بسم الله الرحمن الرحيم
سورة البروج مكية ١ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة البروجمكية
قوله تعالى: ﴿والسمآء ذَاتِ البروج﴾ إلى آخرها.
أي: ورب السماء ذات القصور. قاله ابن عباس.
قال الضحاك: البروج " [يزعمون] أنها قصور في السماء، ويقال: هي الكواكب ".
قال مجاهد: " البروج: النجوم ". وهو قول قتادة. وقيل: المعنى: ذات الرمل والماء. واختار الطبري أن يكون المعنى: ذات المنازل الشمس والقمر، على قول مجاهد أن البروج - وهي اثنا عشر برجاً - يسير القمر في كل برج (منها يومين وثلثاً، فذلك ثمان وعشرون منزلة، ثم يستقر ليلتين وثلثاً، وتسير الشمس في كل برج) [شهراً].
وقيل: الجواب ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود﴾ على تقدير حذف اللام، أي: لقتل أصحاب الأخدود.
وقيل: الجواب: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ وهو قول قتادة.
وقيل: الجواب: ﴿إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين﴾.
ثم قال تعالى: ﴿واليوم الموعود﴾ يعني يوم القيامة، وعد الله به عباده لفصل القضاء بينهم روي ذلك عن النبي ﷺ وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ وأبو هريرة وقتادة وغيرهم.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ قال أبو هريرة: " الشاهد يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة ". وقاله الحسن، وروي (ذلك) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ
وعن ابن عباس أيضاً: أن الشاهد محمد ﷺ لقوله: ﴿وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً﴾ [النساء: ٤١] والمشهود ": يوم القيامة، لقوله تعالى: ﴿وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣] أي: يشهده الأولون والآخرون لفصل القضاء بينهم. وهو قول عكرمة، وقاله الحسن بن علي أيضاً.
وقال مجاهد: " الشاهد الإنسان، والمشهود: يوم القيامة ". فالإنسان لا بد أن يشهد يوم القيامة، ويوم القيامة مشهود لبني آدم، فتكون الشهادة على هذا القول [بمعنى] الحضور. وقد روي مثل ذلك عن الضحاك. وعن عكرمة أيضاً و (عن) ابن عباس أن الشاهد: الله جل ذكره، لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ﴾ [يونس: ٤٦] والمشهود يوم القيامة لقوله تعالى: ﴿وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣].
وروى أبو الدرداء أن النبي ﷺ ( قال): " أكثر علي [الصلاة] يوم الجمعة، فإنه مشهود تشهده الملائكة " وقيل: الشاهد: محمد، والمشهود: الذين يشهد عليهم محمد ﷺ.
ثم قال تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود * النار ذَاتِ الوقود﴾ أي: لعن أهلك أصحاب الأخدود، أخبرنا الله جل ذكره أنه أهلكهم ولعنهم.
ففعل، [فتبرأ] الناس منه ومن قوله، وقالوا: ما جاءنا به نبي ولا وجدناه في كتاب!
فرجع إلى أخته نادماً فقال لها: ويحك! إن الناس قد أبو علي أن يقروا بذلك، فقالت [ابسط] عليه السياط، ففعل، فأبوا أن [يقروا] له، فرجع إليها فقالت: (اخطبهم، فإن أبو فجرد فيهم السيف، ففعل فأبوا)، فرجع إليها فقالت:
وبقايا [أصحاب] الأخدود الآن مجوس يعبدون النار. ولذلك قال بعض العلماء فيه [أن يسن فيهم] سنة أهل الكتاب.
وقوله: ﴿النار﴾ خفض على البدل من الأخدود، وهو بدل الاشتمال.
وقيل: هو خفض على الجوار، وذلك بعيد.
وفيه تقديران إذا جعلته بدلاً.
أحدهما: أن التقدير: النار ذات الوقود نارها. والآخر: النار التي فيها.
وروى قتادة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ قال: هم ناس كانوا بمدارع اليمن اقتتل مؤمنوها وكافروها، فظهر مؤمنوها على [كافريها]، ثم اقتتلوا الثانية فظهر كافروها على مؤمنيها، ثم أخذ بعضهم على بعض عهوداً ومواثيق ألا يغدر بعضهم (بعضا)، فغدر بهم الكفار فأخذوهم أَخْذاً، ثم إن رجلاً من المؤمنين قال لهم: هل لكم إلى خير؟ توقدون [ناراً]، (ثم) تعرضوننا عليها، فمن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون، ومن لا، اقتحم النار [فاسترحتم] منه.
