ﰡ
﴿ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ أي هم.﴿ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ ﴾ حيث صاروا من أهل النار.﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ حيث كانوا معهم في النار ولما ذكر خسرانهم أنفسهم وأهليهم ذكر حالهم في جهنم وأنهم من فوتهم ظلل ومن تحتهم ظلل فيظهر أن النار تغشاهم من فوقهم ومن تحتهم وسمي ما تحتهم ظللاً لمقابلة ما فوقهم كما قال تعالى:﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾[العنكبوت: ٥٥] والإِشارة بذلك إلى العذاب أي ذلك العذاب يخوف الله به عباده ليعلموا ما يخلصهم منه ثم ناداهم وأمرهم فقال: يا عباد فاتقون أي اتقوا عذابي.﴿ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا ﴾ قال ابن زيد: نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان وأبي ذر وقال إسحٰق: الإِشارة بها إلى عبد الرحمٰن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير وذلك أنه لما أسلم أبو بكر رضي الله عنه جاؤوه وقالوا له أسلمت قال: نعم وذكرهم بالله تعالى فآمنوا به أجمعهم فنزلت فيهم وهي محكمة في الناس إلى يوم القيامة والطاغوت تقدم الكلام عليه.﴿ أَن يَعْبُدُوهَا ﴾ أي عبادتها وهو بدل اشتمال.﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ ﴾ أي من الله تعالى بالثواب.﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ هم المجتنبون الطاغوت المنيبون إلى الله تعالى وضع الظاهر موضع المعتمر ليدل على أنهم هم وليرتب على الظاهر الوصف وهو الذين يستمعون القول وهو عام في جميع الأقوال.
﴿ فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ﴾ الآية، تقدم في غير آية كون الإِنسان إذا مسه الضر التجأ إلى الله تعالى مع اعتقادهم الأوثان وعبادتها فإِذا أصابتهم شدة نبذوها ودعوا رب السماوات والأرض وهذا يدل على تناقض آرائهم وشدة اضطرابها.﴿ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ ﴾ إشارة إلى مشركي قريش.﴿ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ ﴾ جاء بسين التي هي أقل تنفيساً في الزمان من سوف وهو خبر غيب أبرزه الوجود في يوم بدر وغيره قتل رؤساؤهم حبس عنهم الرزق فلم يمطروا سبع سنين ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم أو لم يعلموا أنه لا قابض ولا باسط إلا الله وحده لا شريك له.﴿ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ ﴾ نزلت في وحشي قاتل حمزة أو في قوم آمنوا عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر معهما ففتنتهم قريش فاقتنعوا وظنوا أن لا توبة لهم فكتب عمر بهذه الآية ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما شدد على الكفار وذكر ما أعد لهم من العذاب وأنهم لو كان لأحدهم ما في الأرض ومثله معه لافتدى به من عذاب الله ذكر ما في إحسانه من غفران الذنوب إذا آمن العبد ورجع إلى الله تعالى وكثيراً تأتي آيات الرحمة مع آيات النقمة ليرجو العبد ويخاف وهذه الآية عامة في كل كافر يتوب ومؤمن عاص يتوب تمحو التوبة ذنبه وقال عبد الله وغيره هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾ عام يراد به ما سوى الشرك وفي قوله: يا عبادي بإِضافتهم إليه وندائهم إقبال وتشريف وأسرفوا على أنفسهم أي بالمعاصي والمعنى أن ضرر تلك الذنوب إنما هو عائد عليهم والنهي عن القنوط يقتضي الأمر بالرجاء وإضافة الرحمة إلى الله تعالى التفات من ضمير التكلم إلى الإِسم الغائب لأن في إضافتها إليه سعة الرحمة إذا أضيفت إلى الله تعالى الذي هو أعظم الأسماء لأنه العالم المحتوي على معاني جميع الأسماء ثم أعاد الإِسم الأعظم وأكد الجملة بأن مبالغة في الوعد بالغفران ثم وصف نفسه بما سبق في الجملتين من الرحمة والغفران بصفتي المبالغة وأكد بلفظ هو المقتضي عند بعضهم الحصر ولما كانت هذه الآية فيها فسحة عظيمة للمسرف أتبعها بأن الإِنابة وهي الربوع مطلوبة مأمور بها ثم توعد من لم يتب بالعذاب حتى لا يبقى المرء كالمهمل من الطاعة والمتكل على الغفران دون إنابة.﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا ﴾ المؤلف منقلبة عن ياء المتكلم وأصله يا حسرتي كما قالوا في يا غلامي يا غلاما فقلبوا الياء ألفاً والجنب الجانب ومستحيل على الله تعالى الجارحة فإِضافة الجنب إليه مجاز.﴿ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ ﴾ لم يكفه أن ضيع طاعة الله تعالى حتى سخر من أهلها ولما كان قوله: لو أن الله هداني وجوابه متضمناً نفى الهداية كأنه قال: ما هداني فقيل له بلى قد جاءتك آياتي مرشدة لك فكذبت.﴿ فَأَكُونَ ﴾ يجوز أن يكون جواب وقد أشربت معنى التمني كأنه قيل تمنيت أن لي كرة فأكون من المحسنين ويجوز أن يكون معطوفاً على كرة كأنه قيل فلو أن لي كرة فكونا من المحسنين ويكون جواب لو محذوف تقديره لنجوت. قال ابن عطية وحق بلى أن تجيء بعد نفي عليه تقرير وقوله بلى جواب لنفي مقدر كان النفس قالت فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر أو قالت: فإِن لم يتبين لي الأمر في الدنيا ونحو هذا انتهى. ليس حق بلى ما ذكر بل حقها ان تكون جواب نفي ثم حمل التقرير على النفي ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب وأجابه بنعم سيبويه نفسه إن أجاب التقرير بنعم اتباعاً لبعض العرب وكذبهم على الله تعالى نسبتهم إليه الباب والصاحبة والولد وشرعهم ما لم يأذن به الله والظاهر أنه عام في الكاذبين على الله تعالى والرؤية هنا من رؤية البصر ووجوههم مسودة جملة في موضع الحال وفيها رد على الزمخشري إذ زعم أن حذف الواو من الجملة الإِسمية المشتملة على ضمير ذي الحال شاذ وتبع في ذلك الفراء وقد أعرب هو هذه الجملة حالاً فكأنه رجع عن مذهبه ذلك وقرىء: وجوههم مسودّة بنصبهما فهو بدل من الذين ومسودة حال كأنه قيل وقرىء وجوه الذين كذبوا على الله في حال اسودادها وقرىء: بمفازتهم على الافراد وبمفازاتهم على الجمع والذين كفروا معطوف على قوله وينجي وإن كانت تلك الجملة إسمية وينجي جملة فعلية إذ صار المعنى وينجي مع ما بعده ويحشر من كفر بآيات الله.﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ ﴾ أفغير منصوب بقوله: أعبد وتأمروني جملة اعتراضية بين الفعل ومعمولة كأنه قيل أعبد غير الله تأمروني بذلك وقرىء تأمروني بإدغام نون الرفع في نون الوقاية قال ابن عطية: وهذا على حذف النون الواحدة وهي الموطئة لياء المتكلم يعني في قراءة من قرأ بحذف النون قال: ولا يجوز حذف النون الأولى وهو لحن لأنها علامة رفع الفعل " انتهى ". في المسئلة خلاف منهم من يقول المحذوفة نون الرفع ومنهم من يقول الوقاية وليس بلحن لأن التركيب متفق عليه والخلاف جرى في أيهما حذف وتختار أنها نون الرفع ويجوز أن يكون تأمروني في موضع الحال أنكر عليهم أن يعبد غير الله آمريه بذلك ولما كان الإِشراك مستحيلاً على من عصمه الله تعالى وجب تأويل قوله: لئن أشركت على حمله على ضمير السامع دون الموحى إليه أي أوحى إلى الرسول عليه السلام لئن أشركت أيها السامع ومضى الخطاب على هذا التأويل ويدل على هذا التأويل وأنه ليس يراجع الخطاب للرسول عليه السلام افراد الخطاب في لئن اشركت إذ لو كان هو المخاطب لكان التركيب لئن أشركتم فيشتمل ضميره وضمير الذين من قبله ويغلب الخطاب.