تفسير سورة الفتح

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

الجزء التاسع
سورة الفتح
مدنيّة وهى تسع وعشرون اية واربع ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير روى احمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردوية عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فى بعض أسفاره فسألته عن شىء ثلث مرات فلم يرد علىّ فقلت ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله ﷺ ثلث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى تقدمت امام الناس وخشيت ان يكون نزل فى القران فما لبثت ان سمعت صارخا يصرخ بي فجئت رسول الله ﷺ فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علىّ الليلة سورة هى أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً واخرج الحاكم وغيره من المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال نزلت سورة الفتح فى شان الحديبية بين مكة والمدينة من أولها الى آخرها واختلفوا فى هذا الفتح روى عن ابى جعفر الرازي عن قتادة عن انس انه فتح مكة فهى عدة بالفتح جىء بلفظ الماضي لانها فى تحققها بمنزل الكائنة ففيه معجزة والصحيح انه صلح الحديبية رواه احمد وابن سعد وابى داود والحاكم وصححه وابن المنذر وابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن مجمع بن حارثية الأنصاري قال شهدنا الحديبية مع رسول الله ﷺ فلما انصرفنا عنها الى كراع الغميم فاذا رسول الله ﷺ عند كراع الغميم فاجتمع الناس اليه فقرأ عليهم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً
فقال رجل من اصحاب رسول الله ﷺ او فتح هو قال والذي نفسى بيده انه لفتح مبين وسنذكر قول ابى بكر الصديق ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية وكذا ذكر البغوي عن البراء ووجه تسميته فتحا اما انه مقدمة الفتح واما ان معنى الفتح فتح المنغلق وذلك ما يصلح مع المشركين بالحديبية وقيل الفتح بمعنى القضاء اى قضينا لك ان تدخل مكة من قابل قال الشعبي فتح الحديبية فيه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأطعموا نخلة خيبر وبلغ الهدى محله وظهرت الروم اى من عام قابل على فارس وخرج المؤمنون لظهور اهل الكتب على المجوس. قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك ان المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام فى قلوبهم واسلم فى ثلث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام قال الضحاك فتحا مبينا بغير قتال وكان الصلح من الفتح وقال البيضاوي سماه فتحا لانه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سالوا الصلح وتسبب بفتح مكة وفرغ به رسول الله ﷺ لسائر العرب فقرأهم وفتح مواضع وادخل فى الإسلام خلقا عظيما.
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ علة غائية للفتح من حيث انه مسبب عن جهاد الكفار والسعى فى فغز ازاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير ذلك بالتدريج اختيار او تخليص الضعفة عن أيدي الظلمة وقيل اللام لام كى اى لكى يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة والفتح وقال حسين بن الفضل اللام متعلق بقوله تعالى فى سورة محمد - ﷺ - وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ كما قيل كذلك فى تعلق لِإِيلافِ قُرَيْشٍ بقوله تعالى فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فى سورة الفيل وهذا بعيد جدا وقيل اللام متعلق بمحذوف تقديره فاشكر ليغفر لك الله او فاستغفر ليغفر لك الله كذا قال محمد ابن جرير حيث قال هو راجع الى قوله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ اى قوله واستغفره ليغفر لك الله ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ اى جميع ما فرط منك قديما فى الجاهلية قبل الرسالة وحديثا بعد الرسالة اى نزول السورة مما يصح ان يعاتب عليه وهذا لا يستلزم ارتكاب المعصية قال حسنات الأبرار سيات المقربين وقال سفيان الثوري ما تقدم يعنى ما عملت فى الجاهلية وما تأخر كل شىء لم يعمله يذكر مثل ذلك على طريق التأكيد كما يقال اعطى لمن راه ومن لم يره وضرب من لقيه ومن لم يلقه وقال عطاء الخراسانى ما تقدم من ذنبك يعنى ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعد بإتمام النعمة وإكمال الدين واظهار كلمة الإسلام وهدم منار الجاهلية
بحيث يحجوا ويعتمروا مطمئنين لا يخالطهم أحد من المشركين الذي ذكر إنجازها فى سورة المائدة بقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وتمام النعمة هذه مسبب للفتح فتح مكة وصلح الحديبية- وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً فى تبليغ الرسالة واقامة مراسم الملك والنبوة والرياسة قيل معنى يهديك يهدى بك وقيل معنى يهديك يثبتك عليه او المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية الى كمال الدين بحيث لا يجوز نسخه بعد ذلك-.
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ فان قيل ينصرك الله معطوف على يغفر وهو مترتب على الفتح اما لكونه مسببا عن جهاد الكفار وبذل السعى- واما لكونه سببا للشكر والاستغفار المقدرين فلا بد ان يكون النصر ايضا مترتبا على الفتح وليس كذلك بل هو سبب للفتح سابق عليه قلنا ان كان المراد بالفتح صلح الحديبية فالصلح امتثالا لامر الله تعالى سبب للنصر الذي هو سبب للفتح وان كان المراد منه فتح مكة فالآية وعد بالفتح والوعد سبب للنصر السابق على الفتح كما لا يخفى- نَصْراً عَزِيزاً يعنى معزا يعزبه المنصور فوصفه بوصفه مبالغة او المعنى نصرا فيه عز ومنيعة روى الشيخان فى الصحيحين والترمذي والحاكم عن انس قال قال نزلت على رسول الله ﷺ انّا فتحنا لك فتحا مبينا الى اخر الاية مرجعه من الحديبية وأصحابه فخالطوا الحزن والكآبة- فقال عليه السلام نزلت علىّ اية هى احبّ الىّ من الدنيا فلما تلى نبى الله ﷺ قال رجل من القوم هنيئا مريا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بنا فنزلت.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ الى قوله فوزا عظيما والمراد بالسكينة الثبات والطمأنينة على امتثال امر الله تعالى من صلح الحديبية فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ حتى شيبتوا حيث تعلق النفوس وتدحض الاقدام حين جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ متعلق بانزل- قال الضحاك يقينا مع يقينهم يعنى برسوخ العقيدة واطمينان النفس عليها وقال الكلبي هذا فى امر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق قال ابن عباس بعث الله رسوله بشهادة ان لا اله الا الله فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكوة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشىء فصدقوه ازدادوا تصديقا الى تصديقهم وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى ليس الأمر بالصلح بالحديبية لضعف بالمسلمين بل لما يقتضيه علمه تعالى وحكمته وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها قوله تعالى
ليدخل مع ما عطف عليه من قوله تعالى وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ متعلق بقوله تعالى لِيَزْدادُوا او بدل اشتمال من قوله ليزدادوا او معطوف عليه بحذف العاطف متعلق بقوله تعالى أَنْزَلَ او بدل اشتمال من قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ متعلق بقوله تعالى فَتَحْنا وجملة هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ معترضة بينهما.
وَكانَ ذلِكَ الإدخال والتكفير عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً لانه منتهى ما يطلب من جلب نفع او دفع ضرر وعِنْدَ اللَّهِ حال من الفوز والجملة معترضة.
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ عطف على يدخل داخل فى علة إنزال السكينة من حيث ان المنافقين والكفار غاظوا المؤمنين وطعنوا فى دينهم حين امتثلوا امر الله سبحانه فى الصلح وغير ذلك وظنوا ظن السوء وكان ذلك سببا لتعذيبهم وان كان قوله ليدخل متعلقا بفتحنا فالامر ظاهر- وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ يعنى ظانين ان الله لا ينصر رسوله والمؤمنين ولا يرجع النبي عليه السلام الى المدينة سالما او ان له تعالى شريكا فالمفعولان محذوفان وقوله ظن السوء اى ظن الأمر السوء منصوب على المصدرية والسوء عبارة عن رداة الشيء وفساده يقال فعل سوءاى مسخوط فاسد عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ جملة دعائية يعنى يجعل الله عليهم دائرة الهلاك والعذاب لا يتخطاهم او دائرة ما يظنون ويتربصون بالمؤمنين وقرأ ابن كثير وابو عمرو السوء بالضم وهما لغتان غير ان المفتوح غلب فى ان يضاف اليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما فى الأصل مصدران- وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ عطف لما استحقوه فى الاخرة على ما استوجبوه فى الدنيا وَساءَتْ مَصِيراً جهنم.
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيدفع كيد من عادى بنبيه والمؤمنين بما شاء منه وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً غالبا فلا يرد بأسه عن الكافرين حَكِيماً فيما دبّر.
إِنَّا أَرْسَلْناكَ يا محمد شاهِداً على أمتك حال مقدرة وَمُبَشِّراً للمطيعين بالجنة وَنَذِيراً للعصاة بالنار.
لِتُؤْمِنُوا قرأ ابن كثير وابو عمرو بالياء على الغيبة وكذا لافعال الثلاثة المعطوفة عليه والضمير عائدة الى الناس أجمعين وقرأ الباقون الافعال الاربعة بالتاء على الخطاب للنبى ﷺ والامة والخطاب بالجمع بعد الخطاب بالإفراد شبه بالالتفات بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ اى تعووه وَتُوَقِّرُوهُ اى تعظموه وَتُسَبِّحُوهُ اى تنزهوه عما لا يليق بشانه او اتصلوا له والضمائر المنصوبة راجعة الى الله سبحانه ومعنى تقووه دينه ورسوله قلت وجاز ان يكون معناه ان تنسبوا القوة اليه دون غيره وتقولوا لا حول ولا قوّة الا بالله وقال البغوي ضمير تعزروه وتوقروه راجعان الى رسوله و
ضمير تسبحوا الى الله تعالى واستبعده الزمخشري لكونه مستلزما لانتشار الضمائر قلنا لا بأس به عند قيام القرينة وعدم اللبس بُكْرَةً وَأَصِيلًا منصوبان على الظرفية لتسبحوه يعنى تصلوا غدوا وعشيا او تنزهوه دائما-.
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يا محمد بالحديبية على ان لا يفروا بل يقاتلوا حتى يظفروا او يموتوا إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لانه هو المقصود ببيعة النبي ﷺ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حال او استيناف على سبيل الاستعارة التخييلية تيمما بمعنى المشاكلة فانه إذا كان الله مبايعا واشتهر المبايعة بصفقة اليد وقد كانوا يأخذون بيد رسول الله ﷺ ويبايعونه فتخيل اليد لتاكيد المشاكلة فى المبايعة وقال ابن عباس يد الله بالوفا لما وعدهم بالخير فوق أيديهم قلت يد الله على تاويل ابن عباس صفة من صفات الله تعالى لا يدرك كيفها ولا يجوز تخييلها بالجارحة وقال الكلبي نعمة الله عليهم فى الهداية فوق ما صنعوا من البيعة فصله غزوة الحديبية وبيعة الرضوان وسبب ذلك على ما رواه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وقتادة والبيهقي عن مجاهد ايضا وابن جرير عن ابن يزيد ومحمد بن عمرو عن شيوخه قالوا راى رسول الله ﷺ انه دخل مكة هو وأصحابه امنين محلقين رؤسهم ومقصرين وانه دخل البيت وأخذ مفتاحه وعرف مع المعرفين وكان ذلك الرؤيا بالمدينة قبل خروجه الى الحديبية كذا قال البغوي ومحمد بن يوسف الصنابحى فى سبيل الرشاد وفى بعض الروايات عن مجاهد انه راى النبي ﷺ وهو بالحديبية والصحيح هو الاول قال ابن سعد ومحمد بن عمرو غيرهما استنفر رسول الله ﷺ العرب ومن حوله من اهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش ان يعرضوا له بحرب او يصدوه عن البيت فابطأ عليه كثير من الاعراب وروى احمد والبخاري وعبد بن حميد وابو داود والنسائي وغيرهم عن الزهري وابن اسحق عن الزهري عن عروة عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ان رسول الله ﷺ دخل بيته فاغتسل ولبس ثوبين من نسج صحا وركب ناقة القصوى من عند بابه ويخرج بام سلمة معه وأم منيع اسماء بنت عمرو وأم عمارة الاشهلية وخرج معه المهاجرون والأنصار ومن لحق به من العرب لا يشكون بالفتح للرويا المذكور وليس معهم سلاح الا السيوف فى القرب وساق الهدى فسار رسول الله ﷺ يوم الاثنين لهلال ذى القعدة يعنى سنة ست حتى نزل ذالحليفة فصلى الظهر ثم دعا بالبدن وهى سبعون فجللت ثم أشعر منها عدة وهن موجهات الى القبلة فى الشق
6
الايمن ثم امر ناجيئة بن جندب فاشعر ما بقي وقلدهن نعلا نعلا وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها وكان معهم مائتا فرس وبعث رسول الله ﷺ بشير بن سفيان عينا له وقدم عباد بن بشير طليعة فى عشرين فارسا ويقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي ثم صلى ركعتين وركب من باب المسجد بذي الحليفة فلما انبعث راحلة مستقبلة القبلة احرم بالعمرة ليامن الناس حربه وليعلم الناس انه انما خرج زائرا بهذا البيت.
