ﰡ
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١ الى ٩]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤)النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)
اللغة:
(الْبُرُوجِ) جمع برج وهو في الأصل الركن والحصن والقصر وكل بناء مرتفع على شكل مستدير أو مربع يكون منفردا أو قسما من بناية عظيمة والبرج أيضا أحد بروج السماء وهي حسب تعبير اللغويين اثنا عشر: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وأصل التركيب للظهور
(الْأُخْدُودِ) مفرد وجمعه أخاديد والخد بفتح الخاء بمعنى الأخدود وجمعه خدود وهو الشق في الأرض أو حفرة مستطيلة فيها ويجمع على أخاديد، والأخاديد أيضا: آثار الضرب بالسوط ومنه أخاديد الأرشية في البئر وهي تأثير جرّها فيه. ويقال للشيخ: قد تخدّد ويراد قد تشنج جلده.
الإعراب:
(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) الواو حرف قسم وجر والسماء مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم وذات البروج نعت للسماء واليوم الموعود عطف على السماء أو قسم برأسه والمراد به يوم القيامة وقيل غير ذلك وارجع إلى المطولات، وشاهد ومشهود عطف أيضا والمراد به محمد صلّى الله عليه وسلم وقيل غير ذلك أيضا وجواب القسم محذوف واختلف فيه فقيل دلّ عليه قوله قتل أصحاب الأخدود كأنه قيل أقسم بهذه الأشياء أنهم ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود وقيل محذوف صدره والتقدير لقد قتل وإنما احتيج لهذا الحذف لأن المشهور عند النحاة أن الماضي المثبت المتصرّف الذي لم يتقدم معموله إذا وقع جوابا للقسم تلزمه اللام وقد لا يجوز الاقتصار على أحدهما إلا عند طول الكلام والتقدير لقد قتل فالجملة على ذلك خبرية لا دعائية (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) قتل فعل ماض مبني للمجهول وأصحاب الأخدود نائب فاعل والنار بدل اشتمال من الأخدود لأن الأخدود مشتمل على النار
أنت على ما بك من قدرة | فلست مثل الفضل بالواجد |
البلاغة:
في قوله: «وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد» فن توكيد المدح بما يشبه الذم، وقد تقدمت الإشارة إليه في المائدة وهو أن يستثني من صفة ذم منفية صفة مدح أو أن يثبت لشيء صفة مدح ويؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى، ومن الأول بيت النابغة في مديح الغسانيين:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم | بهنّ فلول من قرع الكتائب |
ما نقموا من أمية إلا | أنهم يحملون إن غضبوا |
ولا عيب فيه غير أني قصدته | فأنستني الأيام أهلا وموطنا |
تعدّ ذنوبي عند قوم كثيرة | ولا ذنب لي إلا العلا والفضائل |
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٠ الى ٢٢]
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
اللغة:
(فَتَنُوا) عذبوا والمراد هنا حرقوهم بالنار، يقال فتنت الشيء إذا حرقته بالنار والعرب تقول: فتن فلان الدينار إذا أدخله الكور لينظر جودته وفي المختار: «الفتنة الاختبار والامتحان تقول: فتن الذهب يفتنه بالكسر فتنة ومفتونا أيضا إذا أدخله النار لينظر جودته ودينار مفتون، قال الله تعالى: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أي حرقوهم ويسمّى الصائغ الفتّان وكذا الشيطان وقال الخليل: الفتن الإحراق قال الله تعالى: يوم هم على النار يفتنون» وعبارة القاموس: «الفتن بالفتح الفن والحال ومنه العيش فتنان أي لونان حلو ومر، والإحراق ومنه «على النار
الإعراب:
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) كلام مستأنف مسوق لذكر وعيد المجرمين أولا ثم يردفه بذكر ما أعد للمؤمنين. وإن حرف مشبّه بالفعل والذين اسمها وجملة فتنوا صلة الذين لا محل لها والمؤمنين مفعول به والمؤمنات عطف على المؤمنين وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي
بل إضراب انتقالي عن شدة كفرهم إلى وصف القرآن وهو مبتدأ وقرآن خبر ومجيد صفة أي يسبح وحده في البلاغة والبيان وفي لوح صفة ثانية ومحفوظ صفة للوح.
البلاغة:
١- في قوله «إن بطش ربك لشديد» أورد الخبر الإنكاري وهو تأكيد الكلام وجوبا للمنكر، وقد أكد الكلام بأن واللام.
٢- وفي قوله «بل الذين كفروا في تكذيب» مجاز مرسل علاقته الحالية لأن التكذيب معنى من المعاني ولا يحلّ الإنسان فيه وإنما يحلّ في مكانه فاستعمال التكذيب في مكانه مجاز أطلق فيه الحال وأريد المحل فعلاقته الحالية وعدل عن يكذبون إلى جعلهم في التكذيب وأنه لشدته أحاط بهم إحاطة البحر بالغريق والسوار بالمعصم وفي الوقت نفسه جاء بالتكذيب نكرة للدلالة على تعظيمه وتهويل أمره.
الفوائد:
قد يتعدد خبر المبتدأ الواحد فيكون أكثر من واحد لأن الخبر كالنعت فيجوز تعدده، وإلى ذلك أشار ابن مالك في الخلاصة قال:
ما فيك من الجمال سوى | أنك من أقبح القبيحات |
وأخبروا باثنين أو بأكثرا | عن واحد كهم سراة شعرا |