تفسير سورة البروج

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة البروج من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

شرح الكلمات:
ذات البروج: أي منازل الشمس والقمر الاثني عشر برجا.
واليوم الموعود: أي يوم القيامة إذ وعد الله تعالى عباده أن يجمعهم فيه لفصل القضاء.
وشاهد: أي يوم الجمعة.
ومشهود: أي يوم عرفة.
قتل أصحاب الأخدود: أي لعن أصحاب الأخدود.
الأخدود: أي الحفر تحفر في الأرض وهو مفرد وجمعه أخاديد.
إذ هم عليها قعود: أي على حافتها وشفيرها.
وما نقموا منهم: أي ما عابوا أي شيء سوى إيمانهم بالله تعالى.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ١﴾ هذا قسم من أعظم الأقسام إذ أقسم تعالى فيه بالسماء ذات البروج وهي منازل الشمس والقمر الأثنا عشر برجا، ٢ وباليوم الموعود هو يوم القيامة إذ وعد الرب تعالى عباده أن يجمعهم فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون وبالشاهد٣ وهو يوم الجمعة وبالمشهود وهو يوم عرفة وجواب القسم أو المقسم عليه محذوف قد يكون تقديره لتبعثن ثم لتنبؤن لأن السورة مكة والسور المكية تعالج العقيدة بأنواعها الثلاثة والتوحيد والنبوة والبعث والجزاء، وجائز أن يكون الجواب قتل بتقدير اللام وقد نحو لقد قتل أي لعن أصحاب الأخدود وهي حفر حفرها الكفار وأججوا فيها ناراً وأتوا بالمؤمنين المخالفين لدينهم وعرضوا عليهم الكفر أو الإلقاء في النار فاختاروا الإلقاء في النار مع بقاء إيمانهم حتى إن امرأة كانت ترضع صبياً فأحجمت عن إلقاء نفسها مع طفلها في النار فأنطق الله الصبي فقال لها: أماه امضي فإنك على الحق فاقتحمت النار. وقوله ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾ بيان للحال التي كانوا يفتنون فيها المؤمنين والمؤمنات إذ كانوا على شفير النار وحافتها قاعدين، وقوله تعالى {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ
١ روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ قي العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج وروي أيضاً عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن يقرأ في العشاء بالسموات أي السماء ذات البروج والسماء والطارق.
٢ البروج هي منازل الكواكب والشمس والقمر يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم فذلك ثمانية وعشرون يوماً ثم يستتر ليلتين. وتسير الشمس في كل برج منها شهراً وهي الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، والبروج في لغة العرب القصور.
٣ روى الترمذي عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة وقال فيه حديث حسن غريب، وجائز أن يكون الشهود الكرام الكاتبين والمشهود عليهم بنو آدم، وجائز أن يكون الشاهد هذه الأمة والشهود عليهم سائر الأمم وجائز غير ما ذكر.
