تفسير سورة المدّثر

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة المدثر
مكية وآياتها ٥٦ نزلت بعد المزمل

سورة المدثر
مكية وآياتها ٥٦ نزلت بعد المزمّل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة المدثر) يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ وزنه متفعل ومعناه الذي تدثر في كساء أو ثياب وتسميته بذلك كتسميته بالمزمل، حسبما ذكرنا في موضعه. وقال السهيلي: في ندائه بالمدثر ثلاثة فوائد:
الاثنتان اللتان ذكرنا في المزمل وفائدة ثالثة وهي أن العرب يقولون: النذير العريان، للنذير الذي يكون في غاية الجد والتشمير، والنذير بالثياب ضد هذا، فكأنه تنبيه على ما يجب من التشمير، وقيل: إن هذه أول سورة نزلت من القرآن: والصحيح أن سورة اقرأ نزلت قبلها قُمْ فَأَنْذِرْ أي أنذر الناس وهذه بعثة عامة وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أي عظّمه ويحتمل أن يريد قول: الله أكبر ويؤيد ذلك ما روي عن أبي هريرة أن المسلمين قالوا: بم نفتتح صلاتنا فنزلت: وربك فكبر وقوله: وربك فكبر: من المقلوب الذي يقرأ طردا وعكسا من أوله وآخره وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه حقيقة في تطهير الثياب من النجاسة واختلف في هذا هل يحمل على الوجوب، فتكون إزالة النجاسة واجبة أو على الندب فتكون سنة، والآخر أنه يراد به الطهارة من الذنوب والعيوب، فالثياب على هذا مجاز، الثالث: أن معناه لا تلبس الثياب من مكسب خبيث وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ «١» فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أن الرجز الأوثان، روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول عائشة، والآخر أن الرجز السخط والعذاب وهذا أصله في اللغة، فمعناه اهجر ما يؤدي إليه ويوجبه، الثالث: أنه المعاصي والفجور، قال بعضهم كل معصية رجز وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ يحتمل قوله: تَمْنُنْ أن يكون بمعنى العطاء أو بمعنى المنّ وهو ذكر العطاء وشبهه، أو بمعنى الضعف فإن كان بمعنى العطاء ففيه وجهان، أحدهما: أن معناه لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه، قال بعضهم: هذا خاص بالنبي ﷺ ومباح لأمّته، والآخر: لا تعط الناس عطاء وتستكثره، لأن الكريم يستقل ما يعطي وإن كثيرا، وإن كان من المنّ بالشيء ففيه وجهان،
(١). قرأ حفص والرّجز بضم الراء والباقون بكسر الراء.
﴿ قم فأنذر ﴾ أي : أنذر الناس وهذه بعثة عامة.
﴿ وربك فكبر ﴾ أي : عظمه ويحتمل أن يريد قول الله أكبر ويؤيد ذلك ما روي : عن أبي هريرة أن المسلمين قالوا بم نفتتح صلاتنا فنزلت :﴿ وربك فكبر ﴾ وقوله :﴿ وربك فكبر ﴾ : من المقلوب الذي يقرأ من أوله وآخره.
﴿ وثيابك فطهر ﴾ فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه حقيقة في تطهير الثياب من النجاسة واختلف في هذا هل يحمل على الوجوب فتكون إزالة النجاسة واجبة أو على الندب فتكون سنة.
والآخر : أنه يراد به الطهارة من الذنوب والعيوب فالثياب على هذا مجاز.
الثالث : أن معناه لا تلبس الثياب من مكسب خبيث.
﴿ والرجز فاهجر ﴾ فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الرجز الأوثان، روي : ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول عائشة. والآخر : أن الرجز السخط والعذاب وهذا أصله في اللغة فمعناه اهجر ما يؤدي إليه ويوجبه. الثالث : أنه المعاصي والفجور، قال بعضهم : كل معصية رجز.
﴿ ولا تمنن تستكثر ﴾ يحتمل قوله :﴿ تمنن ﴾ أن يكون بمعنى : العطاء أو بمعنى : المن وهو ذكر العطاء وشبهه، أو بمعنى : الضعف فإن كان بمعنى العطاء ففيه وجهان.
