ﰡ
﴿المص﴾ قال الزجاج المختار في تفسيره ما قال ابن عباس رضى الله عنهما أنا الله أعلم وأفصل
﴿كِتَابٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هو كتاب ﴿أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ صفته والمراد بالكتاب السورة ﴿فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ﴾ شك فيه وسمي الشك حرجاً لأن الشاك ضيق الصدر حرجه كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحه أي لا شك في أنه منزل من الله أو حرج منه بتبليغه لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم عنه وأذاهم فكان يضيق صدره من الأذى ولا ينشط له فأمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم والنهي متوجه إلى الحرج وفيه من المبالغة ما فيه والفاء للعطف أي هذا الكتاب انزلته إليك فلا يكن بعد إنزاله حرج في صدرك واللام فى ﴿لتنذر به﴾ متعلق بانزل أى أنزل اليك لا لانذارك به وبالنهي لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم وكذا إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الانذار به لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه ﴿وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ في محل النصب بإضمار فعلها أي لتنذر به وتذكر تذكيراً فالذكرى اسم بمعنى التذكير أو الرفع بالعطف على كِتَابٌ أي هو كتاب وذكرى للمؤمنين أو بأنه خبر مبتدأ
﴿اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ﴾ أي القرآن والسنة عن عبادة الأوثان والأهواء والبدع ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره وقليلا نصب يتذكرون أي تذكرون تذكرا قليلا وما مزيدة لتوكيد القلة تَتَذَكَّرُونَ شامي
﴿وَكَمْ﴾ مبتدأ ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ تبيين والخبر ﴿أهلكناها﴾ أى أردنا هلاكها كقوله إذا قمتم إلى الصلاة ﴿فَجَاءهَا﴾ جاء أهلها ﴿بَأْسَنَا﴾ عذابنا ﴿بَيَاتًا﴾ مصدر واقع موقع الحال بمعنى بائتين يقال بات بياتاً حسناً ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ حال معطوفة على بَيَاتًا كأنه قيل فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين وإنما قيل هُمْ قَائِلُونَ بلا واو ولا يقال جاءني زيد هو فارس بغير واو لأنه لما عطف على حال قبلها حذفت الواو استثقالاً لاجتماع حرفي عطف لأن واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل وخص هذان الوقتان لأنهما وقتا الغفلة فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع وقوم لوط عليه السلام أهلكوا بالليل وقت السحر وقوم شعيب عليه السلام وقت القيلولة وقيل بَيَاتًا ليلاً أي ليلاً وهم نائمون أو نهاراً وهم قائلون
﴿فما كان دعواهم﴾ دعاؤهم وتضرعهم
الأعراف (١٢ - ٥)
﴿إِذْ جَاءهُم بَأْسُنَا﴾ لما جاءهم أوائل العذاب ﴿إِلا أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾ اعترفوا بالظلم على أنفسهم والشرك حين لم ينفعهم ذلك ودعواهم اسم كان وان قالوا الخبر ويجوز العكس
﴿فلنسألن الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ أرسل مسند إلى إليهم أي
﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم﴾ على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم ﴿بِعِلْمِ﴾ عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة وأقوالهم وأفعالهم ﴿وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ﴾ عنهم وعما وجد منهم ومعنى السؤال التوبيخ والتقريع والتقرير إذا فاهوا بألسنتهم وشهد عليهم أنبياؤهم
﴿والوزن﴾ أي وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها وهو مبتدأ وخبره ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي يوم يسأل الله الأمم ورسلهم فحذفت الجملة وعوض عنها التنوين ﴿الحق﴾ أي العدل صفته ثم قيل توزن صحف الأعمال يميز أن له لسان وكفتان إظهارا للصفة وقطعاً للمعذرة وقيل هو عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل والله أعلم بكيفيته ﴿فَمَن ثَقُلَتْ موازينه﴾ جمع ميزان أو موزون أي فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها وزن وقدر وهي الحسنات أو ما توزن به حسناتهم ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون﴾ الفائزون
﴿وَمَنْ خَفَّتْ موازينه﴾ هم الكفار فإنه لا إيمان لهم ليعتبر معه عمل فلا يكون في ميزانهم خير فتخف موازينهم ﴿فأولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بآياتنا يَظْلِمُونَ﴾ يجحدون فالآيات الحجح والظلم بها وضعها في غير موضعها أي جحودها وترك الانقياد لها
﴿ولقد مكناكم في الأرض وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش﴾ جمع معيشة وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرهما والوجه تصريح الياء لأنها أصلية بخلاف صحائف فالياء فيها زائدة وعن نافع أنه همز تشبيهاً
﴿وَلَقَدْ خلقناكم ثُمَّ صورناكم﴾ أي خلقنا أباكم آدم عليه السلام طيناً غير مصور ثم صورناه بعد ذلك دليله ﴿ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مّنَ الساجدين﴾ ممن سجد لآدم عليه السلام
﴿قال ما منعك ألا تسجد﴾ مارفع أيْ أيّ شيء منعك من السجود ولا زائدة بدليل مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خلقت بيدي ومثلها لئلا يعلم أهل الكتاب أي ليعلم ﴿إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ فيه دليل على أن الأمر للوجوب والسؤال عن المانع من السجود مع علمه به للتوبيخ وللإظهار معاندته وكفره وكبره
الأعراف (١٢ _ ١٧)
وافتخاره بأصله وتحقيره أصل آدم عليه السلام ﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ﴾ وهى جوهر نوارني ﴿وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ وهو ظلماني وقد أخطأ الخبيث بل الطين أفضل لرزانته ووقاره ومنه الحلم والحياء والصبر وذلك دعاه إلى التوبة والاستغفار وفي النار الطيش والحدة والترفع وذلك دعاه إلى الإستكبار والتراب عدة الممالك والنار عدة المهالك والنار مظنة الخيانة والإفناه والتراب مئنة الأمانة والإنماء والطين يطفيء النار ويتلفها والنار لاتتلفه وهذه فضائل غفل عنها إبليس حتى زل بفاسد من المقاييس وقول نافى القياس أول من قاس إبليس قياس على أن القياس عند مثبته مردود عند وجود النص وقياس إبليس عناد للأمر المنصوص وكان الجواب لما منك أن يقول معنى كذا وإنما قال أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ لأنه قد استأنف قصة وأخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم عليه السلام وبعلة فضله عليه فعلم منها الجواب كأنه قال منعني من السجود فضلي عليه وزيادة عليه وهي إنكار الأمر واستبعاد أن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثله إذ سجود الفاضل للمفضول خارج عن الصواب
﴿قَالَ فاهبط مِنْهَا﴾ من الجنة أو من السماء لأنه كان فيها وهي مكان المطيعين والمتواضعين والفاء في فاهبط جواب لقوله أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ أي إن كنت تتكبر فاهبط ﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ﴾ فما يصح لك ﴿أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ وتعصي ﴿فاخرج إِنَّكَ مِنَ الصاغرين﴾ من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه يذمك كل إنسان ويلعنك كل لسان لتكبرك وبه علم أنه الصغار لازم للاستكبار
﴿قَالَ أَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أمهلني إلى يوم البعث وهو وقت النفخة الأخيرة
﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ المنظرين﴾ إلى النفخة الأولى وإنما أجيب إلى ذلك لما فيه من الابتلاء وفيه تقريب لقلوب الأحباب أي هذا برى بمن يسيئني فكيف بمن يحبني وإنما جسره على السؤال مع وجود الزلل منه في الحال علمه بحلم ذي الجلال
﴿قال فبما أغويتني﴾ أضللتني أي فبسسبب اغوائك اياى والباء تتعلق بعفل القسم المحذوف تقديره فبسبب اغوائك اقسم أي فأقسم بإغوائك ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم﴾ لأعترضن لهم على طريق الإسلام متردصا للرد متعرضاً للصد كما يتعرض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة وانتصابه على الظرف كقولك ضرب زيد الظهر أي على الظهر وعن طاوس أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل قدري فقال له طاوس تقوم أوتقام فقام الرجل فقيل له أتقول هذا لرجل فقيه فقال إبليس أفقه منه قَالَ رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي وهو يقول أنا أغوي نفسي
﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أشككهم في الآخرة ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أرغبهم في الدنيا ﴿وَعَنْ أيمانهم﴾ من قبل الحسنات ﴿وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ من قبل
الأعراف (١٧ _ ٢٠)
السيئات وهو
﴿قال اخرج منها﴾ من الجنة أومن السماء / مَذْءومًا / معيباً من ذأمه إذا ذمه والذأم والذم العيب ﴿مَّدْحُورًا﴾ مطروداً مبعداً من رحمة الله واللام في ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ موطئة للقسم وجوابه ﴿لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ﴾ وهو ساد مسد جواب الشرط ﴿مّنكُمْ﴾ منك ومنهم فغلب ضمير المخاطب ﴿أجمعين﴾
﴿ويا آدم﴾ وقلنا يا آدم بعد إخراج إبليس من الجنة ﴿اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة﴾ اتخذها مسكناً ﴿فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة فَتَكُونَا﴾ فتصيرا ﴿مِنَ الظالمين﴾
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان﴾ وسوس إذا تكلم كلاماً خفياً يكرره وهو غير متئد ورجل موسوس بكسر الواو ولا يقال موسوس بالفتح ولكن موسوس له وموسوس إليه وهو الذي يلقي إليه الوسوسة ومعنى وسوس له فعل الوسوسة لأجله ووسوس إليه ألقاها إليه {لِيُبْدِيَ لَهُمَا ما ووري عنهما من
الأعراف (٢٠ _ ٢٤)
إلا كراهة أن تكونا ملكين تعلمان الخير الشر وتستغنيان عن الغذاء وقرىء مَلَكَيْنِ لقوله وَمُلْكٍ لا يبلى ﴿أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين﴾ من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين
﴿وَقَاسَمَهُمَا﴾ وأقسم لهما ﴿إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين﴾ وأخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة لأنه لما كان منه القسم ومنهما التصديق فكانها من اثنين
﴿فدلاهما﴾ فنزلهما إلى الأكل من الشجرة ﴿بِغُرُورٍ﴾ بما غرهما به من القسم بالله وإنما يخدع المؤمن بالله وعن ابن عمر رضى الله عنهما من خدعنا بالله انخدعنا ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة﴾ وجدا طعمها آخذين في الأكل منها وهي السنبلة أو الكرم ﴿بَدَتْ لهما سوآتهما﴾ ظهرت لهما عوراتهما لتهافت اللباس عنهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وقيل كان لباسهما من جنس الأظفار أي كالظفر بياضاً في غاية اللطف
﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين﴾ فيه دليل لنا على المعتزلة لأن الصغائر عندهم مغفورة
﴿قَالَ اهبطوا﴾ الخطاب لآدم وحواء بلفظ الجمع لأن إبليس هبط من قبل ويحتمل أنه هبط إلى السماء ثم هبطوا جميعاً إلى الأرض ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ في موضع الحال أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه ﴿وَلَكُمْ فِى الأرض مُسْتَقَرٌّ﴾ استقرار أو موضع استقرار ﴿ومتاع﴾ وانتفاع بعيش ﴿إلى حِينٍ﴾ إلى انقضاء آجالكم وعن ثابت البناني لما أهبط آدم عليه السلام وحضرته الوفاة وأحاطت به الملائكة فجعلت حواء تدور حولهم فقال لها خلي ملائكة ربي فإنما أصابني ما أصابني فيك فلما توفي غسلته الملائكة
الأعراف (٢٥ _ ٢٨)
الثياب وحفروا له قبرا ودفنوه بسر نديب بأرض الهند وقالوا لبنيه هذه سنتكم بعده
﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ﴾ في الأرض ﴿وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ للثواب والعقاب تُخْرَجُونَ حمزة وعلي
﴿يا بني آدم قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا﴾ جعل ما في الأرض منزلاً من السماء لأن أصله من الماء وهو منها ﴿يواري سوآتكم﴾ يستر عوراتكم ﴿وريشا﴾ لباس الزينة استيعر من ريش الطير لأنه لباسه وزينته أي انزلنا عليكم لباسين لباسا يوارى سوآتكم ولباساً يزينكم ﴿وَلِبَاسُ التقوى﴾ ولباس الورع الذي يقي العقاب وهو مبتدأ وخبره الجملة وهي ﴿ذلك خَيْرٌ﴾ كأنه قيل ولباس التقوى هو خير لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر أو ذلك صفة للمبتدا وخير خبر المتبدا كأنه قيل ولباس التقوى المشار إليه خير أو لِبَاسَ التقوى خبر مبتدأ محذوف أي وهو لباس التقوى أي ستر العورة لباس المتقين ثم قال ذلك خَيْرٌ وقيل ولباس أهل التقوى من الصوف والخشن وَلِبَاسُ التقوى مدني وشامي وعلي عطفا على لِبَاساً أي وأنزلنا عليكم لباس التقوى ﴿ذلك من آيات الله﴾ الدالة على فضله ورحمته على عباده يعني إنزال اللباس ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ فيعرفوا عظيم النعمة فيه وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوآت وخصف الورق عليها إظهاراً للمنة فيما خلق من اللباس ولما في العري من الفضيحة واشعارا بأن التستر من التقوى
﴿يا بني آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة﴾ لا يخدعنكم ولا يضلنكم بأن لا تدخلوا الجنة كما فتن أبويكم بأن أخرجهما منها ﴿يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا﴾ حال أي أخرجهما نازعاً لباسهما بأن كان سبباً في أن نزع عنهما والنهي في الظاهر للشيطان وفي المعنى لبني آدم أي لا تتبعوا
﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فاحشة﴾ ما يبالغ في قبحه
الأعراف (٢٨ _ ٣١)
من الذنوب وهو طوافهم بالبيت عراة وشركهم ﴿قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أَمَرَنَا بِهَا﴾ أي إذا فعلوها اعتذروا بأن آبائهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم وبأن الله أمرهم بأن يفعلوها حيث أقرنا عليها إذ لو كرهها لنقلنا عنها وهما باطلان لأن أحدهما تقليد للجهال والثاني افتراء على ذي الجلال ﴿قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء﴾ إذ المأمور به لا بد أن يكون حسناً وإن كان فيه على مراتب على ما عرف في أصول الفقه ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ استفهام إنكار وتوبيخ
﴿قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط﴾ بالعدل وبما هو حسن عند كل عاقل فكيف يأمر بالفحشاء ﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ﴾ وقل أقيموا وجوهكم أى اقصدوا عبادته مستقيمين الهيا غير عادلين إلى غيرها في كل وقت سجود أو في كل مكان سجود ﴿وادعوه﴾ واعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ
﴿فَرِيقًا هدى﴾ وهم المسلمون ﴿وَفَرِيقًا﴾ أي أضل فريقاً ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة﴾ وهم الكافرون ﴿إِنَّهُمُ﴾ إن الفريق الذين حق عليهم الضلالة ﴿اتخذوا الشياطين أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله﴾ أي أنصاراً ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ والآية حجة لنا على الاعتزال فى الهداية والاضلال
﴿يا بني آدم خُذُواْ زِينَتَكُمْ﴾ لباس زينتكم ﴿عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ﴾ كلما صليتم وقيل الزينة المشط والطيب والسنة أن يأخذ الرجل أحسن هيآته للصلاة لأن الصلاة مناجاة الرب فيستحب لها التزين والتعطر كما يجب التستر والتطهر ﴿وَكُلُواْ﴾ من اللحم والدسم ﴿واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ بالشروع في الحرام أو في مجاوزة الشبع ﴿إِنَّهُ لا يحب المسرفين﴾ وعن ابن عباس رضى الله عنهما كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وكان للرشيد طبيب نصرانى حاذق فقال لعلى بن الحسين واقد ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له عليّ قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه وهو قوله ﴿وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ فقال النصراني ولم يرو عن رسولكم شيء في الطب فقال قد جمع رسولنا الطب في ألفاظ يسيرة وهي قوله عليه السلام المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته فقال النصراني ما ترك كتابكم
ثم استفهم إنكاراً على محرم الحلال بقوله
الأعراف (٣٢ _ ٣٥)
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله﴾ من الثياب وكلما يتجمل به ﴿التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ أي أصلها يعني القطن من الأرض والقز من الدود ﴿والطيبات مِنَ الرزق﴾ والمستلذات من المآكل والمشارب وقيل كانوا إذا أحرموا حرموا الشاة وما يخرج منها من لحمها وشحمها ولبنها ﴿قُلْ هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا﴾ غير خالصة لهم لأن المشركين شركاؤهم فيها ﴿خَالِصَةً يَوْمَ القيامة﴾ لا يشركهم فيها أحد ولم يقل للذين آمنوا ولغيرهم لينبه على انها خلقت اللذين آمنوا على طريق الأصالة والكفار تبع لهم خالصة بالرفع نافع فهى مبتدأ خبره للذين آمنوا وفى الحياة الدينا ظرف للخبر أو خَالِصَةٌ خبر ثانٍ أو خبر مبتدأ محذوف أي هي خالصة وغيره نصبها على الحال من الضمير الذي في الظرف الذى هو الخير أي هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها يوم القيامة ﴿كذلك نُفَصّلُ الآيات﴾ نميز الحلال من الحرام ﴿لِقَوْمٍ يعلمون﴾ أنه لاشريك له
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش﴾ رَبّي حمزة الفواحش ما تفاحش قبحه أي تزايد ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ سرها وعلانيتها ﴿والإثم﴾ أي شرب الخمر أو كل ذنب ﴿والبغي﴾ والظلم والكبر ﴿بِغَيْرِ الحق﴾ متعلق بالبغي ومحل ﴿وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا﴾ حجة النصب كأنه قال حرم الفواحش وحرم الشرك يُنَزّلٍ بالتخفيف مكي وبصري وفيه تهكم إذ
﴿وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ وقت معين يأتيهم فيه عذاب الاستئصال إن لم يؤمنوا وهو وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله كما نزل بالأمم ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ قيد بساعة لأنها أقل ما يستعمل في الإمهال
﴿يا بني آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ هي إن الشرطية ضمت إليها ما مؤكدة لمعنى الشرط لأن ما للشرط ولذا ألزمت فعلها النون الثقيلة أو الخفيفة ﴿رُسُلٌ مّنكُمْ يقصون عليكم آياتي﴾ يقرءون عليكم كتبي وهو في موضع رفع صفة لرسل وجواب الشرط ﴿فَمَنِ اتقى﴾ الشرك ﴿وَأَصْلَحَ﴾ العمل منكم ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
أصلاً فَلاَ خَوْفٌ يعقوب
﴿والذين كذبوا﴾ منكم ﴿بآياتنا واستكبروا عَنْهَا﴾ تعظموا عن الايمان بها ﴿أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ﴾ فمن أشنع ظلماً ﴿مِمَّنِ افترى على الله كذبا أو كذب بآياته﴾ ممن تقول على الله مالم يقله أو كذب ما قاله ﴿أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب﴾ ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار ﴿حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا﴾ ملك الموت وأعوانه وحتى تغاية لنيبلهم نصيبهم واستيفائهم له وهى حتى التى يبتداأ بعدها الكلام والكلام هنا الملة الشرطية وهى إذا جاءتهم رسلنا
﴿قَالَ ادخلوا﴾ أي يقول الله تعالى يوم القيامة لهؤلاء الكفار ادخلوا ﴿فِى أُمَمٍ﴾ في موضع الحال أى كائنين فى جمل أمم مصاحبين لهم ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ مضت ﴿مِن قَبْلِكُم مّن الجن والإنس﴾ من كفار الجن والانس ﴿في النار﴾ متعلق بادخلوا ﴿كلما دخلت أمة﴾ النار ﴿لعنت أختها﴾ شكاها في الدين أي التي ضلت بالاقتداء بها ﴿حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا﴾ أصله تداركوا أي تلاحقوا واجتمعوا في النار فأبدلت التاء دالاً وسكنت للإدغام ثم أدخلت همزة الوصل ﴿جَمِيعاً﴾ حال ﴿قالت أخراهم﴾ منزلة وهى الأتباع والسفة ل ﴿لأولاهم﴾ منزلة وهي القادة والرءوس ومعنى لأولاهم لجل أولاهم لأن خطابهم مع الله لا معهم ﴿ربنا﴾ يار بنا ﴿هؤلاء أضلونا فآتهم عَذَابًا ضِعْفًا﴾ مضاعفاً ﴿مّنَ النار قَالَ لِكُلّ ضعف﴾ للقادة بالغواية والاغواء وللاتباع بالكفر والقتداء ﴿ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ﴾ ما لكل فريق منكم من العذاب لاَّ يَعْلَمُونَ أبو بكر أي لا يعلم كل فريق مقدار عذاب
الأعراف (٥٧ _ ٤٢) الفريق الآخر
﴿وَقَالَتْ أولاهم لأُِخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ عطفوا هذا الكلام على قول الله تعالى للسفلة لِكُلّ ضِعْفٌ أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا وأنا متساوون في استحقاق الضعف {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا
﴿إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء﴾ أي لا يؤذن لهم في صعود السماء ليدخلوا الجنة إذ هى فى السماء اولا يصعد لهم عمل صالح ولا تنزل عليهم البركة أو لا تصعد أرواحهم إذا ماتوا كما تصعد أرواح المؤمنين إلى السماء وبالتاء مع التخفيف أبو عمرو والبياء معه وعلي ﴿وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِى سَمّ الخياط﴾ حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة أي لا يدخلون الجنة أبداً لأنه علقه بما لا يكون والخياط والمخيط ما يخلاط به وهو الإبرة ﴿وكذلك﴾ ومثل ذلك الجزاء الفظيع الذي وصفنا ﴿نَجْزِي المجرمين﴾ أي الكافرين بدلالة التكذيب بآيات الله والاستكبار عنها
﴿لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ فراش ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ أغطية جمع غاشية ﴿وكذلك نَجْزِى الظالمين﴾ أنفسهم بالكفر
﴿والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ طاقتها والتكليف إلزام مافيه كلفة أي مشقة ﴿أولئك﴾ مبتدأ والخبر ﴿أصحاب الجنة﴾ والجملة خبر الذين ولا نكلقف نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا اعتراض بين المبتدأ والخبر ﴿هُمْ فِيهَا خالدون﴾
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ﴾ حقد كان بينهم فى الدنيا فلي يبق بينهم إلا التواد والتعاطف وعن علي رضى الله عنه إنى لا رجوا أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم ﴿تجري من تحتهم الأنهار﴾ حال من هم في
الأعراف ٤٢ ٤٥ مهتدين لولا هداية الله وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله ﴿لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق﴾ فكان لطفاً لنا وتنبيهاً على الاهتداتء فاهتجينا يقولون ذلك سرور ايمانا لولوا ظهارا لما اعتقدوا ﴿ونودوا أن تلكم الجنة﴾ الشأن أو بمعنى أى كأنه قيل وقيل لهم تلكم الجنة ﴿أُورِثْتُمُوهَا﴾ أعطيتموها وهو حال من الجنة والعامل فيها مافى تلك من معنى الاشراة ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ سماها ميراثاً لأنها لا تستحق بالعلم بل هي محض فضل الله وعده على الطاعات كالميراث من الميت ليس بعوض عن شيء بل هو صلة خالصة وقال الشيخ أبو منصور رحمههالله أن المعتزلة خالفوا الله فيما أخبرو نوحا عليه السلام وأهل الجنة والنار وإبليس لأنه قال الله تعالى يُضِلُّ مَن يَشَآء وَيَهْدِى من يشاء وقال نوح عليه السلام وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يريد أن يغويكم وقال أهل الجنة وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أن هدانما الله وقال أهل النار لَوْ هَدَانَا الله لهديناكم وقال ابليس فيما أغويتنى
﴿ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا﴾ أن مخففة من الثقيلة أو مفسرة وكذلك أن لعنة الله على الظالمين ﴿ما وعدنا ربّنا﴾ من الثواب ﴿حقًّا﴾ حال ﴿فهل وجدّتم مّا وعد ربّكم﴾ من العذاب ﴿حقًّا﴾ وتقديره وعدكم ربكم فحذف كم لدلالة وعدنا ربنا عليه وإنما قالوا لهم ذلك شماتة بأصحاب النار واعتارفا بنعم الله تعالى ﴿قالوا نعم﴾ وبكسر العين حيث كان
﴿الّذين يصدّون﴾ يمنعون ﴿عن سبيل الله﴾ دينه ﴿ويبغونها عوجا﴾ مفعول ثان ليغون أي ويطلبون لها الاعوجاج والتناقض ﴿وهم بالآخرة﴾ بالدار الآخرة بالدار الآخرة ﴿كافرون﴾
﴿وبينهما﴾ وبين الجنة ووالنار اوبين الفريقين ﴿حجابٌ﴾ وهو السور المذكور في قوله فضرب بينهم بسور ﴿وعلى الأعراف﴾ على اعراف الحجاب وهو للسور المضروب بين الجنو والنار وهى اعاله جمع عرف استعير من عرف الفرس وعرف الديك ﴿رجال﴾ من أفاضل المسلمني أو من آخرهم دخولاً في الجنة لاستواء حسناتهم وسيآتهم أو من لم يرض عنه أحد أبويه أو أطفال المشركين ﴿يعرفون كلاًّ﴾ من زمرة السعداء والأشقياء ﴿بسيماهم﴾ بعلامتهم قيل سيما المؤمنين بياض الوجوه ونضارتها وسما الكافرين سواد الوجوه وزرقة العيون
الأعراف ٤٥ ٥٠ ﴿ونادوا﴾ أي أصحاب الأعراف ﴿أصحاب الجنّة أن سلامٌ عليكم﴾ أنه سلام أو أي سلام وهو تهنئة منهم لأهل الجنة ﴿لم يدخلوها﴾ أي أصحاب الأعراف ولا محل له لأنه استئناف كان سائلا سأل عن أصحاب الأعراف فقيل لم يدخلوها ﴿وهم يطمعون﴾ فى دخولها أو له محل وهو صفة لرجال
﴿وإذا صرفت أبصارهم﴾ ابصار الاعراف وفيه أن صارفا يصرف أبصارهم لينظوا فيستعيذوا ﴿تلقآء﴾ ظرف أي ناحية ﴿أصحاب النّار﴾ وراوا ماهم فيه منالعذاب ﴿قالوا ربّنا لا تجعلنا مع القوم الظّالمين﴾ فاستعاذوا بالله وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم
﴿ونادى أصحاب الأعراف رجالاً﴾ من رءوس الكفرة ﴿يعرفونهم بسيماهم قالوا مآ أغنى عنكم جمعكم﴾ المال أو كثرتكم واجتماعكم وما نفافية ﴿وما كنتم تستكبرون﴾ واستكباركم على الحق وعلى الناس ثم يقولون لهم
﴿أهؤلاء﴾ مبتدأ ﴿الذين﴾ خبر مبتدأ مضمبر تقديره هؤلاء هم الذين ﴿أقسمتم﴾ حلفتم في الدنيا والمشار اليهم فقراء المؤمنين مكصهيب وسلمان ونحوهما ﴿لا ينالهم الله برحمةٍ﴾ جواب أقسمتم وهو داخل في صلة الذين تقديره أقسمتم عليهم بأن لا ينالهم الله برحمة أي لا يدخلهم الجنة يحتقرونهم لفقرهم فيقال لأصحاب الأعراف ﴿ادخلوا الجنّة﴾ وذلك بعد أن نظروا إلى الفريقين وعرفوهم بسماهم وقالوا ماقالوا ﴿لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون﴾
﴿ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من المآء﴾ أن مفسرة وفيه دليل على أن الجنة فوق النار ار ﴿أو ممّا رزقكم الله﴾ من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة أو أريد أو ألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة كقولك علفتها تبنا وماء بارداً
أي وسقيتها وإنما سألوا ذلك مع بأسهم عن الاجابة لأن المتحري ينطق بما يفيد وبما لا يفيد ﴿قالوآ إنّ الله حرّمهما على الكافرين﴾ هو تحريم منع كما فى وحرمن عليه المراضع وتقف هنا إن رفعت أو نصبت ما بعده ذماً وإن جررته وصفاً للكافرين فلا
﴿الّذين اتّخذوا دينهم لهواً ولعباً﴾ فحرموا وأحلوا ماشاءوا أوديتهم عيدهم ﴿وغرّتهم الحياة الدّنيا﴾ اغتروا بطول البقاء ﴿فاليوم ننساهم﴾ نتركهم
