في هذه السورة حملة شديدة على الكفار وحكاية لمواقفهم الجدلية والساخرة. وإنذار لهم بالخزي في الدنيا والآخرة. ولفت نظر إلى مشاهد قدرة الله تعالى ونواميسه وأفضاله وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنويه بالمؤمنين واختصاصهم باستغفار الملائكة وشفاعتهم دون المشركين. وإشارة تذكيرية إلى ما كان من موقف الكفار الأولين من رسل الله وعاقبتهم وندمهم وحسرتهم وعدم انتفاعهم بالإيمان بعد فوات الفرصة. وفيها فصل قصصي عن موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون بسبيل التذكير والعظة.
وقد سميت السورة باسم ( المؤمن ) أيضا اقتباسا من ذكر مؤمن آل فرعون، وهي أولى سلسلة السور المعروفة بالحواميم. وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إن الحواميم ديباج القرآن١ ). وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم٢. ولقد كثر في هذه السور ذكر القرآن على سبيل التنويه والتعظيم وفي معرض لجاج الكفار فيه وفي طرق وحيه ولعل ما روي متصل بذلك.
وفصول هذه السورة مترابطة مما يسوغ القول أنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة، ولقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيتين [ ٥٦ – ٥٧ ] مدنيتان والرواية تتحمل الشك والتوقف.
٢ المصدر نفسه..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ حم ( ١ ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( ٢ ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( ٣ ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( ٤ ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( ٥ ) وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ( ٦ ) ﴾ [ ١ – ٦ ].بدأت السورة بحرفي الحاء والميم اللذين تعددت الأقوال في تخريجهما فقيل : إنهما من أسماء الله أو إنهما يرمزان إلى اسمي الله الرحمن الرحيم أو إنهما قسم أقسم الله به أو إنهما بمعنى القضاء من حم أو إنهما حروف مفردة كسائر الحروف المفردة الأخرى للتنبيه والاستدعاء، وهو ما نرجحه كما رجحناه بالنسبة للمطالع المماثلة. وعبارة الآيات واضحة. وقد احتوت تنويها بالقرآن وتقريرا لما اتصف به الله تعالى – الذي أنزله – من صفات العزة والعلم والغفران للتائبين والشدة على المكابرين الذين هم وحدهم الذين يجادلون في آيات الله. وتحذيرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الانخداع بما أصابوه من قوة ونجاح وطول يد وتطمينا له. فقد كذبت قبلهم أمم أخرى عديدة من لدن قوم نوح وما بعدهم وجادلوا بالباطل لإزهاق الحق وطمسه، وحاولوا أن يبطشوا برسلهم فأخذهم الله أخذا قويا ما تزال آثاره قائمة وأخباره دائرة يراها الناس ويسمعونها، ولقد حقت كلمته بالإضافة إلى أخذه الشديد في الدنيا بأن الكافرين هم أصحاب النار في الآخرة.
والآيات كما هو المتبادر مقدمة نافدة في صدد إنذار الكفار العرب في الدنيا والآخرة، وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتثبيته.
ويلفت النظر إلى ما بين هذه المقدمة وبين آيات السورة السابقة الأخيرة من تساوق تأكيدي في صدد غفران الذنوب وقبول التوبة وتقرير كون كلمة العذاب إنما حقت على الكافرين المكابرين على الله المكذبين بآياته مما يمكن أن يكون قرينة ما على صحة ترتيب نزول هذه السورة بعد سورة الزمر.
تعليق على جملة
﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾
وجملة :﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة تضمنت تقرير كون الذين يجادلون في آيات الله، وينكرونها هم الذين تعمدوا العناد وبيتوا الكفر والمكابرة فقط. حيث انطوى في ذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى، وانطوى فيه تبعا لذلك تحميل الكافرين مسؤولية موقفهم الذي يقفونه عن عمد وباطل. وقد انطوى في هذا وذاك في الوقت نفسه تسلية وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعنيف قارع للكفار، وكل هذا مما استهدفته الآيات. وفي السور السابقة آيات وعبارات انطوى فيها ذلك. مما يصح أن يعد من المبادئ القرآنية المحكمة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ حم ( ١ ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( ٢ ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( ٣ ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( ٤ ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( ٥ ) وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ( ٦ ) ﴾ [ ١ – ٦ ].بدأت السورة بحرفي الحاء والميم اللذين تعددت الأقوال في تخريجهما فقيل : إنهما من أسماء الله أو إنهما يرمزان إلى اسمي الله الرحمن الرحيم أو إنهما قسم أقسم الله به أو إنهما بمعنى القضاء من حم أو إنهما حروف مفردة كسائر الحروف المفردة الأخرى للتنبيه والاستدعاء، وهو ما نرجحه كما رجحناه بالنسبة للمطالع المماثلة. وعبارة الآيات واضحة. وقد احتوت تنويها بالقرآن وتقريرا لما اتصف به الله تعالى – الذي أنزله – من صفات العزة والعلم والغفران للتائبين والشدة على المكابرين الذين هم وحدهم الذين يجادلون في آيات الله. وتحذيرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الانخداع بما أصابوه من قوة ونجاح وطول يد وتطمينا له. فقد كذبت قبلهم أمم أخرى عديدة من لدن قوم نوح وما بعدهم وجادلوا بالباطل لإزهاق الحق وطمسه، وحاولوا أن يبطشوا برسلهم فأخذهم الله أخذا قويا ما تزال آثاره قائمة وأخباره دائرة يراها الناس ويسمعونها، ولقد حقت كلمته بالإضافة إلى أخذه الشديد في الدنيا بأن الكافرين هم أصحاب النار في الآخرة.
والآيات كما هو المتبادر مقدمة نافدة في صدد إنذار الكفار العرب في الدنيا والآخرة، وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتثبيته.
ويلفت النظر إلى ما بين هذه المقدمة وبين آيات السورة السابقة الأخيرة من تساوق تأكيدي في صدد غفران الذنوب وقبول التوبة وتقرير كون كلمة العذاب إنما حقت على الكافرين المكابرين على الله المكذبين بآياته مما يمكن أن يكون قرينة ما على صحة ترتيب نزول هذه السورة بعد سورة الزمر.
تعليق على جملة
﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾
وجملة :﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة تضمنت تقرير كون الذين يجادلون في آيات الله، وينكرونها هم الذين تعمدوا العناد وبيتوا الكفر والمكابرة فقط. حيث انطوى في ذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى، وانطوى فيه تبعا لذلك تحميل الكافرين مسؤولية موقفهم الذي يقفونه عن عمد وباطل. وقد انطوى في هذا وذاك في الوقت نفسه تسلية وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعنيف قارع للكفار، وكل هذا مما استهدفته الآيات. وفي السور السابقة آيات وعبارات انطوى فيها ذلك. مما يصح أن يعد من المبادئ القرآنية المحكمة.
تقلبهم في البلاد : كناية عما أصابوه من قوة ونجاح وطول يد في الدنيا والبلاد.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ حم ( ١ ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( ٢ ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( ٣ ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( ٤ ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( ٥ ) وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ( ٦ ) ﴾ [ ١ – ٦ ].بدأت السورة بحرفي الحاء والميم اللذين تعددت الأقوال في تخريجهما فقيل : إنهما من أسماء الله أو إنهما يرمزان إلى اسمي الله الرحمن الرحيم أو إنهما قسم أقسم الله به أو إنهما بمعنى القضاء من حم أو إنهما حروف مفردة كسائر الحروف المفردة الأخرى للتنبيه والاستدعاء، وهو ما نرجحه كما رجحناه بالنسبة للمطالع المماثلة. وعبارة الآيات واضحة. وقد احتوت تنويها بالقرآن وتقريرا لما اتصف به الله تعالى – الذي أنزله – من صفات العزة والعلم والغفران للتائبين والشدة على المكابرين الذين هم وحدهم الذين يجادلون في آيات الله. وتحذيرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الانخداع بما أصابوه من قوة ونجاح وطول يد وتطمينا له. فقد كذبت قبلهم أمم أخرى عديدة من لدن قوم نوح وما بعدهم وجادلوا بالباطل لإزهاق الحق وطمسه، وحاولوا أن يبطشوا برسلهم فأخذهم الله أخذا قويا ما تزال آثاره قائمة وأخباره دائرة يراها الناس ويسمعونها، ولقد حقت كلمته بالإضافة إلى أخذه الشديد في الدنيا بأن الكافرين هم أصحاب النار في الآخرة.
والآيات كما هو المتبادر مقدمة نافدة في صدد إنذار الكفار العرب في الدنيا والآخرة، وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتثبيته.
ويلفت النظر إلى ما بين هذه المقدمة وبين آيات السورة السابقة الأخيرة من تساوق تأكيدي في صدد غفران الذنوب وقبول التوبة وتقرير كون كلمة العذاب إنما حقت على الكافرين المكابرين على الله المكذبين بآياته مما يمكن أن يكون قرينة ما على صحة ترتيب نزول هذه السورة بعد سورة الزمر.
تعليق على جملة
﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾
وجملة :﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة تضمنت تقرير كون الذين يجادلون في آيات الله، وينكرونها هم الذين تعمدوا العناد وبيتوا الكفر والمكابرة فقط. حيث انطوى في ذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى، وانطوى فيه تبعا لذلك تحميل الكافرين مسؤولية موقفهم الذي يقفونه عن عمد وباطل. وقد انطوى في هذا وذاك في الوقت نفسه تسلية وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعنيف قارع للكفار، وكل هذا مما استهدفته الآيات. وفي السور السابقة آيات وعبارات انطوى فيها ذلك. مما يصح أن يعد من المبادئ القرآنية المحكمة.
همت : حاولت أو قصدت.
ليدحضوا : ليبطلوا ويوهنوا ويزيلوا ويتغلبوا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ حم ( ١ ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( ٢ ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( ٣ ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( ٤ ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( ٥ ) وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ( ٦ ) ﴾ [ ١ – ٦ ].بدأت السورة بحرفي الحاء والميم اللذين تعددت الأقوال في تخريجهما فقيل : إنهما من أسماء الله أو إنهما يرمزان إلى اسمي الله الرحمن الرحيم أو إنهما قسم أقسم الله به أو إنهما بمعنى القضاء من حم أو إنهما حروف مفردة كسائر الحروف المفردة الأخرى للتنبيه والاستدعاء، وهو ما نرجحه كما رجحناه بالنسبة للمطالع المماثلة. وعبارة الآيات واضحة. وقد احتوت تنويها بالقرآن وتقريرا لما اتصف به الله تعالى – الذي أنزله – من صفات العزة والعلم والغفران للتائبين والشدة على المكابرين الذين هم وحدهم الذين يجادلون في آيات الله. وتحذيرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الانخداع بما أصابوه من قوة ونجاح وطول يد وتطمينا له. فقد كذبت قبلهم أمم أخرى عديدة من لدن قوم نوح وما بعدهم وجادلوا بالباطل لإزهاق الحق وطمسه، وحاولوا أن يبطشوا برسلهم فأخذهم الله أخذا قويا ما تزال آثاره قائمة وأخباره دائرة يراها الناس ويسمعونها، ولقد حقت كلمته بالإضافة إلى أخذه الشديد في الدنيا بأن الكافرين هم أصحاب النار في الآخرة.
والآيات كما هو المتبادر مقدمة نافدة في صدد إنذار الكفار العرب في الدنيا والآخرة، وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتثبيته.
ويلفت النظر إلى ما بين هذه المقدمة وبين آيات السورة السابقة الأخيرة من تساوق تأكيدي في صدد غفران الذنوب وقبول التوبة وتقرير كون كلمة العذاب إنما حقت على الكافرين المكابرين على الله المكذبين بآياته مما يمكن أن يكون قرينة ما على صحة ترتيب نزول هذه السورة بعد سورة الزمر.
تعليق على جملة
﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾
وجملة :﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة تضمنت تقرير كون الذين يجادلون في آيات الله، وينكرونها هم الذين تعمدوا العناد وبيتوا الكفر والمكابرة فقط. حيث انطوى في ذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى، وانطوى فيه تبعا لذلك تحميل الكافرين مسؤولية موقفهم الذي يقفونه عن عمد وباطل. وقد انطوى في هذا وذاك في الوقت نفسه تسلية وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعنيف قارع للكفار، وكل هذا مما استهدفته الآيات. وفي السور السابقة آيات وعبارات انطوى فيها ذلك. مما يصح أن يعد من المبادئ القرآنية المحكمة.
في الآيات إشارة ضمنية إلى الملائكة وإيمانهم بالله وتقديسهم له، واستغفارهم للمؤمنين والدعاء لهم، بأسلوب قوي رائع وعبارة واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
والمتبادر أن الآيات جاءت معقبة على الآيات السابقة لتنوه بالمؤمنين المنيبين إلى الله المتبعين سبيله والملتفين حول رسوله، ولتبث فيهم الطمأنينة والغبطة والبشرى بما ينتظرهم من قرة العين وعظيم الفوز في الآخرة، وما سبيل ذلك من استغفار الملائكة لهم والدعاء إلى الله من أجلهم مقابلة لذكر مصير الكفار وما احتوته الآيات السابقة من التنديد بهم وإنذارهم.
تعليق على
ما جاء عن الملائكة في هذه الآيات
ومع التنبيه إلى أن ما ذكر عن الملائكة في هذه الآيات متصل من حيث ذاتية الأمر بسر الملائكة المغيب الذي يجب الإيمان به، على ما شرحناه في سياق سورة المدثر، فإن مما يتبادر والله أعلم أن ذكرهم بالصيغة الرائعة التي ذكروا بها قد قصد به الإشارة إلى أن أكثر الملائكة قربا إلى الله هم حملة العرش ومن حوله هم أكثر المخلوقات خضوعا له واعترافا بعظمته أولا، وإلى أن شفاعتهم واستغفارهم إنما هما للمؤمنين المتقين ثانيا. وفي هذا وذاك أسلوب من الرد القوي على المشركين العرب فيما يعتقدونه من كون الملائكة بنات الله وإشراكهم معه في العبادة على أمل شفاعتهم لهم عند الله، وفيهما كذلك أسلوب من التنويه القوي بالمؤمنين المستجيبين إلى دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد ذكرنا في سياق تفسير سورة البروج أن تعبير عرش الله أولى أن يصرف إلى قصد تصوير عظمة الله، وأنه تعبير تمثيلي ؛ لأن الناس في الدنيا اعتادوا أن يرو عروش الملوك، وأن يقيسوا عظمتهم بعظمة ملكهم وعروشهم وأن يرو هذه العروش رمزا لملكهم وسلطانهم وقوتهم بل وأن يعبروا عن ذلك بها. ويتبادر لنا والله أعلم أنه يحسن أن يفسر قصد ذكر حمل الملائكة العرش والتفافهم حوله على ضوء ذلك.
ولقد أورد بعض المفسرين في سياق هذه الآيات بيانات حول ماهية الملائكة وخلقهم وكيفية حملهم العرش ومواقفهم حوله فيها كثير من الإغراب. ومن ذلك ما رواه البغوي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ). عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال :( إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله والأشياء كلها في العرش كحلقة ملقاة في فلاة ).
وعن وهب بن منبه أن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة صف خلف صف يطوفون بالعرش يقبل هؤلاء ويقبل هؤلاء. فإذا استقبل بعضهم بعضا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم فقالوا : سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت الله لا إله غيرك أنت الأكبر، الخلق كلهم راجون، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا وهو يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر. ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربعمائة عام، واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نور وسبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من در أبيض وسبعين حجابا من ياقوت أصفر وسبعين حجابا من زبرجد أخضر وسبعين حجابا من ثلج وسبعين حجابا من ماء وسبعين حجابا من برد وما لا يعلمه إلا الله تعالى. ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان. ولكل واحد منهم أربعة أجنحة جناحا على وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق وجناحان يهفو بهما كما يهفو الطائر بجناحيه إذا حركهما ليس لهم كلام إلا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.
ومن ذلك ما روى الخازن عن ابن عباس أن ما بين أحد أحد الملائكة الذي يحملون العرش إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام، وأقدامهم في تخوم الأرضين والأرضون والسماوات إلى حجزهم، وقيل إن أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة وأهل السماء السابعة أشد خوفا من التي تليها والتي تليها أشد خوفا من التي تليها وحملة العرش هم أشرف الملائكة وأفضلهم لقربهم من الله عز وجل وهم على صورة الأوعال ).
وعن ابن وهب أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنه يحمل عرش الله اليوم أربعة ويوم القيامة ثمانية من الملائكة أقدامهم في الأرض السابعة ومناكبهم خارجة من السماوات عليها العرش، وأن الله لما خلقهم سألهم أتدرون لما خلقتكم ؟ قالوا : خلقتنا ربنا لما تشاء، وقال : تحملون العرش. ثم قال : سلوني من القوة ما شئتم أجعلها فيكم. فقال واحد منهم : قد كان عرش ربنا على الماء فاجعل في قوة الماء. قال : قد جعلت. وقال آخر : اجعل في قوة السماوات. قال : قد جعلت. وقال الآخر : اجعل في قوة الأرض، قال : قد جعلت. وقال آخر : اجعل في قوة الريح. قال : قد جعلت، ثم قال : احملوا فوضعوا العرش على كواهلهم فلم يزولوا قال : فجاء علم آخر إنما كان علمهم الذي سألوه القوة فقال لهم : قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله فقالوا، فجعل الله فيهم من الحول والقوة ما لم يبلغه علمهم فحملوا ).
وفي تفسير البغوي زيادة في وصف الملائكة قال : إنها من حديث نبوي دون أن يذكر راويا أو سندا وفي الزيادة :( أن الملائكة على صورة الأوعال بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين السماء إلى السماء ). وفي رواية من حديث آخر بدون راو ولا سند ( أن لكل منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ). وفي تفسير ابن كثير حديث عن جابر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أذن لي أن أحدثكم عن ملك من حملة العرش بعد ما بين شحمة أذنه وعنقه مخفق الطير سبعمائة عام ).
وفي تفسير الطبري في سياق تفسير آية الأحقاف هذه :﴿ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ( ١٧ ) ﴾ قول منسوب إلى ابن عباس أن الثمانية هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، وهذه غير موثقة الإسناد وغير واردة في كتب الأحاديث الصحيحة. وهناك حديث رواه الترمذي وأبو داود عن العباس رضي الله عنه قال :( كنت جالسا في البطحاء في عصابة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم إذ مرت عليهم سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل تدرون ما اسم هذه ؟ قالوا : نعم هذا السحاب. فقال : والمزن قالوا : والمزن قال : والعنان قالوا : والعنان ثم قال : هل تذرون كم بعد ما بين السماء والأرض ؟ فقالوا : لا. قال : إن بعد ما بينهما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عدهن سبع سماوات ثم قال : فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما من السماء إلى السماء وفوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن ما بين سماء إلى سماء فوق ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين سماء إلى سماء والله فوق ذلك )١.
ومهما يكن من أمر فإن من واجب المسلم أن يؤمن بما جاء في القرآن والحديث النبوي الصحيح وبقدرة الله على كل شيء مع تنزيهه عن الجسمانية والمماثلة لأي شيء من خلقه، ومع الإيمان بأن ما ورد في القرآن والحديث الصحيح على الوجه الذي ورد به لا بد من أن يكون لحكمة سامية، منها ما ذكرناه في بداية هذا التعليق، والله تعالى أعلم.
تعليق على جملة
﴿ ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ﴾
إن المعنى في هذه الجملة تكرر في آيات أخرى، وجاء تقريرا مباشرا من الله عز وجل مثل آية الرعد هذه :﴿ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( ٢٣ ) ﴾ وآية سورة الطور هذه :﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ( ٢١ ) ﴾. ويتبادر لنا بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المغيبة التي يجب الإيمان بها أنه قد هدف بذلك أولا إلى تطمين المؤمنين الصالحين بمصير من يمت إليهم برحم قريب بمصير يجمعهم معهم في مصير سعيد واحد تساوقا مع الظاهرة الإنسانية المعروفة أي شغف الناس بذوي رحمهم القريبين، وهذا متساوق مع نظم القرآن وحكمة الله في كون مشاهد الحياة الأخروية مماثلة لمألوف الدنيا على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
وثانيا : إلى التنبيه على أن ذلك رهن بصلاح ذوي رحم المؤمنين الصالحين، وأنه ليس من شأن نسبتهم إليهم وحسب أن تجعل لهم سبيلا إلى ذلك المصير السعيد المماثل لمصير ذويهم الصالحين إذا لم يكونوا مؤمنين صالحين مثلهم. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل شامل ومستمر المدى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧:﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ( ٧ ) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ( ٨ ) وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ( ٩ ) ﴾ [ ٧ – ٩ ].
في الآيات إشارة ضمنية إلى الملائكة وإيمانهم بالله وتقديسهم له، واستغفارهم للمؤمنين والدعاء لهم، بأسلوب قوي رائع وعبارة واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر.
والمتبادر أن الآيات جاءت معقبة على الآيات السابقة لتنوه بالمؤمنين المنيبين إلى الله المتبعين سبيله والملتفين حول رسوله، ولتبث فيهم الطمأنينة والغبطة والبشرى بما ينتظرهم من قرة العين وعظيم الفوز في الآخرة، وما سبيل ذلك من استغفار الملائكة لهم والدعاء إلى الله من أجلهم مقابلة لذكر مصير الكفار وما احتوته الآيات السابقة من التنديد بهم وإنذارهم.
تعليق على
ما جاء عن الملائكة في هذه الآيات
ومع التنبيه إلى أن ما ذكر عن الملائكة في هذه الآيات متصل من حيث ذاتية الأمر بسر الملائكة المغيب الذي يجب الإيمان به، على ما شرحناه في سياق سورة المدثر، فإن مما يتبادر والله أعلم أن ذكرهم بالصيغة الرائعة التي ذكروا بها قد قصد به الإشارة إلى أن أكثر الملائكة قربا إلى الله هم حملة العرش ومن حوله هم أكثر المخلوقات خضوعا له واعترافا بعظمته أولا، وإلى أن شفاعتهم واستغفارهم إنما هما للمؤمنين المتقين ثانيا. وفي هذا وذاك أسلوب من الرد القوي على المشركين العرب فيما يعتقدونه من كون الملائكة بنات الله وإشراكهم معه في العبادة على أمل شفاعتهم لهم عند الله، وفيهما كذلك أسلوب من التنويه القوي بالمؤمنين المستجيبين إلى دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد ذكرنا في سياق تفسير سورة البروج أن تعبير عرش الله أولى أن يصرف إلى قصد تصوير عظمة الله، وأنه تعبير تمثيلي ؛ لأن الناس في الدنيا اعتادوا أن يرو عروش الملوك، وأن يقيسوا عظمتهم بعظمة ملكهم وعروشهم وأن يرو هذه العروش رمزا لملكهم وسلطانهم وقوتهم بل وأن يعبروا عن ذلك بها. ويتبادر لنا والله أعلم أنه يحسن أن يفسر قصد ذكر حمل الملائكة العرش والتفافهم حوله على ضوء ذلك.
ولقد أورد بعض المفسرين في سياق هذه الآيات بيانات حول ماهية الملائكة وخلقهم وكيفية حملهم العرش ومواقفهم حوله فيها كثير من الإغراب. ومن ذلك ما رواه البغوي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ). عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال :( إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله والأشياء كلها في العرش كحلقة ملقاة في فلاة ).