أحدهما : أن معناه لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه، قال بعضهم : هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ومباح لأمته.
والآخر : لا تعط الناس عطاء وتستكثره، لأن الكريم يستقل ما يعطي وإن كثيرا، وإن كان من المن بالشيء ففيه وجهان :
الأول : لا تمنن على الناس بنبوتك تستكثر بأجر أو مكسب تطلبه.
الثاني : لا تمنن على الله بعملك تستكثر أعمالك وتقع لك بها إعجاب وإن كان من الضعف فمعناه لا تضعف عن تبليغ الرسالة وتستكثر ما حملناك من ذلك.
الأول: لا تمنن على الناس بنبوتك تستكثر بأجر أو مكسب تطلبه، الثاني: لا تمنن على الله بعملك تستكثر أعمالك وتقع لك بها إعجاب، وإن كان من الضعف فمعناه لا تضعف عن تبليغ الرسالة وتستكثر ما حملناك من ذلك
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ أي اصبر لوجهه وطلب رضاه، ويحتمل أن يريد الصبر على المكاره والمصائب، أو على إذاية الكفار له، أو على العبادة فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ يعني نفخ في الصور، ويحتمل أن يريد النفخة الأولى والثانية.
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً هذا وعيد وتهديد، ونزلت الآية في الوليد بن المغيرة باتفاق، وفي معنى وَحِيداً ثلاثة أقوال: أحدها: روي أنه كان يلقب الوحيد، أي لا نظير له في ماله وشرفه، وكونه وحيدا نعمة عددها الله عليه، الثاني: أن معناه خلقته منفردا ذليلا، الثالث: أن معناه خلقته وحدي فوحيدا على هذا من صفة الله تعالى، وإعرابه على هذا حال من الضمير الفاعل في قوله خلقت وهو على القولين الأولين حال من الضمير المفعول وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً أي كثيرا، واختلف في مقداره فقيل: ألف دينار، وقيل عشرة آلاف دينار، وقيل: يعني الأرض لأنها مدت وَبَنِينَ شُهُوداً أي حضورا، وروي أنه كان له عشرة من الأولاد، وقيل: ثلاث عشرة لا يفارقونه. وأسلم منهم ثلاثة وهم: خالد وهشام وعمار وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً أي بسطت له في الدنيا بالمال والقوة وطيب العيش ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ أي يطمع في الزيادة على ما أعطاه الله، وهذا غاية الحرص كَلَّا زجر عما طمع فيه من الزيادة عَنِيداً أي معاندا مخالفا، والآيات هنا يراد بها القرآن لأن الوليد قال فيه:
إنه سحر، ويحتمل أن يريد الدلائل سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً الصعود العقبة الصعبة، وروي عن النبي ﷺ أنها عقبة في جهنم، كلما صعدها الإنسان ذاب ثم يعود، فالمعنى سأشق عليه بتكليفه الصعود فيها.
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ أي فكر فيما يقول، وقدر في نفسه ما يقول في القرآن أي: هيّأ كلامه، روي أن الوليد سمع القرآن فأعجبه وكاد يسلم، ودخل إلى أبي بكر الصديق فعاتبه أبو جهل، وقال له: إن قريشا قد أبغضتك لمقاربتك أمر محمد، وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في كلام محمد قولا يرضيهم، فافتتن وقال: أفعل ذلك ثم فكر فيما يقول في القرآن فقال: أقول شعر ما هو شعر، أقول كهانة ما هو بكهانة، أقول إنه سحر وإنه قول البشر ليس منزلا من عند الله فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ دعاء عليه وذم، وكرره تأكيدا لذمه وتقبيح حاله، قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون مقتضاه استحسان منزعه الأول حين أعجبه القرآن، فيكون قوله: قتل لا يراد به الدعاء عليه، وإنما هو كقولهم: قاتل الله فلانا ما أشجعه، يريدون التعجب من حاله واستعظام وصفه، وقال الزمخشري: يحتمل أن يكون ثناء عليه
﴿ فإذا نقر في الناقور ﴾ يعني : نفخ في الصور، ويحتمل أن يريد النفخة الأولى والثانية.
