فيها ثلاث آيات
ﰡ
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : الْفَصِيلَةُ فِي اللُّغَةِ عِنْدَهُمْ أَقْرَبُ من الْقَبِيلَةِ، وَأَصْلُ الْفَصِيلَةِ الْقِطْعَةُ من اللَّحْمِ. وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْفَصِيلَةَ من فَصَلَ، أَيْ قَطَعَ، أَيْ مَفْصُولَةٌ كَالْأَكِيلَةِ من أَكَلَ، وَالْأَخِيذَةِ من أَخَذَ ؛ وَكُلُّ شَيْءٍ فَصَلْتَهُ من شَيْءٍ فَهُوَ فَصِيلَةٌ ؛ فَهَذَا حَقِيقَةٌ فِيهِ يَشْهَدُ لَهُ الِاشْتِقَاقُ. وَأَدْنَى الْفَصِيلَةِ الْأَبَوَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :﴿ خُلِقَ من مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ من بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾. وَقَالَ :﴿ وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ من بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ ؛ فَهَذَا هُوَ أَدْنَى الْأَدْنَى، وَلِهَذَا التَّحْقِيقِ تَفَطَّنَ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ وَحَبْرُ الْمِلَّةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَشْهَبُ : سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ﴾ قَالَ : هِيَ أُمُّهُ، فَعَبَّرَ عَنْ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِالْأَصْلِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : هِيَ عَشِيرَتُهُ، وَالْعَشِيرَةُ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَصِيلَةً فَإِنَّ الْفَصِيلَةَ الدَّانِيَةَ هِيَ الْأُمُّ، وَهِيَ أَيْضًا الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :«يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي من عَذَابِ يَوْمَئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ » فَذَكَرَ لِلْقَرَابَةِ مَعْنَيَيْنِ، وَخَتَمَهَا بِالْفَصِيلَةِ الْمُخْتَصَّةِ مِنْهُمْ، وَهِيَ الْأُمُّ.
المسألة الثَّانِيَةُ : إذَا حَبَسَ عَلَى فَصِيلَتِهِ أَوْ أَوْصَى لَهَا فَمَنْ رَاعَى الْعُمُومَ حَمَلَهُ عَلَى الْعَشِيرَةِ، وَمَنْ ادَّعَى الْخُصُوصَ حَمَلَهُ عَلَى الْأُمِّ، وَالْأُولَى أَكْثَرُ فِي النُّطْقِ.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَاللَّيْثُ : هِيَ الْمَوَاقِيتُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : هِيَ النَّوَافِلُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ إنَّهُ النَّفَلُ فَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ فَإِنَّهُ لَا فَرْضَ لِمَنْ لَا نَفْلَ لَهُ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ تُكْمَلُ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ لِلْعَبْدِ من تَطَوُّعِهِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ من النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ». وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :«مَنْ صَلَّى كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ».
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ : فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.