الأعراف ٥٠ ٥٣ في العذاب ﴿كما نسوا لقآء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون﴾ أي كنسيانهم وجحودهم
﴿ولقد جئناهم بكتابٍ فصّلناه﴾ ميزنا حلاله وحرامه ومواعظه وقصصه ﴿على علمٍ﴾ عالمين بكيفية تفصيل أحكامه ﴿هدى ورحمة﴾ حال منصوب فصلناه كما ن على علم حال من مرفوعة ﴿لّقومٍ يؤمنون﴾
﴿هل ينظرون﴾ ينتظرون ﴿إلاّ تأويله﴾ إلا عاقبة امره وما يؤل إليه من تبيين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد ﴿يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق﴾ أى بيتن وصح أنهم جاءوا باحلق فأقروا حين لا ينفعهم ﴿فهل لّنا من شفعآء فيشفعوا لنآ﴾ جواب الاستفهام ﴿أو نردّ﴾ جملة معطوفة على جملة قبلها داخلة معها في حكم الاستفهام كأنه قيل فهل لنا من شفعاء أو هل تردوا رافعة وقوعه مسوقعا يصلح للاسم كقولك ابتداء هل يضرب زيادا أو عطف على تقدير هل يشفع لنا شافع أو هل نرد ﴿فنعمل﴾ جواب الاستفهام أيضاً ﴿غير الّذي كنّا نعمل قد خسروآ أنفسهم وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون﴾ ما كانوا يعقدونه من الأصنام
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السماوات والأرض فِى سِتَّةِ أيّامٍ﴾ أراد السموات
الأعراف ٥٣ ٥٦ هو الليل كأنه لسرعة يطلب النهار ﴿والشّمس والقمر والنّجوم﴾ أي وخلق المس والقمر والنجوم ﴿مسخّراتٍ﴾ حال أي مذللات والشمس والقمر والنجوم سمخرات شامي والشمس مبتدأ والبقية معطوفة عليها والخبر مسخرات ﴿بأمره﴾ هو أمر تكوين لما ذكر أنه خلقهن مسخرات بأمره قال ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ أي هو الذي خلق الأشياء وله الأمر ﴿تبارك الله﴾ كثر خيره أو دام بره من البركة النماء أو من البروك الثبات ومنه البركة ﴿ربّ العالمين﴾
﴿ادعوا ربّكم تضرّعاً وخفيةً﴾ نصب على الحال أى ذوى تضرع وخفية والترضع تفعل ن الضراعة وهي الذل أي تذللاً وتملقاً قال عليه السلام إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً قريباً إنه معكم
﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾ أي بالمعصية بعد الطاعة أو بالشرك بعد التوحيد أو بالظلم بعد العد ل ﴿وادعوه خوفاً وطمعاً﴾ حالان أي خائفين من الرد طامعين في الإجابة أو من النيران وفي الجنان أو من الفراق وفي التلاق أو من غيب العاقبة وفي ظاهر الهداية أو من العدل وفى الفضل ﴿إن رحمة الله قريبٌ مّن المحسنين﴾ ذكر قريب على تأويل الرحمة بالحم أو الترحم أو لأنه صفة موصوف محذوف أي شيء قريب أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول أو لأن تأنيث الرحمة غير تحقيقى أو للإضافة إلى المذكر
﴿وهو الذي يرسل الرياح﴾ الريح مكى وحمززة وعلى ﴿بشرا﴾ حمزة وعلى مصدر نشروا انتصابه إما لأن أرسل ونشوء متقاربان فكأنه قيل نشرها نشراً وإما على الحال أي منشورات بشرا عاصم تخفيف بشرا تجمع بشير لأن الرياح تبشر بالمطر نشراً شامي تخفيف نشر
الأعراف ٥٦ ٦١ لأنث كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلا ﴿لبلد ميت﴾ لأجل بلد ليس فيه مطر ولسقيه ميّت مدني وحمزة وعلي وحفص ﴿فأنزلنا به المآء﴾ بالسحاب أو بالسوق وكذلك ﴿فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك﴾ مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمارت ﴿نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون﴾ فيؤديكم التذكر إلى الإيمان بالبعث إذ لا فرق بين الإخراجين لأن كل واحد منهما إعادة الشئ بعد إنشائه
﴿والبلد الطيب﴾ الأرض الطيبة التراب ﴿يخرج نباته بإذن ربّه﴾ بتيسيره وهو موضع الحال كأنه قيل يخرج نباتة حسناً وافياً لأنه واقع في مقابلة نكدا ﴿والّذي خبث﴾ صفة للبلد أي والبلد الخبيث ﴿لا يخرجُ﴾ أي نباته فحذف للاكتفاء ﴿إلاّ نكداً﴾ هو الذى الكافر وهذا التمثيل واقع على أثر مثل ذلك المطر وإنزاله بالبلد الميت وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد ﴿كذلك﴾ مثل ذلك التصرف ﴿نُصرّف الآيات﴾ نرددها ونكررها ﴿لقومٍ يشكرون﴾ نعمة الله وهم المؤمنون ليتفكروا فيها ويعتبروا بها
﴿لقد أرسلنا﴾ جواب قسم محذوف أي والله لقد أرسلنا {نوحاً
﴿قال الملأ﴾ أي الأشراف والسادة ﴿من قومه إنا لنراك في ضلال مبين﴾ أى ذهاب عن طريق الصواب بين والرؤية رؤية القلب
﴿قال يا قوم ليس بي ضلالةٌ﴾ ولم يقل ضلال كما قالوا لأن الضلالة أخص من الضلال فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه كأنه قال ليس بي شيء من الضلال ثم استدرك لتأكيد نفى الضلة فقال ﴿ولكنّي رسولٌ مّن رّبّ العالمين﴾ لأن كونه رسولاً من الله مبلغاً لرسالاته في معنى كونه على الصراط المستقيم فكان في الغاية القصوى من الهدى
﴿أبلّغكم رسالات ربّي﴾ ما أوحي إلي في الأوقات المتطاولة أو فى المعانى
الأعراف ٦١ ٦٥ المختفلة من الأوامر والنواهي والمواعظ والبشائر والنظائر أبلغكم أبو عمرو وهو كلام مستأنف بيان لكونه رسول رب العالمين ﴿وأنصح لكم﴾ وأقصد صلاحكم بالخصلاص يقال نصحته ونصحت له وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة وحقيقة النصح إرادة الخير لغيرك مما تريده لنفسك أو النهاية في صدق العناية ﴿وأعلم من الله ما لا تعلمون﴾ أى صفاته يعني قدرته الباهرة وشدة بطشه على أعدائه وأن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين
﴿أوعجبتم﴾ الهمزة للإنكار والواو للعطف والمعطوف عليه محذوف كأنه قيل أكذبتم وعجبتم ﴿أن جآءكم﴾ من أن جاءكم ﴿ذكره﴾ موعظة ﴿مّن رّبّكم على رجلٍ مّنكم﴾ على لسان رجل منكم أي من جنسكم وذلك أنهم كانوا يتعجبون من نبوة نوح عليه السلام ويقولوا ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين يعنون إرسال البشر ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة ﴿لينذركم﴾ يحذكرم عاقبة الكفر ﴿ولتتقوا﴾ ولتوجد منكم التقوى ة وفى الحشية بسبب الإنذار ﴿ولعلكم ترحمون﴾ ولترحموا بالتقوى ة إن وجدت منكم
﴿فكذّبوه﴾ فنسبوه إلى الكذب ﴿فأنجيناه والّذين معه﴾ وكانوا أربعين رجلا وامرأة وقيل تسعة بنوه سام وحام ويافث وستة ممن آمن به ﴿في الفلك﴾ يتعلق بمعه كأنه قيل والذين صحبوه في الفلك ﴿وأغرقنا الّذين كذّبوا بأياتنا إنّهم كانوا قوماً عمين﴾ عن الحق يقال أعمى في البصر وعمٍ فى البصيرة
﴿وإلى عاد﴾ وأرسلنا إلى عاد ووهو عطف على نوح ﴿أخاهم﴾ واحدا ممنهم من قولكم يا أخا العرب للواحد منهم وإنما تجعل واحداً منهم لأنهم عن رجل منهم أفهم فكانت الججة عليهم الزم ﴿هودا﴾ عطف بيان أخاهم وهو هود بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح ﴿قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتّقون﴾ وإنما لم يقل فقال كما فى قصة نوع عليه السلام لأنه على تقدير سؤال سائل قال فما قال لهم هود فقيل قال يا قوم اعدبوا الله
وكذلك ﴿قال الملأ الّذين كفروا من قومه﴾ وإنما وصف الملأ بالذين كفروا دون الملأ من قوم نوح لأن في أشراف قوم هود من آمن منهم مرثد بن
الأعراف ٦٥ ٧٠ ظرفا مجازا يعنى أنه متمكم فيها غير منفك عنها ﴿وإنّا لنظنّك من الكاذبين﴾ في ادعائك الرسالة
﴿قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكنّي رسولٌ مّن رّبّ العالمين أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ﴾ فيما أدعوكم إليه ﴿أمينٌ﴾ على ما أقول لكم وإنما قال هنا وانا لكم نصاح أمين لقولهم وانا انظنك من الكاذبين أي ليقابل الاسم الاسم وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من ينسبهم إلى الضلالة والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة بما قالوا لهم مع علمهم بأن خصومهم أضصل الناس وأسفههم أدب حسن وخلق عظيم واختيار الله تعالى ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم
﴿أوعجبتم أن جآءكم ذكرٌ مّن رّبّكم على رجلٍ مّنكم لينذركم واذكروآ إذ جعلكم خلفآء من بعد قوم نوح﴾ أى خلقتموهم فى الأرض أو فى مساكنهم وإذ مفعول به وليس بظرف أي اذكروا وقت استخلافكم ﴿وزادكم في الخلق بسطة﴾ طولا وامتدادات فكان أقصرهم سنين ذراعاً وأطولهم مائة ذراع بصطة حجازي وعاصم وعلى ﴿فاذكروا آلاء الله﴾ فى استخلافكم وبسطة أجرمكم وما سواهما من عطاياه وواحد الآلاء إلى نحو إنى وآفاء ﴿لعلكم تفلحون﴾
﴿قالوا أجئتنا﴾ أن يكون لهود عليه السلام مكان معتزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله ﷺ بحراء قبل البعث فلما أوحي إليه جاء قومه يدعوهم ﴿لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا﴾ أنكروا واستبعدوا اختصاص الله وحد بالعبادة وترك بن الآباء فى اتخاذ الأصنام شركاء معهم حباً لما نشئوا عليه ﴿فأتنا بما تعدنآ﴾ من العذاب ﴿إن كنت من الصّادقين﴾ أن العذاب نازل بنا
﴿قال قد وقع﴾ أي قد نزل ﴿عليكم﴾ جعل المتوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع كقولك لن طلب إليك بعض المطالب قد كان ﴿مّن رّبّكم رجسٌ﴾ عذاب ﴿وغضبٌ﴾ سخط ﴿أتجادلونني في أسمآء سمّيتموهآ﴾ في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات أنكم تسمون الأصنام آلهة
الأعراف ٧٠ ٧٢ وهى خالية عن معنى الألوهية ﴿أنتم وآباؤكم مّا نزّل الله بها من سلطانٍ﴾ حجة ﴿فانتظروآ﴾ نزول العذاب ﴿إنّي معكم مّن المنتظرين﴾ ذلك
﴿فأنجيناه والذين مَعَهُ﴾ أي من آمن به ﴿برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا﴾ الدابر الأصل أو الكائين خلف الشئ وقطع دابرهم استضالهم وتدميرهم عن آخرهم ﴿وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ فائدة نفى الإيمان عنهم مع إثابت التكذيب بآيات الله الإشعار بأن الهلاك خص المكذبين وقصتهم أن عاداً قد تبسطوا في البلاد ما بين عمان وحضر موت وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله إليهم هوداً فكذبوه فأمسك القطر عنهم ثلاث سنين وكانوا إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله الفرج منه عند بيته الحارم فأوفدوا إليه قيل ابن عنز ونعيم بن هزال
﴿وإلى ثمود﴾ وأرسلنا إلى ثمود وقرئ وإلى ثمودٍ بتأويل الحي أو باعتبار الأصل لأنه اسم أبيهم الأكبر ومنع الصرف بتأويل القبلة وقيل سميت ثمود لقلة مائها من الثمد وهو الماء القيبل وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام ﴿أَخَاهُمْ صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم مّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ﴾ آية ظاهرة شاهدة على صحة نبوتي فكأنه قيل ما هذه البينة فقال ﴿هذه نَاقَةُ الله﴾ وهذه إضافة تخصيص وتعظيم لأنها بتكوينه تعالى بلا صلب ولا رحم ﴿لَكُمْ آية﴾ حال من الناقة والعامل معنى الإشارة في هذه كأنه قيل أشير إليها آية ولكم بيان لمن هي له آية وهي ثمود لأنهم عاينوها ﴿فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ الله﴾ أي الأرض أرض الله والناقة ناقة الله فذروها تأكل في أرض ربها من نبات ربها فليس عليكم مؤنتها ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء﴾
الأعراف ٧٢ ٧٥ ولا تعقروها ولا تطردوها إكراماً لآية الله ﴿فَيَأْخُذَكُمْ﴾ جواب النهي ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
﴿واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وبوأكم﴾ ونزلكم والمباءة المنزل ﴿في الأرض﴾ أو أرض الحجر بين الحجاز والشام ﴿تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا﴾ غرفاً للصيف ﴿وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتًا﴾ للشاء وبيوتا حال مقدرة نحو خط هذا الثوب قميصاً إذ الجبل لا يكون بيتاً في حال النحت ولا الوثوب قميصا فى حال الخياطة ﴿فاذكروا آلاء الله وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ﴾ روي أن عاداً لما أهلكت عمرت ثمود بلادها وخلقوها فى الأرض وعمروا أعمار اطوالا فنحتوا البيوت من الجتبا لحشة الانهدام قبل الممات وكانوا في سعة من العيش فعبوا على الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأوثان فبعث الله إليهم صالحاً وكانوا قوماً عرباً وصالح من أوسطهم نسباً فدعاهم إلى الله فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون فأنذرهم فسألوه أن يخرج من صخرة بعينها ناقة عشراء فصلى ودعا ربنه فتمخضت تمخضالنتود بودلها مناه ناقة كما شاءوا فآمن به جندع ورهط من قومه
﴿قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ﴾ وَقَالَ شامي ﴿لِلَّذِينَ استضعفوا﴾ للذين استضعفهم رؤساء الكفار ﴿لمن آمن مِنْهُمْ﴾ بدل من الذين استضعفوا بإعادة الجار وفيه دليل على أن البدل حيث جاء طان في تقدير إعادة العامل والضمير في مِنْهُمْ راجع إلى قومه وهو يدل على أن استضعافهم كلن مصقور على المؤمينن أو إلى الذين استضعفوا وهو يدل على أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالحا مُّرْسَلٌ مّن
﴿قال الذين استكبروا إنا بالذي أمنتم به كافرون﴾ فوضعوا آمنتم به موضع أرسل به رداً لما جعله المؤمنون معلوماً مسلماً
﴿فَعَقَرُواْ الناقة﴾ أسند العقر إلى جميعهم وإن كان العاقر قدرا بن سالف لأنه كان برضاهم وكان قدار أحمر أزرق قصيراً كما كان فرعون كذلك وقال عليه السلام يا علي أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأقى الآرخين فانك ﴿وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ﴾ وتولوا عنه واستكبروا وأمر ربهم ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ الله أو شأن ربهم وهو دينه ﴿وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا﴾
من العذاب إن كنتم من المرسلين
