ﰡ
ثم عظم الرب عز وجل نفسه عن شركهم، فقال سبحانه: ﴿ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ وحده ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾ لقول اليهود والنصارى، عزير ابن الله، والمسيح ابن الله.
﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ ﴾ من الملائكة، وذلك أن العرب، قالوا: إن الله عز وجل شريكاً من الملائكة، فعبدوهم، فأكذبهم الله عز وجل، نظيرها في آخر بني إسرائيل.
﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ [آية: ٢] كما ينبغى أن يخلقه.
﴿ لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً ﴾ ذباباً ولا غيره.
﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ يعنى الآلهة لا تخلق شيئاً، وهى تخلق، ينحتونها بأيديهم، ثم يعبدونها، نظيرها فى مريم، وفى يس، وفى الأحقاف، ثم أخبر عن الآلهة، فقال تعالى: ﴿ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً ﴾ يقول: لا تقدر الآلهة أن تمتنع ممن أراد بها سوءاً ﴿ وَلاَ نَفْعاً ﴾ يقول: ولا تسوق الآلهة إلى أنفسها نفعاً، ثم قال تعالى: ﴿ وَلاَ يَمْلِكُونَ ﴾ يعنى الآلهة ﴿ مَوْتاً ﴾ يعنى أن تميت أحداً، ثم قال عز وجل: ﴿ وَلاَ حَيَـاةً ﴾ يعنى ولا يحيون أحداً يعنى الآلهة ﴿ وَلاَ نُشُوراً ﴾ [آية: ٣] أن تبعث الأموات، فكيف تعبدون من لا يقدر على شىء من هذا، وتتركون عبادة ربكم الذى يملك ذلك كله.
﴿ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ إلى آيتين، فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ ﴾ ﴿ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [آية: ٦] حين لا يعجل عيلهم بالعقوبة.﴿ وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ﴾ [آية: ٧] يعنى رسولاً يصدق محمداً صلى الله عليه وسلم بما جاء.﴿ أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ ﴾ يعنى أو ينزل إليه مال من السماء، فيقسمه بيننا ﴿ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ﴾ يعنى بستاناً ﴿ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾ هذا قول النضر بن الحارث، وعبد الله بن أمية، ونوفل بن خويلد، كلهم من قريش.
﴿ وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ يعنى هؤلاء ﴿ إِن ﴾ يعنى ما ﴿ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ﴾ [آية: ٨] يعنى أنه مغلوب على عقله، فأنزل الله تبارك وتعالى فى قولهم للنبى صلى الله عليه وسلم: إنه يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق:﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ ﴾[الفرقان: ٢٠] يقول: هكذا كان المرسلون من قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ فَضَلُّواْ ﴾ عن الهدى ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٩] يقول: لا يجدون مخرجاً مما قالوا لك بأنك ساحر. ونزل فى قولهم: لولا أنزل، يعنى هلا ألقى، إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها، فقال تبارك وتعالى: ﴿ تَبَارَكَ ٱلَّذِي ﴾ ﴿ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ ﴾ يعنى أفضل من الكنز والجنة فى الدنيا، جعل لك فى الآخرة ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ يقول بينها الأنهار ﴿ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً ﴾ [آية: ١٠] يعنى بيوتاً فى الجنة، وذلك أن قريشاً يسمون بيوت الطين القصور.﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ ﴾ يعنى عز وجل بالقيامة، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالبعث فكذبوه، يقول الله تعالى: ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً ﴾ [آية: ١١] يعنى وقوداً ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ ﴾ السعير، وهى جهنم ﴿ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ يعنى مسيرة مائة سنة ﴿ سَمِعُواْ لَهَا ﴾ من شدة غضبها عليهم ﴿ تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ [آية: ١٢] يعنى آخر نهيق الحمار.﴿ وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا ﴾ يعنى جهنم ﴿ مَكَاناً ضَيِّقاً ﴾ لضيق الرمح فى الزج ﴿ مُّقَرَّنِينَ ﴾ يعنى موثقين فى الحديد قرناء مع الشياطين ﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾ [آية: ١٣] يقول: دعوا عند ذلك بالويل. يقول الخزان: ﴿ لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً ﴾ يعنى ويلاً واحداً ﴿ وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً ﴾ [آية: ١٤] يعنى ويلاً كثيراً، لأنه دائم لهم أبداً.