548
بِالْمُؤْمِنِينَ} من الإلقاء في النار والارتداد عن الإسلام ﴿شُهُودٌ﴾ أي حضور، ولم يغيروا منكراً ولم يأمروا بمعروف. وقوله تعالى ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ﴾ أي وما عابوا عنهم شيئا سوى إيمانهم بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض، فحسب العبد من الله هذه الصفات فأنها توجب الإيمان بالله وطاعته ومحبته وخشيته وهي كونه سبحانه وتعالى عزيزاً في انتقامه لأوليائه حميداً يحمده لآلائه ونعمه سائر خلقه مالكاً لكل ما في السموات والأرض ليس لغيره ملك في شيء معه وعلمه الذي أحاط بكل شيء دل عليه قوله وهو على كل شيء شهيد. فكيف ينكر على المؤمن إيمانه بربه ذي الصفات العلا. والجلال والجمال والكمال. سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك. وقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ١ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ أي فتنوهم عن دينهم فأحرقوهم بالنار ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ بعد فتنتهم للمؤمنين والمؤمنات ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَْ﴾ جزاء لهم. ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ عذاب جهنم في الدار الآخرة وعذاب الحريق في الدنيا. فقد روي أنهم لما فرغوا من إلقاء المؤمنين في النار والمؤمنون كانت تفيض أرواحهم قبل وصولهم إلى النار فلم يحسوا بعذاب النار والكافرون خرجت لهم النار من الأخاديد وأحرقتهم فذاقوا عذاب الحريق في الدنيا، وسيذوقون عذاب جهنم في الآخرة هذا بالنسبة إلى أبدانهم أما أرواحهم فإنها بمجرد مفارقة الجسد تلقى في سجين مع أرواح الشياطين والكافرين وقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا٢﴾ بالله وعملوا الصالحات أي آمنوا بالله رباً وإلهاً وعبدوه بأداء فرائضه وترك محارمه ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ أي بساتين ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي من تحت أشجارها وقصورها. وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ ٣ حقا هو فوز كبير، لأنه نجاة من النار أولاً ودخول الجنة ثانياً. كما قال تعالى ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
١ إن الذين فتنوا الخ.. الآية عامة ليست خاصة بأصحاب الأخدود ولا بكفار قريش، وإنما هي عامة في كل من يفتن المؤمنين والمؤمنات في دينهم
فيصرفهم عنه بأنواع من التعذيب وجزاؤهم ما ذكر في الآية وهو عذاب جهنم وعذاب الحريق إلا من تاب قبل موته وقد عد ممن فتنوا المؤمنين والمؤمنات في مكة أو جهل رأس الفتنة وأمية بن خلف والأسود بن عبد يغوث والوليد بن المغيرة وعد من المعذبين المفتونين بلال بن رباح، وأبو فكيهة وخباب بن الأرت وياسر والد عمار وعامر بن فهيرة وعدد من النساء المعذبات حمامة أم بلال، وزنيرة، وسمية والدة عمار.
٢ هذا الكلام مستأنف يبين فيه تعالى جزاء من آمن وعمل صالحاً وهو دعوة إلى الإيمان والعمل الصالح والتخلي عن الشرك والشر والفساد. إنه لما ذكر جزاء الكفر وهو عذاب جهنم وعذاب الحريق ناسب ذكر جزاء أهل الإيمان وصالح الأعمال.
٣ اسم الإشارة (ذلك) عائد إلى ما اختصهم الله تعالى به من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار أنها الماء واللبن والخمر والعسل في دار السلام.
549
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢- فضل يومي الجمعة وعرفة.
٣- بيان ما يبتلى به المؤمنون في هذه الحياة ويصبرون فيكون جزاؤهم الجنة.
٤- الترهيب والترغيب في ذكر جزاء الكافرين والمؤمنين الصالحين.
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظ (٢٢)
شرح الكلمات:
إن بطش ربك: أي أذا أخذ الكافر الشديد.
يبدئ ويعيد: أي يبدئ الخلق ويعيده بعد فنائه ويبدئ العذاب ويعيده.
الغفور الودود: أي لذنوب عباده المؤمنين المتودد لأوليائه.
ذو العرش المجيد: أي صاحب العرش إذ هو خالقه ومالكه والمجيد المستحق لكمال صفات العلو.
في تكذيب: أي بما ذكر في سياق الآيات السابقة.
من ورائهم محيط: أي هم في قبضته وتحت سلطانه وقهره.
قرآن مجيد: أي كريم عظيم.
في لوح محفوظ: أي من الشياطين والمراد به اللوح المحفوظ.
