: ٢/ ٢٣٤، والسمين الحلبي في الدر المصون: ٢/ ٤٩٠.
قال أبو حيان: «وتحريره أن المتاع هو ما يمتع به، فهو اسم له، ثم أطلق على المصدر على سبيل المجاز والعامل فيه: وَمَتِّعُوهُنَّ، ولو جاء على أصل مصدر وَمَتِّعُوهُنَّ لكان «تمتيعا».
حالا «١» من قَدَرُهُ. وحَقًّا على الحال من قوله بِالْمَعْرُوفِ، ويجوز تأكيدا لمعنى الجملة، أي: أخبركم به حقا.
٢٣٧ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ: هو الزّوج «٢» لا غير، وعفوه إذا
(١) إعراب القرآن للنحاس: ١/ ٣١٩، ومشكل الإعراب لمكي: ١/ ١٣٢، وفي البحر:
٢/ ٢٣٤: «وجوّزوا فيه أن يكون منصوبا على الحال، والعامل فيها ما يتعلق به الجار والمجرور، وصاحب الحال الضمير المستكن في ذلك العامل، والتقدير: قدر الموسع يستقر عليه في حال كونه متاعا... ».
(٢) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبريّ في تفسيره: ٥/ ١٥٧ عن عمرو بن شعيب ورفعه.
وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: (٨٤٢، ٨٤٣)، والبيهقي في سننه: (٧/ ٢٥١، ٢٥٢)، كتاب الصداق باب «من قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج». وأورده السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٦٩٩ وزاد نسبته إلى الطبراني عن عمرو بن شعيب مرفوعا، وقال: «بسند حسن».
وأخرج الطبري هذا القول أيضا عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وشريح، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القرظي، والشعبي، والضحاك، والربيع بن أنس.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: ٤/ ٢٨١، كتاب النكاح، باب «في قوله تعالى: أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وشريح، وابن المسيب، والشعبي، ونافع، ومحمد بن كعب.
وهو قول الإمام أبي حنيفة وأصحابه، كما في: أحكام القرآن للجصاص: ١/ ٤٣٩، وتفسير النسفي: ١/ ١٢١.
وقال الكيا الهراس في أحكام القرآن: ١/ ٣٠٥: «وهو أصح قولي الشافعي»
.
وقيل في الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ: الوليّ، أخرجه الطبري في تفسيره: (٥/ ١٤٦- ١٤٩) عن ابن عباس، والحسن، وعلقمة، وشريح، والشعبي، والزهري.
وانظر القولين في أحكام القرآن لابن العربي: (١/ ٢١٩، ٢٢٠)، وتفسير القرطبي:
(٣/ ٢٠٦، ٢٠٧)، وتفسير ابن كثير: (١/ ٤٢٥، ٤٢٦).
ورجح الطبري في تفسيره: ٥/ ١٥٨ الأول بقوله: «وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: المعني بقوله: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ، الزوج. وذلك لإجماع الجميع على أن وليّ جارية بكر أو ثيب صبية صغيرة كانت أو مدركة كبيرة، لو أبرأ زوجها من مهرها قبل طلاقها إياها، أو وهبه له أو عفا له عنه إن إبراءه ذلك وعفوه له عنه باطل، وأن صداقها عليه ثابت ثبوته قبل إبرائه إياه منه... ».
وأبهمت الصلاة الوسطى١ مع فضلها ليحافظ على الصلوات ولهذا أخفيت ليلة القدر٢.
١ يشير إلى قوله تعالى: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين] سورة البقرة: الآية ٢٣٨..
٢ انظر الجامع لأحكام القرآن ج٣ ص٢١٢..
سلّم كلّ المهر لا [يرتجع] «١» النصف بالطّلاق، أو إن لم يسلّم وفّاه كملا، كأنه من عفوت الشّيء إذا وفرته وتركته حتى يكثر «٢».
وفي الحديث «٣» :«ويرعون عفاءها»، والعفاء: ما ليس لأحد فيه ملك».
وأبهمت الصّلاة الوسطى مع فضلها ليحافظ على الصّلوات، ولهذا أخفيت ليلة القدر.
٢٣٩ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا: صلّوا على أرجلكم، أو على ركابكم «٥» وقوفا ومشاة وسمّي الرّاجل لأنّه يستعمل رجله في المشي «٦».
٢٤٠ غَيْرَ إِخْراجٍ: نصب على صفة «المتاع» «٧».
[١٥/ أ] فَإِنْ خَرَجْنَ: أي: بعد/ الحول، أو قبل الحول إذا سكنّ في بيوتهن.
فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ: في قطع نفقة السّكنى.
والوصية للأزواج والعدّة إلى الحول منسوختان «٨»، ومن لا يرى
(١) في الأصل: «يرتجعه»، والمثبت في النص عن «ك» و «ج».
(٢) غريب الحديث للخطابي: ٢/ ٢٩٣، واللسان: ١٥/ ٧٦ (عفا).
(٣) ذكره ابن الجوزي في غريب الحديث: ٢/ ١٠٩، وابن الأثير في النهاية: ٣/ ٢٦٦.
(٤) اللسان: ١٥/ ٧٩ (عفا). [.....]
(٥) من قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ البقرة:
٢٣٨.
(٦) من قوله تعالى: أَوْ رُكْباناً.
(٧) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٩٢، ومفردات الراغب: ١٩٠، والبحر المحيط:
٢/ ٢٤٣.
(٨) أي نسخت الوصية بنزول الفرائض، ونسخت العدة إلى الحول بالأربعة أشهر وعشرا. أما نسخ الوصية فبقوله تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ سورة النساء: ١٢. وأما نسخ العدة إلى الحول فبقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً البقرة: ٢٣٤، ومن القائلين بنسخ هذه الآية: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقتادة وعكرمة، والربيع بن أنس، وابن زيد، والضحاك، وعطاء.
ينظر تفسير الطبري: (٥/ ٢٥٤- ٢٥٦)، والمحرر الوجيز: ٢/ ٣٤٠، ونواسخ القرآن لابن الجوزي: (٢١٤- ٢١٦)، وتفسير القرطبي: ٣/ ٢٢٦، والدر المنثور: (١/ ٧٣٨، ٧٣٩)، ورجح الطبري هذا القول في تفسيره: ٥/ ٢٥٩، وكذا القرطبي: ٣/ ٢٢٧.
النّسخ «١» قال: إنها في وصيتهم على عادة الجاهلية حولا، فبيّن الله أنّ وصيّتهم لا تغيّر حكم الله في تربّص أربعة أشهر وعشرا.
٢٤٥ فَيُضاعِفَهُ رفعه للعطف على يُقْرِضُ اللَّهَ «٢»، والنّصب على جواب الاستفهام بالفاء «٣»، إلّا أنّ فيه معنى الجزاء، أي: من يقرض الله فالله يضاعفه وجواب الجزاء بالفاء مرفوع «٤».
يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ: يقبض الصّدقة، ويبسط الجزاء «٥»، أو يقبض الرزق على بعض ويبسطها على بعض ليأتلفوا بالاختلاف.
