ﰡ
مدنية، وهي أربع وعشرون آية [نزلت بعد البينة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢)صالح بنو النضير رسول الله ﷺ على أن لا يكونوا عليه ولا له، فلما ظهر يوم بدر قالوا: هو النبي الذي نعته في التوراة لا ترد له راية، فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصارى فقتل كعبا غيلة وكان أخاه من الرضاعة، ثم صبحهم بالكتائب وهو على حمار مخطوم بليف فقال لهم: اخرجوا من المدينة، فقالوا: الموت أحب إلينا من ذاك، فتنادوا بالحرب «١». وقيل: استمهلوا رسول الله عشرة أيام ليتجهزوا للخروج، فدس عبد الله بن أبى المنافق وأصحابه إليهم: لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم، ولئن خرجتم لنخرجنّ معكم، فدربوا على الأزقة «٢» وحصنوها فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة، فلما قذف الله الرعب في قلوبهم وأيسوا من نصر المنافقين: طلبوا الصلح، فأبى عليهم إلا الجلاء، على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم فجلوا إلى الشام إلى أريحا وأذرعات، إلا أهل بيتين منهم: آل
(٢). قوله «فدربوا على الأزقة «أى ضيقوا أفواهها بالخشب والحجارة كما يؤخذ مما سيأتى في تخريبهم بيوتهم بأيديهم. وفي الصحاح «الدرب» : المضيق في الجبل. (ع)
وقيل: آخر حشرهم حشر يوم القيامة، لأنّ المحشر يكون بالشام. وعن عكرمة: من شك أنّ المحشر هاهنا- يعنى الشام- فليقرأ هذه الآية. وقيل: معناه أخرجهم من ديارهم لأوّل ما حشر لقتالهم لأنه أوّل قتال قاتلهم رسول الله ﷺ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا لشدة بأسهم ومنعتهم، ووثاقة حصونهم، وكثرة عددهم وعدتهم، وظنوا أنّ حصونهم تمنعهم من بأس الله فَأَتاهُمُ أمر الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم: وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرّة على يد أخيه، وذلك مما أضعف قوتهم وفل من شوكتهم، وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب، وألهمهم أن يوافقوا المؤمنين في تخريب بيوتهم ويعينوا على أنفسهم، وثبط المنافقين الذين كانوا يتولونهم عن مظاهرتهم. وهذا كله لم يكن في حسبانهم. ومنه أتاهم الهلاك. فإن قلت: أى فرق بين قولك: وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم، وبين النظم الذي جاء عليه؟ قلت: في تقديم الخبر على المبتدإ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، وفي تصيير ضميرهم اسما لأن وإسناد الجملة إليه:
دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم «٢»، وليس ذلك في قولك: وظنوا أنّ حصونهم تمنعهم. وقرئ: فمآتاهم الله، أى:
فمآتاهم الهلاك. والرعب: الخوف الذي يرعب الصدر، أى يملؤه، وقذفه: إثباته وركزه.
ومنه قالوا في صفة الأسد: مقذف، كأنما قذف باللحم قذفا لا كتنازه وتداخل أجزائه. وقرئ:
يخرّبون ويخربون، مثقلا ومخففا. والتخريب والإخراب: الإفساد بالنقض والهدم. والخرية:
الفساد، كانوا يخربون بواطنها والمسلمون ظواهرها: لما أراد الله من استئصال شأفتهم «٣» وأن لا يبقى لهم بالمدينة دار ولا منهم ديار، والذي دعاهم إلى التخريب: حاجتهم إلى الخشب والحجارة
(٢). قوله «أو يطمع في معازتهم» أى مغالبتهم، كما في الصحاح. (ع)
(٣). قوله «من استئصال شأفتهم» في الصحاح «الشأفة» : قرحة تخرج من أسفل القدم فتكوى فتذهب، يقال في المثل: استأصل الله شأفته، أى: أذهبه الله كما أذهب تلك القرحة بالكي اه. (ع) [.....]
