وهي مكية كلها. في قول قتادة، وقال الكلبي : إلا ثلاث آيات مدنيات في آخرها قوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ إلى قوله ﴿ لعلكم تتقون ﴾.
ﰡ
قَوْله: ﴿الْحَمد لله﴾ حمد نَفسه ﴿الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور﴾ الظُّلُمَاتُ: اللَّيْلُ، وَالنُّورُ: ضَوْءُ النَّهَارِ.
﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ عَدَلُوا بِهِ أَصْنَامَهُمُ الَّتِي عَبَدُوهَا من دون الله.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾ يَعْنِي: آدَمَ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ بَعْدُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ضَعِيفٍ؛ يَعْنِي: النُّطْفَةَ ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ قَالَ قَتَادَة: ﴿ثمَّ قضى أَََجَلًا﴾ يَعْنِي: الْمَوْت ﴿وَأجل مُسَمّى عِنْده﴾ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ ﴿ثمَّ أَنْتُم تمترون﴾ تشكون فِي السَّاعَة.
﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَات رَبهم﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، ﴿إِلا كَانُوا عَنْهَا معرضين﴾ يَعْنِي بِهِ: مُشْركي الْعَرَب.
﴿فقد كذبُوا بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي: بِالْقُرْآنِ ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهم أنباء مَا كَانُوا يه يستهزءون﴾ يَأْتِيهِمْ عِلْمُهُ فِي الْأَرْضِ، فَيَأْخُذُهُمُ الله فيدخلهم النَّار.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٦) إِلَى الْآيَة (٧).
﴿كم أهلكنا﴾ عذبنا ﴿من قبلهم﴾ يَعْنِي: كُفَّارَ مَكَّةَ. إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ﴾ يُحَذِّرُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَيُخَوِّفُهُمْ مَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَمَ حِينَ كَذَّبُوا رسلهم ﴿وأنشأنا﴾ خَلْقَنَا ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: الْقَرْنُ: ثَمَانُونَ سنة.
﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس﴾ الْآيَةَ، قَالَ الْحَسَنُ:
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ: بِكِتَابٍ يَقْرَءُونَهُ وَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نقرؤه من الله (ل ٩١) إِلَى كُلِّ رَجُلٍ بِاسْمِهِ؛ أَنْ آمن بِمُحَمد؛ فَإِنَّهُ رَسُولي.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٨) إِلَى الْآيَة (١٠).
﴿وَقَالُوا لَوْلَا﴾ هلا ﴿أنزل عَلَيْهِ ملك﴾ أَيْ: يَأْمُرُنَا بِاتِّبَاعِهِ.
قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ بعذابهم ﴿ثمَّ لَا ينظرُونَ﴾ لَا يُؤَخَّرُونَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَلَكِ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَأَلُوا نَبِيَّهُمُ الْآيَةَ فَجَاءَتْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا، أَهْلَكَهُمُ الله.
﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا﴾ أَيْ: لَجَعَلْنَا ذَلِكَ الْمَلَكَ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يلبسُونَ﴾ أَيْ: وَلَخَلَطْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَخْلِطُونَ؛ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يَكُونَ مَلَكٌ مَعَ آدَمِيٍّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَأَضْلَلْنَاهُمْ بِمَا ضَلُّوا بِهِ قبل أَن يبْعَث الْملك.
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون﴾ يَعْنِي: نَزَلَ بِهِمْ عُقُوبَةُ اسْتِهْزَائِهِمْ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١١) إِلَى الْآيَة (١٧).
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم، ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار.
﴿كتب على نَفسه الرَّحْمَة﴾ أَيْ: أَوْجَبَهَا. ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ أَيْ: خَسِرُوهَا بِمَصِيرِهِمْ إِلَى النَّارِ ﴿فهم لَا يُؤمنُونَ﴾ يُغني: من مَاتَ على كفره.
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَعْنِي: خَالِقَهُمَا.
﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أكون أول من أسلم﴾ يَعْنِي: من أمته.
﴿ قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض ﴾ يعني : خالقهما.
﴿ وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ﴾ يعني : من أمته.
﴿من يصرف عَنهُ يَوْمئِذٍ﴾ يَعْنِي: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ عَذَابُهُ ﴿فقد رَحمَه﴾.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٨) إِلَى الْآيَة ٢١).
﴿وَهُوَ القاهر فَوق عباده﴾ قَهَرَهُمْ بِالْمَوْتِ، وَبِمَا شَاءَ مِنْ أمره ﴿وَهُوَ الْحَكِيم﴾ فِي أمره ﴿الْخَبِير﴾ بخلقه.
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ:
قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِلنَّبِيِّ: مَنْ يَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَيَشْهَدُ لَكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شهيدٌ بيني وَبَيْنكُم﴾ فَهُوَ شَهِيدٌ أَنِّي رَسُولُهُ.
﴿وَأُوحِيَ إِلَيّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ وَمن بلغ﴾ أَيْ: مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ.
61
قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْعَجَمِ وَغَيْرِهِمْ.
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى﴾ وَهَذَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ شَهِدْتُمْ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى؟
62
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كذبا﴾ فَيَعْبُدُ مَعَهُ الْأَوْثَانَ؛ أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ ﴿إِنَّهُ لَا يفلح الظَّالِمُونَ﴾ الْمُشْركُونَ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٢٢) إِلَى الْآيَة (٢٤).
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ للَّذين أشركوا أَيْن شركاؤكم﴾ يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ.
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فتنتهم﴾ يَعْنِي: مَعْذِرَتَهُمْ ﴿إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾
﴿ ثم لم تكن فتنتهم ﴾ يعني : معذرتهم ﴿ إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ﴾.
﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ بِاعْتِذَارِهِمْ بِالْكَذِبِ
﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يفترون﴾ يَعْنِي: الْأَوْثَانَ الَّتِي عَبَدُوهَا ضَلَّتْ عَنْهُمْ؛ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ:
مَنْ قَرَأَ
﴿رَبِّنَا﴾ بِالْخَفْضِ، فَهُوَ عَلَى النَّعْتِ وَالثَّنَاءِ، وَمَنْ قَرَأَ
﴿فِتْنَتَهُمْ﴾ بِالنَّصْبِ، فَهُوَ خبر
﴿تكن﴾، وَالِاسْم
﴿إِلَّا أَن قَالُوا﴾.
62
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٢٥) إِلَى الْآيَة (٢٦).
63
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ لِئَلَّا يَفْقَهُوهُ. ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ يَعْنِي: صَمَمًا عَنِ الْهُدَى.
﴿وَإِنْ يرَوا كل آيَة﴾ يَعْنِي: مَا سَأَلُوا النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَاتِ.
﴿لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذا جاءوك يجادلونك﴾ وَمُجَادَلَتُهُمْ أَنْ ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ كَذِبُ الْأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ؛ يَعْنُونَ: الْقُرْآنَ.
﴿وهم ينهون عَنهُ وينئون عَنهُ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَنْهَوْنَ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ، وَيَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أنفسهم﴾ بذلك ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أَنهم يهْلكُونَ أنفسهم.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٢٧) إِلَى الْآيَة (٢٩).
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ إِلَى الدُّنْيَا ﴿وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بدا لَهُم﴾ فِي الْآخِرَة
﴿مَا كَانُوا يخفون من قبل﴾ إِذْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقين
﴿وَلَو ردوا﴾ إِلَى الدُّنْيَا
﴿لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنهُ﴾ من التَّكْذِيب (وَإِنَّهُم
63
لَكَاذِبُونَ)
﴿ل ٩٢﴾ أَيْ: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا؛ أخبر بِعِلْمِهِ فيهم. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٣٠) إِلَى الْآيَة (٣١).
64
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾ الَّذِي كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ إِذْ أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿قَالُوا بَلَى وربنا﴾ فَآمَنُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْإِيمَانُ.
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَة قَالُوا يَا حسرتنا﴾ وَالتَّحَسُّرُ: التَّنَدُّمُ
﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ ﴿فِي﴾ السَّاعَة، إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا
﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ﴾ ﴿بئس﴾ (مَا يزرون} يَحْمِلُونَ ذُنُوبَهُمْ.
يحيى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ مُثِّلَ لَهُ عَمَلُهُ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ رَآهَا قَطُّ، أَقْبَحَهُ وَجْهًا، وَأَنْتَنَهُ رِيحًا، وَأَسْوَأَهُ لَفْظًا؛ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ؛ فَمَا رَأَيْتُ أَقْبَحَ مِنْكَ وَجْهًا،
64
وَلَا أَنْتَنَ مِنْكَ رِيحًا، وَلَا أَسْوَأَ مِنْكَ لَفْظًا. فَيَقُولُ: أَتَعْجَبُ مِنْ قُبْحِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَنَا وَاللَّهِ عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، وَإِنَّكَ كُنْتَ تَرْكَبُنِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرْكَبَنَّكَ الْيَوْمَ؛ فَيَرْكَبُهُ فَلَا يَرَى شَيْئًا يَهُولُهُ وَلَا يَرُوعُهُ إِلَّا قَالَ: أَبْشِرْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي تُرَادُ وَأَنْتَ الَّذِي تُعْنَى. وَهُوَ قَوْلُهُ:
﴿وَهُمْ يحملون أوزارهم على ظُهُورهمْ﴾ الْآيَة ".