وعن وهب بن منبه أن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة صف خلف صف يطوفون بالعرش يقبل هؤلاء ويقبل هؤلاء. فإذا استقبل بعضهم بعضا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم فقالوا : سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت الله لا إله غيرك أنت الأكبر، الخلق كلهم راجون، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا وهو يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر. ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربعمائة عام، واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نور وسبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من در أبيض وسبعين حجابا من ياقوت أصفر وسبعين حجابا من زبرجد أخضر وسبعين حجابا من ثلج وسبعين حجابا من ماء وسبعين حجابا من برد وما لا يعلمه إلا الله تعالى. ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان. ولكل واحد منهم أربعة أجنحة جناحا على وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق وجناحان يهفو بهما كما يهفو الطائر بجناحيه إذا حركهما ليس لهم كلام إلا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.
ومن ذلك ما روى الخازن عن ابن عباس أن ما بين أحد أحد الملائكة الذي يحملون العرش إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام، وأقدامهم في تخوم الأرضين والأرضون والسماوات إلى حجزهم، وقيل إن أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة وأهل السماء السابعة أشد خوفا من التي تليها والتي تليها أشد خوفا من التي تليها وحملة العرش هم أشرف الملائكة وأفضلهم لقربهم من الله عز وجل وهم على صورة الأوعال ).
وعن ابن وهب أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنه يحمل عرش الله اليوم أربعة ويوم القيامة ثمانية من الملائكة أقدامهم في الأرض السابعة ومناكبهم خارجة من السماوات عليها العرش، وأن الله لما خلقهم سألهم أتدرون لما خلقتكم ؟ قالوا : خلقتنا ربنا لما تشاء، وقال : تحملون العرش. ثم قال : سلوني من القوة ما شئتم أجعلها فيكم. فقال واحد منهم : قد كان عرش ربنا على الماء فاجعل في قوة الماء. قال : قد جعلت. وقال آخر : اجعل في قوة السماوات. قال : قد جعلت. وقال الآخر : اجعل في قوة الأرض، قال : قد جعلت. وقال آخر : اجعل في قوة الريح. قال : قد جعلت، ثم قال : احملوا فوضعوا العرش على كواهلهم فلم يزولوا قال : فجاء علم آخر إنما كان علمهم الذي سألوه القوة فقال لهم : قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله فقالوا، فجعل الله فيهم من الحول والقوة ما لم يبلغه علمهم فحملوا ).
وفي تفسير البغوي زيادة في وصف الملائكة قال : إنها من حديث نبوي دون أن يذكر راويا أو سندا وفي الزيادة :( أن الملائكة على صورة الأوعال بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين السماء إلى السماء ). وفي رواية من حديث آخر بدون راو ولا سند ( أن لكل منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ). وفي تفسير ابن كثير حديث عن جابر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أذن لي أن أحدثكم عن ملك من حملة العرش بعد ما بين شحمة أذنه وعنقه مخفق الطير سبعمائة عام ).
وفي تفسير الطبري في سياق تفسير آية الأحقاف هذه :﴿ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ( ١٧ ) ﴾ قول منسوب إلى ابن عباس أن الثمانية هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، وهذه غير موثقة الإسناد وغير واردة في كتب الأحاديث الصحيحة. وهناك حديث رواه الترمذي وأبو داود عن العباس رضي الله عنه قال :( كنت جالسا في البطحاء في عصابة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم إذ مرت عليهم سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل تدرون ما اسم هذه ؟ قالوا : نعم هذا السحاب. فقال : والمزن قالوا : والمزن قال : والعنان قالوا : والعنان ثم قال : هل تذرون كم بعد ما بين السماء والأرض ؟ فقالوا : لا. قال : إن بعد ما بينهما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عدهن سبع سماوات ثم قال : فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما من السماء إلى السماء وفوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن ما بين سماء إلى سماء فوق ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين سماء إلى سماء والله فوق ذلك )١.
ومهما يكن من أمر فإن من واجب المسلم أن يؤمن بما جاء في القرآن والحديث النبوي الصحيح وبقدرة الله على كل شيء مع تنزيهه عن الجسمانية والمماثلة لأي شيء من خلقه، ومع الإيمان بأن ما ورد في القرآن والحديث الصحيح على الوجه الذي ورد به لا بد من أن يكون لحكمة سامية، منها ما ذكرناه في بداية هذا التعليق، والله تعالى أعلم.
تعليق على جملة
﴿ ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ﴾
إن المعنى في هذه الجملة تكرر في آيات أخرى، وجاء تقريرا مباشرا من الله عز وجل مثل آية الرعد هذه :﴿ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( ٢٣ ) ﴾ وآية سورة الطور هذه :﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ( ٢١ ) ﴾. ويتبادر لنا بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المغيبة التي يجب الإيمان بها أنه قد هدف بذلك أولا إلى تطمين المؤمنين الصالحين بمصير من يمت إليهم برحم قريب بمصير يجمعهم معهم في مصير سعيد واحد تساوقا مع الظاهرة الإنسانية المعروفة أي شغف الناس بذوي رحمهم القريبين، وهذا متساوق مع نظم القرآن وحكمة الله في كون مشاهد الحياة الأخروية مماثلة لمألوف الدنيا على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
وثانيا : إلى التنبيه على أن ذلك رهن بصلاح ذوي رحم المؤمنين الصالحين، وأنه ليس من شأن نسبتهم إليهم وحسب أن تجعل لهم سبيلا إلى ذلك المصير السعيد المماثل لمصير ذويهم الصالحين إذا لم يكونوا مؤمنين صالحين مثلهم. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل شامل ومستمر المدى.
المقت : الغضب الشديد.
وواضح أن الآيات عودا على بدء في صدد ذكر ما أعد للكفار يوم القيامة، وهي متصلة بالسياق. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وإثارة الرعب والندم في نفوسهم، مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الذي أخبرت به.
تعليق على جملة
﴿ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ﴾
ولقد تعددت أقوال المفسرين في مفهوم جملة ﴿ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ﴾ ورووا عن ابن مسعود وغيره وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم أحاديث في سياقها وفي سياق آية سورة البقرة [ ٢٨ ] التي جاء فيها :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ( ٢٨ ) ﴾١ وأوجه ما فيها أنهم فسروا هذه الجملة بآية البقرة وفسروا الموت الأول في آية البقرة بحالة الإنسان قبل الحياة. والحياة الأولى بحياة الإنسان في حالة الجنين فالولادة. والموت الثاني بموت الأجل، والحياة الثانية بحياة البعث الأخروي.
على أن روح الآيات تلهم أن مجيء القول على لسان حال الكفار قد قصد به حكاية ما سوف يصدر منهم من اعتراف بقدرة الله على الإماتة والإحياء، والإحياء والإماتة المرة بعد المرة في سياق استشعارهم بالندم والتماسهم الوسيلة للخروج من ورطتهم في رجعة ثانية إلى الدنيا هي في قدرته مما تضمنت آيات أخرى حكاية عن لسانهم منها الآية [ ٥٨ ] من السورة السابقة التي تقول ﴿ أو تقول حين العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ﴾ وآية سورة فاطر هذه :﴿ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ( ٣٧ ) ﴾
وواضح أن الآيات عودا على بدء في صدد ذكر ما أعد للكفار يوم القيامة، وهي متصلة بالسياق. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وإثارة الرعب والندم في نفوسهم، مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الذي أخبرت به.
تعليق على جملة
﴿ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ﴾
ولقد تعددت أقوال المفسرين في مفهوم جملة ﴿ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ﴾ ورووا عن ابن مسعود وغيره وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم أحاديث في سياقها وفي سياق آية سورة البقرة [ ٢٨ ] التي جاء فيها :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ( ٢٨ ) ﴾١ وأوجه ما فيها أنهم فسروا هذه الجملة بآية البقرة وفسروا الموت الأول في آية البقرة بحالة الإنسان قبل الحياة. والحياة الأولى بحياة الإنسان في حالة الجنين فالولادة. والموت الثاني بموت الأجل، والحياة الثانية بحياة البعث الأخروي.
على أن روح الآيات تلهم أن مجيء القول على لسان حال الكفار قد قصد به حكاية ما سوف يصدر منهم من اعتراف بقدرة الله على الإماتة والإحياء، والإحياء والإماتة المرة بعد المرة في سياق استشعارهم بالندم والتماسهم الوسيلة للخروج من ورطتهم في رجعة ثانية إلى الدنيا هي في قدرته مما تضمنت آيات أخرى حكاية عن لسانهم منها الآية [ ٥٨ ] من السورة السابقة التي تقول ﴿ أو تقول حين العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ﴾ وآية سورة فاطر هذه :﴿ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ( ٣٧ ) ﴾
وواضح أن الآيات عودا على بدء في صدد ذكر ما أعد للكفار يوم القيامة، وهي متصلة بالسياق. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وإثارة الرعب والندم في نفوسهم، مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الذي أخبرت به.
تعليق على جملة
﴿ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ﴾
ولقد تعددت أقوال المفسرين في مفهوم جملة ﴿ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ﴾ ورووا عن ابن مسعود وغيره وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم أحاديث في سياقها وفي سياق آية سورة البقرة [ ٢٨ ] التي جاء فيها :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ( ٢٨ ) ﴾١ وأوجه ما فيها أنهم فسروا هذه الجملة بآية البقرة وفسروا الموت الأول في آية البقرة بحالة الإنسان قبل الحياة. والحياة الأولى بحياة الإنسان في حالة الجنين فالولادة. والموت الثاني بموت الأجل، والحياة الثانية بحياة البعث الأخروي.
على أن روح الآيات تلهم أن مجيء القول على لسان حال الكفار قد قصد به حكاية ما سوف يصدر منهم من اعتراف بقدرة الله على الإماتة والإحياء، والإحياء والإماتة المرة بعد المرة في سياق استشعارهم بالندم والتماسهم الوسيلة للخروج من ورطتهم في رجعة ثانية إلى الدنيا هي في قدرته مما تضمنت آيات أخرى حكاية عن لسانهم منها الآية [ ٥٨ ] من السورة السابقة التي تقول ﴿ أو تقول حين العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ﴾ وآية سورة فاطر هذه :﴿ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ( ٣٧ ) ﴾
رزقا : هنا بمعنى الماء على اعتبار ما يكون من أثر المطر في تيسير الرزق.
تعليق على جملة
﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾
وجملة ﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾ في الآية الأولى من هذه الآيات تضمنت تقرير كون الذين يرغبون في الحق والإنابة إلى الله هم وحدهم الذين يفهمون آياته ويشعرون بعظمة كونه ويؤمنون به حينما يدعون ويذكرون وهي مقابل جملة ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة من السورة ؛ حيث انطوى فيها كذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى.
يوم التلاق : يوم الاجتماع وهو كناية عن يوم القيامة.
تعليق على جملة
﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾
وجملة ﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾ في الآية الأولى من هذه الآيات تضمنت تقرير كون الذين يرغبون في الحق والإنابة إلى الله هم وحدهم الذين يفهمون آياته ويشعرون بعظمة كونه ويؤمنون به حينما يدعون ويذكرون وهي مقابل جملة ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة من السورة ؛ حيث انطوى فيها كذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى.
تعليق على آية
﴿ فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ( ١٤ ) ﴾
وفي الآية [ ١٤ ] تكرار للأوامر الربانية التي تكررت في السورة السابقة بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له مع زيادة ذات مغزى وهي حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين على ذلك ولو أغاظ الكفار وكرهوه. حيث قد يفيد هذا أن الأوامر الربانية الأولى قد أغاظت الكفار وجعلتهم ييأسون من تراجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن موقفه تجاه شركهم وتقاليدهم. وحيث قد يكون قرينة أخرى على صحة ترتيب نزول هذه السورة بعد السورة السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآية حديثا رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وكان يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يهلل بهذه الكلمات دبر كل صلاة ؛ حيث ينطوي في الحديث صورة من صور التعليم النبوي المستهل من الآيات القرآنية بسبيل إعلان الإخلاص له وحده.
تعليق على جملة
﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾
وجملة ﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾ في الآية الأولى من هذه الآيات تضمنت تقرير كون الذين يرغبون في الحق والإنابة إلى الله هم وحدهم الذين يفهمون آياته ويشعرون بعظمة كونه ويؤمنون به حينما يدعون ويذكرون وهي مقابل جملة ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة من السورة ؛ حيث انطوى فيها كذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى.
تعليق على جملة
﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾
وجملة ﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾ في الآية الأولى من هذه الآيات تضمنت تقرير كون الذين يرغبون في الحق والإنابة إلى الله هم وحدهم الذين يفهمون آياته ويشعرون بعظمة كونه ويؤمنون به حينما يدعون ويذكرون وهي مقابل جملة ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة من السورة ؛ حيث انطوى فيها كذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى.
تعليق على جملة
﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾
وجملة ﴿ وما يتذكر إلا من ينيب ﴾ في الآية الأولى من هذه الآيات تضمنت تقرير كون الذين يرغبون في الحق والإنابة إلى الله هم وحدهم الذين يفهمون آياته ويشعرون بعظمة كونه ويؤمنون به حينما يدعون ويذكرون وهي مقابل جملة ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ في الآية الرابعة من السورة ؛ حيث انطوى فيها كذلك معنى محكم يصح أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى.
الآزفة : القريبة أو التي تسوق الناس وتزفهم بالسرعة. وهي كناية عن الساعة أو يوم القيامة.
إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين : الكظم بمعنى الكتم والإمساك. ومعنى الجملة إذ القلوب ترتفع من شدة الاضطراب إلى الحناجر فتكتم حلوق أصحابها وأنفاسهم فلا تستطيع خروجا ولا تستطيع العودة إلى أماكنها. وهي بسبيل تصوير حالة الهلع الشديد التي تعتري الكفار.
حميم : صديق مشفق.
وقد أشارت إلى سعة إحاطة الله بأعمال الناس ونواياهم فهو يعلم كل حركة من حركاتهم خفيها وظاهرها حتى ما يدق على المشاهدين مما تنطوي عليه لحظات العيون وتخفيه الصدور من النوايا المريبة. فهو السميع لكل شيء النافد بصره إلى كل شيء. وهو الذي سيقضي بين الناس بالحق وفق أعمالهم، أما الشركاء الذين يدعوهم المشركون مع الله فليس لهم أي قدرة على شيء أو القضاء في أي شيء أو النفوذ إلى أي شيء.
وواضح أن هذه الآيات هي أيضا استمرار للآيات السابقة، وأنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب واليأس في قلوب المشركين وحملهم على الارعواء.
وقد أشارت إلى سعة إحاطة الله بأعمال الناس ونواياهم فهو يعلم كل حركة من حركاتهم خفيها وظاهرها حتى ما يدق على المشاهدين مما تنطوي عليه لحظات العيون وتخفيه الصدور من النوايا المريبة. فهو السميع لكل شيء النافد بصره إلى كل شيء. وهو الذي سيقضي بين الناس بالحق وفق أعمالهم، أما الشركاء الذين يدعوهم المشركون مع الله فليس لهم أي قدرة على شيء أو القضاء في أي شيء أو النفوذ إلى أي شيء.
وواضح أن هذه الآيات هي أيضا استمرار للآيات السابقة، وأنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب واليأس في قلوب المشركين وحملهم على الارعواء.
وقد أشارت إلى سعة إحاطة الله بأعمال الناس ونواياهم فهو يعلم كل حركة من حركاتهم خفيها وظاهرها حتى ما يدق على المشاهدين مما تنطوي عليه لحظات العيون وتخفيه الصدور من النوايا المريبة. فهو السميع لكل شيء النافد بصره إلى كل شيء. وهو الذي سيقضي بين الناس بالحق وفق أعمالهم، أما الشركاء الذين يدعوهم المشركون مع الله فليس لهم أي قدرة على شيء أو القضاء في أي شيء أو النفوذ إلى أي شيء.
وواضح أن هذه الآيات هي أيضا استمرار للآيات السابقة، وأنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب واليأس في قلوب المشركين وحملهم على الارعواء.
تساءلت الآيات تساؤل المنكر المندد المذكر عما إذا كان الكفار لم يسيروا في الأرض ولم يروا من الآثار ما كان عاقبة الذين من قبلهم ؛ حيث أخذهم الله بذنوبهم أخذا قويا مدمرا ما تزال آثاره قائمة مشاهدة، ولم يكن لهم منه نصير ولا واق، وقد كانوا أشد منهم قوة وتمكنا وآثارا في الأرض، وذلك بسبب كفرهم حينما كانت تأتيهم رسل الله بالبينات وتدعوهم إليه. ولقد أخذهم الله وهو قوي شديد العقاب قادر على أخذ أمثالهم أيضا.
والآيات كما هو المتبادر متصلة بالآيات السابقة اتصال تعقيب وتذكير وإنذار واستطراد وروحها ومضمونها يلهمان أن العرب كانوا يشاهدون آثار الأمم السابقة المدمرة، ويتداولون فيما بينهم أنها دمرت ببلاء رباني مما تكرر تقريره في آيات عديدة أخرى مرت أمثلة منها في السورة السابقة، وهذا ما يقوي الآيات في إنذارها وتنديدها.
تساءلت الآيات تساؤل المنكر المندد المذكر عما إذا كان الكفار لم يسيروا في الأرض ولم يروا من الآثار ما كان عاقبة الذين من قبلهم ؛ حيث أخذهم الله بذنوبهم أخذا قويا مدمرا ما تزال آثاره قائمة مشاهدة، ولم يكن لهم منه نصير ولا واق، وقد كانوا أشد منهم قوة وتمكنا وآثارا في الأرض، وذلك بسبب كفرهم حينما كانت تأتيهم رسل الله بالبينات وتدعوهم إليه. ولقد أخذهم الله وهو قوي شديد العقاب قادر على أخذ أمثالهم أيضا.
والآيات كما هو المتبادر متصلة بالآيات السابقة اتصال تعقيب وتذكير وإنذار واستطراد وروحها ومضمونها يلهمان أن العرب كانوا يشاهدون آثار الأمم السابقة المدمرة، ويتداولون فيما بينهم أنها دمرت ببلاء رباني مما تكرر تقريره في آيات عديدة أخرى مرت أمثلة منها في السورة السابقة، وهذا ما يقوي الآيات في إنذارها وتنديدها.
سلطان مبين : حجة واضحة مستعلية.
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تباب : هلاك وخسران وضياع.
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
تعليق على قصة موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون،
وما فيها من تماثل مع صور السيرة النبوية والتقريرات القرآنية
المباشرة في صددها، وما في ذلك من عبر وتلقين
والجديد في القصة جمع قارون إلى فرعون وهامان وكون موسى أرسل إليه أيضا. وحكاية موقف الرجل المؤمن من آل فرعون وخطابه إلى فرعون وقومه، وقول فرعون ذروني أقتل موسى.
أما ما عدا ذلك فهو متسق إجمالا مع ما جاء في السور السابقة خلال قصص موسى وفرعون مما علقنا عليه بما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله فنكتفي بذلك بالنسبة لما اتسق بين ما جاء في هذه السورة والسور السابقة.
ولقد ذكر قارون في سورة القصص وأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم، ولم يذكر فيها أنه كان في زمن موسى ولم ينف ذلك أيضا. وفي تعليقنا على قصة قارون في السورة المذكورة رجحنا أن قصة قارون وهويته مما كان واردا في بعض أسفار اليهود المتداولة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتسق مع ما ورد عنها إجمالا في القرآن، وأن سامعي القرآن من العرب أو بعضهم كان يعرف ذلك عن طريق اليهود. وهذا يشمل فيما هو المتبادر وما ذكر عنه في هذه السورة ولم يذكر في سورة القصص.
ولقد ذكر في سورة القصص أن رجلا حذر موسى وحثه على الخروج، ورجحنا في سياق تفسير ذلك أنه مما كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض أسفارهم التي كانت في أيديهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ما يصح أن يقال بالنسبة للرجل المؤمن من آل فرعون وموقفه. وهذا يقال أيضا في صدد قول فرعون ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ الذي ليس واردا في الأسفار المتداولة اليوم.
وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فيها بعض البيانات عن مؤمن آل فرعون واسمه وهويته ووقت إيمانه مما يمكن أن يدل على تداول قصته في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته ويؤيد ما رجحناه١. ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص، وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدوا من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا :( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشأنه فإن نجح كان في نجاحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخيل ساحر. ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور٢ وتذكير بمواقف مماثلة في سياق قصة رسول من رسل الله السابقين.
وفي آيات القصة حكاية لأقوال عديدة من أقوال مؤمن آل فرعون مشابهة لجمل قرآنية عديدة وجهت مباشرة إلى الكفار العرب ؛ منها إنذار مؤمن آل فرعون لقومه بمصير الأمم السابقة المكذبة مثل قوم نوح وعاد وثمود، ومنها تنبيه المؤمن قومه إلى أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ففي كل هذا يظهر هدف العظة والزجر والدعوة والتأسي والتسلية والتثبيت والتنديد في آيات القصة قويا بارزا كما ينطوي فيه تلقينات مستمرة المدى. وهذا بالإضافة إلى ما في موقف هذا المؤمن الجريء المندد بفرعون وقومه والداعي إلى الله والمنذر بعذابه للمصريين على الكفر رغم كونه وحيدا من تلقين في إيجاب المواقف المماثلة على المؤمنين المخلصين دون خوف ورهبة من الظالمين. ولقد روى أصحاب السنن حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر )٣. حيث يتساوق التلقين النبوي مع ما استلهمناه من التلقين القرآني.
ولقد جاء في آيات هذه السورة والسورة السابقة لها فضلا عما قبلهما أوامر قرآنية مباشرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له ورفض دعوة المشركين إلى مشاركتهم في عبادتهم وتقاليدهم، وبين هذا وبين ما جاء في القصة من كلام الرجل المؤمن لقومه [ الآيات / ٤١ – ٤٤ ] تماثل.
ولقد جاءت في آيات هذه القصة مقاطع فيها تعليقات وتنبيهات وعظية بليغة جريا على الأسلوب القرآني البديع، منها ما هو تعليقات وتنبيهات مباشرة، ومنها ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون، فالله لا يسعد ولا يوفق البغاة الكذابين [ الآية ٢٨ ]. والله لا يريد ظلما لعباده ولذلك جرى على سنة إرسال رسله لإنذارهم ودعوتهم [ الآيات ٢٩ – ٣٠ ] والله إنما يضل البغاة المرتابين الذين يجادلون في آيات الله بالباطل والذين استوجبوا مقت الله وإنما يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين [ الآيات ٣٣ – ٣٤ ].
وإنه من عجيب أمرهم أنه بينما يدعوهم إلى النجاة يدعونه إلى النار ويريدون أن يكفر بالله ويشرك به غيره الذي لا يملك من الأمر شيئا، وإن مرد الناس جميعهم إلى الله وأن المسرفين في الانحراف هم وحدهم أصحاب النار [ ٤١ – ٤٣ ] ولسوف يذكرون ما يقول لهم في يوم ما ويندمون على مواقفهم وأنه يفوض أمره إلى الله البصير بأمور عباده [ ٤٤ ].
وبين هذه التعليقات ما جاء في كثير من التقريرات القرآنية المباشرة التي مرت أمثلة منها في السور السابقة تماثل كذلك. وواضح أن هذا التماثل مما يبرز قصد القصة الوعظي والتذكيري والتمثيلي.
استطراد إلى مذهب التقية بصورة عامة وعند الشيعيين بصورة خاصة
وتعليق عليه
إن مفسري الشيعة وفقهاءهم يقفون عند جملة ﴿ رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ﴾ فيسوقونها كدليل من جملة الأدلة على مذهب التقية الذي يعتنقونه. وقد روى المفسر الطبرسي في سياقها قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة جاء فيه :( إنما هذا الرجل كان يكتم إيمانه تقية من القتل، وإن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض ).