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها ﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ﴾ فى بلادهم ﴿جاثمين﴾ ميتين قعدوا يقال الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا يتكلمون
﴿فتولى عَنْهُمْ﴾ لما عقروا الناقة ﴿وَقَالَ يا قَوْمِ﴾ عند فراقه إياهم ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين﴾ الآمرين
﴿ولوطا إذ قال لقومه﴾ أى واذكروا لوطاء إذ بدل منه ﴿أتأتون الفاحشة﴾ أتفعلون السشئة المتمادية في القبح ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا﴾ ما عملها قبلكم والباء للتعدية ومنه قوله عليه السلام سبقك بها عكاشة ﴿مّنْ أَحَدٍ﴾ من زائدة لتأكيد النى ف وافادة معنى الاستغارق ﴿مّن العالمين﴾ من للتبعيض وهذه جملة مستأنفة انكر عليهم أو لا بقوله أتأتون الفاشحة ثم وبخهم علهيا فقال أنتم أول من عملها
وقوله تعالى ﴿أئنكم لتأتون الرجال﴾ بيان لقوله أَتَأْتُونَ الفاحشة والهمزة مثلها في أَتَأْتُونَ للإنكار إِنَّكُمْ على الإخبار مدني وحفص يقال أتى المرأة إذا غشيها ﴿شهوة﴾ مفعول له أى للاشبهاه لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة وذم أعظم منه لأنه وصف لهم بالبهيمية ﴿مّن دون النساء﴾ أى لا من السناء ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ أضرب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح وهو أنهم قوم عاداعهم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء فمن ثمّ أسرفوا في باب قضاء الشهوة حتى تجاوزوا المعتاد إلى غير المعتد
﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ﴾ أي
الأعراف ٧٩ ٨١ ابن عباس رضى الله عنهما عباوهم بما يتمدح به
﴿فأنجيناه وأهله﴾ ومن يختص به من دونه من المؤمنين ﴿إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾ من الباقين في العذاب والتذكير لتغليب الذكور على الإناث وكانت كافرة موالية لأهل سدوم وروة أنها التفتت فاصبها حجر فماتت
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا﴾ وأرسلنا عليهم نوعاً من المطر عجيباً قالوا أمطر الله عليهم الكبريت والنار وقيل وخسفف بالمقيمين منهم وامطرت حجارة فلى مسافريهم وقال أبو عبيدة أمطر في العذاب ومطر في الرحمة ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين﴾ الكافرين
﴿وإلى مَدْيَنَ﴾ وأرسلنا إلى مدين وهو اسم قبيلة ﴿أخاهم شُعَيْباً﴾ يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا أهل بخس للمكاييل والموازين ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ من ربكم﴾ أى معدزة وإن لم تذكر في القرآن ﴿فَأَوْفُواْ الكيل والميزان﴾ اتموهما والمراد فأوفا الكيل ووزن الميزان أو يكون الميزان كالمعياد بمعنى المصدر ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءهُمْ﴾ ولا تنقصوا حقوقهم بتطفيف الكيف ونقصان الوزن وكانوا يبخسون الناس كل شيء في مبايعتهم وبخس يتعدى إلى مفعولين وهما الناس وأشياءهم تقول
﴿وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صراط﴾ بكل طريق ﴿تُوعَدُونَ﴾ من آمن بشعيب بالعذاب ﴿وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ عن العبادة ﴿من آمن به﴾ بالله وقيل كانوا يقطعون الطريق وقيل كانوا عشارين ﴿وَتَبْغُونَهَا﴾ وتطلبون لسبيل الله ﴿عِوَجَا﴾ أي تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة لتمنعوهم عن سلوكها ومحل تُوعَدُونَ وما عطف عليه النصب على الحال أي لا تقعدوا موعدين
الأعراف ٨١ ٨٤ وصادين عن سبيل الله وباغين عوجاً ﴿واذكروا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً﴾ إذ مفعول به غير ظرف أى واذكروا على جهتة الشكر وقت كونكم قليلاً عددكم ﴿فَكَثَّرَكُمْ﴾ الله ووفر عددكم وقيل إن مدين ابن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا ﴿وانظروا كَيْفَ كان عاقبة المفسدين﴾ آخر أم عن أفسد قبلكم من الأمم كقوم نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام
﴿وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذى أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فاصبروا﴾ فانتظروا ﴿حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا﴾ أي بين الفريقين بأن ينصر المحقين
﴿قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شعيب والذين آمنوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ في الكفر قَالَ شعيب ﴿أَوَلَوْ كُنَّا كارهين﴾ الهمزة للاستفهام والواو للحال تقديره أتعبدوننا في ملتكم في حال كراهتنا ومع كوننا كارهين قالوا نعم
ثم قال شعيب ﴿قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ﴾ وهو قسم على تقدير حذف اللام أي والله لقد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم ﴿بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا﴾ خلصنا الله فإن قلت كيف قال شعيب إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ والكفر على الأنبياء عليهم السلام محال قلت أراد هود قومه إلا أنه نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئاً من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا﴾ وما ينبغي لنا وما يصح ﴿أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله رَبُّنَا﴾ إلا أن يكون سبق في مشيئته أن نعود فيها إذ الكائنات كلها بمشيئة الله تعالى خيرها وشرها ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شيء علما﴾ تمييز
الأعراف ٨٤ ٨٩ أي هو عالم بكل شيء فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحول وقلوبهم كيف تتفلب ﴿عَلَى الله تَوَكَّلْنَا﴾ في أن يثبتنا على الإيمان ويؤفقنا لازدياد الإيقان ﴿رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق﴾ أى احكم والفتاحة الحكومة والقضاء بالحق يفتح الأمر المغلق فلذا سمي
﴿وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتبعتم شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لخاسرون﴾ مغبونون لفوات فوائد البخس والتطفيف باتباعه لأنه ينهاكم عنهما ويجعلكم على الإيفاء والتسوية وجواب القسم الذي وطأته اللام في لَئِنِ اتبعتم وجواب الشرط إِنَّكُمْ إِذاً لخاسرون فهو ساد مسد الجوابين
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ الزلزلة ﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين﴾ ميتين
﴿الذين كَذَّبُواْ شُعَيْبًا﴾ مبتدأ خبره ﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا﴾ لم يقيموا فيها غني بالمكان أقام ﴿الذين كَذَّبُواْ شُعَيْبًا﴾ مبتدأ خبره ﴿كَانُواْ هُمُ الخاسرين﴾ لا من قالوا لهم إنكم إذاً لخاسرون وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قي الذين كذبوا شعيبا المخصوصون بأن أهلكوا كأن لم يقيموا في دراهم لأن الذين ابتعوا شعيباً قد أنجاهم الله الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بالخسارن العظيم دون اتباه فهم الرابحون وفى التكرار مبالغة واستعظام لتكذيهم ولما جرى عليهم
﴿فتولى عنهم﴾ بعد أن بهم العذاب ﴿وَقَالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى﴾ أحزن ﴿على قَوْمٍ كافرين﴾ اشتد حزنه على قومنه ثم أنكر على نفسه فقال كيف يشتد حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم أو أراد لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والتحذير مما حل بكم فلم تصدقون فكيف آسى عليكم
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ﴾ يقال لكل مدينة قرية وفيه حذفى
الأعراف ٨٩ ٩٣ ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر
﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة﴾ أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة والصحة ﴿حتى عَفَواْ﴾ كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم عفا النبات إذا كثر ومنه قوله عليه السلام واعفوا اللحى ﴿وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء﴾ أي قالوا هذه عادة الدهر يعاقبل في الناس بين الضراء والسراء وقد مس آباءنا نحو ذلك وما هو بعقوبة الذنب فكونوا على ما أنتم عليه ﴿فأخذناهم بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿وهم لا يشعرون﴾ ينزول العذاب
واللام في ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى﴾ إشارة إلى أهل القرى التي دل عليها وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ كأنه قال ولو أن أهل القرى الذين كذبوا وأهلكوا ﴿آمنوا﴾ بدل كفرهم ﴿واتقوا﴾ الشرك مكان ارتكابه ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم﴾ لَفَتَحْنَا شامي ﴿بركات مّنَ السماء والأرض﴾ أراد المطر والنابت أو لآتيناهم بالخير من كل وجه ﴿ولكن كَذَّبُواْ﴾ الأنبياء ﴿فأخذناهم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ بكفرهم وسوء كسبهم ويجوز أن تكون اللام للجنس
﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى﴾ يريد الكفار منهم ﴿أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿بَيَاتًا﴾ ليلاً أي وقت بيات يقال بات بياتاً وَهُمْ نَائِمُونَ
﴿أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى﴾ نهاراً والضحى في الأصل ضوء الشمس إذا أشرقت والفاء والواو فى أفأمن وأو أمن حرفا عطف دخل علهيا همزة الإنكار المعطوف عليه فأخذناهم بَغْتَةً وقوله وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى إلى يكسبون اعتراض بني المعطوف والمعطوف عليه إنما عطفت بالفاء لأن المعنى فعلوا وصنعوا فأخنذاهم بغتة بعد ذلك أمن أهل القراى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى أَوَ أَمِنَ شامي وحجازي على العطف بأو والمعنى غنكار الأمن من أحد هذين الوجهين من إتيان العذاب ليلاً أو ضحى فإن قلت كيف دخل همزة الاستفهام على رحف العطف وهو ينافى الاستفهام فلت التنافي في المفرد لا في عطف جملة على جملة لأنه على استئناف جملة بعد جملة ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ يشتغلون بما لا يجدي لهم
﴿أَفَأَمِنُواْ﴾ تكرير لقوله أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى ﴿مَكْرَ الله﴾ أخذه العبد من حيث لا يشعر وعن الشبلي قدس الله روحه العزيز مكره بهم تركه إياهم على ماهم عليه وقالت ابنة الربيع بن خيثم
الأعراف ٩٣ ٩٧ لأبيها مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام قال يا بنتاه أن أباك خاف البينات أراد قوله أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بياتا ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون﴾ إلا الكاغرون الذين خسروا أنفسهم حتى صاروا إلى النار
﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ يبين ﴿لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ﴾ أَن لَّوْ نَشَاء مرفوع بأنه فاعل يَهْدِ وأن مخففة من الثقيلة أى أو لم يهد الذين يخلفون من خلا قبلهم فى ديراهم ويرثونهم ارضهم هذا الشأنوهو أنالوا نشاء أصبانهم بذنبوهم كما أصبنا من قبلهم فأهلكنا الواريثني كما أهلكنا الموروثين وإنما عدي فعل الهداية باللام
﴿تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا﴾ كقوله هذا بعلى شيخا في أنه مبتدأ وخبر وحال أو تكون القراى صفة تكل ونقص خبر أو المعنى تلك الفقرات المذكور من قوم نوح إلى قوم شعيب نقص عليك بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لم نقصها عليمك ﴿وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ بالمعجزات ﴿فَمَا كَانُواْ ليؤمنوا﴾ عند مجئ الرسل بالبينات ما كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ بما كذبوا من آيات الله من قبل مجئ الرسل أو فما كانوا ليؤمنوا إلى آخر اعمارهم بما كذبوا به أو لا حين جاءتهم الرسل أي استمروا على التكذيب من قبل التكذي من لدن مجئ الرسل اليهم إلى أن مابوا مصرين مع تتابع الآيات واللام لتاكيد النى ف ﴿كذلك﴾ مثل ذلى الطبع الشديد ﴿يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين﴾ لما علم منهم أنهم يختارون الثبات على الكفر
﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَِكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ﴾ الضمير للناس على الإطلاق يعنى أن اكثر الناس يقضوا عهد الله فى ضر ومخافة لئن أنجينا لنومنن ثم اناهم نكثوا ﴿وإنا﴾ الشأن والحديث ﴿وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لفاسقين﴾ لخارجين عن الطاعة والوجود بمعنى العلم بدليل دخول إن المخففة اللام الفارقة ولا يجوز ذلك إلا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم﴾ الضمير للرسل في قوله وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم أو للأمم ﴿موسى بآياتنا﴾ بالمعجزات الواضحات إلى فرعون وملئه ﴿فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ فكفروا بآياتنا أجرى الظلم مجرى الكفر لانهما من
الأعراف ٩٧ ١٠٢ واد واحد أن الشرك لظلم
﴿وقال موسى يا فرعون﴾ يقال ملك مصر الفراعنة كما يقال لملوك فارس الأكاسرة وكأنه قال يا ملك مصر واسمه قابوس أو الوليد ابن مصعب بن الريان ﴿إِنّى رَسُولٌ مّن رَّبّ العالمين﴾ إليك قال فرعون كذبت فقال موسى