لما عرضوهم لذلك وكانوا السبب فيه فكأنهم أمروهم به وكلفوهم إياه فَاعْتَبِرُوا بما دبر الله ويسر من أمر إخراجهم وتسليط المسلمين عليهم من غير قتال. وقيل: وعد رسول الله ﷺ المسلمين أن يورثهم الله أرضهم وأموالهم بغير قتال، فكان كما قال.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٣ الى ٤]
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤)
يعنى: أنّ الله قد عزم على تطهير أرض المدينة منهم وإراحة المسلمين من جوارهم وتوريثهم أموالهم، فلولا أنه كتب عليهم الجلاء واقتضته حكمته ودعاه إلى اختياره أنه أشق عليهم من الموت لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل كما فعل بإخوانهم بنى قريظة وَلَهُمْ سواء أجلوا أو قتلوا عَذابُ النَّارِ يعنى: إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٥]
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥)
مِنْ لِينَةٍ بيان لما قطعتم. ومحل ما نصب بقطعتم، كأنه قال: أى شيء قطعتم، وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله أَوْ تَرَكْتُمُوها لأنه في معنى اللينة. واللينة: النخلة من الألوان، ضروب النخل ما خلا العجوة «١» والبرنية، وهما أجود النخيل، وياؤها عن واو، قلبت لكسرة ما قبلها، كالديمة. وقيل: «اللينة» النخلة الكريمة، كأنهم اشتقوها من اللين.
قال ذو الرمّة:
والظاهر أن الاذن عام في القطع والترك، لأنه جواب الشرط المضمر لهما جميعا ويكون التعليل باجزاء الفاسقين لهما جيعا، وأن القطع يحسرهم على ذهابها والترك يحسرهم على بقائها للمسلمين ينتفعون بها، فهم في حسرتين من الأمرين جميعا.
كأنّ قتودى فوقها عشّ طائر | على لينة سوقاء تهفو جنوبها «١» |
وروى أن رجلين كانا يقطعان: أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله ﷺ فقال هذا: تركتها لرسول الله، وقال هذا: قطعتها غيظا للكفار «٣». وقد استدل به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك،
واللينة: النخلة. والسوقاء: طويلة الساق. وهفا الريح والبصير يهفو: عدا بسرعة والجنوب: نوع من الريح، والضمير للينة: شبه عيدان الرجل فوق الناقة بعش الطائر فوق النخلة، ويلزم من ذلك تشبيه الناقة بالنخلة في الطول والنجابة. وهو المقصود، فلو قيل: إن استعمال التشبيه الأول في الثاني من باب المجاز، أو إرادة الثاني من الأول من باب الكناية لم يكن بعيدا. وفي ذلك إشارة لتشبيه بالطائر في الحذر والتيقظ. وفي قوله «تهفو جنوبها» دلالة على سرعة سير الناقة، واختراقها للرياح كسرعة سير الريح على النخلة، فهي مخترقة له، كأنها سائرة فيه بسرعة.
(٢). أخرجه ابن إسحاق في المغازي والطبري من طريقه: حدثنا يزيد بن رومان فذكره. وذكره ابن هشام عن ابن إسحاق من غير ذكر شيخه: ورواه ابن مردويه من طريق ابن إسحاق عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس.
وذكر الواقدي في المغازي «أن الذي أرسل إلى النبي ﷺ هو حيي بن أخطب» وروى أبو داود في المراسيل من طريق عبد الله بن أبى بكر بن عمرو بن حزم نحوه مختصرا.
(٣). لم أجده بهذا السياق لكن للبخاري في الواقدي، واستعمل على قطع النخل وحرقها رجلين من أصحابه:
أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام فكان أبو ليلى يقطع العجوة وكان الآخر يقطع اللون. فقيل لهما في ذلك. فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم وقال ابن سلام: قد عرف أن الله سيغنمهم أموالهم، وكانت العجوة خير أموالهم فأنزل الله الآية. وروى البيهقي في الدلائل من طريق ابن أبى نجيح عن مجاهد قال «نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل وقالوا: إنما هو من مغانم المسلمين. وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدو. فنزل القرآن.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٦ الى ٧]
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)
أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ جعله له فيئا خاصة. والإيجاف من الوجيف. وهو السير السريع.
