تفسير سورة غافر

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة غافر من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ

من الآيات التي تستلفت النظر بوجه خاص في مطلع هذه السورة قوله تعالى :﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا، فلا يغررك تقلبهم في البلاد( ٤ ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، فأخذتهم، فكيف كان عقاب( ٥ ) ﴾، ففي هذه الآيات وصف موجز للصراع القائم المستمر بين الحق والباطل، والضلال والهدى، ووصف للمعركة الفاصلة بين الاثنين، وتعريف بأن مآل هذه المعركة دائما إلى غلبة الحق وانهزام الباطل، وبأن العقاب الإلهي يتدخل في نهاية الأمر، ليضع حدا لكذب المكذبين، وجدل المبطلين.
وهاهنا يكشف الحق سبحانه وتعالى النقاب عن حقيقة كبرى قلما يلتفت إليها كثير من الناس، ألا وهي أن جميع ما خلقه الله من العوالم والأكوان، بما فيها من جماد ونبات وحيوان، يدين كله بالطاعة لله، ويسبح بحمده، ولا يجادل في آية من آياته، ما عدا شرذمة كافرة مستهترة من بني الإنسان، هي التي تجادل في آياته، وتقف موقف التحدي لتوجيهاته، وتتبرم بطاعته، وتتصدى لمعصيته، ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾، لكن الله تعالى يطمئن رسوله والمؤمنين في نفس الوقت على أن مصير الشرذمة من الكافرين، الذين يتظاهرون بالكبر والجبروت والاستعلاء، سيكون مصيرا مفجعا ومفزعا، وأن الثمرة الوحيدة التي سيجنونها من جدالهم في آيات الله، وتصديهم للكفر به، عنادا واستكبارا، لن تكون إلا الخيبة والبوار، والهزيمة المرة، في الدنيا أولا، والآخرة ثانيا ﴿ فلا يغررك تقلبهم في البلاد( ٤ ) ﴾، ولقد صدق الله نبيه وعده، عندما انهزم الشرك والمشركون في جزيرة العرب أولا، ثم في غيرها من بقية أطراف العالم ثانيا، وظهر الإسلام على غيره من المعتقدات الباطلة، في كثير من بقاع المعمور، وهاهو لا يزال يشق طريقه المرسوم، إلى أن يتم له النصر والظهور.
وكما مرت في الربع الماضي آية خاصة في خاتمة سورة الزمر، تصف الملائكة وهم حول العرش يسبحون الله ويحمدونه ( ٧٥ ) :﴿ وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ﴾، جاءت في هذا الربع أيضا آية كريمة أخرى تهز أعطاف المؤمنين الصادقين، إذ في هذه الآية تحدث كتاب الله عن حملة العرش من الملائكة، وأنهم- علاوة على كونهم يسبحون بحمده سبحانه - يتطوعون بالاستغفار للذين آمنوا من أهل الأرض وفيها حكى كتاب الله نفس الأدعية التي يدعون بها ربهم وهم في الملأ الأعلى لخير المؤمنين، مما يعطي الدليل القوي على متانة " رابطة الإيمان " التي تجمع بين ملائكة السماء والمؤمنين في الأرض، ويوضح إلى أي حد بلغت درجة التعاطف والتجاوب بين هذين الفريقين من المؤمنين، وذلك قوله تعالى :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به، ويستغفرون للذين آمنوا ﴾، فها هنا يبين كتاب الله لكافة المؤمنين في الأرض أنهم ليسوا غرباء في هذا الكون ولا مجهولين، بل إن لهم إخوانا في الله يفكرون فيهم وفي مصيرهم، من عالم الملائكة والملأ الأعلى، ولا سيما بين حملة العرش المقربين إلى الله، فهاهم الملائكة إخوان المؤمنين يتوجهون إلى الله في أدب وخشوع، طالبين من الله لإخوانهم في الأرض، توبة من " واسع الرحمة " ومغفرة من " واسع العلم "، ممهدين للدعاء، بهذا النداء :﴿ ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ﴾، ثم يدعون لإخوانهم المؤمنين التائبين، الملتزمين للصراط المستقيم، بغفران الذنوب، والنجاة من الكروب، ﴿ فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم( ٧ ) ﴾، ولا يكتفون بهذا الدعاء وحده بل يضيفون إليه دعاء ثانيا يتضمن التماس الوفاء من الله بوعده الصادق، وإدخال المؤمنين إلى جنات عدن وهاهنا لا يقصرون الدعاء على المؤمنين وحدهم، بل يدرجون في دعائهم و يدمجون فيه كل من صلح من آباء المؤمنين، وأزواج المؤمنين، وذريات المؤمنين، سائلين لهم من الله جميعا الرضى والرضوان، والالتحاق بهم في جنات عدن، تتميما للنعمة عليهم، بجمع الشمل في دار البقاء، بعد انتشاره في دار الفناء :﴿ ربنا أدخلهم جنات عدن التي وعدتهم، ومن صلح من -آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، إنك أنت العزيز الحكيم( ٨ ) ﴾.
وقوله تعالى على لسان الملائكة :﴿ ومن صلح ﴾، إخراج لمن لم يكن من الصالحين من آباء المؤمنين أو أزواجهم أو ذرياتهم، فهؤلاء لا يلحقون بهذا الركب في الآخرة، بعدما فارقوه عقيدة وسلوكا، طيلة حياتهم وهم في الدنيا، ﴿ إنه عمل غير صالح ﴾ ( ٤٦ : ١١ )، ﴿ فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ﴾ ( ١٠١ : ٢٣ ).
ويختم حملة العرش من الملائكة دعائهم المستجاب في الملأ الأعلى لخير المؤمنين، بالتضرع إلى الله أن يحول بين هؤلاء وبين ارتكاب السيئات، وأن يحميهم من العثار في مزالقها والسقوط في مهاويها، مبينين أن وقاية الله للمؤمن من ارتكاب السيئات تعد أجل رحمة وأعظم فوز، إذ إن السيئة تدعو إلى مثلها حتى تجر صاحبها إلى الهلاك والبوار، ويكون من أهل النار :﴿ وقهم السيئات، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته، وذلك هو الفوز العظيم( ٩ ) ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وقهم السيئات، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ﴾، يدل على أن المعنى الأصلي المراد من استعمال كلمة " التقوى " هو أن يجعل المؤمن بينه وبين ارتكاب السيئات وممارستها حائلا قويا، وحاجزا حصينا، وأن يتخذ للوقاية منها جميع التدابير.