﴿حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق﴾ أي أنا حقيق على قول الحق أى واجب على الصدق وعلى هذه القرءاة تقف على العالمين وعلى الأول يجووزالوصل على جعل حقيق وصفت الرسول وعلى بمعنى الباء كقراءة أبي أي إني رسول خليق بأن لا أقول أو يعلق على بمعنى الفعل في الرسول أي إني رسول حقيق جدير بالرسالة أرسلت على أن لا آأقول على الله إلا احلق ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مِّن رَبُّكُمْ﴾ بما يبين رسالتى ﴿فأرسل معي بني إسرائيل﴾ فخلفهم يذهبوا معنى راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي غلب فعرون على نسل الأسباط واستعبدهم فأنقذهم الله بموسى عليه السلام وكان بين اليوم الذي دخل يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخله مسوى أربعمائة عام معنى حفص
﴿قال إن كنت جئت بآية﴾ من عند من أرسلك ﴿فَأْتِ بِهَا إِن كنت من الصادقين﴾ فأتى بها لتصح دعواك ويثبت صدقك فيها
﴿فَأُلْقِىَ﴾ موسى عليه السلام ﴿عصاه﴾ من يده ﴿فَإِذَا هِىَ﴾ إِذَا هذه للمفاجأة وهي من ظروف المكان بمنزة ل ثمة وهناك ﴿ثُعْبَانٌ﴾ حية عظيمة ﴿مُّبِينٌ﴾ ظاهر أمره روي أنه كان ذكراً فاغراً فاه بين لحييه يمانون ذراعا ووضع لحيه الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب وأحدث ولم يكن أحدث قبل ذلك وحمل على الناس فمات منهم خسمة وعشرون ألفاً قتل بعضهم بعضاً فصاح فرعون يا موسى خذه وانا أومن بك فأخذ موسى فعاد عصاً
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ من جيبه ﴿فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء للناظرين﴾ أي فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضا للنظارة إلا إذا كان بياضاً عجيباً خارجاً عن العادة يجمع الناس للنظراليه روي أنه أرى فرعون يده وقال ما هذه فقال يدك ثم أدخلها في جيبه ونزها فإذا هى بيضاء
الأعراف ١٠٣ ١١٠ غلب شعاها شعاع الشمس وكان موسى عليه السلام آدم شديد الأدمة
﴿قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ﴾ عالم بالسحر ماهر فيه قد خير إلى الناس العصا حية والآدم أبيض وهاذ الكلام قد عزي إلى فرعون في سورة الشعراء وأنه قاله للملأ وهنا عزى الهم فيحتمل أنه قد قاله هو وقالوه هم فحى قوله ثمّة وقولهم هنا أو قاله ابتداء فنلقنه منه الملأ فقالوه لأعقابهم
﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ﴾ يعني مصر ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ تشيرون من آمرته فأمرني بكذا إذا شاورته فأشار عليكم برأى وهو من كلام فرعون قاله الملأ لما قالوا له إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم
﴿قَالُواْ أَرْجِهْ﴾ بسكون الهاء عاصم وحمزة أي اخروا حبس أي أخر أمره ولا تعجل أو كأنه هم بقتله فقالوا أخر أمره واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق ﴿وَأَخَاهُ﴾ هرون ﴿وَأَرْسِلْ فِى المدائن حاشرين﴾ جامعين
﴿يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ﴾ سَحَّارٍ حمزة وعلي أي يأتوك بكل ساحر عليم مثله في المهارة أو بخير منه
﴿وَجَاء السحرة فِرْعَوْنَ﴾ يريد فأرسل إليهم فحضروا ﴿قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا﴾ على الخبر وإثبات الاجر العظيم حجازى وحفص ولم يقال فقالوا لأنه على تقدير سؤال سائل ما قالوا إذ جاءوه فأجيب ٣ بقوله قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا لجعلاً على الغلبة والتنكير للتعظيم كانهم قوال لا يدلنا من أجر عظيم ﴿إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين﴾
﴿قَالَ نَعَمْ﴾ إن لكم لأجراً ﴿وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين﴾ عندى فتكونون أو لمن يدخل وآخره من يخرج وكانوا ثمانين ألفاً أو سبعين ألفاً أو بضعة وثلاثين ألفاً
﴿قَالُواْ يا موسى إَمَا أَن تُلْقِىَ﴾ عصاك ﴿وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين﴾ لما معنا وفيه دلالة على أن رغبتهم في أن يقلوا قبله حيث أكد ضميرهم المتصل بالمنفصل وعرف الخبر
﴿قال﴾ لهم موسى ﴿أَلْقَوْاْ﴾ تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه كما يفعل المناظرون قبل أن يتحاوروا فى الجدال وقد سوغ لهم موسى ما رغبوا فيه ازدراء لشأنهم وقلة مبالاة بهم واعمادا على أن المعجزة لن يغلبها سحرا أبدا ﴿ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس﴾ أروها بالحيل
الأعراف ١١١ ١١٨ باب السحر أو في عين من رآه
﴿وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ﴾ - تلقف - تبتلع تَلْقَفْ حفص ﴿مَا يأفكون﴾ ما زوصولة أو مصدرية يعني ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزؤرونه أوافكهم تسمية للمأفوك بالإفك روي أنها لما تلقفت ملء الوادى من الحشب والحبال ورفعها موسى فرجعت عصاً كما كانت وأعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرقها أجزاء لطيفة قالت السحرة لو كان هذا سحراً لبقيت حبالنا وعصينا
﴿فَوَقَعَ الحق﴾ فحصل وثبت ﴿وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يعملون﴾ من السحر
﴿فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ﴾ أي فرعون وجنوده والسحرة ﴿وانقلبوا صاغرين﴾ وصاروا أذلاء مبهوتين
﴿وَأُلْقِىَ السحرة ساجدين﴾ وخروا سجداً لله كأنما ألقاهم ملق لشدة خروهرم أو لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا فكانوا أول النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة
﴿قالوا آمنا بِرَبّ العالمين رَبّ موسى وهارون﴾ هو بدل ممات قبله
﴿قال فرعون آمنتم به﴾ قلى الخبر حفص وهذا توبيخ منه لهم وبهمزتين كوفي غير حفص فالأولى همزة الاستفهام ومعناه الانكار والاستبعاد ﴿قبل أن آذن لكم﴾ قبل اذنى لم {إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى المدينة
﴿لأَقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ﴾ من كل شق طرفاً ﴿ثُمَّ لأَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ هو أول من قطع من خلاف وصلب
﴿قَالُواْ إِنَّا إلى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ فلا نبالي بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربقنا روحمته أو انا جميعا يعنون أنفسه وفرعون ننقلب إلى الله فيحكم بيننا
﴿وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات رَبّنَا لَمَّا جَاءتْنَا﴾ وما تعيب منا إلا الإيمان بآيات الله أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر وهو الإيمان ومنه قوله... ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم... بهن فلول من قراع الكتائب...
الأعراف ١١٨ ١٢١ ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ أي اصبب صباً ذريعاً والمعنى هب لنا صبراً واسعاً وأكثره علينا حتى يفيض علنا ويغمرنا كما يفرغ الماء افارغا ﴿وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ ثابتين على الإسلام
﴿وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى الأرض﴾ أرض مصر بالاستعلاء فيها وتغيير دين أهلها لأنه والق السحرة على الإيمان ستمائة ألف نفر ﴿ويذرك وآلهتك﴾ عطف على لفسدوا قبل صنع فرعون لقومه أصناماً وأمرهم أن يعبدوها تقرباً إليه كما يعبد عبدة الأصنام الأصنام ويقولون
﴿قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله واصبروا﴾ قال لهم ذلك حين
جزعوا من قول فرعون سنقتل أبناءهم تسلية لهم ووعداً بالنصر عليهم ﴿إن الأرض﴾ راللام للعهد أي أرض مصر أو للجنس فيتناول ارص مصر تناولاً أولياً ﴿للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء من عباده﴾ فيه تمنيته إياهم أرض مصر ﴿والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ﴾ بشارة بأن الخاتمة المحمدودة للمتقين منهم ومن القبط وأخليت هذه الجملة عن الواو لأنها جملة مستأنفة بخلاف قوله وقال الملأ لانها معطوفة على سا سبقها من قوله قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فرعون
﴿قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى إلى أن استنبئ واعاجدته علهم بعد ذلك اشتكاء من فرعون واستبطاء لوعد النصر ﴿قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الأرض﴾ تصريح بما رمز الله من البشارة قبل وكشف عنه وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر ﴿فَيَنظُرَ كيف تعملون﴾ فيى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه وشكر النعمة وكفراتها لجيازيكم على حسب ما يوجد منكم وعن عمرو بن عبيد أنه دخل على المنصور قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف أو رغيفان وطلب المنصور زيادة لعمور فلم توجد فقرأ عمرو هذه الآية ثم دخل عليه بعد ما استخاف
الأعراف ١٢٢ ١٢٥ فذكر له ذلك
﴿ولقد أخذنا آل فِرْعَوْنَ بالسنين﴾ سني القحط وهن سبع سنين والنسة من الأسماء الغالة ب كالدابة والنجم ﴿وَنَقْصٍ مّن الثمرات﴾ قيل السنون لا هل البوادى ونقص الثمات للامصار ﴿لعلهم يذكرون﴾ ليتعظموا فينبهوا على أن ذلك لا صرارهم على الكفر ولأن الناس فى حال اشدة اضعر خذودا وأرقى أفئدة وقيل عاش فرعون أربعمائة سنة لم ير مكروهاً في ثلثمائة وعشرين سنة ولو أصابه في تلك المدة وجع أو جوع أو حمتى لما ادعى الربوبية
﴿فَإِذَا جَاءتْهُمُ الحسنة﴾ الصحة والخصب ﴿قَالُواْ لَنَا هذه﴾ أي هذه التي نستحقها ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سيئة﴾ جدب ومرض ﴿يطيروا﴾ أصله يتطيروا فأدعمت التاء في الطاء لأنها من طرف اللسان وأصول الثنايا ﴿بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾ تشاءموا بهم وقالوا هذه بشؤمهم ولولا مكانهم لما أصابتنا وغنما دخل إذا فى الحسة وعرفت الحسنة وإن في السيئة ونكرت السيئة لأن جنس الحسنة وقوع كالكائن لكثرته وأما السيئة فلا تقع إلا فى الندرة ولا يقع الاشئ منها ﴿أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ﴾ سبب خيرهم وشرهم ﴿عَندَ الله﴾ في حكمه ومشيئته والله هو الذى يقدر ما يصيبهم ن الحسنة والسيئة قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ الله ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك
﴿وقالوا مهما تأتنا به من آية لّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ أصل مهما ماما فما الأولى للجزاء ضمت إليها ما المزيدة المؤكدة للجزاء فى قولك متى ما تخرج اخرج أينما تكونوا فاما تذهبن بك إلا أن الألف قلبت هاء استثقالاً لتكرير المتجانسين وهو المذهب السديد البصرة وهو فى موضع النصب بتأتنا
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان﴾ ما طاف بهم وغلبهم من مطر أو سيل قيل طفا الماء فوق حروتهم وذلك أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يرون شمساً ولا قمراً ولا يقدر أحد أن يخرج من داره وقي دخل الماء في بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم فمن جلس غرق ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة أو هو الجدري أو الطاعون ﴿والجراد﴾ فأكلت زروعهم وثمارهم وسقوف بويتهم وثيباهم ولم يدخل بيوت بنى اساريل منها شيء ﴿والقمل﴾ وهى الدبى وهو أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها أو البراغيث أو كبار القردان ﴿والضفادع﴾ وكانت تقع فى طعامهم
الأعراف ١٢٥ ١٢٩ وشرابهم حتى إذا تكلم الرجل تقع فيه فيه ﴿والدم﴾ أي الرعاف وقيل مياههم انقلبت دما حتى تغن القبطي والإسرائيلي إذا اجتمعا على إناء فيكون ما يلى الإسرائيلى ماء وما يلى القبطى دما وقيل سال علهيم النيل دما ﴿آيات﴾ حال من الأشياء المذكورة ﴿مّفَصَّلاَتٍ﴾ مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله أو مفرقات بين كل آيتين شهر ﴿فاستكبروا﴾ عن الإيمان بموسى ﴿وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ﴾
﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز﴾ العذاب الأخير وهو الدم أو العذاب المذكور واحداً بعد واحد ﴿قَالُواْ يا موسى ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ ما مصدرية أي بعهده عندك وهو النبوة والباء تتعلق بادع أى ادع الله لنا متوسلا
! فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجلٍ} إلى حد من الزمان ﴿هم بالغوه﴾ لا محالى فمذبون فيه لا ينفعهم ما تقدم لهم من الإمهال وكشف العذاب إلى حلوله ﴿إذا هم ينكثون﴾ تجواب لما أى فلما كشفنا عنهم فاجئوا النكث ولم يؤخروه
﴿فانتقمنا مِنْهُمْ﴾ هو ضد الإنعام كما أن العقاب هو ضد الثواب ﴿فأغرقناهم فِي اليم﴾ هو اببحر الذي لا يدرك قعره أو هو لجة البحر ومعظم مائه واشتقاقه من التيمم لأن االمنتفعين به يقصدونه ﴿بأنهم كذبوا بآياتنا وَكَانُواْ عَنْهَا غافلين﴾ أي كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها وقلة فكرهم فيها
﴿وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ﴾ هم بنو إسرائيل كان يستصنعهم فرعون وقومه بالقتل والاستخدام ﴿مشارق الأرض ومغاربها﴾ يعنى ارض مصر والشام التى ﴿التي باركنا فيها﴾ بالخصب وسعة الأرزاق وكثة الأنهار والأشجار ﴿وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل﴾ هو قوله عسى ربكم أن يهلكم عدوكم ويستخلفكم فى الأرض أو ونريد انتنمن عَلَى الذين استضعفوا فِى الأرض إلى مَّا كانوا يحذرون والحنسى تأنيث الأحسن صفة للكلمة وعلى صلة تَمُتْ أي مضت عليهم واستمرت من قولكم ثم علي الأمر إذا مضى عليه ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ بسبب صبرهم وحسبك به حاثاً على الصبر ودالاً على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله
الأعراف ١٢٩ ١٣٤ إليه ومن قابله بالصبر ضمن الله له الفرج