(١) وهو قول مجاهد كما أخرج الإمام البخاري في صحيحه: ٥/ ١٦٠، كتاب التفسير، باب قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ، وأخرجه الطبري في تفسيره ٥/ ٢٥٨ عن مجاهد أيضا.
(٢) قرأ بالرفع نافع، وحمزة، والكسائي، وأبو عمرو، وابن كثير.
ينظر السبعة لابن مجاهد: (١٨٤، ١٨٥)، والحجة لأبي علي الفارسي: ٢/ ٣٤٤، وحجة القراءات: ١٣٩، والكشف لمكي: ١/ ٣٠٠.
ورجح الطبري في تفسيره: ٥/ ٢٨٧ قراءة الرفع، وكذا الفارسي في الحجة: (٢/ ٣٤٤، ٣٤٥).
(٣) معاني القرآن للزجاج: ١/ ٣٢٤، ومشكل الإعراب لمكي، والبيان لابن الأنباري:
١/ ١٦٤، والتبيان للعكبري: ١/ ١٩٤، الدر المصون: ٢/ ٥٠٩.
وقراءة النصب وإثبات الألف قراءة عاصم، وأما ابن عامر فقرأ من غير ألف وبالنصب والتشديد.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ١٨٥، والحجة لأبي علي الفارسي: ٢/ ٣٤٤، وحجة القراءات: ١٣٩، والكشف لمكي: ١/ ٣٠٠.
(٤) ينظر تفسير الطبري: (٥/ ٢٨٧، ٢٨٨)، والحجة للفارسي: (٢/ ٣٤٤، ٣٤٥).
(٥) هو قول الزجاج في معانيه: ١/ ٣٢٥، ونقله عنه الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٦٢.
قال الزجاج: «وإخلافها جائز أن يكون ما يعطى من الثواب في الآخرة، وجائز أن يكون مع الثواب أن يخلفها في الدنيا».
٢٤٦
هَلْ عَسَيْتُمْ: هل ظننتم «١» إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا إذ كلّ ما في القرآن من (عسى) على التوحيد فهو على وجه الخبر، وما هو على الجمع فعلى الاستفهام.
٢٤٨ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ: إذ كانوا فقدوه فأتاهم به الملائكة «٢».
فِيهِ سَكِينَةٌ: أي: في إتيانه بعد الافتقاد كما قال رسولهم.
وقيل «٣» : كانت فيه صورة يتيمّن بها في الخطوب والحروب.
(١) في مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٧٧، وتفسير الطبري: ٥/ ٣٠٠: «هل تعدون».
قال السمين الحلبي في الدر المصون: ٢/ ٥١٦: «واعلم أن مدلول «عسى» إنشاء لأنها للترجي أو للإشفاق، فعلى هذا: فكيف دخلت عليها «هل» التي تقتضي الاستفهام؟
فالجواب أن الكلام محمول على المعنى».
وقال الزمخشري في الكشاف: ١/ ٣٧٨: «والمعنى: هل قاربتم أن لا تقاتلوا، يعني: هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون، أراد أن يقول: عسيتم أن لا تقاتلوا، بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل «هل» مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون، وأراد بالاستفهام التقرير، وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ [سورة الإنسان: آية: ١] معناه التقرير».
وأورد السمين الحلبي قول الزمخشري الذي تقدم ثم قال: «وهذا من أحسن الكلام، وأحسن من قول من زعم أنها خبر لا إنشاء، مستدلا بدخول الاستفهام عليها».
(٢) هذا معنى قوله تعالى: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ... الآية، وانظر هذه القصة في تفسير الطبري:
٥/ ٣٢١.
(٣) ينظر الأقوال في المراد ب «السكينة» في هذه الآية في تفسير الطبري: (٥/ ٣٢٦- ٣٢٩)، وتفسير الماوردي: ١/ ٢٦٣، وتفسير البغوي: ١/ ٢٢٩، وزاد المسير: ١/ ٢٩٤، وتفسير ابن كثير: ١/ ٤٤٥.
وعقّب الطبري- رحمه الله- على هذه الأقوال بقوله: «وأولى هذه الأقوال بالحق في معنى «السكينة» ما قاله عطاء بن أبي رباح: من الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي يعرفونها.
وذلك أن «السكينة» في كلام العرب «الفعلية»، من قول القائل: «سكن فلان إلى كذا وكذا» إذا اطمأن إليه وهدأت عنده نفسه».
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ٣٦١: «والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك، وتأنس به وتقوى... ».
وَبَقِيَّةٌ: قيل «١» إنها الكتب، وقيل «٢» : عصا موسى وعمامة هارون.
٢٤٩ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ: ليعلم أن من يخالف بالشرب من النهر لا يواقف العدو فيجرد العسكر عنه.
والغرفة «٣» - بالفتح- لمرة واحدة «٤»، وبالضم اسم ما اغترف.
إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ: وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد أصحاب بدر «٥».
(١) لعله يريد بالكتب الألواح التي ألقاها موسى عليه السلام بعد أن رجع إلى قومه فرآهم قد عبدوا العجل.
وقد أخرج الطبري في تفسيره: ٥/ ٣٣١ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن «البقية» هي رضاض الألواح.
وانظر المحرر الوجيز: ٢/ ٣٦١، وزاد المسير: ١/ ٢٩٥، وتفسير القرطبي: ٣/ ٢٤٩.
(٢) ورد هذا المعنى في خبر ذكره السيوطي في الدر المنثور: ١/ ٧٥٨ وعزا إخراجه إلى إسحاق بن بشر في «المبتدأ» وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأورد الطبري- رحمه الله- في تفسيره: (٥/ ٣٣١- ٣٣٤) عدة أقوال في المراد ب «البقية» ثم قال: «وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن التابوت الذي جعله آية لصدق قول نبيه صلّى الله عليه وسلّم الذي قال لأمته: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً إن فيه سكينة منه وبقية من تركة آل موسى وآل هارون. وجائز أن تكون تلك البقية: العصا، وكسر الألواح، والتوراة، أو بعضها... وذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج ولا اللّغة، ولا يدرك على ذلك إلا بخبر يوجب عنه العلم. ولا خبر عند أهل الإسلام في ذلك للصفة التي وصفنا، وإن كان كذلك، فغير جائز فيه تصويب قول وتضعيف آخر غيره، إذ كان جائزا فيه ما قلنا من القول». [.....]
(٣) من قوله تعالى: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ.
(٤) تفسير الطبري: ٥/ ٣٤٢، والصحاح: ٤/ ١٤١٠، واللسان: ٩/ ٢٦٣ (غرف).
وقرأ بالفتح ابن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، ونافع.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ١٨٧، والحجة لأبي علي الفارسي: ٢/ ٣٥٠، وحجة القراءات: ١٤٠، والكشف لمكي: ١/ ٣٠٣.
(٥) ورد في رواية أخرجها الإمام البخاري في صحيحه: ٥/ ٥، كتاب المغازي، باب «عدة أصحاب بدر» عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «كنا أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا النهر ولم يجاوز معه إلّا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة».
وانظر مسند الإمام أحمد: ٤/ ٢٩٠ عن البراء، وتفسير الطبري: (٥/ ٣٤٦- ٣٥١) عن البراء، وقتادة، والسدي.
يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ: يحدّثون أنفسهم به، وهو أصل الظن، ولذلك صلح للشك واليقين «١».
٢٥٣ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا: مشيئة الإلجاء «٢»، أو مشيئة الصّرفة والصّرفة مشيئة مفتنة «٣».
٢٥٤ لا بَيْعٌ فِيهِ: خصّ البيع لما في البيع من المعاوضة فيكون كالفداء
(١) فهو من الأضداد.
ينظر ثلاثة كتب في الأضداد للأصمعي: ٣٤، والسجستاني: (٧٦، ٧٧)، وابن السكيت:
١٨٨، وتفسير الطبري: ٥/ ٣٥٢، والأضداد لابن الأنباري: ٣، واللسان: ١٣/ ٢٧٢ (ظنن).
(٢) الصّرفة: رأى للمعتزلة يقول إن العبد قادر على فعل الشيء، لكنه صرف عنه، كقولهم بأن العرب كانت تستطيع الإتيان بمثل القرآن لكن الله سبحانه وتعالى صرفهم عن ذلك في ذلك الوقت، مع قدرتهم على القول بمثله.
ينظر المغني للقاضي عبد الجبار: (١٦/ ٢٤٦- ٢٥٢) وقد ردّ العلماء رأي المعتزلة هذا، ومن أبرزهم الباقلاني في إعجاز القرآن: (٢٩- ٣١)، والفخر الرازي في تفسيره: ٦/ ٢٢٠ الذي أجاب عن شبهة المعتزلة بقوله: «إن أنواع المشيئة وإن اختلفت وتباينت إلّا أنها مشتركة في عموم كونها مشيئة، والمذكور في الآية في معرض الشرط هو المشيئة من حيث إنها مشيئة، لا من حيث إنها مشيئة خاصة، فوجب أن يكون هذا المسمى حاصلا، وتخصيص المشيئة بمشيئة خاصة، وهي إما مشيئة الهلاك، أو مشيئة سلب القوى والقدر، أو مشيئة القهر والإجبار، تقييد للمطلق وهو غير جائز، وكما أن هذا التخصيص على خلاف ظاهر اللفظ فهو على خلاف الدليل القاطع، وذلك لأن الله تعالى إذا كان عالما بوقوع الاقتتال، والعلم بوقوع الاقتتال حال عدم وقوع الاقتتال جمع بين النفي والإثبات، وبين السلب والإيجاب، فحال حصل العلم بوجود الاقتتال لو أراد عدم الاقتتال لكان قد أراد الجمع بين النفي والإثبات وذلك محال، فثبت أن ظاهر الآية على ضد قولهم، والبرهان القاطع على ضد قولهم» اهـ.
(٣) في «ك» :«مسألة مفتنة»، وفي وضح البرهان: ١/ ٢١٩: «والصّرفة مسألة كلامية مفتنة».
من العذاب كقوله «١» : وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ.
٢٥٥ الْقَيُّومُ: القائم بتدبير خلقه «٢».
والسّنة «٣» في الرأس، والنّوم في العين.
كُرْسِيُّهُ: علمه «٤»، يقال للعلماء: كراسي «٥». وقيل/: قدرته [١٥/ ب] بدليل قوله: وَلا يَؤُدُهُ: أي: ولا يثقله.
وقيل «٦» : الكرسيّ جسم عظيم يحيط بالسماوات إحاطة السماء بالأرض والعرش أعظم منه كهو من السماوات.
الطاغوت «٧» : الشيطان وكل مارد من إنس وجان «٨».
(١) سورة الأنعام: آية: ٧٠.
(٢) نقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٦٩ عن قتادة.
وانظر معاني الزجاج ١/ ٣٣٦، ومعاني النحاس: ١/ ٢٥٩، وزاد المسير: ١/ ٣٠٢.
(٣) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٧٨: «السّنة: النّعاس».
وينظر معاني الزجاج: ١/ ٣٣٧، ومعاني النحاس: ١/ ٢٦١، وتفسير المشكل لمكي:
١١٨، وقال الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٦٩: «السّنة: النعاس في قول الجميع، والنعاس ما كان في الرأس، فإذا صار في القلب صار نوما».
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره: ٥/ ٣٩٧ عن ابن عباس.
ونقل الأستاذ محمود محمد شاكر في هامش تفسير الطبري: ٥/ ٤٠١ عن الأزهري قال:
«والصحيح عن ابن عباس ما رواه عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: «الكرسي موضع القدمين، وأما العرش فإنه لا يقدر قدره». قال: وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها. قال: ومن روى عنه في الكرسي أنه العلم، فقد أبطل». وهذا هو قول أهل الحق إن شاء الله.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٢٧٠، وزاد المسير: ١/ ٣٠٤.
(٥) قال الطبري في تفسيره: ٥/ ٤٠٢: «وأصل «الكرسي» العلم. ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب «كراسة»... ومنه يقال للعلماء «الكراسي»، لأنهم المعتمد عليهم... ».
وانظر هذا المعنى الذي أورده المؤلف- رحمه الله- في تفسير الماوردي: ١/ ٢٧٠.
(٦) ذكر نحوه الفخر الرازي في تفسيره: ٧/ ١٢ دون عزو.
(٧) في قوله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة: ٢٥٦.
(٨) في مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٧٩: «الطاغوت: الأصنام، والطواغيت من الجن والإنس شياطينهم».
وأخرج الطبري في تفسيره: (٥/ ٤١٦، ٤١٧) عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «الطاغوت: الشيطان». وأخرج مثله عن مجاهد، والشعبي، وقتادة، والضحاك، والسّدّي.
قال الطبري رحمه الله: «والصواب من القول عندي في «الطاغوت» أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء».
وانظر المحرر الوجيز: (٢/ ٣٩٢، ٣٩٣)، وتفسير الفخر الرازي: ٦/ ١٧. [.....]
[ بالطاغوت ] الشيطان، وكل ما رد من إنس وجن١. فعلوت٢ منه الطغيان قلبت لام طغيوت إلى موضع العين فانقلبت ألفا٣. والعروة الوثقى : الإيمان٤، شبه المعنى بالصورة المحسوسة مجازا٥.
١ في أ وجان. وانظر جامع البيان ج٣ ص١٨، ١٩..
٢ في ب فلعوت..
٣ وإليه ذهب أبوعلي الفارسي وتوضيح ذلك أن لام "طغيوت" وهي "الياء" قلبت إلى موضع العين وهي "الغين" فصارت "طيغوت" ثم انقلبت الياء ألفا فصارت "طاغوت".
انظر الجامع لأحكام القرآن ج٣ ص٢٨١..

٤ وهو مروي عن مجاهد وغيره انظر جامع البيان ج٣ ص٢٠..
٥ أي: شبه حال المستمسك بالإيمان بحال من أمسك بعروة وثقى من حبل محكم..
فعلوت «١» من الطّغيان قلبت لام طغووت إلى موضع العين وانقلبت ألفا «٢».
والعروة الوثقى: الإيمان «٣»، شبه المعنى بالصورة المحسوسة مجازا.
٢٥٨ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ: «إلى» هنا للتعجب لأنها للنهاية فالمعنى:
هل انتهت رؤيتك إلى من هذه صفته ليدلّ على بعد وقوع مثله.