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٣٢) إِلَى الْآيَة (٣٤).
65
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهو﴾ أَيْ: أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا أَهْلُ لعب ولهوٍ.
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ إِنَّكَ ساحرٌ، وَإِنَّكَ شَاعِرٌ، وَإِنَّكَ كَاهِنٌ، وَإِنَّكَ مَجْنُونٌ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ:
شَقَّ عَلَيْهِ وَحَزِنَ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّكَ صَادِقٌ ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ ﴿لَا يكذبُونَك﴾ بِالتَّخْفِيفِ، فَالْمَعْنَى: لَا يَلْفُونَكَ كَاذِبًا، وَمن قَرَأَ ﴿لَا يكذبُونَك﴾ فَالْمَعْنَى: لَا يَنْسِبُونَكَ إِلَى الْكَذِبِ.
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله﴾ أَيْ: أَنَّهُ سَيَنْصُرُكَ، وَيُظْهِرُ دِينَكَ، كَمَا نَصَرَ الرُّسُلَ الَّذِينَ كُذِّبُوا مِنْ قَبْلِكَ ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نبإ الْمُرْسلين﴾ مِنْ أَخْبَارِ الْمُرْسَلِينَ أَنَّهُمْ قَدْ نُصِرُوا بَعْدَ الْأَذَى، وَبَعْدَ الشَّدَائِدِ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٣٥) إِلَى الْآيَة (٣٦).
﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ عَنْكَ، وَتَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ.
﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ﴾ أَيْ: سِرْبًا، فَتَدْخُلَ فِيهِ ﴿أَوْ سلما فِي السَّمَاء﴾ أَيْ: إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْقَى إِلَيْهَا ﴿فتأتيهم بِآيَة﴾ وَهَذَا حِينَ سَأَلُوا الْآيَةَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَفْعَلَ هَذَا فَافْعَلْ؛ اخْتَصَرَ (فَافْعَلْ) إِذْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يدل عَلَيْهِ.
﴿إِنَّمَا يستجيب الَّذين يسمعُونَ﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي بِالْمَوْتَى: الْمُشْرِكِينَ.
وَقَوله: ﴿يَبْعَثهُم الله﴾ يَعْنِي: مَنْ يَمُنُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ؟ فَيُحْيِيهِمْ مِنْ شِرْكِهِمْ ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ يرجعُونَ﴾ يَوْم الْقِيَامَة.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٣٧) إِلَى الْآيَة (٣٩).
﴿وَقَالُوا لَوْلَا﴾ هلا ﴿نزل عَلَيْهِ﴾ على مُحَمَّد ﴿أيه﴾ ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يعلمُونَ﴾ وهم الْمُشْركُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَم أمثالكم﴾
قَالَ مُجَاهِدٌ: [أَيْ: أَصْنَافٌ] مُصَنَّفَةٌ [تُعْرَفُ] بِأَسْمَائِهَا.
﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكتاب من شَيْء﴾ مِنْ آجَالِهَا وَأَعْمَالِهَا وَأَرْزَاقِهَا وَآثَارِهَا؛ أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مكتوبٌ عِنْد الله.
﴿وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا صم﴾ عَنِ الْهدى؛ فَلَا يسمعونه ﴿وبكم﴾ عَنْهُ؛ فَلَا يَنْطِقُونَ بِهِ ﴿فِي الظُّلُمَات﴾ يَعْنِي: الْكفْر. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٤٠) إِلَى الْآيَة (٤١).
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله﴾ قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: فِي الدُّنيا بالاستئصال ﴿أَو أتتكم السَّاعَة﴾ بِالْعَذَابِ ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُم صَادِقين﴾ أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ إِلَّا اللَّهَ؛ فَتُؤْمِنُوا حَيْثُ لَا يُقْبَلُ الْإِيمَان (ل ٩٣) مِنْكُمْ؛ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ أَلَّا يُقْبَلَ الْإِيمَانُ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ.
﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تدعون إِلَيْهِ إِن شَاءَ﴾ وَهَذِهِ مَشِيئَةُ الْقُدْرَةِ، وَلَا
67
يَشَاءُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ.
﴿وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْثَانِ؛ فَتُعْرِضُونَ عَنْهَا.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٤٢) إِلَى الْآيَة (٤٥).
68
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قبلك فأخذناهم بالبأساء وَالضَّرَّاء﴾ الْبَأْسَاءُ: الْبُؤْسُ؛ وَهِيَ الشَّدَائِدُ مِنَ الْجُدُوبَةِ، وَشِدَّةِ الْمَعَاشِ. وَالضَّرَّاءُ يَعْنِي: الضُّرَّ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾
﴿فلولا﴾ يَعْنِي: فَهَلَّا ﴿إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تضرعوا﴾ أَيْ: أَنَّهُمْ لَمْ يَتَضَرَّعُوا ﴿وَلَكِنْ قست قُلُوبهم﴾ غَلُظَتْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُصِيبُ الأُمَمَ مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَبْتَلِيهِمُ اللَّهُ بِهِ قَبْلَ الْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ؛ فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا أَهَلَكَهُمُ الله.
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ أَيْ: ﴿كَذَّبُوا﴾ مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ.
﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْء﴾ مِنَ الرِّزْقِ ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾ بِمَا أعْطوا ﴿أَخَذْنَاهُم بَغْتَة﴾ يَعْنِي: بِالْعَذَابِ فَجْأَةً ﴿فَإِذَا هُمْ مبلسون﴾ ييأسون
﴿فَقطع دابر﴾ أصل ﴿الْقَوْم الَّذين ظلمُوا﴾ أشركوا.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٤٦) إِلَى الْآيَة (٤٩).
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سمعكم﴾ [فأصمها] ﴿وأبصاركم﴾ فَأَعْمَاهَا.
﴿وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ أَيْ: بِمَا أَذْهَبَ؛ يَقُولُ: لَيْسَ بِفعل ذَلِكَ؛ حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ إِلَّا هُوَ ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَات﴾ نبينها ﴿ثمَّ هم يصدفون﴾ أَي: يعرضون عَنْهَا.
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَة﴾ أَي: لَيْلًا ﴿أَو جهرة﴾ نَهَارًا ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ يُخَوِّفُهُمُ الْعَذَابَ؛ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ﴾ يَعْنِي: بِالْجنَّةِ ﴿ومنذرين﴾ من النَّار.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٥٠) إِلَى الْآيَة (٥١).
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِن الله﴾ أَيْ: عِلْمُ خَزَائِنِ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ الْعَذَابُ؛ لِقَوْلِهِمْ:
﴿ائْتِنَا بِعَذَابٍ الله﴾.
﴿وَلَا أعلم الْغَيْب﴾ فيأتيكم الْعَذَاب.
﴿وَلَا أَقُول إِنِّي ملك﴾ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَكِنِّي رَسُولٌ يُوحَى إِلَيَّ.
﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحى إِلَيّ﴾ أَيْ: إِنَّمَا أُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي بِهِ.
69
﴿قل هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى﴾ يَعْنِي: الَّذِي لَا يُبْصِرُ
﴿وَالْبَصِيرُ﴾ الَّذِي يُبْصِرُ؛ هَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر
﴿أَفلا تتفكرون﴾ أَي: أَنَّهُمَا لَا يستويان.
70
﴿وأنذر بِهِ﴾ يَعْنِي: بِالْقُرْآنِ ﴿الَّذين يخَافُونَ﴾ يَعْنِي: يَعْلَمُونَ ﴿أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبهم﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ؛ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا تنذر بِهِ من اتبع الذّكر﴾ إِنَّمَا يَقْبَلُ مِنْكَ مَنْ آمَنَ.
﴿لَيْسَ لَهُم من دونه﴾ أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿وَلِيٌّ﴾ يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ ﴿وَلا شَفِيعٌ﴾ يَشْفَعُ لَهُمْ؛ إِنْ لَمْ يَكُونُوا مُؤمنين.
﴿لَعَلَّهُم﴾ لَعَلَّ الْمُشْركين ﴿يَتَّقُونَ﴾ هَذَا فيؤمنوا.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٥٢) إِلَى الْآيَة (٥٣).