﴿وجاوزنا ببني إسرائيل البحر﴾ روي أنهم عبر بهم موسى يوم عاوراء بعدما اهلك الله فرعون وقومه فصامواه شكر الله فأوا على قَوْمٍ فمروا عليهم ﴿يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ﴾ يواظبون على عبادتها وكانت تماثيل بقر وبكسر الكاف حمزة وعلي ﴿قَالُواْ يا موسى اجعل لَّنَا إلها﴾ صنماً نعكف عليه ﴿كَمَا لهم آلهة﴾ أصنام يعكفون عليها وما كافة للكاف ولذلك وقعت الجملة بعدها قال يهودى لعلى رضى لله عنه اختلفتم بعد نبيكم قبل أن يجف ماؤه فقال قلتم اجعل لَّنَا إلها ولم تجف أقدامكم ﴿قال إنكم قوم تجهلون﴾ نعجب من قولهم على أثر ما رأوا من الآية العظمى فوصفهم بالجهل المطلق وأكده
﴿إِنَّ هَؤُلآء﴾ يعني عبدة تلك التماثيل ﴿مُتَبَّرٌ﴾ مهلك من التيار ﴿مَّا هُمْ فِيهِ﴾ أي يتبر الله ويهدم دينهم الذى هم عله على يدى وفى إيقاع هؤلاء إسما لأن وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبراً لها وسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرضون ببتبار وأنه لايعدوهم ألبتة ﴿وباطل مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي ما عملوا من عبادة الأثنام باطل مضمحل
﴿قال أغير الله أبغيكم إلهاً﴾ أي أغير المستحق للعبادة أطلب لكم
﴿وإذ نجيناكم من آل فرعون﴾ أنجاكم شامي ﴿يسومونكم سوء العذاب﴾ يبغونكم شدة العذاب من سام السلعة إذا طلبها وهو استئناف لا محل له أو حال من المخاطبين أو من آل فرعون ﴿يقتّلون أبناءكم ويستحيون نساءكم﴾ يعتلون نافع ﴿وفي ذلكم﴾ أي في الإنجاء أو في العذاب ﴿بلآءٌ﴾ نعمة أو محنة ﴿مّن ربكم عظيم﴾
﴿وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً﴾ لإعطاء التوراة ﴿وأتممناها بعشر﴾ روى أنه موسى عليه الصلاة والسلام وعد بنى إسرائيل
الأعراف ١٤٣ ١٣٥ وهو بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوماً وهي شهر ذي القعدة فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك فأوحى الله إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك فأمره أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك ﴿فتمّ ميقات ربّه﴾ ما وقت له من الوقت وضربه له ﴿أربعين ليلةً﴾ نصب على الحال أي تم بالغاً هذا العدد ولقد أجمل ذكر الأربعين في البقرة وفصلها هنا ﴿وقال موسى لأخيه هارون﴾ هو عطف بيان لخيه ﴿اخلفني في قومي﴾ كن خليفتي فيهم ﴿وأصلح﴾ ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل ﴿ولا تتّبع سبيل المفسدين﴾ ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه
﴿ولمّا جآء موسى لميقاتنا﴾ لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا ومعنى اللام الاختصاص أي اختص مجيئه لميقاتنا ﴿وكلّمه ربّه﴾ بلا واسطة ولا كيفية ورورى أنه كان يسمع الكلام من كل جهة وذكر الشيخ التأويلات أن موسى عليه السلام سمع صوتاً دالاً على كلام الله تعالى
الأعراف ١٣٥ ١٣٧ معنى التجلي للجبل ما قاله الأشعري إنه تعالى خلق فى الجبل حياة وعملا ورؤية حتى راى به وهذا نص فى إثبات كونه مرئيا وبهده الوجوه يتبين جهل منكري الرؤية وقولهم بأن موسى عليه السلام كان عالماً بأنه لا يرى ولكن طلب قومه أن يريهم ربه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله لن تؤمن لك حتى ترى الله جهرة فطلب الرؤية
﴿قال يا موسى إِنَّي اصْطَفيْتُكَ عَلَى النَّاس﴾ اخترتك على أهل زمانك ﴿برسالاتي﴾ هي أسفار التوراة برسالتي حجازي ﴿وبكلامي﴾ وبتكليمي إياك ﴿فخذ ما آتيتك﴾ أعطيتك من شرف النبوة والحكمة ﴿وَكُن مِّنَ الشاكرين﴾ على النعمة في ذلك فهي من أجل النعم قيل خر موسى صعقاً يوم عرفة وأعطي التوراة يوم النحر ولما كان هرون وزيرا تابعا لموسى تخصص الاصطفاء بموسى عليه السلام
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح﴾ الألواح التوراة جمع لوح وكانت عشرة ألواح وقيل سبعة وكانت من زمرد وقيل من خشت نزلت من السماء فيها التوراة ﴿مِن كُلَّ شَيْءٍ﴾ في محل النصب على أنه مفعول كتبنا ﴿مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ بدل منه والمعنى كتبنا له كل ش كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام وقيل أنزلت التوراة وهى سبعون وقر بعير لم يقرأها كلها إلا أربعة نفر موسى ويؤشع وعزير وعيسى ﴿فخذها﴾ فقلنا له حذها عطفا على كتبنا والضمير للالواح أو لك شيء لأنه في معنى الأشياء ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد وعزيمة فعل أولى العزم من
٣ -
الأعراف ١٣٧ ١٤٠ الرسل ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ أي فيها ما هو سحن وأحسن كالقصاص والعفو والانتصار والصبر فمنهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب كقوله واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربم ﴿سأريكم دَارَ الفاسقين﴾ دَارَ فرعون وقومه وهي مصر ومنازل عاد وثمود والقرون المهلكه كيف اقفر منهم لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكّل بكم مثل نكالهم أو جهنم
﴿سأصرف عن آياتي﴾ عن فهمها قال ذو النون قدس الله روحه أبى الله أن يكرم قلوب البطالين بمكنون حكمة القرآن ﴿الَّذِينَ يَتكَبَّرُونَ﴾ يتطاولون على الخلق وياتفون عن قبول الحق وحقيقته التكلف للكبريءا التى اختص بالباري عزت قدرته ﴿فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ هو حال أى يتكرون غير محقين لأن التكبر بالحق لله وحده ﴿وإن يروا كل آية﴾ من الآيات المنزلة عليهم ﴿لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ﴾ طريق صلاح الأمر وطريق الهدى الرَّشد حمزة وعلي وهما كالسقم والسقم ﴿لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الغي﴾ الضلال ﴿يتخذوه سبيلا﴾ ومخل ﴿ذلك﴾ الرفع أي ذلك
﴿والذين كذبوا بآياتنا وَلِقَآءِ الآخِرةِ﴾ هو من إضافة المصدر إلى المفعول به أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها ﴿حَبِطَتْ أعمالهم﴾ خبر والذين ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وهو تكذيب الأحوال بتكذيب الإرسال
﴿واتّخذ قوم موسى من بعده﴾ من بعد ذهابه إلى الطور ﴿من حليّهم﴾ وإنما نسبت إليهم مع أنها كانت عواري في أيديهم لأن الإضافة تكون لأدنى ملابسة وفيه دليل تعلى أن من حلف أن لايدخل دار فلان فدخل داراً استعارها يحنث على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين كما ملكوا غيرها من أملاكهم وفيه دليل على أن الاستيلاء على أموال الكفار يوجب زوال ملكهم عنها نعم المتخذ هو السامري ولكنهم رضوا به فأسند الفعل إليهم والحلي جمع حلى وهو اسم ما يحسن به من الذهب والفضة حليهم حمزة وعلي للإتباع ﴿عجلاً﴾ مفعول اتخذ ﴿جسداً﴾ بدل منه أي بدناً ذا لحم ودم كسائر الأجساد ﴿له خوار﴾ هو صوت البقر والمفعول الثاني محذوف أي إلهاً ثم عجب من عقولهم السخيفة
الأعراف ١٤٠ ١٤٢ فقال ﴿ألم يروا﴾ حين اتخذوه إلهاً ﴿أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلاً﴾ لا يقدر على كلام ولا على هدياة سبيل حتى لا يختاروه على من لو كان البحر مداداً لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفذ كلماته وهو الذي هدى الخلق إلى سبيل الحق بما ركز في العقول من الأدلة وبما أنزل في الكتب
﴿وكانوا ظالمين ولمّا سقط في أيديهم﴾ ولما اشتد ندمهم على عبادة العجل وأصله أن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده غما فتصير يده سقوطا فيها لأن فاه وقع فيها وسقط مسند إلى فى أيديهم وهو من بابا الكناية وقال الزجاج معناه سقط الندم في أيديهم أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال حصل في يده مكروه وإن استحال أن يكون فى اليد تشبيهم لمايحصل في القلب وفي النفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين ﴿ورأوا أنّهم قد ضلّوا﴾ وتبينوا ضلالهم تبيناً كأنهم أبصروه بعيونهم ﴿قالوا لئن لّم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا﴾ لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا حمزة وعلي وانتصاب ربّنا على النداء ﴿لنكوننّ من الخاسرين﴾ المغبونين في الدنيا والآخرة
﴿ولمّا رجع موسى﴾ من الطور ﴿إلى قومه﴾ بنى إسرائيل ﴿غضبان﴾ حال من مسوى ﴿أسفاً﴾ حال أيضاً أي حزيناً ﴿قال بئسما خلفتموني﴾ قمتم مقامي وكنتم خلفائي ﴿من بعدي﴾ والخكطاب لبعدة العجل من السامرى وأشياعه أو لهرون ونم معه من المؤمنين ويدلعليه قوله اخلفني في قومي والمعنى بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله أو حيث لم تكفوا عن عبادة غير الله وفاعل بئس مضمر يفسره ما خلقتمونى والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدى خلافكم ومعنى من بعدي بعد قوله خلفتموني من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله ونفي الشركاء عنه أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأكفهم عن عبادة البقرة حين قالوا اجعل لنا إلها كما لهم ى لهة ومن حق الخفاء أن يسيروا بسيرة المخلف ﴿أعجلتم﴾ أسبقتم بعابدة العجل ﴿أمر ربكم﴾ وهو
الأعراف ١٤٢ ١٤٧ وشامى لأن أصله أمي فحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة وكان ابن أمه وأبيه وإنما ذكر الأم لأنها كانت مؤمنة ولأن ذكرها أدعى إلى العطف ﴿إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني﴾ أي إني لم آل جهداً في كفهم بالوعظ والإنذار ولكنهم استضعفوني وهموا بقتلي ﴿فلا تشمت بي الأعدآء﴾ الذين عبدوا العجل أي لا تفعل بى ما هو أمنيتهم من الاستهاة بي والإساءة إلي ﴿ولا تجعلني مع القوم الظّالمين﴾ أي قريناً لهم بغضبك علي
فلما اتضح له عذر أخيه ﴿قال ربّ اغفر لي ولأخي﴾ ليرضي أخاه وينفي الشماتة عنه باشراكه معه فى الدعاء والمعنى لاغفر لي ما فرط مني في حق أخي وأخى إن كان فرط فى حسن الخفلاة ﴿وأدخلنا في رحمتك﴾ عصمتك في الدنيا وجنتك فى الارخرة ﴿وأنت أرحم الراحمين﴾
﴿إنّ الّذين اتّخذوا العجل﴾ إلهاً ﴿سينالهم غضبٌ مّن رّبّهم﴾ هو ما
﴿والّذين عملوا السّيّئات﴾ من الكفر والمعاصي ﴿ثم تابوا﴾ رجعوا إلى الله ﴿من بعدها وآمنوا﴾ وأخلصوا الإيمان ﴿إنّ ربّك من بعدها﴾ أي السيآت أو التوبة ﴿غفور﴾ لستور علهم محاء لما كان منهم ﴿رّحيمٌ﴾ منعم عليهم بالجنة وإن مع اسمها وخبرها خبر والذين وهذا حكم عام يدخل تحته متخذوالعجل وغيرهم عظم جناتهم أو لا ثم أردفها بعظم رحمته ليعلم أن الذنوب وإن عظمت فعفوه أعظم
ولما كان الغضب لشدته كأنه هو الآمن لموسى بما فعل قيل ﴿ولمّا سكت عن موسى الغضب﴾ وقال الزجاج معناه سكن وقرئ به ﴿أخذ الألواح﴾ التي ألقاها ﴿وفي نسختها﴾ وفيما نسخ منها أي كتب فعلة بمعنى مفعول كالخطبة ﴿هدًى وّرحمةٌ لّلّذين هم لربّهم يرهبون﴾ دخلت اللام لتقدم المفعول وضعف عمل الفعل فيه باعتباره
﴿واختار موسى قومه﴾ أي من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل ﴿سبعين رجلاً﴾ قيل اختار من اثنى عشر سبطا
الأعراف ١٤٧ ١٤٩ من كل سبط ستة فلغوا اثنين وسبعين رجلاً فقال ليتخلف منكم رجلان فقعجد كالب ويوشع ﴿لميقاتنا﴾ لاعتذارهم معن عبادة العجل ﴿فلمّآ أخذتهم الرّجفة﴾ الزلزلة
﴿واكتب لنا﴾ وأثبت لنا واقسم ﴿في هذه الدنيا حسنة﴾ عافية وحياة طيبة وتوفيقا في الطاعة ﴿وفي الآخرة﴾ الجنة ﴿إنّا هدنآ إليك﴾ تبنا إليك وهاد إليه يهود إذا رجع وتاب والهد جمع هائد وهو التائب ﴿قال عذابي﴾ من صفته اتى ﴿أصيب به من أشآء﴾ أي لا أعفو عنه ﴿ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ﴾ أي من صفة رحمتى أنها واسعة تبلغ كل شئء ما من مسلم ولا كافر إلا وعليه أثر رحمتي في الدنيا ﴿فسأكتبها﴾ أي هذه الرحمة ﴿للّذين يتّقون﴾ الشرك من أمة محمد ﷺ ﴿ويؤتون الزكاة﴾ المفروضة ﴿والذين هم بآياتنا﴾ يجميع كتبنا ﴿يؤمنون﴾ لا يكفرون بشئ منها
﴿الذين يتبعون الرسول﴾ الذى نوحى الهي كتاباً مختصاً به وهو القرآن ﴿النّبيّ﴾ صاحب المعجزات ﴿الأمّيّ الّذي يجدونه﴾ أي يجد نعته أولئك الذين يتبعونه من بني إسرائيل {مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم
الأعراف ١٤٩ ١٥١ كالشحوم وغيرها أو ما طاب في الشريعة مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح وما خلا كسبه من السحت ﴿ويحرّم عليهم الخبائث﴾ ما يستخبث كالدم والميتة ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به أو ما خبث في الحكم كالربا والرشوة ونحوهما من المكاسب الخبيثة ﴿ويضع عنهم إصرهم﴾ هو الثقل الذى يأصر صابحه أي يحبسه عن الحراك لثقله والمراد التكاليف الصعبة كقتل النفس في توبتهم وقطع الأعضاء الخاطئة آصارهم شامي على الجمع ﴿والأغلال الّتي كانت عليهم﴾ هي الأحكام الشاقة نحو بت القضاء بالقصاصا عمداً كان أو خطأ من غير شرع الدية وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب واحراق الغنائم وطهور الذنوب على أبواب البيوت وشبهت بالغل للزومها لزوم الغل ﴿فالذين آمنوا به﴾ بمحمد ﷺ ﴿وعزّروه﴾ وعظموه أو منعوه من العدو حتى لا يقوى علهي عدو وأصل العذر المنع ومنع التعزير لأنه منع عن معاودة القبيح كالحد فهو المنع ﴿ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه﴾ أى القرآن ومع متعلق باتبعوا أى واتبعوا القرآن المنزل مع اتباع النى ب والعمل بسنته ﴿أولئك هم المفلحون﴾ الفائزون بكل خير والناجون من كل شر
﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم﴾ بعث كل رسول إلى قومه خاصة وبعث محمد ﷺ إلى كافة الإنس وكافة الجن ﴿جميعاً﴾ حال من اليكم ﴿الذي له ملك السماوات والأرض﴾ في محل النصب بإضمار أعني وهو نصب على المدح ﴿لآ إله إلاّ هو﴾ بدل من الصلة وهى له ملك السموات
﴿ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ﴾ أي يهدون الناس محقين أو بسبب الحق الذي هم عليه ﴿وبه يعدلون﴾ وبالحق يعدلون
الأعراف ١٥٢ ١٥٤ بينهم في الحكم لا يجورون قيل هم قوم وراء الصين آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج أو هم عبد الله بن سلام واضرابه