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ: ليس بانتقال «٤»، ولكن لمّا عاند نمروذ حجة الإحياء بتخلية واحد وقتل آخر، كلّمه من وجه لا يعاند، وكانوا أصحاب تنجيم، وحركة الكواكب من المغرب إلى المشرق معلومة لهم، والحركة الشرقية المحسوسة [لنا] «٥» قسريّة كتحريك الماء النّمل على الرّحى «٦» إلى غير جهة حركة النّمل فقال: إنّ ربي يحرّك الشمس قسرا على
(١) في «ج» : فلعوت.
(٢) ينظر تفسير الطبري: ٥/ ٤١٩، وتفسير الفخر الرازي: ٧/ ١٦، والدر المصون: ٢/ ٥٤٨.
(٣) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٥/ ٤٢١، وابن أبي حاتم في تفسيره: ١٠٠٠ (سورة البقرة) عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٢٣، وزاد نسبته إلى سفيان وعبد بن حميد عن مجاهد أيضا.
(٤) أي ليس بانتقال من دليل إلى آخر. ينظر تفسير الفخر الرازي: ٧/ ٢٦، وعصمة الأنبياء له:
(٦٠- ٦٢).
(٥) في الأصل: «لها» والمثبت في النص عن «ج».
(٦) الرّحى: الأداة التي بطحن بها.
النهاية: ٢/ ٢١١، واللسان: ١٤/ ٣١٢ (رحا).
غير حركتها فإن كنت ربّا فحرّكها بحركتها فهو أهون.
فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ: أي دهش «١».
٢٥٩ لَمْ يَتَسَنَّهْ: إن قلت: سانيته مساناة «٢» وجمعته على سنوات، فالهاء للوقف «٣».
وإن قلت: سانهت «٤» وجمعت على سنهات فالهاء لام الفعل «٥»، أي: لم يتغير باختلاف السّنين، أو لم يتصبّب، أي هو على حاله وكما تركته، فيكون لم يتسن: لم يأخذ سننا أو سنّة الطريق.
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً: علامة في إحياء الموتى. وقيل «٦» : بل الآية أنه
(١) قال الجوهري في الصحاح: ١/ ٢٤٤ (بهت) :«وبهت الرجل- بالكسر- إذا دهش وتحيّر.
وبهت- بالضم- مثله، وأفصح منها بهت، كما قال جل ثناؤه: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ لأنه يقال رجل مبهوت ولا يقال باهت ولا بهيت»
.
وانظر تفسير الماوردي: ١/ ٢٧٤، ومفردات الراغب: ٦٣، وتفسير الفخر الرازي:
٧/ ٢٩، وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٧٩: «فبهت: انقطع، وذهبت حجته... ».
(٢) نقل القرطبي في تفسيره: ٣/ ٢٩٣ عن المهدوي قال: «ويجوز أن يكون أصله من سانيته مساناة، أي عاملته سنة بعد سنة».
(٣) معاني الفراء: ١/ ١٧٢، وتفسير الطبري: ٥/ ٤٦٠، ومعاني الزجاج: ١/ ٣٤٣، والبحر المحيط: ٢/ ٢٩٢، والدر المصون: ٢/ ٥٦٣، وقرأ حمزة والكسائي: لم يتسنّ بحذف الهاء في الوصل، وإثباتها في الوقف.
ينظر السبعة: ١٨٩، والحجة لأبي علي الفارسي: ٢/ ٣٦٩، والكشف لمكي: ١/ ٣٠٧.
قال الطبري- رحمه الله-: «ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يَتَسَنَّهْ زائدة صلة، كقوله: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وجعل «تفعلت» منه: «تسنيت تسنيا»، واعتل في ذلك بأن «السنة» تجمع «سنوات»، فيكون «تفعلت» على صحة». وقال مكي: «وحجة من حذف الهاء في الوصل أن الهاء جيء بها للوقف، لبيان حركة ما قبلها ولذلك سمّيت هاء السكت... ».
(٤) من سنهت النخلة وتسنّهت: إذا أتت عليها السنون. الصحاح: ٦/ ٢٢٣٥ (سنه).
(٥) تفسير الطبري: ٥/ ٤٦١، ومعاني الزجاج: ١/ ٣٤٣، والدر المصون: ٢/ ٥٦٤. ومن قال بمعنى هذا الاشتقاق قرأ بإثبات الهاء في الوصل والوقف. وهي قراءة عامة قراء أهل المدينة والحجاز كما في تفسير الطبري، والسبعة: (١٨٨، ١٨٩)، والكشف: ١/ ٣٠٧.
(٦) نقله ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣١١ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
- وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ٤١١: «وفي إماتته هذه المدة ثم إحيائه أعظم آية، وأمره كله آية للناس غابر الدهر لا يحتاج إلى تخصيص بعض ذلك دون بعض».
كان ابن أربعين سنة وابنه كان ابن مائة وعشرين سنة.
نُنْشِزُها: نرفع بعضها إلى بعض «١»، والنّشز: المكان المرتفع «٢».
ونشوز المرأة ترفّعها «٣».
٢٦٠ كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى: سببه «٤» أنه رأى جيفة استهلكت في الرياح، فأحبّ معاينة إحيائها ليقوى اليقين بالمشاهدة، فيكون ألف أَوَلَمْ تُؤْمِنْ [١٦/ أ] بالتقدير «٥» أي: قد آمنت فلم تسأل هذا؟ فقال: ليطمئن قلبي/ بمشاهدة ما أعلمه «٦». أو أعلم أني خليلك مستجاب الدعوة «٧».
وقرئت الآية عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقيل: شك إبراهيم ولم يشك نبينا. فقال- عليه السلام-: «أنا أحق بالشك منه» «٨». وإنما قاله تواضعا وتقديما، أي:
(١) هذا قول اليزيدي في كتابه غريب القرآن: (٩٧، ٩٨)، وفي تفسير الطبري: ٥/ ٤٧٥:
«بمعنى وانظر كيف نركب بعضها على بعض، وننقل ذلك إلى مواضع من الجسم وانظر معاني النحاس: (١/ ٢٨١، ٢٨٢).
(٢) تفسير الطبري: ٥/ ٤٧٦، ومعاني الزجاج: ١/ ٣٤٤، ومعاني النحاس: ١/ ٢٨٢، وتهذيب اللغة: ١١/ ٣٠٥، واللسان: ٥/ ٤١٧ (نشز). [.....]
(٣) قال الراغب في المفردات: ٤٩٣: «ونشوز المرأة بغضها لزوجها ورفع نفسها عن طاعته وعينها عنه إلى غيره»
.
(٤) ينظر ذلك في تفسير الطبريّ: ٥/ ٤٨٥، وأسباب النزول للواحدي: ١١٧، وتفسير البغوي:
١/ ٢٤٧، والدر المنثور: (٢/ ٣٢، ٣٣).
(٥) في «ج» : للتقرير.
(٦) قال النحاس في معانيه: ١/ ٢٨٣: «وهذا القول مذهب الجلة من العلماء، وهو مذهب ابن عباس والحسن».