والمتبادر أن في اتخاذ الشيعة هذه الآية سندا لمذهب التقية تجوزا، فيه من سياق فيه حكاية قصة من قصص رسالة موسى عليه السلام وليست تشريعا للمسلمين، وفي السياق إلى هذا حكاية الموقف الجريء الذي نوهنا به والذي يتناقض مع فكرة التقية والمداراة.
ويستند الشيعة إلى آية سورة آل عمران هذه أيضا :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( ٢٨ ) ﴾ والآية إنما تجيز التقية إزاء الكفار وحسب في حين أن الشيعة يتوسعون في مذهبهم ويسوغونه في كل حالة وموقف وإزاء الكفار والمسلمين على السواء يعتبرونه أساسا مهما من أسس الدين أو المذهب كما تفيده الرواية المروية عن أبي عبد الله التي أوردناها آنفا، ويسوقون مع هذه الرواية أحاديث نبوية أخرى لتأييد مذهبهم التوسعي لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك حديث يرويه العياشي أحد محدثيهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( لا دين لمن لا تقية له )٤. وهذه الجملة وردت في القول المنسوب لأبي عبد الله. ومنها حديث رواه الديلمي جاء فيه :( إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض وفي رواية بعثت بالمداراة )٥. ومنها حديث رواه ابن أبي الدنيا جاء فيه :( رأس العقل بعد الإيمان مداراة الناس )٦. ومنها حديث رواه ابن عدي وابن عساكر جاء فيه :( من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ). ويسوقون مع هذه الأحاديث رواية طريفة يرويها المفسر العسكري جاء فيها :( إن الباقر وهو إمامهم الرابع نظر إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة – والمقصود إنه صلى مؤتما بإمام سني غير شيعي – وأحس الشيعي أن الباقر عرف ذلك منه فقصده وقال له : أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتي خلف فلان فإنها تقية، ولولا ذلكم لصليت وحدي. فقال له الباقر : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت. يا عبد الله المؤمن ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك. وإن الله تعالى أمر أن تحسب صلاتك خلفه بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية )٧.
وبقطع النظر عن صحة هذه الأحاديث وعدمها فقد يصح أن يقال : إن مذهب التقية أو المداراة وجيه وحق في حالة موجهة الخطر والضرر المؤكدين اللذين لا يمكن اتقاؤهما بغير ذلك وسواء أكان هذا إزاء الكفار أم إزاء شرار المسلمين وبغاتهم والقادرين على الكيد والضرر والأذى منهم مما قد يلهمه تلقين آية سورة النحل هذه :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...... ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٨. وحديث رواه الأربعة عن عائشة قالت :( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال : يا عائشة، إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه )٩. غير أن التوسع في هذا المذهب وتشميله لأية حالة وموقف إطلاق هو من مميزات المذهب الشيعي الذي لا نراه معقولا إلا في حالة الخطر والضرر الأكيدين والله أعلم.
هذا، وهناك أقوال وحدود أخرى للمؤولين والمفسرين وردت في سياق آية سورة آل عمران [ ٣٨ ] سنوردها ونعلق عليها عند تفسير هذه الآية.
تعليق على ذكر عاد وثمود ورسالة يوسف
عليه السلام في الآيات
وفي الآية [ ٣١ ] ذكر لعاد وثمود مع قوم نوح، وقصتا عاد وثمود لم تردا في الأسفار اليهودية المتداولة. وهما، على ما قلنا قبل، عربيتا الموطن أي كانتا في جزيرة العرب. وقد يورد هذا سؤالا عما إذا كان يصح أن تورد قصتهما على لسان مؤمن آل فرعون. ولسنا نر
في الآيات تعقيب على الفصل القصصي كما هو الظاهر، واحتوت تقرير وقاية الله للمؤمن وحكاية ما سوف يكون من أمر فرعون وقومه بعد الموت ويوم القيامة وما سوف يذوقونه من شديد العذاب ومحاورة التابعين والمتبوعين وإلقاء هؤلاء التبعة على أولئك وندم الجميع وحسرتهم ويأسهم من النجاة وتأنيب خزنة النار لهم حينما طلبوا منهم دعاء الله بالتخفيف عنهم.
وأسلوبها قوي نافذ، والهدف الذي استهدفه الفصل القصصي وهو الزجر والعبرة والتذكير والموعظة والإنذار والتنديد قد انطوى في هذا التعقيب أيضا، ويلفت النظر إلى المحاورة المحكية بين الضعفاء والمستكبرين، حيث ورد مثلها على لسان المستضعفين والمستكبرين العرب أيضا في سورة سبأ السابقة لهذه السورة، وحيث ينطوي في هذا التماثل قصد الإنذار والزجر للسامعين أيضا كما هو المتبادر.
تعليق على الجملة
﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ [ ٤٦ ]
واستطراد إلى الأحاديث عن عذاب والقبر
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة وأوردوا تأويلات صحابية وتابعية وأحاديث نبوية في صددها. من ذلك ما رواه الطبري عن البلخي قال :( سمعت الأوزاعي وسأله رجل قال : رحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا لا يعلم عددها إلا الله فإذا كان العشي رجع مثلها سودا قال : وفطنتهم إلى ذلك قالوا : نعم قال : تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سودا فتنبت عليها من الليل رياش بيض وتتناثر السود ثم تغدو يعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها فذلك دأبها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قال الله : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قالوا : وكانوا يقولون إنهم ستمائة ألف ). والحديث لم يرد في كتب الصحاح وهو على غرابته يقتضي أن يكون آل فرعون فقط هم الذين يعرضون على النار !. وقد روى الطبري إلى هذا عن قتادة أنها تعني أن منازلهم من النار تعرض عليهم غدوا وعشيا توبيخا ونقمة وصغارا لهم. وعن مجاهد أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا – ما كانت الدنيا – وهذا يعني أن هذا العرض قبل يوم القيامة. ثم قال الطبري ما مفاده : أن الأولى أخذ الجملة على ظاهرها والوقوف عند ذلك. فالله قال :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ فنقول ذلك وحسب. ومن ذلك ما رواه البغوي عن قتادة ومقاتل والسدي والكلبي أن روح كل كافر تعرض على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا. ومن ذلك قول ابن كثير أنهم – يعني العلماء والمفسرين قبله – استدلوا بهذه الآية على عذاب القبر الذي ورد خبره في أحاديث صحيحة، وأورد حديثا رواه الإمام أحمد عن عائشة جاء فيه :( كانت تخدمنا يهودية فلا نصنع لها شيئا من المعروف إلا قالت : وقاك الله عذاب القبر فدخل علي رسول الله فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال : لا من زعم ذلك قالت : هذه اليهودية لا أصنع معها شيئا من المعروف إلا قالت وقاك الله عذاب القبر قال : كذبت يهودية وهم على الله أكذب لا عذاب دون يوم القيامة. ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته :( القبر كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم بكيتم كثيرا وضحكتم قليلا. أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق ).
وننبه على أن ابن كثير أورد أيضا صيغة مختصرة لهذا الحديث رواها البخاري جاء فيها :( إن يهودية دخلت على عائشة فقالت : نعوذ بالله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عذاب القبر فقال : نعم عذاب القبر حق. ثم قالت : فما رأيت رسول الله بعد صلّى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر ). ومع ذلك فإن ابن كثير لاحظ أن الآية مكية وأن هذه الأحاديث مدنية واستشكل في صواب الاستدلال بالآية على عذاب القبر ثم قال : إن الآية دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا وليس فيها دلالة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ – أي بعد الموت وقبل القيامة – وتألمه بسببه فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث.
ومهما يكن من أمر فإن صيغة الجملة في ذاتها تفيد أن العرض هو بعد الموت وقبل يوم القيامة أو فيما يسمونه البرزخ. وأن من الواجب الإيمان بما ذكرته الجملة وبقدرة الله على ذلك. ومع ما في تأويل قتادة ومقاتل والسدي والكلبي من وجاهة فإن فيما التزمه الطبري من الوقوف عند الجملة بدون تخمين الصواب ما دام ليس هناك أثر نبوي صحيح يفسرها. وهذا لا يمنع القول : إن الجملة قد استهدفت أيضا إثارة الرعب في الكفار من مثل هذا المصير الرهيب.
وما دام عذاب القبر قد ذكر في سياق هذه الجملة فنرى أن نستطرد هنا إليه فنقول : إن هناك أحاديث نبوية عديدة في ذلك بالإضافة إلى الحديثين اللذين أوردهما ابن كثير ونقلناهما آنفا عنه. فمن ذلك حديث يرويه البغوي في سياق هذه الجملة عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فيقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ). ومن ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيقال : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )١. وحديث رواه الشيخان والنسائي عن أسماء قالت :( إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار. فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال يقال : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن، فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأحببناه واتبعناه هو محمد ثلاثا فيقال : نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به. وأما المنافق أو المرتاب فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته )٢. وحديث رواه الخمسة عن ابن عباس قال :( مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين فقال : إنهما ليعذبان في كبير ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، وفي رواية لا يستبرئ من بوله ثم أخذ عودا رطبا فكسره باثنين ثم غرز كل واحد منهما على قبر ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )٣. وحديث رواه الشيخان والنسائي جاء فيه :( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال )٤. وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذرعا في سبعين وينور له فيه ثم يقال له : نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان : نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون، فقلت مثلهم : لا أدري، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك )٥. وهناك أحاديث عديدة أخرى في صيغ متقاربة. وهناك حديث طويل عن البراء أورد في سياق تفسير الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم سنورده في سياقها فنكتفي هنا بما أوردناه٦.
وتعليقا على الموضوع نقول إنه ما دام قد ورد فيه أحاديث صحيحة فمن واجب المسلم أن يؤمن به كواجبه بالإيمان بأخبار الغيب المتنوعة التي تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يدركها العقل العادي ويقف عند ذلك كما هو الشأن فيما جاء من ذلك في القرآن مع الإيمان بأن ذلك في نطاق قدرة الله وبأنه لا بد لذكر ذلك من حكمة. وقد يتبادر أن من هذه الحكمة في هذا الموضوع هو تطمين المؤمن وتثبيته وتشويقه والحث على الإيمان والإخلاص وتخويف الكافر والمنافق وتقبيح الكفر والنفاق.
٢ التاج جـ ١ ص ٣٣٨ – ٣٤٠..
٣ المصدر نفسه..
٤ المصدر نفسه..
٥ النص منقول عن ابن كثير للآية ٢٧ من سورة إبراهيم..
٦ انظر تفسير آية إبراهيم المذكورة في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي..
في الآيات تعقيب على الفصل القصصي كما هو الظاهر، واحتوت تقرير وقاية الله للمؤمن وحكاية ما سوف يكون من أمر فرعون وقومه بعد الموت ويوم القيامة وما سوف يذوقونه من شديد العذاب ومحاورة التابعين والمتبوعين وإلقاء هؤلاء التبعة على أولئك وندم الجميع وحسرتهم ويأسهم من النجاة وتأنيب خزنة النار لهم حينما طلبوا منهم دعاء الله بالتخفيف عنهم.
وأسلوبها قوي نافذ، والهدف الذي استهدفه الفصل القصصي وهو الزجر والعبرة والتذكير والموعظة والإنذار والتنديد قد انطوى في هذا التعقيب أيضا، ويلفت النظر إلى المحاورة المحكية بين الضعفاء والمستكبرين، حيث ورد مثلها على لسان المستضعفين والمستكبرين العرب أيضا في سورة سبأ السابقة لهذه السورة، وحيث ينطوي في هذا التماثل قصد الإنذار والزجر للسامعين أيضا كما هو المتبادر.
تعليق على الجملة
﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ [ ٤٦ ]
واستطراد إلى الأحاديث عن عذاب والقبر
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة وأوردوا تأويلات صحابية وتابعية وأحاديث نبوية في صددها. من ذلك ما رواه الطبري عن البلخي قال :( سمعت الأوزاعي وسأله رجل قال : رحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا لا يعلم عددها إلا الله فإذا كان العشي رجع مثلها سودا قال : وفطنتهم إلى ذلك قالوا : نعم قال : تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سودا فتنبت عليها من الليل رياش بيض وتتناثر السود ثم تغدو يعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها فذلك دأبها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قال الله : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قالوا : وكانوا يقولون إنهم ستمائة ألف ). والحديث لم يرد في كتب الصحاح وهو على غرابته يقتضي أن يكون آل فرعون فقط هم الذين يعرضون على النار !. وقد روى الطبري إلى هذا عن قتادة أنها تعني أن منازلهم من النار تعرض عليهم غدوا وعشيا توبيخا ونقمة وصغارا لهم. وعن مجاهد أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا – ما كانت الدنيا – وهذا يعني أن هذا العرض قبل يوم القيامة. ثم قال الطبري ما مفاده : أن الأولى أخذ الجملة على ظاهرها والوقوف عند ذلك. فالله قال :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ فنقول ذلك وحسب. ومن ذلك ما رواه البغوي عن قتادة ومقاتل والسدي والكلبي أن روح كل كافر تعرض على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا. ومن ذلك قول ابن كثير أنهم – يعني العلماء والمفسرين قبله – استدلوا بهذه الآية على عذاب القبر الذي ورد خبره في أحاديث صحيحة، وأورد حديثا رواه الإمام أحمد عن عائشة جاء فيه :( كانت تخدمنا يهودية فلا نصنع لها شيئا من المعروف إلا قالت : وقاك الله عذاب القبر فدخل علي رسول الله فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال : لا من زعم ذلك قالت : هذه اليهودية لا أصنع معها شيئا من المعروف إلا قالت وقاك الله عذاب القبر قال : كذبت يهودية وهم على الله أكذب لا عذاب دون يوم القيامة. ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته :( القبر كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم بكيتم كثيرا وضحكتم قليلا. أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق ).
وننبه على أن ابن كثير أورد أيضا صيغة مختصرة لهذا الحديث رواها البخاري جاء فيها :( إن يهودية دخلت على عائشة فقالت : نعوذ بالله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عذاب القبر فقال : نعم عذاب القبر حق. ثم قالت : فما رأيت رسول الله بعد صلّى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر ). ومع ذلك فإن ابن كثير لاحظ أن الآية مكية وأن هذه الأحاديث مدنية واستشكل في صواب الاستدلال بالآية على عذاب القبر ثم قال : إن الآية دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا وليس فيها دلالة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ – أي بعد الموت وقبل القيامة – وتألمه بسببه فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث.
ومهما يكن من أمر فإن صيغة الجملة في ذاتها تفيد أن العرض هو بعد الموت وقبل يوم القيامة أو فيما يسمونه البرزخ. وأن من الواجب الإيمان بما ذكرته الجملة وبقدرة الله على ذلك. ومع ما في تأويل قتادة ومقاتل والسدي والكلبي من وجاهة فإن فيما التزمه الطبري من الوقوف عند الجملة بدون تخمين الصواب ما دام ليس هناك أثر نبوي صحيح يفسرها. وهذا لا يمنع القول : إن الجملة قد استهدفت أيضا إثارة الرعب في الكفار من مثل هذا المصير الرهيب.
وما دام عذاب القبر قد ذكر في سياق هذه الجملة فنرى أن نستطرد هنا إليه فنقول : إن هناك أحاديث نبوية عديدة في ذلك بالإضافة إلى الحديثين اللذين أوردهما ابن كثير ونقلناهما آنفا عنه. فمن ذلك حديث يرويه البغوي في سياق هذه الجملة عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فيقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ). ومن ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيقال : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )١. وحديث رواه الشيخان والنسائي عن أسماء قالت :( إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار. فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال يقال : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن، فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأحببناه واتبعناه هو محمد ثلاثا فيقال : نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به. وأما المنافق أو المرتاب فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته )٢. وحديث رواه الخمسة عن ابن عباس قال :( مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين فقال : إنهما ليعذبان في كبير ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، وفي رواية لا يستبرئ من بوله ثم أخذ عودا رطبا فكسره باثنين ثم غرز كل واحد منهما على قبر ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )٣. وحديث رواه الشيخان والنسائي جاء فيه :( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال )٤. وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذرعا في سبعين وينور له فيه ثم يقال له : نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان : نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون، فقلت مثلهم : لا أدري، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك )٥. وهناك أحاديث عديدة أخرى في صيغ متقاربة. وهناك حديث طويل عن البراء أورد في سياق تفسير الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم سنورده في سياقها فنكتفي هنا بما أوردناه٦.
وتعليقا على الموضوع نقول إنه ما دام قد ورد فيه أحاديث صحيحة فمن واجب المسلم أن يؤمن به كواجبه بالإيمان بأخبار الغيب المتنوعة التي تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يدركها العقل العادي ويقف عند ذلك كما هو الشأن فيما جاء من ذلك في القرآن مع الإيمان بأن ذلك في نطاق قدرة الله وبأنه لا بد لذكر ذلك من حكمة. وقد يتبادر أن من هذه الحكمة في هذا الموضوع هو تطمين المؤمن وتثبيته وتشويقه والحث على الإيمان والإخلاص وتخويف الكافر والمنافق وتقبيح الكفر والنفاق.
٢ التاج جـ ١ ص ٣٣٨ – ٣٤٠..
٣ المصدر نفسه..
٤ المصدر نفسه..
٥ النص منقول عن ابن كثير للآية ٢٧ من سورة إبراهيم..
٦ انظر تفسير آية إبراهيم المذكورة في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي..
في الآيات تعقيب على الفصل القصصي كما هو الظاهر، واحتوت تقرير وقاية الله للمؤمن وحكاية ما سوف يكون من أمر فرعون وقومه بعد الموت ويوم القيامة وما سوف يذوقونه من شديد العذاب ومحاورة التابعين والمتبوعين وإلقاء هؤلاء التبعة على أولئك وندم الجميع وحسرتهم ويأسهم من النجاة وتأنيب خزنة النار لهم حينما طلبوا منهم دعاء الله بالتخفيف عنهم.
وأسلوبها قوي نافذ، والهدف الذي استهدفه الفصل القصصي وهو الزجر والعبرة والتذكير والموعظة والإنذار والتنديد قد انطوى في هذا التعقيب أيضا، ويلفت النظر إلى المحاورة المحكية بين الضعفاء والمستكبرين، حيث ورد مثلها على لسان المستضعفين والمستكبرين العرب أيضا في سورة سبأ السابقة لهذه السورة، وحيث ينطوي في هذا التماثل قصد الإنذار والزجر للسامعين أيضا كما هو المتبادر.
تعليق على الجملة
﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ [ ٤٦ ]
واستطراد إلى الأحاديث عن عذاب والقبر
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة وأوردوا تأويلات صحابية وتابعية وأحاديث نبوية في صددها. من ذلك ما رواه الطبري عن البلخي قال :( سمعت الأوزاعي وسأله رجل قال : رحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا لا يعلم عددها إلا الله فإذا كان العشي رجع مثلها سودا قال : وفطنتهم إلى ذلك قالوا : نعم قال : تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سودا فتنبت عليها من الليل رياش بيض وتتناثر السود ثم تغدو يعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها فذلك دأبها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قال الله : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قالوا : وكانوا يقولون إنهم ستمائة ألف ). والحديث لم يرد في كتب الصحاح وهو على غرابته يقتضي أن يكون آل فرعون فقط هم الذين يعرضون على النار !. وقد روى الطبري إلى هذا عن قتادة أنها تعني أن منازلهم من النار تعرض عليهم غدوا وعشيا توبيخا ونقمة وصغارا لهم. وعن مجاهد أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا – ما كانت الدنيا – وهذا يعني أن هذا العرض قبل يوم القيامة. ثم قال الطبري ما مفاده : أن الأولى أخذ الجملة على ظاهرها والوقوف عند ذلك. فالله قال :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ فنقول ذلك وحسب. ومن ذلك ما رواه البغوي عن قتادة ومقاتل والسدي والكلبي أن روح كل كافر تعرض على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا. ومن ذلك قول ابن كثير أنهم – يعني العلماء والمفسرين قبله – استدلوا بهذه الآية على عذاب القبر الذي ورد خبره في أحاديث صحيحة، وأورد حديثا رواه الإمام أحمد عن عائشة جاء فيه :( كانت تخدمنا يهودية فلا نصنع لها شيئا من المعروف إلا قالت : وقاك الله عذاب القبر فدخل علي رسول الله فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال : لا من زعم ذلك قالت : هذه اليهودية لا أصنع معها شيئا من المعروف إلا قالت وقاك الله عذاب القبر قال : كذبت يهودية وهم على الله أكذب لا عذاب دون يوم القيامة. ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته :( القبر كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم بكيتم كثيرا وضحكتم قليلا. أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق ).
وننبه على أن ابن كثير أورد أيضا صيغة مختصرة لهذا الحديث رواها البخاري جاء فيها :( إن يهودية دخلت على عائشة فقالت : نعوذ بالله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عذاب القبر فقال : نعم عذاب القبر حق. ثم قالت : فما رأيت رسول الله بعد صلّى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر ). ومع ذلك فإن ابن كثير لاحظ أن الآية مكية وأن هذه الأحاديث مدنية واستشكل في صواب الاستدلال بالآية على عذاب القبر ثم قال : إن الآية دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا وليس فيها دلالة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ – أي بعد الموت وقبل القيامة – وتألمه بسببه فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث.
ومهما يكن من أمر فإن صيغة الجملة في ذاتها تفيد أن العرض هو بعد الموت وقبل يوم القيامة أو فيما يسمونه البرزخ. وأن من الواجب الإيمان بما ذكرته الجملة وبقدرة الله على ذلك. ومع ما في تأويل قتادة ومقاتل والسدي والكلبي من وجاهة فإن فيما التزمه الطبري من الوقوف عند الجملة بدون تخمين الصواب ما دام ليس هناك أثر نبوي صحيح يفسرها. وهذا لا يمنع القول : إن الجملة قد استهدفت أيضا إثارة الرعب في الكفار من مثل هذا المصير الرهيب.
وما دام عذاب القبر قد ذكر في سياق هذه الجملة فنرى أن نستطرد هنا إليه فنقول : إن هناك أحاديث نبوية عديدة في ذلك بالإضافة إلى الحديثين اللذين أوردهما ابن كثير ونقلناهما آنفا عنه. فمن ذلك حديث يرويه البغوي في سياق هذه الجملة عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فيقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ). ومن ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيقال : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )١. وحديث رواه الشيخان والنسائي عن أسماء قالت :( إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار. فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال يقال : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن، فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأحببناه واتبعناه هو محمد ثلاثا فيقال : نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به. وأما المنافق أو المرتاب فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته )٢. وحديث رواه الخمسة عن ابن عباس قال :( مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين فقال : إنهما ليعذبان في كبير ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، وفي رواية لا يستبرئ من بوله ثم أخذ عودا رطبا فكسره باثنين ثم غرز كل واحد منهما على قبر ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )٣. وحديث رواه الشيخان والنسائي جاء فيه :( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال )٤. وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذرعا في سبعين وينور له فيه ثم يقال له : نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان : نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون، فقلت مثلهم : لا أدري، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك )٥. وهناك أحاديث عديدة أخرى في صيغ متقاربة. وهناك حديث طويل عن البراء أورد في سياق تفسير الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم سنورده في سياقها فنكتفي هنا بما أوردناه٦.