ويمضي الحديث في هذا الربع من كتاب الله، في وصف ما أعده الله من العقاب والعذاب لمن دعاهم الرسول إلى الإيمان، فأصروا على الكفر والضلال، ووصف ما ينالهم يوم القيامة من مقت الله وخزيه البالغ، علاوة على المقت الذي يشعرون به آنذاك من أنفسهم نحو أنفسهم، من أعماق الأعماق، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم، إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون( ١٠ ) قالوا ربنا أمتنا اثنتين، وأحييتنا اثنتين، فاعترفنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من سبيل( ١١ ) ﴾، لكن لا سبيل لهم إلى الخروج ولا رجاء، وقوله تعالى :﴿ يوم هم بارزون، لا يخفى على الله منهم شيء ﴾، وقوله تعالى :﴿ إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾.
ولابد من وقفة خاصة عندما حكاه كتاب الله على لسان الكافرين الذين كانوا يكذبون بالبعث والدار الآخرة، ثم لما استقروا في دار الجحيم، ﴿ قالوا ربنا أمتنا اثنتين، وأحييتنا اثنتين ﴾، فما معنى الموت مرتين، وما معنى الحياة مرتين، وما هو ترتيب الموتتين والحياتين ؟.
والجواب المأثور في هذا الصدد عن عبد لله ابن مسعود وابن عباس وجملة من مفسري السلف هو أن أحسن تفسير لهذه الآية يؤخذ من نص الآية الثانية والعشرين، الواردة في سورة البقرة، حيث قال تعالى مخاطبا للكافرين محتجا عليهم ( ٢٨ ) :﴿ كيف تكفرون بالله، وكنتم أمواتا، فأحياكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون ﴾، فمعنى ﴿ كنتم أمواتا ﴾، في هذه الآية : كنتم عدما قبل أن يمن الله عليكم بنعمة الإيجاد، على حد قوله تعالى في آية أخرى ( ١ : ٧٦ ) :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ﴾، ومعنى ﴿ فأحياكم ﴾ : أخرجكم من العدم ونفخ فيكم روح الحياة، ومعنى :﴿ ثم يميتكم ﴾ أي : يقبض أرواحكم عند حلول الأجل ومفارقة الدنيا، ومعنى ﴿ ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون ﴾، أي : يبعثكم من مرقدكم يوم القيامة للحساب في دار الجزاء، وبذلك يتضح معنى الموتتين ومعنى الحياتين، وهكذا يكون الموت الأول -على سبيل المجاز- هو العدم السابق قبل الخلق، والموت الثاني بالنسبة إليه هو قبض الروح عند مفارقة الدنيا، وهذا هو أول " موت حقيقي " بعد ممارسة الحياة، وقد نفى كتاب الله الابتلاء به في دار النعيم بعد الابتلاء به في الدنيا، فقال تعالى في سورة الدخان ( ٥٦ ) :﴿ لا يذوقون فيها الموت، إلا الموتة الأولى ﴾، أما الحياة الأولى فهي الخلق والإيجاد بعد العدم، أو الحياة الثانية فهي الإحياء للبعث يوم القيامة، وهذا القول في تفسير الآية هو الذي اختاره ابن عطية، وصححه ابن كثير، ترجيحا لتفسير القرآن بالقرآن.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:ويمضي الحديث في هذا الربع من كتاب الله، في وصف ما أعده الله من العقاب والعذاب لمن دعاهم الرسول إلى الإيمان، فأصروا على الكفر والضلال، ووصف ما ينالهم يوم القيامة من مقت الله وخزيه البالغ، علاوة على المقت الذي يشعرون به آنذاك من أنفسهم نحو أنفسهم، من أعماق الأعماق، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم، إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون( ١٠ ) قالوا ربنا أمتنا اثنتين، وأحييتنا اثنتين، فاعترفنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من سبيل( ١١ ) ﴾، لكن لا سبيل لهم إلى الخروج ولا رجاء، وقوله تعالى :﴿ يوم هم بارزون، لا يخفى على الله منهم شيء ﴾، وقوله تعالى :﴿ إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾.
ولابد من وقفة خاصة عندما حكاه كتاب الله على لسان الكافرين الذين كانوا يكذبون بالبعث والدار الآخرة، ثم لما استقروا في دار الجحيم، ﴿ قالوا ربنا أمتنا اثنتين، وأحييتنا اثنتين ﴾، فما معنى الموت مرتين، وما معنى الحياة مرتين، وما هو ترتيب الموتتين والحياتين ؟.
والجواب المأثور في هذا الصدد عن عبد لله ابن مسعود وابن عباس وجملة من مفسري السلف هو أن أحسن تفسير لهذه الآية يؤخذ من نص الآية الثانية والعشرين، الواردة في سورة البقرة، حيث قال تعالى مخاطبا للكافرين محتجا عليهم ( ٢٨ ) :﴿ كيف تكفرون بالله، وكنتم أمواتا، فأحياكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون ﴾، فمعنى ﴿ كنتم أمواتا ﴾، في هذه الآية : كنتم عدما قبل أن يمن الله عليكم بنعمة الإيجاد، على حد قوله تعالى في آية أخرى ( ١ : ٧٦ ) :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ﴾، ومعنى ﴿ فأحياكم ﴾ : أخرجكم من العدم ونفخ فيكم روح الحياة، ومعنى :﴿ ثم يميتكم ﴾ أي : يقبض أرواحكم عند حلول الأجل ومفارقة الدنيا، ومعنى ﴿ ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون ﴾، أي : يبعثكم من مرقدكم يوم القيامة للحساب في دار الجزاء، وبذلك يتضح معنى الموتتين ومعنى الحياتين، وهكذا يكون الموت الأول -على سبيل المجاز- هو العدم السابق قبل الخلق، والموت الثاني بالنسبة إليه هو قبض الروح عند مفارقة الدنيا، وهذا هو أول " موت حقيقي " بعد ممارسة الحياة، وقد نفى كتاب الله الابتلاء به في دار النعيم بعد الابتلاء به في الدنيا، فقال تعالى في سورة الدخان ( ٥٦ ) :﴿ لا يذوقون فيها الموت، إلا الموتة الأولى ﴾، أما الحياة الأولى فهي الخلق والإيجاد بعد العدم، أو الحياة الثانية فهي الإحياء للبعث يوم القيامة، وهذا القول في تفسير الآية هو الذي اختاره ابن عطية، وصححه ابن كثير، ترجيحا لتفسير القرآن بالقرآن.