﴿ ذرني ومن خلقت وحيدا ﴾ هذا وعيد وتهديد، ونزلت الآية في الوليد بن المغيرة باتفاق، وفي معنى وحيدا ثلاثة أقوال :
أحدها : روي : أنه كان يلقب الوحيد، أي : لا نظير له في ماله وشرفه وكونه وحيدا نعمة عددها الله عليه.
الثاني : أن معناه خلقته منفردا ذليلا.
الثالث : أن معناه خلقته وحدي فوحيدا على هذا من صفة الله تعالى وإعرابه على هذا حال من الضمير الفاعل في قوله :﴿ خلقت ﴾ وهو على القولين الأولين حال من الضمير المفعول.
﴿ وجعلت له مالا ممدودا ﴾ أي : كثيرا، واختلف في مقداره فقيل : ألف دينار، وقيل : عشرة آلاف دينار، وقيل : يعني الأرض لأنها مدت.
﴿ وبنين شهودا ﴾ أي : حضورا، وروي أنه كان له عشرة من الأولاد، وقيل : ثلاثة عشرة لا يفارقونه، وأسلم منهم ثلاثة وهم : خالد وهشام وعمار.
﴿ ومهدت له تمهيدا ﴾ أي : بسطت له في الدنيا بالمال والقوة وطيب العيش.
﴿ ثم يطمع أن أزيد ﴾ أي : يطمع في الزيادة على ما أعطاه الله، وهذا غاية الحرص.
﴿ كلا ﴾ زجر عما طمع فيه من الزيادة ﴿ عنيدا ﴾ أي : معاندا مخالفا، والآيات هنا يراد بها القرآن لأن الوليد قال فيه : إنه سحر، ويحتمل أن يريد الدلائل.
﴿ سأرهقه صعودا ﴾ الصعود العقبة الصعبة، وروي :" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها عقبة في جهنم كلما صعدها الإنسان ذاب ثم يعود "، فالمعنى سأشق عليه بتكليفه الصعود فيها.
﴿ إنه فكر وقدر ﴾ أي : فكر فيما يقول، وقدر في نفسه ما يقول في القرآن أي : هيأ كلامه، روي : أن الوليد سمع القرآن فأعجبه وكاد يسلم، ودخل إلى أبى بكر الصديق فعاتبه أبو جهل، وقال له : إن قريشا قد أبغضتك لمقاربتك أمر محمد وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في كلام محمد قولا يرضيهم، فافتتن وقال : أفعل ذلك ثم فكر فيما يقول في القرآن فقال : أقول شعر ما هو شعر، أقول كهانة ما هو بكهانة، أقول إنه سحر وإنه قول البشر ليس منزلا من عند الله.
﴿ فقتل كيف قدر ﴾ دعاء عليه وذم وكرره تأكيدا لذمه وتقبيح حاله قاله ابن عطية : ويحتمل أن يكون مقتضاه استحسان منزعه الأول حين أعجبه القرآن، فيكون قوله قتل لا يراد به الدعاء عليه وإنما هو كقولهم قاتل الله فلانا ما أنجعه يريدون التعجب من حاله واستعظام وصفه، وقال الزمخشري : يحتمل أن يكون ثناء عليه على طريقة الاستهزاء أو حكاية لقول قريش تهكما بهم.
على طريقة الاستهزاء أو حكاية لقول قريش تهكما بهم
ثُمَّ نَظَرَ أي نظر في قوله ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ البسور هو تقطيب الوجه وهو أشد من العبوس، وفعل ذلك من حسده للنبي ﷺ أي عبس في وجهه عليه الصلاة والسلام، أو عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول ثُمَّ أَدْبَرَ أي أعرض عن الإسلام سِحْرٌ يُؤْثَرُ أي ينقل عمن تقدم وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ تعظيم لها وتهويل لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ مبالغة في وصف عذابها، أي لا تدع غاية من العذاب إلا أذاقته إياها أو لا تبقي شيئا ألقي فيها إلا أهلكته وإذا أهلك لم تذره هالكا بل يعود للعذاب لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ معنى لوّاحة مغيّرة يقال: لوّحه السفر إذا غيره والبشر جمع بشرة وهي الجلدة، فالمعنى أنها تحرق الجلود وتسودها وقيل: لواحة من لاح إذا ظهر، والبشر الناس أي تلوح للناس، وقال الحسن: تلوح لهم من مسيرة خمسمائة عام.