وتعليقا على الموضوع نقول إنه ما دام قد ورد فيه أحاديث صحيحة فمن واجب المسلم أن يؤمن به كواجبه بالإيمان بأخبار الغيب المتنوعة التي تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يدركها العقل العادي ويقف عند ذلك كما هو الشأن فيما جاء من ذلك في القرآن مع الإيمان بأن ذلك في نطاق قدرة الله وبأنه لا بد لذكر ذلك من حكمة. وقد يتبادر أن من هذه الحكمة في هذا الموضوع هو تطمين المؤمن وتثبيته وتشويقه والحث على الإيمان والإخلاص وتخويف الكافر والمنافق وتقبيح الكفر والنفاق.
٢ التاج جـ ١ ص ٣٣٨ – ٣٤٠..
٣ المصدر نفسه..
٤ المصدر نفسه..
٥ النص منقول عن ابن كثير للآية ٢٧ من سورة إبراهيم..
٦ انظر تفسير آية إبراهيم المذكورة في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي..
في الآيات تعقيب على الفصل القصصي كما هو الظاهر، واحتوت تقرير وقاية الله للمؤمن وحكاية ما سوف يكون من أمر فرعون وقومه بعد الموت ويوم القيامة وما سوف يذوقونه من شديد العذاب ومحاورة التابعين والمتبوعين وإلقاء هؤلاء التبعة على أولئك وندم الجميع وحسرتهم ويأسهم من النجاة وتأنيب خزنة النار لهم حينما طلبوا منهم دعاء الله بالتخفيف عنهم.
وأسلوبها قوي نافذ، والهدف الذي استهدفه الفصل القصصي وهو الزجر والعبرة والتذكير والموعظة والإنذار والتنديد قد انطوى في هذا التعقيب أيضا، ويلفت النظر إلى المحاورة المحكية بين الضعفاء والمستكبرين، حيث ورد مثلها على لسان المستضعفين والمستكبرين العرب أيضا في سورة سبأ السابقة لهذه السورة، وحيث ينطوي في هذا التماثل قصد الإنذار والزجر للسامعين أيضا كما هو المتبادر.
تعليق على الجملة
﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ [ ٤٦ ]
واستطراد إلى الأحاديث عن عذاب والقبر
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة وأوردوا تأويلات صحابية وتابعية وأحاديث نبوية في صددها. من ذلك ما رواه الطبري عن البلخي قال :( سمعت الأوزاعي وسأله رجل قال : رحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا لا يعلم عددها إلا الله فإذا كان العشي رجع مثلها سودا قال : وفطنتهم إلى ذلك قالوا : نعم قال : تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سودا فتنبت عليها من الليل رياش بيض وتتناثر السود ثم تغدو يعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها فذلك دأبها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قال الله : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قالوا : وكانوا يقولون إنهم ستمائة ألف ). والحديث لم يرد في كتب الصحاح وهو على غرابته يقتضي أن يكون آل فرعون فقط هم الذين يعرضون على النار !. وقد روى الطبري إلى هذا عن قتادة أنها تعني أن منازلهم من النار تعرض عليهم غدوا وعشيا توبيخا ونقمة وصغارا لهم. وعن مجاهد أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا – ما كانت الدنيا – وهذا يعني أن هذا العرض قبل يوم القيامة. ثم قال الطبري ما مفاده : أن الأولى أخذ الجملة على ظاهرها والوقوف عند ذلك. فالله قال :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ فنقول ذلك وحسب. ومن ذلك ما رواه البغوي عن قتادة ومقاتل والسدي والكلبي أن روح كل كافر تعرض على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا. ومن ذلك قول ابن كثير أنهم – يعني العلماء والمفسرين قبله – استدلوا بهذه الآية على عذاب القبر الذي ورد خبره في أحاديث صحيحة، وأورد حديثا رواه الإمام أحمد عن عائشة جاء فيه :( كانت تخدمنا يهودية فلا نصنع لها شيئا من المعروف إلا قالت : وقاك الله عذاب القبر فدخل علي رسول الله فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال : لا من زعم ذلك قالت : هذه اليهودية لا أصنع معها شيئا من المعروف إلا قالت وقاك الله عذاب القبر قال : كذبت يهودية وهم على الله أكذب لا عذاب دون يوم القيامة. ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته :( القبر كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم بكيتم كثيرا وضحكتم قليلا. أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق ).
وننبه على أن ابن كثير أورد أيضا صيغة مختصرة لهذا الحديث رواها البخاري جاء فيها :( إن يهودية دخلت على عائشة فقالت : نعوذ بالله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عذاب القبر فقال : نعم عذاب القبر حق. ثم قالت : فما رأيت رسول الله بعد صلّى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر ). ومع ذلك فإن ابن كثير لاحظ أن الآية مكية وأن هذه الأحاديث مدنية واستشكل في صواب الاستدلال بالآية على عذاب القبر ثم قال : إن الآية دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا وليس فيها دلالة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ – أي بعد الموت وقبل القيامة – وتألمه بسببه فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث.
ومهما يكن من أمر فإن صيغة الجملة في ذاتها تفيد أن العرض هو بعد الموت وقبل يوم القيامة أو فيما يسمونه البرزخ. وأن من الواجب الإيمان بما ذكرته الجملة وبقدرة الله على ذلك. ومع ما في تأويل قتادة ومقاتل والسدي والكلبي من وجاهة فإن فيما التزمه الطبري من الوقوف عند الجملة بدون تخمين الصواب ما دام ليس هناك أثر نبوي صحيح يفسرها. وهذا لا يمنع القول : إن الجملة قد استهدفت أيضا إثارة الرعب في الكفار من مثل هذا المصير الرهيب.
وما دام عذاب القبر قد ذكر في سياق هذه الجملة فنرى أن نستطرد هنا إليه فنقول : إن هناك أحاديث نبوية عديدة في ذلك بالإضافة إلى الحديثين اللذين أوردهما ابن كثير ونقلناهما آنفا عنه. فمن ذلك حديث يرويه البغوي في سياق هذه الجملة عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فيقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ). ومن ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيقال : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )١. وحديث رواه الشيخان والنسائي عن أسماء قالت :( إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار. فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال يقال : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن، فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأحببناه واتبعناه هو محمد ثلاثا فيقال : نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به. وأما المنافق أو المرتاب فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته )٢. وحديث رواه الخمسة عن ابن عباس قال :( مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين فقال : إنهما ليعذبان في كبير ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، وفي رواية لا يستبرئ من بوله ثم أخذ عودا رطبا فكسره باثنين ثم غرز كل واحد منهما على قبر ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )٣. وحديث رواه الشيخان والنسائي جاء فيه :( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال )٤. وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذرعا في سبعين وينور له فيه ثم يقال له : نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان : نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون، فقلت مثلهم : لا أدري، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك )٥. وهناك أحاديث عديدة أخرى في صيغ متقاربة. وهناك حديث طويل عن البراء أورد في سياق تفسير الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم سنورده في سياقها فنكتفي هنا بما أوردناه٦.
وتعليقا على الموضوع نقول إنه ما دام قد ورد فيه أحاديث صحيحة فمن واجب المسلم أن يؤمن به كواجبه بالإيمان بأخبار الغيب المتنوعة التي تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يدركها العقل العادي ويقف عند ذلك كما هو الشأن فيما جاء من ذلك في القرآن مع الإيمان بأن ذلك في نطاق قدرة الله وبأنه لا بد لذكر ذلك من حكمة. وقد يتبادر أن من هذه الحكمة في هذا الموضوع هو تطمين المؤمن وتثبيته وتشويقه والحث على الإيمان والإخلاص وتخويف الكافر والمنافق وتقبيح الكفر والنفاق.
٢ التاج جـ ١ ص ٣٣٨ – ٣٤٠..
٣ المصدر نفسه..
٤ المصدر نفسه..
٥ النص منقول عن ابن كثير للآية ٢٧ من سورة إبراهيم..
٦ انظر تفسير آية إبراهيم المذكورة في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي..
في الآيات تعقيب على الفصل القصصي كما هو الظاهر، واحتوت تقرير وقاية الله للمؤمن وحكاية ما سوف يكون من أمر فرعون وقومه بعد الموت ويوم القيامة وما سوف يذوقونه من شديد العذاب ومحاورة التابعين والمتبوعين وإلقاء هؤلاء التبعة على أولئك وندم الجميع وحسرتهم ويأسهم من النجاة وتأنيب خزنة النار لهم حينما طلبوا منهم دعاء الله بالتخفيف عنهم.
وأسلوبها قوي نافذ، والهدف الذي استهدفه الفصل القصصي وهو الزجر والعبرة والتذكير والموعظة والإنذار والتنديد قد انطوى في هذا التعقيب أيضا، ويلفت النظر إلى المحاورة المحكية بين الضعفاء والمستكبرين، حيث ورد مثلها على لسان المستضعفين والمستكبرين العرب أيضا في سورة سبأ السابقة لهذه السورة، وحيث ينطوي في هذا التماثل قصد الإنذار والزجر للسامعين أيضا كما هو المتبادر.
تعليق على الجملة
﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ [ ٤٦ ]
واستطراد إلى الأحاديث عن عذاب والقبر
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة وأوردوا تأويلات صحابية وتابعية وأحاديث نبوية في صددها. من ذلك ما رواه الطبري عن البلخي قال :( سمعت الأوزاعي وسأله رجل قال : رحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا لا يعلم عددها إلا الله فإذا كان العشي رجع مثلها سودا قال : وفطنتهم إلى ذلك قالوا : نعم قال : تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سودا فتنبت عليها من الليل رياش بيض وتتناثر السود ثم تغدو يعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها فذلك دأبها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قال الله : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قالوا : وكانوا يقولون إنهم ستمائة ألف ). والحديث لم يرد في كتب الصحاح وهو على غرابته يقتضي أن يكون آل فرعون فقط هم الذين يعرضون على النار !. وقد روى الطبري إلى هذا عن قتادة أنها تعني أن منازلهم من النار تعرض عليهم غدوا وعشيا توبيخا ونقمة وصغارا لهم. وعن مجاهد أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا – ما كانت الدنيا – وهذا يعني أن هذا العرض قبل يوم القيامة. ثم قال الطبري ما مفاده : أن الأولى أخذ الجملة على ظاهرها والوقوف عند ذلك. فالله قال :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ فنقول ذلك وحسب. ومن ذلك ما رواه البغوي عن قتادة ومقاتل والسدي والكلبي أن روح كل كافر تعرض على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا. ومن ذلك قول ابن كثير أنهم – يعني العلماء والمفسرين قبله – استدلوا بهذه الآية على عذاب القبر الذي ورد خبره في أحاديث صحيحة، وأورد حديثا رواه الإمام أحمد عن عائشة جاء فيه :( كانت تخدمنا يهودية فلا نصنع لها شيئا من المعروف إلا قالت : وقاك الله عذاب القبر فدخل علي رسول الله فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال : لا من زعم ذلك قالت : هذه اليهودية لا أصنع معها شيئا من المعروف إلا قالت وقاك الله عذاب القبر قال : كذبت يهودية وهم على الله أكذب لا عذاب دون يوم القيامة. ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته :( القبر كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم بكيتم كثيرا وضحكتم قليلا. أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق ).
وننبه على أن ابن كثير أورد أيضا صيغة مختصرة لهذا الحديث رواها البخاري جاء فيها :( إن يهودية دخلت على عائشة فقالت : نعوذ بالله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عذاب القبر فقال : نعم عذاب القبر حق. ثم قالت : فما رأيت رسول الله بعد صلّى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر ). ومع ذلك فإن ابن كثير لاحظ أن الآية مكية وأن هذه الأحاديث مدنية واستشكل في صواب الاستدلال بالآية على عذاب القبر ثم قال : إن الآية دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا وليس فيها دلالة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ – أي بعد الموت وقبل القيامة – وتألمه بسببه فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث.
ومهما يكن من أمر فإن صيغة الجملة في ذاتها تفيد أن العرض هو بعد الموت وقبل يوم القيامة أو فيما يسمونه البرزخ. وأن من الواجب الإيمان بما ذكرته الجملة وبقدرة الله على ذلك. ومع ما في تأويل قتادة ومقاتل والسدي والكلبي من وجاهة فإن فيما التزمه الطبري من الوقوف عند الجملة بدون تخمين الصواب ما دام ليس هناك أثر نبوي صحيح يفسرها. وهذا لا يمنع القول : إن الجملة قد استهدفت أيضا إثارة الرعب في الكفار من مثل هذا المصير الرهيب.
وما دام عذاب القبر قد ذكر في سياق هذه الجملة فنرى أن نستطرد هنا إليه فنقول : إن هناك أحاديث نبوية عديدة في ذلك بالإضافة إلى الحديثين اللذين أوردهما ابن كثير ونقلناهما آنفا عنه. فمن ذلك حديث يرويه البغوي في سياق هذه الجملة عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فيقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ). ومن ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيقال : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )١. وحديث رواه الشيخان والنسائي عن أسماء قالت :( إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار. فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال يقال : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن، فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأحببناه واتبعناه هو محمد ثلاثا فيقال : نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به. وأما المنافق أو المرتاب فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته )٢. وحديث رواه الخمسة عن ابن عباس قال :( مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين فقال : إنهما ليعذبان في كبير ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، وفي رواية لا يستبرئ من بوله ثم أخذ عودا رطبا فكسره باثنين ثم غرز كل واحد منهما على قبر ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )٣. وحديث رواه الشيخان والنسائي جاء فيه :( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال )٤. وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذرعا في سبعين وينور له فيه ثم يقال له : نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان : نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون، فقلت مثلهم : لا أدري، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك )٥. وهناك أحاديث عديدة أخرى في صيغ متقاربة. وهناك حديث طويل عن البراء أورد في سياق تفسير الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم سنورده في سياقها فنكتفي هنا بما أوردناه٦.
وتعليقا على الموضوع نقول إنه ما دام قد ورد فيه أحاديث صحيحة فمن واجب المسلم أن يؤمن به كواجبه بالإيمان بأخبار الغيب المتنوعة التي تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يدركها العقل العادي ويقف عند ذلك كما هو الشأن فيما جاء من ذلك في القرآن مع الإيمان بأن ذلك في نطاق قدرة الله وبأنه لا بد لذكر ذلك من حكمة. وقد يتبادر أن من هذه الحكمة في هذا الموضوع هو تطمين المؤمن وتثبيته وتشويقه والحث على الإيمان والإخلاص وتخويف الكافر والمنافق وتقبيح الكفر والنفاق.
٢ التاج جـ ١ ص ٣٣٨ – ٣٤٠..
٣ المصدر نفسه..
٤ المصدر نفسه..
٥ النص منقول عن ابن كثير للآية ٢٧ من سورة إبراهيم..
٦ انظر تفسير آية إبراهيم المذكورة في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:{ فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ( ٤٥ ) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ( ٤٦ ) وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ( ٤٧ ) قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ( ٤٨ ) وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ( ٤٩ ) قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ( ٥٠ ){ [ ٤٥ – ٥٠ ].
في الآيات تعقيب على الفصل القصصي كما هو الظاهر، واحتوت تقرير وقاية الله للمؤمن وحكاية ما سوف يكون من أمر فرعون وقومه بعد الموت ويوم القيامة وما سوف يذوقونه من شديد العذاب ومحاورة التابعين والمتبوعين وإلقاء هؤلاء التبعة على أولئك وندم الجميع وحسرتهم ويأسهم من النجاة وتأنيب خزنة النار لهم حينما طلبوا منهم دعاء الله بالتخفيف عنهم.
وأسلوبها قوي نافذ، والهدف الذي استهدفه الفصل القصصي وهو الزجر والعبرة والتذكير والموعظة والإنذار والتنديد قد انطوى في هذا التعقيب أيضا، ويلفت النظر إلى المحاورة المحكية بين الضعفاء والمستكبرين، حيث ورد مثلها على لسان المستضعفين والمستكبرين العرب أيضا في سورة سبأ السابقة لهذه السورة، وحيث ينطوي في هذا التماثل قصد الإنذار والزجر للسامعين أيضا كما هو المتبادر.
تعليق على الجملة
﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ [ ٤٦ ]
واستطراد إلى الأحاديث عن عذاب والقبر
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة وأوردوا تأويلات صحابية وتابعية وأحاديث نبوية في صددها. من ذلك ما رواه الطبري عن البلخي قال :( سمعت الأوزاعي وسأله رجل قال : رحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا لا يعلم عددها إلا الله فإذا كان العشي رجع مثلها سودا قال : وفطنتهم إلى ذلك قالوا : نعم قال : تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سودا فتنبت عليها من الليل رياش بيض وتتناثر السود ثم تغدو يعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها فذلك دأبها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قال الله : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قالوا : وكانوا يقولون إنهم ستمائة ألف ). والحديث لم يرد في كتب الصحاح وهو على غرابته يقتضي أن يكون آل فرعون فقط هم الذين يعرضون على النار !. وقد روى الطبري إلى هذا عن قتادة أنها تعني أن منازلهم من النار تعرض عليهم غدوا وعشيا توبيخا ونقمة وصغارا لهم. وعن مجاهد أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا – ما كانت الدنيا – وهذا يعني أن هذا العرض قبل يوم القيامة. ثم قال الطبري ما مفاده : أن الأولى أخذ الجملة على ظاهرها والوقوف عند ذلك. فالله قال :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ﴾ فنقول ذلك وحسب. ومن ذلك ما رواه البغوي عن قتادة ومقاتل والسدي والكلبي أن روح كل كافر تعرض على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا. ومن ذلك قول ابن كثير أنهم – يعني العلماء والمفسرين قبله – استدلوا بهذه الآية على عذاب القبر الذي ورد خبره في أحاديث صحيحة، وأورد حديثا رواه الإمام أحمد عن عائشة جاء فيه :( كانت تخدمنا يهودية فلا نصنع لها شيئا من المعروف إلا قالت : وقاك الله عذاب القبر فدخل علي رسول الله فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال : لا من زعم ذلك قالت : هذه اليهودية لا أصنع معها شيئا من المعروف إلا قالت وقاك الله عذاب القبر قال : كذبت يهودية وهم على الله أكذب لا عذاب دون يوم القيامة. ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته :( القبر كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم بكيتم كثيرا وضحكتم قليلا. أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق ).
وننبه على أن ابن كثير أورد أيضا صيغة مختصرة لهذا الحديث رواها البخاري جاء فيها :( إن يهودية دخلت على عائشة فقالت : نعوذ بالله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عذاب القبر فقال : نعم عذاب القبر حق. ثم قالت : فما رأيت رسول الله بعد صلّى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر ). ومع ذلك فإن ابن كثير لاحظ أن الآية مكية وأن هذه الأحاديث مدنية واستشكل في صواب الاستدلال بالآية على عذاب القبر ثم قال : إن الآية دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا وليس فيها دلالة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ – أي بعد الموت وقبل القيامة – وتألمه بسببه فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث.
ومهما يكن من أمر فإن صيغة الجملة في ذاتها تفيد أن العرض هو بعد الموت وقبل يوم القيامة أو فيما يسمونه البرزخ. وأن من الواجب الإيمان بما ذكرته الجملة وبقدرة الله على ذلك. ومع ما في تأويل قتادة ومقاتل والسدي والكلبي من وجاهة فإن فيما التزمه الطبري من الوقوف عند الجملة بدون تخمين الصواب ما دام ليس هناك أثر نبوي صحيح يفسرها. وهذا لا يمنع القول : إن الجملة قد استهدفت أيضا إثارة الرعب في الكفار من مثل هذا المصير الرهيب.
وما دام عذاب القبر قد ذكر في سياق هذه الجملة فنرى أن نستطرد هنا إليه فنقول : إن هناك أحاديث نبوية عديدة في ذلك بالإضافة إلى الحديثين اللذين أوردهما ابن كثير ونقلناهما آنفا عنه. فمن ذلك حديث يرويه البغوي في سياق هذه الجملة عن عبد الله بن عمر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فيقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ). ومن ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيقال : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )١. وحديث رواه الشيخان والنسائي عن أسماء قالت :( إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار. فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال يقال : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن، فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأحببناه واتبعناه هو محمد ثلاثا فيقال : نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به. وأما المنافق أو المرتاب فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته )٢. وحديث رواه الخمسة عن ابن عباس قال :( مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين فقال : إنهما ليعذبان في كبير ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، وفي رواية لا يستبرئ من بوله ثم أخذ عودا رطبا فكسره باثنين ثم غرز كل واحد منهما على قبر ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )٣. وحديث رواه الشيخان والنسائي جاء فيه :( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال )٤. وحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذرعا في سبعين وينور له فيه ثم يقال له : نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان : نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون، فقلت مثلهم : لا أدري، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك )٥. وهناك أحاديث عديدة أخرى في صيغ متقاربة. وهناك حديث طويل عن البراء أورد في سياق تفسير الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم سنورده في سياقها فنكتفي هنا بما أوردناه٦.
وتعليقا على الموضوع نقول إنه ما دام قد ورد فيه أحاديث صحيحة فمن واجب المسلم أن يؤمن به كواجبه بالإيمان بأخبار الغيب المتنوعة التي تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يدركها العقل العادي ويقف عند ذلك كما هو الشأن فيما جاء من ذلك في القرآن مع الإيمان بأن ذلك في نطاق قدرة الله وبأنه لا بد لذكر ذلك من حكمة. وقد يتبادر أن من هذه الحكمة في هذا الموضوع هو تطمين المؤمن وتثبيته وتشويقه والحث على الإيمان والإخلاص وتخويف الكافر والمنافق وتقبيح الكفر والنفاق.
٢ التاج جـ ١ ص ٣٣٨ – ٣٤٠..
٣ المصدر نفسه..
٤ المصدر نفسه..
٥ النص منقول عن ابن كثير للآية ٢٧ من سورة إبراهيم..
٦ انظر تفسير آية إبراهيم المذكورة في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي..
يوم يقوم الأشهاد : الأشهاد جمع شاهد، والجملة كناية عن يوم القيامة.
وقد التفتت الآية الأخيرة في خطابها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرته بالصبر وطمأنته بتحقيق وعد الله الحق بالنصر والتأييد، وأمرته بالثبات في موقفه متكلا على الله مستغفرا لذنبه مسبحا بحمد ربه صبحا ومساء.
تعليق على جملة
﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ﴾
والآيات استمرار للتعقيب على الفصل القصصي كما هو واضح. وقد استهدفت تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم وبعث الأمل والوثوق في نفوسهم إزاء ما يقولونه من عنت الكفار وبغيهم. ولقد سبق تطمين قوي مثل هذا التطمين في سورة الصافات التي نزلت قبل قليل من هذه السورة ؛ حيث يمكن القول إن ظروف السيرة في مكة كانت تقتضي مواصلة ذلك. وإنه كان من عوامل ما كان يبدو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الأولين من قوة وثبات وجرأة ويقين واستغراق في الله ودينه ودعوته. ونكرر هنا ما قلناه قبل من أن الله تعالى قد حقق وعده للنبي والمؤمنين فعلا فنصرهم الله وصارت كلمته هي العليا وتحققت بذلك المعجزة القرآنية.