ويسجل كتاب الله ما يتميز به الموقف في يوم القيامة من الهول والجلال والسلطان الإلهي المطلق، والعدل الإلهي الكامل، إذ يقول :﴿ فالحكم لله العلي الكبير( ١٢ ) ﴾، ويقول :﴿ لمن الملك اليوم، لله الواحد القهار ﴾، ويقول :﴿ لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب ﴾، ويقول في النهاية :﴿ والله يقضي بالحق، والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء، إن الله هو السميع البصير( ٢٠ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:ويسجل كتاب الله ما يتميز به الموقف في يوم القيامة من الهول والجلال والسلطان الإلهي المطلق، والعدل الإلهي الكامل، إذ يقول :﴿ فالحكم لله العلي الكبير( ١٢ ) ﴾، ويقول :﴿ لمن الملك اليوم، لله الواحد القهار ﴾، ويقول :﴿ لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب ﴾، ويقول في النهاية :﴿ والله يقضي بالحق، والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء، إن الله هو السميع البصير( ٢٠ ) ﴾.

الربع الأخير من الحزب السابع والأربعين
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يعرض القرآن الكريم على أنظار المشركين الذين لا يزالون متمسكين بمعتقدات الجاهلية الأولى ومن ماثلهم نبذة من أحوال الأمم الغابرة، مبينا بعض ما جرى لها من مجريات، ونزل بها من أحداث، وخاصة ما دار في ديارها من صراع عنيف بين دعوة الأنبياء والرسل الذين أرسلوا لهدايتها، ودعاية المتكبرين، والجبارين الضالين، الذين أضلوها وأصروا على التحكم في مصيرها.
وفي نفس الوقت يحض كتاب الله كل باحث عن الحق، متطلع إلى معرفة الحقيقة في أمر النبوات والرسالات، على أن يسير في أرض الله باحثا منقبا لاستكشاف آثار الأمم الغابرة، ومشاهدة البقية الباقية من حضارتها الذاهبة، ففي ذلك العبرة البالغة، والدليل القاطع، على المصير المظلم الذي ينتظر الضالين، والنهاية المخزية التي تصيب الكافرين، وذلك قوله تعالى :﴿ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم، كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم، وما كان لهم من الله من واق( ٢١ ) ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله، إنه قوي شديد العقاب( ٢٢ ) ﴾، ففي هذه الآية وما ماثلها بين الحق سبحانه وتعالى ما أصاب الأمم الغابرة، والحضارات القديمة، من التلاشي والزوال، وما نزل بساحتها من الدمار والاضمحلال، ويؤكد كتاب الله أن أكبر سبب للدمار الذي أصابها، والاضمحلال الذي نزل بها، هو أنها سلكت طريقا مضادا من كل الوجوه، للتوجيه الإلهي الرشيد، الذي جاء به الأنبياء والرسل، ولم تتبع سنة الله التي رسمها لصلاح الخلق ورشادهم في هذه الدنيا، فانقلبت قوتها القاهرة، إلى ضعف وفناء، وأصبحت آثارها الباهرة، عبارة عن أطلال وأشلاء، رغم كل ما بذلته في سبيلها من المال والجهد والعناء، ﴿ وكانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:في بداية هذا الربع يعرض القرآن الكريم على أنظار المشركين الذين لا يزالون متمسكين بمعتقدات الجاهلية الأولى ومن ماثلهم نبذة من أحوال الأمم الغابرة، مبينا بعض ما جرى لها من مجريات، ونزل بها من أحداث، وخاصة ما دار في ديارها من صراع عنيف بين دعوة الأنبياء والرسل الذين أرسلوا لهدايتها، ودعاية المتكبرين، والجبارين الضالين، الذين أضلوها وأصروا على التحكم في مصيرها.
وفي نفس الوقت يحض كتاب الله كل باحث عن الحق، متطلع إلى معرفة الحقيقة في أمر النبوات والرسالات، على أن يسير في أرض الله باحثا منقبا لاستكشاف آثار الأمم الغابرة، ومشاهدة البقية الباقية من حضارتها الذاهبة، ففي ذلك العبرة البالغة، والدليل القاطع، على المصير المظلم الذي ينتظر الضالين، والنهاية المخزية التي تصيب الكافرين، وذلك قوله تعالى :﴿ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم، كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم، وما كان لهم من الله من واق( ٢١ ) ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله، إنه قوي شديد العقاب( ٢٢ ) ﴾، ففي هذه الآية وما ماثلها بين الحق سبحانه وتعالى ما أصاب الأمم الغابرة، والحضارات القديمة، من التلاشي والزوال، وما نزل بساحتها من الدمار والاضمحلال، ويؤكد كتاب الله أن أكبر سبب للدمار الذي أصابها، والاضمحلال الذي نزل بها، هو أنها سلكت طريقا مضادا من كل الوجوه، للتوجيه الإلهي الرشيد، الذي جاء به الأنبياء والرسل، ولم تتبع سنة الله التي رسمها لصلاح الخلق ورشادهم في هذه الدنيا، فانقلبت قوتها القاهرة، إلى ضعف وفناء، وأصبحت آثارها الباهرة، عبارة عن أطلال وأشلاء، رغم كل ما بذلته في سبيلها من المال والجهد والعناء، ﴿ وكانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم ﴾.

وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر : " تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره : " التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة : " أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى يرسله الله إلى فرعون وهامان وقارون، اللذين هما أقرب المقربين إليه، وهاهو فرعون يحاول أن يقتل موسى للتخلص منه، وهاهو موسى يتحصن بالله ويعتصم به، فيعصمه من عدوان فرعون، وها هو فرعون ورجاله يضعون خطة للقضاء على دعوة موسى، بقتل أبناء الذين آمنوا به، حتى لا يبقى لدعوته أي أثر في الجيل الصاعد، وهاهو فرعون يدلس على قومه، مصرا على تضليلهم، محاولا إقناعهم بوجوب التمسك بما هم عليه من المعتقدات الباطلة، والتقاليد الزائفة، مدعيا أمامهم أنه يخاف عليهم من أن يبدل موسى دين أجدادهم، وأن يظهر الفساد في ديارهم، مثيرا بذلك حميتهم، وموقدا نار التعصب في نفوسهم، بل ها هو فرعون يتحدى قدرة الله ساخرا مستهزئا، فيطلب إلى هامان أن يبني له صرحا شامخا، وبرجا مرتفعا في عنان السماء، عسى أن يطرق بيده أبواب السماوات، و " يطلع إلى إله موسى " على حد تعبيره الذي حكاه عنه كتاب الله، إذ إن فرعون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بإله موسى إلها له وللعالمين، فضلا عن أن يعترف بصدق موسى وكونه من المرسلين، وإلى هذه المواقف تشير الآيات التالية :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ( ٢٣ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( ٢٤ ) فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، وَلْيَدْعُ رَبَّه، إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ( ٢٦ ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد ﴾، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).