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ﴾ يعنى يجمعهم، يعنى كفار مكة ﴿ وَ ﴾ يحشر ﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الملائكة ﴿ فَيَقُولُ ﴾ للملائكة: ﴿ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ ﴾ يقول: أنتم أمرتموهم بعبادتكم؟ ﴿ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ ﴾ [آية: ١٧] يقول: أو هم أخطأوا طريق الهدى، فتبرأت الملائكة. فـ ﴿ قَالُواْ سُبْحَانَكَ ﴾ نزهوه تبارك وتعالى أن يكون معه آلهة ﴿ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾ يعنى ما لنا أن نتخذ من دونك ولياً أنت ولينا من دونهم.
﴿ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَ ﴾ متعت ﴿ وَآبَآءَهُمْ ﴾ من قبلهم ﴿ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ ﴾ يقول: حتى تركوا إيماناً بالقرآن ﴿ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً ﴾ [آية: ١٨] يعنى هلكى. يقول الله تعالى لكفار مكة: ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ﴾ الملائكة ﴿ بِمَا تَقُولُونَ ﴾ بأنهم لم يأمروكم بعبادتهم ﴿ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً ﴾ يقول: لا تقدر الملائكة صرف العذاب عنكم ﴿ وَلاَ نَصْراً ﴾ يعنى ولا منعاً يمنعونكم منه ﴿ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ ﴾ يعنى يشرك بالله في الدنيا، فيموت على الشرك ﴿ نُذِقْهُ ﴾ فى الآخرة ﴿ عَذَاباً كَبِيراً ﴾ [آية: ١٩] يعنى شديداً، وكقوله فى بنى إسرائيل: ﴿ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾ يعنى شديداً.﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ لقول كفار مكة للنبى صلى الله عليه وسلم: أنه يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق.
﴿ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾ ابتلينا بعضاً ببعض، وذلك حين أسلم أبو ذر الغفارى، رضى الله عنه، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وصهيب، وبلال، وخباب بن الأرت، وجبر مولى عامر بن الحضرمى، وسالم مولى أبى حذيفة، والنمر بن قاسط، وعامر بن فهيرة، ومهجع بن عبد الله، ونحوهم من الفقراء، فقال أبو جهل، وأمية والوليد، وعقبة، وسهيل، والمستهزءون من قريش: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم من موالينا وأعواننا رذالة كل قبيلة فازدروهم، فقال الله تبارك وتعالى لهؤلاء الفقراء من العرب والموالى: ﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾؟ على الأذى والاستهزاء ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾ [آية: ٢٠] أن تصبروا، فصبروا ولم يجزعوا، فأنزل الله عز وجل فيهم:﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ ﴾على الأذى والاستهزاء من كفار قريش﴿ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ ﴾[المؤمنون: ١١١] يعنى الناجين من العذاب.
﴿ لَوْلاَ ﴾ يعنى هلا ﴿ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ فكانوا رسلاً إلينا.
﴿ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ﴾ فيخبرنا أنك رسول، يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ ﴾ يقول: تكبروا ﴿ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً ﴾ [آية: ٢١] يقول: علوا فى القوم علواً شديداً حين قالوا: أو نرى ربنا، فهكذا العلو فى القول. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ وذلك ان كفار مكة إذا خرجوا من قبورهم، قالت لهم الحفظة من الملائكة عليهم السلام: حرام محرم عليكم أيها المجرمون، أن يكون لكم من البشرى شىء، حين رأيتمونا، كما بشر المؤمنون فى حم السجدة، فذلك قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ يعنى الحفظة من الملائكة للكفار: ﴿ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ [آية: ٢٢] يعنى حراماً محرماً عليكم أيها المجرمون البشارة كما بشر المؤمنون.﴿ وَقَدِمْنَآ ﴾ يعنى وجئنا، ويقال: وعمدنا ﴿ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً ﴾ [آية: ٢٣] يعنى كالغبار الذى يسطع من حوافر الدواب ﴿ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً ﴾ يعنى أفضل منزلاً فى الجنة.
﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾ [آية: ٢٤] يعنى القائلة، وذلك أنه يخفف عنهم الحساب، ثم تقليون من يومهم ذلك فى الجنة مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، فيما يشتهون من التحف والكرامة، فذلك قوله تعالى: ﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾ من مقيل الكفار، وذلك أنه إذا فرغ من عرض الكفار، أخرج لهم عنق من النار يحبط بهم، فذلك قوله فى الكهف:﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾[الكهف: ٢٩]، ثم خرج من النار دخان ظل أسود، فيتفرق عليهم من فوقهم ثلاث فرق، وهم فى السرادق فينطلقون يستظلون تحتها مما أصابهم من حر السرادق، فيأخذهم الغثيان والشدة من حره، وهو أخف العذاب، فيقبلون فيها لا مقيل راحة، فذلك مقيل أهل النار، ثم يدخلون النار أفواجاً أفواجاً.﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ ﴾ يعنى السموات السبع، يقول: عن الغمام وهو أبيض كهيئة الضبابة، لنزول الرب عز وجل، وملائكته، فذلك قوله سبحانه ﴿ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ من السماء إلى الأرض عند انشقاقها ﴿ تَنزِيلاً ﴾ [آية: ٢٥] لحساب الثقلين كقوله عز وجل فى البقرة:﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ ﴾[البقرة: ٢١٠].
﴿ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ ﴾ وحده جل جلاله، واليوم الكفار ينازعونه فى أمره.
﴿ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً ﴾ [آية: ٢٦] يقول: عسر عليهم يومئذ مواطن يوم لشدته القيامة ومشقته، ويهون على المؤمن كأذنى صلاته.
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ ﴾ من الندامة.﴿ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ﴾ يتمنى ﴿ ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٢٧] إلى الهدى ﴿ يٰوَيْلَتَا ﴾ يدعو بالويل، ثم يتمنى، فيقول: يا ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً ﴾ يعنى مية ﴿ خَلِيلاً ﴾ [آية: ٢٨] يعنى يا ليتنى لم أطع فلاناً، يعنى أمية بن خلف، فقتله النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقتل عقبة عاصم بن أبى الأفلح الأنصارى صبراً بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقتل من الأسرى يوم بدر من قريش غيره، والنضر بن الحارث. يقول عقبة: ﴿ لَّقَدْ أَضَلَّنِي ﴾ لقد ردنى ﴿ عَنِ ٱلذِّكْرِ ﴾ يعنى عن الإيمان بالقرآن ﴿ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي ﴾ يعنى حين جاءنى ﴿ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ فى الآخرة ﴿ لِلإِنْسَانِ ﴾ يعنى عقبة ﴿ خَذُولاً ﴾ [آية: ٢٩] يقول: يتبرأ منه، ونزل فيهما:﴿ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾[الزخرف: ٦٧].
﴿ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ﴾ قريشاً ﴿ ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾ [آية: ٣٠] يقول: تركوا الإيمان بهذا القرآن، فهم مجانبون له، يقول الله عز وجل: يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ يعنى وهكذا ﴿ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ نزلت فى أبى جهل وحده، أى فلا يكبرن عليك، فإن الأنبياء قبلك قد لقيت هذا التكذيب من قومهم، ثم قال عز وجل: ﴿ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً ﴾ إلى دينه ﴿ وَنَصِيراً ﴾ [آية: ٣١] يعنى ومانعاً فلا أحد أهدى من الله عز وجل، ولا أمنع منه.
ثم قال عز وجل: ﴿ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ﴾ يخاصمونك به إضمار لقولهم: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة، ونحوه فى القرآن مما يخاصمون به النبى صلى الله عليه وسلم، فيرد الله عز وجل عليهم قولهم، فذلك قوله عز وجل: ﴿ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ ﴾ فيم تخصمهم به ﴿ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾ [آية: ٣٣] يعنى وأحسن تبياناً فترد به خصومتهم. ثم أخبر الله عز وجل بمستقرهم فى الآخرة، فقال سبحانه: ﴿ ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٣٤] يعنى وأخطأ طريق الهدى فى الدنيا من المؤمنين.﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ ﴾ يقول: أعطينا موسى، عليه السلام، التوراة ﴿ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً ﴾ [آية: ٣٥] يعنى معيناً، ثم انقطع الكلام فأخبر الله عز وجل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: ﴿ فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ﴾ يعنى أهل مصر ﴿ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ يعنى الآيات التسع ﴿ فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً ﴾ [آية: ٣٦] يعنى أهلكناهم بالعذاب هلاكاً يعنى الغرق.