وقال ابن عباس: هم ناس من بني إسرائيل، خدُّوا أخدوداً في الأرض ثم أوقدوا فيه ناراً ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء ثم عرضوا عليها، وزعموا أنه دانيال واصحابه وكذلك قال الضحاك، إلا أنه قال: فقالوا للرجال والنساء: تكفرون أو نقذفكم في النار (قال).
[ويزعمون] أنه دانيال وأصحابه.
قال: فكان الغلام إذا مر بالراهب قعد إليه فيسمع كلامه، فأعجب بكلامه، فكان إذا أتى الساحر ضربه الساحر وقال: ما حبسك؟.
وإذا أتى الغلام (إلى) أهله قعد عن الراهب يسمع كلامه، فإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال له الراهب: إذا قال لك الساحر ما حبسك؟ فقل: حبسني أهلي، وإذا قال لك أهلك: ما حبسك؟ فقل: حبسني الساحر.
فينما هو كذلك، إذ مر في طريق، وإذا دابة عظيمة في الطريق وقد حبست الناس لا تدعهم يجوزون، فقال الغلام: الآن أعلم، أمر الساحر أرضى عند الله أم أمر الراهب؟ قال: فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر
[قال]: وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء. (قال: وكان للملك جليس فعمي، قال: فقيل له: إن هاهنا غلاما يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الآذاء) فلو أتيته؟ قال: فاتخذ له هدايا، ثم أتاه فقال: يا غلام، إن أبرأتني فهذه الهدايا كلها ذلك.
فقال: ما أنا أشفيك، ولكن الله يشفي، فإن آمنت دعوت الله أن يشفيك، قال: فآمن الأعمى، فدعا الغلام الله - جل ذكره - فشفاه، فقعد إلى الملك [كما كان يقعد]، فقال له الملك: أليس كنت أعمى؟! فقال نعم، قال: فمن شفاك؟ مقال: ربي. قال: ولك رب غيري؟! قال نعم، ربي وربك الله. قال: فأخذه بالعذاب. وقال: [لتدلني] على من علمك هذا.
قال: [فدل] على الغلام، قال: فدعا الغلام فقال: /ارجع عن دينك. فأبى الغلام، قال: فأخذه بالعذاب، قال: فدل على الراهب، فأخذ الراهب بالعذاب، وقال
قال: فجمع الملك الناس في صعيد واحد، قال: وصلب الغلام وأخذ سهماً من كنانته فوضعه في كبد القوس ثم رمى به، وقال: باسم رب الغلام. [قال]: فوقع السهم في صدغ الغلام، فوضع الغلام يده على صدغه ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فقيل للملك: ما صنعت؟! الذي كنت تحذر قد وقع، قد آمن الناس
اقل: فقال لها صبيها: يا أمه، أمضِ، فإنك على الحق. فاقتحمت في النار ".
وقال الربيع بن أنس: كان أصحاب الأخدود قوماً مؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة، وإن جباراً من عبدة الأوثان أرسل إليهم يعرض عليهم الدخول في دينه أو يلقيهم في النار، فاختاروا إلقاءهم في النار على الرجوع عن دينهم، فألقوا في النار، فنجى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار من الحريق بأن قبض (الله) أرواحهم قبل أن تمسهم النار. قال: وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم، فذلك قوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق﴾ أي: لهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا، وهي (النار) التي خرجت إليهم من الأخدود فأحرتقهم.
وقوله: ﴿ذَاتِ الوقود﴾.
أي: ذات الحطب الجزل، فإن [ضممت] الواو فمعناه ذات التوقد. والأخدود " الحفرة تحفر في الأرض.
وقوله: ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾.
أي: [إذا الكفار] على النار قعود لحرق المؤمنين، يعني: على حافة الأخدود الذي فيه النار.
وقال قتادة: ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾.
يعني بذلك المؤمنين.
ثم قال تعالى: ﴿وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شُهُودٌ﴾.
يعني: الكفار. حضور يعرضون المؤمنين على الكفر فمن رجع إليه، وإلا
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد﴾.