الربع الأول من الحزب الثامن والأربعين
في المصحف الكريم
لا تزال الآيات البينات تحكي في هذا الربع ذيول قصة موسى وفرعون، وتصف الدور الإيماني الكبير الذي اضطلع به " مؤمن آل فرعون " بعدما كان يكتم إيمانه بموسى ورسالته، فانتقل تدريجيا من مرحلة الكتمان، إلى مرحلة الجهر بالإيمان، وأخذ يوجه النقد اللاذع لما عليه فرعون وقومه من معتقدات باطلة، لا علاقة لها بالحق والصدق، لا من قريب ولا من بعيد، مبينا لهم أن ما يدعونه ويعبدونه من دون الله لا يضر ولا ينفع، وأن التعلق بغير الله محض ضلال وخبال، وذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون بعد ما جهر بإيمانه :﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار، ( ٤١ ) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( ٤٢ ) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( ٤٣ ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ٤٤ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:الربع الأول من الحزب الثامن والأربعين
في المصحف الكريم
لا تزال الآيات البينات تحكي في هذا الربع ذيول قصة موسى وفرعون، وتصف الدور الإيماني الكبير الذي اضطلع به " مؤمن آل فرعون " بعدما كان يكتم إيمانه بموسى ورسالته، فانتقل تدريجيا من مرحلة الكتمان، إلى مرحلة الجهر بالإيمان، وأخذ يوجه النقد اللاذع لما عليه فرعون وقومه من معتقدات باطلة، لا علاقة لها بالحق والصدق، لا من قريب ولا من بعيد، مبينا لهم أن ما يدعونه ويعبدونه من دون الله لا يضر ولا ينفع، وأن التعلق بغير الله محض ضلال وخبال، وذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون بعد ما جهر بإيمانه :﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار، ( ٤١ ) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( ٤٢ ) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( ٤٣ ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ٤٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:الربع الأول من الحزب الثامن والأربعين
في المصحف الكريم
لا تزال الآيات البينات تحكي في هذا الربع ذيول قصة موسى وفرعون، وتصف الدور الإيماني الكبير الذي اضطلع به " مؤمن آل فرعون " بعدما كان يكتم إيمانه بموسى ورسالته، فانتقل تدريجيا من مرحلة الكتمان، إلى مرحلة الجهر بالإيمان، وأخذ يوجه النقد اللاذع لما عليه فرعون وقومه من معتقدات باطلة، لا علاقة لها بالحق والصدق، لا من قريب ولا من بعيد، مبينا لهم أن ما يدعونه ويعبدونه من دون الله لا يضر ولا ينفع، وأن التعلق بغير الله محض ضلال وخبال، وذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون بعد ما جهر بإيمانه :﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار، ( ٤١ ) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( ٤٢ ) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( ٤٣ ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ٤٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:الربع الأول من الحزب الثامن والأربعين
في المصحف الكريم
لا تزال الآيات البينات تحكي في هذا الربع ذيول قصة موسى وفرعون، وتصف الدور الإيماني الكبير الذي اضطلع به " مؤمن آل فرعون " بعدما كان يكتم إيمانه بموسى ورسالته، فانتقل تدريجيا من مرحلة الكتمان، إلى مرحلة الجهر بالإيمان، وأخذ يوجه النقد اللاذع لما عليه فرعون وقومه من معتقدات باطلة، لا علاقة لها بالحق والصدق، لا من قريب ولا من بعيد، مبينا لهم أن ما يدعونه ويعبدونه من دون الله لا يضر ولا ينفع، وأن التعلق بغير الله محض ضلال وخبال، وذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون بعد ما جهر بإيمانه :﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار، ( ٤١ ) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( ٤٢ ) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( ٤٣ ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ٤٤ ) ﴾.

ثم يشير كتاب الله إلى العناية الإلهية التي عصمت " مؤمن آل فرعون " من أذى فرعون ومكره، كما عصمت موسى من قبله، فلم تمتد إليه يد فرعون بالقتل والتعذيب، بينما تعرض فرعون ورجاله لعقاب الله وعذابه، فكانوا مضرب الأمثال لمن بعدهم من أهل الكبر والجبروت، وذلك قوله تعالى عن مؤمن آل فرعون أولا :﴿ فوقاه الله سيئات ما مكروا ﴾، وعن آل فرعون ثانيا :﴿ وحاق بآل فرعون سوء العذاب( ٤٥ ) ﴾.
وقوله تعالى :﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ( ٤٦ ) ﴾، يستفاد منه أمران :
الأمر الأول : أن فرعون وآله ممن كذبوا موسى ولم يؤمنوا برسالته يعذبون باستمرار، عقابا لهم من الله، فأرواحهم تعرض على النار صباحا ومساء منذ عوقبوا بالغرق إلى قيام الساعة.
الأمر الثاني : أنه إذا قامت القيامة ووقع النشر والحشر والحساب فإن الحق سبحانه وتعالى يأمر خزنة جهنم بأن يدخلوا فرعون وآله أشد العذاب ألما، وأعظمه نكالا، جزاء وفاقا. قال ابن كثير في تفسيره : " وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور، وهي قوله تعالى :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ﴾، ثم بين ابن كثير : أن هذه الآية إنما دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا في البرزخ، وليس فيها دلالة على اتصال تألمهما بأجسادها في القبور، إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح، فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ وتألمه بسببه فلم تدل عليه إلا السنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك، حتى يبعثك الله عز وجل إليه يوم القيامة "، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر.