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في الإفاضة من عرفات «ليس البرّ بإيجاف الخيل ولا إيضاع الإبل «١» على هينتكم» «٢» ومعنى فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ فما أو أوجفتم على تحصيله وتغنمه خيلا ولا ركابا، ولا تعبتم في القتال عليه، وإنما مشيتم إليه على أرجلكم. والمعنى: أنّ ما خوّل الله رسوله من أموال بنى النضير شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة، ولكن سلطه الله عليهم وعلى ما في أيديهم كما كان يسلط رسله على أعدائهم، فالأمر فيه مفوّض إليه يضعه حيث يشاء، يعنى:
أنه لا يقسم قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهرا، وذلك أنهم طلبوا القسمة فنزلت.
لم يدخل العاطف على هذه الجملة: لأنها بيان للأولى، فهي منها غير أجنبية عنها. بين لرسول الله ﷺ ما يصنع بما أفاء الله عليه، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوما على الأقسام الخمسة. والدولة والدولة- بالفتح والضم- وقد قرئ بهما ما يدول للإنسان، أى يدور من الجد. يقال: دالت له الدولة. وأديل لفلان. ومعنى قوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جدا بين الأغنياء يتكاثرون به. أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم. ومعنى الدولة الجاهلية:
أن الرؤساء منهم كانوا يستأخرون بالغنيمة لأنهم أهل الرياسة والدولة والغلبة، وكانوا يقولون من عزّ بزّ. والمعنى: كيلا يكون أخذه غلبة وأثرة جاهلية. ومنه قول الحس: اتخذوا عباد الله
(٢). أخرجه أبو داود وأحمد وإسحاق والبزار والحاكم من رواية مقسم عن ابن عباس نحوه والبخاري من وجه آخر عن ابن عباس بعضه.
أو كيلا يكون إمساكه تداولا بينهم لا يخرجونه إلى الفقراء. وقرئ دولة بالرفع على «كان» التامة كقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة، يعنى كيلا يقع دولة جاهلية ولينقطع أثرها أو كيلا يكون تداول له بينهم. أو كيلا يكون شيء متعاور بينهم غير مخرج إلى الفقراء وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ من قسمة غنيمة أو فيء فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عن أخذه منها فَانْتَهُوا عنه ولا تتبعه أنفسكم وَاتَّقُوا اللَّهَ أن تخالفوه وتتهاونوا بأوامره ونواهيه إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن خالف رسوله، والأجود أن يكون عاما في كل ما أتى رسول الله ﷺ ونهى عنه، وأمر الفيء داخل في عمومه.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه: أنه لقى رجلا محرما وعليه ثيابه فقال له: انزع عنك هذا «١» فقال الرجل: اقرأ علىّ في هذا آية من كتاب الله. قال: نعم، فقرأها عليه.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٨]
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)
لِلْفُقَراءِ بدل من قوله لِذِي الْقُرْبى والمعطوف عليه «٢» والذي منع الإبدال من: لله
(٢). قال محمود: «هو بدل من قوله لذي القربى وما بعده والذي منع الابدال من لله وللرسول... الخ» قال أحمد: مذهب أبى حنيفة أن استحقاق ذوى القربى أسهمهم من الفيء موقوف على الفقراء حتى لا يستحقه أغنياؤهم، وقد أغلظ الشافعي رضى الله عنه فيما نقله عنه إمام الحرمين الرد على هذا المذهب بأن الله تعالى علق الاستحقاق بالقرابة ولم يشترط الحاجة، وعدم اعتبار القرابة مضادة ومحادة، واعتذر إمام الحرمين لأبى حنيفة بأن الصدقات لما حرمت عليهم كان فائدة ذكرهم في خمس الفيء والغنيمة أنه لا يمنع صرف ذلك إليهم امتناع صرف الصدقات، ثم أتبع هذا العذر بأن قال: لا ينبغي أن يعبر به، فان صيغة الآية ناصة على تعين الاستحقاق لهم تشريفا لهم وتنبيها على عظم أقدارهم، فمن حمل ذلك على جواز الصرف إليهم مع معارضة هذا الجواز بجواز حرمانهم فقد عطل فحوى الآية، ثم استعظم الامام وقع ذلك عليهم لأنهم يذهبون إلى اشتراط الايمان في رقبة الظهار زيادة على النص، فيأتون في إثبات ذلك بالقياس لأنه يستنتج، وليس من شأنه الثبوت بالقياس. قال: فكذلك يلزمهم أن يعتقدوا أن اشتراط الفقر في القرابة واشتراط الحاجة لقرب ما ذكروه بغرض القرب، فأما وإن أصلهم المخصوصون من نسب الرسول عليه الصلاة والسلام والثابتون من شجرته كالعجمة، فلا يبقى مع هذا لمذهبهم وجه انتهى كلام الامام وإنما أوردته ليعلم أن معارضته لأبى حنيفة على أن اشتراط الحاجة عند أبى حنيفة مستند إلى قياس أو نحوه من الأسباب الخارجة من الآية. فلذلك ألزمه أن يكون زيادة على النص، فأما وقد تلقى أبو حنيفة اعتبار الحاجة من تقييد هذا البدل المذكور في الآية، فإنما يسلك معه في واد غير هذا فيقول هو بدل من المساكين لا غيره.
