ﰡ
مكية وآياتها ست وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا١ الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)شرح الكلمات:
يا أيها المدثر: أي يا أيها المدثر أي المتلفف في ثيابه وهو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قم فأنذر: أي خوف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا ويوحدوا.
وربك فكبر: أي عظم ربك من إشراك المشركين.
وثيابك فطهر: أي طهر ثيابك من النجاسات.
والرجز فاهجر: أي أدم هجرانك للأوثان.
فإذا نقر في الناقور: أي نفخ في الصور النفخة الثانية.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ١﴾ أي المتلفف في ثيابه والمراد به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى الزهري٢ قال فتر الوحي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فترة فحزن حزناً فجعل يعدو شواهق رؤوس الجبال ليتردى منها فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فيقول إنك نبي الله فيسكن جأشه وتسكن نفسه، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عن ذلك فقال بينما أنا أمشي يوما إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا فرجعت إلى خديجة فقلت زملوني فزملناه أي فدثرناه فأنزل الله يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر قال الزهري فأول شيء أنزل عليه أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. وعليه فهذا النداء الإلهي كان بعد فترة الوحي الأولى ناداه ملقبا له بهذا اللقب الجميل تكريما وتلطفا معه ليقوم بأعباء الدعوة وما أشد ثقلها، ومن يقدر عليها إنها أعباء ثقيلة اللهم لقد أعنت عليها رسولك فأعني على قدر ما أقوم به منها، وإن كان ما أقوم به منها لا يساوي جمرة من لظى ولا قطرة من ماء السماء. يا أيها المدثر في ثيابه يا محمد رسولنا قم فأنذر لم يبق لك مجال للنوم والراحة فأنذر قومك في مكة وكل الثقلين من وراء مكة أنذرهم عذاب النار المترتب على الكفر والشرك بالواحد القهار وربك فكبر أي وربك فعظمه تعظيماً يليق بجلاله وكماله فإنه الأكبر الذي لا أكبر منه والعظيم الذي لا أعظم منه فأعلن عن ذلك بلسانك قائلا الله أكبر وبحالك فلا تذل إلا له ولا ترغب إلا فيه وكبره بأعمالك فلا تأت منها إلا ما أذن لك فيه أو أمرك به ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ أي طهر ثيابك من النجاسات مخالفاً بذلك ما عليه قومك؛ إذ يجرون ثيابهم ولا يتنزهون من أبوالهم ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ أي والأصنام التي يعبدها قومك فاهجرها فلا تقربها ودم على هجرانها على دعوتك أجرا، ولا تمنن عطاء أعطيته لغيرك تستكثر به ما عندك إن ذاك مناف لأجمل الأخلاق وكريم السجايا وسامي الآداب. واربك وحده سواه فاصبر على كل ما تلقاه في سبيل إبلاغ رسالتك ونشر دعوتك دعوة الخير والكمال هذا الذي أدب به الله رسول الله في فاتحة دعوته. ثم نزل بعد فإذا نقر في الناقور والناقور البوق الذي ينفخ فيه اسرافيل والنقر يحدث صوتا
٢ روى أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ، فقال: أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- الجد طابع المسلم، فلا كسل ولا خمول ولا لهو ولا لعب ومن فارق هذه فليتهم نفسه في إسلامه.
٢- وجوب تعظيم أسمائه وصفاته وتعظيم كلامه وكتابه، وتعظيم شعائره تعظيم ما عظم.
٣- وجوب الطهارة للمؤمن بدناً وثوبا ومسجداً. أكلاً وشرباً وفراشاً ونفساً وروحا.
٤- حرمة العجب فلا يعجب المؤمن بعمله ولا يزكي به نفسه ولو صام الدهر، وأنفق الصخرة وجاهد الدهر.
٥- وجب الصبر على الطاعات فعلا وعلى المعاصي تركاً وعلى البلاء تسليما ورضا.
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)
ذرني ومن خلقت وحيدا: أي اتركني ومن خلقته وحيداً منفرداً بلا مال ولا ولد فأنا أكفيكه.