ويصف كتاب الله – بمناسبة ذكره لقصة موسى وفرعون – ما يكون عليه يوم القيامة حال الأقوياء الضالين المضلين، وحال الضعفاء من أتباعهم المستضعفين، حيث يحتج الأتباع على المتبوعين والمرءوسون على الرؤساء، طالبين منهم أن يتحملوا عنهم بعض أثقالهم، وأن يقوموا مقامهم في أخذ نصيبهم من العقاب والعذاب، إذ إنهم ذهبوا ضحية تضليلهم، وفريسة إغوائهم، لكن كبرائهم الذين استكبروا عن قبول دعوة الحق يجيبونهم صاغرين محزونين، معتذرين لهم بأنهم هم أيضا لهم نصيبهم من النار، بل إن نصيبهم من العذاب أكبر وأشد، على قدر ضلالهم في أنفسهم وإضلالهم لغيرهم، إذ كانوا قدوة سيئة " فالمرء في ميزان أتباعه " ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " كما قال عليه الصلاة والسلام، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ( ٤٧ ) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا : إِنَّا كُلٌّ فِيهَا، إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ( ٤٨ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:ويصف كتاب الله – بمناسبة ذكره لقصة موسى وفرعون – ما يكون عليه يوم القيامة حال الأقوياء الضالين المضلين، وحال الضعفاء من أتباعهم المستضعفين، حيث يحتج الأتباع على المتبوعين والمرءوسون على الرؤساء، طالبين منهم أن يتحملوا عنهم بعض أثقالهم، وأن يقوموا مقامهم في أخذ نصيبهم من العقاب والعذاب، إذ إنهم ذهبوا ضحية تضليلهم، وفريسة إغوائهم، لكن كبرائهم الذين استكبروا عن قبول دعوة الحق يجيبونهم صاغرين محزونين، معتذرين لهم بأنهم هم أيضا لهم نصيبهم من النار، بل إن نصيبهم من العذاب أكبر وأشد، على قدر ضلالهم في أنفسهم وإضلالهم لغيرهم، إذ كانوا قدوة سيئة " فالمرء في ميزان أتباعه " ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " كما قال عليه الصلاة والسلام، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ( ٤٧ ) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا : إِنَّا كُلٌّ فِيهَا، إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ( ٤٨ ) ﴾.
ثم تنتقل الآيات الكريمة للحديث عن بعض المفارقات التي تبرز بين المعذبين في النار، فها هم أولئك الذين كانوا طيلة حياتهم يسخرون من الإيمان والمؤمنين، ويستهزئون بالرسالة والرسل، ويكفرون بالله أو يشركون به غيره، يعودون في دار العذاب إلى صوابهم، ويدركون ما هم عليه من الضعف والهوان، لكن بعد فوات الأوان، ويمدون يد الضراعة إلى " خزنة جهنم " أنفسهم، طالبين منهم صالح الدعاء، عسى أن يخفف الله عنهم العذاب ولو يوما واحدا، إلا أن " خزنة جهنم " يوجهون إليهم سؤال استفسار واستنكار في وقت واحد، إذ يسألونهم عن الرسل هل جاءوهم بالبينات ؟ هل بلغوهم الرسالة أم لا ؟ فلا يسع ضيوف جهنم أي إنكار أو استنكار، بل يعترفون بأن الرسل قد بلغوا رسالاتهم عن الله كاملة غير منقوصة، وحينئذ يأمر خزنة جهنم أولئك المعذبين أن يتولوا الدعاء لأنفسهم بأنفسهم، ويرفضون الدعاء لهم، إذ لا يستطيعون التدخل في شأنهم، ولا الشفاعة فيهم لتخفيف العذاب، وهم يعرفون مسبقا أن دعاء الكافرين الذين لم يتوبوا من كفرهم - وهم في حياتهم - لا يقبل ولا يستجاب، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ( ٤٩ ) قَالُوا : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ. قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ( ٥٠ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:ثم تنتقل الآيات الكريمة للحديث عن بعض المفارقات التي تبرز بين المعذبين في النار، فها هم أولئك الذين كانوا طيلة حياتهم يسخرون من الإيمان والمؤمنين، ويستهزئون بالرسالة والرسل، ويكفرون بالله أو يشركون به غيره، يعودون في دار العذاب إلى صوابهم، ويدركون ما هم عليه من الضعف والهوان، لكن بعد فوات الأوان، ويمدون يد الضراعة إلى " خزنة جهنم " أنفسهم، طالبين منهم صالح الدعاء، عسى أن يخفف الله عنهم العذاب ولو يوما واحدا، إلا أن " خزنة جهنم " يوجهون إليهم سؤال استفسار واستنكار في وقت واحد، إذ يسألونهم عن الرسل هل جاءوهم بالبينات ؟ هل بلغوهم الرسالة أم لا ؟ فلا يسع ضيوف جهنم أي إنكار أو استنكار، بل يعترفون بأن الرسل قد بلغوا رسالاتهم عن الله كاملة غير منقوصة، وحينئذ يأمر خزنة جهنم أولئك المعذبين أن يتولوا الدعاء لأنفسهم بأنفسهم، ويرفضون الدعاء لهم، إذ لا يستطيعون التدخل في شأنهم، ولا الشفاعة فيهم لتخفيف العذاب، وهم يعرفون مسبقا أن دعاء الكافرين الذين لم يتوبوا من كفرهم - وهم في حياتهم - لا يقبل ولا يستجاب، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ( ٤٩ ) قَالُوا : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ. قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ( ٥٠ ) ﴾.
ويعقب كتاب الله على ما يتعرض له الأنبياء والرسل ومن آمن بهم من المحن والمتاعب، مبينا ما ينالهم في النهاية، بعد الثبات والصبر، من الفوز المبين، والنصر المكين، إذ يقول الحق سبحانه وتعالى في صيغة من التأكيد لا تأكيد فوقها :﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد( ٥١ ) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار( ٥٢ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:ويعقب كتاب الله على ما يتعرض له الأنبياء والرسل ومن آمن بهم من المحن والمتاعب، مبينا ما ينالهم في النهاية، بعد الثبات والصبر، من الفوز المبين، والنصر المكين، إذ يقول الحق سبحانه وتعالى في صيغة من التأكيد لا تأكيد فوقها :﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد( ٥١ ) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار( ٥٢ ) ﴾.