ولبى لبيك إلخ واحرم غالب أصحابه وأم المؤمنين أم سلمة بإحرامه ومنهم من لم يحرم الا بالجحفة وسلك طريق البيداء ومر فيما بين مكة والمدينة بالاعراب من بنى بكر ومزينة وجهينة فاستنفرهم فتشاغلوا باموالهم وقالوا فيما بينهم يريد محمد يغزوا بنا الى قوم معد من الكراع والسلاح وانما محمد وأصحابه أكلة جزور لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا ابدا- قوم لا سلاح معهم ولا عدد ثم قدم رسول الله ﷺ ناجية بن جندب مع فتيان من اسلم ومعهم هدايا المسلمين ووقع فى تلك المسير ما صاد قتادة حمار الوحش وكان غير محرم وما اهدى رسول الله ﷺ حمارا وحشيا وهو بالأبواء وقد مر حديثه فى سورة المائدة ولما بلغ رسول الله ﷺ الجحفة امر بشجرة فقم ما تحتها فخطب الناس- فقال انى كائن لكم فرطا وقد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وسنة نبيه ولما بلغ المشركين خروج رسول الله ﷺ اجتمعوا وتشاوروا يريد محمد ان يدخلها علينا فى جنوده معتمرا فتستمع العرب انه دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا والله لا كان هذا ثم قدموا خالد بن الوليد على ما بنى فارس الى كراع الغميم واستنفر من الأحابيش وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا الى بلدج وضرب بها القباب والابنية ومعهم النساء والصبيان فعسكروا هنا واجمعوا على منع رسول الله ﷺ من دخول مكة ومحاربته ووضعوا لعيون على الجبال وهم عشرا نفس يوحى بعضهم الى بعض بالصوت فعل محمد كذا وكذا حتى ينتهى الى قريش بلدح ورجع بشر بن سفيان الذي بعثه رسول الله ﷺ عينا له من مكة فلقى رسول الله ﷺ بغدير الا شطاط وراء عسفان فقال يا رسول الله هذا قريش سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم عوذ المطافيل قد لبسوا جلد النحور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا يدخلها عليهم ابدا- وهذا خالد بن الوليد فى خيلهم قدموها الى كراع الغميم فقال رسول الله ﷺ يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى وبين سائر
7
العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وان أظهرني الله تعالى عليهم دخلوا وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وفيهم قوة فما تظن قريش فو الله لازال اجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله او تنفرد هذه السالفة ثم قام رسول الله ﷺ فى المسلمين فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله ثم قال اما بعد يا معشر المسلمين أشيروا علىّ أترون ان أميل على ذرارى هؤلاء الذين عانوهم فنصيبهم فان تعدوا قعدوا موتورين وان أبونا- تكن عنقا قد قطعه الله يعنى أهلك الله جماعة منهم أم ترون انا نوم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال ابو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه ووافقه على ذلك أسيد بن حضير وروى ابن ابى شيبة ان المقداد بن الأسود قال بعد كلام ابى بكر والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيه اذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون فقال رسول الله ﷺ فسيروا على اسم الله دونا خالد بن الوليد فى خيله حتى نظر الى رسول الله ﷺ وأصحابه فصف خيله فيما بين رسول الله ﷺ وبين القبلة فامر رسول الله ﷺ عباد بن بشر فتقدم فى خيله فقام بإزائه فصف أصحابه وحانت صلوة الظهر فاذن بلال واقام فصلى رسول الله ﷺ بأصحابه فقال خالد بن الوليد قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن يأتي الساعة صلوة الاخرى هى أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم فنزل جبرئيل عليه السلام بين الظهر والعصر بقوله تعالى وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ الآية فحانت صلوة العصر فصلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم صلوة الخوف وقد مر شرحها فى سورة النساء روى البزار بسند رجاله ثقات عن ابى سعيد الخدري ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا لما امسى رسول الله ﷺ قال اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض فان خالد بن وليد فى الغميم فى خيل بقريش طليعة كره رسول الله ﷺ ان يلقاه وكان بهم رحيما قال أيكم يعرف ثنية ذات الحنظل فقال بريدة بن الحصيب انا وروى مسلم عن جابر وابو نعيم عن ابى سعيد قال ابو سعيد خرجنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا فى اخر الليل حتى أقبلنا على عقبه ذات الحنظل قال رسول الله ﷺ مثل هذه الثنية الليلة كمثل باب الذي قال الله تعالى لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجّدا يغفر لكم خطاياكم لا يجوز هذه الثنية الليلة أحد الا غفر له قالوا يا رسول الله نخشى ان ترى قريش نيراننا فقال لن يروكم فلما أصبحنا صلى بنا صلوة الصبح ثم قال والذي نفسى بيده لقد غفر الراكب أجمعين الا رديلبا واحدا على جمل احمر فاذا هو رجل
8
من بنى ضمرة قال جابر قلنا له تعالى نستغفر لك رسول الله ﷺ فقال والله لان أجد ضالتى أحب الىّ من ان يستغفر لى صاحبكم فبينا هو فى حيال سراوع إذ زلقت به بغله فتردى فمات فما علم حتى أكلته السباع قال مسور بن مخرمة ومروان فلما دنا رسول الله ﷺ من الحديبية وقعت يد راحلة فقال الناس حل حل فابت ان تبعث والحت فقال المسلمون خلأت القصوى فقال رسول الله ﷺ ما خلأت القصوى وما ذاك لها بعادة ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ثم قال والذي نفس محمد بيده لا يسالون قريش اليوم خطة فيها تعظيم حرمات الله تعالى الا أعطيهم إياهم ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل أقصى الحديبية على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتربضه الناس تريضا فلم يلبث الناس حتى نزحوه وشكى الناس الى رسول الله ﷺ قلة الماء فانتزع سهما من كنانته فامر به فغرز فى الثمد بالرواء حتى صدروا بعطن قال المسور فانهم ليقترفون بانيتهم جلوسا على شفير البير والذي نزل بالسهم ناحية بن جندب سايق بدن رسول الله ﷺ قال محمد بن عمر حدثنى الهيثم عن عطاء بن ابى مروان عن أبيه قال حدثنى اربعة عشر رجلا من اسلم من اصحاب رسول الله ﷺ انه ناجية بن عجم وكان ناجية يقول دعانى رسول الله ﷺ حتى شكى اليه قلة الماء فاخرج سهما من كنانته ودفعه اليه ودعا بدلو من ماء البير فجئته به فتوضأ فمضمض فاه ثم مج فى الدلو والناس فى حر شديد وانما هى بير واحدة قد سبق المشركون الى بلدح فغلبوا على مياهيه فقال انزل الدلو فصبها فى البير واثرها بالسهم ففعلت فوالذى بعثه بالحق ماكدت اخرج حتى تغمدنى وفارت كما تفور القدر حتى طمث واستوت بشفيرها يغترفون من جانبها وروى احمد والبخاري وغيرهما عن البراء ومسلم عن سلمة بن اكوع وابو نعيم عن ابن عباس والبيهقي عن عروة نحوها قصة صب الدلو وليس فيه ذكر السهم وروى البخاري عن جابر ومسلم عن سلمة بن الأكوع قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله ﷺ بين يديه ركوة قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب الا فى ركوتك فافرغنا فى قدح وضع رسول الله ﷺ يديه فى القدح فجعل الماء يفور بين أصابعه كامثال العيون فشربنا وتوضأنا قيل لجابركم كنتم يومئذ فقال لو كنا مائة الف كفانا كنا خمس عشر مائة ولما اطمأن رسول الله ﷺ بالحديبية جاء بديل بن ورقاء واسلم بعد ذلك فى دجال من خزاعة منهم عمرو بن سالم وحراس بن امية وخارجة بن كوز ويزيد بن امية وكانت عيبة
9
نصح رسول الله ﷺ بتمامه منهم المسلم ومنهم الوادع لا يخفون عنه بتمامه شيئا فلما قدموا سلموا عليه فقال بديل بن ورقا جئناك من عند قومك كعب بن لوى
وعامر بن لوى قد استنفروا لك الا حابيش ومن أطاعوهم قد نزلوا اعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل النساء والصبيان يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت فقال رسول الله ﷺ انا ما جئنا لقتال أحد انما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلنا وان قريشا قد اضرب بهم الحرب نهكتهم فان شاؤا ما ددناهم مدة يأمنون فيها ويخلون فيما بيننا وبين الناس والناس اكثر منهم فان أصابوني فذلك الذي أرادوا وان ظهر امرى على الناس كانوا بين ان يدخلوا فيما يدخل فيه الناس او يقاتلوا وقد جموا وان هم ابو فو الله لاجهدن على امرى هذا حتى تنفرد سالفتى او لينفذنّ الله امره قال بديل سابلغهم ما تقول فاتى قريشا وقال انا قد جئنا من عند محمد نخبركم عنه قال عكرمة بن ابى جهل والحكم بن العاص وأسلما بعد ذلك مالنا حاجة ان تخبرنا عنه ولكن اخبروه عنا انه لا يدخلها عامه هذا ابدا حتى لا يبقى رجل وأشار عليهم عروة بن مسعود السقفي بعد ذلك بان يسمعوا كلام بديل فان أعجبهم قبلوه والا تركوه فقال صفوان بن امية والحارث بن هشام وأسلما بعد ذلك هات ما سمعته فحدثه بما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فقال عروة بن مسعود السقفي اى قوم ألستم بالولد قالوا بلى قال الست بالولد قالوا بلى- وكان عروة لسبعة بيت عبد الشمس القرشية قال فهل تنهمونى قالوا لا- قال ألستم تعلمون انى استنفرت اهل عكاظ فلما يلجوا على جئتكم باهلى وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فان هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعونى انّه فاتاه فجعل النبي ﷺ يكلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة يا محمد ارايت ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وان يكن الاخرى فانى والله لارى وجوها او باشا من الناس وفى رواية اشوايا من الناس خليقا ان يغروا ويدعوك فقال له ابو بكر الصديق امصص بظر اللات أنحن نفر منه وندعه قال من ذا قالوا ابو بكر فقال اما والذي نفسى بيده لولا يد كانت لك عندى لم أخبرك به لاجبتك وكان عروة قد استعان فى حمل دية فاعانه الرجل بفريضتين والثلث وأعانه ابو بكر بعشر فرائض فكان هذا يد ابى بكر عند عروة قال فجعل عروة يكلم النبي ﷺ فلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على راس النبي ﷺ ومعه السيف وعليه المغفر كلما أهوى عروة يده الى لحية النبي ﷺ ضرب يده بنصل السيف وقال اخر يدك عن لحية رسول الله ﷺ فانه لا ينبغى لمشرك ان يمسه
10
فرفع عروة راسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال يا غدر والله ما غسلت عنك عذرتك بعكاظ الا أمس لقد اورثتنا العداوة من ثقيف الى اخر الدهر- وكان مغيرة صحبت قوما فى الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فاسلم فقال النبي ﷺ اما الإسلام فاقبل واما المال فلست منه فى شىء ثم ان عروة جعل يرمق اصحاب النبي ﷺ بعينيه فو الله ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة الأرفع فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا امر ابتدروا امره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده وما يحادون النظر اليه تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال اى القوم والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله ان رايت ملكا قط تعظم أصحابه ما يعظم اصحاب محمد محمدا- والله ما تنخم نخامة الا وقعت فى كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا امره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده وما يحادون النظر اليه تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقالت قريش لا- ولكن ترده عامنا هذا ويرجع الى قابل فقال ما أراكم الا ستصيبكم قارعة فانصرف هو ومن تبعه الى الطائف فقام الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش فاتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما راى رسول الله ﷺ قال هذا من قوم يعظمون الهدى ويتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراها فلما راى الهدايا يسيل عليها من عرض الوادي فى قلايدها قد أكل اوبارها من طول الحبس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله ﷺ إعظاما لما راى فقال يا معشر قريش انى قد رايت مالا يحل صد الهدى فى قلا يده قد أكل او تارة من طول الحبس عن محله فقالوا اجلس فانما أنت رجل أعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عافذناكم ان تصدوا عن بيت الله من جاء معظما والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له او ليفرن الأحابيش نفرة رجل واحد- فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى ناخذ لانفسنا ما نرضى به فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعونى آته فقالوا آته فلما اشرف عليهم قال النبي ﷺ هذا مكرز وهو رجل غادر او فاجر فلما انتهى الى رسول الله ﷺ كلمه بنحو ما كلم بديلا وعروة فرجع الى أصحابه فاخبرهم بما رد عليه رسول الله ﷺ قال محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما بعث النبي ﷺ الى قريش خراش بن امية على جمل رسول الله ﷺ يقال له الثعلب ليبلغ عنه اشرافهم بما جاء لهم فعقر عكرمة بن ابى جهل الجمل