وبنين شهودا: أي يشهدون المحافل وتسمع شهاداتهم وأغلب الوقت حاضرون ولا يغيبون.
ومهدت له تمهيدا: أي بسطت له في العيش والعمر والولد والجاه حتى كان يلقب بريحانة قريش.
عنيدا: أي معانداً وهو الوليد بن المغيرة المخزومي.
سأرهقه صعودا: أي سأكلفه يوم القيامة صعود جبل من نار كلما صعد فيه هوى في النار أبداً.
إنه فكر وقدر: أي فيما يقول في القرآن الذي سمعه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدر في نفسه ذلك.
ثم نظر ثم عبس وبسر: أي تروًى في ذلك ثم عبس أي قبض ما بين عينيه ثم بسر أي كلح وجهه.
ثم أدبر واستكبر: أي عن الإيمان واستكبر عن اتباع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سحر يؤثر: أي ينقل من السحرة كمسيلمة وغيره.
سأصليه سقر: سأدخله جهنم وسقر اسم لها يدخله فيها لإحراقه بنارها.
لا تبقي ولا تذر: أي لا تترك شيئا من اللحم ولا العصب إلا أهلكته ثم يعود كما كان لإدامة العذاب.
لواحة للبشر: أي محرقة مسودة لظاهر جلد الإنسان وهو بشرته والجمع بشر.
عليها تسعة عشر: أي ملكاً وهم خزنتها.
معنى الآيات:
لقد تحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبء الدعوة وأمر بالصبر وشرع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إنذار قومه المعركة كأحر وأشد ما تكون إذ أعلم قومه وهم من هم أنه لا إله إلا الله وأنه هو رسول الله فتصدى له طاغية من أعظم الطغاة ساد الوادي مالاً وولداً وجاهاً عريضا حتى لقب بريحانة قريش هذا هو الوليد بن المغيرة صاحب عشرة رجال من صلبه وآلاف الدنانير من الذهب فلما أرهب رسول الله وأخافه قال له ربه تبارك وتعالى ﴿ذَرْنِي﴾ أي دعني والذي خلقته ﴿وَحِيداً١﴾ فريداً بلا مال ولا ولد،
٢ يقال عند يعند كضرب يضرب أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند.
٣ رواه الترمذي. وقال فيه غريب.
٤ قال السدي يعنون أنه من قول سيار عبد لبني الحضرمي كان يجالس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك.
٥ ما استفهامية أي أي شيء يدريك وما سقر ما استفهامية مبتدأ وسقر خبره.
٦ البشر جمع بشرة ومعنى لواحة مغيرة للون البشر بالسواد يقال لاحه الحر أو البرد أو المرض إذا غيره قال الشاعر:
تقول ما لاحك يا مسافر
يابنة عمي لا حنى الهواجر
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- المال والبنون والجاه من عوامل الطغيان إلا أن يسلم الله عبده من فتنتها.
٢- من أكفر الناس من يعاند في آيات الله يريد صرف الناس عنها وإبطال هدايتها.
٣- بيان ما ظفر به طاغية قريش الوليد بن المغيرة من لعنة وعذاب شديد.
٤- تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
٥- تقرير البعث والجزاء.
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)
شرح الكلمات:
أصحاب النار: أي خزنتها مالك وثمانية عشر معه.
إلا ملائكة: أي لم نجعلهم بشراً ولا جناً حتى لا يرحموهم بحكم
وما جعلنا عدتهم: أي كونهم تسعة عشر.
إلا فتنة للذين كفروا: أي ليستخفوا بهم كما قال أبو الأشدين الجمحي فيزدادوا ضلالا.
ليستيقن الذين أوتوا الكتاب: أي ليحصل اليقين لأهل التوراة والإنجيل بموافقة القرآن لكتابيهما التوراة والإنجيل.
ولا يرتاب: أي ولا يشك أهل الكتاب والمؤمنون في حقيقة ذلك.
وليقول الذين في قلوبهم مرض: أي مرض النفاق.