﴿ وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً ﴾ [آية: ٣٩] وكلاً دمرنا بالعذاب تدميراً ﴿ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ ﴾ بالحجارة ﴿ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ ﴾ يعنى قرية لوط عليه السلام، كل حجر على قدر كل إنسان.
﴿ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا ﴾؟ فيعتبروا.
﴿ بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً ﴾ [آية: ٤٠] يقول عز وجل: بل كانوا لا يخشون بعثاً، نظيرها فى تبارك الملك:﴿ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ ﴾[الملك: ١٥] يعنى الإحياء.﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً ﴾ [آية: ٤١] صلى الله عليه وسلم نزلت فى أبى جهل لعنه الله، ثم قال أبو جهل: ﴿ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا ﴾ يعنى ليستزلنا عن عبادة آلهتنا.
﴿ لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا ﴾ يعنى تثبتنا ﴿ عَلَيْهَا ﴾ يعنى على عبادتها ليدخلنا فى دينه، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ ﴾ فى الآخرة ﴿ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٤٢] يعنى من أخطأ طريق الهدى أهم أم المؤمنون؟ فنزلت ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ ﴾ وذلك أن الحارث بن قيس السهمى هوى شيئاً فعبده.
﴿ أَفَأَنتَ ﴾ يا محمد ﴿ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ﴾ [آية: ٤٣] يعنى مسيطراً يقول: تريد أن تبدل المشيئة إلى الهدى والضلالة.﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ ﴾ إلى الهدى ﴿ أَوْ يَعْقِلُونَ ﴾ الهدى، ثم شبههم بالبهائم، فقال سبحانه: ﴿ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ ﴾ فى الأكل والشرب لا يلتفتون إلى الآخرة ﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٤٤] يقول: بل هم أخطأ طريقاً من البهائم، لأنها تعرف ربها وتذكره، وكفار مكة لا يعرفون ربهم فيوحدونه.
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ ﴾ يعنى على الظل ﴿ دَلِيلاً ﴾ [آية: ٤٥] تتلوه الشمس فتدفعه، حتى تأتى على الظل كله.﴿ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا ﴾ يعنى الظل ﴿ قَبْضاً يَسِيراً ﴾ [آية: ٤٦] خفيفاً ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِبَاساً ﴾ يعنى سكناً ﴿ وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً ﴾ يعنى الإنسان مسبوتاً لا يعقل كأنه ميت.
﴿ وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً ﴾ [آية: ٤٧] ينتشرون فيه لابتغاء الرزق.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَى ﴾ يعنى يبشر السحاب بالمطر ﴿ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾، يعنى قدام المطر ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ﴾ يعنى المطر ﴿ طَهُوراً ﴾ [آية: ٤٨] للمؤمنين ﴿ لِّنُحْيِـيَ بِهِ ﴾ المطر ﴿ بَلْدَةً مَّيْتاً ﴾ ليس فيه نبت فينبت بالمطر ﴿ وَنُسْقِيَهِ ﴾ بالرياح والمطر ﴿ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً ﴾ فى تلك البلدة ﴿ وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً ﴾ [آية: ٤٩] فى تلك البلدة.﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ﴾ يعنى المطر بين الناس يصرف المطر أحياناً مرة بهذا البلدة، ومرة ببلد آخر، فذلك التصرف ﴿ لِيَذَّكَّرُواْ ﴾ فى صنعه، فيعتبروا فى توحيد الله عز وجل، فيوحده ﴿ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ﴾ [آية: ٥٠] يعنى إلا كفراً بالله تعالى فى نعمه.﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا ﴾ زمانك يا محمد ﴿ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً ﴾ [آية: ٥١] يعنى رسولاً، ولكن بعثناك إلى القرى كلها رسولاً اختصصناك بها ﴿ فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ يعنى كفار مكة، دعوا النبى صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾ يعنى بالقرآن ﴿ جِهَاداً كَبيراً ﴾ [آية: ٥٢] يعنى شديداً.