11
وأراد واقتله فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول الله ﷺ فاخبر رسول الله ﷺ بما لقى- روى البيهقي عن عروة قال لما نزل رسول الله ﷺ الحديبية فزعت قريش لنزوله فاحب رسول الله ﷺ ان يبعث رجلا من أصحابه فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم فقال يا رسول الله انى أخاف قريشا على نفسى قد عرفت قريش عداوتى لها وليس بها من بنى عدى من يمنعنى ولكنى ادلك على رجل أعز بمكة منى وامنع عثمان بن عفان فدعا عثمن فقال اذهب الى قريش وأخبرهم انا لم نات لقتال وانما جئنا عمارا وادعهم الى الإسلام وامره ان يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخلهم ويبشرهم بالفتح ويخبر ان الله يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالايمان فانطلق عثمان الى قريش يمر عليهم ببلدح فقالوا اين تريد قال بعثني رسول الله تعالى عليه واله وسلم إليكم لادعوكم الى الإسلام والى الله جل ثناؤه وتدخلوا فى الدين كافة فان الله مظهر دينه ومعز نبيّه واخرى تكفون الذي يلى هذا الأمر غيركم فان ظفر رسول الله ﷺ فذلك ما أردتم وان ظفر رسول الله ﷺ كنتم بالخيار بين ان تدخلوا فيما دخل فيه الناس او تقاتلوا وأنتم وافرون جامون ان الحرب ونهكتكم وأذهبت الأماثل واخر ان رسول الله ﷺ يخبر انه لم يأت لقتال أحد انما جاء معتمرا معه الهدى عليه القلائد ينحره وينصرف- فقالوا قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا ابدا فارجع الى صاحبك فاخبره انه لا يصل إلينا ولقيه ابان بن سعيد واسلم بعد ذلك فرحب به ابان واجاره وقال لا تقصر عن حاجتك ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان على السرج وردف ورائه وقال اقبل وأدبر لا تخاف أحد او بنو سعيد اعزة بالحرم فدخل به مكة فاتى عثمان اشراف قريش رجلا رجلا فجعلوا يردون عليه ان محمدا لا يدخلها علينا ابدا ودخل على قوم مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين بمكة فقال ان رسول الله ﷺ يقول قد أظلكم حتى لا يستخفى بمكة بالايمان ففرحوا بذلك وقال اقرأ على رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم منا السلام- ولما فرغ عثمان من رسالة قالوا له ان شئت ان تطوف بالبيت فطف فقال ما كنت لافعل حتى يطوف رسول الله ﷺ واقام عثمن بمكة ثلثا يدعو قريشا وقال المسلمون وهم بالحديبية خلص عثمن من بيننا الى البيت فطاف به فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف وكان رسول الله ﷺ امر أصحابه بالحراسة بالليل فكانوا ثلثة يتناوبون الحراسة أوس بن فوبى وعباد بن بشر ومحمد بن مسلمة فكان محمد بن مسلمة على حرس
12
رسول الله ﷺ ليلة من الليالى وعثمان بمكة قد كانت قريش بعثت ليلا خمسين رجلا عليهم مكرز بن حفص وامروهم ان يطوفوا بالنبي ﷺ رجاء ان يصيبوا منهم عزة فاخذهم محمد بن مسلمة فجاء بهم رسول الله ﷺ وظهر قول النبي ﷺ انه رجل غادر وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكة بإذن رسول الله ﷺ وهم كرز بن جابر الفهري وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد الشمس وعبد الله بن حذافة السهمي وابو الروم بن عمير بن عمرو وعمير بن وهب الحجمى وحاطب بن ابى بلتعة وعبد الله بن امية دخلوا مكة فى أمان عثمان وقيل سرا فعلم بهم فاخذوا وبلغ قريشا حبس أصحابهم الذين امسكهم محمد بن مسلمة فجاء جمع من قريش الى النبي ﷺ وأصحابه حتى تراموا بالنبل والحجارة واسر المسلمون ايضا اثنى عشر فارسا وقتل من المسلمين ابن زنيم وقد اطلع الثنية من الحديبية فرماه المشركون فقتلوه وبلغ رسول الله ﷺ ان عثمان ومن معه قتلوا دعا رسول الله ﷺ الناس الى البيعة روى ابن جرير وابن ابى حاتم من سلمة ابن الأكوع والبيهقي عن عروة وابن اسحق عن الزهري ومحمد بن عمر عن شيوخه قال سلمة بينا نحن قايلون إذ نادى منادى رسول الله ﷺ ايها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم الله- فى صحيح المسلم عن سلمة قال بايعته أول الناس ثم بايع وبايع حتى إذا كان فى وسط قال بايع يا سلمة قلت بايعتك قال وايضا فبايعته ثم بايع حتى إذا كان اخرج الناس- قال ألا تبايعني يا سلمة قلت يا رسول الله بايعتك فى أول الناس وفى وسط الناس قال وايضا فبايعته الثالثة وفى صحيح البخاري عنه قيل على اى شىء كنتم تبايعونه قال على الموت وفى صحيح مسلم عن جابر قال بايعنا رسول الله ﷺ وعمر أخذ بيده تحت شجرة مثمرة فبايعنا غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره وروى الطبراني عن ابن عمر والبيهقي عن الشعبي وابن مندة عن زيد بن حبيش قالوا لما دعا رسول الله ﷺ الناس الى البيعة كان أول من انتهى اليه ابو سنان الأسدي فقال ابسط بيدك أبايعك فقال النبي ﷺ فبايعنى على ما فى نفسك زاد ابن عمر قال وما فى نفسى قال اضرب بسيفى بين يديك حتى يظهر الله او اقتل فبايعه وبايعه الناس على بيعة ابى سنان روى البيهقي عن انس وابن إسحاق عن ابن عمر قال لما امر رسول الله ﷺ بيعة الرضوان كان عثمان رسول رسول الله ﷺ الى اهل مكة فبايع الناس فقال رسول الله ﷺ ان عثمان
13
فى حاجتك وحاجة رسولك فضرب بإحدى يديه على الاخرى فقال هذا يد عثمان وكانت يد رسول الله ﷺ لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم وبعث قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن العزى وأسلما ومكرز بن حفص الى النبي ﷺ فقال سهيل ان الذي كان من حبس أصحابك وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من راى ذى راينا كنا له كارهين حتى بلغنا ولم نعلم به وكان من سفهائنا فابعث إلينا باصحابنا الذين أسرت أول مرة والذين أسرت اخر مرة والذي ذكر من قتل عثمن ومن معه ظهر انه كان باطلا- فقال رسول الله ﷺ انى غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي فقالوا أنصفتنا فبعث سهيل ومن معه الى قريش بالشتيهم بن عبد مناف التيمي فبعثوا من كان عندهم وهم عثمان والعشرة معه وأرسل رسول الله صلى الله عليه
وسلم أصحابهم الذين اسرهم المسلمون وفى الصحيحين عن سهيل بن حنيف وعند البخاري واصحاب السنن عن مروان بن الحكم ان عثمن لما قدم من مكة هو ومعه رجع سهيل بن عمرو حويطب ومكرز الى قريش فاخبروهم بما راوا من سرعة اصحاب النبي ﷺ الى البيعة وتشميرهم الى الحرب اشتد عليهم فقال اهل الرأي منهم ليس خير من ان تصالح محمدا على ان ينصرف عنا عامة هذا ولا يخلص من البيت حتى يسمع من يسمع بمسيرة من العرب انا قد صددناه ويرجع قابلا فيقم ثلثا ينحر هديه وينصرف فاجمعوا على ذلك وقالوا لسهيل ايت محمدا فصالحه وليكن فى صلحك ان لا يدخل عامة هذا فو الله لا تحدث العرب انه دخل علينا عنوة فاتى سهيل رسول الله ﷺ فقال عليه السلام أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا وفى لفظ قال رسول الله ﷺ سهل أمركم وجلس رسول الله ﷺ متربعا وقام عباد بن بشر وسلمة واسلم وهما مقنعان فى الحديد فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله ﷺ وأطال الكلام وتراجعا وارتفعت الأصوات وانخفضت وقال عباد بن بشر لسهيل اخفض من صوتك عند رسول الله ﷺ فجرى القول حتى وقع الصلح فقال سهيل هات اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا رسول الله ﷺ عليّا كرم الله وجهه كما فى حديث البراء عن البخاري والحاكم عن عبد الله بن مغفل انه قال رسول الله ﷺ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال السهيل اما الرحمن الرحيم فو الله لا أدرى ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا تكتبها فقال النبي ﷺ اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ﷺ فقال سهيل والله لو كنا نعلم إنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك اكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله ﷺ لعلى رض امحه
14
فقال على رض ما انا بالذي أمحاه وذكر محمد بن عمران أسيد بن حضير وسعيد بن عبادة أخذ بيد على رض ان لا يكتب الا محمد رسول الله والا فالسيف بيننا وبينهم وارتفعت الأصوات فقال النبي - ﷺ - أرنيه فاراه إياه فمحاه رسول الله - ﷺ - بيده وقال اكتب محمد بن عبد الله ووقع فى بعض طرق حديث البراء ان رسول الله ﷺ أخذ الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو وأصلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يا من فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض فقال رسول الله - ﷺ - لسهيل على ان تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف فقال سهيل لا والله ولكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهيل على ان لا يأتيك منا أحد بغير اذن وليه وان كان على دينك الا ردته إلينا- فقال المسلمون سبحان الله أيكتب هذا كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما فقال رسول الله - ﷺ - نعم انه من ذهب منا إليهم فابعده الله ومن جاء منهم إلينا فيجعل الله فرجا قال البراء صالح على ثلثة أشياء على انه من أتاه من المشركين رده إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه اليه وعلى ان يدخلها من قابل ويقيم بها ثلثة ايام ولا يدخلها الا يجلبان السلاح والسيف والقوس ونحوه وقع الصلح على ان بينهم وبين رسول الله ﷺ عيبة مكفوفة وانه لا إسلال ولا أغلال وانه من أحب دخل فى عقد محمد ومن أحب دخل فى عقد قريش فتواثبت خزاعة وقال نحن فى عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر وقالوا نحن فى عقد قريش وعهدهم ولما تقرر الصلح ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب رض الى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله الست بنى الله حقا قال بلى قال السنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قال أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال
بلى قال على م تعطنى الدنية فى ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله ﷺ انى عبد الله ورسوله ولست أعصيه ولن يضيعنى وهو ناصرى قال او ليس كنت تحدثنا انا ناتى البيت فنطوف حقا قال بلى فاخبرتك انك ناتيه العام قال لا قال فانك اتيه ومطوف به فذهب عمر الى ابى بكر متغيضا ولم يصبر فقال يا ابو بكر أليس هذا نبى الله حقا قال بلى قال السنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قال أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قال فعلى م تعطنى الدنية فى ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم قال ايها الرجل انه رسول الله وليس يعصى ربه وهو ناصره فاستمسك بعزره حتى تموت فو الله انه لعلى الحق وفى لفظ فانه رسول الله فقال عمرو انا اشهد انه رسول الله ﷺ قال او ليس كان يحدثنا انه سياتى البيت ويطوف به قال بلى افاخبرك انك تأتيه العام قال لا قال فانك اتيه وتطوف به فلقى عمر من هذه الشروط امرا عظيما وقال
15