وانظر عصمة الأنبياء للفخر الرازي: ٦٤، وتفسيره: ٧/ ٤١.
(٧) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: (٥/ ٤٨٨، ٤٨٩) عن سعيد بن جبير، والسدي.
(٨) الحديث في صحيح البخاري: ٥/ ١٦٣، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم: ١/ ١٣٣، كتاب الإيمان باب «زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة» عن أبي هريرة أيضا.
168
أنا دونه ولم أشك فكيف يشك إبراهيم «١» ؟!.
٢٦٠ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ: الدّيك، والطاوس، والغراب، والحمام «٢».
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ: قطّعهنّ «٣»، فيكون إِلَيْكَ من صلة فَخُذْ. أو معناه: أملهن «٤»، صاره يصيره ويصوره. والصّوار: قطعة من المسك «٥» من القطع، ومن إمالة حاسّة الشمّ إليها، والصّورة لأنها تميل إليها النّفوس «٦»، ولأنها على تقطيع وتقدير.
٢٦١ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ: أي: مثل أموالهم «٧».
(١) ينظر الشفا للقاضي عياض: ٢/ ٦٩٧، وفتح الباري: ٦/ ٤٧٥، كتاب الأنبياء، باب قول الله عز وجل: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ....
(٢) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ١/ ٤٦٦: «اختلف المفسرون في هذه الأربعة: ما هي؟
وإن كان لا طائل تحت تعيينها، إذ لو كان في ذلك مهم لنصّ عليه القرآن... »
.
(٣) معاني الفراء: ١/ ١٧٤، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٨٠، وغريب القرآن لليزيدي: ٩٨، ومعاني الزجاج: ١/ ٣٤٥، ومعاني النحاس: ١/ ٢٨٦.
(٤) غريب القرآن لليزيدي: ٩٨، وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٩٦: «يقال صرت الشيء فانصار، أي: أملته فمال. وفيه لغة أخرى: «صرته» بكسر الصاد».
وانظر تفسير الطبري: ٥/ ٤٩٥، ونقل الزجاج في معانيه: ١/ ٣٤٥ عن أهل اللّغة قولهم:
«معنى صرهن أملهن إليك وأجمعهن إليك». قال الزجاج: «قال ذلك أكثرهم».
ونقل النحاس في معانيه: ١/ ٢٨٦ عن الكسائي قال: «من ضمّها جعلها من صرت الشيء أملته وضممته إليّ، وصر وجهك إليّ أي أقبل به».
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ٤٢٣: «فقد تأول المفسرون اللّفظة، بمعنى التقطيع، وبمعنى الإمالة فقوله: «إليك» على تأويل التقطيع متعلق ب فَخُذْ، وعلى تأويل الإمالة والضم متعلق ب فَصُرْهُنَّ وفي الكلام متروك يدل عليه الظاهر تقديره: فأملهن إليك وقطعهن... ».
(٥) ينظر معاني القرآن للنحاس: ١/ ٢٨٧، وتهذيب اللغة: ١٢/ ٢٢٨، والنهاية: ٣/ ٥٩.
(٦) في تهذيب اللّغة: ١٢/ ٢٢٨ عن الليث: «الصّور: الميل، والرجل يصور عنقه إلى الشيء:
إذا مال نحوه بعنقه... »
وينظر النهاية: ٣/ ٥٩، واللسان: ٤/ ٤٧٤ (صور).
(٧) قال الطبري- رحمه الله تعالى- في تفسيره: ٥/ ٥١٢: «وهذه الآية مردودة إلى قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: ٢٤٥].
ونقل ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣١٦ عن ثعلب قال: «إنما المثل- والله أعلم- للنفقة، لا للرجال، ولكن العرب إذا دل المعنى على ما يريدون، حذفوا، مثل قوله تعالى:
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ فأضمر «الحب»
لأن المعنى معلوم، فكذلك ها هنا. أراد:
مثل الذين ينفقون أموالهم... ».
169
أنا دونه ولم أشك فكيف يشك إبراهيم «١» ؟!.
٢٦٠ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ: الدّيك، والطاوس، والغراب، والحمام «٢».
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ: قطّعهنّ «٣»، فيكون إِلَيْكَ من صلة فَخُذْ. أو معناه: أملهن «٤»، صاره يصيره ويصوره. والصّوار: قطعة من المسك «٥» من القطع، ومن إمالة حاسّة الشمّ إليها، والصّورة لأنها تميل إليها النّفوس «٦»، ولأنها على تقطيع وتقدير.
٢٦١ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ: أي: مثل أموالهم «٧».
(١) ينظر الشفا للقاضي عياض: ٢/ ٦٩٧، وفتح الباري: ٦/ ٤٧٥، كتاب الأنبياء، باب قول الله عز وجل: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ....
(٢) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ١/ ٤٦٦: «اختلف المفسرون في هذه الأربعة: ما هي؟
وإن كان لا طائل تحت تعيينها، إذ لو كان في ذلك مهم لنصّ عليه القرآن... »
.
(٣) معاني الفراء: ١/ ١٧٤، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٨٠، وغريب القرآن لليزيدي: ٩٨، ومعاني الزجاج: ١/ ٣٤٥، ومعاني النحاس: ١/ ٢٨٦.
(٤) غريب القرآن لليزيدي: ٩٨، وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٩٦: «يقال صرت الشيء فانصار، أي: أملته فمال. وفيه لغة أخرى: «صرته» بكسر الصاد».
وانظر تفسير الطبري: ٥/ ٤٩٥، ونقل الزجاج في معانيه: ١/ ٣٤٥ عن أهل اللّغة قولهم:
«معنى صرهن أملهن إليك وأجمعهن إليك». قال الزجاج: «قال ذلك أكثرهم».
ونقل النحاس في معانيه: ١/ ٢٨٦ عن الكسائي قال: «من ضمّها جعلها من صرت الشيء أملته وضممته إليّ، وصر وجهك إليّ أي أقبل به».
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ٤٢٣: «فقد تأول المفسرون اللّفظة، بمعنى التقطيع، وبمعنى الإمالة فقوله: «إليك» على تأويل التقطيع متعلق ب فَخُذْ، وعلى تأويل الإمالة والضم متعلق ب فَصُرْهُنَّ وفي الكلام متروك يدل عليه الظاهر تقديره: فأملهن إليك وقطعهن... ».
(٥) ينظر معاني القرآن للنحاس: ١/ ٢٨٧، وتهذيب اللغة: ١٢/ ٢٢٨، والنهاية: ٣/ ٥٩.
(٦) في تهذيب اللّغة: ١٢/ ٢٢٨ عن الليث: «الصّور: الميل، والرجل يصور عنقه إلى الشيء:
إذا مال نحوه بعنقه... »
وينظر النهاية: ٣/ ٥٩، واللسان: ٤/ ٤٧٤ (صور).
(٧) قال الطبري- رحمه الله تعالى- في تفسيره: ٥/ ٥١٢: «وهذه الآية مردودة إلى قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: ٢٤٥].
ونقل ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣١٦ عن ثعلب قال: «إنما المثل- والله أعلم- للنفقة، لا للرجال، ولكن العرب إذا دل المعنى على ما يريدون، حذفوا، مثل قوله تعالى:
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ فأضمر «الحب»
لأن المعنى معلوم، فكذلك ها هنا. أراد:
مثل الذين ينفقون أموالهم... ».