﴿ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ يعنى تبارك وتعالى خلداً طيباً ﴿ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ يعنى مراً من شدة الملوحة.
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ﴾ يعنى أجلاً ﴿ وَحِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ [آية: ٥٣] يعنى حجاباً محجوباً، فلا يختلطان، ولا يفسد طعم الماء العذب.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً ﴾ يعنى النطفة إنساناً ﴿ فَجَعَلَهُ ﴾ يعنى الإنسان ﴿ نَسَباً وَصِهْراً ﴾ أما النسب فالقرابة له خمس نسوة، أمهاتكم اللاتى أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللائى فى حجوركم من نسائكم، اللائى دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن، فلا جناح عليكم، وحلائل أبنائكم، فهذا من الصهر، ثم قال تعالى: ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ﴾ [آية: ٥٤] على ما أراده.﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الملائكة ﴿ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ فى الآخرة إن عبدوهم ﴿ وَلاَ يَضُرُّهُمْ ﴾ فى الدنيا إذا لم يعبدوهم ﴿ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ ﴾ يعنى أبا جهل ﴿ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً ﴾ [آية: ٥٥] يعنى معيناً للمشركين على ألا يوحدوا الله عز وجل.﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً ﴾ بالجنة ﴿ وَنَذِيراً ﴾ [آية: ٥٦] من النار ﴿ قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ يعنى على الإيمان ﴿ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٥٧] لطاعته.﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ ﴾ وذلك حين دعى النبى صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾ أى بحمد ربك، يقول: واذكر بأمره.
﴿ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾ [آية: ٥٨] يعنى بذنوب كفار مكة، فلا أحد أخبر، ولا أعلم بذنوب العباد من الله عز وجل. ثم عظم نفسه تبارك وتعالى، فقال عز وجل: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾ قبل ذلك ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ جل جلاله ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ [آية: ٥٩] يعنى فاسأل بالله خبيراً يا من تسأل عنه محمداً.﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ﴾ لكفار مكة ﴿ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ ﴾ عز وجل، وذلك" أن أبا جهل قال: يا محمد، إن كنت تعلم الشعر، فنحن عارفون لك، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " الشعر غير هذا، إن هذا كلام الرحمن "، عز وجل، قال أبو جهل: بخ بخ أجل، لعمر الله، إنه لكلام الرحمن الذى باليمامة، فهو يعلمك، قال النبى صلى الله عليه وسلم: " الرحمن هو الله عز وجل، الذى فى السماء ومن عنده يأتى جبريل، عليه السلام ". فقال أبو جهل: يا آل غالب، من يعذرنى من أبن أبى كبشة، يزعم أن ربه واحد، وهو يقول: الله يعلمنى، والرحمن يعلمنى، ألستم تعلمون أن هذين إلهين؟ قال الوليد بن المغيرة، وعتبة، وعقبة: ما نعلم الله والرحمن إلا اسمين، فأما الله فقد عرفناه، وهو الذى خلق ما نرى، وأما الرحمن فلا نعلمه إلا مسيلمة الكذاب، ثم قال: يا ابن أبى كبشة، تدعو إلى عبادة الرحمن الذى باليمامة "فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ ﴾ يعنى صلوا للرحمن ﴿ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ فأنكروه ﴿ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾ يعنى نصلى للذى تأمرنا، يعنون مسيلمة ﴿ وَزَادَهُمْ نُفُوراً ﴾ [آية: ٦٠] يقولك زادهم ذكر الرحمن تباعداً من الإيمان.
﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ ﴾ يعنى السفهاء ﴿ قَالُواْ سَلاَماً ﴾ [آية: ٦٣] يقول: إذا سمعوا الشتم والأذى من كفار مكة من أجل الإسلام ردوا معروفاً.﴿ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ ﴾ بالليل فى الصلاة ﴿ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾ [آية: ٦٤] ﴿ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ [آية: ٦٥] يعنى لازماً لصاحبه لا يفارقه.
﴿ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ [آية: ٦٦] يعنى بئس المستقر وبئس الخلود، كقوله سبحانه:﴿ دَارَ ٱلْمُقَامَةِ ﴾[فاطر: ٣٥] يعنى دار الخلد.
﴿ وَلَمْ يَقْتُرُواْ ﴾ يعنى ولم يمسكوا عن حق.