كما فى الصحيح والله ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ وجعل يردد على رسول الله ﷺ الكلام فقال ابو عبيدة بن الجراح الا تسمع يا ابن الخطاب تقول بالقول نعوذ بالله من الشيطان قال عمر فجعلت أتعوذ بالله من الشيطان- روى ابن اسحق وابن عمر والأسلمي قال عمر فمازلت أتصدق وأصوم وأعتق من الذي صنعت يومئذ وروى احمد والنسائي والحاكم فى حديث عبد الله بن مغفل ذكر نحو ما تقدم قال فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلثون شابا عليهم السلاح فثاروا الى وجوهنا فدعا عليهم رسول الله ﷺ فاخذ الله باسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم فقمنا إليهم فاخذناهم فقال رسول الله ﷺ هل جئتم فى عهد أحد وهل جعل لكم أحد أمانا فقالوا لا فخلى سبيلهم فانزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وروى احمد ومسلم وابن ابى شيبة عن انس هبط على رسول الله ﷺ ثمانون رجلا من اهل مكة فى السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة من رسول الله ﷺ فدعا عليهم فاخذوا فعفا عنهم وفى حديث الزهري عن مروان ومسور وروى مسلم واحمد وعبد بن حميد عن سلمة بن الأكوع قال لما سمعت قتل ابن زنيم اخترطت سيفى على اربعة رقود من المشركين فاخذت سلاحهم وجئت بهم اسوقهم الى رسول الله ﷺ وهو الذي كف أيديهم عنكم الاية فبينما الناس- كذلك إذا ابو جندل بن سهيل ابن عمر يرسف فى قيوده قد خرج من أسفل حتى رمى نفسه بين اظهر المسلمين وكان أبوه سهيل قد أوثقه فى الحديد وسجنه فقام اليه المسلمون يرحبونه ويهنونه فلما راى ابو سهيل قام اليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبيبه ثم قال يا محمد هذا أول ما اقاضيك عليه ان ترده فقال رسول الله ﷺ انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله إذا لا أصالحك على شىء ابدا قال فاجزه بي قال ما انا بمجيزه قال بلى فافعل قال ما انا بفاعل فقال مكرز وحويطب قد اجزناه لك فاخذاه ودخلا فسطاطا واجاراه وكف عنه أبوه- فقال ابو جندل معاشر المسلمين أرد الى المشركين وقد جئت مسلما الا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا فرفع رسول الله ﷺ صوته أبا جندل اصبر واحتسب فان الله تعالى جاعل لك بمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا مع القوم صلحا وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهدا وانا لا نقدر فمشى عمر بن الخطاب الى جنب ابى جندل فقال له اصبر واحتسب فانما هم المشركون وانما دم أحدهم دم كلب وجعل عمر يدنى قائم السيف منه قال عمر رجوت ان يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضمن الرجل بابيه وقد كان اصحاب رسول الله ﷺ فرحوا وهم لا يشكون فى الفتح لرويا رسول الله ﷺ فلما راو ما رأو
من
16
الصلح والرجوع دخل الناس من ذلك عظيم حتى كادوا يهلكون فزادهم امر ابى جندل ونفذت القضية شهد على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين وابو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سهيل بن عمرو وسعد بن ابى وقاص ومحمود بن سلمة وعلى بن ابى طالب كرم الله وجهه ومكرز بن حفص وهو مشرك فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ﷺ قوموا فانحروا ثم احلقوه فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلث مرات فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال هلك المسلمون امرتهم ان ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا فقالت يا رسول الله لا تلمهم فانهم قد دخلهم امر عظيم مما ادخلت على نفسك من المشقة فى امر الصلح ورجوعهم بغير فتح يا نبى الله اخرج ولا تكلم أحدا كلمة حتى تنجر بدنك وتدعوا بحالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا حتى نحو بدنه رافعا صوته بسم الله الله اكبر ودعا حالقه فحلقه فلما راوا ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا قال ابن عمر وابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله ﷺ يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين قال يرحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرون قالوا يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم الترحم قال لانهم لم يشكوا قال ابن عمرو ذلك انه تربص قوم وقالوا لعلنا نطوف بالبيت واقام رسول الله ﷺ بالحديبية تسعة عشر يوما ويقال عشرين ليلة ذكره محمد بن عمرو فى ايام المقام بالحديبية قال رسول الله ﷺ لكعب بن عجرة لارى الهوام تتساقط على وجهه وهم محصورون قبل الصلح ايؤذيك هوام راسك قال نعم وامره بالحلق والفدية من صيام او صدقة او نسك ونزل حينئذ قوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ الاية من سورة البقرة وقد ذكر هناك مسائل للاحصار والحلق بعذر وما يتعلق به روى مسلم عن سلمة بن الأكوع والبيهقي عن ابن عباس والبزاز والطبراني والبيهقي عن ابى حبيش ومحمد بن عمرو عن شيوخه انه لما انصرف رسول الله ﷺ من الحديبية نزل بمر الظهران ثم نزل بعسفان فارملوا من الزاد فشكى الناس الجوع وقالوا ننحر يا رسول الله الحمر فاذن لهم رسول الله ﷺ فقال عمر يا رسول الله لا تفعل فان يكن فى الناس بقية ظهر كان أمثل كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا لكن ان رايت تدعو الناس ببقايا أزوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فان الله سيبلغنا بدعوتك فدعا رسول الله ﷺ ببقايا أزوادهم وبسط نطعا وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر فاجتمع زاد القوم على النطع قال مسلمة فتطاولت لاحرزكم محرزته كر نفسه عزة ونحن اربعة عشر مائة فقام رسول الله ﷺ فدعا بما شاء الله تعالى ان يدعوا
17
فاكلوا حتى شبعوا ثم حشوا أوعيتهم وبقي مثله فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت لواجذه وقال اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله والله لا يلقى الله تعالى عبد مؤمن بهما الا حجب من النار قال الزهري فى حديثه ثم جاء نسوة مؤمنات فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ- فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له فى الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن ابى سفيان والاخرى صفوان بن امية قال فنهاهم ان يردوا النساء وامر برد الصداق روى احمد والبخاري وابو داود والنسائي عن المسور بن مخرمة والبيهقي عن الزهري ان رسول الله ﷺ لما قدم المدينة من الحديبية أتاه ابو بصير عتبة بن أسيد حاربة الثقفي حليف بنى زهرة مسلما قد خلت من قومه فكتب الاحبس بن شريف الثقفي وأزهر بن عبد عوف الزهري الى رسول الله ﷺ كتابا بعثهما وبعثا خنيسا بن جابر من بنى عامر ابن لوى يذكر ان الصلح الذي بينهم وان يردا إليهم أبا بصير فقدم العامري ومعه مولى له يقال
له كوثر بعد ابى بصير بثلاثة ايام فامر رسول الله ﷺ أبا بصير ان يرجع معهما وقال يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح فى ديننا الغدر ان الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا به حتى بلغا ذا الحليفه فصلى ابو بصير فى مسجدها ركعتين صلوة المسافر ومعه زاد له من تمر يحمله يأكل ودعا العامري وصاحبه لياكلا معه فنزلوا يأكلون التمر وعلى العامري سيفه وتحادثا ولفظ عروة فسل العامري سيفه ثم هذه فقال لاضربن بسيفى هذا فى الأوس والخزرج يوما الى الليل فقال ابو بصير أصارم سيفك هذا قال نعم قال ناولنى انظر اليه ان شئت فناوله إياه فلما قبض عليه ضربه به حتى يرد وخرج كوثر هاربا حتى اتى المدينة فدخل المسجد قال رسول الله ﷺ مالك قال قتل والله صاحبى وأفلت منه ولم أكد وانى مقتول فاستغاث برسول الله ﷺ فامته واقبل ابو بصير فاناخ بعير العامري ودخل متوحشا بسيفه فقال يا رسول قد وفيت ذمتك وادي الله عنك وقد أسلمتني بيد العدو وقد امتنعت بديني من ان افتن فقال رسول الله ﷺ ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد وقدم بسلب العامري لرسول الله ﷺ ليخمسه فقال انى إذا خمسة راونى لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن شانك بسلب صاحبك واذهب حيث شئت وفى الصحيح ان أبا بصير لما سمع قول رسول الله ﷺ ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد عرف انه سيرده فخرج ابو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدمه على رسول الله ﷺ فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر فاقام بسيف البحر بين العيص وذى المروة من ارض جنته على طريق عيرات قريش وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر
18
ابى بصير فتسللوا اليه قال محمد بن عمرو كان عمر بن الخطاب هو كتب إليهم يقول رسول الله ﷺ لابى بصير ويل امه مسعر حرب لو كان له رجال وأخبرهم انه بالساحل وانفلت ابو جندل بن سهيل الذي رده عليه السلام الى المشركين بالحديبية فخرج هو وسبعون راكبا ممن اسلموا فلحقوا بابى بصير فلما قدم ابو جندل على ابى بصير سلم له الأمر لكونه قرشيا وكان ابو جندل يؤمهم واجتمع الى ابى جندل حين سمع بقدومه ناس من بنى غفار واسلم وجهينة وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل كما عند البيهقي عن ابن شهاب لا تمر بهم عير لقريش الا أخذوها وقتلوا من فيها وضيقوا على قريش فلا يظفرون بأحد منهم الا قتلوه فارسل قريش أبا سفيان الى رسول الله ﷺ ان يبعث الى ابى بصير ومن معه وقالوا من خرج منا إليك فامسكه فهو لك حلال من غير حرج أنت فيه فكتب رسول الله ﷺ الى ابى بصير وابى جندل يأمرهما ان يقدما عليه ويأمر من معهما فمن اتبعهما من المسلمين ان يرجعوا الى بلادهم وأهليهم فلا يتعرضوا الأحد مر بهم من قريش وعيراتها فقدم كتاب رسول الله ﷺ على ابى بصير وهو يموت فجعل يقرأه ومات وهو فى يده فدفنه ابو جندل فى مكانه وجعل قبره مسجدا وقدم ابو جندل على رسول الله ﷺ ومعه ناس من أصحابه ورجع سائرهم الى أهليهم فلما كان من أمرهم على الذين كانوا اشاروا على رسول الله ﷺ ان يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية ان طاعة الله ورسول الله ﷺ خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا لما دخل رسول الله ﷺ عام القضية قال هذا الذي وعدتكم ولما كان يوم الفتح أخذ المفتاح وقال لعمر بن الخطاب هذا الذي قلت لكم- ولما كان فى حجة الوداع وقف بعرفة فقال اى عمر هذا الذي قلت لكم قال اى رسول الله ما كان فتح أعظم من صلح الحديبية وكان ابو بكر يقول ما كان فتح فى الإسلام أعظم
من صلح الحديبية ولكن الناس قصر رائهم عما كان بين رسول الله وبين ربه والعباد يعجلون والله لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد والقد رايت سهيل بن عمرو فى حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله ﷺ بدنه ورسول الله ﷺ ينحرها بيده ودعا الحلاق فحلق راسه وانظر الى سهيل يلتقطه من شعره يضعه على عينه واذكر امتناعه ان يقر يوم الحديبية بان يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فحمد الله سبحانه ان هداه للاسلام فَمَنْ نَكَثَ اى نقض البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ اى لا يعود ضرر نكثه الا عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ اى ثبت على البيعة قرأ حفص بضم الهاء تعظيما للجلالة والباقون بالكسر فَسَيُؤْتِيهِ قرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة والضمير
19
عايد الى الله أَجْراً عَظِيماً يعنى الجنة ورضوان الله تعالى ورويته.
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ ابن عباس ومجاهد يعنى الاعراب بنى غفار ومزينه وجهنية والنخع واسلم وهم الذين أبطئوا من الخروج مع النبي ﷺ حين استنفرهم إذا أراد المسير الى مكة عام الحديبية خوفا من قتال قريش زعما منهم قلة عدد المسلمين وضعفهم فى عقيدتهم كما مر فى القضية رجع النبي ﷺ سالما اعتذروا من التخلف وو قالوا شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا يعنى لم يكن لنا من يقوم باشغالهم فَاسْتَغْفِرْ لَنا الله تعالى على التخلف فيه معجزة فان الله تعالى اخبر نبيه - ﷺ - بما يقول له المخلفون بعد ذلك ثم كذبهم الله فى اعتذارهم فقال يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ من الاعتذار والاستغفار يعنى انهم لا يبالون استغفر لهم النبي ﷺ او لم يستغفر الجملة بدل من قوله تعالى سيقول إلخ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً يعنى لاحد يمنعكم من مشية الله تعالى وقضائه فيكم إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا قرأ حمزة والكسائي بضم الضاد والباقون بالفتح يعنى ما يضركم كقتل او هزيمة او هلاك فى المال او الأهل او عذاب فى الاخرة على تخلفكم أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً اى ضد ذلك به تعرض بالرد بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يعنى ليس الأمر كما قلتم فى الاعتذار بل الله يعلم ان قصدكم فى التخلف انما هو اظهار الموافقة لاهل مكة خوفا منهم.
بَلْ ظَنَنْتُمْ ايها المخلفون أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً يعنى يستاصلهم مشركو مكة فلا يرجعون إضراب ثان عطف على مضمون الاضراب الاول يعنى بل أظهرتم موافقه اهل مكة بل ظننتم ان لن ينقلبوا وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ زينه الشيطان بخلق الله تعالى وَظَنَنْتُمْ ان محمدا وأصحابه أكلة راس فلا يرجعون او غير ذلك مما يظنون بالله ورسوله - ﷺ - من الأمور الباطلة ظَنَّ السَّوْءِ منصوب على المصدرية وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً هلكى عند الله لفساد عقيدتكم وسوء ظنكم بالله ورسوله.
