تفسير سورة سورة عبس من كتاب تفسير القرآن العزيز
المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين
.
لمؤلفه
ابن أبي زَمَنِين
.
المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة عبس وهي مكية كلها.
ﰡ
قَوْلُهُ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ أَيْ: لِأَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى؛ كَانَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ رجلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وُجُوهِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ وَرَجَا أَنْ يُؤْمِنَ؛ فَيَتَّبِعَهُ ناسٌ مِنْ قَوْمِهِ فَهُوَ يُكَلِّمُهُ، وَقَدْ طَمِعَ فِي ذَلِكَ مِنْهُ؛ إِذْ جَاءَ ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ أعمى؛ فَأَعْرض النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَجَعَلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لَا يتقارُّ لِمَا أَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيَّ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ فِيهِ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى﴾.
﴿ أن جاءه الأعمى( ٢ ) ﴾ أي : لأن جاءه الأعمى ؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم مع رجل من المشركين من وجوههم وأشرافهم وهو يدعوه إلى الإسلام ورجا أن يؤمن ؛ فيتبعه ناس من قومه فهو يكلمه، وقد طمع في ذلك منه ؛ إذ جاء ابن أم مكتوم وكان أعمى ؛ فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فجعل ابن أم مكتوم لا يتقار لما أعرض عنه النبي مخافة أن يكون حدث فيه شيء، فأنزل الله :﴿ عبس وتولى( ١ ) أن جاءه الأعمى( ٢ ) ﴾.
﴿وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى﴾ يُؤمن
﴿أَو يذكر فتنفعه الذكرى﴾ قَالَ السُّدي: الْمَعْنَى: لَعَلَّهُ: يُزَّكَّى ويذّكّر وَالْألف صلَة
﴿أما من اسْتغنى﴾ عَن الله
﴿فَأَنت لَهُ تصدى﴾ تتعرّض
﴿وَمَا عَلَيْك أَلا يزكّى﴾ أَلا يُؤمن
﴿وَأما من جَاءَك يسْعَى﴾ يُسَارع فِي الْخَيْر
﴿وَهُوَ يخْشَى﴾ اللَّهَ؛ يَعْنِي: ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ
﴿كلا إِنَّهَا تذكرة﴾ أَي: هَذَا الْقُرْآن تذكرة
﴿فَمن شَاءَ ذكره﴾ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَمَا تذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ).
قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (فَتَنْفَعُهُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى الْعَطْفِ عَلَى (تزكّى) وَمن قَرَأَ (فتنفعه) بالنصْب فَعَلَى جَوَابِ (لَعَلَّ) وَقَوْلُهُ: ﴿تلهي﴾ يُقَالُ: لَهيتُ عَنِ الشَّيْءِ أَلْهَى عَنهُ إِذا تشاغلت عَنهُ.
﴿مَرْفُوعَة﴾ عِنْدَ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾ من الدَّنَس
﴿بأيدي سفرة﴾ كَتَبة؛ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة
﴿كرام بررة﴾ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ.
قَالَ محمدٌ: وَاحِدُ السَّفَرة: سافِرٌ مِثْلُ كَاتِبٍ وكَتَبَة، وَيُقَالُ: إِنَّمَا قِيلَ لِلْكِتَابِ: سِفْرٌ وَلِلْكَاتِبِ: سافِرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يُبَيِّن الشَّيْءَ وَيُوَضِّحَهُ، وَمِنْهُ سَفَرَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَشَفَتِ النِّقَاب عَنْ وَجْهِهَا، وَبَرَرَةٌ جَمْعُ بَارٍّ.
قَوْله: ﴿قتل الْإِنْسَان﴾ أَيْ: لُعِنَ؛ وَهَذَا لِلْمُشْرِكِ ﴿مَا أكفره﴾ تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: مَا أشدَّ كُفْرَهُ:
﴿مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً إِلَى أَنْ نفخ فِيهِ الرّوح
﴿ثمَّ السَّبِيل يسره﴾ تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يَعْنِي: خُرُوجَهُ مِنْ بطن أمّه
﴿ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره﴾ جَعَلَ لَهُ مَنْ يَدْفِنُهُ فِي الْقَبْر
﴿ثمَّ إِذا شَاءَ أنشره﴾ أَحْيَاهُ؛ يَعْنِي: الْبَعْثَ؛ أَيْ: كَيْفَ يَكْفُرُ؟! كَقَوْلِهِ:
﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكنتم أَمْوَاتًا﴾ الْآيَةَ.
95
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أقبرتُ الرجلَ جَعَلْتُ لَهُ قَبْرًا، وقَبَرْتُه دَفَنْتُه، وَيُقَالُ: أَنْشَرَ اللهُ الْمَوْتَى فَنَشَرُوا، فواحدهم: ناشِرٌ.
تَفْسِير سُورَة عبس من آيَة (٢٣ - ٤٢)
96
قَالَ: ﴿كلا لما يقْض﴾ أَي: يصنع ﴿مَا أمره﴾ يَعْنِي: الْكَافِرُ لَمْ يَصْنَعْ مَا أمره الله.
ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ فَقَالَ: ﴿فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه﴾ من أَي شَيْء كَانَ
﴿أَنا صببنا المَاء صبا﴾ يَعْنِي: الْمَطَر
﴿ثمَّ شققنا الأَرْض شقا﴾ أَي: بالنبات إِلَى
قَوْله: ﴿وَحَدَائِق غلبا﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: شَجَرًا طُوالاً عراضًا
﴿وَفَاكِهَة وَأَبا﴾ قَالَ الْحَسَنُ: الْفَاكِهَةُ: مَا تَأْكُلُونَ، والأبُّ: مَا تَأْكُل الْأَنْعَام.
﴿مَتَاعا لكم ولأنعامكم﴾ أَي: رزقا إِلَى الْمَوْت
﴿فَإِذا جَاءَت الصاخة﴾ اسْمٌ مِنْ أَسَمَاءِ الْقِيَامَةِ يُصيخُ لَهَا الْخلق من الفَرَقِ.
﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه﴾
قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (يُغْنِيهِ) بِالْغَيْنِ مَنْقُوطَةٌ، فَالْمَعْنَى: يَصْرِفُهُ ويَصُدُّه عَنْ قَرَابَتِهِ، يُقَالُ: أَغْنِ عَنِّي وجهَك؛ أَي اصرفه.
﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ مسفرة﴾ يَعْنِي: ناعمة
﴿ضاحكة مستبشرة﴾ بِرِضَى اللَّهِ.
قَالَ محمدٌ: (مُسْفِرة) حَقِيقَتُهُ: مُضِيئة، يُقَالُ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ إِذا أَضَاء.
﴿ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة﴾
﴿ترهقها قترة﴾ أَي: يَغْشَاهَا سوادٌ
﴿أُولَئِكَ هم الْكَفَرَة الفجرة﴾.
97
تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرت وَهِي مَكِّيَّة كلهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
تَفْسِير سُورَة التكوير من آيَة (١ - ١٤)
98