وتناولت آيات هذا الربع بالإشارة ذكر موسى عليه السلام، وذكر بني إسرائيل قبل أن ينحرفوا ويحرفوا، فقال تعالى :﴿ ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا إسرائيل الكتاب( ٥٣ ) هدى وذكرى لأولي الألباب( ٥٤ ) ﴾. ثم اتجهت الآيات الكريمة إلى مجابهة منكري البعث الذي يصرون على إنكاره دون حجة ولا برهان، كبرا منهم عن الانقياد للحق، فقال تعالى :﴿ إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، إن في صدورهم إلا كبر ﴾، وتعبيرا عن ما تمنى به مخططاتهم من خيبة وفشل، قال تعالى في نفس السياق :﴿ ما هم ببالغيه ﴾، وأتبعه بقوله :﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٥٧ ) ﴾. إشارة إلى أن خلق السماوات والأرض أكبر مما يستغربون منه ويتعجبون من أمره، وهو بعث الناس وخلقهم مرة أخرى بعد أن صاروا رميما، على أن هذه الآية تتضمن في نفس الوقت حقيقة كونية كبرى هي تحديد " مركز الإنسان " بالنسبة إلى بقية الأكوان، حتى لا يداخله الزهو والغرور، ولا يضع مقادته بيد الشيطان " الغرور ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:وتناولت آيات هذا الربع بالإشارة ذكر موسى عليه السلام، وذكر بني إسرائيل قبل أن ينحرفوا ويحرفوا، فقال تعالى :﴿ ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا إسرائيل الكتاب( ٥٣ ) هدى وذكرى لأولي الألباب( ٥٤ ) ﴾. ثم اتجهت الآيات الكريمة إلى مجابهة منكري البعث الذي يصرون على إنكاره دون حجة ولا برهان، كبرا منهم عن الانقياد للحق، فقال تعالى :﴿ إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، إن في صدورهم إلا كبر ﴾، وتعبيرا عن ما تمنى به مخططاتهم من خيبة وفشل، قال تعالى في نفس السياق :﴿ ما هم ببالغيه ﴾، وأتبعه بقوله :﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٥٧ ) ﴾. إشارة إلى أن خلق السماوات والأرض أكبر مما يستغربون منه ويتعجبون من أمره، وهو بعث الناس وخلقهم مرة أخرى بعد أن صاروا رميما، على أن هذه الآية تتضمن في نفس الوقت حقيقة كونية كبرى هي تحديد " مركز الإنسان " بالنسبة إلى بقية الأكوان، حتى لا يداخله الزهو والغرور، ولا يضع مقادته بيد الشيطان " الغرور ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:وتناولت آيات هذا الربع بالإشارة ذكر موسى عليه السلام، وذكر بني إسرائيل قبل أن ينحرفوا ويحرفوا، فقال تعالى :﴿ ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا إسرائيل الكتاب( ٥٣ ) هدى وذكرى لأولي الألباب( ٥٤ ) ﴾. ثم اتجهت الآيات الكريمة إلى مجابهة منكري البعث الذي يصرون على إنكاره دون حجة ولا برهان، كبرا منهم عن الانقياد للحق، فقال تعالى :﴿ إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، إن في صدورهم إلا كبر ﴾، وتعبيرا عن ما تمنى به مخططاتهم من خيبة وفشل، قال تعالى في نفس السياق :﴿ ما هم ببالغيه ﴾، وأتبعه بقوله :﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٥٧ ) ﴾. إشارة إلى أن خلق السماوات والأرض أكبر مما يستغربون منه ويتعجبون من أمره، وهو بعث الناس وخلقهم مرة أخرى بعد أن صاروا رميما، على أن هذه الآية تتضمن في نفس الوقت حقيقة كونية كبرى هي تحديد " مركز الإنسان " بالنسبة إلى بقية الأكوان، حتى لا يداخله الزهو والغرور، ولا يضع مقادته بيد الشيطان " الغرور ".
وقوله تعالى :﴿ ادعوني أستجب لكم ﴾، معناه أستجب لكم إن شئت، بدليل قوله تعالى في آية أخرى :﴿ بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ﴾ ( ٤١ : ٦ )، والاستجابة تكون إما بنفس الشيء، وإما بما هو خير منه، وتكون عاجلة كما تكون آجلة، ومفتاح الدعاء : الحاجة والاضطرار، وشرطه : الأكل من الحلال، وقد تكون الاستجابة بصرف السوء عن الداعي، قال عليه السلام : " ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله تعالى إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " رواه الترمذي والحاكم.
ومضى كتاب الله يعرض على الإنسان جملة من آياته الكونية، وبراهينه الفطرية، متحدثا عن تعاقب الليل والنهار، الذي جعله الله موافقا لنظام حياة الإنسان كل الموافقة، وعن تكوين السماء والأرض، المطابق لتكوين الإنسان والمستجيب لاحتياجاته كل المطابقة، فقال تعالى :﴿ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ﴾ وقال تعالى :﴿ الله الذي جعل الأرض قرارا والسماء بناء ﴾.
ونظرا لما يتعرض له الإنسان، ويسيطر عليه من الغفلة والنسيان، ذكره كتاب الله بما أسبغ عليه من النعم، وما منحه من واسع الكرم، فقال تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لذو فضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون( ٦١ ) ﴾، وقال تعالى :﴿ وصوركم فأحسن صوركم، ورزقكم من الطيبات ﴾، وفي هذا الخطاب الموجه بالخصوص إلى الناس، من " رب الناس ملك الناس " غاية الإكرام والتكريم، لمن جعله الله خليفة في الأرض وأنزل عليه الذكر الحكيم، وقال في حقه :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾.
وجاء مسك الختام مطابقا لما يوحي به المقام، فقال تعالى :﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( ٦٤ ) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين( ٦٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦١:ومضى كتاب الله يعرض على الإنسان جملة من آياته الكونية، وبراهينه الفطرية، متحدثا عن تعاقب الليل والنهار، الذي جعله الله موافقا لنظام حياة الإنسان كل الموافقة، وعن تكوين السماء والأرض، المطابق لتكوين الإنسان والمستجيب لاحتياجاته كل المطابقة، فقال تعالى :﴿ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ﴾ وقال تعالى :﴿ الله الذي جعل الأرض قرارا والسماء بناء ﴾.
ونظرا لما يتعرض له الإنسان، ويسيطر عليه من الغفلة والنسيان، ذكره كتاب الله بما أسبغ عليه من النعم، وما منحه من واسع الكرم، فقال تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لذو فضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون( ٦١ ) ﴾، وقال تعالى :﴿ وصوركم فأحسن صوركم، ورزقكم من الطيبات ﴾، وفي هذا الخطاب الموجه بالخصوص إلى الناس، من " رب الناس ملك الناس " غاية الإكرام والتكريم، لمن جعله الله خليفة في الأرض وأنزل عليه الذكر الحكيم، وقال في حقه :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾.