وَاللَّهُ واسِعٌ: أي: واسع الفضل بالتضعيف عليهم.
٢٦٢ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ: في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما «١».
٢٦٣ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ: ردّ حسن، وَمَغْفِرَةٌ: ستر الفقر على السائل «٢»، أو التجافي عما يبدر منه عند الرّدّ «٣».
٢٦٤ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ: صفته صفة حجر أملس.
والصّفوان جمع صفوانة، والصّفا جمع صفاة «٤».
والصّلد: الأرض [التي] «٥» لا تنبت شيئا «٦»، وزند صلاد لا ينقدح «٧».
(١) نقله الواحدي في أسباب النزول: ١١٩، والبغوي في تفسيره: ١/ ٢٤٩ عن الكلبي، ونسبه ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ٤٢٩ إلى مكي بن أبي طالب القيسي. وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣١٦ إلى مقاتل وابن السائب الكلبي. [.....]
(٢) تفسير الماوردي: ١/ ٢٨١، وتفسير البغوي: ١/ ٢٥٠، والمحرر الوجيز: ٢/ ٤٣١.
(٣) تفسير البغوي: ١/ ٢٥٠.
(٤) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٨٢، وقال الطبريّ في تفسيره: ٥/ ٥٢٤: «والصفوان هو الصفا، وهي الحجارة الملس». وانظر هذا المعنى في معاني الأخفش: ١/ ٣٨٥، وتفسير القرطبي: ٣/ ٣١٣.
(٥) في الأصل: «الذي»، والمثبت في النص من «ج».
(٦) مجاز القرآن: ١/ ٨٢، وتفسير الطبري: ٥/ ٥٢٤، ومفردات الراغب: ٢٨٥، وتفسير القرطبي: ٣/ ٣١٣، واللسان: ٣/ ٢٥٧ (صلد).
(٧) قال الجوهري في الصحاح: ٢/ ٤٩٨ (صلد) :«وصلد الزند يصلد- بالكسر- صلودا إذا صوّت ولم يخرج نارا. وأصلد الرجل: أي صلد زنده».
وينظر اللسان: ٣/ ٢٥٧، وتاج العروس: ٨/ ٢٩١ (صلد)، ونقل الزبيدي عن أبي عمرو قال: «ويقال للبخيل: صلدت زناده».
وفي الحديث «١» :«خرج اللّبن من طعنة عمر أبيض يصلد» أي: يبرق ويبصّ.
٢٦٦ إِعْصارٌ: أعاصير الرّياح: زوابعها «٢»، كأنها تلتف بالنّار التفاف الثّوب المعصور بالماء. وعطف «أصاب» على «يودّ» لأنّ «يود» يتضمن التمني، والتمني يتناول الماضي والمستقبل «٣».
٢٦٧ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ: لا تقصدوا رذال المال وحشف «٤» التمر في الزكاة.
(١) أخرج نحوه ابن قتيبة في غريب الحديث: ١/ ٦٢٣ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
واللّفظ عنده: «أن الطبيب من الأنصار سقاه لبنا حين طعن، فخرج من الطعنة أبيض يصلد».
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ١/ ٧١، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: ٩/ ٨١ وقال: رجاله رجال الصحيح.
والحديث- أيضا- في الفائق: ٢/ ٣١١، وغريب الحديث لابن الجوزي: ١/ ٥٩٩، والنهاية: ٣/ ٤٦.
(٢) قال الزجاج في معانيه: ١/ ٣٤٩: «الإعصار: الريح التي تهب من الأرض كالعمود إلى السماء، وهي التي تسميها الناس الزوبعة، وهي ريح شديدة، لا يقال إنها إعصار حتى تهبّ بشدة.
قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
وانظر معاني النحاس: ١/ ٢٩٥، وتهذيب اللّغة: ٢/ ١٥، واللسان: ٤/ ٥٧٨ (عصر).
(٣) هذا جواب الفراء في معانيه: ١/ ١٧٥ على الإشكال في عطف الماضي على المستقبل.
فحمل العطف على المعنى. وقال الزمخشري في الكشاف: ١/ ٣٩٦: إن «الواو»
للحال لا للعطف، ومعناه: أيود أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر».
وانظر تفسير الفخر الرازي: ٧/ ٦٤، والبحر المحيط: ٢/ ٣١٤، والدر المصون:
٢/ ٥٩٧.
(٤) الحشف: اليابس الفاسد من التمر.
ينظر غريب الحديث لابن قتيبة: ٢/ ٧٤، والنهاية: ١/ ٣٩١، واللسان: ٩/ ٤٧ (حشف) وفي سبب نزول هذه الآية أخرج الإمام الترمذي في سننه: ٥/ ٢١٩، كتاب «تفسير القرآن»، باب «ومن سورة البقرة» عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «نزلت فينا معشر الأنصار، كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلّته... وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشّيص والحشف، وبالقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ قالوا: لو أنّ أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه لم يأخذ إلّا على إغماض وحياء. قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده».
قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب صحيح».
وأخرج نحوه ابن ماجة في السنن: ١/ ٥٨٣ كتاب الزكاة، باب «النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله»، والطبري في تفسيره: (٥/ ٥٥٩، ٥٦٠)، والحاكم في المستدرك:
٢/ ٢٨٥، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث غريب صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.
وأخرجه أيضا البيهقي في سننه: ٤/ ١٣٦، كتاب الزكاة، باب ما يحرم على صاحب المال من أن يعطي الصدقة شر ماله» عن البراء أيضا.
وانظر أسباب النزول للواحدي: ١٢٠، وتفسير ابن كثير: (١/ ٤٧٣، ٤٧٤)، والدر المنثور: ٢/ ٥٨).
إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ: أي: بوكس ونقصان في الثّمن «١».
٢٧١ فَنِعِمَّا هِيَ: نعم ما هي على تقدير الفاعل، ونصب «ما» على التفسير «٢»، أي: نعم الشّيء شيئا هو.
٢٧٢ ابْتِغاءَ: نصب على المفعول له.
٢٧٣ لِلْفُقَراءِ: أي: الصّدقة للفقراء.
أُحْصِرُوا: احتبسوا على التصرف لخوف الكفار «٣»، أو لحبسهم أنفسهم على العبادة «٤».
(١) قال الزجاج في معانيه: ١/ ٣٥٠: «يقول: أنتم لا تأخذونه إلا بوكس، فكيف تعطونه في الصدقة».
(٢) ذكره مكي في مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٤١، وينظر البيان لابن الأنباري: ١/ ١٧٧، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٢١، والبحر المحيط: ٢/ ٣٢٣.
(٣) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٥/ ٥٩٢، ٥٩٣) عن قتادة، وابن زيد. ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٨٧ عن قتادة وابن زيد أيضا.
(٤) ذكر ابن الجوزي هذا القول في زاد المسير: ١/ ٣٢٧ وعزاه إلى ابن عباس رضي الله عنهما، ومقاتل. [.....]
وقيل «١» : أحصروا بالمرض والجراحات [المثخنة في الجهاد] «٢» عن الضّرب في الأرض.