وتقريره أنه سبحانه أراد أن يصف المساكين بصفات تؤكد استحقاقهم ويحمل الأغنياء على إيثارهم وأن لا يجدوا في صدورهم حاجة مما أوتوا، فلما قصد ذلك وقد فصل بين ذكرهم وبين ما يقصد من ذكر صفاتهم بقوله كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ إلى قوله شَدِيدُ الْعِقابِ طرى ذكرهم ليكون توطئة للصفات المتتالية بعده، فذكر بصفة أخرى مناسبة الصفة الأولى مبدلة منها وهي الفقر، لتشهد التطرية على فائدة الجمع لهم بين صفتي المسكنة والفقر ثم تليت صفاتهم على أثر ذلك وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم مهاجرين، وابتغاؤهم الفضل والرضوان من الله، ونصرهم لله ورسوله، وصدقهم في نياتهم، إلى آخر ذلك، فهذا هو الذي يرشد إليه السباق مؤيدا بالأصل فان ذوى القربى ذكروا بصفة الإطلاق: فالأصل بقاؤهم على ذلك حتى يتحقق أنهم مرادون بالتقييد. وما ذكرناه من صرف ذلك إلى المساكين يكفى في إقامة وزن الكلام، فيبقى ذوو القربى على أصل الإطلاق، وتلك قاعدة لا يسع الحنفية مدافعتها، فإنهم يرون الاستثناء المتعقب للجمل يختص بالجملة الأخيرة، لأن عوده إليها يقيم وزن الكلام وينقى ما تقدمهن على الأصل، ولا فرق بين التعقيب بالاستثناء والبدل وكل ما سوى هذا، مع أنه لو جعل بدلا من ذوى القربى مع ما بعده: لم يكن إبداله من ذوى القربى إلا بدل بعض من كل، فان ذوى القربى منقسمون إلى فقراء وأغنياء ولم يكن إبداله من المساكين إلا بدلا للشيء من الشيء، وهما لعين واحدة، فيلزم أن يكون هذا البدل محسوسا بالنوعين المذكورين في حالة واحدة، وذلك متعذر لما بين النوعين من الاختلاف وللتباين، وكل منهما يتقاضى ما يأباه الآخر، فهذا القدر كاف إن شاء الله تعالى، وعليه أعرب الزجاج الآية فجعله بدلا من المساكين خاصة، والله تعالى الموفق للصواب.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٩]
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا معطوف على المهاجرين، وهم الأنصار. فإن قلت: ما معنى عطف الإيمان على الدار، ولا يقال: تبوّؤا الإيمان؟ قلت: معناه تبوّؤا الدار وأخلصوا الإيمان، كقوله:
علفتها تينا وماء باردا
أو: وجعلوا الإيمان مستقرا ومتوطنا لهم لتمكنهم منه واستقامتهم عليه، كما جعلوا المدينة كذلك. أو: أراد دار الهجرة ودار الإيمان، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه. أو سمى المدينة لأنها دار الهجرة
يمارس نفسا بين جنبيه كزّة | إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا «٢» |
[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٠]
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠)
فقال: إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين. وإن أحببتم أعطينهم وخرجوا من دوركم، فقال السعدان: بل نقسمه المهاجرين ويكونون في دورنا. فرضيت الأنصار. فأعطى المهاجرين ولم يعط الأنصار، إلا رجلين محتاجين سهل ابن حنيف وأبا دجانة ونقل سيف بن أبى الحقيق سعد بن معاذ. وكان له ذكر عندهم. وعند أبى داود من رواية عبد الرزاق عن معمر طرف منه وأبهم اسم الأنصاريين. وعند ابن إسحاق في المغازي: حدثني عبد الله بن أبى بكر أن رسول الله ﷺ قسم أموال بنى النضير على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما».