﴿وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ والعشي﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: صَلَاةَ مَكَّةَ؛ حِينَ كَانَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ غَدْوَةً، وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّةً، قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
قَالَ قَتَادَةُ:
قَالَ قَائِلُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ نَتَّبِعَكَ، فَاطْرُدْ عَنَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا - لِأُنَاسٍ كَانُوا دُونَهُمْ [فِي الدُّنْيَا] ازْدَرَاهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَنْزَلَ
70
اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ:
﴿يُرِيدُونَ وَجهه﴾ يُرِيدُونَ اللَّهَ وَرِضَاهُ.
﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ الَّذين قَالَت لَهُ قُرَيْشٌ: اطْرُدْهُمْ. قَالَ:
﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ من الظَّالِمين﴾ أَيْ: إِنْ طَرَدْتَهُمْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ:
﴿فَتكون من الظَّالِمين﴾ هُوَ جَوَاب
﴿وَلَا تطرد﴾ وَقَوله:
﴿فَتَطْرُدهُمْ﴾ هُوَ جَوَابُ
﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ ".
71
﴿أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ﴾ يَعْنِي: الْمُوَحِّدين. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٥٤) إِلَى الْآيَة (٥٥).
﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾ الْآيَةَ، تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ:
أَنَّ أَبَا طَالِبٍ هُوَ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ: اطرد (ل ٩٤) فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا، وَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَدَقَ عَمُّكَ؛ فَاطْرُدْ عَنَّا سَفَلَةَ الْمَوَالِي، فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، فَجَاءُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ سَقْطَتِهِمْ، وَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم﴾ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ.
﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَة﴾ [قَالَ قَتَادَةُ: كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلَهُ عَبْدٌ فَهُوَ بِجَهَالَةٍ].
71
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَرَأَ:
﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ﴾ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، فَالْمَعْنَى: وَكَتَبَ أَنَّهُ، وَمَنْ قَرَأَ:
﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ بِكَسْرِ الْأَلِفِ؛ فَإِنَّهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
72
قَوْله: ﴿وَكَذَلِكَ نفصل الْآيَات﴾ أَي: نبينها ﴿ولتستبين﴾ يَا مُحَمَّد ﴿سَبِيل الْمُجْرمين﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ بِالْآيَاتِ الَّتِي بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا سَبِيلَ الْهُدَى مِنْ سَبِيل الضَّلَالَة.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٥٦) إِلَى الْآيَة (٥٨).
﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: الْأَوْثَانَ.
﴿قُلْ لَا أَتَّبِعُ أهواءكم﴾ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذا﴾ إِنِ اتَّبَعْتُ أَهْوَاءَكُمْ ﴿وَمَا أَنَا من المهتدين﴾
﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ يَعْنِي: النُّبُوَّة
﴿وكذبتم بِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ.
﴿مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ مِنَ الْعَذَابِ؛ لِقَوْلِهِمْ:
﴿عَجِّلْ لَنَا قطنا﴾ يَعْنِي: عَذَابَنَا
﴿قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾، وَلِقَوْلِهِمْ: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ
72
الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة من السَّمَاء} وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لله﴾ إِن الْقَضَاء إِلَّا لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿يَقْضِي الْحَقَّ﴾ وَتُقْرَأُ أَيْضًا
﴿يَقُصُّ الْحق﴾ مِنَ الْقَصَصِ
﴿وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ بالحكم.
73
﴿قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُون بِهِ﴾ ﴿مِنْ عَذَابِ اللَّهِ﴾ (لَقُضِيَ الأَمْرُ بيني وَبَيْنكُم} يَعْنِي: السَّاعَةَ، فَأَتَيْتُكُمْ بِالْعَذَابِ ﴿وَاللَّهُ أعلم بالظالمين﴾ الْمَعْنَى.
وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ ظَالِمُونَ؛ أَي: مشركون.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٥٩) إِلَى الْآيَة (٦٠).
﴿وَعِنْده مفاتح الْغَيْب﴾ يَعْنِي: خَزَائِنُ الْغَيْبِ ﴿لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظلمات الأَرْض﴾ [فِي جَوْفِ الْأَرْضِ] ﴿وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبين﴾ {بَين
٢ - ! (وَهُوَ الَّذِي يتوفاكم بِاللَّيْلِ} يَعْنِي: النَّوْمَ
﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ مَا عَمِلْتُمْ بِالنَّهَارِ
﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: فِي النَّهَارِ.
﴿ليقضى أجل مُسَمّى﴾ يَعْنِي: السَّاعَةَ بِاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
73
﴿ثمَّ إِلَيْهِ مرجعكم﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٦١) إِلَى الْآيَة (٦٧).
74
﴿وَهُوَ القاهر فَوق عباده﴾ قَهَرَهُمْ بِالْمَوْتِ، وَبِمَا شَاءَ مِنْ أمره. ﴿وَيُرْسل عَلَيْكُم حفظَة﴾ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؛ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَيَكْتُبُونَهَا، وَيَحْفَظُونَهُ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ؛ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَدَرُ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ فِي أَمْرِ اللَّهِ.
يحيى: وَبَلَغَنَا أَنَّ لِمَلَكِ الْمَوْتِ أَعْوَانًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ هُمُ الَّذِينَ يَسِلُّونَ الرُّوحَ مِنَ الْجَسَدِ؛ حَتَّى إِذَا [كَانُوا عِنْدَ خُرُوجِهِمْ جَاءَ] مَلَكُ الْمَوْتِ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ آجَالَ الْعِبَادِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ قبل الله.
﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحق﴾ يَعْنِي: مَالِكَهُمْ، وَالْحَقُّ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ
﴿أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أسْرع الحاسبين﴾.
قَالَ يحيى:
سَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: يَفْرَغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ
74
إِذَا أَخَذَ فِي حِسَابِهِمْ فِي قَدْرِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا.
75
﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبر وَالْبَحْر﴾ يَعْنِي: كُرُوبَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
﴿تَدْعُونَهُ تضرعا وخفية﴾ أَي: سراًّ بالتضرع ﴿لَئِن أنجيتنا من هَذِه﴾ الشدَّة ﴿لنكونن من الشَّاكِرِينَ﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ.
﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كل كرب﴾ أَيْ: كُلِّ كَرْبٍ نَجَوْتُمْ مِنْهُ فَهُوَ الَّذِي أَنْجَاكُمْ مِنْهُ ﴿ثُمَّ أَنْتُم تشركون﴾
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بعض﴾ (ل ٩٥) تَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَذَابًا من فَوْقكُم﴾ فَيَحْصِبَكُمْ بِالْحِجَارَةِ كَمَا حَصَبَ قَوْمَ لُوطٍ، أَوْ بِبَعْضِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْعَذَابِ ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلكُم﴾ أَي: بخسف أَو برجفةٍ ﴿أَو يلْبِسكُمْ شيعًا﴾ يَعْنِي: اخْتِلَافًا.
﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بعض﴾ أَي: فَيقْتل بَعْضكُم بَعْضًا
﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بوكيل﴾ بِحَفِيظٍ لِأَعْمَالِكُمْ حَتَّى [أُجَازِيَكُمْ] بِهَا إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ، وَاللَّهُ الْمُجَازِي لكم بأعمالكم.
﴿وَلكُل نبإٍ مُسْتَقر﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ.
﴿وسوف تعلمُونَ﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَهَذَا وعيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يقرونَ بِالْبَعْثِ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٦٨) إِلَى الْآيَة (٦٩).
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: يَسْتَهْزِئُونَ بِهَا ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيره﴾ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمين﴾ نُهِيَ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُمْ، إِلَّا أَنْ يَنْسَى فَإِذَا ذَكَرَ فَلْيَقُمْ.
﴿وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْء﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ حِسَابِ الْمُشْرِكِينَ؛ أَيْ: إِنْ قَعَدُوا مَعَهُمْ ﴿وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ:
قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا كُنَّا كُلَّمَا اسْتَهْزَأَ الْمُشْرِكُونَ بِكَتَابِ اللَّهِ قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُمْ لَمْ نَدْخُلِ الْمَسْجِدَ وَلَمْ نَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَرَخَّصَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ فَقَالَ: ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِن ذكرى لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ﴾ فَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْكُرُوهُمْ مَا اسْتَطَاعُوا.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٧٠) فَقَط.
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا ولهوا وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذَا مِمَّا نَسَخَ (الْقِتَال).
76
﴿وَذكر بِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ
﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كسبت﴾ يَعْنِي: أَنْ تُسْلَمَ
﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾ عَمِلَتْ؛ أَيْ: تُسْلَمَ فِي النَّارِ
﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ ولي﴾ يمْنَعهَا مِنْهُ
﴿وَلَا شَفِيع﴾ يَشْفَعُ لَهَا عِنْدَهُ؛ وَهَذَا الْكَافِرُ.