﴿وقطعناهم﴾ وصيرناهم قطعنا أى فرقا وميزانا بعضهم من بعض ﴿اثنتي عشرة أسباطاً﴾ كقولك اثنتى عشرة قبيلة والأسبط أولاد الولد جمع سبط وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثنتى عشر ولدا من ولد يعقول عليه السلام نعم مميزا ما عدا العشرة مفردة فكان ينبغي أن يقال اثني عشر سبطاً لكن المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة وكل قبيلة أسباط لا سبط فوضع أسباط موضع قبيلة ﴿أمماً﴾ بدل من اثنتي عشرة أي وقطعناهم أمما لأن كل أسبط كانت أمة عظيمة وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى ﴿وأوحينآ إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بّعصاك الحجر﴾ فضرب
﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ﴾ واذكر إذ قيل لهم ﴿اسكنوا هذه القرية﴾ بيت المقدس ﴿فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم﴾ تَغْفِر لَكُمْ مدني وشامي خطيئاتكم مدني خطاياكم أبو عمرو وخطيئتكم شامي ﴿سَنَزِيدُ المحسنين﴾
﴿فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الذى قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مّنَ السماء بما كانوا يظلمون﴾ لا تناقض بين قوله اسكنوا هذه القرية وَكُلُواْ مِنْهَا في هذه السورة وبين قوله في سورة البقرة ادخلوا هذه القرية فكلوا الوجود والسكنى وسواء قدموا الحطة على دخول الباب أو أخروها فهم جامعون بينهما وترك ذكر الرغد لا يناقض إثباته وقوله نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم سنزيد المحسنين موعد بشيئين بالغفران
الأعراف ١٥٥ ١٥٧ وبالزيادة وطرح الواو لا يخل بذلك لأنه استئناف مرتب على قول القائل وماذا بعد الغفران فقيل له ستزيد المحسنين وكذلك
﴿واسألهم﴾ واسأل اليهود ﴿عَنِ القرية﴾ أيلة أو مدين وهذا السؤال للتقريع بقدينم كفرهم ﴿التى كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر﴾ قريبة منه ﴿إذ يعدون في السبت﴾ إذ يتجاوزون حد الله فيه وهو اصطيادهم في يوم السبت وقد نهوا عنه إذ يعهدون في محل الجر بدل من القرية والمراد بالقرية اهلها لكانه قيل واسألهم من أهل القرية وقت عدوانهم في السبت وهو من بدل الاشتمال ﴿إذ تأتيهم﴾ منصوب بيغدون أو يدل بعد بدل ﴿حيتانهم﴾ جمع حوت أتدلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ﴿يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ ظاهرة على وجه الماء جمع شارع حال من الحيتان والسبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بترك الصيد والاشتغال بالتعبد والمعنى إذ يعدون فى تعظيم هذا اليوم وكذا قوله يَوْمَ سَبْتِهِمْ معناه يوم تعظيمهم أمر السبت ويدل عليه ﴿وَيَوْمَ لاَ يسبتون لا تأتيهم﴾ ويم ظرف لاَ تَأْتِيهِمْ ﴿كذلك نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بفسقهم
﴿وإذ قالت﴾ معطوف على إذ يعدون وحمه كحمه فى الإعراب ﴿أمة منهم﴾ تجماعة من صلحاء القرية الذين أيسوا من وعظهم بد ما ركبوا الصعب والذلولو في موعظتهم لآخرين لا يقلعون عن وعظهم ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عذابا شديدا﴾ وإنما قاوال ذلك لعلهم أن الوعظ لا ينفع فيهم ﴿قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى ربكم﴾ أي موعظتنا إبلاء عذر إلى الله لئلا ننسب في
﴿فَلَمَّا نَسُواْ﴾ أي أهل القرية لما تركوا ﴿ما ذكروا به﴾ ماذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه ﴿أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء﴾ من العذاب الشديد ﴿وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ﴾ الراكبين للمنكر والذين قالوا لم تعظون من الناجين فعن الحسن نجت فرقتان وهلكت
الأعراف ١٥٧ ١٦١ فرقة وهم الذين أخذوا الحيتان ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ شديد يقال يؤس يبؤء بأساً إذا اشتد فهو بئيس بِئْسَ شامي بيس مدنى على وزن فيعل أبو بكر غير محاد ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾
﴿فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين﴾ أي جعلناهم قردة أذلاء مبعدين وقيل فلما عتوا تكرير لقلوه فَلَمَّا نَسُواْ والعذاب البئيس هو المسخ قيل صارد الشبان قردة والشيؤهخ خنازير وكانوا يعرفون أقاربهم ويبكون ولا يتكلمونه والجمهور على أنها ماتت عبد ثلاثة أيام وقيل بقيت وتناسلت
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ﴾ أي أعلم وأجرى مجرى فعل القسم ولذا أجيب بما يجاب به القسم وهو قوله ﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ﴾ أي كتب على نفسه ليسقطن على اليهود ﴿إلى يَوْمِ القيامة مَن يَسُومُهُمْ﴾ من توليهم ﴿سُوء العذاب﴾ فكانوا يؤدون الجزية إلى المجوس إلى أن بعث محمد ﷺ فضربها عليهم فلا تزال مضروبة عليهم إلى آخر الدهر ﴿إن ربك لسريع العقاب﴾ للكافر ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ للمؤمنين
﴿وقطعناهم في الأرض﴾ وفرقناهم فيها فلا تخلوا بلد من فرقة
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ من بعد المذكورين ﴿خَلْفٌ﴾ وهم الذين كانوا في زمن رسول الله ﷺ والخلفد البدل السوء بخلاف الخف فهو الصالح ﴿وَرِثُواْ الكتاب﴾ التوراة ووقفوا على ما فيها من الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم ولم يعملوا بها ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى﴾ هو حال من الضمير في وَرِثُواْ والعرض المتاع أى حطام هذ الشئ الأدنى يريد لدينا وما يتمتع به منها من الدنوا بمعنى ى القرب لأنه عاجل قريب والمراد ما كانوا يأخذونه من الزش في الأحكام على تحريف الكلم وفي قوله هذا الأدنى تخسيس وتحقير ﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ لا يؤاخذه الله بما أخذنا والفعل مسند إلى الأخذ أو إلى الجار والمجرور أي لنا ﴿وَإِن يأتهم عرض مثله يأخذوه﴾ الواو للحال
الأعراف ١٦١ ١٦٤ قوله تعالى يرجون المغفر وهم مصرون عائدون إلى مثل فعلهم غير تائبين ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب﴾ أي الميثاق المذكور فى الكتاب ألا يقولون عَلَى الله إِلاَّ الحق أي أخذ عليهم الميثاق فى مكتابهم إلا يقولوا على الله إلا الصدق وهو عطف بيان لميثاق الكتاب ﴿ودرسوا ما فيه﴾ روقرءوا ما فى الكتاب هو عطف على أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم لأنه تقرير فكأنه قيل أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا مافيه ﴿والدار الآخرة خَيْرٌ﴾ من ذلك العرض الخسيس ﴿للذين يتقون﴾ الرشا والمحارم ﴿أفلا يعقلون﴾
﴿والذين يمسكون بالكتاب﴾ يمسكون أبو بكر والامسكاك والتمسيك والتمسك الاعتصام والتعلق بشئ ﴿وَأَقَامُواْ الصلاة﴾ خص الصلاة مع أن التمسك بالكتاب يشتمل على ككل عبادة لانها عما الدين مبتدأ والخبر ﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين﴾ أي إنا لا نضيع أجرهم وجاز أن يكون مجرورا عطفا على الذين يتقون وانا لاَ نُضِيعُ اعتراض
﴿وإذ نتقنا الجبل فوقهم﴾ واذكر إذ قلعناه ورفعناه كقوله ﴿ورفعنا فوقكم الطور﴾ ﴿كأنه ظلة﴾ هى مكل ما أظلك من سقيفة أو سحاب ﴿وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ وعلموا أنه ساقط عليهم وذلك رانهم أبو أن يقبلوا احكام التوارة لغلظها وثقلها فرفع الله الطور على رءوسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخاً في فرسخ وقيل لهم إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم فلما نظروا إلى الجبل خركل رجل منهم ساجداً على حاجبه الأيسر وهو نيظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلى على حاجبيه الأيس ﴿ويقولون﴾ هى السجدة التى رفعت عنها بها العقوبة وقلنا لهم ﴿خذوا ما آتيناكم﴾ من الكتاب ﴿بقوة﴾ وعزم على احتمال مساقة وتكاليفه ﴿واذكروا ما فيه﴾ ر من الأوامر والنواهي ولا تنسوه ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ مما أنتم عليه
﴿وإذ أخذ ربك من بني آدم﴾ أى واذكر إذ أخذ ﴿مِن ظُهُورِهِمْ﴾ بدل من بَنِى آدم والتفسير وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ﴿ذُرّيَّتُهُم﴾ ومعنى أخذ ذرياتهم من ظهورهم إخراجهم من أصلاب آبائهم ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بربكم قالوا بلى شهدنا﴾ هذا من بابا التمثيل ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم التي
الأعراف ١٦٤ ١٦٨ لهم ألست بربكم وكأنهم قالوا بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بواحدانيتك أن بقولوا مفعلو له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشهادة على صحتها العقول كراهة أن يقولوا يَوْمَ القيامة ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافلين﴾ لم تنبه عليه
﴿أَوْ تَقُولُواْ﴾ أو كراهة أن يقولوا ﴿إِنَّمَا أشرك آباؤنا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرّيَّةً مّن بَعْدِهِمْ﴾ فاقتدينا بهم لأن نصب الأدلة على التويحد وما نبهوا عليه قائم معهم فلا غزر لهم في الإعراض عنه والاقتداء بالآباء كما لا عذر لآياتهم فى الشرك ادله التوحيد منصوبة لهم ﴿أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المبطلون﴾ أى كانوا السبب فى شركنا لتأسهسهم فى الشرك وتركه سنة لنا
﴿وكذلك﴾ ومثل ذلك التفصيل البليغ ﴿نُفَصّلُ الآيات﴾ لهم ﴿ولعلهم يرجعون﴾ عن شركهم نصفهلا إلى هذا ذه بالمحققون من أهل التفسير منهم الشيخ أبو منصور والزجاج والزمخشرى وذهب جمهور المفسرين أن أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من ظهر آدم مثل الذر وأخذ عليهم الميثاق انهه ربهم بقوله ألست بربكم فأجابوه بلى قالوا وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها وقال ابن عباس رضى الله عنهما أخرج من ظهر آدم ذرية وأراه اباهم كهيئة الذر وأعطاهم العقل وقال هؤلاء ولدك آخذ عليهم الميثاق أن يعبدوني قيل كان ذلك قبل دخول الجنة بين مكة والطائف وقيل بعد النزول من الجنة وقيل في الجنة والحجة للأولين أنه قال مِن بَنِى آدم مِن ظُهُورِهِمْ ولم يقل من ظهر آدم وأنا لا نتذكر ذلك فأنى يصير حجة ذرياتهم مدني وبصري وشامي أَن تَقُولُواْ أَوْ تَقُولُواْ أبو عمرو
﴿واتل عليهم﴾ على اليهود ﴿نبأ الذي آتيناه آياتنا﴾ هو عالم من
﴿وَلَوْ شِئْنَا لرفعناه﴾ إلى منازل الأبرار من العلماء ﴿بها﴾ بتلك الايت ﴿ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض﴾ مال إلى الدنيا ورغب فيها ﴿واتبع هَوَاهُ﴾ في إيثار الدنيا ولذاتها على الآخرة ونعيمها ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ﴾ أي تزجره وتطرده ﴿يَلْهَثْ أو تتركه﴾ غير مطرود ﴿يلهث﴾ والمعنى فصفعه التي هي مثل في الخسة والضعة كصفة الكلب في أخس أحواله وأذلها وهي حال دوام اللهث به صواء حمل عليه أي شد عليه وهيج فطرد أو ترك غير متعرض له بالجمل عليه وذلك أن سائر الحيوان
الأعراف ١٦٨ ١٧٠ لا يكون منه اللهث إلا إذا حرك أما الكلب فيلهث في الحالين فكان مقتضى الكلام أن يقال ولكنه أخلد إلى الأرض فخططناه ووضعنا منزلته فوضع هذا التمثيل موضع فخططاه أبلغ حط ومحل الجملة الشرطية النصب على الحال كأنه قيل كمثل الكلب ذليلاً دائم الذلة لا هنا في الحالين وقيل لما دعا بلعم على موسى خرج لسنانه فوقع على صدره وجعل يلهث كما يلهث الكلب وقيل معناه هو ضال وعظ أو ترك وعن عطاء من علم ولم يعمل فهو كالكلب ينبح إن طرد أو ترك ﴿ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا﴾ من الهود بع أن قرءوا نعت رسول الله ﷺ فى التوراة وذكر القرآن العجز وما فيه وبشروا الناس باقتراب مبعثه ﴿فاقصص القصص﴾ أي قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيحذرون مثل عاقبته إذا ساروا نحو سيرته
﴿ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا﴾ أى مثل القوم فحذف المضاف وفاعل سَاء مضمر أي ساء المثل مثلاً وانتصاب مَثَلاً على التمييز ﴿وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾ معطوف على كَذَّبُواْ فيدخل في حيز الصلة أي الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم أو منقطع عن الصلة أي وما ظلموا إلا انفسهم بالتكذيب وتقديم المفعول به للاختصاص تة زحصزت أنفسهم بالظلم لم يتعد إلى غيرها
﴿مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدى﴾ حمل على اللفظ ﴿ومن يضلل﴾ أي ومن يضله ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون﴾ حمل على المعنى ولو كان الهدي من الله البيان كما قالت المعتزلة لاستوى الكافر والمؤمن إذ البيان ثابت في حق الفريقين فدل أنه من الله تعالى التوفيق والعصمة والمعونة ولو كان ذلك للكافر لاهتدى كما اهتدى المؤمن
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس﴾ هم الكفار من الفريقين المعرضون عن تدبر آيات الله والله تعالى علم منهم اختيار الكفر فشاء منهم الكفر وخلق فيهم ذلك وجعل مصيرهم تجهنم لذلك ولا تنافي بين هذا وبين قوله وماخلقت الجن والإنس إلا ليغبدون لأنه إنما خلق منهم للعبادة من علم أنه بعديه وانا من علم أنه يكفر به فإنما خلقه لما علم أنه يكون منه فالحاصل أن من علم منه في الأزل أنه يكون منه العبادة خلقه للعبادة ومن علم منه أن يكون منه الكفر خلقه لذلك وكم من عامٍ يراد به الخصوص وقول المعتزلة بأن هذه لام العاقبة أي لما كان عاقبتهم جهنم جعل كأنهم خلقوا لها فراراً عن إرادة المعاصي عدول عن الظاهر ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ الحق ولا يتفكرون فيه ﴿ولهم أعين لا يبصرون بها﴾ الرشدة {ولهم