(٢). يصف رجلا بالبخل، وأنه يعالج نفسه التي بين جنبيه، كزة- بالفتح-: شحيحة منقبضة عن فعل الخير إذا غلبها، وأراد المعروف دعته ثانيا إلى البخل وحجبته عن البذل، فكأنها قالت له: أمهل فيطاوعها. ومهلا:
مصدر حذف فعله وجوبا. وقولها: ذلك، استعارة تصريحية لوسوستها بالبخل.
وقيل: التابعون بإحسان غِلًّا وقرئ: غمرا، وهما الحقد.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١١ الى ١٢]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢)
لِإِخْوانِهِمُ الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر، ولأنهم كانوا يوالونهم ويواخونهم، وكانوا معهم على المؤمنين في السر وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ في قتالكم أحدا من رسول الله والمسلمين إن حملنا عليه. أو في خذلانكم وإخلاف ما وعدناكم من النصرة لَكاذِبُونَ أى في مواعيدهم لليهود. وفيه دليل على صحة النبوّة: لأنه إخبار بالغيوب. فإن قلت: كيف قيل وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ بعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم؟ قلت: معناه: ولئن نصروهم على الفرض والتقدير، كقوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وكما يعلم ما يكون، فهو يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون.
والمعنى: ولئن نصر المنافقون اليهود لينهزمن المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك، أى: يهلكهم الله تعالى ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم. أو لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١٣ الى ١٧]
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)
وجدار. وجدر وجدر، وهما: الجدار بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ يعنى أنّ البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا، ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدّة، لأنّ الشجاع يجبن والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً مجتمعين ذوى ألفة واتحاد وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى متفرقة لا ألفة بينها، يعنى. أنّ بينهم إحنا وعداوات، فلا يتعاضدون حق التعاضد، ولا يرمون عن قوس واحدة. وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم ويعين على أرواحهم «٢» كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أى مثلهم كمثل أهل بدر في زمان قريب. فإن قلت: بم انتصب قَرِيباً؟ قلت:
بمثل، على: كوجود مثل أهل بدر قريبا ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. من قولهم كلأ وبيل: وخيم سيئ العاقبة، يعنى ذاقوا عذاب القتل في الدنيا وَلَهُمْ في الآخرة عذاب النار. مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر، ثم متاركتهم لهم وإخلافهم كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذا استغوى الإنسان «٣» بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة، والمراد استغواؤه قريشا يوم بدر، وقوله لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم، إلى قوله: إنى بريء منكم. وقرأ ابن مسعود: خالدان فيها، على أنه خبر أنّ، وفِي النَّارِ لغو، وعلى القراءة المشهورة: الظرف مستقر، وخالدين فيها: حال. وقرئ:
أنا بريء. وعاقبتهما بالرفع.
