ﰡ
﴿ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ ﴾ تومان ونونس ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾ فقوينا يعنى فشددنا الرسولين بثالث حين صدقهما بتوحيد الله وحين أحيا الجارية وكان اسمه شمعون وكان الحواريين وكما وصى عيسى بن مريم ﴿ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ ﴾ [آية: ١٤] فكذبوهما ولو فعلت ذلك بكم يا أهل مكة لكذبتم، فقال شمعون للذلك: أشهد أنهما رسولان أرسلهما ربك الذى فى السماء، فقال الملك لشمعون: أخبرنى بعلامة ذلك؟ فقال شمعون: إن ربى أمرنى أن أبعث لك ابنتك، فذهبوا إلى قبرها، فضرب القبر برجله، فقال: قومى بإذن إلهنا الذى فى السماء، الذى أرسلنا إلى هذه القرية واشهدى لنا على ولدك فخرجت الجارية من قبرها، فعرفوها فقالت يا أهل القرية آمنوا بهؤلاء الرسل، وإنى لأشهد أنهم أرسلوا إليكم، فإن سلمتم يغفر لكم ربكم، وإن أبيتمم ينتقم الله منكم، ثم قالت لشمعون: ردنى إلى مكانى فإن القوم لن يؤمنوا لكم، فأخذ شمعون قبضة من تراب قبرها فوضعها على رأسها، ثم قال عودى مكانك، فعادت، فلم يؤمن منهم غير حبيب النجار، كان من بنى إسرائيل، وذلك أنه حين سمع بالرسل جاء مسرعاً فآمن وترك عمله وكان قبله إيمانه مشركاً ﴿ قَالُواْ ﴾ فقال القوم للرسل: ﴿ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ﴾ [آية: ١٥] وكان فعل شمعون من الحواريين فقال شمعون: إنا إليكم مرسلون أرسلنا إليكم ربكم الذى فى السماء ما أنتم إلا بشر مثلنا ما نرى لكم علينا من فضل فى شىء وما أنزل الرحمن من شىء وما أرسل الرحمن من أحد يعنى لم يرسل رسولا الآية.
﴿ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً ﴾ لا تقد الألهة أن تشفع لى، فتكشف الضر عنى شفاعتها ﴿ وَلاَ يُنقِذُونَ ﴾ [آية: ٢٣] من الضر.﴿ إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٢٤] لفى خسران بين أن اتخذت من دون الله جل وعز آلهة فوطىء حتى خرجت معاه من دبره، فلما أمر بقتله. قال: يا قوم ﴿ إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ ﴾ [آية: ٢٥] فقتل، ثم ألقى فى البئر، وهى الرس، وهم أصحاب الرس وقتل الرس الثلاثة.
﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا ﴾ فى الأرض ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ بساتين ﴿ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ ﴾ [آية: ٣٤] الجارية.﴿ لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾ يقول: لم يكن ذلك من صنع ايديهم ولكنه من فعلنا ﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٣٥] رب هذه النعم فيوحدوه.
﴿ وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ﴾ لوقت لها إلى يوم القيامة،" قال أبو ذر الغفارى: غربت الشمس يوماً، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم أين تغرب الشمس؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " تغرب فى عين حمئة وطينة سوداء، ثم تخر ساجدة تحت العرش فتستأذن، فيأذن لها، فكأن قد قيل لها ارجعى إلى حيث تغربين " "﴿ ذَلِكَ ﴾ الذى ذكر من الليل والنهار، والشمس والقمر يجرى فى ملكه بما قدر من أمرهما وخلقهما ﴿ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ ﴾ [آية: ٣٨].
ثم قال: عز وجل: ﴿ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ﴾ فى السماء يزيد، ثم يستوى، ثم ينقص فى آخر الشهر ﴿ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ﴾ حتى عاد مثل الخيط كما يكون أول ما استهل فيه كالعرجون، يعنى العذق اليابس المنحنى ﴿ ٱلْقَدِيمِ ﴾ [آية: ٣٩] الذى أتى عليه الحول. ثم قال جل وعز: ﴿ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ ﴾ فتضىء مع القمر، لأن الشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، ثم قال عز وجل: ﴿ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ ﴾ يقول: ولا يدرك سواد الليل ضوء النهار، فيغلبه على ضوئه ﴿ وَكُلٌّ ﴾ الليل والنهار ﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [آية: ٤٠] فى دوران يجرون يعنى الشمس والقمر يدخلان تحت الأرض من قبل المغرب، فيخرجان من تحت الأرض، حتى يخرجا من قبل المشرق، ثم يجريان فى السماء حتى يغربا قبل المغرب، فهذا دورانهما، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ يقول: وكلاهما فى دوران يجريان إلى يوم القيامة.