أي: وما فعل هؤلاء الكفار بالمؤمنين ما فعلوا من حرقهم إياهم بالنار إلا من أجل أنهم آمنوا بالله الشديد في انتقامه من أعدائه، المحمود عند عباده بإحسانه إليهم.
﴿الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض﴾.
أي: سلطان ذلك كله.
﴿والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.
أي: والله شهيد على ما فعل هؤلاء الكفار بالمؤمنين وعلى غير ذلك من أفعالهم وأفعال جميع الخلق، فمجازيهم على ما عملوا.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ﴾.
أي: حرقوهم بالنار وعذبوهم ثم لم يتوبوا من كفرهم وفعلهم، فلهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق
هذا قول الربيع بن أنس.
وكذلك قال أبو العالية.
﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ يعني: في الآخرة، واحترقوا في الدنيا بعذاب الحريق.
ثم قال تعالى:
﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ذَلِكَ الفوز الكبير﴾.
أي: إن الذين أقروا بتوحيد الله وعملوا الأعمال الصالحات وهم الذين حرقهم أصحاب الأخدود وغيرهم من سائر أهل التوحيد لهم بساتين في الآخرة تجري من تحت أشجارها الأنهار من الماء/ والخمر، واللبن والعسل.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾.
أي: إن أخذ ربك يا محمد من أخذ من أعدائه وانتقامه منهم لتشديد. وهو تحذير من الله لعباده أن يحل بهم من نقمة على كفرهم وتعذبهم مثل الذي حل بأصحاب الأخدود.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ﴾.
أي: هو ابتدأ الخلق أول مرة، وهو يعيدهم بعد مماتهم للبث والجزاء. وهذا معنى قول الضحاك وابن زيد. وقال ابن عباس: معناه: إنه هو يبدئ العذاب ثم يعيده. (وهو اختيار الطبري)، أي: يبدئ العذاب لأهل الكفر في الدنيا، (وهو عذاب الحريق - ثم يعيده) عليهم في الآخرة - وهو عذاب جهنم.
ثم قال تعالى: ﴿وَهُوَ الغفور الودود﴾.
أي: وهو الغفور لمن تاب من كفره وذنوبه. ﴿الودود﴾ أي: ذو المحبة.
وقال ابن زيد: ﴿الودود﴾: " الرحيم ".
ثم قال تعالى: ﴿ذُو العرش المجيد﴾. وقال ابن عباس: ﴿المجيد﴾: " الكريم ".
ثم قال تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾.
أي: يفعل ما يشاء، فيوقف من شاء للتوبة فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء بأن [يحول] بينه وبين التوفيق فيموت على كفره.
ثم قال تعالى: ﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾.
أي: هل جاءك يا محمد حديث الجنود الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروهِهم؟ أي: قد أتاك ذلك وعلمته. فاصبر لأذى قومك كما صبر من كان قبلك من الرسل الذي تجند قومهم عليهم.
ثم بين الجنود من هم فقال: ﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ أي: قوم فرعون وتباعه، وثمود.
أي: بل الذين كفروا من قومك في تكذيب بوعيد الله ووحيه ﴿والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ﴾ أي: محيط باعمالهم محصيا عليهم حتى يجازيهم عليها.
ثم قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾.
أي: بل ما يقول هؤلاء إنه شعر وسحر [وكهانة]، قرآن مجيد محفوظ من أن يغير، في لوح.
قال ابن جبير: مجيد " كريم " وقاله قتادة.
قال مجاهد: ﴿فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ قال: " في أم الكتاب ".
ومن رفع ﴿مَّحْفُوظٍ﴾، جعله نعتاً للقرآن، بمعنى أنه محفوظ أن يغيره أحد بزيادة أو نقص. ودل على ذلك قوله: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]. ومن خفض، جعله نعتاً
كما قال تعالى مجاهد: هو أم الكتاب.
وقال قتادة: ﴿فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ " عند الله ".
وقال أنس بن مالك: " إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله في جبهة إسرافيل ".
وقرأ محمد اليماني: بل هو قرآن مجيد، بالإضافة على معنى: بل هو قرآ، رب مجيد.
قال ابن عباس: خلق الله اللوح المحفوظ من درة بيضاء، دفتاه [ياقوتة]