ومع خصوصية هذا التطمين وصلته بسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن في إطلاق العبارة القرآنية تلقينا جليلا مستمر المدى يستمد منه كل مؤمن يدعو إلى الله ودينه ومبادئه السامية، ويناضل في سبيلها اليقين والقوة والجرأة ويجعله يستبشر بنصر الله وتأييده إذا ما كانت دعوته ونضاله بصدق وإخلاص.
تعليق على جملة
﴿ واستغفر لذنبك ﴾
هذه الجملة في الآية [ ٥٥ ] هي أولى المرات التي يؤمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بالاستغفار لذنبه، وهناك آيات من بابها في سور أخرى.
ولقد تعددت تخريجات المفسرين لهذه الجملة١ منها أنه خاطب بذلك لتستن أمته بسنته. ومنها أنها بمعنى استغفر لذنوب أهل بيتك، ومنها أن اشتغاله بأمر الناس كان يشغله عن التفرغ لعبادة الله فكان هذا عنده تقصيرا أو ذنبا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولقد أورد المفسرون حديثا جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة )٢. وفسروا الغين بالغيم الرقيق الذي يغشى السماء، وفسروه بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفترات والغفلات، فكان يعتبر ذلك ذنبا نحو الله تعالى ويستغفره منه، وهذا أوجه التخريجات. ولقد خطر ببالنا تخريج آخر نرجو أن يكون صوابا. وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحيانا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء، أو يفعل شيئا اجتهادا منه بغير وحي ويكون ذلك أحيانا غير الأولى في علم الله ويعاتب عليه في القرآن مما مر منه بعض الأمثلة فكان يستغفر الله تعالى ويؤمر بالاستغفار لنفسه من مثل ذلك. ومن هذا الباب آيات سورة النساء هذه :﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( ١٠٥ ) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ( ١٠٦ ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما( ١٠٧ ) ﴾ وليس هذا ولا ما ورد في التخريج السابق من الغين ذنبا فيه تقصير في حق الله تعالى أو انحراف عن أوامره مما يجب الاعتقاد بعصمته منه صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالإضافة إلى الحديث السابق أورد المفسرون أحاديث عديدة في صدد استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه فيها حديث عن أبي هريرة جاء فيه :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة. وفي رواية أكثر من سبعين مرة )٣. وحديث عن ابن عمر قال :( إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة قوله رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم )٤. وحديث جاء فيه :( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في آخر الصلاة : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت )٥. وحديث جاء فيه :( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )٦. وحديث جاء فيه :( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطيئتي وعمدي وكل ذلك عندي ). حيث ينطوي في كل هذا صورة رائعة لعمق شعور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعظم مسؤوليته نحو الله عز وجل وعظم خوفه من أن يكون قد أتى في حالة من حالاته ما لا ينبغي أن يصدر عنه.
هذا، وجملة ﴿ وأورثنا بني إسرائيل الكتاب( ٥٣ ) ﴾ يجب أن تؤخذ على أنها في صدد ما خلفه موسى عليه السلام في بني إسرائيل أو سلمه إليهم من المدونات التي فيها شرائع الله وتبليغاته والتي ذكرنا خبرها في سياق تفسير سورة الأعراف استنادا إلى آيات القرآن من ناحية، وبعض نصوص ما هو متداول في الأيدي اليوم من أسفار من ناحية أخرى وحسب، وليست في صدد تقرير اقتصاد إرث كتاب الله عليهم لأن المسلمين قد أورثوا كتاب الله تعالى بدورهم. ولا في صدد كون ذلك شاملا جميع ما في أيديهم من أسفار ؛ لأنها مكتوبة بأقلام بشرية في أزمنة مختلفة فيها الغث والسمين والمناقضات والمبالغات وما تنزه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم عنه من أوامر وتبليغات وإن كان يجوز أن يكون فيها بعض ما بلغه الله لموسى وغيره من أنبيائه وبلغوه بدورهم لبني إسرائيل، والله تعالى أعلم.
وقد التفتت الآية الأخيرة في خطابها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرته بالصبر وطمأنته بتحقيق وعد الله الحق بالنصر والتأييد، وأمرته بالثبات في موقفه متكلا على الله مستغفرا لذنبه مسبحا بحمد ربه صبحا ومساء.
تعليق على جملة
﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ﴾
والآيات استمرار للتعقيب على الفصل القصصي كما هو واضح. وقد استهدفت تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم وبعث الأمل والوثوق في نفوسهم إزاء ما يقولونه من عنت الكفار وبغيهم. ولقد سبق تطمين قوي مثل هذا التطمين في سورة الصافات التي نزلت قبل قليل من هذه السورة ؛ حيث يمكن القول إن ظروف السيرة في مكة كانت تقتضي مواصلة ذلك. وإنه كان من عوامل ما كان يبدو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الأولين من قوة وثبات وجرأة ويقين واستغراق في الله ودينه ودعوته. ونكرر هنا ما قلناه قبل من أن الله تعالى قد حقق وعده للنبي والمؤمنين فعلا فنصرهم الله وصارت كلمته هي العليا وتحققت بذلك المعجزة القرآنية.
ومع خصوصية هذا التطمين وصلته بسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن في إطلاق العبارة القرآنية تلقينا جليلا مستمر المدى يستمد منه كل مؤمن يدعو إلى الله ودينه ومبادئه السامية، ويناضل في سبيلها اليقين والقوة والجرأة ويجعله يستبشر بنصر الله وتأييده إذا ما كانت دعوته ونضاله بصدق وإخلاص.
تعليق على جملة
﴿ واستغفر لذنبك ﴾
هذه الجملة في الآية [ ٥٥ ] هي أولى المرات التي يؤمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بالاستغفار لذنبه، وهناك آيات من بابها في سور أخرى.
ولقد تعددت تخريجات المفسرين لهذه الجملة١ منها أنه خاطب بذلك لتستن أمته بسنته. ومنها أنها بمعنى استغفر لذنوب أهل بيتك، ومنها أن اشتغاله بأمر الناس كان يشغله عن التفرغ لعبادة الله فكان هذا عنده تقصيرا أو ذنبا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولقد أورد المفسرون حديثا جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة )٢. وفسروا الغين بالغيم الرقيق الذي يغشى السماء، وفسروه بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفترات والغفلات، فكان يعتبر ذلك ذنبا نحو الله تعالى ويستغفره منه، وهذا أوجه التخريجات. ولقد خطر ببالنا تخريج آخر نرجو أن يكون صوابا. وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحيانا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء، أو يفعل شيئا اجتهادا منه بغير وحي ويكون ذلك أحيانا غير الأولى في علم الله ويعاتب عليه في القرآن مما مر منه بعض الأمثلة فكان يستغفر الله تعالى ويؤمر بالاستغفار لنفسه من مثل ذلك. ومن هذا الباب آيات سورة النساء هذه :﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( ١٠٥ ) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ( ١٠٦ ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما( ١٠٧ ) ﴾ وليس هذا ولا ما ورد في التخريج السابق من الغين ذنبا فيه تقصير في حق الله تعالى أو انحراف عن أوامره مما يجب الاعتقاد بعصمته منه صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالإضافة إلى الحديث السابق أورد المفسرون أحاديث عديدة في صدد استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه فيها حديث عن أبي هريرة جاء فيه :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة. وفي رواية أكثر من سبعين مرة )٣. وحديث عن ابن عمر قال :( إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة قوله رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم )٤. وحديث جاء فيه :( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في آخر الصلاة : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت )٥. وحديث جاء فيه :( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )٦. وحديث جاء فيه :( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطيئتي وعمدي وكل ذلك عندي ). حيث ينطوي في كل هذا صورة رائعة لعمق شعور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعظم مسؤوليته نحو الله عز وجل وعظم خوفه من أن يكون قد أتى في حالة من حالاته ما لا ينبغي أن يصدر عنه.
هذا، وجملة ﴿ وأورثنا بني إسرائيل الكتاب( ٥٣ ) ﴾ يجب أن تؤخذ على أنها في صدد ما خلفه موسى عليه السلام في بني إسرائيل أو سلمه إليهم من المدونات التي فيها شرائع الله وتبليغاته والتي ذكرنا خبرها في سياق تفسير سورة الأعراف استنادا إلى آيات القرآن من ناحية، وبعض نصوص ما هو متداول في الأيدي اليوم من أسفار من ناحية أخرى وحسب، وليست في صدد تقرير اقتصاد إرث كتاب الله عليهم لأن المسلمين قد أورثوا كتاب الله تعالى بدورهم. ولا في صدد كون ذلك شاملا جميع ما في أيديهم من أسفار ؛ لأنها مكتوبة بأقلام بشرية في أزمنة مختلفة فيها الغث والسمين والمناقضات والمبالغات وما تنزه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم عنه من أوامر وتبليغات وإن كان يجوز أن يكون فيها بعض ما بلغه الله لموسى وغيره من أنبيائه وبلغوه بدورهم لبني إسرائيل، والله تعالى أعلم.
وقد التفتت الآية الأخيرة في خطابها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرته بالصبر وطمأنته بتحقيق وعد الله الحق بالنصر والتأييد، وأمرته بالثبات في موقفه متكلا على الله مستغفرا لذنبه مسبحا بحمد ربه صبحا ومساء.
تعليق على جملة
﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ﴾
والآيات استمرار للتعقيب على الفصل القصصي كما هو واضح. وقد استهدفت تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم وبعث الأمل والوثوق في نفوسهم إزاء ما يقولونه من عنت الكفار وبغيهم. ولقد سبق تطمين قوي مثل هذا التطمين في سورة الصافات التي نزلت قبل قليل من هذه السورة ؛ حيث يمكن القول إن ظروف السيرة في مكة كانت تقتضي مواصلة ذلك. وإنه كان من عوامل ما كان يبدو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الأولين من قوة وثبات وجرأة ويقين واستغراق في الله ودينه ودعوته. ونكرر هنا ما قلناه قبل من أن الله تعالى قد حقق وعده للنبي والمؤمنين فعلا فنصرهم الله وصارت كلمته هي العليا وتحققت بذلك المعجزة القرآنية.
ومع خصوصية هذا التطمين وصلته بسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن في إطلاق العبارة القرآنية تلقينا جليلا مستمر المدى يستمد منه كل مؤمن يدعو إلى الله ودينه ومبادئه السامية، ويناضل في سبيلها اليقين والقوة والجرأة ويجعله يستبشر بنصر الله وتأييده إذا ما كانت دعوته ونضاله بصدق وإخلاص.
تعليق على جملة
﴿ واستغفر لذنبك ﴾
هذه الجملة في الآية [ ٥٥ ] هي أولى المرات التي يؤمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بالاستغفار لذنبه، وهناك آيات من بابها في سور أخرى.
ولقد تعددت تخريجات المفسرين لهذه الجملة١ منها أنه خاطب بذلك لتستن أمته بسنته. ومنها أنها بمعنى استغفر لذنوب أهل بيتك، ومنها أن اشتغاله بأمر الناس كان يشغله عن التفرغ لعبادة الله فكان هذا عنده تقصيرا أو ذنبا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولقد أورد المفسرون حديثا جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة )٢. وفسروا الغين بالغيم الرقيق الذي يغشى السماء، وفسروه بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفترات والغفلات، فكان يعتبر ذلك ذنبا نحو الله تعالى ويستغفره منه، وهذا أوجه التخريجات. ولقد خطر ببالنا تخريج آخر نرجو أن يكون صوابا. وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحيانا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء، أو يفعل شيئا اجتهادا منه بغير وحي ويكون ذلك أحيانا غير الأولى في علم الله ويعاتب عليه في القرآن مما مر منه بعض الأمثلة فكان يستغفر الله تعالى ويؤمر بالاستغفار لنفسه من مثل ذلك. ومن هذا الباب آيات سورة النساء هذه :﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( ١٠٥ ) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ( ١٠٦ ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما( ١٠٧ ) ﴾ وليس هذا ولا ما ورد في التخريج السابق من الغين ذنبا فيه تقصير في حق الله تعالى أو انحراف عن أوامره مما يجب الاعتقاد بعصمته منه صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالإضافة إلى الحديث السابق أورد المفسرون أحاديث عديدة في صدد استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه فيها حديث عن أبي هريرة جاء فيه :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة. وفي رواية أكثر من سبعين مرة )٣. وحديث عن ابن عمر قال :( إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة قوله رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم )٤. وحديث جاء فيه :( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في آخر الصلاة : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت )٥. وحديث جاء فيه :( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )٦. وحديث جاء فيه :( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطيئتي وعمدي وكل ذلك عندي ). حيث ينطوي في كل هذا صورة رائعة لعمق شعور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعظم مسؤوليته نحو الله عز وجل وعظم خوفه من أن يكون قد أتى في حالة من حالاته ما لا ينبغي أن يصدر عنه.
هذا، وجملة ﴿ وأورثنا بني إسرائيل الكتاب( ٥٣ ) ﴾ يجب أن تؤخذ على أنها في صدد ما خلفه موسى عليه السلام في بني إسرائيل أو سلمه إليهم من المدونات التي فيها شرائع الله وتبليغاته والتي ذكرنا خبرها في سياق تفسير سورة الأعراف استنادا إلى آيات القرآن من ناحية، وبعض نصوص ما هو متداول في الأيدي اليوم من أسفار من ناحية أخرى وحسب، وليست في صدد تقرير اقتصاد إرث كتاب الله عليهم لأن المسلمين قد أورثوا كتاب الله تعالى بدورهم. ولا في صدد كون ذلك شاملا جميع ما في أيديهم من أسفار ؛ لأنها مكتوبة بأقلام بشرية في أزمنة مختلفة فيها الغث والسمين والمناقضات والمبالغات وما تنزه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم عنه من أوامر وتبليغات وإن كان يجوز أن يكون فيها بعض ما بلغه الله لموسى وغيره من أنبيائه وبلغوه بدورهم لبني إسرائيل، والله تعالى أعلم.
وقد التفتت الآية الأخيرة في خطابها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرته بالصبر وطمأنته بتحقيق وعد الله الحق بالنصر والتأييد، وأمرته بالثبات في موقفه متكلا على الله مستغفرا لذنبه مسبحا بحمد ربه صبحا ومساء.
تعليق على جملة
﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ﴾
والآيات استمرار للتعقيب على الفصل القصصي كما هو واضح. وقد استهدفت تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم وبعث الأمل والوثوق في نفوسهم إزاء ما يقولونه من عنت الكفار وبغيهم. ولقد سبق تطمين قوي مثل هذا التطمين في سورة الصافات التي نزلت قبل قليل من هذه السورة ؛ حيث يمكن القول إن ظروف السيرة في مكة كانت تقتضي مواصلة ذلك. وإنه كان من عوامل ما كان يبدو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الأولين من قوة وثبات وجرأة ويقين واستغراق في الله ودينه ودعوته. ونكرر هنا ما قلناه قبل من أن الله تعالى قد حقق وعده للنبي والمؤمنين فعلا فنصرهم الله وصارت كلمته هي العليا وتحققت بذلك المعجزة القرآنية.
ومع خصوصية هذا التطمين وصلته بسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن في إطلاق العبارة القرآنية تلقينا جليلا مستمر المدى يستمد منه كل مؤمن يدعو إلى الله ودينه ومبادئه السامية، ويناضل في سبيلها اليقين والقوة والجرأة ويجعله يستبشر بنصر الله وتأييده إذا ما كانت دعوته ونضاله بصدق وإخلاص.
تعليق على جملة
﴿ واستغفر لذنبك ﴾
هذه الجملة في الآية [ ٥٥ ] هي أولى المرات التي يؤمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بالاستغفار لذنبه، وهناك آيات من بابها في سور أخرى.
ولقد تعددت تخريجات المفسرين لهذه الجملة١ منها أنه خاطب بذلك لتستن أمته بسنته. ومنها أنها بمعنى استغفر لذنوب أهل بيتك، ومنها أن اشتغاله بأمر الناس كان يشغله عن التفرغ لعبادة الله فكان هذا عنده تقصيرا أو ذنبا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولقد أورد المفسرون حديثا جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة )٢. وفسروا الغين بالغيم الرقيق الذي يغشى السماء، وفسروه بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفترات والغفلات، فكان يعتبر ذلك ذنبا نحو الله تعالى ويستغفره منه، وهذا أوجه التخريجات. ولقد خطر ببالنا تخريج آخر نرجو أن يكون صوابا. وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحيانا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء، أو يفعل شيئا اجتهادا منه بغير وحي ويكون ذلك أحيانا غير الأولى في علم الله ويعاتب عليه في القرآن مما مر منه بعض الأمثلة فكان يستغفر الله تعالى ويؤمر بالاستغفار لنفسه من مثل ذلك. ومن هذا الباب آيات سورة النساء هذه :﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( ١٠٥ ) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ( ١٠٦ ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما( ١٠٧ ) ﴾ وليس هذا ولا ما ورد في التخريج السابق من الغين ذنبا فيه تقصير في حق الله تعالى أو انحراف عن أوامره مما يجب الاعتقاد بعصمته منه صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالإضافة إلى الحديث السابق أورد المفسرون أحاديث عديدة في صدد استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه فيها حديث عن أبي هريرة جاء فيه :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة. وفي رواية أكثر من سبعين مرة )٣. وحديث عن ابن عمر قال :( إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة قوله رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم )٤. وحديث جاء فيه :( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في آخر الصلاة : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت )٥. وحديث جاء فيه :( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )٦. وحديث جاء فيه :( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطيئتي وعمدي وكل ذلك عندي ). حيث ينطوي في كل هذا صورة رائعة لعمق شعور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعظم مسؤوليته نحو الله عز وجل وعظم خوفه من أن يكون قد أتى في حالة من حالاته ما لا ينبغي أن يصدر عنه.
هذا، وجملة ﴿ وأورثنا بني إسرائيل الكتاب( ٥٣ ) ﴾ يجب أن تؤخذ على أنها في صدد ما خلفه موسى عليه السلام في بني إسرائيل أو سلمه إليهم من المدونات التي فيها شرائع الله وتبليغاته والتي ذكرنا خبرها في سياق تفسير سورة الأعراف استنادا إلى آيات القرآن من ناحية، وبعض نصوص ما هو متداول في الأيدي اليوم من أسفار من ناحية أخرى وحسب، وليست في صدد تقرير اقتصاد إرث كتاب الله عليهم لأن المسلمين قد أورثوا كتاب الله تعالى بدورهم. ولا في صدد كون ذلك شاملا جميع ما في أيديهم من أسفار ؛ لأنها مكتوبة بأقلام بشرية في أزمنة مختلفة فيها الغث والسمين والمناقضات والمبالغات وما تنزه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم عنه من أوامر وتبليغات وإن كان يجوز أن يكون فيها بعض ما بلغه الله لموسى وغيره من أنبيائه وبلغوه بدورهم لبني إسرائيل، والله تعالى أعلم.
وقد التفتت الآية الأخيرة في خطابها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرته بالصبر وطمأنته بتحقيق وعد الله الحق بالنصر والتأييد، وأمرته بالثبات في موقفه متكلا على الله مستغفرا لذنبه مسبحا بحمد ربه صبحا ومساء.
تعليق على جملة
﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ﴾
والآيات استمرار للتعقيب على الفصل القصصي كما هو واضح. وقد استهدفت تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم وبعث الأمل والوثوق في نفوسهم إزاء ما يقولونه من عنت الكفار وبغيهم. ولقد سبق تطمين قوي مثل هذا التطمين في سورة الصافات التي نزلت قبل قليل من هذه السورة ؛ حيث يمكن القول إن ظروف السيرة في مكة كانت تقتضي مواصلة ذلك. وإنه كان من عوامل ما كان يبدو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الأولين من قوة وثبات وجرأة ويقين واستغراق في الله ودينه ودعوته. ونكرر هنا ما قلناه قبل من أن الله تعالى قد حقق وعده للنبي والمؤمنين فعلا فنصرهم الله وصارت كلمته هي العليا وتحققت بذلك المعجزة القرآنية.
ومع خصوصية هذا التطمين وصلته بسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن في إطلاق العبارة القرآنية تلقينا جليلا مستمر المدى يستمد منه كل مؤمن يدعو إلى الله ودينه ومبادئه السامية، ويناضل في سبيلها اليقين والقوة والجرأة ويجعله يستبشر بنصر الله وتأييده إذا ما كانت دعوته ونضاله بصدق وإخلاص.
تعليق على جملة
﴿ واستغفر لذنبك ﴾
هذه الجملة في الآية [ ٥٥ ] هي أولى المرات التي يؤمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بالاستغفار لذنبه، وهناك آيات من بابها في سور أخرى.
ولقد تعددت تخريجات المفسرين لهذه الجملة١ منها أنه خاطب بذلك لتستن أمته بسنته. ومنها أنها بمعنى استغفر لذنوب أهل بيتك، ومنها أن اشتغاله بأمر الناس كان يشغله عن التفرغ لعبادة الله فكان هذا عنده تقصيرا أو ذنبا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولقد أورد المفسرون حديثا جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة )٢. وفسروا الغين بالغيم الرقيق الذي يغشى السماء، وفسروه بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفترات والغفلات، فكان يعتبر ذلك ذنبا نحو الله تعالى ويستغفره منه، وهذا أوجه التخريجات. ولقد خطر ببالنا تخريج آخر نرجو أن يكون صوابا. وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحيانا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء، أو يفعل شيئا اجتهادا منه بغير وحي ويكون ذلك أحيانا غير الأولى في علم الله ويعاتب عليه في القرآن مما مر منه بعض الأمثلة فكان يستغفر الله تعالى ويؤمر بالاستغفار لنفسه من مثل ذلك. ومن هذا الباب آيات سورة النساء هذه :﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( ١٠٥ ) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ( ١٠٦ ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما( ١٠٧ ) ﴾ وليس هذا ولا ما ورد في التخريج السابق من الغين ذنبا فيه تقصير في حق الله تعالى أو انحراف عن أوامره مما يجب الاعتقاد بعصمته منه صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالإضافة إلى الحديث السابق أورد المفسرون أحاديث عديدة في صدد استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه فيها حديث عن أبي هريرة جاء فيه :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة. وفي رواية أكثر من سبعين مرة )٣. وحديث عن ابن عمر قال :( إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة قوله رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم )٤. وحديث جاء فيه :( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في آخر الصلاة : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت )٥. وحديث جاء فيه :( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )٦. وحديث جاء فيه :( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطيئتي وعمدي وكل ذلك عندي ). حيث ينطوي في كل هذا صورة رائعة لعمق شعور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعظم مسؤوليته نحو الله عز وجل وعظم خوفه من أن يكون قد أتى في حالة من حالاته ما لا ينبغي أن يصدر عنه.
هذا، وجملة ﴿ وأورثنا بني إسرائيل الكتاب( ٥٣ ) ﴾ يجب أن تؤخذ على أنها في صدد ما خلفه موسى عليه السلام في بني إسرائيل أو سلمه إليهم من المدونات التي فيها شرائع الله وتبليغاته والتي ذكرنا خبرها في سياق تفسير سورة الأعراف استنادا إلى آيات القرآن من ناحية، وبعض نصوص ما هو متداول في الأيدي اليوم من أسفار من ناحية أخرى وحسب، وليست في صدد تقرير اقتصاد إرث كتاب الله عليهم لأن المسلمين قد أورثوا كتاب الله تعالى بدورهم. ولا في صدد كون ذلك شاملا جميع ما في أيديهم من أسفار ؛ لأنها مكتوبة بأقلام بشرية في أزمنة مختلفة فيها الغث والسمين والمناقضات والمبالغات وما تنزه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم عنه من أوامر وتبليغات وإن كان يجوز أن يكون فيها بعض ما بلغه الله لموسى وغيره من أنبيائه وبلغوه بدورهم لبني إسرائيل، والله تعالى أعلم.