﴿وَإِن تعدل كل عدل﴾ أَيْ: تَفْتَدِي بِكُلِّ فِدْيَةٍ
﴿لَا يُؤْخَذ مِنْهَا﴾ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أبسلوا﴾ أُسْلِمُوا فِي النَّارِ.
﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ عَمِلُوا
﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ وَالْحَمِيمُ: الْحَارُّ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حره
﴿وَعَذَاب أَلِيم﴾ موجعٌ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٧١) فَقَط.
77
﴿قل أندعوا من دون الله﴾ يَعْنِي: نَعْبُدُ ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا﴾ وَهِيَ الْأَوْثَانُ.
﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ أَيْ: نَرْجِعُ إِلَى الْكُفْرِ ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِين فِي الأَرْض﴾ أَيْ: غَلَبَتْ عَلَيْهِ ﴿حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا﴾ أَيْ: كَرَجُلٍ ضَلَّ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ، لَهُ أَصْحَابٌ كُلُّهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى الطَّرِيقِ فَهُوَ مُتَحَيِّرٌ؛ هَذَا مِثْلُ مِنْ ضَلَّ بَعْدَ الْهُدَى، قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ: ﴿قُلْ إِنَّ هدى الله هُوَ الْهدى﴾ وَهُوَ الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٧٢) إِلَى الْآيَة (٧٣).
﴿وَهُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ أَيْ: لِلْحَقِّ؛ يَعْنِي: الْمِيعَادَ ﴿وَيَوْمَ يَقُول كن فَيكون﴾ ٦ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّور﴾ يَنْفُخُ فِيهِ ملكٌ يَقُومُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ قَتَادَةُ:
مِنَ الصَّخْرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالصُّورِ: قَرْنٌ فِيهِ أَرْوَاحُ الْخَلْقِ؟ فَيُنْفَخُ فِيهِ فَيَذْهَبُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ، ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ سِرَاعًا إِلَى الْمُنَادِي صَاحِبِ الصُّورِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة﴾ الْغَيْبُ: السِّرُّ، وَالشَّهَادَةُ: الْعَلَانِيَةُ ﴿وَهُوَ الْحَكِيم﴾ فِي أمره ﴿الْخَبِير﴾ بأعمال الْعباد.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٧٤) إِلَى الْآيَة (٧٩).
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أتتخذ أصناماً آلِهَة﴾ قَالَ قَتَادَةُ:
أَبُو إِبْرَاهِيمَ اسْمُهُ: تَارَحُ.
78
قَالَ يحيى: وَالْمَقْرَأَةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِير:
﴿آزر﴾ بِالرَّفْع، وَكَذَلِكَ كَانَ الْحسن (ل ٩٦) يَقْرَؤُهَا بِالرَّفْعِ (آزَرُ) يَقُولُهُ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
مَقْرَأُ الْحَسَنِ بِالرَّفْعِ؛ هُوَ بِمَعْنَى (يَا آزَرُ).
وَقَالَ الْخَلِيلُ: مَعْنَى (يَا آزَرُ) الشَّيْءُ يُعَيِّرُهُ بِهِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: يَا مُعْوَجُّ، يَا ضَالُّ.
قَالَ يحيى: وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا بِالنَّصْبِ، وَيَقُولُ: اسْمُ أَبِيه: (آزر).
79
﴿وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت﴾ يَعْنِي: ملك
﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ الْآيَة.
تَفْسِير قَتَادَة قَالَ:
ذكر لَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ فُرَّ بِهِ مِنْ جَبَّارٍ مترفٍ؛ فَجُعِلَ فِي سربٍ، وَجُعِلَ رِزْقُهُ فِي أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، فَجَعَلَ لَا يَمَصُّ إِصْبَعًا إِلَّا وَجَدَ فِيهَا
79
رِزْقًا، وَإِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ السِّرْبِ أَرَاهُ اللَّهُ مَلَكُوتَ السَّمَوَات؛ أرَاهُ شمساً وقمراً ونجوماً وعبوناً وَخَلْقًا عَظِيمًا، وَأَرَاهُ مَلَكُوتَ الْأَرْضِ؛ فَأَرَاهُ جِبَالًا وَبِحَارًا وَأَنْهَارًا وَشَجَرًا، وَمِنْ كُلِّ الدَّوَابِّ وَخَلْقًا عَظِيمًا.
80
﴿فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل﴾ أَيْ: [آوَاهُ].
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ:
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، وَأَجَنَّهُ اللَّيْلُ؛ إِذَا أَظْلَمَ حَتَّى يَسْتُرَهُ بِظُلْمَتِهِ.
﴿رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أفل﴾ ذَهَبَ ﴿قَالَ لَا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ وَأَهَمَّهُ النَّظَرُ فَرَاعَى الْكَوْكَبَ حَتَّى ذَهَبَ وَغَابَ، قَالَ: وَاطَّلَعَ الْقَمَرُ، وَكَانَ لَيْلَة آخر الشَّهْر
﴿فَلَمَّا رأى الْقَمَر بازغا﴾ أَيْ طَالِعًا ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ قَالَ: فَرَاعَاهُ حَتَّى غَابَ ﴿فَلَمَّا أفل﴾ ذَهَبَ ﴿قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: فَازْدَادَ قُرْبًا مِنْ مَعْرِفَةِ الله
﴿فَلَمَّا رأى الشَّمْس بازغة﴾ [أَيْ: طَالِعَةً] ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أكبر﴾ أَيْ: مِنَ الْقَمَرِ وَالْكَوْكَبِ. قَالَ: فَرَاعَاهَا حَتَّى غَابَتْ ﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ﴾ ذَهَبَتْ ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بريءٌ مِمَّا تشركون﴾.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٨٠) إِلَى الْآيَة (٨٣).
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تشركون بِهِ﴾ ٦ يَعْنِي: أَصْنَامَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ:
ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ؛ أَنَّ نَافِعًا قَرَأَ:
﴿أَتُحَاجُّونِي﴾ بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَمِثْلُهُ:
﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ﴾ قَالَ: وَقَرَأَهُمَا أَهْلُ الْعرَاق مثقلتين: (أتحاجوني، وتأمروني).
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا بِتَثْقِيلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ بِنُونَيْنِ: نُونُ الْفِعْلِ، وَنُونُ اسْمِ الْفَاعِلِ: فَلَمَّا كُتِبَتَا فِي الْمُصْحَفِ عَلَى
81
نُونٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَكُنْ إِلَى الزِّيَادَةِ سَبِيلٌ؛ فَثَقَّلُوا النُّونَ؛ لِتَكُونَ الْمَتْرُوكَةُ مُدْغَمَةً. قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهَ التَّثْقِيلَ مَنْ كَرِهَهُ - فِيمَا نَرَى - لِلْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ؛ وَهِيَ الْوَاوُ وَالنُّونُ الْمُدْغَمَةُ فَحَذَفُوهَا.
قَوْلُهُ:
﴿وَسِعَ رَبِّي كل شيءٍ علما﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مَلَأَ رَبِّي.
82
﴿وَكَيف أَخَاف مَا أشركتم﴾ يَعْنِي: مِنْ هَذِهِ الْأَوْثَانِ ﴿وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾ يَعْنِي: حُجَّةً ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بالأمن﴾ أَي: من عبد الله، و [من] عبد الْأَوْثَان؟
﴿الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا﴾ يَعْنِي: يخلطوا ﴿إِيمَانهم بظُلْم﴾ بشرك ﴿أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿وهم مهتدون﴾ فِي الدُّنْيَا.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٨٤) إِلَى الْآيَة (٩٠).
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ:
﴿وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾
82
﴿واجتبيناهم﴾ (استخلصناهم) للنبوة.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ﴾ يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ ﴿وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يكفر بهَا هَؤُلَاءِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿فَقَدْ وكلنَا بهَا﴾ بِالنُّبُوَّةِ ﴿قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ يَعْنِي: النَّبِيِّينَ الَّذِينَ ذَكَرَ: دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَة.
﴿أُولَئِكَ الَّذين هدى الله﴾ يَعْنِي: النَّبِيِّينَ الَّذِينَ قَصَّ.
(فَبِهُدَاهُمُ اقتده} يَقُوله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٩١) إِلَى الْآيَة (٩٢).
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أَيْ: مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ
﴿إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ على بشرٍ من شَيْء﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هُمُ الْيَهُودُ [كَانُوا] يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أُمِّيُّونَ؛ يَعْنُونَ: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه (ل ٩٧) فَأَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا:
﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بشرٍ مِنْ شيءٍ﴾ فَقَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَجِيءُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمْ
83
تَكُنْ تَجِيءُ بِالْكُتُبِ؛ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا الْكِتَابِ؟! قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: قُلْ لَهُمْ:
﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس﴾ يَعْنِي: لِمَنِ اهْتَدَى بِهِ
﴿تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا﴾ وَالْقَرَاطِيسُ: الْكُتُبُ الَّتِي كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ بِمَا حَرَّفُوا مِنَ التَّوْرَاةِ.