550
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى ما توعد به الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم أخبر رسوله معرضا بمشركي قومه وطغاتهم اللذين آذوا المؤمنين في مكة من أجل إيمانهم أخبره بقوله ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ١ لَشَدِيدٌ﴾ أي إن أخذه أليم شديد ودلل على ذلك بقوله ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ فالقادر على البدء والإعادة بطشه شديد. وقوله ﴿يُبْدِئُ﴾ أي الخلق ثم يعيده. ويبدئ العذاب٢ أيضا ثم يعيده ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ فهو قادر على البطش بأعدائه، وهو الغفور لذنوب أوليائه ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ أي صاحب العرش خلقا وملكا المجيد العظيم الكريم، ﴿فَعَّالٌ لِمَا٣ يُرِيدُ﴾ إذ لا يكره تعالى على شيء ولا يقدر أحد على إكراهه.
وقوله تعالى ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود﴾ كيف أهلكهم الله لما طغوا وبغوا وكفروا وعصوا نعم قد أتاك وقرأته على قومك الكافرين ولم ينتفعوا به لأنهم يعيشون في تكذيب لك يحيط بهم لا يخرجون لأنه تكذيب ناشئ من الكبر والحسد والجهل فلذا هم لم يؤمنوا بعد. وقوله تعالى ﴿وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ٤﴾ أي هم في قبضته وتحت قهره وسلطانه لا يخفى عليه منهم شيء ولا يحول بينه وبينهم متى أراد أخذهم شيء. وقوله تعالى ﴿بَلْ هُوَ٥ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ ٦مَحْفُوظٍ﴾ يرد بهذا على المشركين الذين قالوا في القرآن إنه سحر وشعر وأساطير الاولين فقال ليس هو كما قالوا وادعوا وإنما هو قرآن مجيد في لوح محفوظ من الشياطين فلا تمسه ولا تقربه ولا من غير الشياطين من سائر الخلق أجمعين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تهديد الظلمة بالعذاب عقوبة في الدنيا وفي الآخرة.
١ يرى بعضهم أن قوله إن بطش ربك هو جواب القسم والسماء ذات البروج. وأنه وإن كان جائزاً فإن تقديره في أول الكلام أولى من تأخيره. وهذه الآية مستأنفة تحمل الوعيد والتعريض بمجرمي قريش كأبي جهل وأضرابه.
٢ إنه هو يبدئ ويعيد الجملة تعليلية إذ الذي يبدي ويعيد لا يكون بطشه إلا قوياً شديداً ومن مظاهر الكمال الإلهي جمعه بين صفتي البطش، والمغفرة والود، فهنيئا لأوليائه، ويا ويل من أعدائه.
٣ روي أن أناساً دخلوا على أبي بكر في مرضه الذي مات فيه يعودونه فقالوا له ألا نأتيك بطبيب؟ قال قد رآني قالوا فما قال لك؟ قال قال لي: إني فعال لما أريد وفي بعض الروايات قال الطبيب أمرضني.
٤ فهو قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون، وعاد وثمود قبله.
٥ بل للإضراب الإبطالي أي ليس القرآن كما يصفونه بأنه أساطير الأولين، وإفك مفترى وما إلى ذلك مما قالوه في القرآن من رده وعدم الإيمان به بل هو قرآن مجيد بالغ الغاية في المجد والشرف والسمو والعلو في ألفاظه ومعانيه، وما يخمل من هدى وتشريع وأنه في مناعته لا تصل إليه أيدي الخلق بالتحريف والتبديل إذ هو في لوح محفوظ.
٦ قرأ نافع وحده يرفع محفوظ صفة القرآن وجوه الباقون حفص وغيره على أنه نعت للفظ لوح وحفظ اللوح حفظ القرآن المكتوب عليه.
551
٢- إن الله تعالى لكرمه يتودد لأوليائه من عباده.
٣- فائدة القصص هي الموعظة تحصل للعبد فلا يترك واجباً ولا يغشى محرما.
٤- بيان إحاطة الله تعالى بعباده وأنهم في قبضته وتحت سلطانه.
٥- شرف القرآن الكريم، وإثبات اللوح المحفوظ وتقريره.
552
Icon