وجاء مسك الختام مطابقا لما يوحي به المقام، فقال تعالى :﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( ٦٤ ) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين( ٦٥ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦١:ومضى كتاب الله يعرض على الإنسان جملة من آياته الكونية، وبراهينه الفطرية، متحدثا عن تعاقب الليل والنهار، الذي جعله الله موافقا لنظام حياة الإنسان كل الموافقة، وعن تكوين السماء والأرض، المطابق لتكوين الإنسان والمستجيب لاحتياجاته كل المطابقة، فقال تعالى :﴿ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ﴾ وقال تعالى :﴿ الله الذي جعل الأرض قرارا والسماء بناء ﴾.
ونظرا لما يتعرض له الإنسان، ويسيطر عليه من الغفلة والنسيان، ذكره كتاب الله بما أسبغ عليه من النعم، وما منحه من واسع الكرم، فقال تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لذو فضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون( ٦١ ) ﴾، وقال تعالى :﴿ وصوركم فأحسن صوركم، ورزقكم من الطيبات ﴾، وفي هذا الخطاب الموجه بالخصوص إلى الناس، من " رب الناس ملك الناس " غاية الإكرام والتكريم، لمن جعله الله خليفة في الأرض وأنزل عليه الذكر الحكيم، وقال في حقه :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾.
وجاء مسك الختام مطابقا لما يوحي به المقام، فقال تعالى :﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( ٦٤ ) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين( ٦٥ ) ﴾.

الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعين في المصحف الكريم
في هذا الربع يتجدد الحديث عن جملة من الحقائق الإيمانية، تثبيتا لها في النفوس، وتركيزا لها في العقول :
من جملتها قصة حياة الإنسان، ووصف نشأته الأولى وتطوره في مختلف الأطوار.
ومن جملتها وصف حالة الأنبياء والرسل، وما يعترض طريقهم من العقبات، وما يلزمهم في سبيل إبلاغ الرسالة الإلهية من العزم والثبات والصبر، وما يؤول إليه أمرهم من الفوز والغلبة والنصر.
ومن جملتها ما يحل بساحة المعاندين الذين يجادلون في آيات الله ويتحدون رسله، من الهلاك والدمار في دار الدنيا، وما يحاولونه في آخر ساعة من تدارك للإيمان، بعد فوات الأوان، ﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا، سنة الله التي قد خلت في عباده، وخسر هنالك الكافرون ﴾.
ومن جملتها ما ينتظر المكذبين بالله وكتبه ورسله من الوعيد الشديد في الدار الآخرة، ﴿ فإذا جاء أمر الله قضي بالحق، وخسر هنالك المبطلون( ٨٥ ) ﴾.
وأول آية من هذا الربع هي خطاب من الله تعالى لنبيه يلقن فيها رسوله كيف ينبغي له أن يرد على المشركين، مسفها سعيهم لحمله على مهادنة الشرك وعدم التعرض لعبادة الأصنام والأوثان، وقاطعا لهم كل أمل في الإبقاء على المعتقدات الزائغة التي يدينون بها، والتقاليد الزائفة التي يقدسونها، وهذه الآية تتضمن في نفس الوقت بيان السبب الرئيسي الذي من أجله أشهر الرسول عليه الصلاة والسلام حربا شعواء على الشرك والمشركين، فقد أنزل الله عليه من البينات الصارخة، والحجج القارعة، منذ اختاره رسولا إلى العالمين، ما يهدم صروح الشرك، ويدك قلاع المشركين، وقد أمره الله أن يحرر البشرية كلها من أغلال الشرك بالله، وأن يعيدها إلى فطرتها الأولى، وهي الإسلام والاستسلام لله، ﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ﴾ ( ٣٠ : ٣٠ )، وذلك قوله تعالى مخاطبا لنبيه وملقنا :﴿ قل : إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين( ٦٦ ) ﴾.
وتأتي آية أخرى تذكر الغافلين من بني الإنسان- وما أكثرهم- بما لله من أسرار وآثار في نشأتهم الأولى ونشأتهم الآخرة، وما يتقلبون فيه من حالات وأطوار، قبل خروجهم من بطون أمهاتهم وحلولهم بهذه الدار، إذ إنهم على الرغم من مشاهدتهم لقصة الحياة والموت على مر الأيام، وعلى الرغم من عجزهم البالغ أمام هذه القصة السرمدية، المتكررة في كل لحظة وثانية، وعلى الرغم من جهلهم الفاضح بأسرارها وأطوارها، وبدايتها ونهايتها، لا يتذكرون ولا يعتبرون، وفي آيات الله البارزة، وحججه البالغة، لا يزالون يجادلون، وذلك قوله تعالى :﴿ هو الذي خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم يخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدكم، ثم لتكونوا شيوخا، ومنكم من يتوفى من قبل، ولتبلغوا أجلا مسمى، ولعلكم تعقلون( ٦٧ ) هو الذي يحيي، ويميت، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن، فيكون( ٦٨ ) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون( ٦٩ ) ﴾.
وقوله تعالى في نفس هذه الآية :﴿ ولعلكم تعقلون ﴾ بعد قوله :﴿ ولتبلغوا أجلا مسمى ﴾ وقبل قوله :﴿ هو الذي يحيي ويميت ﴾ فيه إشارة صريحة إلى أن الإنسان متى فكر في مراحل نشأته وحياته وموته بعقل يقظ، وبصيرة نافذة، عرف الله حق المعرفة، وآمن به حق الإيمان، وأحس من أعماق قلبه أنه عاجز أمام القوة الإلهية لا يستطيع لتصرفها ردا ولا دفعا، وأنه مدين لها بكل ملكاته وجوارحه، وبجميع النعم التي يتقلب فيها، وأن الله قد أحسن إليه وفيه صنعا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:وتأتي آية أخرى تذكر الغافلين من بني الإنسان- وما أكثرهم- بما لله من أسرار وآثار في نشأتهم الأولى ونشأتهم الآخرة، وما يتقلبون فيه من حالات وأطوار، قبل خروجهم من بطون أمهاتهم وحلولهم بهذه الدار، إذ إنهم على الرغم من مشاهدتهم لقصة الحياة والموت على مر الأيام، وعلى الرغم من عجزهم البالغ أمام هذه القصة السرمدية، المتكررة في كل لحظة وثانية، وعلى الرغم من جهلهم الفاضح بأسرارها وأطوارها، وبدايتها ونهايتها، لا يتذكرون ولا يعتبرون، وفي آيات الله البارزة، وحججه البالغة، لا يزالون يجادلون، وذلك قوله تعالى :﴿ هو الذي خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم يخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدكم، ثم لتكونوا شيوخا، ومنكم من يتوفى من قبل، ولتبلغوا أجلا مسمى، ولعلكم تعقلون( ٦٧ ) هو الذي يحيي، ويميت، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن، فيكون( ٦٨ ) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون( ٦٩ ) ﴾.