في الآية تنديد بالذين يجادلون في آيات الله ويكابرون فيها بغير برهان وعلم، وتقرير لواقع أمرهم من حيث إنهم يكونون مندفعين في ذلك بسائق الكبر والغرور.
وتطمين وتثبيت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ حيث تأمره بالاعتصام بالله والاستعاذة به فهو السميع الذي يسمع كل شيء، وليكون على ثقة من أنهم لن يصلوا إلى ما يرمون إليه من تعطيل آيات الله ودحضها.
تعليق على موضوع المسيح الدجال
ونزول عيسى عليه السلام
في آخر الزمان
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن هذه الآية مدنية، وروى بعض المفسرين أنها نزلت في اليهود ومكابرتهم وقولهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن المسيح الدجال هو صاحبهم، وإنه سوف يظهر ويملك الدنيا وتعم دعوته ويعيد لليهود سابق سلطانهم وملكهم. وقال المفسرون الذين رووا ذلك : إن الله أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاستعاذة من فتنته١.
ويلحظ أن آية قريبة في الصيغة إلى هذه الآية قد وردت في الفصل القصصي السابق [ الآية / ٣٤ ] في صدد التنديد بالكافرين المتكبرين مما يسوغ القول : إن هذه الآية أيضا مكية وفي صدد الكافرين وفيها عود على بدء بالتنديد بهم وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتثبيته من ناحيتهم. ويلحظ أيضا أن الآية السابقة لهذه الآية مباشرة قد وجه الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بالصبر والاعتماد على الله وتسبيحه عشيا وبكورا، وأن الفقرة الأخيرة قد احتوت شيئا مثل ذلك من حيث توجيه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بالاستعاذة بالله، فهذا التماثل أيضا مما يقوي ترجيح مكية الآية وصلتها بالسياق سبكا وموضوعا.
ولقد كانت رواية مدنية الآية وقول اليهود إن المسيح الدجال هو صاحبهم وسيلة للمفسرين لذكر الدجال وظهوره وصفته ونزول عيسى بعده وقتله له٢ ولإيراد أحاديث نبوية عديدة في ذلك مختلفة الرتب والنصوص، مما دعانا إلى شيء من التعليق ؛ لأن كتب المفسرين مستفيضة به فنقول : إن كلمة المسيح هي نفس كلمة ( مسيا ) العبرانية، والمقصود بها رجل يمسح الرئيس الديني بالدهن على رأسه ويملك على اليهود وفقا لتقاليدهم.
وفي سفري صموئيل الأول والثاني في الطبعة البروتستانتية وسفري الملوك الأول والثاني في الطبعة الكاثوليكية خبر مسح أول ملك بالدهن وهو طالوت حيث طلب بنو إسرائيل من كاهنهم الأكبر أن يجعل لهم ملكا فاختار لهم طالوت بأمر الله ومسح رأسه بالزيت وقال له : إن الرب مسحك قائدا على ميراثه٣ وصار يدعى مسيح الرب٤. وكان هذا شأن داود وملوك بني إسرائيل من بعدهما. واليهود يعتقدون استنادا إلى ما في أيديهم من أسفار وبخاصة في سفر نبوءة أشيعا من بشارات بظهور مسيح للرب يملك عليهم ويصلح حالهم ويقوم معوجهم ويعيد لهم مجدهم. ولما ظهر عيسى عليه السلام ظن بعضهم أنه المسيح المنتظر٥ فلما رأوه يخالف منهجهم ويهاجم رجال الدين المنحرفين عن الشريعة ويدعو جميع الناس إلى الله عز وجل بدون اختصاص لبني إسرائيل ويبشر بملكوت السماوات دون ملكوت الأرض كذبوه وناوأوه وصاروا يلقبونه بمسيح الرب وملك اليهود استهزاء وسخرية٦. ثم ظلوا ينتظرون مسيحا، وقد ظهر عدة مسحاء من اليهود بعد عيسى ولكنهم جحدوهم ونعتوهم بالكذابين أيضا. وكلمة الدجال وردت في الأحاديث النبوية المروية، ومعنى الكلمة : المضلل الكذاب. فمن الطبيعي أن يكون هذا الوصف غير يهودي ؛ لأنه لا يعقل أن يسمى اليهود مسيحهم المنتظر به كما ذكرت الرواية التي رواها المفسرون وأوردناها قبل. والمتبادر أنه نعت نصراني على اعتبار أن المسيح الصادق قد ظهر وهو عيسى، وأن ما ينتظره اليهود مسيح كذاب ودجال. وأن هذا النعت مقابلة مسيحية لما كان ينعت به اليهود عيسى ابن مريم عليه السلام من نعوت بذيئته حيث كان العداء مشتدا بين اليهود والنصارى. وكلمة ( الدجال ) عربية فصحى وردت كما قلنا في الأحاديث النبوية. ونرجح أنها كانت مستعملة قبل البعثة في نعت المسيح الذي ينتظره اليهود من قبل النصارى، بل نكاد أن نجزم بذلك. وفي الإصحاح الثاني من سفر رسالة القديس يوحنا الأولى وهذا السفر من ملحقات العهد الجديد ذكر للمسيح الدجال بصيغة تؤيد ذلك على ما سوف نورده بعد قليل. ومن المحتمل أن يكون نصارى العرب الصرحاء الفصحاء في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بلاد الشام والعراق أو جزيرة العرب قد استعملوها كذلك. كما أن من المحتمل أن يكونوا ترجموها من لغة النصارى غير العرب الصرحاء من سريانيين وفينقيين وكلدانيين وأقباط وأشوريين أو روم.
ولقد قلنا : إن أحاديث نبوية عديدة مختلفة الرتب والنصوص قد رويت في المسيح الدجال وصفته وظهوره وفتنته ونزول عيسى عليه السلام من السماء في النهاية وتمكنه من قتله. ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود. منها حديث رواه مسلم عن أنس بن مالك جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ). ومنها حديث رواه مسلم والترمذي عن أبي بكر جاء فيه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خرسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة ). ومنها حديث عن ابن عمر رواه البخاري ومسلم والترمذي جاء فيه :( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال : إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، إنه أعور وإن الله ليس بأعور ). ومنها حديث رواه البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسها، فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه منها كل كافر ومنافق ). ومنها حديث عن عبد الله بن عمر رواه مسلم جاء فيه :( أن رسول الله قال : يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما فيبعث الله عيسى ابن مريم عليه السلام كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث سبع سنين ليس بين اثنين عداوة )٧.
ومنها حديث رواه أبو داود والحاكم والإمام أحمد عن أبي هريرة جاء فيه :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ليس بيني وبين عيسى عليه السلام نبي، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين، وكأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجال ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسد مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات، فيمكث عيسى في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون )٨.
ومنها حديث رواه الشيخان وأحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم عليه السلام حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ) ثم قال أبو هريرة : واقرأوا إن شئتم :﴿ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ( ١٥٩ ) ﴾٩ [ سورة النساء : ١٥٩ ].
ومنها حديث رواه الشيخان والنسائي جاء فيه :( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال )١٠. ومنها حديث طويل رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس أخبر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس بحديث حدثه به تميم الداري عن مسيح الدجال فقال له : إنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقالوا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة قالوا : وما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فخافوا أن تكون شيطانة وانطلقوا سريعا حتى دخلوا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأوه خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد فسألهم عن نخل بيسان هل يثمر وعن ماء بحيرة طبريا هل لا يزال فيها ماء وعن عين زغر هل فيها ماء، وهل يزرع أهلها ؟ فأجابوه نعم. فسألهم عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب قال : أقاتله العرب ؟ قالوا : نعم قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبروه أنه ظهر عليهم وأطاعوه. فقال لهم : إني مخبركم إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي، كلما أردت أن أدخل واحدة استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وأن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها، قالت الرواية قال رسول الله : وطعن بمخصرة في المنبر هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعني المدينة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ فقال الناس : نعم قال : فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة )١١.
وفي رواية الترمذي من هذا الحديث عن تميم الداري :( أن أناسا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر فإذا هم بدابة لبّاسة ناشرة لشعرها فقالوا : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة قالوا : فأخبرينا ؟ قالت : لا أخبركم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا أقصى القرية فإن ثم من يخبركم ويستخبركم، فأتينا أقصى القرية فإذا رجل موثق بسلسلة فقال : أخبروني عن عين زغر ؟ قلنا : ملأى تدفق. قال : أخبروني عن البحيرة ؟ قلنا : ملأى تدفق. قال : أخبروني عن نخل بيسان الذي بين الأردن وفلسطين هل أطعم ؟ قلنا : نعم. قال : أخبروني عن النبي هل بعث ؟ قلنا : نعم. قال : أخبروني كيف الناس إليه ؟ قلنا : سراع. قال : فنزا نزوة حتى كاد، قلنا : فما أنت ؟ قال : إنه الدجال، وإنه يدخل الأمصار كلها إلا طيبة وطيبة المدينة )١٢. وحديث رواه الشيخان عن المغيرة قال :( ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الدجال ما سألته وإنه قال لي : ما يضرك منه ؟ قلت : لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء، قال : هو أهون على الله من ذلك )١٣. وحديث رواه الشيخان والترمذي عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( لأنا أعلم بما مع الدجال منه معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجج، كلما أدركن أحدا فليأت النهر الذي يراه نارا وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين عليه ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب )١٤. وحديث رواه مسلم والترمذي و
٢ انظر تفسير الآية في تفسير الخازن والبغوي. ومن العجيب أن المفسر الطبري لم يذكر شيئا من ذلك في سياق هذه الآية..
٣ انظر الإصحاحين ٩ و ١٠ من صموئيل الأول..
٤ انظر الإصحاح ٢٤ من السفر نفسه..
٥ انظر مثلا الإصحاح ١٦ من إنجيل متى..
٦ انظر مثلا الإصحاح ٢٧ من إنجيل متى والإصحاح ١٥ من إنجيل مرقس..
٧ انظر التاج جـ ٥ ص ٣١٣ – ٣٢٧ وفي هذه الصحف أحاديث أخرى اكتفينا منها بما أوردناه. وجملة (إن الله ليس بأعور) تتضمن كون الدجال سيدعي الألوهية..
٨ التاج جـ ٥ ص ٣٢٥ – ٣٢٦..
٩ المصدر نفسه..
١٠ التاج جـ ١ ص ٣٤٠..
١١ التاج جـ ٥ ص ٣١٣ – ٣١٥..
١٢ التاج جـ ٥ ص ٣١٦..
١٣ المصدر نفسه ص ٣١٨..
١٤ المصدر نفسه..
في الآيات :
تنبيه إلى أن خلق السماوات والأرض أعظم من خلق الناس مما ينطوي فيه قصد تقرير كون الله الذي خلق السماوات والأرض على عظم ما فيها من دليل على قدرة الله قادرا من باب أولى على خلق الناس وإعادتهم.
تنديد بأكثر الناس الذين يغفلون عن هذه الحقيقة البدهية فيجادلون في مسألة البعث.
وتنبيه إلى عدم جواز التسويق بين الأعمى والبصير وبين المؤمنين الصالحين والكافرين المسيئين، وتنديد بالذين لا يدركون هذه الحقيقة البدهية الثانية التي تنطوي فيها حكمة الله في البعث والجزاء الأخروي ليوفى كل امرئ بما قدم.
وتوكيد حاسم بمجيء الساعة وحقيقة البعث وتنديد بالذين يصرون على جحودهما مع ثبوت قدرة الله عليهما وحكمته فيهما.
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية الأولى من هذه الآيات مدنية، ويلحظ أنها في صدد التدليل على قدرة الله على البعث وخلق الناس ثانية على ما شرحناه مما احتوت توكيده الآية الثالثة، ومما ظلت الآيات السابقة تشير إليه وتؤكده. وليس فيها صورة ما للعهد المدني، وهي أشد مماثلة للأسلوب والآيات المكية. وهذا ما يجعلنا نتوقف في رواية مدنيتها ونرجح مكيتها ثم نرجح صلة الآيات بالسياق السابق وموضوعه.
في الآيات :
تنبيه إلى أن خلق السماوات والأرض أعظم من خلق الناس مما ينطوي فيه قصد تقرير كون الله الذي خلق السماوات والأرض على عظم ما فيها من دليل على قدرة الله قادرا من باب أولى على خلق الناس وإعادتهم.
تنديد بأكثر الناس الذين يغفلون عن هذه الحقيقة البدهية فيجادلون في مسألة البعث.
وتنبيه إلى عدم جواز التسويق بين الأعمى والبصير وبين المؤمنين الصالحين والكافرين المسيئين، وتنديد بالذين لا يدركون هذه الحقيقة البدهية الثانية التي تنطوي فيها حكمة الله في البعث والجزاء الأخروي ليوفى كل امرئ بما قدم.
وتوكيد حاسم بمجيء الساعة وحقيقة البعث وتنديد بالذين يصرون على جحودهما مع ثبوت قدرة الله عليهما وحكمته فيهما.
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية الأولى من هذه الآيات مدنية، ويلحظ أنها في صدد التدليل على قدرة الله على البعث وخلق الناس ثانية على ما شرحناه مما احتوت توكيده الآية الثالثة، ومما ظلت الآيات السابقة تشير إليه وتؤكده. وليس فيها صورة ما للعهد المدني، وهي أشد مماثلة للأسلوب والآيات المكية. وهذا ما يجعلنا نتوقف في رواية مدنيتها ونرجح مكيتها ثم نرجح صلة الآيات بالسياق السابق وموضوعه.
في الآيات :
تنبيه إلى أن خلق السماوات والأرض أعظم من خلق الناس مما ينطوي فيه قصد تقرير كون الله الذي خلق السماوات والأرض على عظم ما فيها من دليل على قدرة الله قادرا من باب أولى على خلق الناس وإعادتهم.
تنديد بأكثر الناس الذين يغفلون عن هذه الحقيقة البدهية فيجادلون في مسألة البعث.
وتنبيه إلى عدم جواز التسويق بين الأعمى والبصير وبين المؤمنين الصالحين والكافرين المسيئين، وتنديد بالذين لا يدركون هذه الحقيقة البدهية الثانية التي تنطوي فيها حكمة الله في البعث والجزاء الأخروي ليوفى كل امرئ بما قدم.
وتوكيد حاسم بمجيء الساعة وحقيقة البعث وتنديد بالذين يصرون على جحودهما مع ثبوت قدرة الله عليهما وحكمته فيهما.
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية الأولى من هذه الآيات مدنية، ويلحظ أنها في صدد التدليل على قدرة الله على البعث وخلق الناس ثانية على ما شرحناه مما احتوت توكيده الآية الثالثة، ومما ظلت الآيات السابقة تشير إليه وتؤكده. وليس فيها صورة ما للعهد المدني، وهي أشد مماثلة للأسلوب والآيات المكية. وهذا ما يجعلنا نتوقف في رواية مدنيتها ونرجح مكيتها ثم نرجح صلة الآيات بالسياق السابق وموضوعه.
داخرين : صاغرين.
بيان بأن الله فرض على الناس أن يتجهوا إليه وحده في الدعاء والعبادة ووعدهم بالاستجابة لدعائهم وشمولهم بعطفه وعنايته، وأوعد الذين يستكبرون عن عبادته ودعائه وحده بجهنم يدخلونها صاغرين.
وتنبيه إلى بعض مظاهر عظمة الله وأفضاله على الناس. فهو الذي جعل الليل مظلما ليسكن الناس فيه ويرتاحوا، وجعل النهار مضيئا ليسعوا فيه في سبيل الرزق ومظاهر الحياة. فهو صاحب الفضل على الناس المستحق من أجله شكرهم وإخلاصهم له.
وتنديد بأكثر الناس الذين يهملون هذا الواجب، ولا يؤدون حق الله عليهم من الشكر والإخلاص.
وتقريع للجاحدين لفضل الله الحائدين عن سبيله، فالله رب الناس جميعهم وخالق كل شيء لا إله إلا هو فكيف ينصرف الناس عن سبيله ويذهبون بعيدا عن الحق والحقيقة ويجحدون فضله وعظمته.
وقد احتوت الآية الأخيرة استدراكا هاما فالذين يذهبون بعيدا عن الحق والحقيقة وينصرفون عن سبيل الله إنما هم الذين يكابرون في آيات الله ومشاهد عظمته ويجحدونها.
والآيات استمرار في موضوع الآيات التعقيبية التي جاءت بعد الفصل القصصي كما هو المتبادر، وقد احتوت التفاتا أو انتقالا من الغائب للمخاطب ودعوة وتنويها وإنذارا وتنديدا، وقد يدل هذا على أن السياق كله في صدد مشهد من مشاهد الجدل والحجاج أو في صدد التعقيب عليه.
وقد انطوى في الآية الأخيرة شيء من الوعيد للجاحدين الغافلين وتقرير كون الجحود إنما يحدث ممن خبثت نياتهم ورغبوا عن الحق والحقيقة، ولذلك يتحملون مسؤولية عملهم.
بيان بأن الله فرض على الناس أن يتجهوا إليه وحده في الدعاء والعبادة ووعدهم بالاستجابة لدعائهم وشمولهم بعطفه وعنايته، وأوعد الذين يستكبرون عن عبادته ودعائه وحده بجهنم يدخلونها صاغرين.
وتنبيه إلى بعض مظاهر عظمة الله وأفضاله على الناس. فهو الذي جعل الليل مظلما ليسكن الناس فيه ويرتاحوا، وجعل النهار مضيئا ليسعوا فيه في سبيل الرزق ومظاهر الحياة. فهو صاحب الفضل على الناس المستحق من أجله شكرهم وإخلاصهم له.
وتنديد بأكثر الناس الذين يهملون هذا الواجب، ولا يؤدون حق الله عليهم من الشكر والإخلاص.
وتقريع للجاحدين لفضل الله الحائدين عن سبيله، فالله رب الناس جميعهم وخالق كل شيء لا إله إلا هو فكيف ينصرف الناس عن سبيله ويذهبون بعيدا عن الحق والحقيقة ويجحدون فضله وعظمته.
وقد احتوت الآية الأخيرة استدراكا هاما فالذين يذهبون بعيدا عن الحق والحقيقة وينصرفون عن سبيل الله إنما هم الذين يكابرون في آيات الله ومشاهد عظمته ويجحدونها.
والآيات استمرار في موضوع الآيات التعقيبية التي جاءت بعد الفصل القصصي كما هو المتبادر، وقد احتوت التفاتا أو انتقالا من الغائب للمخاطب ودعوة وتنويها وإنذارا وتنديدا، وقد يدل هذا على أن السياق كله في صدد مشهد من مشاهد الجدل والحجاج أو في صدد التعقيب عليه.
وقد انطوى في الآية الأخيرة شيء من الوعيد للجاحدين الغافلين وتقرير كون الجحود إنما يحدث ممن خبثت نياتهم ورغبوا عن الحق والحقيقة، ولذلك يتحملون مسؤولية عملهم.
بيان بأن الله فرض على الناس أن يتجهوا إليه وحده في الدعاء والعبادة ووعدهم بالاستجابة لدعائهم وشمولهم بعطفه وعنايته، وأوعد الذين يستكبرون عن عبادته ودعائه وحده بجهنم يدخلونها صاغرين.
وتنبيه إلى بعض مظاهر عظمة الله وأفضاله على الناس. فهو الذي جعل الليل مظلما ليسكن الناس فيه ويرتاحوا، وجعل النهار مضيئا ليسعوا فيه في سبيل الرزق ومظاهر الحياة. فهو صاحب الفضل على الناس المستحق من أجله شكرهم وإخلاصهم له.
وتنديد بأكثر الناس الذين يهملون هذا الواجب، ولا يؤدون حق الله عليهم من الشكر والإخلاص.
وتقريع للجاحدين لفضل الله الحائدين عن سبيله، فالله رب الناس جميعهم وخالق كل شيء لا إله إلا هو فكيف ينصرف الناس عن سبيله ويذهبون بعيدا عن الحق والحقيقة ويجحدون فضله وعظمته.
وقد احتوت الآية الأخيرة استدراكا هاما فالذين يذهبون بعيدا عن الحق والحقيقة وينصرفون عن سبيل الله إنما هم الذين يكابرون في آيات الله ومشاهد عظمته ويجحدونها.
والآيات استمرار في موضوع الآيات التعقيبية التي جاءت بعد الفصل القصصي كما هو المتبادر، وقد احتوت التفاتا أو انتقالا من الغائب للمخاطب ودعوة وتنويها وإنذارا وتنديدا، وقد يدل هذا على أن السياق كله في صدد مشهد من مشاهد الجدل والحجاج أو في صدد التعقيب عليه.
وقد انطوى في الآية الأخيرة شيء من الوعيد للجاحدين الغافلين وتقرير كون الجحود إنما يحدث ممن خبثت نياتهم ورغبوا عن الحق والحقيقة، ولذلك يتحملون مسؤولية عملهم.
بيان بأن الله فرض على الناس أن يتجهوا إليه وحده في الدعاء والعبادة ووعدهم بالاستجابة لدعائهم وشمولهم بعطفه وعنايته، وأوعد الذين يستكبرون عن عبادته ودعائه وحده بجهنم يدخلونها صاغرين.
وتنبيه إلى بعض مظاهر عظمة الله وأفضاله على الناس. فهو الذي جعل الليل مظلما ليسكن الناس فيه ويرتاحوا، وجعل النهار مضيئا ليسعوا فيه في سبيل الرزق ومظاهر الحياة. فهو صاحب الفضل على الناس المستحق من أجله شكرهم وإخلاصهم له.
وتنديد بأكثر الناس الذين يهملون هذا الواجب، ولا يؤدون حق الله عليهم من الشكر والإخلاص.
وتقريع للجاحدين لفضل الله الحائدين عن سبيله، فالله رب الناس جميعهم وخالق كل شيء لا إله إلا هو فكيف ينصرف الناس عن سبيله ويذهبون بعيدا عن الحق والحقيقة ويجحدون فضله وعظمته.
وقد احتوت الآية الأخيرة استدراكا هاما فالذين يذهبون بعيدا عن الحق والحقيقة وينصرفون عن سبيل الله إنما هم الذين يكابرون في آيات الله ومشاهد عظمته ويجحدونها.
والآيات استمرار في موضوع الآيات التعقيبية التي جاءت بعد الفصل القصصي كما هو المتبادر، وقد احتوت التفاتا أو انتقالا من الغائب للمخاطب ودعوة وتنويها وإنذارا وتنديدا، وقد يدل هذا على أن السياق كله في صدد مشهد من مشاهد الجدل والحجاج أو في صدد التعقيب عليه.
وقد انطوى في الآية الأخيرة شيء من الوعيد للجاحدين الغافلين وتقرير كون الجحود إنما يحدث ممن خبثت نياتهم ورغبوا عن الحق والحقيقة، ولذلك يتحملون مسؤولية عملهم.
قرارا : مستقرا.
عبارة الآية واضحة، وهي صريحة الدلالة أكثر مما قبلها على أن السياق في صدد مشهد جدلي أو صدد التعقيب عليه، وقد تكرر ما جاء في الآية من نهي وأمر في هذه السورة مباشرة وعلى لسان مؤمن آل فرعون وفي السورة السابقة ؛ حيث يدل ذلك على أن المشركين ظلوا يواصلون اقتراحاتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في التساهل معهم والمشاركة فيما هم عليه من طقوس وتقاليد.
