تفسير سورة سورة يس من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
ﭬ
ﰀ
التفسير وأوجه القراءة
١ - قوله ﴿يس (١)﴾ قرأ الجمهور (١): بسكون النون مظهرة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص وقالون وورش: بإدغام النون في الواو الذي بعدها، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بفتح النون، وقال الزجاج: النصب على أنه مفعول لفعل مقدر، كأنه قال: اتل يس، وهذا على مذهب سيبويه، أنه اسم للسورة، أو على البناء، وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق أيضًا والسمال ونصر بن عاصم: بكسرها على البناء أيضًا كجير، وقرأ الكلبي وهارون الأعور ومحمد بن السميقع: بضم النون على البناء كمنذ وحيث وقط، وقيل: على أنها خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذه يس، ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث، وقال الكلبي: هي بلغة طيء، يا إنسان، وقيل: الحركة لالتقاء الساكنين، الفتح لطلب الخفة كأين وكيف، والضم كحيث، والكسر على أصل التقاء الساكنين كأمسِ.
وإذا قيل إنه قسم.. فيجوز أن يكون معربًا بالنصب على ما قاله أبو حاتم، والرفع على الابتداء نحو: أمانة الله لأقومن، والجر على إضمار حرف الجر، وهو جائز عند الكوفيين، وعبارة (٢) ابن الجوزي هنا: وقرأ الحسن وأبو الجوزاء: ﴿يس (١)﴾ بفتح الياء وكسر النون، وقرأ أبو المتوكل الناجي وأبو رجاء وابن أبي عبلة بفتح الياء والنون جميعًا، وقرأ أبو حصين الأسدي بكسر الياء وإظهار النون. قال الزجاج: والذي عند أهل العربية أن هذا بمنزلة افتتاح السور، وبعض العرب يسن، والقرآن بفتح النون، وهذا جائز في العربية لوجهين:
أحدهما: أن يس اسم للسورة، فكأنه قال: اتل يس، وهو على وزن هابيل وقابيل لا ينصرف.
والثاني: فتح لالتقاء الساكنين، والتسكين أجود؛ لأنه حرف هجاء. انتهى.
وقال صاحب "الروح": ﴿يس (١)﴾ إما مسرود (٣) على نمط التعديد، فلا حظ له من الإعراب أو اسم للسورة، وعليه الأكثر، فمحله الرفع على أنه خبر مبتدأ
١ - قوله ﴿يس (١)﴾ قرأ الجمهور (١): بسكون النون مظهرة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص وقالون وورش: بإدغام النون في الواو الذي بعدها، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بفتح النون، وقال الزجاج: النصب على أنه مفعول لفعل مقدر، كأنه قال: اتل يس، وهذا على مذهب سيبويه، أنه اسم للسورة، أو على البناء، وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق أيضًا والسمال ونصر بن عاصم: بكسرها على البناء أيضًا كجير، وقرأ الكلبي وهارون الأعور ومحمد بن السميقع: بضم النون على البناء كمنذ وحيث وقط، وقيل: على أنها خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذه يس، ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث، وقال الكلبي: هي بلغة طيء، يا إنسان، وقيل: الحركة لالتقاء الساكنين، الفتح لطلب الخفة كأين وكيف، والضم كحيث، والكسر على أصل التقاء الساكنين كأمسِ.
وإذا قيل إنه قسم.. فيجوز أن يكون معربًا بالنصب على ما قاله أبو حاتم، والرفع على الابتداء نحو: أمانة الله لأقومن، والجر على إضمار حرف الجر، وهو جائز عند الكوفيين، وعبارة (٢) ابن الجوزي هنا: وقرأ الحسن وأبو الجوزاء: ﴿يس (١)﴾ بفتح الياء وكسر النون، وقرأ أبو المتوكل الناجي وأبو رجاء وابن أبي عبلة بفتح الياء والنون جميعًا، وقرأ أبو حصين الأسدي بكسر الياء وإظهار النون. قال الزجاج: والذي عند أهل العربية أن هذا بمنزلة افتتاح السور، وبعض العرب يسن، والقرآن بفتح النون، وهذا جائز في العربية لوجهين:
أحدهما: أن يس اسم للسورة، فكأنه قال: اتل يس، وهو على وزن هابيل وقابيل لا ينصرف.
والثاني: فتح لالتقاء الساكنين، والتسكين أجود؛ لأنه حرف هجاء. انتهى.
وقال صاحب "الروح": ﴿يس (١)﴾ إما مسرود (٣) على نمط التعديد، فلا حظ له من الإعراب أو اسم للسورة، وعليه الأكثر، فمحله الرفع على أنه خبر مبتدأ
(١) البحر المحيط بتصرف.
(٢) زاد المسير.
(٣) روح البيان.
(٢) زاد المسير.
(٣) روح البيان.
474
محذوف؛ أي: هذه يس، أو النصب على أنه مفعول لفعل محذوف؛ أي: اقرأ يس، ويؤيِّد كونه اسم السورة قوله - ﷺ -: "إن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن خلق آدم بألفي عام، فإذا سمعت الملائكة قالوا: طوبى لأمة ينزل عليهم هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا".
قال الشوكاني (١): واختلف في معنى هذه اللفظة، فقيل: معناها يا رجل، أو يا إنسان، قال ابن الأنباري: الوقف على يس حسن لمن قال هو افتتاح للسورة، ومن قال معناه: يا رجل، أو يا إنسان.. لم يقف عليه، وقال سعيد بن جبير وغيره: هو اسم من أسماء محمد - ﷺ - دليله: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾ قال السيد الحموي:
ومنه قوله: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (١٣٠)﴾ أي: على آل محمد، وسيأتي في الصافات ما المراد بآل ياسين، قال الواحدي: قال ابن عباس والمفسرون: يريد يا إنسان؛ يعني: محمدًا - ﷺ -، وقال أبو بكر الوراق: معناه: يا سيد البشر، وقال مالك: هو اسم من أسماء الله تعالى، روى ذلك عنه أشهب، وحكى أبو عبد الرحمن السلمي عن جعفر الصادق: أن معناه: يا سيد، وقال كعب: هو قسم أقسم الله به، وقالت فرقة (٢): ﴿يا﴾ حرف نداء، والسين مقامة مقام إنسان، انتزع منه حرف فأقيم مقامه، ورجح الزجاج: أن معناه يا محمد، وقال البقلي: أقسم بيد القدرة الأزلية وسناء الربوبية.
واختلفوا هل هو عربي، أو غير عربي؟: فقال سعيد بن جبير وعكرمة: حبشي، وقال الكلبي: سرياني، تكلَّمت به العرب.. فصار من لغتهم، وقال الشعبي: هو بلغة طيء، وقال الحسن: هو بلغة كلب، وذهب قوم (٣) إلى أن الله تعالى لم يجعل لأحد سبيلًا إلى إدراك معاني الحروف المقطعة في أوائل السور، وقالوا: إن الله تعالى منفرد بعلمها، ونحن نؤمن بأنها من جملة القرآن العظيم،
قال الشوكاني (١): واختلف في معنى هذه اللفظة، فقيل: معناها يا رجل، أو يا إنسان، قال ابن الأنباري: الوقف على يس حسن لمن قال هو افتتاح للسورة، ومن قال معناه: يا رجل، أو يا إنسان.. لم يقف عليه، وقال سعيد بن جبير وغيره: هو اسم من أسماء محمد - ﷺ - دليله: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾ قال السيد الحموي:
يَا نَفْسُ لا تَمْحَضِيْ بِالْوِدِّ جَاهِدَةً | عَلَى الْمَوَدَّةِ إلَّا آلَ يَاسِيْنَا |
واختلفوا هل هو عربي، أو غير عربي؟: فقال سعيد بن جبير وعكرمة: حبشي، وقال الكلبي: سرياني، تكلَّمت به العرب.. فصار من لغتهم، وقال الشعبي: هو بلغة طيء، وقال الحسن: هو بلغة كلب، وذهب قوم (٣) إلى أن الله تعالى لم يجعل لأحد سبيلًا إلى إدراك معاني الحروف المقطعة في أوائل السور، وقالوا: إن الله تعالى منفرد بعلمها، ونحن نؤمن بأنها من جملة القرآن العظيم،
(١) فتح القدير.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
475
ﭮﭯ
ﰁ
ونكل علمها إليه تعالى ونقرأها تعبدًا وامتثالًا لأمر الله تعالى، وتعظيمًا لكلامه، وإن لم نفهم منها ما نفهمه من سائر الآيات، وهذا القول هو الأصح الأسلم الذي عليه أكثر السلف.
٢ - ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ بالجر على أنه مقسم به ابتداء، والواو فيه واو القسم؛ أي: أقسم بالقرآن الحكيم، وقيل: الواو للعطف على يس إن جعل يس مقسمًا به؛ أي: أقسم بيس، وبالقرآن الحكيم، قال النقاش: لم يقسم الله سبحانه لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا لمحمد - ﷺ - تعظيمًا له وتمجيدًا، فقال في "إنسان العيون". من خصائصه عليه السلام أن الله تعالى أقسم على رسالته بقوله: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾. اهـ.
﴿الْحَكِيمِ﴾؛ أي: الحاكم، كالعليم بمعنى العالم، فإنه يحكم بما فيه من الأحكام، فهو فعيل بمعنى: فاعل، أو المحكم المصفى من التناقض والعيب ومن التغير بوجه ما، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، وهو الذي أحكم نظمه وأسلوبه، وأتقن معناه وفحواه، فهو فعيل بمعنى مفعل، كما تقول: عقدت العسل، فهو عقيد؛ أي: معقد، أو (١) ذي الحكمة؛ أي: المتضمن لها والمشتمل عليها، فإنه منبع كل حكمة، ومعدن كل عظة، فيكون بمعنى النسب مثل تأمر بمعنى ذي تمر، أو هو من قبيل وصف الكلام بصفة المتكلم به؛ أي: الحكيم قائله.
٣ - ﴿إِنَّكَ﴾ يا أكمل الرسل، ويا أفضل الكل، وهو خطاب المواجهة بعد شرف القسم به، وهو مع قوله: ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ جواب للقسم، والجملة لرد إنكار الكفرة بقولهم في حقه - ﷺ - لست مرسلًا، وما أرسل الله إلينا رسولًا.
قال في "بحر العلوم": هو من الإيمان الحسنة البديعة لتناسب بين المرسل به والمرسل إليه اللذين: أحدهما: المقسم به المنزل، والآخر المقسم عليه، المنزل إليه. انتهى.
وهذه الشهادة منه تعالى من جملة ما أشير إليه بقوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾.
٢ - ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ بالجر على أنه مقسم به ابتداء، والواو فيه واو القسم؛ أي: أقسم بالقرآن الحكيم، وقيل: الواو للعطف على يس إن جعل يس مقسمًا به؛ أي: أقسم بيس، وبالقرآن الحكيم، قال النقاش: لم يقسم الله سبحانه لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا لمحمد - ﷺ - تعظيمًا له وتمجيدًا، فقال في "إنسان العيون". من خصائصه عليه السلام أن الله تعالى أقسم على رسالته بقوله: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾. اهـ.
﴿الْحَكِيمِ﴾؛ أي: الحاكم، كالعليم بمعنى العالم، فإنه يحكم بما فيه من الأحكام، فهو فعيل بمعنى: فاعل، أو المحكم المصفى من التناقض والعيب ومن التغير بوجه ما، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، وهو الذي أحكم نظمه وأسلوبه، وأتقن معناه وفحواه، فهو فعيل بمعنى مفعل، كما تقول: عقدت العسل، فهو عقيد؛ أي: معقد، أو (١) ذي الحكمة؛ أي: المتضمن لها والمشتمل عليها، فإنه منبع كل حكمة، ومعدن كل عظة، فيكون بمعنى النسب مثل تأمر بمعنى ذي تمر، أو هو من قبيل وصف الكلام بصفة المتكلم به؛ أي: الحكيم قائله.
٣ - ﴿إِنَّكَ﴾ يا أكمل الرسل، ويا أفضل الكل، وهو خطاب المواجهة بعد شرف القسم به، وهو مع قوله: ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ جواب للقسم، والجملة لرد إنكار الكفرة بقولهم في حقه - ﷺ - لست مرسلًا، وما أرسل الله إلينا رسولًا.
قال في "بحر العلوم": هو من الإيمان الحسنة البديعة لتناسب بين المرسل به والمرسل إليه اللذين: أحدهما: المقسم به المنزل، والآخر المقسم عليه، المنزل إليه. انتهى.
وهذه الشهادة منه تعالى من جملة ما أشير إليه بقوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾.
(١) روح البيان.
٤ - ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ متعلق بـ ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾، والمعنى: أي: إنك يا محمد لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة، وهي التوحيد والاستقامة في الأمور كلها، قال ابن الجوزي: وأحسن (١) ما قيل في العربية أن يكون ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ خبر ﴿إن﴾، ويكون قوله: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)﴾ خبرًا ثانيًا لها، فيكون المعنى: إنك لمن المرسلين، إنك على صراط مستقيم. اهـ. ويجوز أن يكون على صراط مستقيم حالًا من الضمير المستكن في خبر ﴿إِنّ﴾، والمعنى: أي: أقسم بالقرآن المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنك أيها الرسول لمن المرسلين الذين هم على دين قويم، وشرع مستقيم موصل إلى الجنة والرضى.
فإن قلت (٢): أيُّ حاجة إلى قوله: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)﴾، ومن المعلوم أن الرسل لا يكونون إلا على صراط مستقيم؟
قلتُ: فائدته وصف الشرع بالاستقامة صريحًا، وإن دل عليه لمن المرسلين التزامًا، فجمع بين الوصفين في نظام واحد، كأنه قال: إنك لمن المرسلين الثابتين على طريق ثابت استقامته، وقد نكره ليدل له على أنه أرسل من بين الصراط على صراط مستقيم لا يوازيه صراط، ولا يكتنه وصفه في الاستقامة، فالتنكير للتفخيم، كما سيأتي.
٥ - ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥)﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش: برفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا القرآن هو تنزيل العزيز في ملكه، الرحيم بخلقه؛ أي: منزل منه سبحانه وتعالى، عبر عن المنزل بالمصدر مبالغةً حتى كأنه نفس التنزيل، ويجوز أن يكون خبرًا لقوله: يس إن جعل اسمًا للسورة؛ أي: سورة يس منزل من العزيز الرحيم، لا مختلق من عند محمد - ﷺ -، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وطلحة والأشهب وعيسى بخلاف عنهما: بالنصب؛ إما على المصدرية؛ أي: نزَّل الله ذلك تنزيلًا من العزيز الرحيم، أو على المدح؛ أي: أمدح تنزيل العزيز الرحيم؛ أي: أمدح كتابًا منزلًا من العزيز الرحيم، وقرأ (٣) أبو حيوة وأبي بن كعب وأبو رزين وأبو العالية
فإن قلت (٢): أيُّ حاجة إلى قوله: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)﴾، ومن المعلوم أن الرسل لا يكونون إلا على صراط مستقيم؟
قلتُ: فائدته وصف الشرع بالاستقامة صريحًا، وإن دل عليه لمن المرسلين التزامًا، فجمع بين الوصفين في نظام واحد، كأنه قال: إنك لمن المرسلين الثابتين على طريق ثابت استقامته، وقد نكره ليدل له على أنه أرسل من بين الصراط على صراط مستقيم لا يوازيه صراط، ولا يكتنه وصفه في الاستقامة، فالتنكير للتفخيم، كما سيأتي.
٥ - ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥)﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش: برفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا القرآن هو تنزيل العزيز في ملكه، الرحيم بخلقه؛ أي: منزل منه سبحانه وتعالى، عبر عن المنزل بالمصدر مبالغةً حتى كأنه نفس التنزيل، ويجوز أن يكون خبرًا لقوله: يس إن جعل اسمًا للسورة؛ أي: سورة يس منزل من العزيز الرحيم، لا مختلق من عند محمد - ﷺ -، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وطلحة والأشهب وعيسى بخلاف عنهما: بالنصب؛ إما على المصدرية؛ أي: نزَّل الله ذلك تنزيلًا من العزيز الرحيم، أو على المدح؛ أي: أمدح تنزيل العزيز الرحيم؛ أي: أمدح كتابًا منزلًا من العزيز الرحيم، وقرأ (٣) أبو حيوة وأبي بن كعب وأبو رزين وأبو العالية
(١) زاد المسير.
(٢) روح البيان.
(٣) زاد المسير.
(٢) روح البيان.
(٣) زاد المسير.
والجحدري وأبو جعفر يزيد بن القعقاع: بالجر على أنه نعت للقرآن؛ لأنه بمعنى المنزل، أو بدل منه، وعبر عنه بالمصدر، كما تقول العرب: هذا الدرهم ضرب الأمير؛ أي: مضروبه لكمال عراقته في كونه منزلًا من عند الله تعالى، فكأنه نفس التنزيل كما مر آنفًا.
والعزيز (١): هو الغالب على جميع المقدورات، المتكبِّر الغني عن طاعة المطيعين، المنتقم ممن خالفه، ولم يصدق القرآن، وخاصية هذا الاسم وجود الغنى والعز صورة أو حقيقة أو معنى، فمن ذكره أربعين يومًا في كل يوم أربعين مرة.. أعانه الله تعالى وأعزه، فلم يحوجه إلى أحدٍ من خلقه، والرحيم: هو المتفضل على عباده المؤمنين بإنزال القرآن ليوقظهم من نوم الغفلة، ونعاس النسيان، وخاصية هذا الاسم رقة القلب والرحمة للمخلوقين، فمن دوامه كل يوم مئة مرة.. كان له ذلك، ومن خاف الوقوع في مكروه.. ذكره وقرينه وهو اسم الرحمن.
٦ - قوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ متعلق بـ ﴿تَنْزِيلَ﴾؛ أي: نزل عليك القرآن لتنذر، أو بفعل مقدر يدل عليه من المرسلين؛ أي: أرسلناك لتنذر؛ أي: لتخوف بالقرآن، ﴿قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ ﴿مَا﴾: نافية، والجملة صفة مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار، والمعنى: لتنذر قومًا غير منذر آباؤهم الأقربون؛ لتطاول مدة الفترة، ولم يكونوا من أهل الكتاب، ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ يعني: العرب، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾ موصولة، أو موصوفة على أن تكون الجملة مفعولًا ثانيًا ﴿لِتُنْذِرَ﴾ بحذف العائد، والمعنى: لتنذر قومًا العذاب الذي أنذره آباؤهم، أو لتنذر قومًا عذابًا أنذره آباؤهم الأبعدون في زمن إسماعيل عليه السلام، وإنما وصف الآباء في التفسير الأول بالأقربين، وفي الثاني بالأبعدين؛ لئلا يلزم أن يكونوا منذرين وغير منذرين، فآباؤهم الأقدمون آتاهم النذير لا محالة، بخلاف آبائهم الأدنين، وهم قريش، فيكون ذلك بمعنى قوله: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)﴾، ويجوز ان تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، فتكون نعتًا لمصدر مؤكد؛ أي: لتنذر قومًا إنذارًا كائنًا مثل إنذار آبائهم الأقدمين من العذاب، ﴿فَهُمْ﴾؛
والعزيز (١): هو الغالب على جميع المقدورات، المتكبِّر الغني عن طاعة المطيعين، المنتقم ممن خالفه، ولم يصدق القرآن، وخاصية هذا الاسم وجود الغنى والعز صورة أو حقيقة أو معنى، فمن ذكره أربعين يومًا في كل يوم أربعين مرة.. أعانه الله تعالى وأعزه، فلم يحوجه إلى أحدٍ من خلقه، والرحيم: هو المتفضل على عباده المؤمنين بإنزال القرآن ليوقظهم من نوم الغفلة، ونعاس النسيان، وخاصية هذا الاسم رقة القلب والرحمة للمخلوقين، فمن دوامه كل يوم مئة مرة.. كان له ذلك، ومن خاف الوقوع في مكروه.. ذكره وقرينه وهو اسم الرحمن.
٦ - قوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ متعلق بـ ﴿تَنْزِيلَ﴾؛ أي: نزل عليك القرآن لتنذر، أو بفعل مقدر يدل عليه من المرسلين؛ أي: أرسلناك لتنذر؛ أي: لتخوف بالقرآن، ﴿قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ ﴿مَا﴾: نافية، والجملة صفة مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار، والمعنى: لتنذر قومًا غير منذر آباؤهم الأقربون؛ لتطاول مدة الفترة، ولم يكونوا من أهل الكتاب، ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ يعني: العرب، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾ موصولة، أو موصوفة على أن تكون الجملة مفعولًا ثانيًا ﴿لِتُنْذِرَ﴾ بحذف العائد، والمعنى: لتنذر قومًا العذاب الذي أنذره آباؤهم، أو لتنذر قومًا عذابًا أنذره آباؤهم الأبعدون في زمن إسماعيل عليه السلام، وإنما وصف الآباء في التفسير الأول بالأقربين، وفي الثاني بالأبعدين؛ لئلا يلزم أن يكونوا منذرين وغير منذرين، فآباؤهم الأقدمون آتاهم النذير لا محالة، بخلاف آبائهم الأدنين، وهم قريش، فيكون ذلك بمعنى قوله: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)﴾، ويجوز ان تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، فتكون نعتًا لمصدر مؤكد؛ أي: لتنذر قومًا إنذارًا كائنًا مثل إنذار آبائهم الأقدمين من العذاب، ﴿فَهُمْ﴾؛
(١) روح البيان.
أي (١): القوم وآباؤهم الأقربون، ﴿غَافِلُونَ﴾ عن أمر الآخرة، جاحدون لها، إن قلنا: إن ﴿مَا﴾ نافية، أو فهؤلاء القوم غافلون عما أنذر به آباؤهم الأقدمون لامتداد المدرة إن قلنا إن ﴿مَا﴾ موصولة، أو موصوفة.
وعبارة "الشوكاني" قوله: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ (٢) متعلق بنفي الإنذار على الوجه الأول؛ أي: لم ينذر آباؤهم فهم بسبب ذلك غافلون، وعلى الأوجه الأخيرة متعلق بقوله ﴿لِتُنْذِرَ﴾؛ أي: فهم غافلون عما أنذرنا به آباءهم، وقد ذهب أكثر أهل التفسير إلى أن المعنى على النفي، وهو الظاهر من النظم لترتيب فهم غافلون على ما قبله.
وعبارة "الروح": قوله: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ متعلّق (٣) بنفي الإنذار مترتب عليه، والضمير للفريقين: القوم والآباء؛ أي: لم ينذر آباؤهم فهم جميعًا لأجله غافلون عن الإيمان والرشد، وحجج التوحيد وأدلة البعث، والفاء داخلة على الحكم المسبَّب عما قبله، فالنفي المتقدِّم سبب له؛ يعني: أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم، ويجوز أن يكون متعلقًا بقوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ ردًا لتعليل إنذاره، فالضمير للقوم خاصة؛ أي: فهم غافلون عما أنذر به آباؤهم الأقدمون؛ لامتداد المدة، فالفاء داخلة على سبب الحكم المتقدم.
والمعنى (٤): أي إنا أرسلناك لتنذر العرب الذين لم يأتهم نذير من قبلك، فهم في غفلة عن معرفة الشرائع التي فيها سعادة البشر، وإصلاح المجتمع، وذكرهم وحدهم هنا؛ لأن الخطاب كان معهم، وهذا لا يمنع أنه مرسل إلى الناس كافة، كما قال: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾،
٧ - واللام في قوله: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ﴾؛ أي: موطئة للقسم؛ أي: لقد حقت كلمة العذاب العاجل ووجبت ﴿عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾؛ أي: على أكثر أهل مكة، كأبي جهل وأصحابه، ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: في علم الله تعالى، وقتلوا يوم بدر على الكفر؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد وجب وثبت قضاؤنا بالعذاب على أكثر أهل مكة، أو أكثر الكفار
وعبارة "الشوكاني" قوله: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ (٢) متعلق بنفي الإنذار على الوجه الأول؛ أي: لم ينذر آباؤهم فهم بسبب ذلك غافلون، وعلى الأوجه الأخيرة متعلق بقوله ﴿لِتُنْذِرَ﴾؛ أي: فهم غافلون عما أنذرنا به آباءهم، وقد ذهب أكثر أهل التفسير إلى أن المعنى على النفي، وهو الظاهر من النظم لترتيب فهم غافلون على ما قبله.