والضّرب: الإسراع في السير «٣»، يقال «٤» : ضربت له الأرض كلّها، أي: طلبته/ في كلّ الأرض. [١٦/ ب] لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً: لا يكون منهم سؤال فيكون [إلحافا] «٥»، لأنهم لو سألوا لم يحسبهم الجاهل بهم أغنياء.
وفي الحديث «٦» :«من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف».
٢٧٥ لا يَقُومُونَ: أي: من قبورهم «٧».
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ١١١٧ (سورة البقرة) عن سعيد بن جبير، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣٢٨ عن سعيد بن جبير، والكسائي، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
٢/ ٨٩، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه.
(٢) في الأصل: «المتخذة في الجهات». والمثبت في النص من «ك».
(٣) اللسان: ١/ ٥٤٥ (ضرب).
(٤) تهذيب اللغة: ١٢/ ٢٢ عن أبي زيد الأنصاري.
(٥) في الأصل: «إلحاف»، والمثبت في النص من «ك».
ومعنى إِلْحافاً إلحاحا كما في مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٨٣، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٩٨، وتفسير الطبري: ٥/ ٥٩٧.
(٦) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد: ٩/ ٣٣٤، وقال: «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن يونس وهو ثقة».
وأخرج النسائي في سننه: ٥/ ٩٨، كتاب الزكاة، باب «من الملحف» عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: «من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف».
وأخرج أحمد في مسنده: ٣/ ٧، وأبو داود في سننه: ٢/ ٢٧٩، كتاب الزكاة، باب «من يعطى من الصدقات، وحد الغنى» عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: «من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف».
قال الخطابي: «والأوقية عند أهل الحجاز أربعون درهما».
وانظر نص الحديث الذي أورده المؤلف في: معاني الزّجّاج: ١/ ٣٥٧، وغريب الحديث لابن الجوزي: ٢/ ٣١٧، والنهاية: ٤/ ٢٣٧.
(٧) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٩٨، تفسير الطبري: ٦/ ٨، والمحرر الوجيز: ٢/ ٤٨٠.
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ: يضربه ويصرعه «١» مِنَ الْمَسِّ: من الجنون «٢».
والخبط: ضرب البعير وصرعه بيديه «٣»، والرّمح بالرّجلين «٤»، والزّبن «٥» بالرّكبتين. وهذا الصّرع بامتلاء بطون الدماغ من رطوبات الفجّة امتلاء غير كامل. وإضافته إلى الشّيطان على مجاز إضافة الإغواء الّذي يلقي المرء في مصارع وخيمة «٦».
وفي الحديث «٧» : إنّ آكلي الربا يعرفون في الآخرة كما يعرف المجنون في الدّنيا ينهضون ويسقطون. وكلّ زيادة تؤخذ بغير بدل صورة أو معنى فهو ربا «٨».
٢٧٩ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ: لا تأخذون أكثر من رؤوس أموالكم ولا
(١) ينظر تفسير الطبري: ٦/ ٨.
(٢) معاني الفراء: ١/ ١٨٢، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٩٨، وقال الطبري في تفسيره:
٦/ ١١: ومعنى قوله: يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ يتخبله من مسّه إياه. يقال عنه: قد مسّ الرجل وألق، فهو ممسوس ومألوق... ».
وينظر معاني الزجاج: ١/ ٣٥٨، ومعاني النحاس: ١/ ٣٠٦، وزاد المسير: ١/ ٣٣٠، وتفسير القرطبي: ٣/ ٣٥٤.
(٣) تهذيب اللّغة: ٧/ ٢٤٩، ومفردات الراغب: ١٤٢، واللسان: ٧/ ٢٨٠ (خبط).
(٤) قال الأزهري في تهذيب اللّغة: ٥/ ٥٣: «ويقال رمحت الدّابّة، وكل ذي حافر يرمح رمحا إذا ضرب رجليه... » وانظر اللسان: ٢/ ٤٥٤ (رمح).
(٥) الزّبن: الدّفع.
انظر الصحاح: ٥/ ٢١٣٠، واللسان: ١٣/ ١٩٤ (زبن).
(٦) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٨٨.
(٧) لم أقف عليه مسندا.
وذكر ابن الجوزي هذا المعنى الذي أورده المؤلف- دون الإشارة إلى كونه حديثا- في زاد المسير: ١/ ٣٣٠ دون عزو، ونقله الفخر الرازي في تفسيره: (٧/ ٩٦، ٩٧) عن وهب بن منبه. [.....]
(٨) قال القرطبي- رحمه الله- في تفسيره: ٣/ ٣٤٨: «والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان:
تحريم النّساء والتفاضل في العقود... »
.
174
تنقصون منها «١».
نزلت في العبّاس وعثمان، كانا يؤخّران ويضعّفان «٢».
فَأْذَنُوا: فاعلموا «٣»، أو «آذنوا» «٤» : أعلموا، آذنه بالشّيء فأذن به.
وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ: الإعسار الواجب للإنظار هو الإعدام «٥»، أو كساد المتاع ونحوه «٦».
(١) ينظر تفسير الطبري: ٦/ ٢٨، وأحكام القرآن للجصاص: ١/ ٤٧٤، وتفسير البغوي:
١/ ٢٦٥، وتفسير الفخر الرازي: ٧/ ١٠٨.
(٢) نقل الواحدي في أسباب النزول: ١٢٥، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٣٣٢ عن عطاء وعكرمة أنهما قالا: «نزلت الآية في العباس بن عبد المطلب، وعثمان بن عفان، وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظّكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما؟
ففعلا، فلما حل الأجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنهاهما وأنزل الله تعالى هذه الآية، فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما»
.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه: ٢/ ٨٨٩، كتاب الحج، باب «حجة النبي» عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعا: «وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله... ».
(٣) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٩٨، وتفسير المشكل لمكي: ١٢٢، وتحفة الأريب: ٥٣.
(٤) جاء في هامش الأصل: «إشارة إلى قراءة بالمد».
وقرأ بالمد وكسر الذال حمزة، وعاصم في رواية شعبة.
ينظر السبعة: ١٩٢، والحجة لأبي علي الفارسي: ٢/ ٤٠٣، والكشف: ١/ ٣١٨، والدر المصون: ٢/ ٦٣٩.
قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٩٨، «ومن قرأ: فآذنوا بحرب أراد: آذنوا غيركم من أصحابكم. يقال: آذنني فأذنت».
ورجح الطبري في تفسيره: ٦/ ٢٤ القراءة الأولى، قراءة قصر الألف وفتح الذال.
(٥) الإعدام هنا: شدة الفقر.
(٦) قال ابن العربي في أحكام القرآن: ١/ ٢٤٦: «فإن قيل: وبم تعلم العسرة؟ قلنا: بأن لا نجد له مالا فإن قال الطالب: خبأ مالا. قلنا للمطلوب: أثبت عدمك ظاهرا ويحلف باطنا، والله يتولى السرائر».
وقال الفخر الرازي في تفسيره: ٧/ ١١١: «فأما من له بضاعة كسدت عليه، فواجب عليه أن يبيعها بالنقصان إن لم يكن إلا ذلك، ويؤديه في الدّين».