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ ﴾ وذلك أن المؤمنين قالوا بمكة لكفار قريش، لأبى سفيان وغيره: أنفقوا على المساكين من الذى زعمتم أنه لله، وذلك أنهم كانوا يجعلون نصيباً لله من الحرث والأنعام بمكة، للمساكين، فيقولون: هذا لله بزعمهم، ويجعلون للآلهة نصيباً، فإن لم يزك ما جعلوه للآلهة من الحرث والأنعام، وزكا ما جلعوه لله عز وجل ليس للآلهة شىء، وهى تحتاج إلى نفقة، فأخذوا ما جلعوه لله، قالوا: لو شاء الله لأزكى نصيبه ولا يعطون المساكين شيئاً مما زكى لآلهتهم. فقال المؤمنون لكفار قريش: أ نفقوا ﴿ مِمَّا رِزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾ فقالت قريش: ﴿ أَنُطْعِمُ ﴾ المساكين الذى للآلهة ﴿ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾ يعنى رزقه لو شاء الله لأطعمه، وقالوا لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٤٧].
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٤٨] بأن العذاب نازل بنا فى الدنيا يقول الله عز وجل: ﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ لا مثنوية لها ﴿ تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾ [آية: ٤٩] وهم يتكلمون فى الأسواق، والمجالس، وهم أعز ما كانوا.﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ﴾ يقول: أعجلوا عن التوصية فماتوا ﴿ وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٥٠] يقول: ولا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق، فأخبر الله عز وجل بما يلقون فى الأولى.
﴿ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ فى قراءة ابن مسعود: " من ميتتنا "، قال حفظتهم من الملائكة: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ ﴾ على ألسنة، الرسل، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [آية: ٥٢].
وذكر النفخة الثانية، فقال سبحانه: ﴿ إِن ﴾ يعنى ما ﴿ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ من إسرافيل ﴿ فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ ﴾ الخلق كلهم ﴿ لَّدَيْنَا ﴾ عندنا ﴿ مُحْضَرُونَ ﴾ [آية: ٥٣] بالأرض المقدسة فلسطين لنحاسبهم.﴿ فَٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٥٤] من الكفر جزاء الكافر النار. ثم قال جل وعز: ﴿ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ فِي شُغُلٍ ﴾ يعنى شغلوا بالنعيم، بافتضاض العذارى عن ذكر أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون بهم، ثم قال جل وعز: ﴿ فَاكِهُونَ ﴾ [آية: ٥٥] فكهون يعنى معجبين بما هم فيه شغل النعيم والكرامة.
﴿ لَهُمْ فِيهَا ﴾ فى الجنة ﴿ فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ﴾ [آية: ٥٧] يتمنون ما شاءوا من الخير ﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ [آية: ٥٨] وذلك أن الملائكة تدخل على أهل الجنة من كل باب يقولون: سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم ﴿ وَٱمْتَازُواْ ﴾ واعتلزوا ﴿ ٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [آية: ٥٩] وذلك حين اختلط الإنس والجن والدواب دواب البر والبحر والطيرن فاقتص بعضهم من بعض، ثم قيل لهم: كونوا ترباً فبقى الإنس والجن خليطين إذ بعث الله عز وجل إليهم منادياً أن امتازوا اليوم يقول: اعتزلوا اليوم أيها المجرمون، من الصالحين.
فلما دنوا من النار قالت لهم خزانتها: ﴿ هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [آية: ٦٣] فى الدنيا، فلما ألقوا فى النار قالت لهم الخزنة: ﴿ ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٦٤] فى الدنيا.﴿ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ ﴾ وذلك أنهم سئلوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون، فقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله جل وعز على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم بشركهم، فذلك قوله تعالى: ﴿ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٦٥] بما كانوا يقولون من الشرك.
﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ ﴾ نزلت فى عقبة ابن أبى معيط وأصحابه، قالوا: إن القرآن شعر ﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ أن يعلمه ﴿ إِنْ هُوَ ﴾ يعنى القرآن ﴿ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ تفكر ﴿ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٦٩] بيّن.﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ يعنى لتنذر يا محمد بما فى القرآن من الوعيد ﴿ مَن كَانَ حَيّاً ﴾ من كان مهدياً في علم الله عز وجل ﴿ وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ ﴾ ويجب العذاب ﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٧٠] بتوحيد الله عز وجل.
ثم قال جل وعز: ﴿ وَٱتَّخَذُواْ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً ﴾ يعنى اللات والعزى ومناة ﴿ لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [آية: ٧٤] لكى تمنعهم ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ ﴾ لا تقدر الآلهة أن تمنعهم من العذاب. ثم قال جل وعز ﴿ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ ﴾ [آية: ٧٥] يقول كفار مكة للآلهة حزب يغضبون لها، ويحضرونها فى الدينا.