وعبارة "الروح": قوله: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ متعلّق (٣) بنفي الإنذار مترتب عليه، والضمير للفريقين: القوم والآباء؛ أي: لم ينذر آباؤهم فهم جميعًا لأجله غافلون عن الإيمان والرشد، وحجج التوحيد وأدلة البعث، والفاء داخلة على الحكم المسبَّب عما قبله، فالنفي المتقدِّم سبب له؛ يعني: أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم، ويجوز أن يكون متعلقًا بقوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ ردًا لتعليل إنذاره، فالضمير للقوم خاصة؛ أي: فهم غافلون عما أنذر به آباؤهم الأقدمون؛ لامتداد المدة، فالفاء داخلة على سبب الحكم المتقدم.
والمعنى (٤): أي إنا أرسلناك لتنذر العرب الذين لم يأتهم نذير من قبلك، فهم في غفلة عن معرفة الشرائع التي فيها سعادة البشر، وإصلاح المجتمع، وذكرهم وحدهم هنا؛ لأن الخطاب كان معهم، وهذا لا يمنع أنه مرسل إلى الناس كافة، كما قال: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾،
٧ - واللام في قوله: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ﴾؛ أي: موطئة للقسم؛ أي: لقد حقت كلمة العذاب العاجل ووجبت ﴿عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾؛ أي: على أكثر أهل مكة، كأبي جهل وأصحابه، ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: في علم الله تعالى، وقتلوا يوم بدر على الكفر؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد وجب وثبت قضاؤنا بالعذاب على أكثر أهل مكة، أو أكثر الكفار
(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.
479
على الإطلاق، أو أكثر كفار العرب، أو أكثر القوم الذين تنذرهم، وهم أهل مكة، وهم من مات على الكفر وأصر عليه أول حياته، فيتفرع قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ على ما قبله؛ أي: لا يؤمنون بإنذارك إياهم، والفاء داخلة على الحكم المسبب عما قبله؛ أي: لأن الله تعالى قد علم منهم الإصرار على ما هم فيه من الكفر والموت عليه، وذهب الجمهور (١): إلى أن المراد بهذا القول قوله تعالى لإبليس عند قوله: لأغوينهم أجمعين: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)﴾، وهو المعنيُّ بقوله: ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، وهذا القول لما تعلق بمن تبع إبليس من الجن والإنس، وكان أكثر أهل مكة ممن علم الله منهم الإصرار على اتباعه، واختيار الكفر إلى أن يموتوا.. كانوا ممن وجب وثبت عليهم مضمون هذا القول، لكن لا بطريق الجبر من غير أن يكون من قبلهم ما يقتضيه، بل بسبب إصرارهم الاختياري على الكفر والإنكار، وعدم تأثرهم من التذكير والإنذار، ولما كان مناط ثبوت القول وتحققه عليهم إصرارهم على الكفر إلى الموت.. كان قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ متفرعًا في الحقيقة على ذلك، لا على ثبوت القول، وفُهِم من قوله: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾ أن أهل السعادة أقل، إنما كان أهل السعادة أقل؛ لأن المقصود من الإيجاد ظهور الخليفة من العباد، وهو يحصل بواحدٍ مع أن الواحد على الحق، هو السواد الأعظم في الحقيقة.
فمن آمن فقد أعلى الدين، ومن أعلاه فقد تعرض لعلوه وعزه عند الله تعالى، ومن كفر.. فقد أراد إطفاء نور الله، والله متم نوره، ولما قال المشركون يوم أحد: أعل هبل، أعل هبل.. أذلهم الله وهبلهم، وهو صنم كان يعبد في الجاهلية، وهو الحجر الذي يطأه الناس في العتبة السفلى من باب بني شيبة، وهو الآن مكبوب على وجهه، وبلط الملوك فوقه البلاط، فإن كنت تفهم مثل هذه الأسرار، وإلا فاسكت، والله تعالى حكيم يضع الأمور كلها في مواضعها، فكل ما ظهر في العالم فهو حكمة وضعه في محله، لكن لا بد من الإنكار لما أنكره الشارع فإياك والغلط.
ومعنى الآية (٢): وعزتي وجلالي لقد وجب العقاب على أكثرهم؛ لأنه سبحانه سجل عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون به ولا يصدقون برسوله، لما علم من
فمن آمن فقد أعلى الدين، ومن أعلاه فقد تعرض لعلوه وعزه عند الله تعالى، ومن كفر.. فقد أراد إطفاء نور الله، والله متم نوره، ولما قال المشركون يوم أحد: أعل هبل، أعل هبل.. أذلهم الله وهبلهم، وهو صنم كان يعبد في الجاهلية، وهو الحجر الذي يطأه الناس في العتبة السفلى من باب بني شيبة، وهو الآن مكبوب على وجهه، وبلط الملوك فوقه البلاط، فإن كنت تفهم مثل هذه الأسرار، وإلا فاسكت، والله تعالى حكيم يضع الأمور كلها في مواضعها، فكل ما ظهر في العالم فهو حكمة وضعه في محله، لكن لا بد من الإنكار لما أنكره الشارع فإياك والغلط.
ومعنى الآية (٢): وعزتي وجلالي لقد وجب العقاب على أكثرهم؛ لأنه سبحانه سجل عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون به ولا يصدقون برسوله، لما علم من
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
480
خبث نفوسهم، وسوء استعدادهم، فلا تعمر قلوبهم بالإيمان، ولا تخبت لله في أيِّ زمان،
٨ - ثم ضرب لهم مثلًا، فقال: ﴿إِنَّا﴾ بمقتضى قهرنا وجلالنا ﴿جَعَلْنَا﴾؛ أي: خلقنا، أو صيرنا، ﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾؛ أي: في أعناق أكثر أهل مكة، جمع: عنق، ﴿أَغْلَالًا﴾ ثقالًا عظيمة، جمع: غل، وهو ما يشد به اليد إلى العنق للتعذيب والتشديد، سواء كان من الحديد أو غيره، وقال القهستاني: الغل: الطوق من حديد، الجامع لليد إلى العنق، المانع من تحرك الرأس. اهـ. والفاء (١) في قوله: ﴿فَهِيَ﴾ للنتيجة، أو التعقيب؛ أي: فالأغلال منتهية، ﴿إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ جمع ذقن، وهو مجتمع اللحيين؛ أي: فالأغلال لعظمها وضخامتها منتهية إلى أذقانهم، بحيث لا يتمكَّن المغلول معها من تحرك الرأس والالتفات، ووجه وصول الغل إلى الذقن، هو إما كونه غلظيًا عريضًا يملأ ما بين الصدر والذقن، فلا جرم يصل إلى الذقن، ويرفع الرأس إلى فوق، وإما كون طوق الغل الذي يجمع اليدين إلى العنق، بحيث يكون في ملتقى طرفين تحت الذقن حلقة يدخل فيها رأس العمود الواصل بين ذلك الطوق وبين قيد اليد خارجًا عن الحلقة إلى الذقن، فلا يخلِّيه يحرِّك رأسه. ﴿فَهُمْ﴾؛ أي: أكثر أهل مكة بسبب ذلك ﴿مُقْمَحُونَ﴾؛ أي: رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم، فإن الإقماح رفع الرأس إلى فوق مع غض البصر، يقال: أقمح البعير رأسه، وقمح قموحًا عند رفع رأسه عند الحوض بعد الشرب؛ إما لارتوائه، أو لبرودة الماء، أو لكراهة طعمه، قال بعضهم: لفظ الآية - وإن كان ماضيًا - لكنه إشارة إلى ما يفعل بهم في الآخرة، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية، ولهذا قال الفقهاء: كره جعل الغل في عنق عبده؛ لأنه عقوبة أهل النار، قال الفقيه: إن في زماننا جرت العادة بذلك إذا خيف من الإباق، بخلاف التقييد، فإنه غير مكروه؛ لأنه سنة المسلمين في المتمردين.
هذا والجمهور (٢) على أن الآية تمثيل لحال الأكثر في تصميمهم على الكفر، وعدم امتناعهم منه، وعدم التفاتهم إلى الحق، وعدم انعطاف أعناقهم، نحوه: بحال الذين غلت أعناقهم، فوصلت الأغلال إلى أذقانهم، وبقوا رافعين رؤوسهم، غاضين أبصارهم، فهم أيضًا لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا
٨ - ثم ضرب لهم مثلًا، فقال: ﴿إِنَّا﴾ بمقتضى قهرنا وجلالنا ﴿جَعَلْنَا﴾؛ أي: خلقنا، أو صيرنا، ﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾؛ أي: في أعناق أكثر أهل مكة، جمع: عنق، ﴿أَغْلَالًا﴾ ثقالًا عظيمة، جمع: غل، وهو ما يشد به اليد إلى العنق للتعذيب والتشديد، سواء كان من الحديد أو غيره، وقال القهستاني: الغل: الطوق من حديد، الجامع لليد إلى العنق، المانع من تحرك الرأس. اهـ. والفاء (١) في قوله: ﴿فَهِيَ﴾ للنتيجة، أو التعقيب؛ أي: فالأغلال منتهية، ﴿إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ جمع ذقن، وهو مجتمع اللحيين؛ أي: فالأغلال لعظمها وضخامتها منتهية إلى أذقانهم، بحيث لا يتمكَّن المغلول معها من تحرك الرأس والالتفات، ووجه وصول الغل إلى الذقن، هو إما كونه غلظيًا عريضًا يملأ ما بين الصدر والذقن، فلا جرم يصل إلى الذقن، ويرفع الرأس إلى فوق، وإما كون طوق الغل الذي يجمع اليدين إلى العنق، بحيث يكون في ملتقى طرفين تحت الذقن حلقة يدخل فيها رأس العمود الواصل بين ذلك الطوق وبين قيد اليد خارجًا عن الحلقة إلى الذقن، فلا يخلِّيه يحرِّك رأسه. ﴿فَهُمْ﴾؛ أي: أكثر أهل مكة بسبب ذلك ﴿مُقْمَحُونَ﴾؛ أي: رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم، فإن الإقماح رفع الرأس إلى فوق مع غض البصر، يقال: أقمح البعير رأسه، وقمح قموحًا عند رفع رأسه عند الحوض بعد الشرب؛ إما لارتوائه، أو لبرودة الماء، أو لكراهة طعمه، قال بعضهم: لفظ الآية - وإن كان ماضيًا - لكنه إشارة إلى ما يفعل بهم في الآخرة، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية، ولهذا قال الفقهاء: كره جعل الغل في عنق عبده؛ لأنه عقوبة أهل النار، قال الفقيه: إن في زماننا جرت العادة بذلك إذا خيف من الإباق، بخلاف التقييد، فإنه غير مكروه؛ لأنه سنة المسلمين في المتمردين.
هذا والجمهور (٢) على أن الآية تمثيل لحال الأكثر في تصميمهم على الكفر، وعدم امتناعهم منه، وعدم التفاتهم إلى الحق، وعدم انعطاف أعناقهم، نحوه: بحال الذين غلت أعناقهم، فوصلت الأغلال إلى أذقانهم، وبقوا رافعين رؤوسهم، غاضين أبصارهم، فهم أيضًا لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
يطأطئون رؤوسهم له، ولا يكادون يرون الحق، أو ينظرون إلى جهته.
قال أبو حيان: والظاهر (١) أن قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ هو حقيقة لا استعارة، لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون.. أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار. انتهى. وقرأ ابن عباس (٢): ﴿إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا﴾ قال الزجاج: أي: في أيديهم، قال النحاس: وهذه القراءة تفسير، ولا يقرأ بما خالف المصحف، قال: وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة، التقدير: إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلالًا، فهي إلى الأذقان، فلفظ ﴿هي﴾ كناية عن الأيدي، لا عن الأعناق، والعرب تحذف مثل هذا، ونظيره: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾؛ أي: والبرد؛ لأن الغل إذا كان في العنق.. فلا بد أن يكون في اليد، ولا سيما وقد قال الله تعالى: ﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾، فقد علم أنه يراد به الأيدي، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قرأ: ﴿إنا جعلنا في أيديهم أغلالا﴾، وعن ابن مسعود أنه قرأ: ﴿إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا﴾، كما روي سابقًا عن قراءة ابن عباس.
ومعنى الآية: أي إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا، فهي واصلة إلى الأذقان ملصقة بها، فهم من جراء ذلك مقمحون؛ أي: مرفوعو الرؤوس؛ إذ أن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود خارجًا من الحلقة إلى الذقن، فلا يمكنه من أن يطأطىء رأسه، فلا يزال مقمحًا.
والمراد: منعناهم بموانع عن الإيمان تشبه ما ذكر، فهم غاضوا أبصارهم، لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطؤون رؤوسهم له،
٩ - ثم أكد ما سبق، وزاده بيانًا وتفصيلًا، فقال: ﴿وَجَعَلْنَا﴾ لهم مع ما ذكر سابقًا؛ أي: خلقنا لهم من كمال غضبنا عليهم وصيرنا، ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: من قدامهم ﴿سَدًّا﴾ عظيمًا؛ أي: حاجزًا يحجزهم عن الإبصار، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾؛ أي: من ورائهم ﴿سَدًّا﴾ عظيمًا.
وقرأ عبد الله وعكرمة والنخعي وابن وثاب وطلحة وحمزة والكسائي وابن كثير وحفص (٣): ﴿سَدًّا﴾ بفتح السين في الموضعين، وقرأ الجمهور: بالضم، وكلاهما
قال أبو حيان: والظاهر (١) أن قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ هو حقيقة لا استعارة، لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون.. أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار. انتهى. وقرأ ابن عباس (٢): ﴿إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا﴾ قال الزجاج: أي: في أيديهم، قال النحاس: وهذه القراءة تفسير، ولا يقرأ بما خالف المصحف، قال: وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة، التقدير: إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلالًا، فهي إلى الأذقان، فلفظ ﴿هي﴾ كناية عن الأيدي، لا عن الأعناق، والعرب تحذف مثل هذا، ونظيره: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾؛ أي: والبرد؛ لأن الغل إذا كان في العنق.. فلا بد أن يكون في اليد، ولا سيما وقد قال الله تعالى: ﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾، فقد علم أنه يراد به الأيدي، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قرأ: ﴿إنا جعلنا في أيديهم أغلالا﴾، وعن ابن مسعود أنه قرأ: ﴿إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا﴾، كما روي سابقًا عن قراءة ابن عباس.
ومعنى الآية: أي إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا، فهي واصلة إلى الأذقان ملصقة بها، فهم من جراء ذلك مقمحون؛ أي: مرفوعو الرؤوس؛ إذ أن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود خارجًا من الحلقة إلى الذقن، فلا يمكنه من أن يطأطىء رأسه، فلا يزال مقمحًا.
والمراد: منعناهم بموانع عن الإيمان تشبه ما ذكر، فهم غاضوا أبصارهم، لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطؤون رؤوسهم له،
٩ - ثم أكد ما سبق، وزاده بيانًا وتفصيلًا، فقال: ﴿وَجَعَلْنَا﴾ لهم مع ما ذكر سابقًا؛ أي: خلقنا لهم من كمال غضبنا عليهم وصيرنا، ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: من قدامهم ﴿سَدًّا﴾ عظيمًا؛ أي: حاجزًا يحجزهم عن الإبصار، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾؛ أي: من ورائهم ﴿سَدًّا﴾ عظيمًا.
وقرأ عبد الله وعكرمة والنخعي وابن وثاب وطلحة وحمزة والكسائي وابن كثير وحفص (٣): ﴿سَدًّا﴾ بفتح السين في الموضعين، وقرأ الجمهور: بالضم، وكلاهما
(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
482
لغتان بمعنى، أي منعناهم عن الإيمان بموانع، فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان، كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد، ومن هذا المعنى في الآية قول الشاعر:
﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: غطينا أبصارهم، وجعلنا عليها غشاوة، فالكلام على حذف مضاف، ﴿فَهُمْ﴾ بسبب ذلك، ﴿لَا يُبْصِرُونَ﴾؛ أي: لا يقدرون على إبصار شيء، والفاء (١) داخلة على الحكم المسبب عما قبله؛ لأن من أحاطه السد من جميع جوانبه لا يبصر شيئًا؛ إذ الظاهر أن المراد ليس جهتي القدام والخلف فقط، بل يعم جميع الجهات، إلا أن جهة المقدام لما كانت أشرف الجهات وأظهرها، وجهة الخلف كانت ضدها.. خُصت بالذكر. قال الفراء (٢): فألبسنا أبصارهم غشاوة؛ أي: عمي فهم لا يبصرون سبيل الهدى، وكذا قال قتادة: إنَّ المعنى: لا يبصرون الهدى، وقال السدي: لا يبصرون محمدًا - ﷺ - حين ائتمروا على قتله، وقال الضحاك وجعلنا من بين أيديهم سدًا؛ أي: في الدنيا، ومن خلفهم؛ أي: في الآخرة، فأغشيناهم فهم لا يبصرون؛ أي: عموا عن البعث، وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا، وقيل: ما بين أيديهم: الآخرة، وما خلفهم: الدنيا.
وقرأ الجمهور: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ بالغين المعجمة؛ أي: غطينا أبصارهم، فهو على حذف مضاف، كما مر، وقرأ ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن يعمر وعكرمة والنخعي وابن سيرين والحسن وأبو رجاء وزيد بن علي ويزيد البربري ويزيد بن المهلب وأبو حنيفة وابن مقسم: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ بالعين المهملة، من العشاء، وهو ضعف البصر؛ أي: جعلنا عليها غشاوة، ومنه ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾.
والآية إما تتمّة للتمثيل وتكميل له؛ أي: تكميل؛ أي: وجعلنا مع ما ذكر من
وَمِنَ الْحَوَادِثِ لَا أَبَالَكَ أَنَّنِيْ | ضُرِبَتْ عَلَى الأَرْضُ بِالأَسْدَادِ |
لَا أَهْتَدِيْ فِيْهَا لِمَوْضِعِ تَلْعَةٍ | بَيْنَ الْعُذِيْبِ وَبَيْنَ أَرْضِ مُرَادِ |
وقرأ الجمهور: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ بالغين المعجمة؛ أي: غطينا أبصارهم، فهو على حذف مضاف، كما مر، وقرأ ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن يعمر وعكرمة والنخعي وابن سيرين والحسن وأبو رجاء وزيد بن علي ويزيد البربري ويزيد بن المهلب وأبو حنيفة وابن مقسم: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ بالعين المهملة، من العشاء، وهو ضعف البصر؛ أي: جعلنا عليها غشاوة، ومنه ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾.
والآية إما تتمّة للتمثيل وتكميل له؛ أي: تكميل؛ أي: وجعلنا مع ما ذكر من
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
483
أمامهم سدًا عظيمًا، ومن ورائهم سدًا كذلك، فغطينا بهما أبصارهم، فهم بسبب ذلك لا يقدرون على إبصار شيء ما أصلًا، وإما تمثيل مستقل، فإن ما ذكر من جعلهم حصورين بين سدين هائلين قد غطّينا بهما أبصارهم بحيث لا يبصرون شيئًا قطعًا كافٍ في الكشف عن فظاعة حالهم، وكونهم محبوسين في مطمورة الغيّ والجهالات، محرومين من النظر في الأدلّة والآيات.
قال الإِمام (١): المانع من النظر في الآيات والدلائل قسمان: قسم يمنع من النظر في الآيات التي في أنفسهم، فشبّه ذلك بالغسل الذي يجعل صاحبه مقمحًا لا يرى نفسه، ولا يقع بصره على بدنه، وقسم يمنع من النظر في آيات الآفاق، فشبّه بالسد المحيط، فإن المحاط بالسد لا يقع نظره على الآفاق، فلا تتبيّن له الآيات التي في الآفاق، كما أن المقمح لا تتبيّن له الآيات التي في الأنفس، فمن ابتلى بهما حرم من النظر بالكلية؛ لأن الدلائل والآيات مع كثرتها منحصرة فيهما، كما قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ مع قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾. إشارة إلى عدم هدايتهم لآيات الله تعالى في الأنفس والآفاق.
وقيل (٢): نزلت هذه الآيات في أبي جهل بن هشام، وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدًا يصلي.. ليرضخن رأسه بحجر، فلما رآه يصلي ذهب إليه فرفع حجرًا ليرميه، فلما أوما إليه.. رجفت يداه إلى عنقه، والتصق الحجر بيده إلى عنقه، فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى، قال الوليد بن المغيرة: أنا أرضخ رأسه، فأتاه وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه، قال: واللهِ ما رأيته، ولقد سمعت صوته، فقال الرجل الثالث: واللهِ لأشدخنَّ رأسه، ثم أخد الحجر وانطلق، فرجع القهقرى ينكص على عقبيه، حتى خرّ على قفاه مغشيًّا عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال: شأني عظيم، رأيت الرجل، فلما دنوت منه.. فإذا فحل يخطر بذنبه ما رأيت قط فحلًا أعظم منه حال بيني وبينه، فواللاتِ والعزى لو دنوت منه.. لأكلني، فأنزل الله: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ
قال الإِمام (١): المانع من النظر في الآيات والدلائل قسمان: قسم يمنع من النظر في الآيات التي في أنفسهم، فشبّه ذلك بالغسل الذي يجعل صاحبه مقمحًا لا يرى نفسه، ولا يقع بصره على بدنه، وقسم يمنع من النظر في آيات الآفاق، فشبّه بالسد المحيط، فإن المحاط بالسد لا يقع نظره على الآفاق، فلا تتبيّن له الآيات التي في الآفاق، كما أن المقمح لا تتبيّن له الآيات التي في الأنفس، فمن ابتلى بهما حرم من النظر بالكلية؛ لأن الدلائل والآيات مع كثرتها منحصرة فيهما، كما قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ مع قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾. إشارة إلى عدم هدايتهم لآيات الله تعالى في الأنفس والآفاق.
وقيل (٢): نزلت هذه الآيات في أبي جهل بن هشام، وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدًا يصلي.. ليرضخن رأسه بحجر، فلما رآه يصلي ذهب إليه فرفع حجرًا ليرميه، فلما أوما إليه.. رجفت يداه إلى عنقه، والتصق الحجر بيده إلى عنقه، فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى، قال الوليد بن المغيرة: أنا أرضخ رأسه، فأتاه وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه، قال: واللهِ ما رأيته، ولقد سمعت صوته، فقال الرجل الثالث: واللهِ لأشدخنَّ رأسه، ثم أخد الحجر وانطلق، فرجع القهقرى ينكص على عقبيه، حتى خرّ على قفاه مغشيًّا عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال: شأني عظيم، رأيت الرجل، فلما دنوت منه.. فإذا فحل يخطر بذنبه ما رأيت قط فحلًا أعظم منه حال بيني وبينه، فواللاتِ والعزى لو دنوت منه.. لأكلني، فأنزل الله: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
484
مُقْمَحُونَ (٨)}؛ أي: إنا جمعنا أيمانهم إلى الأذقان حين أرادوا أن يرجموا النبي - ﷺ - بالحجارة، وهو في الصلاة، فها هم مغلولون من كل خير محرومون. ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا﴾ الخ؛ أي: وجعلنا من أمامهم سترًا حيث أرادوا أن يرجموا النبي - ﷺ - بالحجارة، وهو في الصلاة، فلم يبصروا النبي - ﷺ -، ومن خلفهم سدًّا، حتى لا يبصروا أصحابه، فغطَّينا أبصارهم فهم لا يبصرون النبي - ﷺ -، فيؤذوه، ومعنى الآية: أي (١): إنه زيّن لهم سوء أعمالهم، وأعجبوا بأنفسهم، واستكبروا عن اتباع الرسول، وشمخوا بأنوفهم، ولم يخضعوا لما جاءهم به، وصدوا أبواب النظر عما ينفعهم، ولم يقبلوا شيئًا سوى ما هم عليه، فما مثلهم إلا مثل من أحاط به سدان من الأمام والخلف، فحجباه عن النظر، فهو لا يبصر شيئًا.