﴿وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤكم﴾ يَقُولُ: عُلِّمْتُمْ عِلْمًا؛ فَلَمْ يَصِرْ لَكُمْ عِلْمًا؛ لِتَضْيِيعِكُمْ إِيَّاهُ، وَلَا لآبائكم
﴿قل الله﴾ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ، الْآيَةَ. وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكتاب.
84
﴿وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلَ.
﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقرى﴾ يَعْنِي: وَلِتُنْذِرَ أَهْلَ مَكَّةَ ﴿وَمَنْ حولهَا﴾ يَعْنِي: سَائِرَ الْأَرْضِ.
﴿وَهُمْ عَلَى صلَاتهم يُحَافِظُونَ﴾ قَالَ قَتَادَةُ:
يُحَافِظُونَ عَلَى وُضُوئِهَا ومواقيتها، وركوعها وسجودها.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٩٣) إِلَى الْآيَة (٩٤).
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كذبا﴾ يَقُولُ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ (أَوْ قَالَ
84
أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أنزل الله} قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت﴾ الْآيَةَ.
يحيى: أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ يَقْبِضُونَ [رُوحَ الْكَافِرِ] (وَيَعِدُونَهُ) بِالنَّارِ، وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّهُ يُهَوَّنُ عَلَيْهِ، وَيَقْبِضُونَ رُوحَ الْمُؤْمِنِ، وَيَعِدُونَهُ بِالْجَنَّةِ وَيُهَوَّنُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنه يشدد عَلَيْهِ ".
85
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة﴾ يَقُولُ:
خَلَقْنَا كُلَّ إِنْسَانٍ فَرْدًا، وَيَأْتِينَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا.
قَالَ مُحَمَّد:
﴿فُرَادَى﴾ جَمْعُ فردٍ؛ وَكَأَنَّهُ جَمْعُ (فَرْدَانِ)؛ كَمَا قَالُوا: كَسْلَانُ وَكُسَالَى.
﴿وَتَرَكْتُمْ مَا خولناكم﴾ أَيْ: مَا أَعْطَيْنَاكُمْ
﴿وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا.
﴿وَمَا نَرَى مَعكُمْ شفعاءكم﴾ يَعْنِي: آلِهَتَكُمُ
﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُم شُرَكَاء﴾ أَيْ: أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ فِيكُمْ؛ فَعَبَدْتُمُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
﴿لَقَدْ تقطع بَيْنكُم﴾ أَيْ: وَصْلُكُمُ الَّذِي كَانَ يُوَاصِلُ بِهِ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ؛
85
هَذَا تَفْسِيرُ مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ فَالْمَعْنَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ مِنَ الْمُوَاصَلَةِ.
﴿وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أَنَّهَا تشفع لكم.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٩٥) إِلَى الْآيَة (٩٨).
86
قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ والنوى﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: يَنْفَلِقُ عَنِ النَّبَاتِ.
﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيخرج من الْمَيِّت من الْحَيّ﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَيُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ﴿ذَلِكُم الله فَأنى تؤفكون﴾ أَي: فيكف تصرف عقولكم؟!
﴿فالق الإصباح﴾ خَالِقُ الْإِصْبَاحِ؛ يَعْنِي: الصُّبْحَ حِينَ يُضِيءُ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا: (الْأَصْبَاحِ) جَمْعُ: صُبْحٍ.
﴿وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا﴾ يَسْكُنُ فِيهِ الْخَلْقُ
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حسبانا﴾
86
قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي:
حِسَابَ مَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، كُلُّ يَوْمٍ بِمَنْزِلٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر)؛ أَيْ: وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَمِنْ كَلَامِهِمْ: حَدُّ كُلِّ شيءٍ بِحُسْبَانِهِ؛ أَي: بِحِسَابِهِ.
87
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لتهتدوا بهَا﴾ يَعْنِي: الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا مِنْهَا.
87
﴿ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها ﴾ يعني : التي يهتدى بها منها.
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة﴾ يَعْنِي: آدم ﴿فمستقر ومستودع﴾ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: الصُّلْبُ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا (فمستقرٌّ) بِكَسْر الْقَاف (ومستودع) وَتَفْسِيرُهَا: مُسْتَقِرٌّ فِي [أَجَلِهِ] ومستودعٌ [فِي قَبره] (ل ٩٨) مِنْ يَوْمِ يُوضَعُ فِيهِ إِلَى يَوْم يبْعَث. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (٩٩) فَقَط.
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شيءٍ﴾ يَعْنِي: النَّبَاتَ الَّذِي يَنْبُتُ
﴿فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا متراكبا﴾ أَيْ: يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
87
قَالَ مُحَمَّد: معنى (خضرًا) كَمَعْنَى أَخْضَرَ.
﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أعناب﴾ قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَخْرَجْنَا مِنَ الْمَاءِ خَضِرًا وجناتٍ.
﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾.
قَالَ يحيى: يَعْنِي: وَأَخْرَجْنَا الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان
﴿مشتبها وَغير متشابه﴾ أَيْ: مُشْتَبِهًا فِي طَعْمِهِ وَلَوْنِهِ، وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ
﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذا أثمر﴾ يَعْنِي: حِينَ يَكُونُ غَضًّا
﴿وَيَنْعِهِ﴾ أَيْ: وَنُضْجِهِ
﴿إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَات لقوم يُؤمنُونَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ هَذَا النَّبَاتَ وَهَذَا الْخَضِرَ وَهَذِهِ الْجَنَّاتِ - قادرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِنْوَانُ: الْعُذُوقُ، وَاحِدُهَا: قِنْوٌ، وَجُمِعَ عَلَى لَفْظِ تَثْنِيَتِهِ؛ غَيْرَ أَنَّ الْحَرَكَاتِ تَلْزَمُ نُونَهُ فِي الْجمع، وَمثله: صنوٌ وصنوانٌ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٠٠) إِلَى الْآيَة (١٠٣).
88
﴿وَجعلُوا لله شُرَكَاء الْجِنّ﴾ يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ؛ يَقُولُ:
جَعَلُوا الشَّيَاطِينَ شُرَكَاءَ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ هِيَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَلَمْ تَدْعُهُمُ الْأَوْثَانُ إِلَى عِبَادَتِهَا.
﴿وخلقهم﴾ أَيِ: اللَّهُ خَلَقَهُمْ ﴿وَخَرَقُوا لَهُ﴾ أَيِ: اخْتَلَقُوا لَهُ ﴿بَنِينَ وَبَنَاتٍ﴾ قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: جَعَلُوا لِلَّذِي خلقهمْ شُرَكَاء لَا يخلقون.
﴿بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَعْنِي: ابْتَدَعَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ ﴿أَنى يكون لَهُ ولد﴾ مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ؟! ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾
﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ وَكِيلٌ﴾ أَي: حفيظ لأعمال الْعباد
﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار﴾ يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا.
﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف﴾ بخلقه فِيمَا أَعْطَاهُم ﴿الْخَبِير﴾ بأعمالهم.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٠٤) إِلَى الْآيَة (١٠٨).
﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن
﴿فَمن أبْصر﴾ [اهْتَدَى]
89
﴿فلنفسه وَمن عمي﴾ عَن الْهدى
﴿فعلَيْهَا﴾ فَعَلَى نَفْسِهِ
﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بحفيظ﴾ أَحْفَظُ أَعْمَالَكُمْ حَتَّى أُجَازِيَكُمْ بِهَا
90
﴿وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ أَيْ: قَرَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ، وَبَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا (دَارَسْتَ)؛ أَيْ: قَارَأْتَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ.
﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبك﴾ (يَقُولُ: ادْعُهُمْ إِلَى) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ وَهِي مَنْسُوخَة، نسختها الْقِتَال
﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْر علم﴾.
قَالَ يحيى: وَهِيَ تُقْرَأُ ﴿عَدْوًا﴾ وَ ﴿عُدُوَّا﴾ وَهُوَ مِنَ الْعُدْوَانِ، وَالْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ.
﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أمة﴾ أَيْ: لِأَهْلِ كُلِّ ملةٍ ﴿عَمَلَهُمْ﴾.
قَالَ الْكَلْبِيُّ:
قَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَاللِّهِ لَيَنْتَهِيَنَّ محمدٌ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبَنَّ رَبَّهُ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٠٩) إِلَى الْآيَة (١١١).