في الآيات تقرير موجه للمخاطبين بأن الله رب العالمين الذي نوهت به الآيات السابقة بمشاهد قدرته هو الذي خلقهم أيضا من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم أخرجهم إلى الدنيا أطفالا ثم يبلغون أشدهم رجالا ومنهم من يتوفى ومنهم من يفسح في عمرهم فيصيرون شيوخا ويعيشون الأجل المعين في علم الله وتتاح لهم الفرصة لتدبير آيات الله وتعقلها وهو الذي بيده كذلك الحياة والموت وهو الذي يوجد كل ما يريده بمجرد اقتران إرادته بوجوده.
والآيات استمرار للسياق في صدد البرهنة على عظمة الله وقدرته واستحقاقه وحده للعبادة والإخلاص والشكر.
ويلفت النظر إلى ما في أسلوب هذه الآيات والتي قبلها من قوة وروعة، وقد وجه الخطاب فيها إلى العقول والقلوب معا مما من شأنه أن يؤثر في ذوي النيات الطيبة والعقول السليمة والرغبات الصادقة، فيجعلهم يدركون ما في عبادة غير الله من سخف وضلال واستحقاق الله وحده للعبادة والدعاء والاعتماد. والأسلوب متساوق مع مشاهدات المخاطبين في الكون وفي أنفسهم ثم مع مدركاتهم وليس هو بسبيل تقريرات فنية على ما نبهنا إليه في سياق الفصول المماثلة الكثيرة، ومنها ما ورد في هذه السورة.
وجملة ﴿ ولعلكم تعقلون ﴾ في الآية [ ٦٧ ] قد تلهم أن اختصاص بني آدم بالذكر بأطوار خلقهم التي يشترك فيها معهم غيرهم من الحيوانات إنما هو بقصد التنويه بما اقتضت حكمة الله من تمييزهم عن غيرهم بالعقل والتكليف، ومن ترتيب نتائج ذلك عليهم مما لم يرتب على غيرهم من الحيوانات، والله أعلم.
والآيات استمرار للسياق في صدد البرهنة على عظمة الله وقدرته واستحقاقه وحده للعبادة والإخلاص والشكر.
ويلفت النظر إلى ما في أسلوب هذه الآيات والتي قبلها من قوة وروعة، وقد وجه الخطاب فيها إلى العقول والقلوب معا مما من شأنه أن يؤثر في ذوي النيات الطيبة والعقول السليمة والرغبات الصادقة، فيجعلهم يدركون ما في عبادة غير الله من سخف وضلال واستحقاق الله وحده للعبادة والدعاء والاعتماد. والأسلوب متساوق مع مشاهدات المخاطبين في الكون وفي أنفسهم ثم مع مدركاتهم وليس هو بسبيل تقريرات فنية على ما نبهنا إليه في سياق الفصول المماثلة الكثيرة، ومنها ما ورد في هذه السورة.
وجه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى السامع إطلاقا بأسلوب قصد به استثارة تعجبه من انصراف الكفار عن آيات الله ومكابرتهم فيها وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلهم به من رسالة الحق والهدى. ثم أخذت الآيات تصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال وعذاب وخزي وخذلان. وتذكر ما سوف يوجه إليهم من التنديد والتقريع وما سوف يكون منهم من الندم والحسرة والاعتراف بما كانوا فيه من ضلال.
والآيات كما هو المتبادر تعقيب على تلك السلسلة القوية الرائعة المملوءة بالشواهد العقلية والقلبية على عظمة الله وآياته وربوبيته وقدرته التي جاءت في صدد المشهد الجدلي والحجاجي. والإنذار والوصف اللذان احتوتهما الآيات قويان رهيبان من شأنهما إثارة الرعب والندم والارعواء وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. ولعل فيها كذلك تطمينا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتسلية لهم بما سوف يكون من مصير المكذبين والمكابرين وحسرتهم وندمهم.
وجه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى السامع إطلاقا بأسلوب قصد به استثارة تعجبه من انصراف الكفار عن آيات الله ومكابرتهم فيها وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلهم به من رسالة الحق والهدى. ثم أخذت الآيات تصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال وعذاب وخزي وخذلان. وتذكر ما سوف يوجه إليهم من التنديد والتقريع وما سوف يكون منهم من الندم والحسرة والاعتراف بما كانوا فيه من ضلال.
والآيات كما هو المتبادر تعقيب على تلك السلسلة القوية الرائعة المملوءة بالشواهد العقلية والقلبية على عظمة الله وآياته وربوبيته وقدرته التي جاءت في صدد المشهد الجدلي والحجاجي. والإنذار والوصف اللذان احتوتهما الآيات قويان رهيبان من شأنهما إثارة الرعب والندم والارعواء وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. ولعل فيها كذلك تطمينا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتسلية لهم بما سوف يكون من مصير المكذبين والمكابرين وحسرتهم وندمهم.
وجه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى السامع إطلاقا بأسلوب قصد به استثارة تعجبه من انصراف الكفار عن آيات الله ومكابرتهم فيها وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلهم به من رسالة الحق والهدى. ثم أخذت الآيات تصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال وعذاب وخزي وخذلان. وتذكر ما سوف يوجه إليهم من التنديد والتقريع وما سوف يكون منهم من الندم والحسرة والاعتراف بما كانوا فيه من ضلال.
والآيات كما هو المتبادر تعقيب على تلك السلسلة القوية الرائعة المملوءة بالشواهد العقلية والقلبية على عظمة الله وآياته وربوبيته وقدرته التي جاءت في صدد المشهد الجدلي والحجاجي. والإنذار والوصف اللذان احتوتهما الآيات قويان رهيبان من شأنهما إثارة الرعب والندم والارعواء وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. ولعل فيها كذلك تطمينا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتسلية لهم بما سوف يكون من مصير المكذبين والمكابرين وحسرتهم وندمهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٩:﴿ ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ( ٦٩ ) الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون ( ٧٠ ) إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ( ٧١ ) في الحميم ثم في النار يسجرون ( ٧٢ ) ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون ( ٧٣ ) من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ( ٧٤ ) ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ( ٧٥ ) ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ( ٧٦ ) ﴾ [ ٦٩ – ٧٦ ].
وجه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى السامع إطلاقا بأسلوب قصد به استثارة تعجبه من انصراف الكفار عن آيات الله ومكابرتهم فيها وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلهم به من رسالة الحق والهدى. ثم أخذت الآيات تصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال وعذاب وخزي وخذلان. وتذكر ما سوف يوجه إليهم من التنديد والتقريع وما سوف يكون منهم من الندم والحسرة والاعتراف بما كانوا فيه من ضلال.
والآيات كما هو المتبادر تعقيب على تلك السلسلة القوية الرائعة المملوءة بالشواهد العقلية والقلبية على عظمة الله وآياته وربوبيته وقدرته التي جاءت في صدد المشهد الجدلي والحجاجي. والإنذار والوصف اللذان احتوتهما الآيات قويان رهيبان من شأنهما إثارة الرعب والندم والارعواء وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. ولعل فيها كذلك تطمينا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتسلية لهم بما سوف يكون من مصير المكذبين والمكابرين وحسرتهم وندمهم.
وجه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى السامع إطلاقا بأسلوب قصد به استثارة تعجبه من انصراف الكفار عن آيات الله ومكابرتهم فيها وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلهم به من رسالة الحق والهدى. ثم أخذت الآيات تصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال وعذاب وخزي وخذلان. وتذكر ما سوف يوجه إليهم من التنديد والتقريع وما سوف يكون منهم من الندم والحسرة والاعتراف بما كانوا فيه من ضلال.
والآيات كما هو المتبادر تعقيب على تلك السلسلة القوية الرائعة المملوءة بالشواهد العقلية والقلبية على عظمة الله وآياته وربوبيته وقدرته التي جاءت في صدد المشهد الجدلي والحجاجي. والإنذار والوصف اللذان احتوتهما الآيات قويان رهيبان من شأنهما إثارة الرعب والندم والارعواء وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. ولعل فيها كذلك تطمينا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتسلية لهم بما سوف يكون من مصير المكذبين والمكابرين وحسرتهم وندمهم.
كذلك يضل الله الكافرين : بمعنى لا يسعدهم ولا يوفقهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٩:﴿ ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ( ٦٩ ) الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون ( ٧٠ ) إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ( ٧١ ) في الحميم ثم في النار يسجرون ( ٧٢ ) ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون ( ٧٣ ) من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ( ٧٤ ) ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ( ٧٥ ) ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ( ٧٦ ) ﴾ [ ٦٩ – ٧٦ ].
وجه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى السامع إطلاقا بأسلوب قصد به استثارة تعجبه من انصراف الكفار عن آيات الله ومكابرتهم فيها وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلهم به من رسالة الحق والهدى. ثم أخذت الآيات تصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال وعذاب وخزي وخذلان. وتذكر ما سوف يوجه إليهم من التنديد والتقريع وما سوف يكون منهم من الندم والحسرة والاعتراف بما كانوا فيه من ضلال.
والآيات كما هو المتبادر تعقيب على تلك السلسلة القوية الرائعة المملوءة بالشواهد العقلية والقلبية على عظمة الله وآياته وربوبيته وقدرته التي جاءت في صدد المشهد الجدلي والحجاجي. والإنذار والوصف اللذان احتوتهما الآيات قويان رهيبان من شأنهما إثارة الرعب والندم والارعواء وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. ولعل فيها كذلك تطمينا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتسلية لهم بما سوف يكون من مصير المكذبين والمكابرين وحسرتهم وندمهم.
تعليق على جملة
﴿ كذلك يضل الله الكافرين ( ٧٤ ) ﴾
وهذه الجملة جاءت بمثابة تعقيب أو تعليق على اعتراف المشركين كما هو واضح، وقد تضمنت تقرير كون الذين يضلهم الله ولا يوفقهم ولا يسعدهم هم الكافرون أي الذين بيتوا أو تعمدوا الكفر والجحود والمكابرة وهي من نوع :﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ في آية سورة إبراهيم [ ٢٧ ] ﴿ وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ في آية سورة البقرة [ ٢٦ ] ويصح أن تكون محكمة يزول بها الإشكال في ما يرد من الآيات المطلقة.
ولما كان معظم الكافرين من العرب الذين كانت هذه الآية وأمثالها تشير إليهم، وتندد بهم وتذكر مصائرهم السيئة في الآخرة قد أسلموا فيصح أن يقال : إنها من جهة تسجيل لواقع أمرهم حين نزول القرآن من جهة، وأن فحواها إنما يبقى قائما بالنسبة للذين يظلون على كفرهم وظلمهم حتى الممات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٩:﴿ ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ( ٦٩ ) الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون ( ٧٠ ) إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ( ٧١ ) في الحميم ثم في النار يسجرون ( ٧٢ ) ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون ( ٧٣ ) من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ( ٧٤ ) ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ( ٧٥ ) ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ( ٧٦ ) ﴾ [ ٦٩ – ٧٦ ].
وجه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى السامع إطلاقا بأسلوب قصد به استثارة تعجبه من انصراف الكفار عن آيات الله ومكابرتهم فيها وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلهم به من رسالة الحق والهدى. ثم أخذت الآيات تصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال وعذاب وخزي وخذلان. وتذكر ما سوف يوجه إليهم من التنديد والتقريع وما سوف يكون منهم من الندم والحسرة والاعتراف بما كانوا فيه من ضلال.
والآيات كما هو المتبادر تعقيب على تلك السلسلة القوية الرائعة المملوءة بالشواهد العقلية والقلبية على عظمة الله وآياته وربوبيته وقدرته التي جاءت في صدد المشهد الجدلي والحجاجي. والإنذار والوصف اللذان احتوتهما الآيات قويان رهيبان من شأنهما إثارة الرعب والندم والارعواء وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. ولعل فيها كذلك تطمينا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتسلية لهم بما سوف يكون من مصير المكذبين والمكابرين وحسرتهم وندمهم.
وجه الخطاب في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى السامع إطلاقا بأسلوب قصد به استثارة تعجبه من انصراف الكفار عن آيات الله ومكابرتهم فيها وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلهم به من رسالة الحق والهدى. ثم أخذت الآيات تصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال وعذاب وخزي وخذلان. وتذكر ما سوف يوجه إليهم من التنديد والتقريع وما سوف يكون منهم من الندم والحسرة والاعتراف بما كانوا فيه من ضلال.
والآيات كما هو المتبادر تعقيب على تلك السلسلة القوية الرائعة المملوءة بالشواهد العقلية والقلبية على عظمة الله وآياته وربوبيته وقدرته التي جاءت في صدد المشهد الجدلي والحجاجي. والإنذار والوصف اللذان احتوتهما الآيات قويان رهيبان من شأنهما إثارة الرعب والندم والارعواء وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. ولعل فيها كذلك تطمينا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتسلية لهم بما سوف يكون من مصير المكذبين والمكابرين وحسرتهم وندمهم.
في الآيات :
أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر على ما يراه من المشركين من مكابرة وعناد.
وتطمين له بأن وعد الله فيهم حق محتم التحقيق سواء أعاش حتى يراه بعينه أم مات قبل ذلك.
وتقرير بأنهم على كل حال سوف يرجعون إليه وهو القادر عليهم في كل آن.
وتنبيه موجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سنة الله في سبيل الرسل من قبله. فقد أرسل الله من قبله رسلا كثيرين منهم من قص عليهم أخبارهم ومنهم من لم يقصها. وأن سنة الله جرت على أن لا يأتي أحد من رسله بآية مما يتحداه به الكفار أو فيها عذاب الله إلا بإذنه وحيثما تقضيه حكمته وأن الذي عليه هو انتظار أمر الله وقضائه فإذا ما جاء كان النصر للحق وأصحابه والخسران للباطل وأهله.
ولم نطلع على رواية خاصة في نزول الآيات، ومع أن المتبادر منها أنها استمرار للآية السابقة في التعقيب والتطمين والتسلية فإن مضمونها قد يلهم احتمال تضمنها ردا على تحد للكفار بدر منهم في ظروف نزول السورة باستعجال العذاب الموعود، أو الإتيان بآية وهو ما تكرر منهم على ما حكته آيات أخرى في سور مر تفسيرها، أو أن يكون فيها جواب على ما كان يقوم في ذهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو المؤمنين من تساؤل عن موعد تحقيق وعيد الله فيهم أو رجاء بإحداث آية تقنعهم أو ترهبهم حتى ينتهوا من موقف عنادهم وجحودهم. وهذا أيضا مما حكته آيات أخرى في سور مر تفسيرها.
وقد علق المفسر ابن كثير على هامش الآية الأولى أن الله سبحانه وتعالى قد أرى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مصارع كثير من كبار الكفار في بدر وغيرها كما أراه علو كلمة الله وانخذال الكفر والشرك في جزيرة العرب فحقق لد بذلك بعض ما وعده الله به من نصر.
تعليق على روايات عدد الأنبياء
ولقد كانت الآية الثانية وسيلة لإيراد بعض الأحاديث والروايات في عدد الأنبياء حيث روى الطبرسي في ( مجمع البيان ) بدون سند ولا اسم راو أن عددهم مائة وأربعة وعشرون ألفا، وروى كذلك رواية أخرى ذكرت أن عددهم ثمانية آلاف منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل. وقد روى الطبري الرواية معزوة إلى أنس بن مالك بدون رفعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما روى رواية عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن الله بعث أربعة آلاف نبي. ورواية عن علي بن أبي طالب أن الله بعث نبيا عبدا حبشيا، وهو الذي لم يقصصه عليه. ولقد أورد ابن كثير بعض هذه الأحاديث بنصها أو مع التغاير، كما أورد أحاديث أخرى من بابها في سياق تفسير الآية [ ١٦٣ ] من سورة النساء. ومن ذلك حديث طويل عن أبي ذر جاء فيه فيما جاء :( قلت يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال : مائة وأربعة وعشرون ألفا. قلت : كم الرسل منهم ؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير. قلت : يا رسول الله آدم نبي مرسل ؟ قال : نعم. ثم قال : يا أبا ذر أربعة سريانيون وهم آدم وشيت ونوح وخنون وهو إدريس وأربعة من العرب هود وشعيب وصالح ونبيك. وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى، وأول الرسل آدم وآخرهم محمد. قلت : يا رسول الله كم كتاب أنزله الله ؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب. أنزل على شيت خمسين صحيفة وعلى خنون ثلاثين وعلى إبراهيم عشرا، وعلى موسى قبل التوراة عشرا، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ). ومن ذلك عن أنس حديث جاء فيه :( إن الله بعث ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف إلى بني إسرائيل وأربعة آلاف إلى سائر الناس ). وحديث روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إني خاتم ألف نبي أو أكثر ) وفي رواية :( إني أختم ألف ألف نبي أو أكثر ) وليس شيء من هذه الأحاديث واردا في كتب الصحاح. وقد أورد ابن كثير أقوال بعض أئمة الحديث في صددها. من ذلك أن الإمام أبا الفرج بن الجوزي ذكر حديث أبي ذر في ( الموضوعات ) واتهم به إبراهيم بن هشام أحد رواته وقال المفسر : إن غير واحد من أئمة الجرح والتعديل تكلموا في إبراهيم من أجل هذا الحديث. ومن ذلك قول المفسر عن الحديث المروي عن أنس أن إسناده ضعيف وفيه رواة ضعفاء. ومن ذلك قوله عن الرواية الثانية من حديث أبي سعيد أنها قد تكون مقحمة. وفي متن حديث أبي ذر مآخذ أخرى فليس أول أنبياء بني إسرائيل موسى، فإن الأسباط هم أيضا بنو إسرائيل الذي هو اسم آخر ليعقوب. وهم أنبياء موحى إليهم منزل عليهم على ما يستفاد من آية سورة البقرة هذه :﴿ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط....... ﴾ وآيات سورة النساء هذه التي فيها نص مماثل للنص الذي نحن في صدده :﴿ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا ( ١٦٣ ) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ( ١٦٤ ) ﴾ [ ١٦٣ – ١٦٤ ].
وقد ذكر يوسف الذي هو أحد الأسباط باسمه الصريح كرسول في إحدى آيات سورة غافر نفسها، وذكر كذلك في سورة الأنعام في عداد الأنبياء. وآية سورة البقرة المذكورة آنفا تفيد أنه أنزلت كتب على الأسباط بالإضافة إلى إسماعيل وإسحاق ويعقوب. ولم يذكر هؤلاء في عداد من أنزل عليهم كتب الله في الحديث. واللغة السريانية لهجة من اللغة الآرامية لم تتميز باسمها إلا قبيل الميلاد المسيحي أو بعده بقليل في حين يذكر الحديث أنها لغة آدم ونوح وشيت وخنون. وكل هذا يوجب التحفظ والتوقف في هذا الأمر الذي هو من الأمور الغيبية التي لا يصح الأخذ فيها إلا بما صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله تعالى أعلم.
ومهما يكن من أمر فالآيات صريحة أن الله تعالى أرسل رسلا لم تشأ حكمة التنزيل أن يقصهم على رسوله. وفي القرآن ورد أربعة وعشرون ذكروا في سور متعددة بأن الله أوحى إليهم وأنزل عليهم وهم : آدم ونوح وإدريس وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وموسى وهرون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا وعيسى ويحيى وذو الكفل وهناك اسم مختلف فيه وهو لقمان. وهناك الأسباط الذين لم يذكر منهم باسمه إلا يوسف، وقد ذكرنا أسماءهم في سياق تفسير سورة الأعراف نقلا عن الإصحاح ( ٤٦ ) من سفر التكوين.
وفي القرآن آيات تفيد أن هناك أنبياء ورسلا آخرين من بني إسرائيل مثل آية سورة البقرة هذه :﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ( ٨٧ ) ﴾ وفي سورة آية آل عمران هذه :﴿ الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ( ١٨٣ ) ﴾.
وفي أسفار العهد القديم المتداولة اليوم أسماء عديدة لأنبياء كانوا يظهرون في بني إسرائيل ويأمرهم الله بتبليغ أوامره وإنذاراته مثل دبوره وابينوعيم وناتان وياهو وأحيا١ وغيرهم وغيرهم. وبين أسفار هذا العهد أسفار عديدة منسوبة إلى رجال يبدو من صيغتها وعناوينها أنهم من أنبياء الله أيضا مثل يشوع وعزرا ونحميا وطوبيا وأشعيا وأرميا وباروك وحزقيال ودانيال وهوشع ويوئيل وعاموس وعوبديا وميخا ونحوم وحبقوق وصفنيا وحجاي وملاخي. ويصح أن يسلك في هذا السلك تلامذة أو حواريو عيسى عليه السلام الذين ذكرت بعض آيات القرآن خبرهم مثل هذه الآية من سورة المائدة :﴿ وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون ( ١١١ ) ﴾ وهذه الآية من سورة الصف :﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ﴾ والذين ذكرت الأناجيل المتداولة أن عيسى عليه السلام أمرهم بالتبشير بين الناس فقاموا بذلك في حياته وبعد وفاته. وهم سمعان المدعو بطرس ثم اندراوس أخوه ويعقوب بن زبدى ويوحنا أخوه وفيلبس وبرتلماوس وتوما ومتى العشار ويعقوب بن حلفى وتداوس وسمعان القانوني ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه. وقد يستثنى الأخير لخيانته٢ والله أعلم.
ومنطقة الرسل والأنبياء المذكورين في القرآن بما فيهم الأسباط ولقمان المختلف فيه والأنبياء الآخرون من بني إسرائيل والحواريون هي جزيرة العرب وما جاورها باستثناء بعض حواريي عيسى الذين وصلوا إلى سواحل أوروبا الجنوبية الشرقية وبشروا فيها. ولقد ذكر القرآن أن الله تعالى شاءت حكمته أن يبعث في كل أمة رسولا كما جاء في آية سورة النحل هذه :﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( ٣٦ ) ﴾ وفي سورة فاطر التي مر تفسيرها آية من هذا الباب وهي ﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( ٢٤ ) ﴾ بحيث يمكن القول إن من الرسل الذين لم تشأ حكمة الله ذكرهم في القرآن رسلا أرسلوا إلى مختلف أنحاء الدنيا ومختلف أجناس البشر في مختلف الأدوار السابقة للبعثة النبوية. وليس ما يمنع أن يكون الرجال العظام الذين تنسب إليهم الشرائع والأديان والكتب المتنوعة التي فيها أحكام وتعاليم ووصايا اجتماعية وأخلاقية في بلاد الهند والصين وجاوا والفرس واليابان وغيرها منهم أيضا. وليس لمسلم أن ينفي ذلك جزافا، وقد يكون فيما ينسب إلى بعضهم من وصايا مخالفة لمبادئ القرآن كذبا أو محرفا، والشأن في ذلك مثل الشأن في الأسفار التي يتداولها اليهود والنصارى.