تِسْعَةَ عَشَرَ يعني الزبانية خزنة جهنم فقيل: هم تسعة عشر ملكا وقيل: تسعة عشر صفا من الملائكة والأول أشهر وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً سبب الآية أنه لما نزل عليها تسعة عشر قال أبو جهل: أيعجز عشرة منكم عن واحد من هؤلاء التسعة عشر أن يبطشوا به، فنزلت الآية ومعناها أنهم ملائكة لا طاقة لكم بهم وروي أن الواحد منهم يرمي بالجبل على الكفار وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي جعلناهم هذا العدد ليفتتن الكفار بذلك ويطمعوا أن يغلبوهم ويقولون ما قالوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي ليعلم أهل التوراة والإنجيل أن ما أخبر به محمد ﷺ من عدد ملائكة النار حق لأنه موافق لما في كتبهم وَلا يَرْتابَ أي لا يشك الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ أن ما قاله محمد ﷺ حق، فإن قيل: كيف نفى عنهم الشك بعد أن وصفهم باليقين والمعنى واحد، وهو تكرار؟
فالجواب أنه لما وصفهم باليقين نفى عنهم أن يشكوا فيما يستقبل بعد يقينهم الحاصل الآن، فكأنه وصفهم باليقين في الحال والاستقبال، وقال الزمخشري ذلك مبالغة وتأكيد وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ المرض عبارة عن الشك، وأكثر ما يطلق الذين في قلوبهم مرض على المنافقين. فإن قيل: هذه السورة مكية ولم يكن حينئذ منافقون وإنما حدث المنافقون بالمدينة، فالجواب من وجهين أحدهما أن معناه يقول المنافقون إذا حدثوا ففيه إخبار بالغيب، والآخر أن يريد من كان بمكة من أهل الشك. وقولهم: ماذا أراد الله بهذا مثلا: استبعاد لأن يكون هذا من عند الله وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ يحتمل القصد بهذا وجهين أحدهما وصف جنود الله بالكثرة أي: هم من كثرتهم لا يعلمهم إلا الله، والآخر رفع اعتراض الكفار
﴿ ثم نظر ﴾ أي : نظر في قوله.
﴿ ثم عبس وبسر ﴾ البسور هو تقطيب الوجه وهو أشد من العبوس، وفعل ذلك من حسده للنبي صلى الله عليه وسلم أي : عبس في وجهه علية الصلاة والسلام، أو عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول.
﴿ ثم أدبر ﴾ أي : أعرض عن الإسلام.
﴿ سحر يؤثر ﴾ أي : ينقل عمن تقدم.
﴿ وما أدراك ما سقر ﴾ تعظم لها وتهويل.
﴿ لا تبقي ولا تذر ﴾ مبالغة في وصف عذابها أي : لا تدع غاية من العذاب إلا أذاقته إياها أو لا يبقى شيء ألقي فيها إلا أهلكته وإذا أهلك لم تذره هالكا بل يعود للعذاب.
﴿ لواحة للبشر ﴾ معنى لواحة مغيرة يقال : لوحه للسفر إذا غيره والبشر جمع بشرة وهي الجلدة، فالمعنى أنها تحرق الجلود وتسودها، وقيل : لواحة من لاح إذا ظهر والبشر الناس أي : تلوح للناس، وقال الحسن : تلوح لهم من مسيرة خمسمائة عام.
﴿ تسعة عشر ﴾ يعني : الزبانية خزنة جهنم فقيل : هم تسعة عشر ملكا، وقيل : تسعة عشر صفا من الملائكة والأول أشهر.