والخلاصة: أنهم محبوسون في سجن الجهالة، ممنوعون عن النظر في دلائل الأنفس ودلائل الكون، محرومون عن التأمل فيما حل بمن قبلهم من الأمم الخالية، والتفكر في العواقب المستقبلة،
١٠ - ثم ذكر فذلكة لما تقدم فقال: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على أكثر أهل مكة ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾؛ أي: مستو (٢) عند أكثر أهل مكة إنذارك إياهم وعدمه؛ لأن قوله: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ وإن كانت جملة فعلية استفهامية، لكنه في معنى مصدر مضاف إلى الفاعل، فصح الإخبار عنه، فقد هجر فيه جانب اللفظ، ونظر إلى المعنى، ومنه: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وهمزة الاستفهام وأم لتقرير معنى الاستواء والتأكيد، فإن معنى الاستفهام منسلخ منهما رأسًا بتجريدهما عنه لمجرد الاستواء، كما جرِّد حرف النداء عن الطلب لمجرد التخصيص في قولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. فكما أن هذا جرى على صورة النداء، وليس بنداء، كذلك: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ جرى على صورة الاستفهام، وليس باستفهام. وقوله: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: لا يؤمن أكثر أهل مكة، استئناف مؤكد لما قبله مبيِّن لما فيه من إجمال ما فيه الاستوار.
والمعنى (٣): أي وسواء على هؤلاء الذين حق عليهم القول إنذارك إياهم وتركه، فإنه قد طبع الله على قلوبهم فهم لا يؤمنون؛ إذ قد خبثت نفوسهم، وساء
والخلاصة: أنهم محبوسون في سجن الجهالة، ممنوعون عن النظر في دلائل الأنفس ودلائل الكون، محرومون عن التأمل فيما حل بمن قبلهم من الأمم الخالية، والتفكر في العواقب المستقبلة،
١٠ - ثم ذكر فذلكة لما تقدم فقال: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على أكثر أهل مكة ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾؛ أي: مستو (٢) عند أكثر أهل مكة إنذارك إياهم وعدمه؛ لأن قوله: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ وإن كانت جملة فعلية استفهامية، لكنه في معنى مصدر مضاف إلى الفاعل، فصح الإخبار عنه، فقد هجر فيه جانب اللفظ، ونظر إلى المعنى، ومنه: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وهمزة الاستفهام وأم لتقرير معنى الاستواء والتأكيد، فإن معنى الاستفهام منسلخ منهما رأسًا بتجريدهما عنه لمجرد الاستواء، كما جرِّد حرف النداء عن الطلب لمجرد التخصيص في قولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. فكما أن هذا جرى على صورة النداء، وليس بنداء، كذلك: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ جرى على صورة الاستفهام، وليس باستفهام. وقوله: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: لا يؤمن أكثر أهل مكة، استئناف مؤكد لما قبله مبيِّن لما فيه من إجمال ما فيه الاستوار.
والمعنى (٣): أي وسواء على هؤلاء الذين حق عليهم القول إنذارك إياهم وتركه، فإنه قد طبع الله على قلوبهم فهم لا يؤمنون؛ إذ قد خبثت نفوسهم، وساء
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
استعدادهم، وغشيت أبصارهم، فلا تقدر على النظر في الدلائل المشاهدة، ولا تستطيع التأمل في جمال الكون، كما قال البوصيري:
١١ - قال الزجاج: أي من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار، إنما ينفع الإنذار من ذكر في قوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾ الخ؛ أي: ولما بيَّن سبحانه كون الإنذار عندهم كعدمه.. عقبه ببيان من يؤثر فيه الإنذار، فقال: إنما تنذر؛ أي (١): ما ينفع إنذارك يا محمد إلا ﴿مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾؛ أي: القرآن بالتأمل فيه، أو الوعظ والتذكير، ولم يصر على اتباع خطوات الشيطان، ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ سبحانه، ﴿بِالْغَيْبِ﴾؛ أي: خاف عقابه تعالى، والحال أنه غائب عن العقاب، على أنه حال من الفاعل، أو والحال أن العقاب غائب عنه، أي: قبل نزول العذاب وحلوله على أنه خال من المفعول، أو حال كونه غائبًا عن عيون الناس في خلواته، ولم يغتر برحمته، فإنه منتقم قهّار، كما أنه رحيم غفار، وكيف يؤمن سخطه وعذابه بعد أن قال: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)﴾، ومن كان نعمته بسبب رحمته أكثر، فالخوف منه أتمّ مخافة أن يقطع عنه النعم المتواترة، فظهر وجه ذكر الرحمن مع الخشية، مع أن الظاهر أن يذكر معها ما ينبىء عن القهر ﴿فَبَشِّرْهُ﴾؛ أي: فبشر من اتبع الذكر وخشي الرحمن، ووحّد الضمير مراعاة للفظ ﴿مَنِ﴾، ﴿بِمَغْفِرَةٍ﴾ عظيمة لذنوبه، ﴿وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾؛ أي: حسن مرضي لأعماله الصالحة، لا يقادر قدره، وهو الجنة وما فيها مما أعدّه الله تعالى لعباده الجامعين بين اتباع ذكره وخشيته.
والفاء في قوله (٢): ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ لترتيب البشارة، أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية. يقول الفقير: رتّب التبشير بمثنّى على مثنّى، فالتأمل في القرآن، أو التأثر من الوعظ يؤدي إلى الإيمان المؤدي إلى المغفرة؛ لأن الله تعالى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، والخشية تؤدي إلى الحسنات المؤدية إلى الأجر الكريم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
ومعنى الآية (٣): أي إنما ينفع إنذارك من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من
قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ | وَيُنْكِرُ الْفَمُ طَعْمَ الْمَاءِ مِنْ سَقَمِ |
والفاء في قوله (٢): ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ لترتيب البشارة، أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية. يقول الفقير: رتّب التبشير بمثنّى على مثنّى، فالتأمل في القرآن، أو التأثر من الوعظ يؤدي إلى الإيمان المؤدي إلى المغفرة؛ لأن الله تعالى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، والخشية تؤدي إلى الحسنات المؤدية إلى الأجر الكريم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
ومعنى الآية (٣): أي إنما ينفع إنذارك من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
الأحكام، وخشي عقاب الله تعالى قبل حلوله، ومعاينة أهواله، فإنه سبحانه عظيم الرحمة، أليم العذاب، كما قال: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠)﴾. فبشِّر هذا الذي اتبع أحكام الدين، وخاف العقاب بمغفرة ما فرط منه من الزلّات، وأجرٍ كريم، ونعيم مقيم لا يستطاع وصفه مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ونحو الآية قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)﴾.
١٢ - ولما ذكر سبحانه وتعالى الرسالة، وهي أحد الأصول الثلاثة التي بها يصير المكلف مؤمنًا.. ذكر الحشر، وهو أحد الأصول الثلاثة، والثالث هو التوحيد، فقال: ﴿إِنَّا﴾ من مقام كمال قدرتنا، والجمع للتعظيم ولكثرة الصفات، وقال بعضهم: جمع الضمير لما في إحياء الموتى من حظ الملائكة، وينافيه الحصر الدالة عليه قوله: ﴿نَحْنُ﴾ قال في "البحر": كرّر الضمير لتكرير التأكيد، ﴿نُحْيِ الْمَوْتَى﴾؛ أي: نبعثهم بعد مماتهم، ونجازيهم على حسب أعمالهم، فيظهر حينئذ كمال الإكرام، والانتقام للمبشّرين والمنذرين من الأنام، وقال الحسن والضحاك: أي: نحييهم بالإيمان بعد الجهل، والأول أولى، وقد أطلق النبي - ﷺ - لفظ الموتى على كل غنيِّ مترف، وسلطان جائر، وذلك في قوله - ﷺ -: "أربع يمتن القلب: الذنب على الذنب، وكثرة مصاحبة النساء وحديثهن، وملاحاة الأحمق تقول له، ويقول لك، ومجالسة الموتى" قيل: يا رسول الله، وما مجالسة الموتى؛ قال: "كل غني مترف، وسلطان جائر".
وفي "التأويلات النجمية": نحيي قلوبًا ماتت بالقسوة بما نمطر عليها من صوب الإقبال والزلفة انتهى. فالإحياء إذًا مجاز عن الهداية، ﴿نَكْتُبُ﴾؛ أي: نحفظ ونثبت في اللوح المحفوظ، يدل عليه آخر الآية، أو يكتب رسلنا، وهم الكرام الكاتبون، وإنما أسند إليه تعالى ترهيبًا، ولأنه الآمر به، ﴿مَا قَدَّمُوا﴾؛ أي: ما أسلفوا من خير أو شر، وإنما (١) أخر الكتابة مع أنها مقدمة على الإحياء؛ لأنها ليست مقصودة لذاتها، وإنما تكون مقصودة لأمر الإحياء، ولولا الإحياء والإعادة لما ظهر للكتابة فائدة أصلًا، ﴿وَآثَارَهُمْ﴾؛ أي: ونكتب آثارهم؛ أي: ما أبقوه من
١٢ - ولما ذكر سبحانه وتعالى الرسالة، وهي أحد الأصول الثلاثة التي بها يصير المكلف مؤمنًا.. ذكر الحشر، وهو أحد الأصول الثلاثة، والثالث هو التوحيد، فقال: ﴿إِنَّا﴾ من مقام كمال قدرتنا، والجمع للتعظيم ولكثرة الصفات، وقال بعضهم: جمع الضمير لما في إحياء الموتى من حظ الملائكة، وينافيه الحصر الدالة عليه قوله: ﴿نَحْنُ﴾ قال في "البحر": كرّر الضمير لتكرير التأكيد، ﴿نُحْيِ الْمَوْتَى﴾؛ أي: نبعثهم بعد مماتهم، ونجازيهم على حسب أعمالهم، فيظهر حينئذ كمال الإكرام، والانتقام للمبشّرين والمنذرين من الأنام، وقال الحسن والضحاك: أي: نحييهم بالإيمان بعد الجهل، والأول أولى، وقد أطلق النبي - ﷺ - لفظ الموتى على كل غنيِّ مترف، وسلطان جائر، وذلك في قوله - ﷺ -: "أربع يمتن القلب: الذنب على الذنب، وكثرة مصاحبة النساء وحديثهن، وملاحاة الأحمق تقول له، ويقول لك، ومجالسة الموتى" قيل: يا رسول الله، وما مجالسة الموتى؛ قال: "كل غني مترف، وسلطان جائر".
وفي "التأويلات النجمية": نحيي قلوبًا ماتت بالقسوة بما نمطر عليها من صوب الإقبال والزلفة انتهى. فالإحياء إذًا مجاز عن الهداية، ﴿نَكْتُبُ﴾؛ أي: نحفظ ونثبت في اللوح المحفوظ، يدل عليه آخر الآية، أو يكتب رسلنا، وهم الكرام الكاتبون، وإنما أسند إليه تعالى ترهيبًا، ولأنه الآمر به، ﴿مَا قَدَّمُوا﴾؛ أي: ما أسلفوا من خير أو شر، وإنما (١) أخر الكتابة مع أنها مقدمة على الإحياء؛ لأنها ليست مقصودة لذاتها، وإنما تكون مقصودة لأمر الإحياء، ولولا الإحياء والإعادة لما ظهر للكتابة فائدة أصلًا، ﴿وَآثَارَهُمْ﴾؛ أي: ونكتب آثارهم؛ أي: ما أبقوه من
(١) روح البيان.
487
الحسنات التي لا ينقطع نفعها بعد الموت، كمن سن سنة حسنة، وكعلم علّموه، أو كتاب ألفوه، أو حبيس وقفوه، أو بناء شيء من المساجد والرباطات والقناطر، أو من السيئات التي تبقى بعد موت فاعلها، كوظيفة وظّفها بعض الظلمة على المسلمين مسانهة أو مشاهرة، كخراج وغرامة ومكوس وعشور، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم وشيء فيه صد عن ذكر الله تعالى من ألحان وملاهي ونحوها، قال مجاهد وابن زيد: ونظيره قوله تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)﴾؛ أي: بما قدم من أعماله، وأخَّر من آثاره، فعلى العدول أن يرفعوا الأحداث التي فيها ضرر بيِّن للناس في دينهم ودنياهم، وإلا فالراضي كالفاعل، وكل مجزي بعمله.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَنَكْتُبُ﴾ على البناء للفاعل، وقرأ زر ومسروق: على البناء للمفعول، وقيل: المراد بالآية: آثار المشائين إلى المساجد، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين. قال النحاس: وهو أولى ما قيل في الآية؛ لأنها نزلت في ذلك، كما مر في أسباب النزول، ويجاب عنه بأن الاعتبار بعموم الآية، لا بخصوص سببها، وعمومها يقتضي كتب جميع آثار الخير والشر، والله تعالى لا يترك الجزاء على الخطى، سواء كانت في حسنة، أو في سيئة.
﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء كائنًا ما كان، سواء كان ما يصنعه الإنسان، أو غيره، وهو منصوب بفعل مضمر يفسّره قوله: ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾؛ أي: ضبطناه وبينّاه وكتبناه وحفظناه وعددناه وأثبتناه ﴿فِي إِمَامٍ﴾؛ أي: أصل عظيم الشأن. ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: مظهر لجميع الأشياء مما كان، وما سيكون، وهو اللوح المحفوظ، سمِّي إمامًا؛ لأنه يؤتم به ويتبع، وقالت فرقة: أراد صحائف الأعمال، وفي ذكر الإحصاء ترغيب وترهيب، فإن المحصي لم يصح منه الغفلة في حال من الأحوال، فعلى العاقل أن يراقب نفسه في كل وقت ونفس وحركة وسكتة.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾ بنصب ﴿كل﴾ على الاشتغال، وقرأ أبو السمال: بالرفع على الابتداء.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَنَكْتُبُ﴾ على البناء للفاعل، وقرأ زر ومسروق: على البناء للمفعول، وقيل: المراد بالآية: آثار المشائين إلى المساجد، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين. قال النحاس: وهو أولى ما قيل في الآية؛ لأنها نزلت في ذلك، كما مر في أسباب النزول، ويجاب عنه بأن الاعتبار بعموم الآية، لا بخصوص سببها، وعمومها يقتضي كتب جميع آثار الخير والشر، والله تعالى لا يترك الجزاء على الخطى، سواء كانت في حسنة، أو في سيئة.
﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء كائنًا ما كان، سواء كان ما يصنعه الإنسان، أو غيره، وهو منصوب بفعل مضمر يفسّره قوله: ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾؛ أي: ضبطناه وبينّاه وكتبناه وحفظناه وعددناه وأثبتناه ﴿فِي إِمَامٍ﴾؛ أي: أصل عظيم الشأن. ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: مظهر لجميع الأشياء مما كان، وما سيكون، وهو اللوح المحفوظ، سمِّي إمامًا؛ لأنه يؤتم به ويتبع، وقالت فرقة: أراد صحائف الأعمال، وفي ذكر الإحصاء ترغيب وترهيب، فإن المحصي لم يصح منه الغفلة في حال من الأحوال، فعلى العاقل أن يراقب نفسه في كل وقت ونفس وحركة وسكتة.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾ بنصب ﴿كل﴾ على الاشتغال، وقرأ أبو السمال: بالرفع على الابتداء.
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
488
ومعنى الآية (١): أي إنا نحن نحيي الموتى جميعًا من قبورهم يوم القيامة، ونكتب ما أسلفوا من عمل، وتركوا من أثر حسن بعدهم، كعلم علموه، أو حبيس في سبيل الله وقفوه، أو مستشفى لنفع الأمة أنشؤوه، أو أثر سيء كغرس الأحقاد والأضغان وترتيب مبادىء الشر، والعدوان بين الأنام. روى ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله - ﷺ -: "من سنّ سنة حسنة.. فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سنّ سنة سيئة كان عليها وزرها ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص من أوزارهم شيئًا، ثم تلا: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ ". والمراد من الكتابة ذلك مجازاتهم عليه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ثم ذكر أن الضبط والإحصاء لا يخص أعمال بني آدم، بل يتناول جميع الأشياء، فقال: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: وبينّا كل شيء، وحفظناه في أصل عظيم يؤتم به ويُتبع ولا يخالف، وهو علمنا الأزلي القديم الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها، ونحو الآية قوله: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢)﴾ وقوله: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)﴾.
١٣ - قوله: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ إلى قوله: ﴿خَامِدُونَ﴾، يشير (٢) إلى أصناف ألطافه مع أحبائه، وأنواع قهره مع أعدائه، أمر الله تعالى سيد المرسلين - ﷺ - بإنذار مشركي مكة بتذكيرهم قصة أصحاب القرية، ليحترزوا عن أن يحل بهم ما نزل بكفار أهل القرية.
قال في "الإرشاد": ضرب المثل يستعمل على وجهين:
الأول: في تطبيق حال غريبة بحالة أخرى مثلها، والمعنى عليه: واجعل يا محمد أصحاب القرية مثلًا وشبهًا لأهل مكة في الغلو في الكفر، والإصرار على تكذيب الرسل؛ أي: طبِّق حالهم بحالهم؛ أي: شبه حالهم بحالهم على أن ﴿مَثَلًا﴾ مفعول ثانٍ، و ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ مفعوله الأول، أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه.
١٣ - قوله: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ إلى قوله: ﴿خَامِدُونَ﴾، يشير (٢) إلى أصناف ألطافه مع أحبائه، وأنواع قهره مع أعدائه، أمر الله تعالى سيد المرسلين - ﷺ - بإنذار مشركي مكة بتذكيرهم قصة أصحاب القرية، ليحترزوا عن أن يحل بهم ما نزل بكفار أهل القرية.
قال في "الإرشاد": ضرب المثل يستعمل على وجهين:
الأول: في تطبيق حال غريبة بحالة أخرى مثلها، والمعنى عليه: واجعل يا محمد أصحاب القرية مثلًا وشبهًا لأهل مكة في الغلو في الكفر، والإصرار على تكذيب الرسل؛ أي: طبِّق حالهم بحالهم؛ أي: شبه حالهم بحالهم على أن ﴿مَثَلًا﴾ مفعول ثانٍ، و ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ مفعوله الأول، أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه.
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
489
والثاني: في ذكر حال غريبة، وبيانها للناس من غير قصدٍ إلى تطبيقها بنظيرة لها، والمعنى عليه: واذكر لهم وبيِّن لهم قصة هي في الغرابة كالمثل، فقوله: ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾؛ أي: مثل أصحاب القرية على تقدير المضاف كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾، وهذا المقدر بدل من الملفوظ، أو بيان له.
وقوله: ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ بدل من أصحاب القرية بدل الاشتمال لاشتمال الظروف على ما حل فيها، كأنه قيل: واجعل وقت مجيء المرسلين مثلًا، أو بدل من المضاف المقدر، كأنه قيل: واذكر لهم وقت مجيء المرسلين، وهم رسل عيسى عليه السلام إلى أهل أنطاكية. والمعنى: أي (١): واجعل يا محمد أصحاب قرية أنطاكية مثلًا وشبهًا لهؤلاء المكذبين لك من أهل مكة؛ إذ أصروا على تكذيب الرسل الذين أرسلوا إليهم، كما أصر قومك على تكذيبك عنادًا واستكبارًا، والمشهور لدى المفسرين، ومنهم: قتادة وغيره: أن الرسل هم رسل عيسى عليه السلام من الحواريين، بعثهم إلى أهل أنطاكية، وكان منهم ما قصه الله علينا في كتابه، ويرى ابن عباس، واختاره كثير من أجلة العلماء أن الرسل هم رسل الله تعالى، أرسلهم ردءًا لعيسى عليه السلام، مقررِّين لشريعته، كهارون لموسى عليه السلام، ويؤيد هذا القول:
١ - قولهم: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧)﴾.
٢ - أنهم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا ولهم: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾.
٣ - أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، فقد كانوا أول أهل مدينة آمنت بالمسيح، ومن ثم كانت إحدى المدن الأربع اللاتي فيهم بطارقة النصارى، وهن: القدس وأنطاكية والاسكندرية ورومية؛ لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم ووطده، ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البطريق من رومية إليها.
واسم هذه القرية كما ذكرنا أولًا أنطاكية من قرى الروم، بفتح (٢) الهمزة وكسرها وسكون النون وكسر الكاف وفتح الياء المخففة، قاعدة بلاد يقال لها:
وقوله: ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ بدل من أصحاب القرية بدل الاشتمال لاشتمال الظروف على ما حل فيها، كأنه قيل: واجعل وقت مجيء المرسلين مثلًا، أو بدل من المضاف المقدر، كأنه قيل: واذكر لهم وقت مجيء المرسلين، وهم رسل عيسى عليه السلام إلى أهل أنطاكية. والمعنى: أي (١): واجعل يا محمد أصحاب قرية أنطاكية مثلًا وشبهًا لهؤلاء المكذبين لك من أهل مكة؛ إذ أصروا على تكذيب الرسل الذين أرسلوا إليهم، كما أصر قومك على تكذيبك عنادًا واستكبارًا، والمشهور لدى المفسرين، ومنهم: قتادة وغيره: أن الرسل هم رسل عيسى عليه السلام من الحواريين، بعثهم إلى أهل أنطاكية، وكان منهم ما قصه الله علينا في كتابه، ويرى ابن عباس، واختاره كثير من أجلة العلماء أن الرسل هم رسل الله تعالى، أرسلهم ردءًا لعيسى عليه السلام، مقررِّين لشريعته، كهارون لموسى عليه السلام، ويؤيد هذا القول:
١ - قولهم: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧)﴾.
٢ - أنهم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا ولهم: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾.
٣ - أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، فقد كانوا أول أهل مدينة آمنت بالمسيح، ومن ثم كانت إحدى المدن الأربع اللاتي فيهم بطارقة النصارى، وهن: القدس وأنطاكية والاسكندرية ورومية؛ لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم ووطده، ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البطريق من رومية إليها.
واسم هذه القرية كما ذكرنا أولًا أنطاكية من قرى الروم، بفتح (٢) الهمزة وكسرها وسكون النون وكسر الكاف وفتح الياء المخففة، قاعدة بلاد يقال لها:
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
490
العواصم، وهي ذات عين، وسور عظيم من صخر، داخله خمسة أجبل، دورها اثنا عشر ميلًا، كما في "القاموس" ويقال: أنتاكية بالتاء بدل الطاء، وهو المسموع من لسان الملك في قصة ذكرت في "مشارق الأشواق"، قال الإِمام السهيلي: نسبت أنطاكية إلى أنطقيس، وهو اسم الذي بناها، ثم غيِّرت، وكانت أنطاكية إحدى المدن الأربع التي يكون فيها بطارقة النصارى، وهي أنطاكية والقدس والاسكندرية ورومية، ثم بعدها قسطنطينية. قال في "خريدة العجائب": رومية الكبرى: مدينة عظيمة في داخلها كنيسة عظيمة، طولها ثلاث مئة ذراع، وأركانها من نحاس مفرغ مغطّى كلها بالنحاس الأصفر، وبها أيضًا كنيسة بنيت على هيئة المقدس، وبها ألف حمام، وألف فندق، وهو الخان، ورومية أكبر من أن يحاط بوصفها ومحاسنها، وهي للروم مثل مدينة فرانسة للإفرنج، كرسي ملكهم ومجتمع أمرهم، وبيت ديانتهم، وفتحها من أشراط الساعة.