ماذا أراد الله بهذا مثلا: أي أي شيء أراد الله بهذا العدد الغريب استنكاراً منهم.
كذلك: أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء.
وما هي إلا ذكرى للبشر: أي وما النار إلا ذكرى للبشر يتذكرون بها.
إذ أدبر: أي ولى ومضى.
إذا اسفر: أي أضاء وظهر.
إنها لأحدى الكبر: أي جهنم لإحدى البلايا العظام.
نذيرا للبشر: أي عذاب جهنم نذير لبني آدم.
لمن شاء منكم: أي أيها الناس.
أن يتقدم: أي بالطاعة.
أو يتاخر: أي بالمعصية.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ هذه الآية نزلت رداً على أبي الأشدين كلدة الجمحي الذي قال لما سمع قول الله تعالى ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ قال لقريش ساخراً مستهزئاً أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني انتم اثنين، ومرة قال أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعه بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة. فأنزل الله تعالى قوله ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً﴾ أي لم نجعلهم بشراً ولا جناً حتى لا يرحموا أهل النار بخلاف لو
٢ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن فتنة بمعنى ضلالة للذين كفروا يريد أبا جهل وذويه، وقيل إلا عذاباً كقوله تعالى ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾.
٣ قوله ليستيقن الذين أوتوا الكتاب. علة ثانية لفعل وما جعلنا والاستيقان قوة اليقين والمراد من الاستيقان قوة اليقين.
٤ أوتوا الكتاب هم اليهود. فقد روى الترمذي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ قالوا لا ندري حتى نسأل.
٥ هذه الجملة كلمة جامعة لإبطال التخرصات التي يتخرصها المبطلون الضالون وإضافة الرب إلى ضمير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إضافة تشريف وفيها الإيماء بنصره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتلك الجنود التي هم جنود ربه عز وجل.
٦ جائز أن يكون الضمير (وما هي) عائد إلى عدة الملائكة التسعة عشر وجائز أن يكون عائداً إلى الآيات القرآنية أو إلى سقر أو إلى جنود ربك وهذا من الإعجاز القرآني وأن الكلمة الواحدة تدل على ما لا يدل عليه عشرات الكلمات.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان الحكمة من جعل عدد الزبانية تسعة عشر والإخبار عنهم بذلك.
٢- موافقة التوراة والإنجيل للقرآن من شأنها أن تزيد إيمان المؤمنين من الفريقين.
٣- في النار من الزبانية ما لا يعلم عددهم إلا الله تعالى خالقهم.
٤- جهنم نذير للبشر أي عذابها نذير للبشر لمن شاء أن يتقدم بالطاعة أو يتأخر بالمعصية.
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ
٢ القول بأنها سقر أقرب من جهنم لتقدم ذكر سقر بلفظها والأمر واسع.
شرح الكلمات:
كل نفس: أي مأمورة منهية.
رهينة: أي مرهونة مأخوذة بعملها في جهنم.
إلا أصحاب اليمين: أي المؤمنين فهم ناجون من النار وهم في جنات النعيم يتساءلون عن المجرمين.
ولم نك نطعم المسكين: أي بخلا بما أتاهم الله.
وكنا نخوض: أي في الباطل وفيما يكره الله تعالى مع الخائضين.
نكذب بيوم الدين: بيوم المجازاة والثواب ولا نصدق بثواب ولا عقاب.
حتى أتانا اليقين: أي الموت.
عن التذكرة معرضين: أي الموعظة منصرفين لا يسمعونها ولا يقبلون عليها.
حمر مستنفرة: أي كأنهم حمر وحشية مستنفرة.
فرت من قسورة: أي هربت من أسد أشد الهرب.
بل يريد كل أمرىء منهم: أي ليس هناك قصور في الأدلة والحجج التي قدمت لهم بل يريد كل واحد منهم.
أن يؤتى صحفا منشرة: أي يصبح وعند رأسه كتاب من الله رب العالمين إلى فلان آمن بنبينا محمد واتبعه.