﴿ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ﴾ سبب الآية أنه لما نزل ﴿ عليها تسعة عشر ﴾ قال أبو جهل : أيعجز عشرة منكم عن واحد من هؤلاء التسعة عشر أن يبطشوا به، فنزلت الآية ومعناها أنهم ملائكة لا طاقة لكم بهم وروي : أن الواحد منهم يرمي بالجبل على الكفار.
﴿ وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ﴾ أي : جعلناهم هذا العدد ليفتتن الكفار بذلك ويطمعوا أن يغلبوهم ويقولون ما قالوا :﴿ ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ﴾ أي : ليعلم أهل التوراة والإنجيل أن ما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم من عدد ملائكة النار حق لأنه موافق لما في كتبهم.
﴿ ولا يرتاب ﴾ أي : لا يشك.
﴿ الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ﴾ أن ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم حق، فإن قيل : كيف نفى عنهم الشك بعد أن وصفهم باليقين : والمعنى واحد وهو تكرار ؟ فالجواب : أنه لما وصفهم باليقين نفى عنهم أن يشكوا فيما يستقبل بعد يقينهم الحاصل الآن فكأنه وصفهم باليقين في الحال والاستقبال، وقال الزمخشري : ذلك مبالغة وتأكيد.
﴿ وليقول الذين في قلوبهم مرض ﴾ المرض عبارة عن الشك وأكثر ما يطلق الذين في قلوبهم مرض على المنافقين فإن قيل : هذه السورة مكية ولم يكن حينئذ منافقون وإنما حدث المنافقون بالمدينة، فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن معناه يقول المنافقون إذا حدثوا ففيه إخبار بالغيب.
والآخر : أن يريد من كان بمكة من أهل الشك، وقولهم ماذا أراد الله بهذا مثلا : استبعاد لأن يكون هذا من عند الله عددا قليلا ومنهم عددا كثيرا حسبما أراد الله.
﴿ وما هي إلا ذكرى للبشر ﴾ الضمير لهم أو للآيات المتقدمة.
على التسعة عشر أي لا يعلم أعداد جنود الله إلا هو لأن منهم عددا قليلا ومنهم عددا قليلا ومنهم عددا كثيرا حسبما أراد الله وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ الضمير لجهنم أو للآيات المتقدمة.
كَلَّا ردع للكفار عن كفرهم، وقال الزمخشري: هي إنكار لأن تكون لهم ذكرى إذ أدبر «١» أي ولى وقرئ دبر بغير ألف والمعنى واحد. وقيل: معناه دبر الليل والنهار أي جاء في دبره وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أي أضاء، ومنه الإسفار بصلاة الصبح إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ الضمير لجهنم، أو للآيات والنذارة أي هي من الأمور العظام، والكبر جمع كبرى وقال ابن عطية: جمع كبيرة والأول هو الصحيح نَذِيراً لِلْبَشَرِ تمييز أو حال من إحدى الكبر وقيل: النذير هنا الله، فالعامل فيه على هذا محذوف. وهذا ضعيف وقيل: هو حال من هذه السورة أي قم فأنذر نذيرا وهذا بعيد قال الزمخشري: هو من بدع التفاسير لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ التقديم عبارة عن تقديم سلوك طريق الهدى والتأخر ضده، ولمن شاء بدل من البشر أي هم متمكنون من التقدم والتأخر وقيل: معناه الوعيد كقوله:
فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: ٢٩] وعلى هذا أعرب الزمخشري أن يتقدم مبتدأ ولمن شاء خبره والأول أظهر رَهِينَةٌ قال ابن عطية الهاء في رهينة للمبالغة أو على تأنيث النفس. وقال الزمخشري: ليست بتأنيث رهين لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي بمعنى الرهن أي كل نفس رهن عند الله بعملها إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ أي أهل السعادة فإنهم فكوا رقابهم بأعمالهم الصالحة، كما فكّ الراهن رهنه بأداء الحق وقال علي بن أبي طالب: أصحاب اليمين هم الأطفال لأنهم لا أعمال لهم يرتهنون بها وقال ابن عباس: هم الملائكة يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ أي يسأل بعضهم بعضا عن حال المجرمين الذين في النار ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ أي ما أدخلكم النار، وهذا خطاب للمجرمين يحتمل أن خاطبهم به المسلمون أو الملائكة فأجابوهم بقولهم: لم نك من المصلين وما بعده أي هذا الذي أوجب دخولهم النار، وإنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيما له لأنه أعظم جرائمهم نَخُوضُ الخوض هو كثرة الكلام بما لا ينبغي من الباطل وشبهه حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ هو الموت عند المفسرين وقال ابن عطية: إنما اليقين الذي أرادوا ما كانوا يكذبون في الدنيا، فيتيقنونه بعد الموت فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ إنما ذلك لأنهم كفار، وأجمع العلماء أنه لا يشفع أحد في الكفار، وجمع الشافعين دليل على
(١). قرأ نافع وحمزة وحفص: والليل إذ أدبر. وقرأ الباقون: إذا دبر. وهما لغتان.