ذكر القصة في ذلك
١٤ - قال العلماء بأخبار الأنبياء (١): بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلى أهل أنطاكية، فلما قربا من المدينة.. رأيا شيخًا يرعى غنيمات له، وهو حبيب النجار صاحب يس، فسلما عليه، فقال الشيخ لهما: من أنتما؛ فقالا: رسولا عيسى عليه السلام، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فقال الشيخ لهما: أمعكما آية؟ قالا: نعم، نشفي المريض، ونبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى، قال الشيخ: إن لي ابنًا مريضًا منذ سنين، قالا: فانطلق بنا نطلع على حاله، فأتى بهما إلى منزله، فمسحا ابنه، فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحًا، ففشا الخبر في المدينة، وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرًا من المرضى، وكان لهم ملك يعبد الأصنام، اسمه: أنطيخا، وكان من ملوك الروم، فانتهى خبرهما إليه، فدعا بهما، وقال: من أنتما؟ قالا: رسولا عيسى عليه السلام، قال: وفيما جئتما؟ قالا: ندعوك من عبادة ما لا يسمع ويبصر، فقال: وهل لنا إله دون آلهتنا؟ قال: نعم، الذي أوجدك وآلهتك، قال لهما: قوما حتى انظر في أمركما، فتبعهما الناس، فأخذوهما
ذكر القصة في ذلك
١٤ - قال العلماء بأخبار الأنبياء (١): بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلى أهل أنطاكية، فلما قربا من المدينة.. رأيا شيخًا يرعى غنيمات له، وهو حبيب النجار صاحب يس، فسلما عليه، فقال الشيخ لهما: من أنتما؛ فقالا: رسولا عيسى عليه السلام، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فقال الشيخ لهما: أمعكما آية؟ قالا: نعم، نشفي المريض، ونبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى، قال الشيخ: إن لي ابنًا مريضًا منذ سنين، قالا: فانطلق بنا نطلع على حاله، فأتى بهما إلى منزله، فمسحا ابنه، فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحًا، ففشا الخبر في المدينة، وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرًا من المرضى، وكان لهم ملك يعبد الأصنام، اسمه: أنطيخا، وكان من ملوك الروم، فانتهى خبرهما إليه، فدعا بهما، وقال: من أنتما؟ قالا: رسولا عيسى عليه السلام، قال: وفيما جئتما؟ قالا: ندعوك من عبادة ما لا يسمع ويبصر، فقال: وهل لنا إله دون آلهتنا؟ قال: نعم، الذي أوجدك وآلهتك، قال لهما: قوما حتى انظر في أمركما، فتبعهما الناس، فأخذوهما
(١) الخازن.
491
وضربوهما، وقال وهب: بعث عيسى عليه السلام هذين الرجلين إلى أنطاكية، فأتياها، فلم يصلا إلى ملكها، وطالت مدة مقامهما، فخرج الملك ذات يوم فكبّرا وذكرا الله تعالى، فغضب الملك، وأمر بهما فحبسا، وجلد كل واحد منهما مئة جلدة، فلما كُذِّبا وضربا بعث عيسى عليه السلام رأس الحواريين: شمعون الصفي على أثرهما ليبصرهما، فدخل شمعون البلد متنكرًا، فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به، فرفعوا خبره إلى الملك، فدعاه وأنس به وأكرمه ورضي عشرته، فقال للملك ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين في السجن، وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؛ فقال: حال الغضب بيني وبين ذلك، قال: فإنَّ رأيي أيها الملك أن تدعوهما حتى تطلع على ما عندهما، فدعاهما الملك، فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء، وليس له شريك، فقال لهما شمعون: فصفاه وأوجزا، قالا: إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون: وما آيتكما؟ قالا: ما تتمنّاه، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين، وموضع عينيه كالجبهة، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشقّ موضع البصر، فأخذا بندقتين من طين، فوضعاهما في حدقتيه، فصارتا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك، فقال شمعون للملك: إن أنت سألت إلهك حتى يصنع لك مثل هذا كان الشرف لك ولإلهك، فقال له الملك: ليس لي عنك سرٌّ مكتوم، فإن الهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون يدخل مع الملك على الصنم، ويصلي ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين: إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما، قالا: إلهنا قادر على كل شيء، فقال الملك: إن هاهنا ميتًا قد مات منذ سبعة أيام ابن دهقان، وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه، وكان غائبًا، فجاؤوا بالميت، وقد تغيّر وأروح، فجعلا يدعوان ربهما علانية وشمعون يدعو ربه سرًّا، فقام الميت، وقال: إني ميت منذ سبعة أيام، ووجدت مشركًا، فادخلت في سبعة أودية من النار، وأنا أحذِّركم ما أنتم عليه، فآمنوا بالله، ثم قال: فتحت أبواب السماء، فنظرت شابًا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك: ومن الثلاثة؟ قال: شمعون وهذان، وأشار بيده إلى صاحبيه، فعجب الملك من ذلك، فلما علم شمعون أنَّ قوله قد أثر في الملك.. أخبره بالحال ودعاه، فآمن الملك، وأمن معه قوم، وكفر آخرون،
492
قيل: بل كفر الملك، وأجمع على قتل الرسل هو وقومه، فبلغ ذلك حبيبًا، وهو على باب المدينة، فجاء يسعى إليهم يذكِّرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين، فذلك قوله تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾ بدل من ﴿إِذْ﴾ الأولى؛ أي: واذكر لهم وقت إرسالنا اثنين إلى أصحاب القرية، واسمهما: يحيى ويونس، وقيل: صادق ومصدوق، وقيل: غير ذلك، ونسبة إرسالهما إليه تعالى بناءً على أنه بأمره تعالى، فكانت الرسل رسل الله، ويؤيِّده (١) مسألة فقهية، وهي أن وكيل الوكيل بإذن الموكل بأن قال الموكل له: اعمل برأيك يكون وكيلًا للموكل، لا للوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه، وينعزل إذا عزله الموكل الأول، ويجوز أن يكون اللهُ أرسلهم بعد رفع عيسى إلى السماء، وقوله: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ مرتب على محذوف؛ أي: فأتياهم فدعواهم إلى الحق فكذبوهما في الرسالة بلا تراخ وتأمل، وضربوهما وحبسوهما كما سبق، ﴿فَعَزَّزْنَا﴾؛ أي: قويناهما، فحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه، ولأن القصد ذكر المعزوز به، وبيان تدبيره اللطيف الذي به عزّ الحق وذلَّ الباطل.
قرأ الجمهور بالتشديد، وقرأ أبو بكر عن عاصم والحسن وأبو حيوة والمفضل وأبان: بتخفيف الزاي، قال الجوهري: ﴿فَعَزَّزْنَا﴾ يخفف ويشدد؛ أي: قوينا وشددنا، فالقراءتان على هذا بمعنًى، وقيل: التخفيف بمعنى:. غلبنا وقهرنا، ومنه: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾، والتشديد بمعنى: قوينا وكثرنا، ﴿بِثَالِثٍ﴾ هو شمعون الصفار، قاله ابن عباس، ويقال له: شمعون الصخرة أيضًا رئيس الحواريين، وقد كان خليفة عيسى عليه السلام بعد رفعه إلى السماء، وقال كعب ووهب: اسمه شلوم، وقيل: يونس.
قال في "التكملة": اختلف في المرسلين الثلاثة، فقيل: كانوا أنبياء رسلًا، أرسلهم الله تعالى، وقيل: كانوا من الحواريين أرسلهم عيسى بن مريم إلى أهل القرية المذكورة، ولكن لما كان إرساله إياهم عن أمره.. أضاف الإرسال إليه انتهى. علم منه أن الحواريين لم يكونوا أنبياء لا في زمان عيسى ولا بعد رفعه، وإليه الإشارة بقوله - ﷺ -: "ليس بيني وبينه نبي"؛ أي: بين عيسى عليه السلام، وان احتمل أن يكون المراد: النبي الذي يأتي بشريعة مستقلة، وهو لا ينافي وجود النبي
قرأ الجمهور بالتشديد، وقرأ أبو بكر عن عاصم والحسن وأبو حيوة والمفضل وأبان: بتخفيف الزاي، قال الجوهري: ﴿فَعَزَّزْنَا﴾ يخفف ويشدد؛ أي: قوينا وشددنا، فالقراءتان على هذا بمعنًى، وقيل: التخفيف بمعنى:. غلبنا وقهرنا، ومنه: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾، والتشديد بمعنى: قوينا وكثرنا، ﴿بِثَالِثٍ﴾ هو شمعون الصفار، قاله ابن عباس، ويقال له: شمعون الصخرة أيضًا رئيس الحواريين، وقد كان خليفة عيسى عليه السلام بعد رفعه إلى السماء، وقال كعب ووهب: اسمه شلوم، وقيل: يونس.
قال في "التكملة": اختلف في المرسلين الثلاثة، فقيل: كانوا أنبياء رسلًا، أرسلهم الله تعالى، وقيل: كانوا من الحواريين أرسلهم عيسى بن مريم إلى أهل القرية المذكورة، ولكن لما كان إرساله إياهم عن أمره.. أضاف الإرسال إليه انتهى. علم منه أن الحواريين لم يكونوا أنبياء لا في زمان عيسى ولا بعد رفعه، وإليه الإشارة بقوله - ﷺ -: "ليس بيني وبينه نبي"؛ أي: بين عيسى عليه السلام، وان احتمل أن يكون المراد: النبي الذي يأتي بشريعة مستقلة، وهو لا ينافي وجود النبي
(١) روح البيان.
493
المقرر للشريعة المتقدمة.
وقرأ عبد الله: ﴿بالثالث﴾ بالألف واللام، و ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال الثلاثة جميعًا: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ مؤكدين كلامهم لسبق الإنكار، لما أن تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم؛ أي: وجاؤوا بكلامهم هذا مؤكدًا لسبق التكذيب للاثنين، والتكذيب لهما تكذيب للثالث؛ لأنهم أرسلوا جميعًا بشيء واحد، وهو الدعاء إلى الله عز وجل، وهذه الجملة (١) مستأنفة استئنافًا بيانيًا واقعًا في سؤال مقدر، كأنه قيل: ما قال هؤلاء الرسل بعد التعزيز لهم بثالث؟
ومعنى الآية (٢): أي واذكر لهم حين أرسلنا إلى أهل القرية رسولين من عندنا، فأسرعوا في تكذيبهما، فقويناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث، فقالوا لأهل القرية إنا إليكم مرسلون من ربكم الذي خلقكم بأن تخلصوا له العبادة، وتتبرّؤوا مما تعبدون من الألهة والأصنام، والمشهور: إن الرسولين الأولين كانا: يوحنا وبولس، والرسول الثالث: شمعون،
١٥ - ثم ذكر شبهةً كثيرًا ما تمسك بها المكذبون للرسل من الأمم الماضية، ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال أهل أنطاكية الذين لم يؤمنوا مخاطبين للرسل الثلاثة، وهذه الجملة أيضًا مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما قال لهم أهل أنطاكية؛ فقيل: قالوا: ﴿مَا أَنْتُمْ﴾ أيها الثلاثة، ﴿إِلَّا بَشَرٌ﴾؛ أي: آدمي ﴿مِثْلُنَا﴾؛ أي: مشاركون لنا في البشرية، فليس لكم مزية علينا تختصون بها، وهذا من قبيل قصر القلب، فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرًا، ولا منكرين لذلك، لكنهم نزّلوا منزلة المنكرين لاعتقاد الكفار أن الرسول لا يكون بشرًا، فنزلوهم منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا التنافي بين الرسالة والبشرية، فقلبوا هذا الحكم وعكسوه، وقالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا؛ أي: أنتم مقصورون على البشرية، ليس لكم وصف الرسالة التي تدَّعونها، فلا فضل لكم علينا يقتضي اختصاصكم بالرسالة دوننا، ولو أرسل الرحمن إلى البشر رسلًا.. لجعلهم من جنس أفضل منهم، وهم الملائكة على زعمهم، وهذا الموضع قد بسط الكلام فيه في كتب البلاغة فراجعها.
﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ من وحي سماوي، ومن رسول يبلّغه، فكيف صرتم
وقرأ عبد الله: ﴿بالثالث﴾ بالألف واللام، و ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال الثلاثة جميعًا: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ مؤكدين كلامهم لسبق الإنكار، لما أن تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم؛ أي: وجاؤوا بكلامهم هذا مؤكدًا لسبق التكذيب للاثنين، والتكذيب لهما تكذيب للثالث؛ لأنهم أرسلوا جميعًا بشيء واحد، وهو الدعاء إلى الله عز وجل، وهذه الجملة (١) مستأنفة استئنافًا بيانيًا واقعًا في سؤال مقدر، كأنه قيل: ما قال هؤلاء الرسل بعد التعزيز لهم بثالث؟
ومعنى الآية (٢): أي واذكر لهم حين أرسلنا إلى أهل القرية رسولين من عندنا، فأسرعوا في تكذيبهما، فقويناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث، فقالوا لأهل القرية إنا إليكم مرسلون من ربكم الذي خلقكم بأن تخلصوا له العبادة، وتتبرّؤوا مما تعبدون من الألهة والأصنام، والمشهور: إن الرسولين الأولين كانا: يوحنا وبولس، والرسول الثالث: شمعون،
١٥ - ثم ذكر شبهةً كثيرًا ما تمسك بها المكذبون للرسل من الأمم الماضية، ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال أهل أنطاكية الذين لم يؤمنوا مخاطبين للرسل الثلاثة، وهذه الجملة أيضًا مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما قال لهم أهل أنطاكية؛ فقيل: قالوا: ﴿مَا أَنْتُمْ﴾ أيها الثلاثة، ﴿إِلَّا بَشَرٌ﴾؛ أي: آدمي ﴿مِثْلُنَا﴾؛ أي: مشاركون لنا في البشرية، فليس لكم مزية علينا تختصون بها، وهذا من قبيل قصر القلب، فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرًا، ولا منكرين لذلك، لكنهم نزّلوا منزلة المنكرين لاعتقاد الكفار أن الرسول لا يكون بشرًا، فنزلوهم منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا التنافي بين الرسالة والبشرية، فقلبوا هذا الحكم وعكسوه، وقالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا؛ أي: أنتم مقصورون على البشرية، ليس لكم وصف الرسالة التي تدَّعونها، فلا فضل لكم علينا يقتضي اختصاصكم بالرسالة دوننا، ولو أرسل الرحمن إلى البشر رسلًا.. لجعلهم من جنس أفضل منهم، وهم الملائكة على زعمهم، وهذا الموضع قد بسط الكلام فيه في كتب البلاغة فراجعها.
﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ من وحي سماوي، ومن رسول يبلّغه، فكيف صرتم
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
رسلًا، وكيف يجب علينا طاعتكم، وهو تتمّة الكلام المذكور؛ لأنه يستلزم الإنكار أيضًا؛ أي: ما أنزل شيئًا مما تدّعونه ويدعيه غيركم ممن قبلكم من الرسل وأتباعهم وفي قولهم: ﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ﴾ إيماء إلى أنهم يعترفون بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام. ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾؛ أي: ما أنتم ﴿إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ في دعوى رسالته،
١٦ - فأجابوهم بإثبات رسالتهم بكلام مؤكّد تأكيدًا بليغًا لتكرر الإنكار من أهل أنطاكية حيث: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦)﴾؛ وإن كذبتمونا. فأكَّدوا الجواب بالقسم الذي يفهم من قولهم: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ﴾، وبإن وباللام؛ أي: استشهدوا بعلم الله، وهو يجري مجرى القسم في التوكيد مع ما فيه من تحذيرهم معارضة علم الله، وزادوا اللام لما شهدوا منهم من شدة الإنكار،
١٧ - ﴿وَمَا عَلَيْنَا﴾؛ أي: من جهة ربنا، ﴿إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: إلا تبليغ رسالته تبليغًا ظاهرًا واضحًا مبينًا بالآيات الشاهدة بالصحة، فإنه لا بدّ للدعوى من البينة، وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا، وليس في وسعنا إجباركم على الإيمان، ولا أن نوقع في قلوبكم العلم بصدقنا، فإن آمنتم وإلا فينزل العذاب عليكم، وفيه تعريض لهم بأن إنكارهم للحق ليس لخفاء حاله وصحته، بل هو مبنى على محض العناد والحمية الجاهلية.
١٨ - وهذه الجملة مستأنفة كالتي قلبها، وكذلك قوله: ﴿قَالُوا﴾ لما ضاقت عليهم الحيل، ولم يبقَ لهم علل وحجج، ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ فإنها مستأنفة جوابًا عن سؤال مقدر؛ أي إنا تشاءمنا بكم جريًا على ديدن الجهلة؛ حيث كانوا يتمنون بكل ما يوافق شهواتهم، وإن كان مستجلبًا لكل شرٍّ ووبال، ويتشاءمون بكل ما لا يوافقها، وإن كان مستتبعًا لسعادة الدارين، وقال النقشبندي: قد تشاءمنا بقدومكم؛ إذ منذ قدمتم إلى ديارنا ما نزل القطر علينا، وما أصابنا هذا الشر إلا من قبلكم، أخرجوا من بيننا، واخرجوا إلى أوطانكم سالمين، وانتهوا عن دعوتكم، ولا تتفوّها بها بعد، قيل: أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل، وكان - ﷺ - يحب التفاؤل، ويكره التطيُّر، والفرق بينهما (١): أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله، والتطير إنما هو من طريق الاتكال على شيء سواه.
١٦ - فأجابوهم بإثبات رسالتهم بكلام مؤكّد تأكيدًا بليغًا لتكرر الإنكار من أهل أنطاكية حيث: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦)﴾؛ وإن كذبتمونا. فأكَّدوا الجواب بالقسم الذي يفهم من قولهم: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ﴾، وبإن وباللام؛ أي: استشهدوا بعلم الله، وهو يجري مجرى القسم في التوكيد مع ما فيه من تحذيرهم معارضة علم الله، وزادوا اللام لما شهدوا منهم من شدة الإنكار،
١٧ - ﴿وَمَا عَلَيْنَا﴾؛ أي: من جهة ربنا، ﴿إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: إلا تبليغ رسالته تبليغًا ظاهرًا واضحًا مبينًا بالآيات الشاهدة بالصحة، فإنه لا بدّ للدعوى من البينة، وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا، وليس في وسعنا إجباركم على الإيمان، ولا أن نوقع في قلوبكم العلم بصدقنا، فإن آمنتم وإلا فينزل العذاب عليكم، وفيه تعريض لهم بأن إنكارهم للحق ليس لخفاء حاله وصحته، بل هو مبنى على محض العناد والحمية الجاهلية.
١٨ - وهذه الجملة مستأنفة كالتي قلبها، وكذلك قوله: ﴿قَالُوا﴾ لما ضاقت عليهم الحيل، ولم يبقَ لهم علل وحجج، ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ فإنها مستأنفة جوابًا عن سؤال مقدر؛ أي إنا تشاءمنا بكم جريًا على ديدن الجهلة؛ حيث كانوا يتمنون بكل ما يوافق شهواتهم، وإن كان مستجلبًا لكل شرٍّ ووبال، ويتشاءمون بكل ما لا يوافقها، وإن كان مستتبعًا لسعادة الدارين، وقال النقشبندي: قد تشاءمنا بقدومكم؛ إذ منذ قدمتم إلى ديارنا ما نزل القطر علينا، وما أصابنا هذا الشر إلا من قبلكم، أخرجوا من بيننا، واخرجوا إلى أوطانكم سالمين، وانتهوا عن دعوتكم، ولا تتفوّها بها بعد، قيل: أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل، وكان - ﷺ - يحب التفاؤل، ويكره التطيُّر، والفرق بينهما (١): أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله، والتطير إنما هو من طريق الاتكال على شيء سواه.
(١) روح البيان.
495
وفي الخبر: لما توجه النبي - ﷺ - نحو المدينة.. لقي بريدة بن أسلم، فقال: "من أنت يا فتى"؟ قال: بريدة، فالتفت النبي - ﷺ - إلى أبي بكر فقال: "برد أمرنا وصلح"؛ أي: سهل، ثم قال عليه السلام: "ابن من أنت يا فتى؟ " قال: ابن أسلم، فقال النبي عليه السلام لأبي بكر رضي الله عنه: "سلمنا من كيدهم".
وفي الفقه: لو صاحت الهامة أو طير آخر، فقال رجل: يموت المريض، يكفر، ولو خرج إلى السفر ورجع فقال: ارجع لصياح العقعق، كفر عند البعض وفي الحديث: "ليس عبد إلا سيدخل في قلبه الطيرة، فماذا أحسَّ بذلك.. فليقل: أنا عبد الله، ما شاء الله لا قوّة إلا بالله، لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يذهب بالسيئات إلا الله، أشهد أن الله على كل شيء قدير، ثم يمضي بوجهه"؛ أي: يمر إلى جهة حاجته، قالوا: من تطير تطيرًا منهيًا عنه حتى منعه مما يريده من حاجته، فإنه قد يصيبه ما يكرهه، كما في "عقد الدر".
﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا﴾؛ أي: والله لئن لم تمتنعوا عن مقالتكم هذه، ولم تسكتوا عنا ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾؛ أي: لنرمينكم بالحجارة؛ أي: لئ لم تتركوا هذه الدعوى، وتعرضوا عن هذه المقالة.. لنرجمنكم بالحجارة. ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾؛ أي: وليصيبنكم، ﴿مِنَّا﴾؛ أي: من جهتنا، ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: عذاب شديد وجيع فظيع؛ أي: لا نكتفي برجمكم بحجر أو حجرين، بل نديم ذلك عليكم إلى الموت، وهذا العذاب الأليم، أو ليمسنكم بسبب الرجم منا عذاب مؤلم. قال الفراء: عامة ما في القرآن من الرجم المراد به: القتل: وقال قتادة هو على بابه من الرجم بالحجارة، قيل: ومعنى العذاب: القتل: وقيل: الشتم، وقيل: هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص، وهذا هو الظاهر. وفسر بعضهم الرجم بالشتم، فيكون المعنى: لا نكتفي بالشتم، بل يكون شتمنا مؤديًا إلى الضرب والإيلام الحسي.
والمعنى (١): أي إنا تشاءمنا من تبليغكم ودعوتكم، فقد افتتن بعض القوم بكم، وتفرقت كلمتنا، وانفرط عقد وحدثنا، ولئن لم تنتهوا عن بث هذه الدعوة بيننا لنرجمنكم بالحجارة رجمًا، ولنمثلن بكم شر التمثيل، أو لنعذبنكم عذابًا شديدًا، ؤأنتم أحياء.
وفي الفقه: لو صاحت الهامة أو طير آخر، فقال رجل: يموت المريض، يكفر، ولو خرج إلى السفر ورجع فقال: ارجع لصياح العقعق، كفر عند البعض وفي الحديث: "ليس عبد إلا سيدخل في قلبه الطيرة، فماذا أحسَّ بذلك.. فليقل: أنا عبد الله، ما شاء الله لا قوّة إلا بالله، لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يذهب بالسيئات إلا الله، أشهد أن الله على كل شيء قدير، ثم يمضي بوجهه"؛ أي: يمر إلى جهة حاجته، قالوا: من تطير تطيرًا منهيًا عنه حتى منعه مما يريده من حاجته، فإنه قد يصيبه ما يكرهه، كما في "عقد الدر".
﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا﴾؛ أي: والله لئن لم تمتنعوا عن مقالتكم هذه، ولم تسكتوا عنا ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾؛ أي: لنرمينكم بالحجارة؛ أي: لئ لم تتركوا هذه الدعوى، وتعرضوا عن هذه المقالة.. لنرجمنكم بالحجارة. ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾؛ أي: وليصيبنكم، ﴿مِنَّا﴾؛ أي: من جهتنا، ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: عذاب شديد وجيع فظيع؛ أي: لا نكتفي برجمكم بحجر أو حجرين، بل نديم ذلك عليكم إلى الموت، وهذا العذاب الأليم، أو ليمسنكم بسبب الرجم منا عذاب مؤلم. قال الفراء: عامة ما في القرآن من الرجم المراد به: القتل: وقال قتادة هو على بابه من الرجم بالحجارة، قيل: ومعنى العذاب: القتل: وقيل: الشتم، وقيل: هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص، وهذا هو الظاهر. وفسر بعضهم الرجم بالشتم، فيكون المعنى: لا نكتفي بالشتم، بل يكون شتمنا مؤديًا إلى الضرب والإيلام الحسي.