﴿وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم﴾ [بِمَبْلَغِ أَيْمَانِهِمْ] ﴿لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ ليُؤْمِنن بهَا﴾ قَالَ الله لنَبيه: ﴿قَالَ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يشعركم﴾ أَيْ: مَا يَدْرِيكُمْ ﴿أَنَّهَا إِذَا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ﴾.
قَالَ محمدٌ: تُقْرَأُ (إِنَّهَا) بِكَسْرِ الْأَلِفِ؛ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَتُقْرَأُ (أَنَّهَا) بِالْفَتْحِ؛ بِمَعْنَى: لَعَلَّهُمْ، ذَكَرَهُ أَبُو عبيد.
﴿ونقلب أفئدتهم وأبصارهم﴾ أَيْ: نَطْبَعُ عَلَيْهَا ﴿كَمَا لَمْ يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة﴾ يَقُولُ: لَوْ جَاءَتْهُمُ الْآيَةُ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا قَبْلَ أَنْ يَجِيئَهُمُ الْعَذَابُ ﴿وَنَذَرُهُمْ فِي طغيانهم يعمهون﴾ أَي: يَتَرَدَّدُونَ.
﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شيءٍ قبلا﴾
يَعْنِي: عَيَانًا
﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ قَالَ الْحَسَنُ: [هَذَا] حِينَ قَالُوا: ابْعَثْ لَنَا مَوْتَانَا نَسْأَلْهُمْ أحقٌّ مَا تَقُولُ أَمْ بَاطِلٌ؟ وَلِقَوْلِهِمْ:
﴿لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة﴾ وَلِقَوْلِهِمْ:
﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قبيلا﴾ يَقُولُ: لَوْ فَعَلْنَا هَذَا بِهِمْ [حِين: يرونه] (ل ٩٩) عِيَانًا
﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يجهلون﴾
91
أَي: لَا يعلمُونَ. وَقَوله:
﴿أَكْثَرهم﴾ يَعْنِي: مَنْ ثَبَتَ عَلَى الْكُفْرِ مِنْهُم.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١١٢) إِلَى الْآيَة (١١٣).
92
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ قَالَ الْحَسَنُ:
جَعَلَ اللَّهُ أَعْدَاءَ الْأَنْبِيَاء ﴿شياطين الْإِنْس﴾ وهم الْمُشْركُونَ ﴿وَالْجِنّ﴾ أَيْ: وَشَيَاطِينَ الْجِنِّ ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾.
وَهُوَ مَا تُوَسْوِسُ الشَّيَاطِينُ إِلَى بَنِي آدَمَ مِمَّا يَصُدُّونَهُمْ بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ:
زُخْرُفُ الْقَوْلِ: مَا زُيِّنَ مِنْهُ وَمُوِّهَ وَحُسِّنَ، وَأَصْلُ الزخرف: الذَّهَب، و (غرُورًا) مصدرٌ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: يَغُرُّونَ غُرُورًا.
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ أَيْ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَوْحَى الشَّيَاطِينُ إِلَى الْإِنْسِ ﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يفترون﴾ ثمَّ أَمر بقتالهم بعد
﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة﴾ يَعْنِي أَفْئِدَةَ الْمُشْرِكِينَ تُصْغِي إِلَى مَا توحي إِلَيْهِ الشَّيَاطِينَ
﴿وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مقترفون﴾ يَعْنِي: وَلِيَكْتَسِبُوا مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ.
قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ: (وَلِيَرْضَوْهُ) (وَلِيَقْتَرِفُوا) بِتَسْكِينِ اللَّامِ؛ عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَامُ الْأَمْرِ؛ وَالْمَعْنَى: التهدد والوعيد.
92
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١١٤) إِلَى الْآيَة (١١٧).
93
﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا﴾ أَيْ: مُبَيَّنًا، بَيَّنَ فِيهِ الْهُدَى وَالضَّلَالَةَ، وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ.
﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبك بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي: أَهْلَ الدِّرَاسَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ يَعْنِي: الشَّاكِّينَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الدِّرَاسَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ.
﴿وتمت (كَلِمَات﴾ رب صدقا وعدلاً} قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي صِدْقًا [فِيمَا وَعَدَ] وَعَدْلًا فِيمَا حَكَمَ ﴿لَا مبدل لكلماته﴾ فِيمَا وعد.
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان
﴿إِن يتبعُون﴾ بعبادتهم الْأَوْثَان
﴿إِلَّا الظَّن﴾ يَقُولُ: ادَّعَوْا أَنَّهُمْ آلِهَةٌ بِظَنٍّ مِنْهُمْ
﴿وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ﴾ يَعْنِي: يَكْذِبُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ (الْخَرْصِ): الظَّنُّ وَالْحَزَرُ، وَمِنْهُ قِيلَ للحازر:
93
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَى الْهُدَى، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ ضَلُّوا عَنْ سَبيله.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١١٨) إِلَى الْآيَة (١٢١).
﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي: مَا أُدْرِكَ ذَكَاتُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَالْمُنْخَنِقَةَ وَالْمَوْقُوذَةَ وَالْمُتَرَدِّيَةَ وَالنَّطِيحَةَ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ؛ فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، إِلَّا مَا أدْرك ذَكَاته.
﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ﴾ أَيْ: فَكُلُوهُ، فَهُوَ لَكُمْ حلالٌ ﴿وَقد فصل﴾ بَيَّنَ لَكُمْ ﴿مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ﴿إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ.
﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْر علم﴾ أَتَاهُمْ مِنَ اللَّهِ، وَلَا حُجَّةَ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعلم بالمعتدين﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَعَدُّونَ أَمْرَ اللَّهِ.
﴿وذروا ظَاهر الْإِثْم وباطنه﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يقترفون﴾ يَعْنِي: يكتسبون.
﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ لَشِرْكٌ؛ يَقُولُ: إِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ شركٌ.
﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ ليوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ من الْمُشْركين ﴿ليجادلوكم﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يُجَادِلُونَ الْمُسْلِمِينَ [فِي] الذَّبِيحَةِ؛ فَيَقُولُونَ: أَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ (وَقَتَلْتُمْ) فَتَأْكُلُونَهُ، وَأما مَا قتل (ل ١٠٠) اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُونَهُ، وَأَنْتُمْ بِزَعْمِكُمْ تَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّهِ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِن أطعتموهم﴾ فاستحللتم الْميتَة ﴿إِنَّكُم لمشركون﴾.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٢٢) إِلَى الْآيَة (١٢٤).
قَوْله:
﴿أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ
﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ يَعْنِي: ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ
﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ أَيْ: هُوَ مُتَحَيِّرٌ فِيهَا.
﴿هَلْ يستويان مثلا﴾ أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ.
95
قَالَ يحيى: بَلَغَنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، ثُمَّ هِيَ عَامَّة بعد.
96
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أكَابِر مجرميها﴾.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مُجْرِمِيهَا أَكَابِرَ. قَالَ قَتَادَة: وَمعنى (أكَابِر): جَبَابِرَةٌ.
﴿لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفسِهِم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَمْكُرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَنَّ جَزَاءَ مَكْرِهِمْ راجعٌ عَلَيْهِم.
﴿سيصيب الَّذين أجرموا﴾ يَعْنِي: أَشْرَكُوا ﴿صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أَي: ذلةً ﴿وَعَذَاب شَدِيد﴾ فِي الْآخِرَةِ ﴿بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ يَعْنِي: يشركُونَ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٢٥) إِلَى الْآيَة (١٢٦).
﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يشْرَح﴾ أَي: يُوسع ﴿صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾ ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ الْحَرَجُ وَالضِّيقُ مَعْنَاهُمَا واحدٌ.
﴿كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء﴾ أَيْ: كَأَنَّمَا يُكَلَّفُ أَنْ يَصَّعَّدَ إِلَى السَّمَاءِ؛ يَقُولُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ.
﴿كَذَلِك يَجْعَل الله الرجس﴾ يَعْنِي: رَجَاسَةَ الْكُفْرِ ﴿عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
﴿وَهَذَا صِرَاط رَبك مُسْتَقِيمًا﴾ (يَعْنِي: دين رَبك مُسْتَقِيمًا) ﴿وَقد فصلنا الْآيَات﴾ أَي: بيناها ﴿لقوم يذكرُونَ﴾ إِنَّمَا يتَذَكَّر الْمُؤمن.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٢٧) إِلَى الْآيَة (١٢٩).
﴿لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ، وَدَارُهُ الْجَنَّةُ.
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ ثُمَّ نَقُولُ ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ من الْإِنْس﴾ أَيْ: كَثُرَ مَنْ أَغْوَيْتُمْ وَأَضْلَلْتُمْ ﴿وَقَالَ أولياؤهم من الْإِنْس﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ أَضَلُّوا مِنَ الْإِنْسِ ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّار مثواكم﴾ مَنْزِلَكُمْ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عليم﴾ حكيمٌ فِي أَمْرِهِ، عليمٌ بِخَلْقِهِ.