إنه تذكرة: أي عظة وعبرة.
فمن شاء ذكره: أي قرأه واتعظ به.
هو أهل التقوى: أي هو أهل لأن يتقي لعظمة سلطانه وأليم عقابه.
وأهل المغفرة: أي وأهل لأن يغفر للتائبين من عباده والموحدين.
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ أي يوم القيامة ﴿رَهِينَةٌ﴾ بمعنى مرهونة محبوسة أي كل نفس مأمورة منهية بمعنى مكلفة بخلاف نفوس غير المكلفين من أطفال ومجانين وقوله ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ فإنهم قد فك رهنهم وهم في جنات النعيم يتساءلون فيما بينهم عن أصحاب الجحيم وكيف حالهم ثم يتصلون بهم وهم في جنات النعيم والمجرمون في سواء الجحيم، ويتم الاتصال برؤية الشخص وسماع كلامه وفي الصناعات الحديثة اليوم ما جعل هذا أمراً معقولا فيقولون لهم ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ أي أدخلكم في سقر فأجابوهم قائلين ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ فذكروا لهم أعظم الجرائم وهي ترك الصلاة ومنع الزكاة والتخوض مع أهل الباطل في كل شر وفساد والتكذيب بيوم القيامة وأنه لا حساب ولا جزاء أي لا ثواب ولا عقاب وأنهم مع هذه الجرائم الموجبة للسلوك في سقر لم يتوبوا منها حتى أتاهم اليقين الذي هو الموت فإن من مات دخل الدار الآخرة من عتبتها وهي القبر فلذا قالوا حتى أتانا اليقين أي الموت. وقد يقال ألم يكن هناك شفعاء من الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء يشفعون؟ والجواب هو في قوله تعالى ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ أي لم تكن لهم شفاعة لأنهم ملاحدة مجرمون. وقوله تعالى ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ أي فما لهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث والجزاء عن التذكرة التي يذكرون بها في آيات هذه السورة وغيرها معرضين إنه أمر عجيب أي شيء يجعلهم يعرضون عنها هاربين منها فارين ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ﴾ وحشية ﴿مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ أي فرت هاربة أشد الهرب من أسد من أسود الصحراء الطاغية إن فرارهم من هذه الدعوة وإعراضهم عنها ليس عن قصور في أدلتها وضعف في حجتها بل يريد كل واحد منهم أن يؤتى كتاباً من الله يأمره فيه بالإيمان واتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا هو العناد والمكابرة وصاحبهما غير مستعد للإيمان بحال من الأحوال. وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿حَتَّى١ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ﴾ هذا معنى قوله تعالى ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً﴾. وقوله تعالى ﴿كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ﴾ أي ليس الأمر كما يقولون ويدعون بل إن علة إعراضهم الحقيقية هي عدم خوفهم من عذاب الله يوم القيامة. وقوله تعالى ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ أي ألا إن هذا القرآن تذكرة فمن شاء ذكره أي قرأه فاتعظ به فآمن بالله
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- فكاك كل نفس مرهونة بكسبها هو الإيمان والتقوى.
٢- بيان أكبر الجرائم وهي ترك الصلاة ومنع الزكاة والخوض في الباطل وعدم التصديق بالحساب والجزاء.
٣- لا شفاعة يوم القيامة لمن مات وهو يشرك بالله شيئا.
٤- مرد الانحراف في الإنسان إلى ضعف إيمانه بالبعث والجزاء.
٥- الله جل جلاله هو ذو الأهلية الحقة لأمرين عظيمين التقوى فلا يتقى على الحقيقة إلا هو والمغفرة فلا يغفر الذنوب إلا هو اللهم اغفر ذنوبنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
٢ تعريف جزيء الجملة مفيد للقصر أي الله وحده المتأهل للتقوى والمغفرة لا سواه.
٣ الحديث رواه الترمذي وقال فيه حسن غريب ونصه: قال الله تعالى "أنا أهل أن أتقى فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له".
مكية وآياتها أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤) بَلْ