175
[ وإن كان ذو عسرة ] الإعسار الواجب الإنظار هو : الإعدام، أو كساد المتاع ونحوه١.
١ انظر المحرر الوجيز ج٢ ص٤٩٤..
٢٨٢ إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ: ذكر الدّين، إذ يكون تَدايَنْتُمْ: تجازيتم «١».
وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ: أي: على إقراره «٢».
وَلا يَبْخَسْ: ليشهد عليه «٣».
أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ: لخرس «٤»، أو صبا، [أو] «٥» عته «٦».
أَنْ تَضِلَّ: أن تنسى «٧».
(١) في تفسير الطبري: ٦/ ٤٦: «فإن قال قائل: وما وجه قوله: بِدَيْنٍ وقد دل بقوله: إِذا تَدايَنْتُمْ عليه؟ وهل تكون مداينة بغير دين، فاحتيج إلى أن يقال: بدين؟.
قيل: إن العرب لما كان مقولا عندها: «تداينا»
بمعنى: تجازينا، وبمعنى: تعاطينا الأخذ والإعطاء بدين أبان الله بقوله «بدين»، المعنى الذي قصد تعريف من سمع قوله:
تَدايَنْتُمْ حكمه، وأعلمهم أنه حكم الدين دون حكم المجازاة».
وينظر معاني النحاس: ١/ ٣١٤، وأورد البغوي في تفسيره: ١/ ٢٦٧ نحو قول الطبري، وقال: «وقيل ذكره تأكيدا».
(٢) تفسير الطبري: ٦/ ٥٦، وقال الفخر الرازي في تفسيره: ٧/ ١٢١: «الكتابة وإن وجب أن يختار لها العالم بكيفية كتب الشروط والسجلات لكن ذلك لا يتم إلا بإملاء من عليه الحق فليدخل في جملة إملائه اعترافه بما عليه من الحق في قدره وجنسه وصفته وأجله إلى غير ذلك... ».
(٣) في تفسير الطبري: ٦/ ٥٦، ومعاني الزّجّاج: ١/ ٣٦٢، وتفسير الفخر الرازي:
٧/ ١٢١: «أي: لا ينقص منه شيئا». وقال القرطبي في تفسيره: ٣/ ٣٨٥: «والبخس النقص».
(٤) ذكره الطبري في تفسيره: ٦/ ٥٨، ونقله الماوردي في تفسيره: ١/ ٢٩٤ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر تفسير البغوي: ١/ ٢٦٨، وتفسير الفخر الرازي: ٧/ ١٢١.
(٥) المثبت في النص عن «ك»، وفي الأصل: «و».
(٦) العته: الجنون.
(٧) ينظر معاني الفراء: ١/ ١٨٤، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٨٣، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٩٩، ومعاني الزجاج: ١/ ٣٦٣، ومعاني النحاس: ١/ ٣١٨، وتفسير الماوردي: ١/ ٢٩٥. [.....]
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً: تقع وتحدث «١»، أو تِجارَةً اسم كان وتُدِيرُونَها «٢» خبرها.
وَلا يُضَارَّ: لا يجبر على الكتابة والشّهادة «٣»، أو الكاتب والشّهيد لا يضارّان ولا يعدوان الحقّ «٤».
٢٨٦ إِنْ نَسِينا: تركنا «٥». أَوْ أَخْطَأْنا: أتينا بخطإ، كقولك: أبدعت أتيت ببدعة. خطيء خطأ: تعمد الإثم، وأخطأ: لم يتعمد «٦».
إِصْراً: ثقلا، والعهد والرّحم إصر لأنّ القيام بحقهما ثقيل، والإصر هنا: إثم العقد إذا ضيّعوا «٧».
وفي الحديث «٨» :«من بكّر وابتكر ودنا كان له كفلان من الإصر»
(١) تفسير الطبري: ٦/ ٧٩، ومعاني الزّجاج: (١/ ٣٦٥، ٣٦٦).
(٢) قرأ بالرفع القراء السبعة إلّا عاصما.
ينظر السبعة: ١٩٣، والتبصرة لمكي: ١٦٦، والتبيان للعكبري: ١/ ٢٣١، والدر المصون: ٢/ ٦٧٣.
(٣) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (٦/ ٨٨- ٩٠) عن ابن عباس، ومجاهد، والربيع، والضحاك، والسدي. وانظر هذا القول في معاني النحاس: (١/ ٣٢٣، ٣٢٤)، وتفسير الماوردي: ١/ ٢٩٦.
(٤) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: (٦/ ٨٥، ٨٦) عن الحسن، وقتادة، وطاوس، وابن زيد.
وقال الطبري رحمه الله: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك:
وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ، بمعنى ولا يضارهما من استكتب هذا أو استشهد هذا، بأن يأبى على هذا إلا أن يكتب له وهو مشغول بأمر نفسه، ويأبى هذا إلا أن يجيبه إلى الشهادة وهو غير فارغ... ».
(٥) تفسير الطبري: ٦/ ١٣٣، ومعاني الزجاج: ١/ ٣٧٠، ونقله النحاس في معانيه: ١/ ٣٣٢ عن طرب.
(٦) معاني النحاس: ١/ ٣٣٣.
(٧) نصّ هذا الكلام في معاني الفراء: ١/ ١٨٩، وانظر معاني الزّجّاج: ١/ ٣٧٠.
(٨) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وهكذا ورد في الأصل، ويبدو أنه اعتمد في ضبط اللفظة «دنأ» الهمز، وعليه جرى تفسير المؤلف لهذه اللفظة بمعنى الدناءة، وفي تاج العروس: ١/ ٢٣٠ عن كتاب المصادر: دنؤ الرجل يدنؤ دنوءا ودناءة إذا كان ماجنا، وعن أبي منصور قال: أهل اللغة: لا يهمزون دنؤ في باب الخسة وإنما يهمزون في باب المجون. اهـ. هكذا فسر الحديث بهذا السياق للحديث.
وقد جاء في نسخة «ج» ما يدل على توجيه آخر وهو المشهور من لفظ الحديث بتفسير الدنو بالقرب ففيها: «من بكر وابتكر ودنا كان له كفلان من الأجر، ومن تأخر ولغا كان له كفلان من الإصر» أي بكر إلى الجمعة وابتكر: سمع أول الخطبة، ولغا أي: هزل، واللاغي: الماجن، كان له كفلان من إثم العقد إذا ضيعه للغوه.
ينظر هذا الحديث في مسند الإمام أحمد: ٢/ ٢٠٩، وسنن ابن ماجة: ١/ ٣٤٦، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة، وسنن الترمذي: ٢/ ٣٦٨، أبواب الصلاة، باب ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة.
وانظر: في معنى الدنو بمعنى القرب في تاج العروس: ١٠/ ١٣١ (دنا).
177
[١٧/ أ] / أي: بكّر إلى الجمعة، وابتكر: سمع أول الخطبة، ودنا: هزل، والدّنيّ:
الماجن «١». كان له كفلان من إثم العقد إذا ضيّعه للغوه.
(١) الصحاح: ٦/ ٢٣٤٢، واللسان: ١٤/ ٢٧٤ (دنا).
178
Icon