والمعنى (١): أي إنا تشاءمنا من تبليغكم ودعوتكم، فقد افتتن بعض القوم بكم، وتفرقت كلمتنا، وانفرط عقد وحدثنا، ولئن لم تنتهوا عن بث هذه الدعوة بيننا لنرجمنكم بالحجارة رجمًا، ولنمثلن بكم شر التمثيل، أو لنعذبنكم عذابًا شديدًا، ؤأنتم أحياء.
(١) المراغي.
496
والخلاصة: إنّا إما أن نقتلكم أو نلقينكم في غيابات السجون، وننكل بكم تنكيلًا عظيمًا،
١٩ - ثم أجاب عليهم الرسل دفعًا لما زعموه من التطير بهم، فـ ﴿قَالُوا﴾؛ أي: المرسلون لأهل أنطاكية، ﴿طَائِرُكُمْ﴾؛ أي: سبب شؤمكم، ﴿مَعَكُمْ﴾؛ في: من جهة أنفسكم لازم في أعناقكم، لا من قبلنا، وليس هو من شؤمنا؛ أي: سوء حالكم وشدتكم، وإصابة الضرر بكم من الله بسببكم، وهو سوء اعتقادكم، وقبح أعمالكم، فالطائر بمعنى ما يتشاءم به مطلقًا، قال الفراء: طائركم؛ أي: رزقكم وعملكم، وبه قال قتادة، وقال أبو حيان؛ أي: حظكم، وما صار لكم من خير أمر شر معكم؛ أي: من أفعالكم ليس هو من أجلنا، بل بكفركم؛ أي: قالوا لهم: سبب شؤمكم من أفعالكم، لا من قبلنا كما تزعمون، فأنتم أشركتم بالله سواه، وأولعتم بالمعاصي، واجترحتم السيئات، أما نحن فلا شؤم من قبلنا، فإنا لا ندعوا إلا إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، والإنابة إليه، وفي ذلك منتهى اليمن والبركة.
وقرأ الجمهور (١): ﴿طَائِرُكُمْ﴾ على وزن اسم الفاعل، وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش: ﴿طيركم﴾ بياء ساكنة بعد الطاء، وقرأ الحسن فيما نقل: ﴿اطيركم﴾ مصدر؛ اطير الذي أصله: تطير، فأدغمت التاء في الطاء، فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر، وقوله: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ بهمزتين همزة الاستفهام التوبيخي، وهمزة إن الشرطية، وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه؛ أي: هل إن وعظتم بما فيه سعادتكم، وخوفتم.. تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب؟
وقوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ إضراب (٢) عما تقضيه الشرطية من كون التذكير سببًا للشؤوم، أو مصحِّحًا للتوعيد؛ أي: ليس الأمر كذلك، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان والتجاوز فيه عن الحد، فلذلك أتاكم الشؤم أو في الظلم والعدوان، ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب إكرامه والتبرك به، وهؤلاء القوم في الحقيقة هم النفس وصفاتها، فإنها أسرفت في موافقة الطبع ومخالفة الحق، فكل من كان في يد مثل هذه النفس.. فهو لا يبالي بالوقوع في المهالك،
١٩ - ثم أجاب عليهم الرسل دفعًا لما زعموه من التطير بهم، فـ ﴿قَالُوا﴾؛ أي: المرسلون لأهل أنطاكية، ﴿طَائِرُكُمْ﴾؛ أي: سبب شؤمكم، ﴿مَعَكُمْ﴾؛ في: من جهة أنفسكم لازم في أعناقكم، لا من قبلنا، وليس هو من شؤمنا؛ أي: سوء حالكم وشدتكم، وإصابة الضرر بكم من الله بسببكم، وهو سوء اعتقادكم، وقبح أعمالكم، فالطائر بمعنى ما يتشاءم به مطلقًا، قال الفراء: طائركم؛ أي: رزقكم وعملكم، وبه قال قتادة، وقال أبو حيان؛ أي: حظكم، وما صار لكم من خير أمر شر معكم؛ أي: من أفعالكم ليس هو من أجلنا، بل بكفركم؛ أي: قالوا لهم: سبب شؤمكم من أفعالكم، لا من قبلنا كما تزعمون، فأنتم أشركتم بالله سواه، وأولعتم بالمعاصي، واجترحتم السيئات، أما نحن فلا شؤم من قبلنا، فإنا لا ندعوا إلا إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، والإنابة إليه، وفي ذلك منتهى اليمن والبركة.
وقرأ الجمهور (١): ﴿طَائِرُكُمْ﴾ على وزن اسم الفاعل، وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش: ﴿طيركم﴾ بياء ساكنة بعد الطاء، وقرأ الحسن فيما نقل: ﴿اطيركم﴾ مصدر؛ اطير الذي أصله: تطير، فأدغمت التاء في الطاء، فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر، وقوله: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ بهمزتين همزة الاستفهام التوبيخي، وهمزة إن الشرطية، وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه؛ أي: هل إن وعظتم بما فيه سعادتكم، وخوفتم.. تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب؟
وقوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ إضراب (٢) عما تقضيه الشرطية من كون التذكير سببًا للشؤوم، أو مصحِّحًا للتوعيد؛ أي: ليس الأمر كذلك، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان والتجاوز فيه عن الحد، فلذلك أتاكم الشؤم أو في الظلم والعدوان، ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب إكرامه والتبرك به، وهؤلاء القوم في الحقيقة هم النفس وصفاتها، فإنها أسرفت في موافقة الطبع ومخالفة الحق، فكل من كان في يد مثل هذه النفس.. فهو لا يبالي بالوقوع في المهالك،
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
497
ولا يزال يدعو الناس إلى ما سلكه من شر المسالك، وكل من تخلص عنها وزكاها.. أفلح هو ومن تبعه، ولذا وعظ الأنبياء، وذكَّروا ونبَّهوا الناس على خطئهم وإسرافهم، وردوهم عن طريقة أسلافهم، ولكن الذكرى إنما تنفع المؤمنين.
والمعنى (١): أي أمن جرّاء أنا ذكرناكم وأمرناكم بعبادة الله مخلصين له الدين.. تقابلونا بمثل هذا الوعيد، بل أنتم قوم ديدنكم الإسراف، ومجاوزة الحد في الطغيان، ومن ثَمَّ جاءكم الشؤم، ولا دخل لرسل الله في ذلك.
والخلاصة: أنتم قوم مسرفون في ضلالتكم، متمادون في غيِّكم، تتشاءمون بمن يجب التبرك بهم من هداة الدين، فقد جعلتم أسباب السعادة أسبابًا للشقاء، ولا يخفى ما في ذلك من شديد التوبيخ وعظيم التهديد، والتنبيه إلى سوء صنيعهم بحرمانهم من الخيرات، ونحو الآية قوله تعالى حكاية عن قوم فرعون: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾.
وقرأ الجمهور من السبعة وغيرهم (٢): ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ بهمزتين، الأولى همزة الاستفهام التوبيخي، والثانية همزة إن الشرطية، فحققها الكوفيون، وابن عامر، وسهلها باقي السبعة، وقرأ زر بن حبيش وابن السميقع: بهمزتين مفتوحتين ﴿أأن﴾ وهي قراءة أبي جعفر وطلحة، إلا أنهما لينا الثانية بين بين، وقرأ الماجشون، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة المدني: بهمزة واحدة مفتوحة، والحسن بهاء مكسورة، وأبو عمرو في رواية، وزر أيضًا: بمدة قبل الهمزة المفتوحة، استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف. وقرأ أبو جعفر أيضًا والحسن أيضًا وقتادة وعيسى الهمداني والأعمش: ﴿أين﴾ بهمزة مفتوحة وياء ساكنة ونون مفتوحة، ظرف مكان، وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضًا، فالقراءة الأولى على معنى: هل إن ذكرتم تتطيرون؛ بجعل المحذوف مصب الاستفهام على مذهب سيبويه، وبجعله للشرط على مذهب يونس، فإن قدرته مضارعًا كان مجزومًا، والقراءة الثانية على معنى: ألِئن ذُكِّرتم تطيرتم، فإن مفعول من أجله، وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة، والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة، وقراءة الهمزة المكسور
والمعنى (١): أي أمن جرّاء أنا ذكرناكم وأمرناكم بعبادة الله مخلصين له الدين.. تقابلونا بمثل هذا الوعيد، بل أنتم قوم ديدنكم الإسراف، ومجاوزة الحد في الطغيان، ومن ثَمَّ جاءكم الشؤم، ولا دخل لرسل الله في ذلك.
والخلاصة: أنتم قوم مسرفون في ضلالتكم، متمادون في غيِّكم، تتشاءمون بمن يجب التبرك بهم من هداة الدين، فقد جعلتم أسباب السعادة أسبابًا للشقاء، ولا يخفى ما في ذلك من شديد التوبيخ وعظيم التهديد، والتنبيه إلى سوء صنيعهم بحرمانهم من الخيرات، ونحو الآية قوله تعالى حكاية عن قوم فرعون: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾.
وقرأ الجمهور من السبعة وغيرهم (٢): ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ بهمزتين، الأولى همزة الاستفهام التوبيخي، والثانية همزة إن الشرطية، فحققها الكوفيون، وابن عامر، وسهلها باقي السبعة، وقرأ زر بن حبيش وابن السميقع: بهمزتين مفتوحتين ﴿أأن﴾ وهي قراءة أبي جعفر وطلحة، إلا أنهما لينا الثانية بين بين، وقرأ الماجشون، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة المدني: بهمزة واحدة مفتوحة، والحسن بهاء مكسورة، وأبو عمرو في رواية، وزر أيضًا: بمدة قبل الهمزة المفتوحة، استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف. وقرأ أبو جعفر أيضًا والحسن أيضًا وقتادة وعيسى الهمداني والأعمش: ﴿أين﴾ بهمزة مفتوحة وياء ساكنة ونون مفتوحة، ظرف مكان، وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضًا، فالقراءة الأولى على معنى: هل إن ذكرتم تتطيرون؛ بجعل المحذوف مصب الاستفهام على مذهب سيبويه، وبجعله للشرط على مذهب يونس، فإن قدرته مضارعًا كان مجزومًا، والقراءة الثانية على معنى: ألِئن ذُكِّرتم تطيرتم، فإن مفعول من أجله، وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة، والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة، وقراءة الهمزة المكسور
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
498
وحدها، فحرف شرط بمعنى الإخبار؛ أي: إن ذكِّرتم تطيَّرتم، والقراءة الأخيرة: ﴿أين﴾ فيها ظرف مكان، أداة الشرط حذف جزاؤه للدلالة عليه، تقديره: أين ذكرتم صحبكم طائركم، ويدل عليه قوله: ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ ومن جوَّز تقديم الجزاء على الشرط وهم الكوفيون وأبو زيد المبرد.. يجوز أن يكون الجواب: طائركم معكم، وكان أصله: أين ذكرتم فطائركم معكم، فلما قدم حذفت الفاء.
وقرأ الجمهور: ﴿ذُكِّرْتُمْ﴾ بتشديد الكاف، وأبو جعفر وخالد بن إلياس وطلحة والحسن وقتادة وأبو حيوة والأعمش من طريق زائد والأصمعى عن نافع بتخفيفها.
٢٠ - ثم أبان أن الحق لا يعدم نصيرًا، وأن الله يقيِّض له من يدافع عنه فقال: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾؛ أي: من أبعد جوانب أنطاكية، ﴿رَجُلٌ﴾ عظيمُ الشأن، قويُّ الإيمان، فيه (١) إشارة إلى رجولية الجائي وجلادته، وتنكيره لتعظيم شأنه، لا لكونه رجلًا منكورًا غير معلوم، فإنه معلوم عند الله تعالى، وكان منزله عند أقصى باب المدينة، وفي مجيئه من أقصى المدينة بيان لكون الرسل أتوا بالبلاغ المبين حتى بلغت دعوتهم إلى أقصى المدينة، حيث آمن الرجل، وكان دور السور اثني عشر ميلًا؛ أي: فلما سمع خبر الرسل مع القوم جاء حالة كونه ﴿يَسْعَى﴾؛ أي: يسرع في مشيه، فإن السعي: المشي السريع، وهو دون العدو، كما في "المفردات".
فإن قلت (٢): لِمَ قدَّم هنا ﴿مِنْ أَقْصَى﴾ على ﴿رَجُلٌ﴾، وأخره عنه في سورة القصص؟.
قلت: خالف بين الموضعين بالتقديم والتأخير تفننًا في البلاغة، وهو من المحسنات البديعية اللفظية، وذلك الرجل هو حبيب بن موسى النجار المشهور عند العلماء بصاحب يس، وفي بعض التواريخ كان من نسل الإسكندر الرومي، وإنما سمي حبيب النجار؛ لأنه كان نجارًا ينحت الأصنام وغيرها. وقيل: كان إسكافًا، وقيل: كان قصارًا، ويمكن أن يكون جامعًا لهذه الصنائع، وقيل: هو حبيب بن
وقرأ الجمهور: ﴿ذُكِّرْتُمْ﴾ بتشديد الكاف، وأبو جعفر وخالد بن إلياس وطلحة والحسن وقتادة وأبو حيوة والأعمش من طريق زائد والأصمعى عن نافع بتخفيفها.
٢٠ - ثم أبان أن الحق لا يعدم نصيرًا، وأن الله يقيِّض له من يدافع عنه فقال: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾؛ أي: من أبعد جوانب أنطاكية، ﴿رَجُلٌ﴾ عظيمُ الشأن، قويُّ الإيمان، فيه (١) إشارة إلى رجولية الجائي وجلادته، وتنكيره لتعظيم شأنه، لا لكونه رجلًا منكورًا غير معلوم، فإنه معلوم عند الله تعالى، وكان منزله عند أقصى باب المدينة، وفي مجيئه من أقصى المدينة بيان لكون الرسل أتوا بالبلاغ المبين حتى بلغت دعوتهم إلى أقصى المدينة، حيث آمن الرجل، وكان دور السور اثني عشر ميلًا؛ أي: فلما سمع خبر الرسل مع القوم جاء حالة كونه ﴿يَسْعَى﴾؛ أي: يسرع في مشيه، فإن السعي: المشي السريع، وهو دون العدو، كما في "المفردات".
فإن قلت (٢): لِمَ قدَّم هنا ﴿مِنْ أَقْصَى﴾ على ﴿رَجُلٌ﴾، وأخره عنه في سورة القصص؟.
قلت: خالف بين الموضعين بالتقديم والتأخير تفننًا في البلاغة، وهو من المحسنات البديعية اللفظية، وذلك الرجل هو حبيب بن موسى النجار المشهور عند العلماء بصاحب يس، وفي بعض التواريخ كان من نسل الإسكندر الرومي، وإنما سمي حبيب النجار؛ لأنه كان نجارًا ينحت الأصنام وغيرها. وقيل: كان إسكافًا، وقيل: كان قصارًا، ويمكن أن يكون جامعًا لهذه الصنائع، وقيل: هو حبيب بن
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط بتصرف.
(٢) البحر المحيط بتصرف.
إسرائيل النجار، قيل: كان مجذومًا، فمنزله عند أقصى باب أو أبواب المدينة، عَبَد الأصنام سبعين سنة، يدعوهم لكشف ضره، فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله تعالى.. قال: هل من آية؟ قالوا: نعم، ندعو ربنا القادر يفرّج عنك ما بك، فقال: إن هذا لعجيب، لي سبعون سنةً أدعو هذه الآلهة، فلم تستطع، يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: نعم، ربنا على ما يشاء قدير، وهذه لا تنفع شيئًا، ولا تضر، فآمن، ودعوا ربهم، فكشف الله ما به كأن لم يكن به بأس، فأقبل على التكسب، فإذا تكسب.. تصدق بنصف سبه، والنصف الآخر لنفسه وعياله، فلما همَّ قوعه بقتل الرسل.. جاءهم يسعى، فـ ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا﴾ هؤلاء ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ المبعوثين إليكم بالحق، وهذه الجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما قال عندما جاء ساعيًا، ووصل إلى المجتمع، ورآهم مجتمعين على الرسل قاصدين قتلًا؟ فقيل: قال: يا قوم، أصله: يا قومي، خاطبهم بيا قومي لتأليف قلوبهم، واستمالتها نحو قبول نصيحته، وللإشارة إلى أنه لا يريد بهم إلا الخير، وأنه غير متهم بإرادة السوء بهم، قال بعضهم: وكان مشهورًا بينهم بالورع واعتدال الأخلاق، وفي قوله: ﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ تعرض لعنوان رسالتهم حثًا لهم على اتباعهم.
٢١ - ثم أكد ذلك وكرره فقال: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ﴾؛ أي: من لا يسألونكم ﴿أَجْرًا﴾ وجعلًا على ما جاوؤكم به أو الهدى؛ أي: لا يطلبون منكم أجرةً ومالًا على النصح لكم، وتبليغ الرسالة إليكم. ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم مهتدون في أنفسهم إلى خير الدين والدنيا، والمهتدي إلى طريق الحق الموصل إلى هذا الخير إذا لم يكن متهمًا في الدعوة.. يجب اتباعه، وإن لم يكن رسولًا، فكيف وهم ورسل ومهتدون؟! ومن قال: الإيغال هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتمّ المعنى بدونها.. تكون الآية عنده مثالًا له؛ لأن قوله: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ مما يتم المعنى بدونه؛ لأن الرسول مهتدٍ لا محالة إلا أن فيه زيادة حث على اتباع الرسل، وترغيب فيه، فقوله: ﴿مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ﴾ بدل أو المرسلين معمول لاتبعوا النقول، والثاني: تأكيد لفظي للأول، نظير قوله تعالى: ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ﴾ هذا عند بعض النحويين، وأما عند جمهورهم فلا يجوز أو يعرب بدلًا إذا صُرِّح بالعامل الرافع أو الناصب. قال في "الإرشاد": تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يرغبهم في اتباعهم أو التنزه عن الغرض الدنيوي الاهتداء إلى خير الدنيا والدين.
٢١ - ثم أكد ذلك وكرره فقال: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ﴾؛ أي: من لا يسألونكم ﴿أَجْرًا﴾ وجعلًا على ما جاوؤكم به أو الهدى؛ أي: لا يطلبون منكم أجرةً ومالًا على النصح لكم، وتبليغ الرسالة إليكم. ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم مهتدون في أنفسهم إلى خير الدين والدنيا، والمهتدي إلى طريق الحق الموصل إلى هذا الخير إذا لم يكن متهمًا في الدعوة.. يجب اتباعه، وإن لم يكن رسولًا، فكيف وهم ورسل ومهتدون؟! ومن قال: الإيغال هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتمّ المعنى بدونها.. تكون الآية عنده مثالًا له؛ لأن قوله: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ مما يتم المعنى بدونه؛ لأن الرسول مهتدٍ لا محالة إلا أن فيه زيادة حث على اتباع الرسل، وترغيب فيه، فقوله: ﴿مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ﴾ بدل أو المرسلين معمول لاتبعوا النقول، والثاني: تأكيد لفظي للأول، نظير قوله تعالى: ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ﴾ هذا عند بعض النحويين، وأما عند جمهورهم فلا يجوز أو يعرب بدلًا إذا صُرِّح بالعامل الرافع أو الناصب. قال في "الإرشاد": تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يرغبهم في اتباعهم أو التنزه عن الغرض الدنيوي الاهتداء إلى خير الدنيا والدين.
انتهى. وفيه ذم للمتشيخة المزوِّرين الذين يجمعون بتلبيساتهم أموالًا كثيرةً من الضعفاء الحمقى، السائلين، نحو أباطيلهم، ودليل على نقص من يأخذ أجرًا على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة له، كالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى.
والمعنى (١): أي وجاء من أطراف المدينة رجل يعدو مسرعًا لينصح قومه حين بلغه أنهم عقدوا النية على قتل الرسل، فتقدم للذب عنهم ابتغاء وجه الله ونيل ثوابه، قال: يا قوم، اتبعوا رسول الله الذين لا يطلبون منكم أجرًا على تبليغهم، ولا يطلبون علوًا في الأرض ولا فسادًا، وهم سالكون طريق الهداية التي توصل إلى سعادة الدارين
روي: أن هذا الرجل يسمى حبيبًا، وكان نجارًا، قال ابن أبي ليلى: سباقوا الأمم ثلاثة، لم يكفروا قط طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون. ورواه الزمخشري حديثًا، وقال ابن كثير: إنه حديث منكر لا أصل
٢٢ - ثم أبان أنه ما اختار لهم إلا ما اختاره لنفسه، فقال: ﴿وَمَا لِيَ﴾؛ أي: وأيُّ شيء ثبت لي، وأي عذر ومانع عرض لي في كوني ﴿لَا أَعْبُدُ﴾ الإله ﴿الَّذِي فَطَرَنِي﴾ وخلقني وطهرني من كتم العدل، ورباني بأنواع اللطف والكرم، وهذا تلطف منه في الإرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح؛ حيث أراهم أنه أختار لهم ما يختار لنفسه، والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره؛ أي: أيُّ مانع من جانبي يمنعني من عبادة الذي خلقني؛ أي: لا مانع له من ذلك، فالاستفهام إنكاري.
قرأ غير حمزة (٢): بفتح الياء، وقرأ حمزة بإسكانها، ثم رجع إلى خطابهم لبيان أنه ما أراد نفسه، بل أرادهم بكلامه فقال: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، ولم يقل: إليه أرجع، وفيه مبالغة في التهديد؛ أي: إليه تعالى لا إلى غيره تردون أيها القوم بعد البعث للمجازاة والمحاسبة.
والمعنى (١): أي وجاء من أطراف المدينة رجل يعدو مسرعًا لينصح قومه حين بلغه أنهم عقدوا النية على قتل الرسل، فتقدم للذب عنهم ابتغاء وجه الله ونيل ثوابه، قال: يا قوم، اتبعوا رسول الله الذين لا يطلبون منكم أجرًا على تبليغهم، ولا يطلبون علوًا في الأرض ولا فسادًا، وهم سالكون طريق الهداية التي توصل إلى سعادة الدارين
روي: أن هذا الرجل يسمى حبيبًا، وكان نجارًا، قال ابن أبي ليلى: سباقوا الأمم ثلاثة، لم يكفروا قط طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون. ورواه الزمخشري حديثًا، وقال ابن كثير: إنه حديث منكر لا أصل
٢٢ - ثم أبان أنه ما اختار لهم إلا ما اختاره لنفسه، فقال: ﴿وَمَا لِيَ﴾؛ أي: وأيُّ شيء ثبت لي، وأي عذر ومانع عرض لي في كوني ﴿لَا أَعْبُدُ﴾ الإله ﴿الَّذِي فَطَرَنِي﴾ وخلقني وطهرني من كتم العدل، ورباني بأنواع اللطف والكرم، وهذا تلطف منه في الإرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح؛ حيث أراهم أنه أختار لهم ما يختار لنفسه، والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره؛ أي: أيُّ مانع من جانبي يمنعني من عبادة الذي خلقني؛ أي: لا مانع له من ذلك، فالاستفهام إنكاري.
قرأ غير حمزة (٢): بفتح الياء، وقرأ حمزة بإسكانها، ثم رجع إلى خطابهم لبيان أنه ما أراد نفسه، بل أرادهم بكلامه فقال: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، ولم يقل: إليه أرجع، وفيه مبالغة في التهديد؛ أي: إليه تعالى لا إلى غيره تردون أيها القوم بعد البعث للمجازاة والمحاسبة.