﴿ إذا أدبر ﴾ أي : ولى وقرئ دبر بغير ألف والمعنى واحد وقيل : معناه دبر الليل والنهار أي : جاء في دبره.
﴿ والصبح إذا أسفر ﴾ أي : أضاء ومنه الإسفار بصلاة الصبح.
﴿ إنها لإحدى الكبر ﴾ الضمير لجهنم أو للآيات والنذرة أي : هي من الأمور العظام والكبر جمع كبرى وقال ابن عطية : جمع كبيرة والأول هو الصحيح.
﴿ نذيرا للبشر ﴾ تمييز أو حال من إحدى الكبر، وقيل : النذير هنا الله فالعامل فيه على هذا محذوف وهذا ضعيف، وقيل : هو حال من هذه السورة أي : قم فأنذر نذيرا وهذا بعيد، قال الزمخشري : هو من بدع التفاسير.
﴿ لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ﴾ التقديم عبارة عن تقديم سلوك طريق الهدى والتأخر ضده ولمن شاء بدل من البشر أي : هم متمكنون من التقدم والتأخر وقيل : معناه الوعيد كقوله :﴿ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾ [ الكهف : ٢٩ ] وعلى هذا أعرب الزمخشري : أن يتقدم مبتدأ ولمن شاء خبره والأول أظهر.
﴿ رهينة ﴾ قال ابن عطية الهاء في رهينة للمبالغة أو على تأنيث النفس وقال الزمخشري : ليست بتأنيث رهين لأن فعيلا بمعنى : مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث وإنما هي بمعنى : الرهن أي : كل نفس رهن عند الله بعملها.
﴿ إلا أصحاب اليمين ﴾ أي : أهل السعادة فإنهم فكوا رقابهم بأعمالهم الصالحة كما فك الراهن رهنه بأداء الحق وقال علي بن أبي طالب أصحاب اليمين هم الأطفال لأنهم لا أعمال لهم يرتهنون بها وقال ابن عباس : هم الملائكة.
﴿ يتساءلون ﴾ أي : يسأل بعضهم بعضا.
﴿ عن المجرمين ﴾ عن حال المجرمين الذين في النار.
﴿ ما سلككم في سقر ﴾ أي : ما أدخلكم النار وهذا خطاب للمجرمين يحتمل أن خاطبهم به المسلمون أو الملائكة فأجابوهم بقولهم ﴿ لم نك من المصلين ﴾.
﴿ لم نك من المصلين ﴾ وما بعده أي : هذا الذي أوجب دخولهم النار، وإنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيما له لأنه أعظم جرائمهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:﴿ لم نك من المصلين ﴾ وما بعده أي : هذا الذي أوجب دخولهم النار، وإنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيما له لأنه أعظم جرائمهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:﴿ لم نك من المصلين ﴾ وما بعده أي : هذا الذي أوجب دخولهم النار، وإنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيما له لأنه أعظم جرائمهم.