قَالَ محمدٌ:
جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لأهل الْإِيمَان.
﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾ قَالَ الْحَسَنُ: الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ؛ كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٣٠) إِلَى الْآيَة (١٣٤).
﴿يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس﴾ يَعْنِي: مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ ﴿أَلَمْ يأتكم رسل مِنْكُم﴾ (يَعْنِي: مِنَ الْإِنْسِ) وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا مِنَ الْجِنِّ، وَلَا مِنَ النِّسَاءِ.
﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدنَا على أَنْفُسنَا﴾ أَنَّهُ قَدْ جَاءَتْنَا الرُّسُلُ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ اللَّهُ: ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ إِذْ كَانُوا فِيهَا ﴿وَشَهِدُوا عَلَى أنفسهم﴾ فِي الْآخِرَةِ ﴿أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾ فِي الدُّنْيَا
﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ يَقُولُ: لَمْ يُهْلِكِ اللَّهُ قَوْمًا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ؛ حَتَّى بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا.
قَالَ محمدٌ: وَمَعْنَى ﴿ذَلِك أَن لم يكن﴾ ذَلِك لِأَنَّهُ لم يكن.
﴿وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا﴾ أَيْ: عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ.
يحيى: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ قَالَ: قَالَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدَّرَجَةُ فِي الْجَنَّةِ فَوْقَ الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَرْفَعُ (بَصَرَهُ فَيَلْمَعُ لَهُ) برقٌ يَكَادُ يَخْطَفُ بَصَرَهُ؛
98
فَيَقُولُ: مَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: هَذَا: نُورُ أَخِيكَ فُلَانٌ. فَيَقُولُ: أَخِي فُلَانٌ كُنَّا فِي الدُّنْيَا نَعْمَلُ جَمِيعًا، وَقَدْ فُضِّلَ عَلَيَّ هَكَذَا! فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْكَ عَمَلًا، ثُمَّ يُجْعَلُ فِي قلبه الرِّضَا حَتَّى يرضى ".
99
﴿إِن يَشَأْ يذهبكم﴾ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أنشأكم﴾ خَلَقَكُمْ ﴿مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾
﴿إِنَّمَا توعدون لآتٍ﴾ ﴿ل ١٠١﴾ يَعْنِي: السَّاعَةَ ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ بِالَّذِينَ تُعْجِزُونَ اللَّهَ، فَتَسْبِقُونَهُ حَتَّى لَا يقدر عَلَيْكُم.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٣٥) إِلَى الْآيَة (١٣٧).
﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مكانتكم﴾ أَيْ: عَلَى كُفْرِكُمْ؛ وَهَذَا وَعِيدٌ.
﴿إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار﴾ دَارِ الْآخِرَةِ، وَعَاقِبَتُهَا الْجَنَّةُ ﴿إِنَّهُ لَا يفلح الظَّالِمُونَ﴾ أَي: الْمُشْركُونَ.
﴿وَجعلُوا لله مِمَّا ذَرأ﴾ مِمَّا خَلَقَ
﴿مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبا﴾ الْآيَةَ
99
تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: عَمَدَ ناسٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَجَزَّءُوا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ (جُزْءًا لِلَّهِ)، وَجُزْءًا لِشُرَكَائِهِمْ - يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ - وَكَانُوا إِذَا خَالَطَ شيءٌ مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ شَيْئًا مِمَّا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ - تَرَكُوهُ، وَإِذَا خَالَطَ شَيْءٌ مِمَّا جَزَّءُوا لِشُرُكَائِهِمْ شَيْئًا مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ - رَدُّوهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمُ السَّنَةُ لِشُرُكَائِهِمْ شَيْئًا مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ - رَدُّوهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمُ السَّنَةُ [اسْتَعَانُوا] بِمَا جَزَّءُوا لِلَّهِ، وَوَفَّرُوا مَا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ. قَالَ الله
﴿سَاءَ مَا﴾ بِئْسَ مَا
﴿يَحْكُمُونَ﴾.
100
﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قتل أَوْلَادهم شركاؤهم﴾ يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ أَمَرُوهُمْ بِقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ خيفة الْعيلَة ﴿ليردوهم﴾ ليهلكوهم ﴿وليلبسوا عَلَيْهِم﴾ وليخلطوا عَلَيْهِم ﴿دينهم﴾ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ؛ وَهُوَ الْإِسْلَام.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٣٨) إِلَى الْآيَة (١٤٠).
﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ حَرَامٌ
﴿لَا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نشَاء بزعمهم﴾
100
وَهَذَا مَا كَانَ يَأْكُلُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ
﴿وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ وَهُوَ مَا حَرَّمُوا مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ؛ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا
﴿وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْم الله عَلَيْهَا﴾ هُوَ مَا اسْتَحَلُّوا مِنْ أَكْلِ الْميتَة
﴿افتراء عَلَيْهِ﴾ عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الله أَمرهم بِهَذَا.
101
﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء﴾ كَانَ مَا وُلِدَ مِنْ تِلْكَ الْأَنْعَامِ مِنْ ذكرٍ يَأْكُلُهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِذَا كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرُكَاءُ يَأْكُلُونَهَا جَمِيعًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ:
مَنْ قَرَأَ (خَالِصَة لذكورنا) فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: جَمَاعَةُ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ مِنْ ذُكُورٍ خالصةٌ لذكورنا، وَيرد [محرم] عَلَى لَفْظِ (مَا) لِأَنَّ مَا ذكر مُذَكّر.
﴿سيجزيهم وَصفهم﴾ أَيْ: بِمَا زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمرهم بِهِ
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سفها﴾ يَعْنِي: سَفَهَ الرَّأْيِ.
﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أَتَاهُم اللَّهِ يَأْمُرُهُمْ فِيهِ بِقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ؛ وَهِيَ الْمَوْءُودَةُ؛ كَانُوا يَدْفِنُونَ بَنَاتَهُمْ وَهُنَّ أَحْيَاءٌ خَشْيَةَ الْفَاقَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَاللَّهُ صَاحِبُ بناتٍ؛ فَأَلْحَقُوا الْبَنَاتَ بِهِ
﴿وحرموا مَا رزقهم الله﴾ يَعْنِي:
101
مَا حَرَّمُوا مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ
﴿افتراء على الله﴾.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٤١) إِلَى الْآيَة (١٤٢).
102
﴿وَهُوَ الَّذِي أنشأ﴾ أَيْ: خَلَقَ ﴿جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ معروشات﴾ قَالَ (مُجَاهِدٌ): الْعِنَبُ مِنْهُ مَعْرُوشٌ وَغَيْرُ مَعْرُوشٍ ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أكله﴾ مِنْهُ الْجَيِّدُ، وَمِنْهُ الرَّدِيءُ ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان متشابها﴾ فِي المنظر ﴿وَغير متشابه﴾ فِي الْمَطْعَمِ ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ [قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ أَنْ يَأْتُوا مِنْهُ عِنْدَ حَصَادِهِ، سِوَى الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَة].
﴿وَلَا تسرفوا﴾ لَا تُحَرِّمُوا مَا حَرَّمَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّة من الْحَرْث والأنعام.
قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ يَقُولُ: وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا، تَبَعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي أنشأ جنَّات﴾ وَالْحَمُولَةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ.
﴿كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خطوَات الشَّيْطَان﴾ أَمْرَ الشَّيْطَانِ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ من الْأَنْعَام والحرث.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٤٣) إِلَى الْآيَة (١٤٦).
﴿ثَمَانِيَة أَزوَاج﴾ أَيْ: أَصْنَافٍ ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمن الْمعز اثْنَيْنِ﴾ ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَالْوَاحِدُ: زوجٌ ﴿قُلْ آلذكرين حرم﴾ على الِاسْتِفْهَام.
(ل ١٠٢) ﴿أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ﴾ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ أَيْ: أَمْ كُلَّ ذَلِكَ حَرَّمَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ مِنْهُ شَيْئًا.
﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا؛ وَهُوَ مَا حَرَّمُوا من الْأَنْعَام.
قَالَ:
﴿وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقر اثْنَيْنِ قل الذكرين حرم أَن الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ مِنْ ذكرٍ أَوْ أُنْثَى؛ أَيْ: أَمْ كُلَّ ذَلِكَ حَرَّمَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ مِنْهُ شَيْئًا.
﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا﴾ أَيْ: أَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا شُهَدَاءَ لِهَذَا،
103
وَلَمْ يُوصِكُمُ اللَّهُ بِهِ؛ فَسَأَلَهُمُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوهُ. وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ هَذَا التَّحْرِيمُ الَّذِي حَرَّمَهُ آبَاؤُنَا وَآبَاؤُهُمْ قَبْلَهُمْ؟ فَقَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ:
﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَو دَمًا مسفوحا﴾ يَعْنِي: سَائِلًا. فَأَمَّا دمٌ فِي عِرْقٍ أَوْ مُخَالِطٌ لَحْمًا [فَلَا]
﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ وَهُوَ مَا ذَبَحُوا لِأَصْنَامِهِمْ؛ فِيهَا تَقْدِيمٌ
﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾ فَإِنَّهُ رجسٌ
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلَا عَاد﴾ فَأَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الِاضْطِرَارِ مِنْهُ
﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيم﴾. قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ﴾.
104
وقالوا : يا محمد، فيم هذا التحريم الذي حرمه آباؤنا وآباؤهم قبلهم ؟ فقال الله للنبي :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ﴾ يعني : سائلا. فأما دم في عرق أو مخالط لحما [ فلا ] ﴿ أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به ﴾ وهو ما ذبحوا لأصنامهم ؛ فيها تقديم ﴿ أو فسقا أهل لغير الله به ﴾ فإنه رجس ﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد ﴾ فأكل من هذه الأشياء على الاضطرار منه ﴿ فإن ربك غفور رحيم ﴾ قد مضى تفسير ﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد ﴾.
﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظفر﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْبَعِيرَ وَالنَّعَامَةَ ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَو الحوايا﴾ وَهُوَ الْمَبْعَرُ.
قَالَ محمدٌ: الْحَوَايَا: المباعر، وَاحِدهَا: حاويا وحويةٌ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٤٧) إِلَى الْآيَة (١٥٠).
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَة وَاسِعَة﴾ لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ، وَقَبِلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَلا يُرَدُّ بأسه﴾ أَيْ: لَا يُصْرَفُ عَذَابُهُ ﴿عَنِ الْقَوْم الْمُجْرمين﴾ الْمُشْركين.
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء﴾ قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ: لَوْ كَرِهَ اللَّهُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ لَحَوَّلَنَا عَنْهُ.
﴿هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ﴾ أَنَّ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَمَرْتُكُمْ بِهِ ﴿فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تتبعون إِلَّا الظَّن﴾ أَيْ: هَذَا مِنْكُمْ ظَنٌّ ﴿وَإِنْ أَنْتُم إِلَّا تخرصون﴾ تكذبون
﴿قل فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة﴾ فقد قَامَت عَلَيْكُم
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَن الله حرم هَذَا﴾ يَعْنِي: مَا حَرَّمُوا مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴿فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهم﴾ وَإِنَّمَا [هُوَ سَفَهٌ] وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وهم برَبهمْ يعدلُونَ﴾ عدلوا بِهِ الْأَصْنَام فعبدوها.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٥١) إِلَى الْآيَة (١٥٣).
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ ربكُم عَلَيْكُم﴾ وَهَذَا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَيْ: وَأَوْصَاكُمْ بِالْوَالِدَيْنِ حُسْنًا ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إملاق﴾ أَيْ: مَخَافَةَ الْفَاقَةِ ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وإياهم وَلَا تقربُوا الْفَوَاحِش﴾ يَعْنِي: الزِّنَا ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ يَعْنِي: الزِّنَا الظَّاهِرَ ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ يَعْنِي: الْمَخَالَّةَ فِي السِّرِّ ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ أَمركُم بِهِ.
﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أحسن﴾ قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا.
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْل وَالْمِيزَان بِالْقِسْطِ﴾ بِالْعَدْلِ ﴿لَا نكلف نفسا إِلَى وسعهَا﴾ طاقتها ﴿وَإِذا قُلْتُمْ فاعدلوا﴾ يَعْنِي: الشَّهَادَةَ ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قربى وبعهد الله أَوْفوا﴾ يَعْنِي: مَا كَانَ مِنَ الْحَقِّ.
﴿وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ يُرِيدُ: الْإِسْلَامَ ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السبل﴾ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ.
﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ لكَي تتقوا
﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا على الَّذِي أحسن﴾ قَالَ قَتَادَةُ:
مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا تَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ فِي الْآخِرَة
﴿وتفصيلا﴾ يَعْنِي: تبييناً
﴿لكل شيءٍ﴾ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ.
106
قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ:
﴿تَمَامًا عَلَى الَّذِي أحسن﴾ مَعْنَاهُ: تَمَامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُحْسِنِينَ؛ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ قَتَادَة (ل ١٠٣) (وتماماً) مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى التَّمَامِ، وَكَذَلِكَ (تَفْصِيلًا) أَي: للتمام وَالتَّفْصِيل.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٥٤) إِلَى الْآيَة (١٥٨).
107
﴿وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن
﴿أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة﴾ لِئَلَّا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ﴿إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قبلنَا﴾ يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ﴿وَإِنْ كُنَّا عَن دراستهم﴾ [قراءتهم] ﴿لغافلين﴾.
﴿سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا﴾ أَي: يصدون ﴿سوء الْعَذَاب﴾ أشده.
﴿هَل ينظرُونَ﴾ أَي: مَا ينظرُونَ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ
﴿إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَة﴾ بِالْمَوْتِ
﴿أَو يَأْتِي رَبك﴾ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (أَوْ يَأْتِيَ بعض آيَات
107
رَبك} يَعْنِي: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا؛ فِي تَفْسِيرِ الْعَامَّةِ
﴿يَوْمَ يَأْتِي بعض آيَات رَبك﴾ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانهَا خيرا﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ:
لَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ يومئذٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَلَا مِمَّنْ كَانَ يَدَّعِي الإِيمَانَ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخْلِصًا.
يحيى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا؛ فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنُوا، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ".
﴿قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَنْتَظِرُونَ بِالنَّبِيِّ الْمَوْتَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يَنْتَظِرُ بِهِمُ الْعَذَابَ.
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٥٩) إِلَى الْآيَة (١٦٠).
108
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شيعًا﴾ أَحْزَابًا. قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئُونَ وَغَيْرُهُمْ.
﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شيءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله﴾ قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن هَذِهِ
108
الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بقتالهم.
109
﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالهَا﴾ هَذِهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ﴾ الْآيَة.
﴿وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ (وَهَذِهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا} السَّيِّئَةُ هَا هُنَا هِيَ الْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ ﴿فَلا يُجْزَى إِلَّا مثلهَا﴾.
يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ رَبُّكُمْ: إِذَا عَمِلَ عَبْدِي حَسَنَةً فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضِعْفٍ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ وَاحِدَةً، وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَاكْتُبُوهَا بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَتَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فاكتبوها بحسنة ".
سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (١٦١) إِلَى الْآيَة (١٦٥).
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صراطٍ مُسْتَقِيم دينا قيمًا﴾ قَالَ مُحَمَّد: (دينا)
109
منصوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَالْقِيَمُ وَالْمُسْتَقِيمُ فِي مَعْنَاهُمَا واحدٌ.
110
﴿قل إِن صَلَاتي ونسكي﴾ قَالَ قَتَادَة: (نسكي) يَعْنِي: حَجِّي وَذَبْحِي ﴿وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي﴾ قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْقُرَّاءِ فِي (محياي) بِفَتْحِ الْيَاءِ؛ لِسُكُونِ الْأَلِفِ قَبْلَهَا؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ سَاكِنَانِ، وَالْأَمْرُ فِي الْيَاء من (مماتي) [وَاسع] فِي فتحهَا وتسكينها.
﴿ قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ﴾ وهذا جواب من الله للمشركين، حيث دعوا النبي إلى أن يعبد ما كان يعبد آباؤه ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ الوزر : الذنب ؛ يقول : لا يحمل أحد ذنب أحد.
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رب كل شَيْء﴾ وَهَذَا جوابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ، حَيْثُ دَعَوُا النَّبِيَّ إِلَى أَنْ يَعْبُدَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُ ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ الْوِزْرُ: الذَّنْبُ؛ يَقُولُ: لَا يَحْمِلُ أحدٌ ذَنْب أحدٍ.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ﴾ قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: سُكَّانَ الْأَرْضِ؛ يَخْلُفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَاحِدُهُمْ: خَلِيفَةٌ.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ فِيمَا أَعْطَاكُمْ مِنَ الْفَضَائِلِ فِي [الدُّنْيَا]
﴿ليَبْلُوكُمْ﴾ ليختبركم
﴿فِيمَا آتَاكُم﴾ أَعْطَاكُمْ.
﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾ إِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِيهِ حِينَ كَذَّبُوا رسله
﴿وَإنَّهُ لغَفُور رَحِيم﴾ لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ وَآمَنَ بِرَبِّهِ.
110
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَهِيَ مكيةٌ كلهَا إِلَّا (...........)
سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (١) إِلَى الْآيَة (٥).
(ل ١٠٤)
111