(١) المراغي.
(٢) البيضاوي.
(٢) البيضاوي.
فإن قلت (١): كيف أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع الذي هو البعث إليهم مع علمه بأن الله فطرهم وإياه، وإليه يرجع هو وهم، فلم يقل: الذي فطرنا وإليه نرجع، أو: فطركم وإليه ترجعون؟.
قلت: لأن الخلق والإيجاد نعمة من الله تعالى، توجب الشكر، والبعث بعد الموت للجزاء وعيد من الله يوجب الزجر، فأضاف ما يقتضي الشكر إلى نفسه؛ لأنه أليق بايمانه، وما يقتضي الزجر إليهم؛ لأنه أليق بكفرهم.
والمعنى: أي وما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني، وإليه المرجع للجزاء يوم المعاد، فيجازيكم على أعمالكم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وفي هذا تقريع لهم بتركهم عبادة الخالق، وعبادة غيره، وتهديد بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب،
٢٣ - ثم أعاد التوبيخ مرةً أخرى، وساق الكلام المساق الأول، وهو إبراز الكلام في صورة النصيحة لنفسه فقال: ﴿أَأَتَّخِذُ﴾؛ أي: أأعبد ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى، ﴿آلِهَةً﴾ آلهة لا تملك من الأمر شيئًا، وهي الأصنام، وهو إنكار ونفي لاتخاذ الآلهة على الإطلاق؛ أي: لا أتخذ من دون الذي فطرني آلهة باطلة لا تنفعني ولا تضرني، فجعل الإنكار متوجهًا إلى نفسه، وهم المرادون به؛ أي: لا أتخذ من دون الله آلهة وأعبدها، وأترك عبادة من يستحق العبادة، وهو الذي فطرني، ثم بيّن حال هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله سبحانه إنكارًا عليهم، وبيانًا لضلال عقولهم وقصور إدراكهم فقال: ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ﴾ وقرأ طلحة بن مصرف ﴿إن يزدني﴾ بفتح الياء؛ أي: إن أرادني الرحمن بضرر؛ أي: إن أراد الرحمن أن يصيبني بسوء ومكروه ﴿لَا تُغْنِ عَنِّي﴾؛ أي: لا تدفع عني، ﴿شَفَاعَتُهُمْ﴾؛ أي: شفاعة تلك الآلهة، ﴿شَيْئًا﴾ من الضرر؛ أي: لا تنفعني شيئًا من النفع، إذ لا شفاعة لهم فتنتفع، فنصب ﴿شَيْئًا﴾ على المصدرية، وقوله: ﴿لَا تُغْنِ﴾ جواب الشرط، والجملة الشرطية مستأنفة لا محل لها من الإعراب، ﴿وَلَا يُنْقِذُونِ﴾؛ أي: لا يخلصونني من ذلك الضرر والمكروه بالنصرة والمظاهرة، وهو عطف على ﴿لَا تُغْنِ﴾، وعلامة الجزم فيه حذف نون الإعراب؛ لأن أصله لا ينقذونني، وهو تعميم بعد تخصيص مبالغةً بهما في عزهم وانتفاء قدرتهم.
قلت: لأن الخلق والإيجاد نعمة من الله تعالى، توجب الشكر، والبعث بعد الموت للجزاء وعيد من الله يوجب الزجر، فأضاف ما يقتضي الشكر إلى نفسه؛ لأنه أليق بايمانه، وما يقتضي الزجر إليهم؛ لأنه أليق بكفرهم.
والمعنى: أي وما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني، وإليه المرجع للجزاء يوم المعاد، فيجازيكم على أعمالكم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وفي هذا تقريع لهم بتركهم عبادة الخالق، وعبادة غيره، وتهديد بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب،
٢٣ - ثم أعاد التوبيخ مرةً أخرى، وساق الكلام المساق الأول، وهو إبراز الكلام في صورة النصيحة لنفسه فقال: ﴿أَأَتَّخِذُ﴾؛ أي: أأعبد ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى، ﴿آلِهَةً﴾ آلهة لا تملك من الأمر شيئًا، وهي الأصنام، وهو إنكار ونفي لاتخاذ الآلهة على الإطلاق؛ أي: لا أتخذ من دون الذي فطرني آلهة باطلة لا تنفعني ولا تضرني، فجعل الإنكار متوجهًا إلى نفسه، وهم المرادون به؛ أي: لا أتخذ من دون الله آلهة وأعبدها، وأترك عبادة من يستحق العبادة، وهو الذي فطرني، ثم بيّن حال هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله سبحانه إنكارًا عليهم، وبيانًا لضلال عقولهم وقصور إدراكهم فقال: ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ﴾ وقرأ طلحة بن مصرف ﴿إن يزدني﴾ بفتح الياء؛ أي: إن أرادني الرحمن بضرر؛ أي: إن أراد الرحمن أن يصيبني بسوء ومكروه ﴿لَا تُغْنِ عَنِّي﴾؛ أي: لا تدفع عني، ﴿شَفَاعَتُهُمْ﴾؛ أي: شفاعة تلك الآلهة، ﴿شَيْئًا﴾ من الضرر؛ أي: لا تنفعني شيئًا من النفع، إذ لا شفاعة لهم فتنتفع، فنصب ﴿شَيْئًا﴾ على المصدرية، وقوله: ﴿لَا تُغْنِ﴾ جواب الشرط، والجملة الشرطية مستأنفة لا محل لها من الإعراب، ﴿وَلَا يُنْقِذُونِ﴾؛ أي: لا يخلصونني من ذلك الضرر والمكروه بالنصرة والمظاهرة، وهو عطف على ﴿لَا تُغْنِ﴾، وعلامة الجزم فيه حذف نون الإعراب؛ لأن أصله لا ينقذونني، وهو تعميم بعد تخصيص مبالغةً بهما في عزهم وانتفاء قدرتهم.
(١) فتح الرحمن.
قال الإِمام السهيلي: ذكروا أن حبيبًا كان به داء الجذام، فدعا له الحواري فشفي، فلذلك قال: إن يردن الرحمن. الخ انتهى. وقال بعضهم: إن المريض كان ابنه إلا أن يقال: لا مانع من ابتلاء كليهما، أو أن مرض ابنه في حكم مرض نفسه، فلذا أضاف الضر إلى نفسه، ويحتمل أن الضر ضر القوم؛ لأنه روي شفاء كثير من مرضاهم على يدي الرسل، فأضافه حبيب إلى نفسه على طريقة ما قبله من الاستمالة، وتعريفًا للإحسان بهم بطريق اللطف،
٢٤ - ﴿إِنِّي إِذًا﴾؛ أي: إذا اتخذت من دونه آلهة، ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: لفي خسران واضح، فإن إشراك ما ليس من شأنه النفع، ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره، ولا خير إلا خيره ضلالٌ بيِّن، لا يخفى على أحدِ ممن له تمييز في الجملة، وهذا تعريض بضلالهم كما سبق.
٢٥ - ثم التفت إلى الرسل، وخاطبهم مصرِّحًا بإيمانه، منيبًا إلى ربه فقال ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الذي أرسلكم، ﴿فَاسْمَعُونِ﴾؛ أي: فاسمعوا كلامي من الإيمان، فاشهدوا لي بذلك عند ربي، قال المفسرون: أراد قومه قتله، فأقبل هو علي المرسلين فقال: إني آمنت بربكم أيها الرسل، فاسمعوا إيماني، واشهدوا لي به، وقيل: إنه خاطب بهذا الكلام قومه لما أرادوا قتله تصلبًا في الدين، وتشددًا في الحق، فلما قال هذا القول وصرَّح بالإيمان.. وثبوا عليه فقتلوه؛ وقيل: وطئوه بأرجلهم حتى خرجت أمعاؤه، وقيل: حرقوه، وقيل: حفروا له حفيرة وألقوه فيها، وقيل: إنهم لم يقتلوه، بل رفعه الله إلى السماء، فهو في الجنة، وبه قال الحسن، وقيل: نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه، وروي أنه لما قال ذلك.. وثبوا عليه وثبةَ رجلٍ واحد، فقتلوه، ولم يجد من يدافع عنه، قال قتادة: جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فلم يزالوا به كذلك حتى فارق الحياة، والمعنى: على أنه خطاب لقومه: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الذي خلقكم وربَّاكم بأنواع النعم، وإنما قال: بربكم، ولم يقل: آمنت بربي؛ ليعلموا أن ربهم هو الذي يعبده هو فيعبدوا ربهم، ولو قال: إني آمنت بربي، لعلهم يقولون: أنت تعبد ربك، ونحن نعبد ربنا، وهوآلهتهم. ﴿فَاسْمَعُونِ﴾؛ أي: أجيبوني في وعظي ونصحي، واقبلوا قولي، كما يقال: سمع لمن حمده؛ أي: قبله، فالخطاب للكفرة، شافههم بذلك إظهارًا للتصلب في الدين، وعدم المبالاة بالقتل.
٢٤ - ﴿إِنِّي إِذًا﴾؛ أي: إذا اتخذت من دونه آلهة، ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: لفي خسران واضح، فإن إشراك ما ليس من شأنه النفع، ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره، ولا خير إلا خيره ضلالٌ بيِّن، لا يخفى على أحدِ ممن له تمييز في الجملة، وهذا تعريض بضلالهم كما سبق.
٢٥ - ثم التفت إلى الرسل، وخاطبهم مصرِّحًا بإيمانه، منيبًا إلى ربه فقال ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الذي أرسلكم، ﴿فَاسْمَعُونِ﴾؛ أي: فاسمعوا كلامي من الإيمان، فاشهدوا لي بذلك عند ربي، قال المفسرون: أراد قومه قتله، فأقبل هو علي المرسلين فقال: إني آمنت بربكم أيها الرسل، فاسمعوا إيماني، واشهدوا لي به، وقيل: إنه خاطب بهذا الكلام قومه لما أرادوا قتله تصلبًا في الدين، وتشددًا في الحق، فلما قال هذا القول وصرَّح بالإيمان.. وثبوا عليه فقتلوه؛ وقيل: وطئوه بأرجلهم حتى خرجت أمعاؤه، وقيل: حرقوه، وقيل: حفروا له حفيرة وألقوه فيها، وقيل: إنهم لم يقتلوه، بل رفعه الله إلى السماء، فهو في الجنة، وبه قال الحسن، وقيل: نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه، وروي أنه لما قال ذلك.. وثبوا عليه وثبةَ رجلٍ واحد، فقتلوه، ولم يجد من يدافع عنه، قال قتادة: جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فلم يزالوا به كذلك حتى فارق الحياة، والمعنى: على أنه خطاب لقومه: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الذي خلقكم وربَّاكم بأنواع النعم، وإنما قال: بربكم، ولم يقل: آمنت بربي؛ ليعلموا أن ربهم هو الذي يعبده هو فيعبدوا ربهم، ولو قال: إني آمنت بربي، لعلهم يقولون: أنت تعبد ربك، ونحن نعبد ربنا، وهوآلهتهم. ﴿فَاسْمَعُونِ﴾؛ أي: أجيبوني في وعظي ونصحي، واقبلوا قولي، كما يقال: سمع لمن حمده؛ أي: قبله، فالخطاب للكفرة، شافههم بذلك إظهارًا للتصلب في الدين، وعدم المبالاة بالقتل.
وإضافة الربِّ إلى ضميرهم لتحقيق الحق، والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابًا، كما في"الإرشاد". وإنما أكَّده إظهارًا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط.
٢٦ - ثم ذكر مآل أمره، وما قاله حين وجد النعيم والكرامة، فقال: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾؛ أي: قيل لحبيب النجار من جهة الرب جل جلاله حين قتلوه: ادخل الجنة إكرامًا له بدخولها حينئذ، كما هي سنة الله سبحانه في عباده الشهداء، وقيل: معناه: البشرى بدخول الجنة، وأنه من أهلها، يدخلها بعد البعث، لا أنه أمر بدخولها في الحال؛ لأن الجزاء بعد البعث، وعلى قول من قال: إنه رفع إلى السماء ولم يقتل.. يكون المعنى: أنهم لما أرادوا قتله.. نجاه الله من القتل، وقيل له: ادخل الجنة.
وإنما لم يقل: قيل له بزيادة لفظة: له؛ لأن الغرض بيان مقول، لا المقول له؛ لظهوره وللمبالغة في المسارعة إلى بيانه، والجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر نشأ عن حكاية حاله ومقاله، كأنه قيل: كيف كان بقاؤه عند ربه بعد ذلك التصلب في دينه، والتسخي بروحه لوجهه تعالى، فقيل: قيل له: ادخل الجنة، وكذا قوله تعالى: ﴿قَالَ﴾ الخ مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر نشأ من حكاية حاله، كأنه قيل: فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنية؟ فقيل: قال متمنيًا علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة من الكفر، والدخول في الإيمان والطاعة، جريًا على سنن الصالحين في كظم الغيظ، والترحم على الأعداء، وليعلموا أنهم على خفاء عظيم في أمره، وأنه كان على الحق، وأن عداوتهم لم تكسبه إلا سعادة؛ أي: فلما دخل الجنة وشاهدها قال حبيب النجار: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي﴾ ﴿يَا﴾ في مثل هذا المقام لمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه؛ أي: انتبه أيها المخاطب، أتمنى أن قومي
٢٧ - ﴿يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ ﴿ما﴾: إما موصولة، والباء صلة ﴿يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: أتمنى علم قومي بالأمر الذي بسببه غفر لي ربي ذنوبي، وهو الإيمان به والطاعة أو: مصدرية، والباء: صلة العلم أيضًا؛ أي: أتمنى علم قومي بغفران ربي لذنوبي، أو استفهامية وردت على الأصل، وهو أن لا تحذف الألف بدخول الجار عليها، والباء: صلة غفر على هذا الوجه؛ أي: أتمنى علم قومي بأيِّ شيء غفر لي ربي ذنوبي، يريد تفخيم شأن المهاجرة عن ملتهم،
٢٦ - ثم ذكر مآل أمره، وما قاله حين وجد النعيم والكرامة، فقال: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾؛ أي: قيل لحبيب النجار من جهة الرب جل جلاله حين قتلوه: ادخل الجنة إكرامًا له بدخولها حينئذ، كما هي سنة الله سبحانه في عباده الشهداء، وقيل: معناه: البشرى بدخول الجنة، وأنه من أهلها، يدخلها بعد البعث، لا أنه أمر بدخولها في الحال؛ لأن الجزاء بعد البعث، وعلى قول من قال: إنه رفع إلى السماء ولم يقتل.. يكون المعنى: أنهم لما أرادوا قتله.. نجاه الله من القتل، وقيل له: ادخل الجنة.
وإنما لم يقل: قيل له بزيادة لفظة: له؛ لأن الغرض بيان مقول، لا المقول له؛ لظهوره وللمبالغة في المسارعة إلى بيانه، والجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر نشأ عن حكاية حاله ومقاله، كأنه قيل: كيف كان بقاؤه عند ربه بعد ذلك التصلب في دينه، والتسخي بروحه لوجهه تعالى، فقيل: قيل له: ادخل الجنة، وكذا قوله تعالى: ﴿قَالَ﴾ الخ مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر نشأ من حكاية حاله، كأنه قيل: فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنية؟ فقيل: قال متمنيًا علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة من الكفر، والدخول في الإيمان والطاعة، جريًا على سنن الصالحين في كظم الغيظ، والترحم على الأعداء، وليعلموا أنهم على خفاء عظيم في أمره، وأنه كان على الحق، وأن عداوتهم لم تكسبه إلا سعادة؛ أي: فلما دخل الجنة وشاهدها قال حبيب النجار: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي﴾ ﴿يَا﴾ في مثل هذا المقام لمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه؛ أي: انتبه أيها المخاطب، أتمنى أن قومي
٢٧ - ﴿يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ ﴿ما﴾: إما موصولة، والباء صلة ﴿يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: أتمنى علم قومي بالأمر الذي بسببه غفر لي ربي ذنوبي، وهو الإيمان به والطاعة أو: مصدرية، والباء: صلة العلم أيضًا؛ أي: أتمنى علم قومي بغفران ربي لذنوبي، أو استفهامية وردت على الأصل، وهو أن لا تحذف الألف بدخول الجار عليها، والباء: صلة غفر على هذا الوجه؛ أي: أتمنى علم قومي بأيِّ شيء غفر لي ربي ذنوبي، يريد تفخيم شأن المهاجرة عن ملتهم،
504
والمصابرة على أذيتهم لإعزاز الدين حتى قُتل.
﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾؛ أي: من المنعمين في الجنة، وإن كان على النصف؛ إذ تمامه إنما يكون بعد تعلق الروح بالجسد يوم القيامة. وفي الحديث المرفوع: "نصح قومه حيًا وميتًا"، وهكذا (١) ينبغي للمؤمن أن يكون ناصحًا للناس، إلى تعصُّبهم وتمردهم، ويستوي حاله في الرضى والغضب. قال حمدون القصار: لا يسقط عن النفس رؤية الخلق بحال، ولو سقط عنها في وقت لسقط في المشهد الأعلى في الحضرة، ألا تراه في وقت دخول الجنة يقول: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ يحدِّث نفسه، إذ ذاك.
وقرىء (٢): من ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ مشدد الراء مفتوح الكاف، وقرأ الجمهور: بإسكان الكاف وتخفيف الراء.
ومعنى الآية: أي قال الله سبحانه له: ادخل الجنة كفاء ما قدمت من عمل، وأسلفت من إحسان، فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره.. قال يا ليت قومي يعلمون بما أنا فيه من نعيم وخير عميم لإيماني بربي، وتصديقي برسله، وصبري على أذى قومي، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب المثوبة مثله بالتوبة عن الكفر، والدخول في حظيرة الإيمان والطاعة، اتباعًا لسنن أولياء الله الذي يكظمون الغيظ، ويترحمون على الأعداء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نصح قومه حيًا بقوله: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾، وبعد مماته بقوله: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)﴾.
الإعراب
﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)﴾.
﴿يس (١)﴾: إن قلنا إنه علم على السورة.. فهو إما خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هذه يس، والخبر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره على قراءة الرفع،
﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾؛ أي: من المنعمين في الجنة، وإن كان على النصف؛ إذ تمامه إنما يكون بعد تعلق الروح بالجسد يوم القيامة. وفي الحديث المرفوع: "نصح قومه حيًا وميتًا"، وهكذا (١) ينبغي للمؤمن أن يكون ناصحًا للناس، إلى تعصُّبهم وتمردهم، ويستوي حاله في الرضى والغضب. قال حمدون القصار: لا يسقط عن النفس رؤية الخلق بحال، ولو سقط عنها في وقت لسقط في المشهد الأعلى في الحضرة، ألا تراه في وقت دخول الجنة يقول: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ يحدِّث نفسه، إذ ذاك.
وقرىء (٢): من ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ مشدد الراء مفتوح الكاف، وقرأ الجمهور: بإسكان الكاف وتخفيف الراء.
ومعنى الآية: أي قال الله سبحانه له: ادخل الجنة كفاء ما قدمت من عمل، وأسلفت من إحسان، فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره.. قال يا ليت قومي يعلمون بما أنا فيه من نعيم وخير عميم لإيماني بربي، وتصديقي برسله، وصبري على أذى قومي، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب المثوبة مثله بالتوبة عن الكفر، والدخول في حظيرة الإيمان والطاعة، اتباعًا لسنن أولياء الله الذي يكظمون الغيظ، ويترحمون على الأعداء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نصح قومه حيًا بقوله: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾، وبعد مماته بقوله: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)﴾.
الإعراب
﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)﴾.
﴿يس (١)﴾: إن قلنا إنه علم على السورة.. فهو إما خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هذه يس، والخبر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره على قراءة الرفع،
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
505
ولم ينون؛ لأنه اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره: يس هذا محلها، أو مفعول لفعل محذف على قراءة النصب تقديره: اقرأ يس، أو مجرور بحرف قسم محذوف على قراءة الجر. وإن قلنا إنه من الحروف المقطعة التي وقعت فواتح السور.. فلا توصف بإعراب ولا بناء؛ لأنهما فرع عن إدراك المعنى، ومعناها: لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. ﴿وَالْقُرْآنِ﴾: الواو: حرف جر وقسم، ﴿وَالْقُرْآنِ﴾: مقسم به مجرور بواو القسم، ﴿الْحَكِيمِ﴾: صفة له، الجار والمجرور متعلق بمحذوف، تقديره: أقسم بالقرآن الحكيم، وجملة القسم مستأنفة. ﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾: جار ومجرور خبره، واللام حرف ابتداء وتوكيد، وجملة ﴿إنّ﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب، ﴿عَلَى صِرَاطٍ﴾: جار ومجرور خبر ثانٍ لـ ﴿إنَّ﴾، ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾: صفة ﴿صِرَاطٍ﴾، ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالًا من الضمير المستكن في خبر ﴿إنّ﴾، وأجاز الزمخشري أن يتعلق بالمرسلين؛ أي: من الذين أرسلوا على طريقةٍ مستقيمة، ولا بأس بهذا الإعراب.
﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٧)﴾.
﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ﴾: بالنصب مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: نزل العزيز الرحيم القرآن تنزيلًا، أو منصوب على المدح بفعل محذوف تقديره: أمدح تنزيل العزيز الرحيم، وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو تنزيل العزيز، وبالجر بدل من ﴿يس (١)﴾، أو صفة له؛ لأنه بمعنى منزل. ﴿الْعَزِيزِ﴾: مضاف إليه، ﴿الرَّحِيمِ﴾: صفة لـ ﴿الْعَزِيزِ﴾، ﴿لِتُنْذِرَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل، ﴿تنذر﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، وفاعله ضمير يعود على محمد، ﴿قَوْمًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تَنْزِيلَ﴾؛ أي: نزلت عليك لإنذارك قومًا، أو متعلق بمعنى قوله: من المرسلين؛ أي: أرسلت لإنذارك قومًا، ﴿مَا﴾: نافية، ﴿أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾، ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾ موصولة أو موصوفة في محل النصب على أنها مفعول ثان لـ ﴿تنذر﴾، وجملة ﴿أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ صلة لها، أو صفة لها، والعائد أو الرابط
﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٧)﴾.
﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ﴾: بالنصب مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: نزل العزيز الرحيم القرآن تنزيلًا، أو منصوب على المدح بفعل محذوف تقديره: أمدح تنزيل العزيز الرحيم، وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو تنزيل العزيز، وبالجر بدل من ﴿يس (١)﴾، أو صفة له؛ لأنه بمعنى منزل. ﴿الْعَزِيزِ﴾: مضاف إليه، ﴿الرَّحِيمِ﴾: صفة لـ ﴿الْعَزِيزِ﴾، ﴿لِتُنْذِرَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل، ﴿تنذر﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، وفاعله ضمير يعود على محمد، ﴿قَوْمًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تَنْزِيلَ﴾؛ أي: نزلت عليك لإنذارك قومًا، أو متعلق بمعنى قوله: من المرسلين؛ أي: أرسلت لإنذارك قومًا، ﴿مَا﴾: نافية، ﴿أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾، ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾ موصولة أو موصوفة في محل النصب على أنها مفعول ثان لـ ﴿تنذر﴾، وجملة ﴿أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ صلة لها، أو صفة لها، والعائد أو الرابط
506
محذوف تقديره: لتنذر قومًا العذاب الذي أنذره آباؤهم، أو عذابًا أنذره آباؤهم، ويجوز أن تكون مصدرية؛ أي: لتنذر قومًا إنذار آبائهم، ويجوز أن تكون زائدةً، وتكون جملة ﴿أُنْذِرَ﴾ صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾، ففي ﴿مَا﴾ أربعة أوجهٍ من الإعراب. ﴿فَهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿هم﴾: مبتدأ، ﴿غَافِلُونَ﴾: خبره، والجملة في محل النصب، معطوف على جملة ﴿أنذر﴾ على كونها صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾، ﴿لَقَدْ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿حَقَّ الْقَوْلُ﴾: فعل وفاعل، ﴿عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿حَقَّ﴾، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم مستأنفة، ﴿فَهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿هم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ خبره، والجملة معطوفة على جملة الجواب.
﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)﴾.
﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، وجملة جعلنا خبره، ﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿جَعَلْنَا﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا لـ ﴿جَعَلْنَا﴾، ﴿أَغْلَالًا﴾: مفعول أول لها، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتمثيل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم عن غيهم، ﴿فَهِيَ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿هِيَ﴾: مبتدأ، ﴿إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: مجموعة أو مرفوعة إلى الأذقان، والجملة الاسمية معطوفة مفرعة على جملة ﴿جَعَلْنَا﴾، ﴿فَهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ ﴿مُقْمَحُونَ﴾: خبره، والجملة معطوفة مفرعة على جملة قوله: ﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾، ﴿وَجَعَلْنَا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿جَعَلْنَا﴾ الأول، ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿جَعَلْنَا﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا له، ﴿سَدًّا﴾: مفعول أول له، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: معطوف على ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، ﴿سَدًّا﴾: معطوف على ﴿سَدًّا﴾ الأول، ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿أغشيناهم﴾: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على ﴿جَعَلْنَا﴾، ﴿فَهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية ﴿هم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا يُبْصِرُونَ﴾: خبره، والجملة الاسمية معطوفة على ﴿أغشينا﴾.
﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)﴾.
﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)﴾.
﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، وجملة جعلنا خبره، ﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿جَعَلْنَا﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا لـ ﴿جَعَلْنَا﴾، ﴿أَغْلَالًا﴾: مفعول أول لها، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتمثيل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم عن غيهم، ﴿فَهِيَ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿هِيَ﴾: مبتدأ، ﴿إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: مجموعة أو مرفوعة إلى الأذقان، والجملة الاسمية معطوفة مفرعة على جملة ﴿جَعَلْنَا﴾، ﴿فَهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ ﴿مُقْمَحُونَ﴾: خبره، والجملة معطوفة مفرعة على جملة قوله: ﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾، ﴿وَجَعَلْنَا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿جَعَلْنَا﴾ الأول، ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿جَعَلْنَا﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا له، ﴿سَدًّا﴾: مفعول أول له، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: معطوف على ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، ﴿سَدًّا﴾: معطوف على ﴿سَدًّا﴾ الأول، ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿أغشيناهم﴾: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على ﴿جَعَلْنَا﴾، ﴿فَهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية ﴿هم﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا يُبْصِرُونَ﴾: خبره، والجملة الاسمية معطوفة على ﴿أغشينا﴾.
﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)﴾.
507
﴿وَسَوَاءٌ﴾: الواو: استئنافية، ﴿سواء﴾: خبر مقدم، ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿سواء﴾؛ لأنه بمعنى: مستوٍ. ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾: ﴿الهمزة﴾: حرف استفهام وتسوية، ﴿أنذرتهم﴾: فعل وفاعل ومفعول به، ﴿أَمْ﴾: حرف عطف معادل لهمزة التسوية، ﴿لَمْ﴾: حرف نفي وجزم، ﴿تُنْذِرْهُمْ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، معطوف على جملة ﴿أَنْذَرْتَهُمْ﴾، وجملة ﴿أَنْذَرْتَهُمْ﴾ في تأويل مصدر من غير سابك لإصلاح المعنى، أو بسابك هو همزة التسوية، مرفوع على كونه مبتدأ لـ ﴿سَوَاءٌ﴾ تقديره: وإنذارك إياهم وعدم إنذارك إياهم سواء؛ أي: مستويان، والجملة مستأنفة، ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مؤكدة لما قبلها، أو حال مؤكدة له، ﴿إِنَّمَا﴾: أداة حصر، ﴿تُنْذِرُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة، ﴿مَنِ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿تُنْذِرُ﴾، ﴿اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة صلة ﴿مَن﴾ الموصولة، ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَن﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، معطوف على ﴿اتَّبَعَ﴾. ﴿بِالْغَيْبِ﴾: حال من فاعل ﴿خشي﴾، أو من مفعوله، ﴿فَبَشِّرْهُ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت إنما الإنذار لمن اتبع الذكر، وأردت بيان عاقبته.. فأقول لك: بشره، ﴿بشره﴾: فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به. ﴿بِمَغْفِرَةٍ﴾: متعلق به، ﴿وَأَجْرٍ﴾: معطوف على ﴿مَغْفِرَةٍ﴾، ﴿كَرِيمٍ﴾: صفة ﴿أجر﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣)﴾.
﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿نَحْنُ﴾: مبتدأ، ﴿نُحْيِ الْمَوْتَى﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، ﴿وَنَكْتُبُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، معطوف على ﴿نُحْيِ﴾، ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿نكتب﴾، وجملة ﴿قَدَّمُوا﴾: صلة ﴿مَا﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما قدموه ﴿وَآثَارَهُمْ﴾: معطوف على ﴿مَا﴾، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾: الواو: استننافية، ﴿كل شيء﴾: منصوب بفعل مضمر وجوبًا يفسره ما بعده على سبيل الاشتغال تقديره:
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣)﴾.
﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿نَحْنُ﴾: مبتدأ، ﴿نُحْيِ الْمَوْتَى﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، ﴿وَنَكْتُبُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، معطوف على ﴿نُحْيِ﴾، ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿نكتب﴾، وجملة ﴿قَدَّمُوا﴾: صلة ﴿مَا﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما قدموه ﴿وَآثَارَهُمْ﴾: معطوف على ﴿مَا﴾، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾: الواو: استننافية، ﴿كل شيء﴾: منصوب بفعل مضمر وجوبًا يفسره ما بعده على سبيل الاشتغال تقديره:
508
وأحصينا كل شيء أحصيناه، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب، ﴿فِي إِمَامٍ﴾: متعلق بـ ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾، ﴿مُبِينٍ﴾: صفة ﴿إِمَامٍ﴾. ﴿وَاضْرِبْ﴾: الواو: استئنافية، ﴿اضرب﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة، ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور حال من ﴿مَثَلًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، ﴿مَثَلًا﴾: مفعول ثانٍ لـ ﴿اضرب﴾؛ لأنه بمعنى: اجعل ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾: مفعول أول له، ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية بدل اشتمال من ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾، ﴿جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾: فعل ومفعول به وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة ﴿إِذْ﴾ إليها.
﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧)﴾.
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان بدل من ﴿إِذْ﴾ الأولى بدل تفصيل من مجمل، وهو يدخل في نطاق بدل المطابق، أو بدل الكل من الكل، ﴿أَرْسَلْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿إِلَيْهِمُ﴾: متعلق به، ﴿اثْنَيْنِ﴾: مفعول به لـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾، وجملة ﴿أَرْسَلْنَا﴾: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾، ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على ﴿أَرْسَلْنَا﴾، ﴿فَعَزَّزْنَا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾، ﴿بِثَالِثٍ﴾: متعلق بـ ﴿عززنا﴾، ﴿فَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿عززنا﴾، ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿إِلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿مُرْسَلُونَ﴾، و ﴿مُرْسَلُونَ﴾: خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿مَا﴾: نافية، ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ، ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر، ﴿بَشَرٌ﴾: خبر أنتم، ﴿مِثْلُنَا﴾: صفة ﴿بَشَرٌ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، والخطاب فيه للرسل الثلاثة، ﴿وَمَا﴾: الواو: عاطفة، ﴿ما﴾: نافية، ﴿أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ﴾ فعل وفاعل، ﴿مِنْ﴾: زائدة ﴿شَيْءٍ﴾: مفعول ﴿أَنْزَلَ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب، معطوف على جملة قوله: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ﴾ ﴿ما﴾: نافية، ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ، ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر، وجملة ﴿تَكْذِبُونَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿رَبُّنَا﴾: مبتدأ، وجملة
﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧)﴾.
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان بدل من ﴿إِذْ﴾ الأولى بدل تفصيل من مجمل، وهو يدخل في نطاق بدل المطابق، أو بدل الكل من الكل، ﴿أَرْسَلْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿إِلَيْهِمُ﴾: متعلق به، ﴿اثْنَيْنِ﴾: مفعول به لـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾، وجملة ﴿أَرْسَلْنَا﴾: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾، ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على ﴿أَرْسَلْنَا﴾، ﴿فَعَزَّزْنَا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾، ﴿بِثَالِثٍ﴾: متعلق بـ ﴿عززنا﴾، ﴿فَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿عززنا﴾، ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿إِلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿مُرْسَلُونَ﴾، و ﴿مُرْسَلُونَ﴾: خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿مَا﴾: نافية، ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ، ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر، ﴿بَشَرٌ﴾: خبر أنتم، ﴿مِثْلُنَا﴾: صفة ﴿بَشَرٌ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، والخطاب فيه للرسل الثلاثة، ﴿وَمَا﴾: الواو: عاطفة، ﴿ما﴾: نافية، ﴿أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ﴾ فعل وفاعل، ﴿مِنْ﴾: زائدة ﴿شَيْءٍ﴾: مفعول ﴿أَنْزَلَ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب، معطوف على جملة قوله: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ﴾ ﴿ما﴾: نافية، ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ، ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر، وجملة ﴿تَكْذِبُونَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿رَبُّنَا﴾: مبتدأ، وجملة
509
﴿يَعْلَمُ﴾ خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿إِلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿مرسلون﴾، ﴿لَمُرسَلُونَ﴾: خبر ﴿إِنَّ﴾، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب سادة مسد مفعول ﴿يَعْلَمُ﴾، ﴿وَمَا﴾: الواو: عاطفة، ﴿ما﴾: نافية، ﴿عَلَيْنَا﴾: خبر مقدم، ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر، ﴿الْبَلَاغُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿الْمُبِينُ﴾: صفة ﴿الْبَلَاغُ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿رَبُّنَا﴾.
﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)﴾.
﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿تَطَيَّرْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿بِكُمْ﴾: متعلق به، وجملة ﴿تَطَيَّرْنَا﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنّ﴾، وجملة ﴿إِنّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿لَئِنْ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿إن﴾: حرف شرط جازم، ﴿لَمْ﴾: حرف جزم، ﴿تَنْتَهُوا﴾: فعل مضارع وفاعل، مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب ﴿إن﴾ الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم، تقديره: نرجمكم، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾ على كونها معترضة، ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم مؤكدة للأولى، ﴿نرجمن﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والكاف مفعول به، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾: الواو: عاطفة، واللام: موطئة للقسم، ﴿يمسن﴾: فعل مضارع مبني على الفتح، والنون للتوكيد، والكاف مفعول به، ﴿مِنَّا﴾: متعلق بـ ﴿يمسن﴾، ﴿عَذَابٌ﴾: فاعل، ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة ﴿عَذَابٌ﴾، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿طَائِرُكُمْ﴾: مبتدأ، ﴿مَعَكُمْ﴾: ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿أَئِنْ﴾: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التوبيخي، ﴿إن﴾: حرف شرط ﴿ذُكِّرْتُمْ﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة ونائب فاعل، في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف، والقاعدة عند سيبويه: أنه إذا اجتمع شرط واستفهام.. يجاب الاستفهام ويحذف جواب الشرط، والتقدير عنده: أإن ذكرتم تتطيرون وتوعدون، وذهب غيره إلى إجابة الشرط، والتقدير
﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)﴾.
﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه، ﴿تَطَيَّرْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿بِكُمْ﴾: متعلق به، وجملة ﴿تَطَيَّرْنَا﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنّ﴾، وجملة ﴿إِنّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿لَئِنْ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿إن﴾: حرف شرط جازم، ﴿لَمْ﴾: حرف جزم، ﴿تَنْتَهُوا﴾: فعل مضارع وفاعل، مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب ﴿إن﴾ الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم، تقديره: نرجمكم، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾ على كونها معترضة، ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم مؤكدة للأولى، ﴿نرجمن﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والكاف مفعول به، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾: الواو: عاطفة، واللام: موطئة للقسم، ﴿يمسن﴾: فعل مضارع مبني على الفتح، والنون للتوكيد، والكاف مفعول به، ﴿مِنَّا﴾: متعلق بـ ﴿يمسن﴾، ﴿عَذَابٌ﴾: فاعل، ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة ﴿عَذَابٌ﴾، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿طَائِرُكُمْ﴾: مبتدأ، ﴿مَعَكُمْ﴾: ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿أَئِنْ﴾: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التوبيخي، ﴿إن﴾: حرف شرط ﴿ذُكِّرْتُمْ﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة ونائب فاعل، في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف، والقاعدة عند سيبويه: أنه إذا اجتمع شرط واستفهام.. يجاب الاستفهام ويحذف جواب الشرط، والتقدير عنده: أإن ذكرتم تتطيرون وتوعدون، وذهب غيره إلى إجابة الشرط، والتقدير
510
عندهم: أإن ذكرتم تتطيروا بالجزم، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾، ﴿بَلْ﴾: حرف ابتداء وإضراب، ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ، ﴿قَوْمٌ﴾: خبر، ﴿مُسْرِفُونَ﴾: صفة ﴿قَوْمٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾.
﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)﴾.
﴿وَجَاءَ﴾: الواو: عاطفة أو استئنافية، ﴿جاء﴾: فعل ماض، ﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾: متعلق بـ ﴿جاء﴾، ﴿رَجُلٌ﴾ فاعل، وجملة ﴿يَسْعَى﴾ صفة لـ ﴿رَجُلٌ﴾، أو حال منه لوصفه بصفة محذوفة معلومة من السياق؛ أي: رجل عظيم الشأن عند الله، والجملة الفعلية مستأنفة، أو معطوفة على الجمل التي قبلها، ﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على رجل، والجملة مستأنفة، ﴿يَا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿اتَّبِعُوا مَنْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية توكيد للجملة التي قبلها، ﴿لَا﴾: نافية، ﴿يَسْأَلُكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر يعود على ﴿مَنْ﴾ ومفعول أول، ﴿أَجْرًا﴾: مفعول ثانٍ، والجملة صلة ﴿مَنْ﴾ الموصوله، ﴿وَهُمْ﴾: الواو: حالية، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، ﴿مُهْتَدُونَ﴾: خبر ﴿هم﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿يسأل﴾، والجمع باعتبار معنى ﴿مَن﴾، ﴿وَمَا﴾: الواو: عاطفة، ﴿ما﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، ﴿لِيَ﴾: جار ومجرور في محل الرفع خبر، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿يَا قَوْمِ﴾، ﴿لَا﴾: نافية، ﴿أَعْبُدُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ياء المتكلم، ﴿فَطَرَنِي﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿وَإِلَيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿تُرْجَعُونَ﴾، و ﴿تُرْجَعُونَ﴾: فعل مغيَّر الصيغة ونائب فاعل، معطوف على ﴿فَطَرَنِي﴾.
﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (٢٣)﴾.
﴿أَأَتَّخِذُ﴾: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري، ﴿أتخذ﴾: فعل مضارع وفاعل
﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)﴾.
﴿وَجَاءَ﴾: الواو: عاطفة أو استئنافية، ﴿جاء﴾: فعل ماض، ﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾: متعلق بـ ﴿جاء﴾، ﴿رَجُلٌ﴾ فاعل، وجملة ﴿يَسْعَى﴾ صفة لـ ﴿رَجُلٌ﴾، أو حال منه لوصفه بصفة محذوفة معلومة من السياق؛ أي: رجل عظيم الشأن عند الله، والجملة الفعلية مستأنفة، أو معطوفة على الجمل التي قبلها، ﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على رجل، والجملة مستأنفة، ﴿يَا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿اتَّبِعُوا مَنْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية توكيد للجملة التي قبلها، ﴿لَا﴾: نافية، ﴿يَسْأَلُكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر يعود على ﴿مَنْ﴾ ومفعول أول، ﴿أَجْرًا﴾: مفعول ثانٍ، والجملة صلة ﴿مَنْ﴾ الموصوله، ﴿وَهُمْ﴾: الواو: حالية، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، ﴿مُهْتَدُونَ﴾: خبر ﴿هم﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿يسأل﴾، والجمع باعتبار معنى ﴿مَن﴾، ﴿وَمَا﴾: الواو: عاطفة، ﴿ما﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، ﴿لِيَ﴾: جار ومجرور في محل الرفع خبر، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿يَا قَوْمِ﴾، ﴿لَا﴾: نافية، ﴿أَعْبُدُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ياء المتكلم، ﴿فَطَرَنِي﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿وَإِلَيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿تُرْجَعُونَ﴾، و ﴿تُرْجَعُونَ﴾: فعل مغيَّر الصيغة ونائب فاعل، معطوف على ﴿فَطَرَنِي﴾.
﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (٢٣)﴾.
﴿أَأَتَّخِذُ﴾: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري، ﴿أتخذ﴾: فعل مضارع وفاعل
511
مستتر، ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿أتخذ﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا له، ﴿آلِهَةً﴾: مفعول أول له، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿إِنْ﴾: حرف شرط، ﴿يُرِدْنِ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسر نون الوقاية مفعول به، ﴿الرَّحْمَنُ﴾: فاعل، ﴿بِضُرٍّ﴾: متعلق بـ ﴿يُرِدْنِ﴾، ﴿لَا﴾: نافية، ﴿تُغْنِ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، ﴿عَنِّي﴾ متعلق بـ ﴿تُغْنِ﴾، ﴿شَفَاعَتُهُمْ﴾: فاعل ﴿تُغْنِ﴾، ﴿شَيْئًا﴾: مفعول مطلق، أو مفعول به، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿وَلَا﴾: الواو: عاطفة ﴿لا﴾: نافية، ﴿يُنْقِذُونِ﴾: فعل مضارع وفاعل، معطوف على ﴿تُغْنِ﴾ مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية، وعلامة جزمه حذف النون، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسر نون الوقاية مفعول به؛ لأن أصله: ينقذونني.
﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)﴾.
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه، ﴿إِذًا﴾: حرف جواب وجزاء لا عمل لها لفقد شرطها، ﴿لَفِي﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿في ضلال﴾: جار ومجرور خبر إن، ﴿مُبِينٍ﴾: صفة ﴿ضَلَالٍ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه، ﴿آمَنْتُ﴾: فعل وفاعل، ﴿بِرَبِّكُمْ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿فَاسْمَعُونِ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة ﴿اسمعوا﴾: فعل أمر وفاعل مبني على حذف النون، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسر نون الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنْتُ﴾، ﴿قِيلَ﴾: فعل ماض مغيَّر الصيغة، ﴿ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾: نائب فاعل محكي لـ ﴿قِيلَ﴾، والجملة الفعلية مستأنفة، وإن شئت قلت: ﴿ادْخُلِ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر، ﴿الْجَنَّةَ﴾: ظرف مكان متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿قِيلَ﴾، ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على ﴿رَجُلٌ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿يَا لَيْتَ﴾ ﴿يَا﴾: حرف تنبيه، أو حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا هؤلاء، ﴿لَيْتَ قَوْمِي﴾: ناصب
﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)﴾.
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه، ﴿إِذًا﴾: حرف جواب وجزاء لا عمل لها لفقد شرطها، ﴿لَفِي﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿في ضلال﴾: جار ومجرور خبر إن، ﴿مُبِينٍ﴾: صفة ﴿ضَلَالٍ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه، ﴿آمَنْتُ﴾: فعل وفاعل، ﴿بِرَبِّكُمْ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿فَاسْمَعُونِ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة ﴿اسمعوا﴾: فعل أمر وفاعل مبني على حذف النون، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسر نون الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنْتُ﴾، ﴿قِيلَ﴾: فعل ماض مغيَّر الصيغة، ﴿ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾: نائب فاعل محكي لـ ﴿قِيلَ﴾، والجملة الفعلية مستأنفة، وإن شئت قلت: ﴿ادْخُلِ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر، ﴿الْجَنَّةَ﴾: ظرف مكان متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿قِيلَ﴾، ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على ﴿رَجُلٌ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿يَا لَيْتَ﴾ ﴿يَا﴾: حرف تنبيه، أو حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا هؤلاء، ﴿لَيْتَ قَوْمِي﴾: ناصب
512
واسمه، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾: خبره، وجملة ﴿لَيْتَ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿بِمَا﴾: متعلق بـ ﴿يَعْلَمُونَ﴾، ﴿ما﴾: مصدرية أو موصولة، ﴿غَفَرَ﴾: فعل ماض، ﴿لِي﴾: متعلق به، ﴿رَبِّي﴾: فاعل ﴿غَفَرَ﴾، والجملة صلة ﴿ما﴾ المصدرية؛ أي: بغفران ربي لي، أو بالسبب الذي غفر به ربي ذنوبي، وهو الإيمان، وقال الفراء: ويجوز جعلها استفهامية؛ يعني: بأي شيء غفر لي ربي؛ ورد عليه بأنها لو كانت استفهامية.. لحذفت ألفها، كما هو القاعدة عند دخول الجار عليها، وأجيب عنه: بأن حذفها أغلبي لا اطرادي، والمشهور أن إثبات الألف في ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر مختص بضرورة الشعر نحو قوله:
وحذفها هو المعروف في الكلام نحو قوله:
﴿وَجَعَلَنِي﴾: الواو: عاطفة، ﴿جعلني﴾: فعل وفاعل مستتر ونون وقاية ومفعول أول ﴿مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جعلني﴾ على أنه مفعول ثانٍ لـ ﴿جعل﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿غَفَرَ لِي﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿يس (١)﴾ تقدم الكلام في نظائره من الحروف المقطعة في أوائل السور، وأن الرأي الراجح فيها أنها حروف تنبيه، نحو: ألا ويا، وينطق بأسمائها فيقال: ياسين. روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: يس؛ أي: يا إنسان بلغة طيء.
﴿الْحَكِيمِ﴾؛ أي: ذو الحكمة، يقال: قصيدة حكيمة؛ أي: ذات حكمة، يقال: حكم الرجل من باب كرم؛ أي: صار حكيمًا، ومنه قول النابغة:
وأحكمته التجارب: جعلته حكيمًا، وقال آخر:
وَقَصِيْدةٍ تَأْتِيْ الْمُلُوْكَ حَكِيْمَةٍ... قَدْ قُلْتُهَا، لِيُقَالَ: مَنْ ذَا قَالَهَا؟
وعبارة "الكرخي": الحكيم: فعيل بمعنى: مفعل، كقولهم: عقدت العسل فهو
عَلى مَا قَامَ يَشْتُمُنِيْ لَئِيْمُ | كَخِنْزِيْرِ تَمَرَّغَ فِيْ رَمَادِ |
عَلَامَ يَقُوْلُ الرُّمْحُ يُثْقِلُ كَاهِلِيْ | إِذَا أَنَا لَمْ أَطْعَنْ إِذَا الخَيْلُ كَرَّتِ |
التصريف ومفردات اللغة
﴿يس (١)﴾ تقدم الكلام في نظائره من الحروف المقطعة في أوائل السور، وأن الرأي الراجح فيها أنها حروف تنبيه، نحو: ألا ويا، وينطق بأسمائها فيقال: ياسين. روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: يس؛ أي: يا إنسان بلغة طيء.
﴿الْحَكِيمِ﴾؛ أي: ذو الحكمة، يقال: قصيدة حكيمة؛ أي: ذات حكمة، يقال: حكم الرجل من باب كرم؛ أي: صار حكيمًا، ومنه قول النابغة:
وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ | إِلَى حَمَامِ شِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ |
وَقَصِيْدةٍ تَأْتِيْ الْمُلُوْكَ حَكِيْمَةٍ... قَدْ قُلْتُهَا، لِيُقَالَ: مَنْ ذَا قَالَهَا؟
وعبارة "الكرخي": الحكيم: فعيل بمعنى: مفعل، كقولهم: عقدت العسل فهو
513
عقيد بمعنى: معقد، وليس بمعنى مفعول، كشيطان رجيم بمعنى: مرجوم، وليس هو في الآية كذلك؛ لأنه إنما يقال محكوم به ونحو ذلك، ولا بمعنى: فاعل؛ أي: حاكم؛ لأن الحاكم الحقيقي هو الله تعالى، فظهر بذلك أن القرآن محكوم فيه لا حاكم، وأن الحاكم المطلق هو الله تعالى، أو على معنى النسب؛ أي: ذي الحكم؛ لأنه دليل ناطق بالحكمة بطريق الاستعارة، أو المتصف بها على الإسناد المجازي.
﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾ من الإرسال، والإرسال قد يكون للتسخير، كإرسال الريح والمطر، وقد يكون بمعنى بعث من له اختيار، نحو إرسال الرسل، كما في "المفردات".
﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾؛ أي: متصفون بالغفلة، والغفلة: ذهاب المعنى عن النفس، والنسيان: ذهابه عنها بعد حضوره. قال بعضهم: الغفلة: نوم القلب، فلا تعتبر حركة اللسان إذا كان القلب نائمًا، ولا يضر سكوته إذا كان متيقظًا، ومعنى التيقظ: أن يشهده تعالى حافظًا له رقيبًا عليه قائمًا بمصالحه.
﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ﴾؛ أي: ثبت ووجب، والقول الحكم والقضاء الأزلي. ﴿أَغْلَالًا﴾: جمع غل بضم الغين، وهو القيد الذي يوضع في اليد، وقد تشد به اليد إلى العنق، وفي "المفردات": أصل الغلل: تدرع الشيء وتوسُّطه، ومنه: الغلل للماء الجاري، مختص بما يقيد به، فيجعل الأعضاء وسطه، وغل فلان: قيد به، وقيل للبخيل: هو مغلول اليد.
﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ جمع ذقن بفتح الذال والقاف وبكسر الذال وبفتح القاف ومجتمع اللحيين من أسفلهما.
﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ جمع: مقمح، والمقمح: الذي يرفع رأسه، ويغض بصره من الإقماح، يقال: قمح البعير فهو قامح إذا رفع رأسه بعد الشرب لارتوائه، أو لبرودة الماء، أو لكراهة طعمه، كما مرَّ، وفي "المختار" الإقماح: رفع الرأس، وغض البصر، يقال: أقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعًا من ضيقه. اهـ. وفي "القاموس": وأقمح الغل الأسير: إذا ترك رأسه مرفوعًا لضيقه.
﴿سَدًّا﴾ السد - بفتح السين وضمها -: الحاجز بين الشيئين والجبل، والجمع: أسداد. قال علي بن أبي طالب: وضرب على قلبه بالأسداد؛ أي: سدت
﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾ من الإرسال، والإرسال قد يكون للتسخير، كإرسال الريح والمطر، وقد يكون بمعنى بعث من له اختيار، نحو إرسال الرسل، كما في "المفردات".
﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾؛ أي: متصفون بالغفلة، والغفلة: ذهاب المعنى عن النفس، والنسيان: ذهابه عنها بعد حضوره. قال بعضهم: الغفلة: نوم القلب، فلا تعتبر حركة اللسان إذا كان القلب نائمًا، ولا يضر سكوته إذا كان متيقظًا، ومعنى التيقظ: أن يشهده تعالى حافظًا له رقيبًا عليه قائمًا بمصالحه.
﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ﴾؛ أي: ثبت ووجب، والقول الحكم والقضاء الأزلي. ﴿أَغْلَالًا﴾: جمع غل بضم الغين، وهو القيد الذي يوضع في اليد، وقد تشد به اليد إلى العنق، وفي "المفردات": أصل الغلل: تدرع الشيء وتوسُّطه، ومنه: الغلل للماء الجاري، مختص بما يقيد به، فيجعل الأعضاء وسطه، وغل فلان: قيد به، وقيل للبخيل: هو مغلول اليد.
﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ جمع ذقن بفتح الذال والقاف وبكسر الذال وبفتح القاف ومجتمع اللحيين من أسفلهما.
﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ جمع: مقمح، والمقمح: الذي يرفع رأسه، ويغض بصره من الإقماح، يقال: قمح البعير فهو قامح إذا رفع رأسه بعد الشرب لارتوائه، أو لبرودة الماء، أو لكراهة طعمه، كما مرَّ، وفي "المختار" الإقماح: رفع الرأس، وغض البصر، يقال: أقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعًا من ضيقه. اهـ. وفي "القاموس": وأقمح الغل الأسير: إذا ترك رأسه مرفوعًا لضيقه.
﴿سَدًّا﴾ السد - بفتح السين وضمها -: الحاجز بين الشيئين والجبل، والجمع: أسداد. قال علي بن أبي طالب: وضرب على قلبه بالأسداد؛ أي: سدت
514
عليه الطرق، وعميت عليه المذاهب.
﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: أغشينا أبصارهم؛ أي: غطيناهم، وجعلنا عليها غشاوة عن أن تطمح إلى مرئي. ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾؛ أي: عقابه، ﴿بِالْغَيْبِ﴾؛ أي: قبل حلوله ومعاينة أهواله. ﴿نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ والإحياء: جعل الشيء حيًا ذا حس وحركة، والميت: من أخرج روحه.
﴿مَا قَدَّمُوا﴾؛ أي: أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة. ﴿وَآثَارَهُمْ﴾؛ أي: ما أبقوه بعدهم من الحسنات، كعلم علموه، أو كتاب ألفوه أو بناء في سبيل الله بنوه، أو من السيئات، كغرس بذور الضلالات بين الناس.
﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ قال ابن الشيخ: أصل الإحصاء: العد، ثم استعير للبيان والحفظ؛ لأن العد يكون لأجلهما، وفي "المفردات": الإحصاء: التحصيل بالعدد، يقال: أحصيت كذا، وذلك من لفظ الحصي، واستعمال ذلك فيه؛ لأنهم كانوا يعتمدون عليه في العد اعتمادنا فيه على الأصابع.
﴿فِي إِمَامٍ﴾؛ أي: أصلٍ يؤتم به، قال الراغب: الإِمام المؤتم به إنسانًا كان يقتدى بقوله وبفعله، أو كتابًا أو غير ذلك، محقًا كان أو مبطلًا، وجمعه: أئمة.
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ القرية - بفتح القاف وكسرها -: الضيعة، والمصر الجامع، وجمع الناس، والجمع: قرًى، وقرىء بضم القاف وكسرها، والنسبة إليها: قروي وقرييّ، والمراد بها هنا: أنطاكية كما سبق.
﴿فعززناهما﴾؛ أي: قويناهما وشددناهما، يقال: عزز المطر الأرض إذا لبدها وسددها، وأرض عزار؛ أي: صلبة، وتعزز اللحم: اشتد وعز، كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه.
﴿إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: التبليغ الواضح الظاهر للرسالة. ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾؛ أي: تشاءمنا، والتطير: التشاؤم، وأصله: من الطير إذا طار إلى جهة اليسار تشاءموا به، وأصل التطير: التفاؤل بالطير، فإنهم يزعمون أن الطائر السانح - أي: الذي طار إلى جهة اليمين - سببٌ للخير، والبارح - أي: الذي طار إلى جهة اليسار - سبب للشر، ثم استعمل في كل ما يتشاءم به، طيرًا كان أو غيره.
﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ وفي "المختار": طائر الإنسان: عمله الذي قلّده، والطير
﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: أغشينا أبصارهم؛ أي: غطيناهم، وجعلنا عليها غشاوة عن أن تطمح إلى مرئي. ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾؛ أي: عقابه، ﴿بِالْغَيْبِ﴾؛ أي: قبل حلوله ومعاينة أهواله. ﴿نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ والإحياء: جعل الشيء حيًا ذا حس وحركة، والميت: من أخرج روحه.
﴿مَا قَدَّمُوا﴾؛ أي: أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة. ﴿وَآثَارَهُمْ﴾؛ أي: ما أبقوه بعدهم من الحسنات، كعلم علموه، أو كتاب ألفوه أو بناء في سبيل الله بنوه، أو من السيئات، كغرس بذور الضلالات بين الناس.
﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ قال ابن الشيخ: أصل الإحصاء: العد، ثم استعير للبيان والحفظ؛ لأن العد يكون لأجلهما، وفي "المفردات": الإحصاء: التحصيل بالعدد، يقال: أحصيت كذا، وذلك من لفظ الحصي، واستعمال ذلك فيه؛ لأنهم كانوا يعتمدون عليه في العد اعتمادنا فيه على الأصابع.
﴿فِي إِمَامٍ﴾؛ أي: أصلٍ يؤتم به، قال الراغب: الإِمام المؤتم به إنسانًا كان يقتدى بقوله وبفعله، أو كتابًا أو غير ذلك، محقًا كان أو مبطلًا، وجمعه: أئمة.
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ القرية - بفتح القاف وكسرها -: الضيعة، والمصر الجامع، وجمع الناس، والجمع: قرًى، وقرىء بضم القاف وكسرها، والنسبة إليها: قروي وقرييّ، والمراد بها هنا: أنطاكية كما سبق.
﴿فعززناهما﴾؛ أي: قويناهما وشددناهما، يقال: عزز المطر الأرض إذا لبدها وسددها، وأرض عزار؛ أي: صلبة، وتعزز اللحم: اشتد وعز، كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه.
﴿إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: التبليغ الواضح الظاهر للرسالة. ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾؛ أي: تشاءمنا، والتطير: التشاؤم، وأصله: من الطير إذا طار إلى جهة اليسار تشاءموا به، وأصل التطير: التفاؤل بالطير، فإنهم يزعمون أن الطائر السانح - أي: الذي طار إلى جهة اليمين - سببٌ للخير، والبارح - أي: الذي طار إلى جهة اليسار - سبب للشر، ثم استعمل في كل ما يتشاءم به، طيرًا كان أو غيره.
﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ وفي "المختار": طائر الإنسان: عمله الذي قلّده، والطير
515
أيضًا الاسم من التطير، ومنه قولهم: لا طير إلا طير الله، كما يقال: لا أمر إلا أمر الله، وقال ابن السكيت يقال: طائر الله لا طائرك، ولا تقل: طير الله، وتطيَّر من الشيء وبالشيء، والاسم: الطيرة بوزن عنبة، وهي ما يتشاءم به من الفأل الرديء. ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ﴾ والضر: اسم لكل سوء ومكروه يتضرر به. ﴿وَلَا يُنْقِذُونِ﴾ من الإنقاذ، وهو: التخليص من المخاوف والمكاره.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جمع المؤكدات في قوله: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾ لردِّ إنكار الكفرة بقولهم في حقه - ﷺ -: لست مرسلًا، وما أرسل الله إلينا رسولًا، فإنه أكد بالقسم، وبإن، وباللام، وباسمية الجملة؛ لأن المقام مقام الإنكار.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ فإنه شبَّه حال الكفار في امتناعهم من الهدى والإيمان بمن غلت يده إلى عنقه بالسلاسل والأغلال، فأصبح رأسه مرفوعًا لا يستطيع خفضًا له ولا التفاتًا على طريقة الاستعارة التمثيلية.
ومنها: القلب في قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾؛ إذ حقيقة الكلام: جعلنا أعناقهم في الأغلال، وقال ثعلب: في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢)﴾ إن المعنى: اسلكوا فيه سلسلة؛ أي: أدخلوا في عنقه سلسلة.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿أَغْلَالًا﴾ مبالغة في تعظيمها وتهويل أمرها.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا﴾ الآية، فقد شبههم بمن أحاط بهم سدان هائلان، فغطيا أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم محبوسون في وهدة الجهالة، ممنوعون من النظر في الآيات والدلائل، أو كأنهم وقد حرموا نعمة التفكير في القرون الخالية والأمم الماضية، والتأمل في مغاب الآتية والعواقب المستقبلية، قد أحيطوا بسدٍّ من أمامهم، وسد من
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جمع المؤكدات في قوله: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾ لردِّ إنكار الكفرة بقولهم في حقه - ﷺ -: لست مرسلًا، وما أرسل الله إلينا رسولًا، فإنه أكد بالقسم، وبإن، وباللام، وباسمية الجملة؛ لأن المقام مقام الإنكار.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ فإنه شبَّه حال الكفار في امتناعهم من الهدى والإيمان بمن غلت يده إلى عنقه بالسلاسل والأغلال، فأصبح رأسه مرفوعًا لا يستطيع خفضًا له ولا التفاتًا على طريقة الاستعارة التمثيلية.
ومنها: القلب في قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾؛ إذ حقيقة الكلام: جعلنا أعناقهم في الأغلال، وقال ثعلب: في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢)﴾ إن المعنى: اسلكوا فيه سلسلة؛ أي: أدخلوا في عنقه سلسلة.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿أَغْلَالًا﴾ مبالغة في تعظيمها وتهويل أمرها.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا﴾ الآية، فقد شبههم بمن أحاط بهم سدان هائلان، فغطيا أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم محبوسون في وهدة الجهالة، ممنوعون من النظر في الآيات والدلائل، أو كأنهم وقد حرموا نعمة التفكير في القرون الخالية والأمم الماضية، والتأمل في مغاب الآتية والعواقب المستقبلية، قد أحيطوا بسدٍّ من أمامهم، وسد من
516
ورائهم، فهم في ظلمة داكنة لا تختلج العين من جانبها بقبس، وتتوسم بصيصًا من أمل.
ومنها: تكرير الضمير في قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ لزيادة التأكيد.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾؛ لأنه استعار الإحصاء بمعنى العد للإحصاء بمعنى البيان بجامع الضبط في كل، فاشتق من الإحصاء بمعنى البيان، أحصينا بمعنى: بينا على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ فقد حذف مفعول ﴿فَعَزَّزْنَا﴾، والتقدير: فعززهما بثالث.
ومنها: التأكيدات في قوله: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ الآيات، ففي هذه الآيات يبدو التأكيد بأروع صورة للخبر، فقال أولًا: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ فأورد الكلام ابتدائي الخبر، ثم قال: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾، فأكده بمؤكدين، وهو: إن، واسمية الجملة، فأورد الكلام طلبيًا، ثم قال: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾، فترقى في التأكيد بثلاثة، وهي: إن، واللام، واسمية الجملة، فأورد الكلام إنكاري الخبر جوابًا عن إنكارهم، قيل: وفي قوله: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ﴾ تأكيد رابع، وهو إجراء الكلام مجرى القسم في التأكيد به، وفي أنه يجاب بما يجاب به القسم، وفي هذه الآية ائتلاف الفاصلة مع ما يدل عليه سائر الكلام، فإن ذكر الرسالة مهد لذكر البلاغ والبيان.
ومنها: قصر القلب في قوله: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرًا ولا منكرين لذلك، لكنهم نزّلوا منزلة المنكرين لاعتقاد الكفار أن الرسول لا يكون بشرًا، فنزلوهم منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا التنافي بين الرسالة والبشرية، فقلبوا هذا الحكم وعكسوه وقالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا؛ أي: أنتم مقصورون على البشرية، ليس لكم وصف الرسالة التي تدعونها، فلا فضل لكم علينا يقتضي اختصاصكم بالرسالة دوننا، ولو أرسل الرحمن إلى البشر رسلًا لجعلهم من جنس أفضل منهم، وهم الملائكة على زعمهم.
ومنها: تكرير الضمير في قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ لزيادة التأكيد.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾؛ لأنه استعار الإحصاء بمعنى العد للإحصاء بمعنى البيان بجامع الضبط في كل، فاشتق من الإحصاء بمعنى البيان، أحصينا بمعنى: بينا على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ فقد حذف مفعول ﴿فَعَزَّزْنَا﴾، والتقدير: فعززهما بثالث.
ومنها: التأكيدات في قوله: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ الآيات، ففي هذه الآيات يبدو التأكيد بأروع صورة للخبر، فقال أولًا: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ فأورد الكلام ابتدائي الخبر، ثم قال: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾، فأكده بمؤكدين، وهو: إن، واسمية الجملة، فأورد الكلام طلبيًا، ثم قال: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾، فترقى في التأكيد بثلاثة، وهي: إن، واللام، واسمية الجملة، فأورد الكلام إنكاري الخبر جوابًا عن إنكارهم، قيل: وفي قوله: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ﴾ تأكيد رابع، وهو إجراء الكلام مجرى القسم في التأكيد به، وفي أنه يجاب بما يجاب به القسم، وفي هذه الآية ائتلاف الفاصلة مع ما يدل عليه سائر الكلام، فإن ذكر الرسالة مهد لذكر البلاغ والبيان.
ومنها: قصر القلب في قوله: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرًا ولا منكرين لذلك، لكنهم نزّلوا منزلة المنكرين لاعتقاد الكفار أن الرسول لا يكون بشرًا، فنزلوهم منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا التنافي بين الرسالة والبشرية، فقلبوا هذا الحكم وعكسوه وقالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا؛ أي: أنتم مقصورون على البشرية، ليس لكم وصف الرسالة التي تدعونها، فلا فضل لكم علينا يقتضي اختصاصكم بالرسالة دوننا، ولو أرسل الرحمن إلى البشر رسلًا لجعلهم من جنس أفضل منهم، وهم الملائكة على زعمهم.
517
ومنها: الطباق في قوله: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾.
ومنها: طباق السلب في قوله: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾.
ومنها: الجناس الناقص في ﴿نَحْنُ نُحْيِ﴾ لتغير بعض الحروف.
ومنها: جناس الاشتقاق بين ﴿أَرْسَلْنَا﴾ و ﴿لَمُرْسَلُونَ﴾، وبين ﴿تَطَيَّرْنَا﴾ و ﴿طَائِرُكُمْ﴾.
ومنها: الإطناب بتكرار الفعل في قوله: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١)﴾.
ومنها: الإيغال في قوله: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، الإيغال عندهم: هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها؛ لأن قوله: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ مما يتم المعنى بدونه؛ لأن الرسل مهتدون لا محالة، إلا أن فيه زيادة حث على اتباع الرسل وترغيب فيه.
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾، وفائدته: أن في انتقاله من مخاطبتهم ومناصحتهم إلى التكلم تلطفًا بهم من جهة، ووعيدًا لهم من جهة ثانية، فقد صرف الكلام أولًا إلى نفسه، وأراهم أنه لا يختار لهم إلا ما يختاره لنفسه، ثم التفت إلى مخاطبتهم ثانيًا مقرعًا مهددًا بالعواقب التي تنتظرهم، ثم عاد أخيرًا إلى التلطف في النصيحة؛ لأن ذلك أدخل في إمحاض النصح؛ حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه، وقد وضع قوله: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ مكان قوله: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ألا ترى إلى قوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، ولولا أنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني، وإليه أرجع.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾.
ومنها: الحذف لدلالة السياق عليه في قوله: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾، والتقدير: فلما أشهر إيمانه.. قتلوه، فقيل له: ادخل الجنة.
ومنها: ائتلاف الفواصل في هذه الآي، وهو من خصائص القرآن لما فيه من روعة البيان، وحسن الوقع على السمع، وهو كثير في القرآن.
فائدة: من محاسن القرآن الكريم وبلاغته الخارقة الإيجاز في القصص والأنباء، والإشارة إلى روحها وسردها؛ لأن القصد من القصص التذكير والاعتبار،
ومنها: طباق السلب في قوله: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾.
ومنها: الجناس الناقص في ﴿نَحْنُ نُحْيِ﴾ لتغير بعض الحروف.
ومنها: جناس الاشتقاق بين ﴿أَرْسَلْنَا﴾ و ﴿لَمُرْسَلُونَ﴾، وبين ﴿تَطَيَّرْنَا﴾ و ﴿طَائِرُكُمْ﴾.
ومنها: الإطناب بتكرار الفعل في قوله: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١)﴾.
ومنها: الإيغال في قوله: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، الإيغال عندهم: هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها؛ لأن قوله: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ مما يتم المعنى بدونه؛ لأن الرسل مهتدون لا محالة، إلا أن فيه زيادة حث على اتباع الرسل وترغيب فيه.
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾، وفائدته: أن في انتقاله من مخاطبتهم ومناصحتهم إلى التكلم تلطفًا بهم من جهة، ووعيدًا لهم من جهة ثانية، فقد صرف الكلام أولًا إلى نفسه، وأراهم أنه لا يختار لهم إلا ما يختاره لنفسه، ثم التفت إلى مخاطبتهم ثانيًا مقرعًا مهددًا بالعواقب التي تنتظرهم، ثم عاد أخيرًا إلى التلطف في النصيحة؛ لأن ذلك أدخل في إمحاض النصح؛ حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه، وقد وضع قوله: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ مكان قوله: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ألا ترى إلى قوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، ولولا أنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني، وإليه أرجع.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾.
ومنها: الحذف لدلالة السياق عليه في قوله: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾، والتقدير: فلما أشهر إيمانه.. قتلوه، فقيل له: ادخل الجنة.
ومنها: ائتلاف الفواصل في هذه الآي، وهو من خصائص القرآن لما فيه من روعة البيان، وحسن الوقع على السمع، وهو كثير في القرآن.
فائدة: من محاسن القرآن الكريم وبلاغته الخارقة الإيجاز في القصص والأنباء، والإشارة إلى روحها وسردها؛ لأن القصد من القصص التذكير والاعتبار،
518
ولهذا لم يذكر في القصة اسم البلدة، ولا اسم الشخص الذي دعاهم إلى الله تعالى، ولا أسماء الرسل الكرام؛ لأن كل ذلك ليس هو الهدف من القصة، وقس على هذا سائر قصص القرآن.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أجل وأعز وأكرم وأعلم، والحمد لله على إحسانه وإنعامه، وصلِّ وسلم ربنا على محمد وآله الطيبين الأخيار، وصحبه الكرام الأبرار، وأتباعهم إلى يوم العرض على الجبار (١).
* * *
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أجل وأعز وأكرم وأعلم، والحمد لله على إحسانه وإنعامه، وصلِّ وسلم ربنا على محمد وآله الطيبين الأخيار، وصحبه الكرام الأبرار، وأتباعهم إلى يوم العرض على الجبار (١).
* * *
(١) وإلى هنا وقفت الأقلام في تفسير هذا الجزء من الكتاب الكريم، وكان الفراغ منه بمكة المكرمة جوار المسجد الحرام في حي المسفلة في حارة الرشد في أوائل الليلة التاسعة من شهر صفر المبارك من شهور سنة ألف وأربع مئة وأربع عشرة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، ٩/ ٢/ ١٤١٤ هـ، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، آمين آمين يا رب آمين. تم المجلد الثالث والعشرون، ويليه المجلد الرابع والعشرون، وأوله قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ...﴾ الآية.
519
شعرٌ
آخرُ
آخرُ
آخرُ
الْعَبْدُ ذُوْ ضَجَرٍ وَالرَّبُّ ذُوْ قَدَرٍ | وَالدَّهْرُ ذُوْ دُوَلٍ وَالرِّزْقُ مَقْسُوْمُ |
وَالْخَيْرُ أَجْمَعُ فِيْمَا اخْتَارَ خَالِقُنَا | وَفِيْ اخْتِيَارِ سِوَاهُ اللَّوْمُ وَالشَّوَمُ |
أَلَّا إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلِّ سَحَابَةٍ | أَظَلَّتْكَ يَوْمًا ثُمَّ عَنْكَ اضْمَحَلَّتِ |
فَلاَ تَكُ فَرْحانًا بِهَا حِيْنَ أَقْبَلَتْ | وَلَا تَكُ جَزْعَانًا بِهَا حِيْنَ وَلَّتِ |
بِلَادُ اللَّهُ وَاسِعَةٌ فَضَاءً | وَرِزْقُ اللَّهِ فِيْ الدُّنْيَا فَسِيْحُ |
فَقُلْ لِلْقَاعِدِيْنَ عَلَى هَوَانٍ | إِذَا ضَاقَتْ بِكُمْ أَرْضٌ فَسِيْحُوْا |