(٢). قوله «ويعين على أرواحهم» كذا عبارة النسفي أيضا. (ع)
(٣). قوله «إذا استغوى الإنسان» لعله: إذ، كعبارة النسفي. (ع)
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١٨ الى ١٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩)كرر الأمر بالتقوى تأكيدا: واتقوا الله في أداء الواجبات لأنه قرن بما هو عمل، واتقوا الله في ترك المعاصي لأنه قرن بما يجرى مجرى الوعيد. والغد: يوم القيامة، سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبا له «١» وعن الحسن: لم يزل يقربه حتى جعله كالغد. ونحوه قوله تعالى كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ يريد: تقريب الزمان الماضي. وقيل: عبر عن الآخرة بالغد كأن الدنيا والآخرة نهاران: يوم وغد. فإن قلت: ما معنى تنكير النفس والغد؟ قلت: أما تنكير النفس فاستقلالا للأنفس النواظر فيما قمن للآخرة، كأنه قال فلتنظر نفس واحدة في ذلك.
وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره، كأنه قيل: لغد لا يعرف كنهه لعظمه. وعن مالك بن دينار:
مكتوب على باب الجنة: وجدنا ما عملنا، ربحنا ما قدّمنا. خسرنا ما خلفنا نَسُوا اللَّهَ نسوا حقه، فجعلهم ناسين حق أنفسهم بالخذلان «٢»، حتى لم يسعوا لها بما ينفعهم عنده. أو فأراهم يوم القيامة من الأهوال ما نسوا فيه أنفسهم، كقوله تعالى لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٢٠]
لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)
هذا تنبيه للناس وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وتهالكهم على إيثار العاجلة واتباع الشهوات: كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار والبون العظيم بين أصحابهما، وأن الفوز مع أصحاب الجنة، فمن حقهم أن يعلموا ذلك وينبهوا عليه، كما تقول لمن يعق أباه:
هو أبوك، تجعله بمنزلة من لا يعرفه، فتنبهه بذلك على حق الأبوّة الذي يقتضى البر والتعطف.
قد أترك القرن مصفرا أنامله
إلا أن الزمخشري فر من هذا المعنى، لأن الواقع قلة النفوس الناظرة في أمر المعاد، فنزله على معنى يطابق الواقع، ويمكن أن يلاحظ الأمر فيسوغ حمله على التكثير النفوس المأمورات بالنظر في المعاد، وأنه ما من نفس إلا ومن حقها أن تمتثل هذا الأمر، وهو نظر حسن، فان الفعل المسند إلى النفس هاهنا ليس وقوع النظر حتى يستقل، وإنما هو طلب النظر وهو عام التعلق بكل نفس. والانصاف: أن ما ذكره الزمخشري أمكن وأحسن، والله الموفق. [.....]
(٢). قال محمود: «جعلهم ناسين بالخذلان» قال أحمد: بل خلق فيهم النسيان.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢)
هذا تمثيل وتخييل «١»، كما مرّ في قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ وقد دل عليه قوله وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن وتدبر قوارعه وزواجره. وقرئ: مصدّعا على الإدغام وَتِلْكَ الْأَمْثالُ إشارة إلى هذا المثل وإلى أمثاله في مواضع من التنزيل.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)
الْغَيْبِ المعدوم وَالشَّهادَةِ الموجود المدرك كأنه يشاهده. وقيل: ما غاب عن العباد وما شاهدوه. وقيل: السر والعلانية. وقيل: الدنيا والآخرة الْقُدُّوسُ بالضم والفتح- وقد قرئ بهما- البليغ في النزاهة عما يستقبح. ونظيره: السبوح، وفي تسبيح الملائكة:
سبوح قدوس رب الملائكة والروح. والسَّلامُ بمعنى السلامة. ومنه دارُ السَّلامِ وسَلامٌ عَلَيْكُمْ وصف به مبالغة في وصف كونه سليما من النقائص. أو في إعطائه السلامة والمؤمن واهب الأمن. وقرئ بفتح الميم بمعنى المؤمن به على حذف الجار، كما تقول في قوم موسى من قوله تعالى وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ المختارون بلفظ صفة السبعين. والْمُهَيْمِنُ الرقيب على كل شيء، الحافظ له، مفيعل من الأمن، إلا أن همزته قلبت هاء. والْجَبَّارُ القاهر الذي جبر خلقه على ما أراد، أى أجبره، والْمُتَكَبِّرُ البليغ الكبرياء والعظمة. وقيل: المتكبر عن ظلم عباده. والْخالِقُ المقدر لما يوجده والْبارِئُ المميز بعضه من بعض بالأشكال