﴿ نخوض ﴾ الخوض هو كثرة الكلام بما لا ينبغي من الباطل وشبهه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:﴿ لم نك من المصلين ﴾ وما بعده أي : هذا الذي أوجب دخولهم النار، وإنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيما له لأنه أعظم جرائمهم.
﴿ حتى أتانا اليقين ﴾ هو الموت عند المفسرين وقال ابن عطية : إنما اليقين الذي أرادوا ما كانوا يكذبون به في الدنيا، فيتيقنونه بعد الموت.
﴿ فما تنفعهم شفاعة الشافعين ﴾ إنما ذلك لأنهم كفار، وأجمع العلماء أنه لا يشفع أحد في الكفار، وجمع الشافعين دليل على كثرتهم كما ورد في الآثار، تشفع الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء والصالحين.
كثرتهم كما ورد في الآثار، تشفع الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء والصالحين
فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ يعني كفار قريش كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ المستنفرة بفتح الفاء «١» التي استنفرها الفزع، وبالكسر بمعنى النافرة شبه الكفار بالحمر النافرة في جهلهم ونفورهم عن الإسلام ويعني حمر الوحش.
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال ابن عباس: القسورة الرماة وقال أيضا هو: الأسد، وقيل:
أصوات الناس، وقيل: الرجال الشداد، وقيل: سواد أول الليل بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً المعنى: يطمع كل إنسان منهم أن ينزل عليه كتابا من الله، ومعنى منشرة: منشورة غير مطوية أي طرية كما كتبت لم تطو بعد، وذلك أنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم:
لا نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء فيه من رب العالمين إلى فلان بن فلان نؤمر باتباعك كَلَّا ردع عما أرادوه بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ أي هذه هي العلة والسبب في إعراضهم كَلَّا تأكيد للردع الأول أو ردع عن عدم خوفهم الآخرة إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ الضمير لما تقدم من الكلام أو للقرآن بجملته فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ «٢» فاعل شاء ضمير يعود على من، وفي ذلك حض وترغيب وقيل: الفاعل هو الله ثم قيد فعل العبد بمشيئة الله هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أي هو أهل لأن يتّقى لشدة عقابه، وهو أهل لأن يغفر الذنوب لكرمه وسعة رحمته وفضله.
(١). قرأ نافع وابن عامر: مستنفرة بفتح الفاء وقرأ الباقون بكسر الفاء.
(٢). وبقية الآية: وما يذكرون قرأ نافع: وما تذكرون بالتاء والباقون بالياء.
﴿ كأنهم حمر مستنفرة ﴾ المستنفرة بفتح الفاء التي استنفرها الفزع وبالكسر بمعنى النافرة شبه الكفار بالحمر النافرة في جهلهم ونفورهم عن الإسلام ويعني حمر الوحش.
﴿ فرت من قسورة ﴾ قال ابن عباس : القسورة الرماة، وقال أيضا هو الأسد، وقيل : أصوات الناس، وقيل : الرجال الشداد، وقيل : سواد أول الليل.
﴿ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ﴾ المعنى : يطمع كل إنسان منهم أن ينزل عليه كتابا من الله، ومعنى منشرة منشورة غير مطوية أي : طرية كما كتبت لم تطو بعد وذلك أنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم لا نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء فيه من رب العالمين إلى فلان بن فلان نؤمر باتباعك.
﴿ كلا ﴾ ردع عما أرادوه.
﴿ بل لا يخافون الآخرة ﴾ أي : هذه هي العلة والسبب في إعراضهم.
﴿ كلا ﴾ تأكيد المردع الأول أو ردع عن عدم خوفهم الآخرة.
﴿ إنه تذكرة ﴾ الضمير لما تقدم من الكلام أو للقرآن بجملته.
﴿ فمن شاء ذكره ﴾ فاعل شاء ضمير يعود على من، وفي ذلك حض وترغيب، وقيل : الفاعل هو الله ثم قيد فعل العبد بمشيئة الله.
﴿ هو أهل التقوى وأهل المغفرة ﴾ أي : هو أهل لأن يتقى لشدة عقابه، وهو أهل لأن يغفر الذنوب لكرمه وسعة رحمته وفضله.
Icon