وقوله تعالى في نفس هذه الآية :﴿ ولعلكم تعقلون ﴾ بعد قوله :﴿ ولتبلغوا أجلا مسمى ﴾ وقبل قوله :﴿ هو الذي يحيي ويميت ﴾ فيه إشارة صريحة إلى أن الإنسان متى فكر في مراحل نشأته وحياته وموته بعقل يقظ، وبصيرة نافذة، عرف الله حق المعرفة، وآمن به حق الإيمان، وأحس من أعماق قلبه أنه عاجز أمام القوة الإلهية لا يستطيع لتصرفها ردا ولا دفعا، وأنه مدين لها بكل ملكاته وجوارحه، وبجميع النعم التي يتقلب فيها، وأن الله قد أحسن إليه وفيه صنعا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:وتأتي آية أخرى تذكر الغافلين من بني الإنسان- وما أكثرهم- بما لله من أسرار وآثار في نشأتهم الأولى ونشأتهم الآخرة، وما يتقلبون فيه من حالات وأطوار، قبل خروجهم من بطون أمهاتهم وحلولهم بهذه الدار، إذ إنهم على الرغم من مشاهدتهم لقصة الحياة والموت على مر الأيام، وعلى الرغم من عجزهم البالغ أمام هذه القصة السرمدية، المتكررة في كل لحظة وثانية، وعلى الرغم من جهلهم الفاضح بأسرارها وأطوارها، وبدايتها ونهايتها، لا يتذكرون ولا يعتبرون، وفي آيات الله البارزة، وحججه البالغة، لا يزالون يجادلون، وذلك قوله تعالى :﴿ هو الذي خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم يخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدكم، ثم لتكونوا شيوخا، ومنكم من يتوفى من قبل، ولتبلغوا أجلا مسمى، ولعلكم تعقلون( ٦٧ ) هو الذي يحيي، ويميت، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن، فيكون( ٦٨ ) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون( ٦٩ ) ﴾.
وقوله تعالى في نفس هذه الآية :﴿ ولعلكم تعقلون ﴾ بعد قوله :﴿ ولتبلغوا أجلا مسمى ﴾ وقبل قوله :﴿ هو الذي يحيي ويميت ﴾ فيه إشارة صريحة إلى أن الإنسان متى فكر في مراحل نشأته وحياته وموته بعقل يقظ، وبصيرة نافذة، عرف الله حق المعرفة، وآمن به حق الإيمان، وأحس من أعماق قلبه أنه عاجز أمام القوة الإلهية لا يستطيع لتصرفها ردا ولا دفعا، وأنه مدين لها بكل ملكاته وجوارحه، وبجميع النعم التي يتقلب فيها، وأن الله قد أحسن إليه وفيه صنعا.

وفي هذا الربع آية كريمة لا بد من الوقوف عندها وقفة خاصة، ذلك أن طائفة كبيرة من الناس بلغ بها الكبر والأنانية إلى حد أن تستغرق حياتها في المتع واللذات، وتستنفذ طاقتها في الجري وراء الشهوات، فهي لا تفكر في الليل أو النهار، إلا في قضاء ما لذ وطاب من مختلف الأوطار، ناسية ما وراء ذلك من الواجبات والتبعات، والحقوق التي عليها نحو الله ونحو الناس، حتى إذا ما حان حينها، ووافاها الأجل، أدركت أنها لم تتزود بأي زاد، ووجدت رصيدها في حالة يرثى لها من الخسران والإفلاس، وإلى هذه الطائفة التي بلغت الغاية في الغفلة والتغفيل، ومن شابهها من الأنانيين والمتكبرين، يشير قوله تعالى :﴿ ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق، وبما كنتم تمرحون( ٧٥ ) أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، فبيس مثوى المتكبرين( ٧٦ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:وفي هذا الربع آية كريمة لا بد من الوقوف عندها وقفة خاصة، ذلك أن طائفة كبيرة من الناس بلغ بها الكبر والأنانية إلى حد أن تستغرق حياتها في المتع واللذات، وتستنفذ طاقتها في الجري وراء الشهوات، فهي لا تفكر في الليل أو النهار، إلا في قضاء ما لذ وطاب من مختلف الأوطار، ناسية ما وراء ذلك من الواجبات والتبعات، والحقوق التي عليها نحو الله ونحو الناس، حتى إذا ما حان حينها، ووافاها الأجل، أدركت أنها لم تتزود بأي زاد، ووجدت رصيدها في حالة يرثى لها من الخسران والإفلاس، وإلى هذه الطائفة التي بلغت الغاية في الغفلة والتغفيل، ومن شابهها من الأنانيين والمتكبرين، يشير قوله تعالى :﴿ ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق، وبما كنتم تمرحون( ٧٥ ) أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، فبيس مثوى المتكبرين( ٧٦ ) ﴾.
وأمامنا آية أخرى تعتبر أكبر عدة لدعاة الحق، الصابرين المصابرين من الأنبياء والرسل وأتباعهم الصادقين، ومضمونها الدعوة إلى الثبات على الحق، وإلى التفاني في نشره ونصره، والدفاع عنه مهما كلف من التضحيات والمتاعب، وهي في آن واحد تجديد لعهد الله القاطع، بنصر من نصره، وتأكيد لوعده الصادق، بغلبة أهل الحق وهزيمة أهل الباطل، وهي في نفس الوقت بشارة من الله لجنده، بأنهم سيجنون بعض ثمرات جهدهم وهم على قيد الحياة، وأنهم سيرون انتصار الحق وزهوق الباطل رأي العين، وذلك قوله تعالى في خطابه لنبيه، ولكل من سار على نهجه القويم في حمل الأمانة :﴿ فاصبر إن وعد الله حق، فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون( ٧٧ ) ﴾، وكما حقق الله وعده، ونصر جنده فيما مضى، فدان بدينه العرب والعجم، ودخلت فيه عدة شعوب وأمم، فسيحقق وعده فيما يستقبل من الأيام، وسيظهر الله دينه الحق في مشارق الأرض ومغاربها، وسيحفظ ( ذكره الحكيم ) إلى أن يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
Icon