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فيه تعريض الى انهم غير مؤمنين بالله ورسوله فان الايمان ينافى تلك الظنون والتخلف عن الرسول - ﷺ - وجزاء الشرط محذوف وما بعده تعليل أقيم مقامه اى لا يضرنا- فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً وضع المظهر موضع المضمر إيذانا بان من لم يجمع بين الايمان بالله ورسوله فهو كافر مستوجب للسعير بكفره وتنكير سعير للتهويل-.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ لا يجب عليه شىء وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يعنى ان الغفران والرحمة صفات ذاتية له تعالى والتعذيب داخل
تحت قضائه بالعرض.
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ المذكورون إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فى القتال حتى نصيب من المغانم يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ جملة يريدون بدل اشتمال من سيقولون قرأ حمزة والكسائي كلم الله على انه جمع كلمة قيل المراد بالمغانم خيبر خاصة قال محمد بن عمر وامر رسول الله - ﷺ - أصحابه بالخروج يعنى الى خيبر فجدوا فى ذلك من حوله فمن شهد الحديبية يغزون معه وجاء المخلفون عنه فى غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال عليه السلام لا يخرجوا معى الا راغبين فى الجهاد واما الغنيمة فلا- والظاهر ان معنى الاية سيقولون المخلفون الذين تخلفوا من الجهاد فى غزوة الحديبية حين ظنوا بالمسلمين ضعفا وقلة إذا يرون بالمسلمين قوة وانطلقتم الى المغانم لتاخذوها فى زعمهم غالبا سيقولون ذرونا نتبعكم يريدون ان يبدلوا كلام الله يعنى امر الله لنبيه ان لا يسير معه أحد منهم كما فى قوله تعالى فاستاذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى ابدا ولن تقاتلوا معى عدوا انكم رضيتم بالقعود أول مرة كذا قال ابن ريد وقتادة قلت لعل المخلفون لما رأوا من المؤمنين شدة رغبتهم فى الجهاد وسمعوا بيعة الرضوان وان الله الفر؟؟؟ المؤمنين على المشركين فى بطن مكة حتى رضى المشركون على الصلح واطمأن المسلمون من اهل مكة وفرغوا الجهاد عامة العرب ندموا على التخلف وظنوا بغلبة المسلمين وأخذهم الغنائم قالوا ذلك حين عزم النبي ﷺ لجهاد اهل خيبر مع ان اهل خيبر كانوا أشد بأسا من اهل مكة حيث كان فيها عشر آلاف مقاتل وانما حبس الله رسوله والمؤمنين من اهل مكة ترحما بقريش كما حبس عنهم الفيل لما علم بعلمه القديم ان أكثرهم يؤمنون ويخرج منهم بسمات مومنات ولئلا يصيب المؤمنين معرة بغير علم من ان يطئوا رجالا مومنين ونساء مؤمنات كانوا بمكة لم يعلموهم قُلْ يا محمد لَنْ تَتَّبِعُونا
جملة مستانفة اخبار من الله تعالى بعدم اتباعهم بعد عزمهم طمعا فى الغنائم ولا يبدل القول لديه وفى معجزة اخبار بالغيب مرتين مرة بالقول ومرة بعدم الاتباع وقيل هذا نفى ومعناه النهى- كَذلِكُمْ يعنى قولا مثل ما قلت لكم ايها المخلفون من الاخبار والنهى قالَ اللَّهُ تعالى مِنْ قَبْلُ هذا بوحي غير متلوان غنائم خيبر لاهل الحديبية خاصة لا نصيب لغيرهم فيها او انهم لن يخرجوا معك ابدا ولا يصاحبهم فى غزوة ابدا وليس المراد منه قوله تعالى فَاسْتَأْذَنُوكَ لانها نزلت بعد ذلك سنة تسع فى غزوة تبوك فَسَيَقُولُونَ اى المخلفون عطف على سيقولون بَلْ تَحْسُدُونَنا عطف على محذوف يعنى لم يقل الله كذلك بل تحسدوننا يقولون ذلك حسدا ان يشرككم فى الغنائم بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ عطف على سيقولون يعنى ليس الأمر كما زعمت المخلفون بل كانوا
لا يعلمون من الله تعالى ما لهم وما عليهم فى الدين إِلَّا قَلِيلًا يعنى الا تفقها قليلا من امور الدنيا وقال البغوي معناه الا قليل منهم وهو من صدق الله ورسوله قلت وعلى هذا كان المختار عند النحويين الرفع على البدلية لان الكلام غير موجب.
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة فى الذم واشعار بكمال شناعة التخلف سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال كعب هم الروم يعنى فى غزوة تبوك قلت وهذا القول يابى عنه توصيف قوم بقوله يقاتلونهم او يسلمون فان غزوة تبوك مال امره الى القتال فان النبي - ﷺ - سار الى تبوك واقام هناك بضعة عشر يوما فلم يتحرك هرقل الى مقابلته ولم يبعث اليه جيشا رجع النبي - ﷺ - من غير قتال وقال سعيد بن جبير وقتادة هوازن وثقيف وغطفان يوم حنين قلت ولم يصح ان النبي - ﷺ - دعا الاعراب يوم حنين وايضا يكونوا اولى بأس شديد بالنسبة الى عسكر الإسلام بل كانوا قليلا فى مقابلة جم غفير وقال الزهري ومقاتل وجماعة هم بنو حنيفة اهل اليمامة واصحاب مسيلمة الكذاب قال رافع بن خديج كنا نقرا هذه الاية ولا نعلم من هم حتى دعى ابو بكر الصديق رض الى قتال بنى حنيفة فعلمنا انهم هم وهذا قول اكثر المفسرين ورحجه البيضاوي بقرينة قوله تعالى تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ يعنى بكون أحد الامرين اما المقاتلة او الإسلام لا غير كما يدل عليه قراءة او يسلموا فان او حينئذ بمعنى الى ان ولا شك ان مشركى العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم الا الإسلام او السيف وقتال غيرهم كاهل الروم ينتهى بالجزية فالاية دليل على امامة ابى بكر فانه دعى الناس لقتال اهل الردة وقال ابن عباس وعطاء ومجاهد وابن جريح هم اهل الفارس فانهم كانوا أشد بامن من غيرهم دعا الناس عمر بن الخطاب الى قتالهم فالاية دليل على خلافة عمر المبنية على خلافة ابى بكر ومعنى يسلمون حينئذ ينقادون لاعطاء الجزية والجملتين المتعاطفتين بدل اشتمال من ستدعون فَإِنْ تُطِيعُوا لداعى يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً يعنى الجنة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا توليا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ ذلك عام الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لتضاعف جرمكم قال البغوي فلما نزلت هذه الاية قال اهل الزمانة كيف بنا يا رسول الله فانزل الله تعالى.
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ضيق وشدة وعذاب فى ترك الجهاد وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى الجهاد وغير ذلك يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ اى يعرض عن الطاعة بعد القدرة يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً قرأ نافع وابن عامر ندخله ونعذبه بالنون على المتكلم والباقون بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الله
سبحانه-.
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ يعنى بالحديبية هذه الجملة متصلة بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ الاية تأكيد لها وما بينهما معترضات وبهذه الاية سميت البيعة بيعة الرضوان والغرض من هذه الاية مدح المؤمنين والثناء عليهم ومما سبق- حثهم على إيفاء ما بايعوا عليه وفى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال كنا يوم الحديبية الفا واربعمائة فقال لنا رسول الله ﷺ أنتم خير اهل الأرض- وروى مسلم عن امر بشر مرفوعا ولا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة- فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الصدق والوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ يعنى القى عليهم الطمأنينة بالحضور عند ذكر الله تعالى والرضا بما امر الله تعالى فوق الرضا بما تشتهيه نفوسهم وَأَثابَهُمْ فَتْحاً يعنى فتح خيبر قَرِيباً قيل اقام النبي ﷺ بالمدينة بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال كذا عند ابن عاند عن ابن عباس وعند سليمان التيمي خمسة عشر وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب اقام بالمدينة عشرين ليلة فى حديث المسور ومروان عند ابن اسحق انه عليه السلام قدم المدينة فى ذى الحجة فاقام بها حتى سار الى خيبر فى المحرم وكان فتح خيبر فى سفر سنة سبع كذا فى المغازي للواقدى قال الحافظ انه الراجح نقل الحاكم عن الواقدي-.
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها روى البخاري عن عائشة رض قالت لما فتحت خيبر قلنا الان نشبع من التمر وعن ابن عمر قال ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر قال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي ان خيبر اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثيرة على ثلثة ايام من الحديبية على يسار حاج الشام وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها وهى الفتوح التي يفتح لهم الى يوم القيامة فيه تسلية للمؤمنين انصرافهم من مكة بصلح فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعنى فتح خيبر وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ قال البغوي وذلك ان النبي - ﷺ - لما حاصر خيبر همت قبائل من بنى اسد وغطفان ان يغيروا على اعيال المسلمين وذراريهم بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب فى قلوبهم وقال ابن اسحق كانت غطفان مظاهرين يهود خيبر على رسول الله - ﷺ - فبلغنى ان غطفان لما سمعوا بمنزل رسول الله ﷺ من خيبر خرجوا ليظاهروا يهود عليه فلما ساروا سمعوا خلفهم فى أموالهم وأهليهم حسا ظنوا ان القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فاقاموا فى أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله - ﷺ - وبين خيبر وروى ابن قانع والبغوي وابو نعيم
23
فى العرفة عن سعيد بن شتيم عن أبيه رض انه كان فى جيش عيينة بن حصين فى خيل غطفان لما جاء يمر خيبر قال فسمعنا صوتا فى عسكر عيينة ايها الناس أهليكم خولفتم فيه قال فرجعوا لا يتناظرون فلم تر لذلك بنا وما تراه كان الا من قبل السماء وقيل كف الناس عنكم يعنى باهل مكة بالصلح وَلِتَكُونَ عطف على محذوفه لتكف او فجعل او لتاخذوا تقديره لتسلموا او تغنمو لتكون او علة لمحذوف تقديره وفعل ذلك لتكون الكفة او الغنيمة آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ على صدقك فيما وعدتهم من فتح مكة وغير ذلك وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً هو الثقة لفضل الله والتوكل عليه او المعنى يثيتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقينا- قصة غزوة خيبر انه ﷺ استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى احمد وابن خزيمة والحاكم عن ابى هريرة ولما تجهز النبي ﷺ والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حق الا لزمه روى احمد والطبراني عن ابى جدر وانه كان لابى شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فانى أرجو ان اقدم عليك فاقضيك حقك قد وعد الله نبيه ان يغنم خيبر فقال ابو شحم أتحسب ان قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الاعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا الى رسول الله - ﷺ - فقال عليه السلام أعطه حقه فخرجت فبعث ثوبى بثلاثة دراهم الحديث ولما وصل رسول الله - ﷺ - الى الصهاء وهى ادنى خيبر دعانا لازواد فلم يوت الا السويق فثرى فاكل وأكلنا معه ثم قام الى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي قال محمد بن عمر وثم سار النبي ﷺ حتى اتى الى المنزلة التي وهى يسوق لخيبر صارت فى سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله ﷺ بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك ان رسول الله ﷺ يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج النبي - ﷺ - كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات هيهات وكان ذلك شانهم- فلما نزل رسول الله ﷺ بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس فاصبحوا وافئدتهم تحقق وفتحوا حصونهم- وفى الصحيحين سار رسول الله ﷺ الى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فاذا سمع اذانا امسك وإذا لم يسمع أغار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع اذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج اهل قرية الى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأو رسول الله - ﷺ - قالوا محمد والخميس فادبروا هاربين فقال
24
رسول الله ﷺ ورفع يديه الله اكبر خربت خيبر انا إذا أنزلنا بساحة قوم فساع صباح المنذرين وابتدأ باهل نطاة وصف رسول الله - ﷺ - ووعظهم
ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمد رجل من أشجع على يهودى وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله - ﷺ - بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فامر رسول الله - ﷺ - مناديا فنادى فى الناس لا تحل الجنة لعاص- وروى الطبراني عن جابر ان رسول الله - ﷺ - قال يومئذ لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فانكم لا تدرون ما تبتلون به فاذا لقيتم فقولوا اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وانما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فاذا عشوكم فانهضوا وكبروا الحديث- قال ابن اسحق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله - ﷺ - الرايات واذن للناس فى قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله اهل نطاة أشد القتال فلما امسى تحول له الى الرجيح فكان رسول الله - ﷺ - يغدوا على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم روى البيهقي وابو نعيم ومحمد بن عمران المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهى ديئية وختمة فاكلوا منها فاخذهم الحمى فشكوا الى رسول الله - ﷺ - فقال فرسوا الماء فى الشنان فاذا كان بين الاذانين يعنى من الصبح فاحدروا الماء واذكروا اسم لله فكانما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصر وأحصن الصعب بن معاذ- روى محمد بن عمر عن ابى أيسر كعب بن عمر انهم حاصروه ثلثة ايام وكان حصنا منيعا- روى ابن اسحق عن رجل من اسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر اسلم مجاعة حتى قدمنا خيبروا قمنا عشرة ايام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فارسلوا اسماء بن حارشة الى رسول الله - ﷺ - فقال ان اسلم يقرأ عليك السلام ويقول انا قد جهدنا من الجوع والضعف فادع الله لنا فقال رسول الله - ﷺ - ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكاو دفع اللواء الى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن اكثر طعاما وودكا منه بزر لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برزله الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يوجر ويحمد- روى محمد بن عمرو عن جابر انهم وجدوا فى حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادى رسول الله ﷺ كلوا وامقلوا ولا تحملوا يعنى لا تخرجوا به الى بلادكم- روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ الى قلة الزبير يعنى حصن
25
الزبير بن العوام رض الذي صار فى سهمه بعد وهو حصن على راس قلة فاقام محاصرهم ثلثة ايام فجاء اليهودي يدعى غزال فقال يا أبا قاسم توصننى على ان ادلك على ما تستريح به من اهل ونخرج الى الشق فان اهل الشق قد هلكوا رعبا منك فامنه رسول الله - ﷺ - على اهله وماله فقال اليهودي انك لو أقمت شهرا ما بالولهم ذبول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها تم يرجعون الى قلعتهم فيمنعون منك فان قطعت عنهم شربهم اصحروا لك فسار رسول الله - ﷺ - الى ذبولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة وافتحه رسول الله - ﷺ - وكان هذا آخر صون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول الى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها اهل الحصن قتالا شديدا خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل اخر من يهود فقتله أبوه دجانة وأخذ درعه وسيفه وجاء به الى رسول الله - ﷺ - فنقله رسول الله - ﷺ - ذلك واحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم ابو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا الى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة الى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الامتناع وزجف رسول الله - ﷺ - فى أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد اهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة
ورسول الله - ﷺ - معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي ﷺ وعلقت به فاخذ رسول الله - ﷺ - النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ فى الأرض حتى المسلمون فاخذوا اهله أخذا ولما فتح رسول الله - ﷺ - حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم الى حصون الكثيبة وأعظم حصونها القموص وكان حصنا منيعا ذكر ابن ابى عقبة ان رسول الله - ﷺ - حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمسة روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وابو نعيم عن سلمة بن الأكوع وابو نعيم عن عمرو ابن عباس وسعد بن ابى وقاص الخدري وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن ابى هريرة واحمد وابو يعلى والبيهقي عن على وابو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج الى الناس فارسل أبا بكر فاخذ راية رسول الله ﷺ فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع ولم يكن فتح وفى حديث على
26
ان الغلبة كانت لليهود فى اليومين فاخبر رسول الله ﷺ بذلك فقال لاعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة وقال بريدة فتباطينا نفسا ان يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطى فلما أصبح غد وأعلى رسول الله - ﷺ - كلهم يرجوا ان يعطيها قال ابو هريرة قال عمر فما أحببت الامارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله ﷺ وصلى صلوة الغداة ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال اين على رض قالوا تشتكى عينه فارسلوا اليه قال سمة فجئت به أقوده فقال له رسول الله - ﷺ - مالك قال زمدت حتى لا ابصر ما قدامى قال ادن منى وفى حديث على عند الحاكم فوضع راسى فى حجره ثم بزق فى يده فدلك بها عينى قالوا فبرء كان لم يكن به وجع قط فما وجمعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فو الله لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير من ان يكون لك حمر النعم فخرج على حتى ركزها تحت الحصن فاطلع يهودى من راس الحصن فقال من أنت قال على قال اليهودي غلبتم والذي انزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه- روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارزا الحارث أخو مرحب فقتله على رضى الله عنه ورجع اصحاب الحارث الى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي - ﷺ - طلع عامرا ترونه خمسة اذرع وهو يدعو الى البراز فخرج اليه على بن ابى طالب فقتله ثم برز ياسر فبرز له على بن ابى طالب فقال له الزبير بن العوام أقسمت عليك الا خطية بينى وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج اليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله - ﷺ - بل ابنك يقتله إنشاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال لكل نبى حوارى وحوارى الزبير وفى حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله على- وروى احمد عن على قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه الى رسول الله - ﷺ - - وروى البيهقي ومحمد بن عمرو عن جابر بن عبد الله ان محمد بن مسلمة قتل مرحبا والصحيح ما فى صحيح مسلم ان عليا قاتله وروى ابن اسحق عن ابى رافع مولى رسول الله - ﷺ - قال خرجنا مع على رض حين بعثه رسول الله - ﷺ - فلما دنى من الحصن خرج اليه اهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول على رض بابا كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رايتنى فى نفر سبعة إناثا منهم نجهد على ان نقلب ذلك الباب فلم نقليه- وروى البيهقي
من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن ابى جعفر محمد ابن على عن ابائه قال حدثنى جابر بن عبد الله ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون
27
فافتتحوها وانه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات الا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروى من وجه اخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم ان أعاد والباب- وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله اعلم وأصاب من العموص حصن ابى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيى بن اخطب جاء بلال بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما راتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على راسها فلما راها رسول الله - ﷺ - قال اعزبوا هذه الشيطانة وامر بصفية فخرجت خلفه والقى عليها ردائه فعرف المسلمون ان رسول الله - ﷺ - اصطفاها لنفسه وقال رسول الله - ﷺ - لبلال لما راى من تلك اليهودية ما راى انزعت منك الرحمة يا بلال جئت ثمه بامرأتين على قتلى رجالهما وكانت صفية قد رأت فى المنام وهى عروس بكنانة بن الربيع بن ابى الحقيق ان قمر أوقع فى حجرها فعرضت روياها على زوجها فقال يا هذا الا انك تتمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها فيها فاتى رسول الله - ﷺ - بها وبها اثر منها فسالها فاخبرته هذا الخبر وفى رواية جاء دحية فقال يا نبى الله أعطيني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل الى النبي ﷺ فقال يا نبى الله أعطيت دحية بنت حيى سيدة قريضة والنضير لا تصلح الا لك قال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي - ﷺ - قال خذ جارية من السبي غيرها قال فاعتقها النبي - ﷺ - وتزوجها حتى إذا كان الطريق جهزها له أم سلمة فاهدتها له من الليل فاصبح النبي - ﷺ - عروسا فقال من كان عنده شىء فليجىء به وبسط نطعا فجعل الرجل يجىء بالتمر وجعل الاخر يجىء بالسمن قال واحسبه قد ذكر السويق فحاسو حيسا وكان وليمة رسول الله - ﷺ - قال ثابت يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها وفى الصحيحين عن عبد الله بن ابى اوفى قال أصابتنا مجاعة ليالى خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا فى الحمر الانسية فاننحرناها فلما غلت القدور نادى منادى رسول الله - ﷺ - ان القوا القدور ولا تأكلوا لحوم الحمر شيئا- وعن ابن عباس قال نهى رسول الله - ﷺ - عن بيع المغانم حتى تقسم وعن الحبالى ان توطأ حتى يضعن ما فى بطونهن قال أتسقي زرع غيرك وعن لحوم الحمر الاهلية وعن لحم كل ذى ناب من السباع رواه الدارقطني روى محمد بن عمر وعدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين او ثلثين- قال ابن اسحق كان رسول الله - ﷺ - يأخذ الأموال مالا مالا ويفتحها حصنا حصنا حتى انتهوا الى الحصنين الوطيح والسلالم وكانا اخر حصون خيبر فتحا فجعل اليهود لا يطلعون من حصنهم حتى هم رسول الله - ﷺ - ان ينصب عليهم المنجنيق حين راى انه لا يبرز منهم أحد ولا أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله - ﷺ - اربعة عشر يوما سألوا رسول الله ﷺ الصلح وأرسل كنانة بن ابى الحقيق رجلا من اليهود ويقال له شماخ
28
فصالح رسول الله - ﷺ - على حقن دماء من فى حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وارضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله - ﷺ - وبين ما كان لهم من مال وارض وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة وعلى التبر الا ثوبا على ظهر انسان فقال رسول الله - ﷺ - برأت ذمة الله وذمة رسوله ان تكتمون شيئا فصالحوه على ذلك فقبضها رسول الله - ﷺ - الاول فالاول وجد من ذينك الحصنين مائة درع واربعمائة سيف وخمسمائة قوس عربية بجعابها ووجد فى الكثيبة خمسمائة قوس بجعابها روى ابن سعد والبيهقي عن ابن عمر وابن سعد عن ابن عباس فذكر الصلح كما ذكرنا ان لا يكتموه شيئا فان فعلوا فلا ذمة لهم قال ابن عباس فاتى بكنانة بن ابى الحقيق لزوج صفية والربيع اخوه وابن عمه قال رسول الله - ﷺ - ما فعل مسك حيى الذي جاء به النضير وكان مسكا مملوا من الحلي قالا أذهبه النفقات