وفي سورة الحديد آية مهمة في هذا الباب هي :﴿ ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ( ٢٦ ) ﴾ فذكر ذرية نوح من ذرية إبراهيم يفيد أنه قصد من ذلك تقرير ظهور أنبياء آخرين من غير ذرية إبراهيم التي منها معظم أنبياء بني إسرائيل وبخاصة موسى وعيسى عليهما السلام وتنسب إليهما اليهودية والنصرانية. وأنزلت عليهم كتب الله مثل ما أنزل على الأنبياء من ذرية إبراهيم. وقد ذكر القرآن أن الله تعالى نجى نوحا من الطوفان مع أهله وجعل ذريته هم الباقون كما جاء مثلا في آية سورة الصافات [ ٧٧ ] وفي سفر التكوين٣ أول أسفار العهد القديم ذكر أن الذين نجوا مع نوح من الطوفان هم زوجته وأبناؤه سام وحام ويافث ونسوتهم وأن هؤلاء الأبناء الثلاثة صاروا أجدادا لأمم كثيرة نمت وانتشرت في آسيا وأفريقية، ومقتضى ذلك أن يكون ظهر منهم أنبياء وأنزلت عليهم كتب، والله تعالى أعلم.
٢ انظر الإصحاح ١٠ من إنجيل متى و ٣ من إنجيل مرقس و ٦ من إنجيل لوقا..
٣ انظر الإصحاحات ٧ – ١٠..
في الآيات :
أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر على ما يراه من المشركين من مكابرة وعناد.
وتطمين له بأن وعد الله فيهم حق محتم التحقيق سواء أعاش حتى يراه بعينه أم مات قبل ذلك.
وتقرير بأنهم على كل حال سوف يرجعون إليه وهو القادر عليهم في كل آن.
وتنبيه موجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سنة الله في سبيل الرسل من قبله. فقد أرسل الله من قبله رسلا كثيرين منهم من قص عليهم أخبارهم ومنهم من لم يقصها. وأن سنة الله جرت على أن لا يأتي أحد من رسله بآية مما يتحداه به الكفار أو فيها عذاب الله إلا بإذنه وحيثما تقضيه حكمته وأن الذي عليه هو انتظار أمر الله وقضائه فإذا ما جاء كان النصر للحق وأصحابه والخسران للباطل وأهله.
ولم نطلع على رواية خاصة في نزول الآيات، ومع أن المتبادر منها أنها استمرار للآية السابقة في التعقيب والتطمين والتسلية فإن مضمونها قد يلهم احتمال تضمنها ردا على تحد للكفار بدر منهم في ظروف نزول السورة باستعجال العذاب الموعود، أو الإتيان بآية وهو ما تكرر منهم على ما حكته آيات أخرى في سور مر تفسيرها، أو أن يكون فيها جواب على ما كان يقوم في ذهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو المؤمنين من تساؤل عن موعد تحقيق وعيد الله فيهم أو رجاء بإحداث آية تقنعهم أو ترهبهم حتى ينتهوا من موقف عنادهم وجحودهم. وهذا أيضا مما حكته آيات أخرى في سور مر تفسيرها.
وقد علق المفسر ابن كثير على هامش الآية الأولى أن الله سبحانه وتعالى قد أرى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مصارع كثير من كبار الكفار في بدر وغيرها كما أراه علو كلمة الله وانخذال الكفر والشرك في جزيرة العرب فحقق لد بذلك بعض ما وعده الله به من نصر.
تعليق على روايات عدد الأنبياء
ولقد كانت الآية الثانية وسيلة لإيراد بعض الأحاديث والروايات في عدد الأنبياء حيث روى الطبرسي في ( مجمع البيان ) بدون سند ولا اسم راو أن عددهم مائة وأربعة وعشرون ألفا، وروى كذلك رواية أخرى ذكرت أن عددهم ثمانية آلاف منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل. وقد روى الطبري الرواية معزوة إلى أنس بن مالك بدون رفعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما روى رواية عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن الله بعث أربعة آلاف نبي. ورواية عن علي بن أبي طالب أن الله بعث نبيا عبدا حبشيا، وهو الذي لم يقصصه عليه. ولقد أورد ابن كثير بعض هذه الأحاديث بنصها أو مع التغاير، كما أورد أحاديث أخرى من بابها في سياق تفسير الآية [ ١٦٣ ] من سورة النساء. ومن ذلك حديث طويل عن أبي ذر جاء فيه فيما جاء :( قلت يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال : مائة وأربعة وعشرون ألفا. قلت : كم الرسل منهم ؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير. قلت : يا رسول الله آدم نبي مرسل ؟ قال : نعم. ثم قال : يا أبا ذر أربعة سريانيون وهم آدم وشيت ونوح وخنون وهو إدريس وأربعة من العرب هود وشعيب وصالح ونبيك. وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى، وأول الرسل آدم وآخرهم محمد. قلت : يا رسول الله كم كتاب أنزله الله ؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب. أنزل على شيت خمسين صحيفة وعلى خنون ثلاثين وعلى إبراهيم عشرا، وعلى موسى قبل التوراة عشرا، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ). ومن ذلك عن أنس حديث جاء فيه :( إن الله بعث ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف إلى بني إسرائيل وأربعة آلاف إلى سائر الناس ). وحديث روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إني خاتم ألف نبي أو أكثر ) وفي رواية :( إني أختم ألف ألف نبي أو أكثر ) وليس شيء من هذه الأحاديث واردا في كتب الصحاح. وقد أورد ابن كثير أقوال بعض أئمة الحديث في صددها. من ذلك أن الإمام أبا الفرج بن الجوزي ذكر حديث أبي ذر في ( الموضوعات ) واتهم به إبراهيم بن هشام أحد رواته وقال المفسر : إن غير واحد من أئمة الجرح والتعديل تكلموا في إبراهيم من أجل هذا الحديث. ومن ذلك قول المفسر عن الحديث المروي عن أنس أن إسناده ضعيف وفيه رواة ضعفاء. ومن ذلك قوله عن الرواية الثانية من حديث أبي سعيد أنها قد تكون مقحمة. وفي متن حديث أبي ذر مآخذ أخرى فليس أول أنبياء بني إسرائيل موسى، فإن الأسباط هم أيضا بنو إسرائيل الذي هو اسم آخر ليعقوب. وهم أنبياء موحى إليهم منزل عليهم على ما يستفاد من آية سورة البقرة هذه :﴿ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط....... ﴾ وآيات سورة النساء هذه التي فيها نص مماثل للنص الذي نحن في صدده :﴿ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا ( ١٦٣ ) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ( ١٦٤ ) ﴾ [ ١٦٣ – ١٦٤ ].
وقد ذكر يوسف الذي هو أحد الأسباط باسمه الصريح كرسول في إحدى آيات سورة غافر نفسها، وذكر كذلك في سورة الأنعام في عداد الأنبياء. وآية سورة البقرة المذكورة آنفا تفيد أنه أنزلت كتب على الأسباط بالإضافة إلى إسماعيل وإسحاق ويعقوب. ولم يذكر هؤلاء في عداد من أنزل عليهم كتب الله في الحديث. واللغة السريانية لهجة من اللغة الآرامية لم تتميز باسمها إلا قبيل الميلاد المسيحي أو بعده بقليل في حين يذكر الحديث أنها لغة آدم ونوح وشيت وخنون. وكل هذا يوجب التحفظ والتوقف في هذا الأمر الذي هو من الأمور الغيبية التي لا يصح الأخذ فيها إلا بما صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله تعالى أعلم.
ومهما يكن من أمر فالآيات صريحة أن الله تعالى أرسل رسلا لم تشأ حكمة التنزيل أن يقصهم على رسوله. وفي القرآن ورد أربعة وعشرون ذكروا في سور متعددة بأن الله أوحى إليهم وأنزل عليهم وهم : آدم ونوح وإدريس وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وموسى وهرون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا وعيسى ويحيى وذو الكفل وهناك اسم مختلف فيه وهو لقمان. وهناك الأسباط الذين لم يذكر منهم باسمه إلا يوسف، وقد ذكرنا أسماءهم في سياق تفسير سورة الأعراف نقلا عن الإصحاح ( ٤٦ ) من سفر التكوين.
وفي القرآن آيات تفيد أن هناك أنبياء ورسلا آخرين من بني إسرائيل مثل آية سورة البقرة هذه :﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ( ٨٧ ) ﴾ وفي سورة آية آل عمران هذه :﴿ الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ( ١٨٣ ) ﴾.
وفي أسفار العهد القديم المتداولة اليوم أسماء عديدة لأنبياء كانوا يظهرون في بني إسرائيل ويأمرهم الله بتبليغ أوامره وإنذاراته مثل دبوره وابينوعيم وناتان وياهو وأحيا١ وغيرهم وغيرهم. وبين أسفار هذا العهد أسفار عديدة منسوبة إلى رجال يبدو من صيغتها وعناوينها أنهم من أنبياء الله أيضا مثل يشوع وعزرا ونحميا وطوبيا وأشعيا وأرميا وباروك وحزقيال ودانيال وهوشع ويوئيل وعاموس وعوبديا وميخا ونحوم وحبقوق وصفنيا وحجاي وملاخي. ويصح أن يسلك في هذا السلك تلامذة أو حواريو عيسى عليه السلام الذين ذكرت بعض آيات القرآن خبرهم مثل هذه الآية من سورة المائدة :﴿ وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون ( ١١١ ) ﴾ وهذه الآية من سورة الصف :﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ﴾ والذين ذكرت الأناجيل المتداولة أن عيسى عليه السلام أمرهم بالتبشير بين الناس فقاموا بذلك في حياته وبعد وفاته. وهم سمعان المدعو بطرس ثم اندراوس أخوه ويعقوب بن زبدى ويوحنا أخوه وفيلبس وبرتلماوس وتوما ومتى العشار ويعقوب بن حلفى وتداوس وسمعان القانوني ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه. وقد يستثنى الأخير لخيانته٢ والله أعلم.
ومنطقة الرسل والأنبياء المذكورين في القرآن بما فيهم الأسباط ولقمان المختلف فيه والأنبياء الآخرون من بني إسرائيل والحواريون هي جزيرة العرب وما جاورها باستثناء بعض حواريي عيسى الذين وصلوا إلى سواحل أوروبا الجنوبية الشرقية وبشروا فيها. ولقد ذكر القرآن أن الله تعالى شاءت حكمته أن يبعث في كل أمة رسولا كما جاء في آية سورة النحل هذه :﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( ٣٦ ) ﴾ وفي سورة فاطر التي مر تفسيرها آية من هذا الباب وهي ﴿ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( ٢٤ ) ﴾ بحيث يمكن القول إن من الرسل الذين لم تشأ حكمة الله ذكرهم في القرآن رسلا أرسلوا إلى مختلف أنحاء الدنيا ومختلف أجناس البشر في مختلف الأدوار السابقة للبعثة النبوية. وليس ما يمنع أن يكون الرجال العظام الذين تنسب إليهم الشرائع والأديان والكتب المتنوعة التي فيها أحكام وتعاليم ووصايا اجتماعية وأخلاقية في بلاد الهند والصين وجاوا والفرس واليابان وغيرها منهم أيضا. وليس لمسلم أن ينفي ذلك جزافا، وقد يكون فيما ينسب إلى بعضهم من وصايا مخالفة لمبادئ القرآن كذبا أو محرفا، والشأن في ذلك مثل الشأن في الأسفار التي يتداولها اليهود والنصارى.
وفي سورة الحديد آية مهمة في هذا الباب هي :﴿ ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ( ٢٦ ) ﴾ فذكر ذرية نوح من ذرية إبراهيم يفيد أنه قصد من ذلك تقرير ظهور أنبياء آخرين من غير ذرية إبراهيم التي منها معظم أنبياء بني إسرائيل وبخاصة موسى وعيسى عليهما السلام وتنسب إليهما اليهودية والنصرانية. وأنزلت عليهم كتب الله مثل ما أنزل على الأنبياء من ذرية إبراهيم. وقد ذكر القرآن أن الله تعالى نجى نوحا من الطوفان مع أهله وجعل ذريته هم الباقون كما جاء مثلا في آية سورة الصافات [ ٧٧ ] وفي سفر التكوين٣ أول أسفار العهد القديم ذكر أن الذين نجوا مع نوح من الطوفان هم زوجته وأبناؤه سام وحام ويافث ونسوتهم وأن هؤلاء الأبناء الثلاثة صاروا أجدادا لأمم كثيرة نمت وانتشرت في آسيا وأفريقية، ومقتضى ذلك أن يكون ظهر منهم أنبياء وأنزلت عليهم كتب، والله تعالى أعلم.
٢ انظر الإصحاح ١٠ من إنجيل متى و ٣ من إنجيل مرقس و ٦ من إنجيل لوقا..
٣ انظر الإصحاحات ٧ – ١٠..
في الآيات عودة إلى خطاب المشركين ولفت نظرهم إلى بعض أفضال الله عليهم منطوية على التنديد بجحودهم ومكابرتهم.
فالله سبحانه هو الذي خلق لهم الأنعام وسخرها ليركبوا بعضها ويأكلوا بعضها وفي الجملة لينتفعوا بها في شتى وجوه النفع وقضاء الحاجات. وهو الذي سخر لهم كذلك الفلك في البحر لتحملهم أيضا بالإضافة إلى الأنعام ويقضوا بذلك حاجاتهم ومنافعهم. وفي كل ذلك ربانية أقوى من أن تنكر وأسطع من أن تجحد.
وصلة الآيات بالسياق ظاهرة كما هو المتبادر.
وفي أسلوب الآيات ومضمونها دلالة على ما قلناه من أن القرآن يخاطب الناس في صدد آيات الله ومشاهد كونه ونواميس خلقه بما يتسق مع واقع مدركاتهم ومشاهداتهم وممارساتهم استهدافا لإثارة ضمائرهم وتنبيههم إلى ما يتحقق لهم من أفضال الله ومنافع ما أوجده في كونه.
ولقد تكرر في القرآن تذكر السامعين بنعمة الأنعام وتذليلها وما فيها من منافع كثيرة لهم مما مر منه أمثلة ؛ حيث يدل هذا على ما كان لها عند السامعين من خير فاقتضت حكمة التنزيل مواصلة تذكيرهم بذلك.
في الآيات عودة إلى خطاب المشركين ولفت نظرهم إلى بعض أفضال الله عليهم منطوية على التنديد بجحودهم ومكابرتهم.
فالله سبحانه هو الذي خلق لهم الأنعام وسخرها ليركبوا بعضها ويأكلوا بعضها وفي الجملة لينتفعوا بها في شتى وجوه النفع وقضاء الحاجات. وهو الذي سخر لهم كذلك الفلك في البحر لتحملهم أيضا بالإضافة إلى الأنعام ويقضوا بذلك حاجاتهم ومنافعهم. وفي كل ذلك ربانية أقوى من أن تنكر وأسطع من أن تجحد.
وصلة الآيات بالسياق ظاهرة كما هو المتبادر.
وفي أسلوب الآيات ومضمونها دلالة على ما قلناه من أن القرآن يخاطب الناس في صدد آيات الله ومشاهد كونه ونواميس خلقه بما يتسق مع واقع مدركاتهم ومشاهداتهم وممارساتهم استهدافا لإثارة ضمائرهم وتنبيههم إلى ما يتحقق لهم من أفضال الله ومنافع ما أوجده في كونه.
ولقد تكرر في القرآن تذكر السامعين بنعمة الأنعام وتذليلها وما فيها من منافع كثيرة لهم مما مر منه أمثلة ؛ حيث يدل هذا على ما كان لها عند السامعين من خير فاقتضت حكمة التنزيل مواصلة تذكيرهم بذلك.
في الآيات عودة إلى خطاب المشركين ولفت نظرهم إلى بعض أفضال الله عليهم منطوية على التنديد بجحودهم ومكابرتهم.
فالله سبحانه هو الذي خلق لهم الأنعام وسخرها ليركبوا بعضها ويأكلوا بعضها وفي الجملة لينتفعوا بها في شتى وجوه النفع وقضاء الحاجات. وهو الذي سخر لهم كذلك الفلك في البحر لتحملهم أيضا بالإضافة إلى الأنعام ويقضوا بذلك حاجاتهم ومنافعهم. وفي كل ذلك ربانية أقوى من أن تنكر وأسطع من أن تجحد.
وصلة الآيات بالسياق ظاهرة كما هو المتبادر.
وفي أسلوب الآيات ومضمونها دلالة على ما قلناه من أن القرآن يخاطب الناس في صدد آيات الله ومشاهد كونه ونواميس خلقه بما يتسق مع واقع مدركاتهم ومشاهداتهم وممارساتهم استهدافا لإثارة ضمائرهم وتنبيههم إلى ما يتحقق لهم من أفضال الله ومنافع ما أوجده في كونه.
ولقد تكرر في القرآن تذكر السامعين بنعمة الأنعام وتذليلها وما فيها من منافع كثيرة لهم مما مر منه أمثلة ؛ حيث يدل هذا على ما كان لها عند السامعين من خير فاقتضت حكمة التنزيل مواصلة تذكيرهم بذلك.
احتوت الآيات تساؤلا استنكاريا عما إذا كان كفار العرب لم يسيروا في الأرض ويشاهدوا آثار عذاب الله في أمثالهم من الأمم السابقة. ثم أخذت تذكر حالة هذه الأمم : فقد كانوا أكثر منهم عددا وأشد قوة وأوسع آثارا وتمكنا في الأرض فلم يغن ذلك عنهم شيئا. ولقد اغتروا بما كانوا عليه من كثرة وغنى ومعارف فلما جاءتهم رسل الله بآياته وبيناته وكذبوهم فحاق بهم شر موقفهم وحل عليهم غضب الله. ولقد اضطربوا حينما رأوا بلاء الله يحل فيهم فأظهروا الندم وأعلنوا إيمانهم بالله وحده ونبذوا ما كانوا يشركونهم معه من الشركاء، ولكن هذا لم يكن لينفعهم ؛ لأنه جاء بعد فوات الفرصة، وقد حل فيهم الخزي والخسران. وهذه سنة الله التي قد جرى عليها في عباده.
وواضح أن الآيات متصلة بالسياق وما جاء بسبيله من تعقيب على موقف المشركين الجدلي والحجاجي. وقد استهدفت تذكير المشركين وحملهم على الارعواء والاعتبار بما كان من أمر أمثالهم الذين كانوا أقوى وأغنى منهم. وأسلوبها قوي نافذ، وقد جاءت في ذات الوقت خاتمة للسورة وربطت بين أولها وآخرها حيث احتوت أوائل السورة آية مماثلة للآية الأولى منها.
احتوت الآيات تساؤلا استنكاريا عما إذا كان كفار العرب لم يسيروا في الأرض ويشاهدوا آثار عذاب الله في أمثالهم من الأمم السابقة. ثم أخذت تذكر حالة هذه الأمم : فقد كانوا أكثر منهم عددا وأشد قوة وأوسع آثارا وتمكنا في الأرض فلم يغن ذلك عنهم شيئا. ولقد اغتروا بما كانوا عليه من كثرة وغنى ومعارف فلما جاءتهم رسل الله بآياته وبيناته وكذبوهم فحاق بهم شر موقفهم وحل عليهم غضب الله. ولقد اضطربوا حينما رأوا بلاء الله يحل فيهم فأظهروا الندم وأعلنوا إيمانهم بالله وحده ونبذوا ما كانوا يشركونهم معه من الشركاء، ولكن هذا لم يكن لينفعهم ؛ لأنه جاء بعد فوات الفرصة، وقد حل فيهم الخزي والخسران. وهذه سنة الله التي قد جرى عليها في عباده.
وواضح أن الآيات متصلة بالسياق وما جاء بسبيله من تعقيب على موقف المشركين الجدلي والحجاجي. وقد استهدفت تذكير المشركين وحملهم على الارعواء والاعتبار بما كان من أمر أمثالهم الذين كانوا أقوى وأغنى منهم. وأسلوبها قوي نافذ، وقد جاءت في ذات الوقت خاتمة للسورة وربطت بين أولها وآخرها حيث احتوت أوائل السورة آية مماثلة للآية الأولى منها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( ٨٢ ) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( ٨٣ ) فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ( ٨٤ ) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ( ٨٥ ) ﴾ [ ٨٢ – ٨٥ ].
احتوت الآيات تساؤلا استنكاريا عما إذا كان كفار العرب لم يسيروا في الأرض ويشاهدوا آثار عذاب الله في أمثالهم من الأمم السابقة. ثم أخذت تذكر حالة هذه الأمم : فقد كانوا أكثر منهم عددا وأشد قوة وأوسع آثارا وتمكنا في الأرض فلم يغن ذلك عنهم شيئا. ولقد اغتروا بما كانوا عليه من كثرة وغنى ومعارف فلما جاءتهم رسل الله بآياته وبيناته وكذبوهم فحاق بهم شر موقفهم وحل عليهم غضب الله. ولقد اضطربوا حينما رأوا بلاء الله يحل فيهم فأظهروا الندم وأعلنوا إيمانهم بالله وحده ونبذوا ما كانوا يشركونهم معه من الشركاء، ولكن هذا لم يكن لينفعهم ؛ لأنه جاء بعد فوات الفرصة، وقد حل فيهم الخزي والخسران. وهذه سنة الله التي قد جرى عليها في عباده.
وواضح أن الآيات متصلة بالسياق وما جاء بسبيله من تعقيب على موقف المشركين الجدلي والحجاجي. وقد استهدفت تذكير المشركين وحملهم على الارعواء والاعتبار بما كان من أمر أمثالهم الذين كانوا أقوى وأغنى منهم. وأسلوبها قوي نافذ، وقد جاءت في ذات الوقت خاتمة للسورة وربطت بين أولها وآخرها حيث احتوت أوائل السورة آية مماثلة للآية الأولى منها.
احتوت الآيات تساؤلا استنكاريا عما إذا كان كفار العرب لم يسيروا في الأرض ويشاهدوا آثار عذاب الله في أمثالهم من الأمم السابقة. ثم أخذت تذكر حالة هذه الأمم : فقد كانوا أكثر منهم عددا وأشد قوة وأوسع آثارا وتمكنا في الأرض فلم يغن ذلك عنهم شيئا. ولقد اغتروا بما كانوا عليه من كثرة وغنى ومعارف فلما جاءتهم رسل الله بآياته وبيناته وكذبوهم فحاق بهم شر موقفهم وحل عليهم غضب الله. ولقد اضطربوا حينما رأوا بلاء الله يحل فيهم فأظهروا الندم وأعلنوا إيمانهم بالله وحده ونبذوا ما كانوا يشركونهم معه من الشركاء، ولكن هذا لم يكن لينفعهم ؛ لأنه جاء بعد فوات الفرصة، وقد حل فيهم الخزي والخسران. وهذه سنة الله التي قد جرى عليها في عباده.
وواضح أن الآيات متصلة بالسياق وما جاء بسبيله من تعقيب على موقف المشركين الجدلي والحجاجي. وقد استهدفت تذكير المشركين وحملهم على الارعواء والاعتبار بما كان من أمر أمثالهم الذين كانوا أقوى وأغنى منهم. وأسلوبها قوي نافذ، وقد جاءت في ذات الوقت خاتمة للسورة وربطت بين أولها وآخرها حيث احتوت أوائل السورة آية مماثلة للآية الأولى منها.
وفي الآية الأخيرة تلقين مستمر المدى، فالتراجع عن موقف البغي والانحراف والجريمة، والإنابة إلى الله إنما يمكن أن ينفع قبل فوات الوقت إلى قبل وقوع العذاب أو الموت. وقد تكرر تقرير هذا في سور مكية ومدنية عديدة وبعضها في سور سبق تفسيرها. وقد نبهنا على ذلك في تعليقنا على التوبة في سورة البروج. وفي تكرار ذلك حكمة سامية وهي مواصلة الإهابة بالضالين والمنحرفين إلى الارعواء، والرجوع إلى الله والاستقامة واتباع طريق الحق والهدى في فسحة من العمر والعافية.