﴿ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾ [آية: ٦٧] يعنى بين الإسراف والإقتار مقتصداً ﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ ﴾ يعنى لا يعبدون ﴿ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ ﴾ قتلها ﴿ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى بالقصاص ﴿ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ﴾ جميعاً ﴿ يَلْقَ أَثَاماً ﴾ [آية: ٦٨] يعنى جزاؤه، وادياً فى جهنم.﴿ يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ ﴾ يعنى فى العذاب ﴿ مُهَاناً ﴾ [آية: ٦٩] يعنى يهان فيه، نزلت بمكة، فلما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كتب وحشى بن حبيش غلام المطعم عدة ابن نوفل بن عبد المناف، إلى النبى صلى الله عليه وسلم بعد ما قتل حمزة،: هل لى من توبة وقد أشركت وقتلت وزنيت؟ فسكت النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله فيه بعد سنتين. فقال سبحانه: ﴿ إِلاَّ مَن تَابَ ﴾ من الشرك ﴿ وَآمَنَ ﴾ يعنى وصدق بتوحيد الله عز وجل ﴿ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ ﴾ يعنى يحول الله عز وجل ﴿ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ والتبديل من العمل السيىء إلى العمل الصالح ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً ﴾ لما كان فى الشرك ﴿ رَّحِيماً ﴾ [آية: ٧٠] به فى الإسلام، فأسلم وحشى، وكان وحشى قد قتل حمزة بن عبد المطلب عليه السلام يوم أحد، ثم أسلم، فأمره النبى صلى الله عليه وسلم، فخرب مسجد المنافقين، ثم قتل مسيلمة الكذاب باليمامة على عهد أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فكان وحشى يقول: أنا الذى قتلت خير الناس، يعنى حمزة، وأنا الذى قتلت شر الناس، يعنى مسيلمة الكذاب، فلما قبل الله عز وجل توبة وحشى، قال كفار مكة: كلنا قد عمل عمل وحشى، فقد قبل الله عز وجل توبته، ولم ينزل فينا شىء فأنزل الله عز وجل فى كفار مكة:﴿ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾[الزمر: ٣٥] فى الإسلام، يعنى بالإسراف الذنوب العظام الشرك والقتل والزنا، فكان بين هذه الآية:﴿ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ﴾[الفرقان: ٦٨] إلى آخر الآية، وبين الآية التى فى النساء:﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ ﴾[النساء: ٩٣] إلى آخر الآية، ثمانى سنين.﴿ وَمَن تَابَ ﴾ من الشرك ﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً ﴾ [آية: ٧١] يعنى مناصحاً لا يعود إلى نكل الذنب.
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ يعنى والذين إذا وعظوا بآيات القرآن ﴿ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ﴾ [آية: ٧٣] يقول: لم يقفوا عليها صماً لم يسمعوها، ولا عمياناً لم يبصروها، كفعل مشركى مكة، ولكنهم سمعوا وأبصروا وانتفعوا به.﴿ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ يقول: اجعلهم صالحين، فتقر أعيننا بذلك.
﴿ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [آية: ٧٤] يقول: واجعلنا أئمة يقتدى بنا فى الخير.﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً ﴾ [آية: ٧٥] نظيرها فى الزمر:﴿ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ ﴾[الزمر: ٢٠].
قال أبو محمد: سألت أبا صالح عنها، فقال: قال مقاتل: اجعلنانقتدى بصالح أسلافنا، حتى يقتدى بنا من بعدنا، بما صبروا على أمر الله عز وجل، ويلقون فيها تحية، يعنى السلام، ثم قال: وسلاماً يقول: وسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم، ويقال: التسليم من الملائكة عليهم ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا يموتون أبداً ﴿ حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً ﴾ فيها ﴿ وَمُقَاماً ﴾ [آية: ٧٦] يعنى الخلود.﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ ﴾ يقول: ما يفعل بكم ﴿ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ ﴾ يقول: لولا عبادتكم ﴿ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾ النبى صلى الله عليه وسلم، يَعِدُ كفار مكة ﴿ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ﴾ [آية: ٧٧] يلزمكم العذاب ببدر، فقتلوا وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، وعجل الله تعالى بأرواحهم إلى النار، فيعرضون عليها طرفى النهار.