والحروب فقال العهد قريب والمال اكثر من ذلك فقال بهما رسول الله - ﷺ - انكما ان كتمتمانى شيئا فان اطلعت عليه استحللت به دمائكما وذراريكما قال نعم قال عروة ومحمد بن عمر فيما روى البيهقي عنهما فاخبر الله تعالى نبيه بموضع الكنز وقال عليه الصلاة والسلام لكنانة انك مفتر بامر السماء فدعا رجلا من الأنصار وقال اذهب الى فراخ كذا وكذا فانظر نخلة عن يمينك ونخلة عن شمالك فائتى بما فيها فجاء بالآنية والأموال فقومت بعشرة آلاف دينار فضرب أعناقهما وسبى أهلهما بالنكث الذي نكثاه روى البخاري عن ابن عمر والبيهقي عنه وعن عروة وعن موسى بن عقبة ان خيبر لما فتحها رسول الله ﷺ قالوا دعنايا محمد نكون فى هذا الأرض نضلحها ونقوم عليها ولم يكن لرسول الله ﷺ ولا لاصحابه غلمان وكانوا لا يفرغون ان يقوموا عليها فاعطاهم رسول الله - ﷺ - على ان لهم الشطر من كل زرع ونخل وشىء ما بدأ لرسول الله - ﷺ - فى لفظ نقركم على ذلك ما شئنا فى لفظ ما اقركم الله وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرجها عليهم ثم يقمنهم الشطر فشكوا الى رسول الله - ﷺ - ابن رواحة وأرادوا ان يرشوا ابن رواحة فقال يا اعداء الله أتطمعوني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس الى ولانتم ابغض الى من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملنى بغضي إياكم وحبى إياه على ان اعدل عليكم فقالوا بهذا اقامت السموات والأرض فاقاموا بأرضهم على ذلك فلما كان زمن عمر رض غشوا المسلمين والقوا عبد الله بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ويقال بل سحروه بالليل وهو نائم على فراشه فكوع حين أصبح كانه فى وثاق وجاء أصحابه فاصلحوا من يديه فقام عمر خطيبا فى الناس فقال ان رسول الله - ﷺ - عامل يهود خيبر على أموالهم وقال نقركم ما اقركم الله وان عبد الله بن عمر خرج الى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه وليس لنا هناك عدو غيرهم وهم تهمنا وقد رأيت اجلائهم فمن كان له همّ بخيبر فليحضر حتى يقسمها فلما اجمع على ذلك قال رئيسهم وهو أحد بنى
29
ابى الحقيق لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا ابو القاسم وابو بكر فقال عمر رض لرئيسهم أتراه سقط عنه قول رسول الله - ﷺ - كيف بك إذا خرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فقاتلك هزيلة من ابى القاسم قال كذبت واجلاهم عمر روى الشيخان عن انس واحد وابن سعد وابو نعيم عن ابن عباس وغيرهم عن جابر وابى سعيد وابى هريرة والزهري ان زينب بنت الحارث امرأة لسلام بن مسكم ابنة أخي مرحب أهدت لصفية شاة مسمومة مصلية وقد قالت اى عضو الشاة أحب الى رسول الله - ﷺ - فقيل لها الذراع فاكثرت فيها من السم ثم سمت سائر الشاة فدخل رسول الله ﷺ على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور فقدمت الشاة المصلية فتناول النبي ﷺ الذراع فانتهس منها فلاكها وتناول بشر بن البراء عظما فانتهس منه قال ابن اسحق اما بشر فساغها واما رسول الله - ﷺ - فلفظها وقال ابن شهاب فلما اشترط رسول الله - ﷺ - لقمة اشترط بشر فقال رسول الله - ﷺ - ارفعوا ايديكم فان كتف هذه الشاة تخبرني انى بقيت فيها فقال بشر بن البراء والذي أكرمك لقد وجدت كذلك فى أكلتي فما منعنى ان الفظها الا انى أعظمت ان بفضك طعاما فلها سحت ما فى فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك ورجوت ان لا تكون اشترطها وفيها بغى فلم يقم بشر من مقامه حتى عادلونه كالطيلسان ومات واحتجم رسول الله - ﷺ - كامله يومئذ حجمه ابو هند وبقي رسول الله - ﷺ - حتى كان وجعه الذي توفى فيه فقال مازلت أحد من الاكلة التي أكلت من الشاة المسمومة يوم خيبر حتى كان هذا أوان قطع أبهري فتوفى رسول الله - ﷺ - شهيدا فارسل رسول الله - ﷺ - الى اليهودية أسممت هذه الشاة فقالت من أخبرك قال أخبرتني هذا الذي فى يدى وهى الذراع قالت نعم قال ما حملك على ما صنعت قالت بلغت من قومى ما لم يخفك عليك فقلت ان كان ملكا استرضا منه وان كان
نبيا فسيخبر فتجاوز عنها وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري انها أسلمت وتركها رسول الله - ﷺ - وجزم بإسلامها سليمان التيمي ولفظ بعد قولها وان كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان بي انك صادق وانا أشهدك ومن حضرك انى على دينك وان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله قال فانصرف رسول الله - ﷺ - عنها حين أسلمت ووقع عند البزاز من حديث ابى سعيد ان رسول الله ﷺ بعد سواله للمرأة اليهودية واعترافها بسط يده الى الشاة وقال لاصحابه كلوا بسم الله قال فاكلنا وذكرنا اسم الله فلم يضر أحدا منا قال الحافظ حماد الدين فيه نكارة وغرابة شديدة وذكر محمد بن عمران رسول الله - ﷺ - امر بلحم الشاة فاحرق وعن جابر ان رسول الله - ﷺ - لما مات بشر بن البراء امر باليهودية فقتلت رواه ابو داود وعن محمد بن عمر بأسانيد له فدفعها الى اولياء بشر بن البراء فقتلوها قال البيهقي يحتمل انه تركها اولا وقال السهيلي تركها لانه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا قال الحافظ تركها لكونها أسلمت
30
وانما اخّر قتلها حتى مات بشر لان بموته يتحقق وجوب القصاص- قصة قدوم جعفر- عن ابى موسى الأشعري قال لما بلغنا مخرج النبي - ﷺ - يعنى من مكة ونحن باليمن خرجنا مهاجرين اليه فالقتنا سفينتنا بالحبشة فوافقنا جعفر بن ابى طالب رض فقال جعفر ان رسول الله - ﷺ - بعثنا وأمرنا بالإقامة فاقيموا معنا فاقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله - ﷺ - حين فتح خيبر فاسهم لنا وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر شيئا الا لمن شهد معه الا اصحاب سفينتنا ولما قدم جعفر قال رسول الله - ﷺ - والله لا أدرى بايهما افرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ولما نظر جعفر الى رسول الله - ﷺ - خجل وقال رسول الله - ﷺ - لاصحاب جعفر لكم هجرتان وقيل رسول الله - ﷺ - جعفر بين عينة رواه البيهقي قصة قدوم ابى هريرة والادسيين وعن ابى هريرة قدمت المدينة ونحن ثمانون بيتا من دوس ثم جئنا خيبر وقد فتح رسول الله - ﷺ - النطاة وهو محاصر لكثيبة فاقمنا حتى فتح الله علينا فكلم المسلمين فاشركنا فى سهمانهم رواه احمد والبخاري فى التاريخ والحاكم والبيهقي وابن خزيمة والطحاوي- قصة فدك- فلما سمع اهل فدك بما صنع رسول الله - ﷺ - بخيبر بعثوا الى رسول الله - ﷺ - يسألونه الصلح ان يسيرهم ويحقن لهم دفائهم ويخلو الأموال ففعل على انا إذا شئنا أخرجناكم فصالحه اهل فدك على مثل ذلك فكانت خيبر للمسلمين وكانت فداء خالصة لرسول الله ﷺ لانهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب فاجلاهم عمر لما اجلى يهود خيبر- قسمة خيبر- ولما كان فتح الوطيع والسلالم بالصلح فكان هذا لنوائب المسلمين واعطفى منه رسول الله - ﷺ - الأشعري بين الدوسيين اصحاب السفينتين وهو المراد من قول موسى بن عقبة ان بعض خيبر كان صلحا وكان مشاورة رسول الله - ﷺ - اهل الحديبية فى اعطائهم ليس استنزالهم عن شىء من حقهم وانما هى المشورة العامة وشاورهم فى الأمر قال ابن اسحق وكانت المقاسم على اموال خيبر على الشق والنطاة والكثيبة وكانت الكثيبة خمس الله سهم النبي - ﷺ - وذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وطعم ازواج النبي - ﷺ - وطعم رجال مشوا بين رسول الله - ﷺ - وبين اهل فدك بالصلح منهم محيصة بن مسعود أعطاه ثلثين وسقا من شعير وثلثين وسقا من تمر وكانت النطاة والشق فى أسهم الغزاة جزاها رسول الله - ﷺ - ثمانية عشر سهما نطاة من ذلك خمسة أسهم والشق ثلثة عشر سهما قسمت على اهل الحديبية من شهد خيبر منهم ومن غاب عنها ولم يغب عنها الا جابر بن عبد الله بن حرام قسم له كسهم من حضر كانوا الفا واربعمائة رجلا ومائتى فرس كان لفرس سهما ولفارسه سهم وكان لكل رجل سهم وكان سهم رسول الله - ﷺ - كسهم أحدهم وكان لكل سهم من سهام خيبر ثمانية عشر راسا جمع الى راس مائة سهم كان على بن
31
ابى طالب راسا والزبير بن العوام راسا وسره ذلك ابن اسحق الى آخره- قال ابن سعد امر رسول الله - ﷺ - فجزى غنائم
خيبر خمسة اجزاء فكتب فى سهم منها لله وسائر السهمان اغفال وقسم اربعة اخمس على ثمانية عشر سهما كل مائة رجل وللخيل اربعة أسهم- قصة فتح وادي القرى- لما انصرف رسول الله - ﷺ - من خيبر الى وادي القرى فدعا أهلها الى الإسلام فامتنعوا ففتحها رسول الله - ﷺ - عنوة وغنمه بعالى اموال أهلها وأصاب المسلمون منها أثاثا ومتاعا فخمس رسول الله - ﷺ - ذلك وترك الأرض فى أيدي اليهود وعاملهم على نحو ما عامل عليه اهل خيبر.
وَأُخْرى منصوب عطفا على مغانم كثيرة يعنى أوعدكم مغانم اخرى او عطفا على هذه يعنى عجل لكم مغانم اخرى بعد هذا او يفعل محذوف يفسره قد أحاط الله بها يعنى قضى لكم مغانم اخرى وعلى التقادير كلها قوله تعالى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها صفة اخرى وجاز ان يكون اخرى مرفوعا على الابتداء ولم تقدروا عليها صفة له وقوله تعالى قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها خبر المبتدا او يكون لم تقدروا عليها خبر المبتدا وقد أحاط الله حال من الضمير فى عليها والمراد بمغانم فارس والروم وما كانت العرب يقدر على قتال فارس والروم وكان قولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام كذا قال ابن عباس والحسن والمقاتل وقال قتادة هى مكة وقال عكرمة حنين وقال مجاهد كل ما فتح الله بعد ذلك وقد أحاط الله بها اى استولى فاظفركم او أحاط الله بها علما ان يفتحها لكم وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً وان لم تقدروا عليها.
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة ولم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم وَلا نَصِيراً ينصرهم.
سُنَّةَ اللَّهِ منصوب على المصدرية يعنى سن الله سنة غلبة أوليائه وأنبيائه على أعدائه قال الله تعالى لاغلبن انا ورسلى وقال ان حزب الله هم المفلحون ان حزب الله هم الغالبون الَّتِي قَدْ خَلَتْ اى مضت تلك السنة قديما فى الأمم السابقة مِنْ قَبْلُ هذا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا تغيرا.
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ يعنى كفار مكة عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ قدمو فيما سبق من حديث انس ان ثمانين رجلا من اهل مكة وفى رواية سبعين هبطوا من جبل التنعيم فاخذوا فعفى النبي - ﷺ - عنهم فنزلت هذه الاية ومن حديث عبد الله بن مغفل وفيه إذ خرج علينا ثلثون شابا الحديث ومن حديث مسلم بن اكوع اخترطت سيفى على اربعة الحديث وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ قرأ ابو عمرو بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الكفار والباقون بالتاء
على الخطاب للمؤمنين بَصِيراً فيجازى كلا على حسب ما فعل.
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى اهل مكة وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ان تطوفوه وَالْهَدْيَ وهى ما يهدى الى مكة من الإبل والبقر والشاة مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ الهدى معطوف على الضمير المنصوب فى صدوكم وان يبلغ معطوف على عن المسجد الحرام فتقدير عن من قبيل العطف على معمولى عامل واحد بحرف واحد وجاز ان يكون ان يبلغ متعلقا بمعكوفا بتقدير من ومعكوفا حال من الهدى مَحِلَّهُ يعنى الحرام فانه موضع حلول اجله احتج الحنفية على انه لا يجوز ذبح الهدايا الا فى الحرم والمحصر يرسل الهدى الى مكة وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ يعنى لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين او لم تعلموهم مؤمنين ورجال مبتداء موصوف بصفات بعد لولا الامتناعية أَنْ تَطَؤُهُمْ بدل اشتمال من المبتدا بتقدير المضاف والخبر محذوف يعنى هو موجودين بمكة وجواب لولا محذوف اغنى عنه جواب لو تزيلوا يعنى لولا كراهة ان تطؤ المؤمنين عند نصرنا وغلبتكم عليهم لعذبنا الذين كفروا بالقتل والاسر فَتُصِيبَكُمْ عطف على تطؤهم مِنْهُمْ اى من جهنم مَعَرَّةٌ قال ابن زيد اثم فان قتل الخطأ لا يخلوا عن اثم كما يدل عليه وجوب الكفارة وقال ابن اسحق غرم الدية وقيل الكفارة وقيل معناه الحرب واطلق هاهنا على المضرة مطلقا تشبيها بالحرب ومن المضرة التأسف على قتل المؤمنين وتعيير الكفار بذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بان تطؤهم او تصيبكم على سبيل التنازع اخرج الطبراني وابو يعلى عن ابى جمعة جنيد بن سبع قال قاتلت النبي - ﷺ - أول النهار كافرا وقاتلت معه اخر النهار مسلما وكنا ثلثة رجال وسبع نسوة وفينا نزلت وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ... لِيُدْخِلَ اللَّهُ متعلق بمحذوف دل عليه السياق اى كان ذلك المنع من دخول مكة عنوة ليدخل الله فِي رَحْمَتِهِ اى فى دينه وجنته مَنْ يَشاءُ من اهل مكة فقدا من كثير من المشركين يوم الفتح وقيل ذلك او المعنى ليدخل الله المؤمنين المستضعفين فى رحمة الدنيوية من العافية وطول البقاء لَوْ تَزَيَّلُوا اى تفرقوا وامتاز المسلمون من الكفار لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى من اهل مكة فى الدنيا بالقتل والاسر- عَذاباً أَلِيماً إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظرف متعلق بقوله عذبنا او صدوكم او مفعول لمحذوف اى اذكر.
فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حين صدوا رسول الله - ﷺ - عن الطواف وأنكروا بسم الله الرحمن الرحيم وأنكروا محمدا رسول الله قال مقاتل قال اهل مكة قد قتلوا أبنائنا وإخواننا
ثم يدخلون علينا فتحدث العرب انهم دخلوا علينا على رغم انفنا واللات والعزى لا يدخلونها فهذه حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من الحمية فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ حيث اطمئنوا وامتثلوا امر الله تعالى فى المنع عن القتال مع قدرتهم عليه وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدى وابن زيد واكثر المفسرين انها لا اله الا الله والله اكبر وقال عطاء ابن ابى رباح هى لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير قال عطاء الخراسانى هى لا اله الا الله محمد رسول الله وقال الزهري هى بسم الله الرحمن الرحيم والمال واحد واضافة الكلمة الى التقوى لانها سبب التقوى وأساسها والمراد كلمة اهل التقوى المراد بالزامهم إياها ثباتهم عليها بترك الحمية وَكانُوا أَحَقَّ بِها من كفار مكة وَأَهْلَها يعنى كانوا أهلها فى علم الله تعالى ولذلك اختارهم لتائيد دينه وصحبة نبيه - ﷺ - وهذه الاية وقوله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ يبطل مذهب الروافض حيث يدعون كفر الصحابة رض ونفاقهم دمرهم الله تعالى- وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ حتى بما أضمره الصحابة رض من الايمان وحب رسول الله - ﷺ - عَلِيماً ولما وقع الصلح وتقرر الرجوع الى المدينة بغير دخول مكة وقد كان رسول الله - ﷺ - راى رؤيا ان يدخلها كما ذكرنا فى القصة قال الصحابة رض اين روياك يا رسول الله فنزلت.
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا كذا ذكر البيهقي وغيره عن مجاهد والجملة جواب قسم محذوف أورد بصيغة الماضي والمراد به المستقبل ليدل على القطع فى وقوعه قال الجوهري الصدق والكذب يكونان فى القول يعنى الخبر إذا طابق الواقع كان صدقا والا كذبا ويستعملان فى الفعل ايضا فالصدق بمعنى التحقيق قال الله تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله يعنى حققوا العهد وفى هذه الآية ايضا صدق فعل يعنى حقق الله رؤيا الرسول الله - ﷺ - وعلى هذا الرؤيا بدل اشتمال من رسوله وجاز ان يكون رسوله منصوبا بنزع الخافض يعنى حقق لرسوله الرؤيا ايضا قال الجوهري الصدق قد يتعدى الى مفعولين قال الله تعالى لقد صدقكم الله وعده وعلى هذا رسوله المفعول الاول والرؤيا مفعوله الثاني وقال البيضاوي معناه صدقه فى رؤياه قال فى المدارك حذف الجار وأوصل الفعل- بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق اى الحكمة البالغة حال من الرؤيا او صفة لمصدر محذوف اى صدقا متلبسا بالحق وهو القصد الى التمييز بين الثابت على الايمان والمتزلزل فيه وجاز ان يكون بالحق قسما اما باسم الله تعالى او بنقيض الباطل وجوابه لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ وعلى الأولين هذا ما قسم محذوف وقال ابن كيسان لتدخلن من قول رسول الله - ﷺ - لاصحابه حكاية عن روياه فاخبر الله تعالى عن رسوله انه قال ذلك وجاز ان يكون من
قول ملك الرؤيا حكاه الله تعالى وعلى التقديرين تقييده إِنْ شاءَ اللَّهُ مع كون الرسول - ﷺ - والملك على يقين منه تادبا بآداب الله تعالى حيث قال الله تعالى ولا تقولن لشىء انى فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله قال ابو عبيدة ان بمعنى إذ مجازه إذ شاء الله وقال الحسين بن الفضيل يجوز ان يكون الاستثناء من الدخول لان بين الرؤيا وتصديقها كانت سنة وقد مات فى تلك السنة فمجاز الاية ليدخلن المسجد الحرام كل واحد منكم إنشاء الله آمِنِينَ حال من فاعل لتدخلن والشرط مفترض مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ يعنى محلقين قوم منكم جميع شعور رؤسهم ومقصرين آخرين بعض شعورها حالان من الضمير فى امنين او حال مقدرة من فاعل لتدخلن لا تَخافُونَ حال مؤكدة لامنين او استيناف يعنى لا تخافون بعد ذلك فَعَلِمَ الفاء للسببية عطف على محذوف تقديره اخر الدخول لحكمة فعلم من الحكمة فى التأخير ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ عطف على اخر المقدر مِنْ دُونِ اى اقرب من ذلِكَ الدخول فَتْحاً قَرِيباً يعنى فتح خيبر او صلح الحديبية.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى اى متلبسا به او السببية او لاجله وَدِينِ الْحَقِّ اى دين الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يعنى جنس الأديان كلها بنسخ ما كان حقا واظهار فساد ما كان باطلا بالحجج والآيات او بتسليط المسلمين على أهلها فى وقت من الأوقات وَكَفى بِاللَّهِ الباء زائدة شَهِيداً حال من الله او تميز من النسبة يعنى كفى الله شاهدا او كفى شهادة الله على ما وعد من الفتح او على رسالة الرسول بإظهار المعجزات على يديه وفى هذه الاية تأكيد لما وعد من دخول المسجد الحرام وكلتاهما تاكيدان لقوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ وما بينهما معترضات.
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جملة مبنية للمشهود به ويجوز ان يكون رسول الله صفة ومحمد خبر مبتداء محذوف اى هو الذي أرسله بالهدى محمد او مبتدأ وقوله تعالى وَالَّذِينَ مَعَهُ معطوف عليه وما بعده خبرهما والموصول مبتداء وما بعده خبره والجملة معطوف على الجملة أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ امتثالا لامر الله تعالى حيث قال يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وقال لا تأخذكم بهما رافة فى دين الله وقال ومن يتولهم منكم فانه منهم وأمثال ذلك كثيرة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يعنى يتراحمون فيما بينهم ويتوادون حبا لله ولرسوله فان محب المحبوب محبوب فى الحديث القدسي اين المتحابون فى جلالى اليوم أظلهم تحت ظلى يوم لا ظل الا ظلى رواه مسلم عن ابى هريرة مرفوعا- وسيجيئ قوله - ﷺ - من أحبهم فبحبى أحبهم
35
ونظير هذه الاية قوله تعالى أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ رغم انف الروافض الذين يزعمون ان اصحاب محمد كانوا يتباغضون بينهم تَراهُمْ يا محمد رُكَّعاً سُجَّداً لاشتغالهم بالصلوة فى كثير من الأوقات فان الصلاة معراج المؤمنين حالان مترادفان من ضمير المنصوب فى ترهم وكذلك يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ الثواب بالجنة وروية الله تعالى وَرِضْواناً منه تعالى سِيماهُمْ علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ مبتداء وخبر والجملة خبر لما سبق مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ط حال من الضمير المستكن فى الظرف قال قوم هو نور وبياض وجوههم يوم القيامة يعرفون به انهم سجدوا فى الدنيا وهى رواية العوفى عن ابن عباس وقال عطار بن ابى رباح والربيع بن انس استنارت وجوههم فى الدنيا من كثرة الصلاة وقال شهر بن حوشب يكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر يعنى فى الاخرة وقال قوم هو السمت الحسن والخشوع والتواضع وهى رواية الوالبي عن ابن عباس وهو قول مجاهد وقال الضحاك صفرة الوجه من السهر وقال الحسن إذا راتهم حسبتهم مرضى وما هم مرضى وقال عكرمة وسعيد بن جبير هو اثر التراب على الجباه- وقال ابو العاليه لانهم كانوا يسجدون على التراب دون الأثواب يعنى تواضعا ذلِكَ المذكور مَثَلُهُمْ صفتهم فِي التَّوْراةِ قال البغوي هاهنا تم الكلام- ثم ذكر الله سبحانه ما فى الإنجيل من نعتهم فقال وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ إلخ وجاز ان يكون مثلهم فى الإنجيل معطوفا على مثلهم فى التوراة يعنى ذلك مذكور فى الكتابين ويكون قوله تعالى كَزَرْعٍ إلخ تمثيلا مستانفا وجاز ان يكون ذلك الاشارة مبهمة يفسرها قوله تعالى كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ الجملة مع ما عطف عليه صفات زرع قرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتح الطاء والباقون بإسكانها وهما لغتان بمعنى فروع الزرع اى أول ما خرج من الحب فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ اى صار من الرقة الى الغلظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ جمع ساق قرأ ابن كثير سئوقه بالهمزة والباقون بغير الهمزة يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ بكثافته وغلظه وقوته وحسن منظره هذين المثلين ضربهما الله تعالى لاصحاب محمد - ﷺ - لكن الاول منهما يصدق على غير الصحابة ايضا من خيار الامة والثاني منهما مختص بالصحابة لا يشارك فيه أحد غيرهم فان الله سبحانه أرسل محمدا - ﷺ - وحده كالزراع بذر فى الأرض فامن به ابو بكر وعلى وبلال ورجال متعددون بعدهم منهم عثمان وطلحة والزبير والسعد وسعيد وحمزة وجعفر وغيرهم حتى كان عمر متمم أربعين رجلا كزرع اخرج شطأه فكان الإسلام فى بدوّ الأمر غريبا كاد الكفار يكونون عليه لا محائه لبدا لولا حماية الله تعالى فازره الله تعالى بمجاهدات الصحابة من المهاجرين والأنصار حين سقوا زرع الدين
36
بدمائهم فى حيوة النبي ﷺ وبعد وفاته لا سيما فى خلافة ابى بكر وعمر فاستوى الدين على سوقه وظهر على الدين كله واستغنى عن حماية غيرهم بحيث يعجب الزراع حتى قال الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً- وقال عليه الصلاة والسلام لا يجتمع أمتي على الضلالة وقال لا يزال من أمتي قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ومن خالفهم ولاجل هذه الخصوصية سبقوا فى مضمار الفضل على كل سابق بحيث لا يمكن لاحد من الا فاضل ان يبلغ درجة اى منهم حتى قال رسول الله ﷺ لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد
أحدهم ولا نصفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري وروى احمد نحوه من حديث انس وقال رسول الله ﷺ ما من أصحابي يموت بأرض الا بعث قايدا ونور الهم يوم القيامة رواه الترمذي عن بريدة وهذه الخصوصية هى مادة الفضل غالبا فيما بين الصحابة فمن كان اسبق ايمانا كابى بكر او اكثر موازرة للدين حين ضعفه كعمر كان أفضل ممن ليس كذلك- قال الله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وقال الله تعالى السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وقد استوفيا فضايل الصحابة عموما وخصوصا ونقلا وعقلا فى السيف المسلول والله تعالى اعلم- قال البغوي هذا مثل ضربه الله عز وجل لاصحاب محمد ﷺ فى الإنجيل انهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون قال قتادة مثل اصحاب محمد فى الإنجيل مكتوب انه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقيل الزرع محمد والشطأة أصحابه والمؤمنون- وروى عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال محمد رسول الله والذين معه ابو بكر أشداء على الكفار عمر بن الخطاب رحماء بينهم عثمان بن عفان ترهم ركعا سجدا على بن ابى طالب يبتغون فضلا من الله ورضوانا- بقية العشرة المبشرة بالجنة كمثل زرع محمد ﷺ اخرج شطأه ابو بكر فازره عمر فاستغلظ عثمان للاسلام فاستوى على سوقه على بن ابى طالب استقام الإسلام بسيفه يعجب الزراع- فى المدارك عن عكرمة اخرج شطأه بابى بكر إلخ نحو ما ذكر والله تعالى اعلم- قال البغوي قال عمر لاهل مكة بعد ما اسلم لا يعبد الله
37
سرّا بعد هذا اليوم لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ط الضمير فى بهم عايد الى الذين معه او الى شطأ من حيث المعنى فان المراد بالشطأ الذي خرج بعد الزرع الداخلون فى الإسلام والجار والمجرور متعلق بمحذوف دل عليه السياق يعنى جعلهم الله أشداء ورحماء وكثرهم وقويهم وقوى بهم الإسلام ليغيظ بهم الكفار يعنى غيظا للكافرين قال انس بن مالك رض من أصبح وفى قلبه غيظ على اصحاب محمد ﷺ فقد أصابته هذه الاية وعن عبد الله بن مغفل المزني قال قال رسول الله ﷺ الله الله فى أصحابي الله الله لا تتخذوهم غرضا من بعدي فمن أحبهم فبحبى أحبهم ومن ابغضهم فببغضى ابغضهم ومن اذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد أذى الله ومن أذى الله فيوشك ان يأخذه رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان سرك ان تكون من اهل الجنة فان قوما ينتحلون حبك يقرؤن لا يجاوز تراقيهم نبزهم الرافضة فان أدركتهم فجاهدهم فانهم مشركون- رواه البغوي والدارقطني وفى اسناده نظر- وقد ورد فى فضائل الصحابة عموما وخصوصا مالا يكاد يحصى- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ كلمة من للبيان والضمير يعود الى ما يعود اليه ضمير بهم مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً تنكير مغفرة واجر للتعظيم وقد انعقد الإجماع على ان الصحابة كلهم عدول وكلهم مغفور لهم- والله اعلم.
38
Icon