تفسير سورة البروج

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة البروج من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «لَتَرْكَبُنَّ» «١» وَفَسَّرَ: لَتَصِيرَنَّ الأُمُورُ حَالا بَعْدَ حَالٍ لِلشِّدَّةِ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَقَعَ فِي بَنَاتِ طَبَقٍ، إِذَا وَقَعَ فِي الأَمْرِ الشَّدِيدِ «٢»، فَقَدْ قَرَأَ هَؤُلاءِ: «لَتَرْكَبُنَّ» وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْسِيرِ. وَقَرَأَ أَهْلُ المدينة وكثير من الناس: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً» يَعْنِي: النَّاسَ عَامَّةً! وَالتَّفْسِيرُ: الشِّدَّةُ «٣» وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الأَوَّلِ: لَتَرْكَبَنَّ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ، وَقُرِئَتْ:
«لَيَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ» وَمَعَانِيهِمَا مَعْرُوفَةٌ، «لَتَرْكَبُنَّ»، كَأَنَّهُ خَاطَبَهُمْ، «وَلَيَرْكَبُنَّ» «٤» أَخْبَرَ عنهم.
وقوله عز وجل: بِما يُوعُونَ (٢٣).
الإيعاء: ، ما يجمعون فِي صدورهم من التكذيب والإثم. والوعي لو «٥» قيل: وَالله أعلم بما يوعون [١٣٣/ ب] لكَان صوابًا، ولكنه لا يستقيم فِي القراءَة.
ومن سورة البروج
قوله عز وجل: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١).
اختلفوا فى البروج، فقالوا: هِيَ النجوم، وقالوا: هِيَ البروج التي تجرى فيها الشمس والكواكب المعروفة: اثنا عشر برجًا، وَقالوا: هِيَ قصور فِي السماء، والله أعلم بصواب ذلك.
وقوله جل وعز: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢).
ذكروا أنه القيامة، «وَشاهِدٍ» (٣) يوم الجمعة، «وَمَشْهُودٍ» (٣) يوم عرفة، وَيقال: الشاهد أيضًا يوم القيامة، فكأنه قَالَ: واليوْم الموعوْد وَالشاهد، فيجعلُ «٦» الشاهد من صلة الموعود، يتبعه فى خفضه.
(١) «لتركبن»، وهى قراءة أبى عمرو، وأبى العالية، ومسروق، وأبى وائل، ومجاهد، والنخعي، والشعبي، وابن كثير، وحمزة، والكسائي (تفسير القرطبي: ١٩/ ٢٧٨)
(٢) بنات طبق: الدواهي، ويقال للداهية: إحدى بنات طبق، ويقال للدواهى: بنات طبق، ويروى: أن أصلها الحية، أي: أنها استدارت حتى صارت مثل الطبق.
(٣) فى ش: الشديد، تحريف.
(٤) التصحيح من ش، وفى ب: وليركبو.
(٥) فى ش: ولو، تحريف. [.....]
(٦) فى ش: فتجعل.
وقوله جل وعز: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤).
يقال في التفسير: إن جواب القسم في قوله: «قُتِلَ»، كما كان جواب «وَالشَّمْسِ وَضُحاها «١» » فى قوله! «قَدْ أَفْلَحَ «٢» » : هذا في التفسير، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يُسْتَقْبَلُ بها أو «لا» أو «إن» أو «ما» فإن يكن كذلك فكأنه مما ترك فيه الجواب: ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر، كما قيل: يا أيها الإنسان في كثير من الكلام.
وقوله جل وعز: أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤).
كَانَ ملك خدّ لقوم أخاديد فِي الأرض، ثُمَّ جمع فيها الحطب، وألهب فيها النيران، فأحرق بها قومًا وقعد الَّذِينَ حفروها حولها، فرفع اللَّه النار إلى الكفرة الَّذِينَ حفروها فأحرقتهم، ونجا منها المؤمنون،
فذلك قوله عزَّ وجل: «فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ» (١٠) فى الآخرة «وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ» (١٠) فِي الدنيا. وَيُقَال: إنها أحرقت من فيها، ونجا الَّذِينَ فوقها.
واحتج قائل هَذَا بقوله: «وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ» (٧)، والقول الأول أشبه بالصواب، وذلك لقوله: «فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ» ولقوله فى صفة الذين آمنوا «ذلِكَ [١٣٤/ ا] الْفَوْزُ الْكَبِيرُ» (١١) يَقُولُ: فازوا من عذاب الكفار، وعذاب الآخرة، فأكْبِر بِهِ فوزًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤).
يَقُولُ: قتلتهم النار، ولو قرئت: «النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ»، بالرفع كَانَ صوابًا «٣»، وقرأ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمي: «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ «٤» » رفع الشركاء بإعادة الفعل: زينه «٥» لهم شركاؤهم. كذلك قوله: «قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ» قتلتهم النار ذات الوقود. ومن خفض: «النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ» وهي فِي قراءة «٦» العوام- جعل النار هى الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قَالَ: قتل أصحاب النار ذات الوقود.
(١، ٢) سورة الشمس: ١، ٩.
(٣) قرأ بالرفع: أشهب العقيل، وأبو السّمال العدوى، وابن السميفع أي: أحرقتهم النار ذات الوقود (تفسير القرطبي ١٩/ ٢٨٧).
(٤) سورة الأنعام الآية: ١٣٧.
(٥) فى ش: زين.
(٦) فى ش: وهى قراءة.
Icon