من الأنعام لأنهم كابروا العقول وعاندوا الرسول وارتكبوا الفضلو فالأنعام تطلب منافعها وتهرب عن مضارها وهم لا يعلمون مضارهم حيث اختاروا الناس وكيف يستوى للمكلف المأمور والمخى ل المعذور فالآدمي روحاني شهواني سماوي أرضي فإن غلب روحه هواه فاق ملائكة السموات وإن غلب هواه روحه فاقته بهائم الأرض ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الغافلون﴾ الكاملون في الغفلة
﴿وَللَّهِ الأسماء الحسنى﴾ التي هي أحسن الأسماء لأنها تدل على معانٍ حسنة فمنها ما يستحقه بحقائقه كالقديم قيل كل شيء والباقي بعد كل شيء والقادر على كل شيء والعالم بكل شيء والواحد الذي ليس كمثله شيء ومنها ما تستحسنه الأنفس لآثارها كالغفور والرحيم والشكور والحليم ومنها ما يوجب التخلق به كالفضل والجبار والمتكبر ﴿فادعوه بِهَا﴾ فسموه بتلك الأسماء ﴿وذروا الذين يلحدون في أسمائه﴾ واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها فيسمونه بغير الأسماء الحسنى وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه نحو أن يقولوا يا سخي يا رفيق لأنه لم يسم نفسه بذلك ومن الإلحاد تسميته بالجسم والجوهر والعقل والعلة يلحدون حمزة لحد الحد مال ﴿سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾
﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا﴾ للجنة لأنه في مقابلة وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ﴿أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ في أحكامهم قيل هم العلماء والدعاة إلى الدين وفيه دلالى ة على إجماع كل عصر حجة
﴿والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم﴾ جهنم سنستدنيهم قليلاً قليلاً إلى ما يهلكهم ﴿مّنْ حيث لا يعلمون﴾ ما يرادبهم وذلك أن يواتر الله نعمه علهم مع أنهماكهم فى الغنى فكلما جدد الله عليهم نعمة ازدادوا بطر وجددوا معصية فيتدرجون في المعاصي بسبب ترادف النعم ظانين أن ترادف النعم أثره من الله تعلى وتقريب وانماا هو خذلان منه وتبعيد وهو استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد أو الاتنزال درجة
﴿وأملي لهم﴾ عطف على سنستدرجهم وهو داخل في حكم السين أي أمهلهم ﴿إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ﴾ أخذي شديد سماه كيداً لأنه شبيه بالكيد من حيث إنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان
ولما نسبوا النبى ﷺ إلى الجنون نزل ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم﴾ محمد عليه السلام وما نافية بعد وقف أي أولم يتفكروا في قولهم ثم نفى عنه الجنون بقوله ما بصاحبهم ﴿مّن جِنَّةٍ﴾ جنون ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ منذر من الله موضع إنذاره
﴿أَوَلَمْ يَنظُرُواْ﴾ نظر استدلال ﴿فِى مَلَكُوتِ السماوات والأرض﴾
الأعراف ١٧٥ ١٧٧ الملكوت الملك العيم ﴿وما خلق الله من شيء﴾ وفميا خلق الله مما يقع عليه اسم الشئ من أجناس لا يحصرها العدد ﴿وَأَنْ عسى﴾ أن ممخففة من الثقيلة وأصله وأنه عسى والضمير ضمير الشأن وهو في موضع الجر بالعطف على ملكوت والمعنى أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى ﴿أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ﴾ ولعلهم يموتون عما قريب فيسارعوا إلى النظر وطلب الحق
﴿مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ﴾ أي يضلله الله ﴿ويذرهم﴾ ببالياء عراقى وبالجزم حمزة وعلى عطكفا على محل فلا هاجى له كأنه قيل من صيضلل الله لا يهده أحد وَيَذَرُهُمْ والرفع على الاستئناف أي وهو يذرهم الباقون بالنون ﴿فِي طغيانهم﴾ كفرهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يتحيرون
ولما سألت اليهود أو قريش عن الساعة متى تكون نزل ﴿يسألونك عن الساعة﴾ هى من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسباها أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق ﴿أَيَّانَ﴾ متى واشتقاقه من أي فعلان منه لأن معناه أي وقت ﴿مرساها﴾ إرساؤها مصدر مثل المدخل بمعنى الإدخال أو وقت إرسائها أي إثباتها والمعنى متى يرسيها الله ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي﴾ أي علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به لم يخبربه أحداً من ملك مقرب ولا نبي مرسل ليكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك ﴿لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ﴾ لا يظهر امرها ولا يكشف خفاء علمها إلا هو توحده ﴿ثقلت في السماوات والأرض﴾ أى كل من أهل ها عليه أو ثقلت فهيا لأن أهلها يخافون شدائدها وأهوالها ﴿لاَ تَأْتِيكُمْ إلا بغتة﴾ فجاة على غفلة منكم ﴿يسألونك كأنك حفي عنها﴾ كأنمك علام بها وحقيقته كأنكم بليغ في السؤال عنها لأن من بالغ فى المسألة عن الشئ والتنقير عنه استحكم علمه فيها وأصل
الأعراف ١٧٧ ١٨٠ عِلْمُهَا عِندَ الله للتأكيد ولزيادة كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا وعلى هذا تكرير العلماء في كتبهم لا يخلون المكرر من فائدة منهم محمد بن الحسن رحمه الله ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أنه المختص بالعلم بها
﴿قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء الله﴾ هو إظهار للعبودية وبراءة عما يختص بالربوبية من علم الغيب أى انا عبد ضعفيف لا أملك لنفى اجتلاب نفع ولا دفع ضرر كالمماليك إلا ما شاء مالكي من النفع لي والدفع عني ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير وَمَا مَسَّنِىَ السوء﴾ أي لكانت حالي على خلاف ما هي عليه من استكثار الخير واجتناب السوء والمضار حتى لا يمسني شيء منها ولم أكن غالباً مرة ومغلوباً اخرى فى الحروب وقيل الغيب لاجل والخير العمل والسوء الوجل وقيل لاستكثربت لاعتددت من الخصب للجدب والسوء الفقر وقد رد ﴿إن أنا إلا نذير وبشير﴾ يتعلق بالنذير والبشير إن أنا إلا عبد أرسلت نذيراً وبشيراً وما من شأنى أن أعلم الغيب واللام في ﴿لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يتعلق بالنذير والبشير لأن النذارة والبشارة إنما ينفعان فيهم أو بالبشير وحده والمتعلق بالنذير محذوف أي إلا نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون
﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة﴾ هي نفس آدم عليه السلام ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ حواء خلقها من جسد آدم من ضلع من أضلاعه ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ ليطمئن ويميل لأن الجنس اميل خصوصا ااذ كان بعضامنه كما يسكنم الإنسان إلى ولده ويبحه محبة نفسه لكونه بضعة منه وذكر ليسكم بعدما أنث فى قوله واحدة وخلق منها زوجها ذهاباً إلى معنى
﴿فلما آتاهما صالحا﴾ أعطاهما ما طلبناه من الولد الصالح السوي ﴿جعلا له شركاء﴾
الأعراف ١٨٠ ١٨٥ أى جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وكذلك ﴿فيما آتاهما﴾ أي آتى أولادهما دليله ﴿فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ حيث جمع الضمير وآدم وحواء بريئان من الشرك ومعن إشراكهم فيما آتاهم الله تسميتهم أولادهم بعبد العزة وعبد مناف وعبد شمس ونحو ذلك مكان عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم أو يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله ﷺ وهم آل قصي أي هو الذي خلقكم من نفس واحدة قصى ودعل من جنسها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوي جعلا له شركاء فيما آتاهما حيث سميا أولادهماولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك شركاً مدني وأبو بكر أى وذوى شرك وهم الشركاء
﴿أيشركون ما لا يخلق﴾ يعني الأصنام ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أجريت الأصنام مجرى اولى العلم بيناء على اعتاقدهم فيها وتسميتهم إياها آلهة والمعنى أيشركون مالاً يقدر على خلق شيء وهم يخلقون لأن الله خالقهم أو الضمير في وَهُمْ يُخْلَقُونَ للعابدين أى أيشركون مالا يخلق شيئا وهم مخلوقا الله فليعبدوا خالقهم أو للعابدين والمعبودين وجمعهم كاولى العمل تغليبا للعابدين
﴿وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ﴾ لعبدتهم ﴿نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾ فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث كالكسر وغيره بل عبدتهم هم الذين يدفعون عنهم
﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ﴾ وإن تدعوا هذه الأصنام ﴿إِلَى الهدى﴾ إلى ما هو هدى ورشاد أو إلى أن يهدوكم أى وان تطبوا منخم كما تطلبون من الله الخير والهدى ﴿لاَ يتبعوكم﴾ اى ل مرادكم وطلبتمكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله لاَ يَتَّبِعُوكُمْ نافع ﴿سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صامتون﴾ عن دعائهم في أنه لا فلاح معهم ولا يجيبونكم والعهدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية لرءوس الآى
﴿إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة ﴿عباد أمثالكم﴾ أى مخلقون مملوكون أمثالكم ﴿فادعوهم﴾ لجلب نفع أو دفع ضر ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ﴾ فليجيبوا ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ في أنهم آلهة
ثم أبطل أن يكونوا عباداً أمثالهم فقال ﴿ألهم أرجل يمشون بها﴾ مشيكم
الأعراف ١٨٥ ١٩٠ ﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا﴾ يتناولون
﴿إِنَّ وَلِيّىَ﴾ ناصري عليكم ﴿الله الذى نَزَّلَ الكتاب﴾ أوحى إلى واعزتى برسلاته ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين﴾ ومن سنته أن ينصر الصالحين من عباده ولا يخذلهم
﴿والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿دونه لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾
﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ ينظرون إليك﴾ يشبهون الناظرين اليك لأنهم صورا أصنامهم بصورة من قلب حدقبه إلى الشئ ينظر إليه ﴿وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ المرئي
﴿خُذِ العفو﴾ هو ضد الجهد أي ما عفا لكم من اخلاق الناس وأفعلاهم ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لاي ينفروا كقوله عليه السلام يسروا ولا تعسروا ﴿وَأْمُرْ بالعرف﴾ بالمعروف والجميل من الأفعال أو هو كل خصلة يرتضيها العقل ويقبلها الشرع ﴿وأعرض عن الجاهلين﴾ ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عليهم وفسرها جبريل عليه السلام
﴿وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ﴾ وإما ينخسنك منه نخس أى بأن يحملك بوسوسته فلى خلافما أمرت به ﴿فاستعذ بالله﴾ ولا تطعه والنزغ النخس كأنه ينخس حين يغريهم على المعاصى وجعل النزغ نازغا كما قيل جدجده أو أريد بنزغ الشيطان اعتراء الغضب كقوله أبى بكر رضى الله عنه أن لى شيطانا يعترينى ﴿إنه سميع﴾ لنزعه ﴿عليم﴾ بدفعه
﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان﴾ طيف مكى وبصرى
الأعراف ١٩٠ ١٩٥ وعلى أى لمة مصدر من قولهم طاف به الخيال يطيف طيفاً وعن أبي عمرو هما واحد وهي الوسوسة وهذا تأكيد لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله عند نزغ الشيطان وأن عادة المتقين إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته ﴿تَذَكَّرُواْ﴾ ما أمر الله به ونهى عنه ﴿فإذا هم مبصرون﴾ فابصورا السدسد ودفعوا وسوسته وحقيقته أن يفروا منه إلى الله فيزدادوا بصيرة من الله بالله
﴿وإخوانهم﴾ وأما إخوان الشياطين الإنس فإن الشياطين ﴿يَمُدُّونَهُمْ فِى الغى﴾ أي يكونون مددا لهم فهي ويعضدونهم يَمُدُّونَهُمْ من الإمداد مدني ﴿ثُمَّ لاَ يقصرون﴾ ثم لا يسمكون عن اغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا وجازان يراد الغخوان الشياطين ويرجع الضمير المتعلق به إلى الجاهلين والاول أوجه لأن غخوانهم في مقابلة الذين اتقوا وإنما جمع الضمير في إخوانهم والشيطان مفرد لأن المراد به الجنس
﴿وإذا لم تأتهم بآية﴾ مقترحة ﴿قالوا لولا اجتبيتها﴾ هلا اجتمعتها أى اختلقتها ما قبلها ﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى﴾ ولست بمقترح لها ﴿هذا بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ﴾ هذا القرآن دلائل تبصركم وجوه الحق ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ به
﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وقيل معناه إذا تلاعليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له وجمهور الصحابة رضى الله عنهم على أنه في استماع المؤتم وقيل في استماع الخطبة وقيل فيهما وهو الأصح
﴿واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ هو عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك ﴿تَضَرُّعًا وَخِيفَةً﴾ متضرعاً وخائفاً ﴿وَدُونَ الجهر من القول﴾ متكلما كلاما دون الجهر لأن الاخافء ادخل فى الاخلاص واقرب إلى حسن التفكير ﴿بالغدو والأصال﴾ لفضل هذين الوقتين وقيل المراد دامة الذكر باستقامة الفكر ومعنى بالغدو بأوقات الغدو وهي الغدوات والآصال جمع أصل والأصل جمع أصيل وهو العشي ﴿وَلاَ تَكُنْ مّنَ الغافلين﴾ من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه
﴿إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ﴾ مكانة ومنزلة لا مكانا ونزلا يعنى الملائكة ﴿لا يستكبرون عن عبادته﴾
الأعراف ١٩٥ تعظمون عنها ﴿وَيُسَبّحُونَهُ﴾ وينزهونه عما لا يليق به ﴿وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنفال ١ ٢