تفسير سورة ص

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة ص من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

الذكر : الشرف.
ص : من الحروف التي بدئت بها بعض السور، وتقدّم الكلام عليها أكثر من مرة، وهناك رواية عن ابن عباس أنها قسَم : أقسم الله تعالى بالقرآن الكريم ذي الشرف والشأن العظيم، إنه لحقُّ لا ريب فيه، وإنك يا محمد لصادق فيما تقول.
في عزة وشقاق : في استكبار ومخالفة للرسول.
وإن الكافرين لم يعرِضوا عن هذا القرآن لخلل وجدوه فيه، بل هم في استكبار عن اتباع الحق ومعاندة لأهله.
فنادوا : فاستغاثوا.
ولاتَ حين مناص : ليس الوقت وقتَ مفر وهروب.
وكم أهلكنا من قبلهم من جيل، فلما رأوا العذابَ نادوا ربهم مستغيثين، ولكن الوقت ليس وقت خلاص من العذاب.
وقد عجب الجاحدون أن جاءهم رسول بشر منهم، وقالوا : هذا ساحر كذاب.
عُجاب : أمر مفرط في العجب.
كيف جعل الآلهة كلها إلها واحدا ! إن هذا لأمر عجيب.
الملأ : أشراف القوم.
وانطلق أشراف القوم منهم قائلين : سيروا على طريقتكم واثبتوا على عبادة آلهتكم، إن هذا إلاَّ أمرٌ عظيم يراد بكم.
الملّة الآخرة : دين آبائنا الذين أدركناهم.
اختلاق : كذب.
ما سمعنا بهذا التوحيد في دين آبائنا الذين أدركنا، وما هذا إلا كذب لا حقيقة له.
أأُنزل القرآن على محمد من بيننا، وفينا من هو أعظمُ منه في السيادة ! بل هم في شك من القرآن لميلهم إلى الشرك والتقليد الأعمى، كما أنهم لم يذوقوا عذابي بعد. وسيذوقونه.
وهل عندهم خزائن رحمة الله يتصرفون فيها فيصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن أرادوا ؟، ﴿ الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ].
فليرتقوا : فليصعدوا.
الأسباب : الطرق والوسائل التي يتوصل بها إلى الغاية.
أم لهم مُلك هذا الوجود ؟ إن كان لهم ذلك فلْيصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى مرتقىً يشرفون منه على العالم ويدبّرونه.... لا تكترث أيها الرسول، بما يقولون.
جندٌ ما هنالك : جند كثير.
مهزوم : مغلوب.
الأحزاب : المجتمعين لإيذاء النبي عليه الصلاة والسلام.
فهنالك جند كثيرون من الأحزاب مهزومون ومغلوبون. وقد هُزموا بإذن الله.
يبين الله تعالى في هذه الآيات أنباء أقوام الأنبياء الماضين كيف كذّبوا رُسُلَهم فحاق بهم ما كانوا به يكذّبون.
كذّبت قبلهم قومُ نوح، وعاد، وقوم فرعون صاحبِ الملك الكبير والأبنية العظيمة الراسخة كالجبال.
أصحاب الأيكة : قوم شُعيب.
الأيكة : الشجرة الملتّفة.
وقوم عاد وقوم لوط وأصحاب الأيكة ( وهم قوم شعيب ) ﴿ أولئك الأحزاب ﴾.
كلهم حقّ عليهم العذاب وأهلكهم الله بفجورهم.
الفَواق : الوقت اليسير، الراحة والتمهل.
ثم بيّن بعد ذلك عقاب قريش، فقال :﴿ وَمَا يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ﴾ : ما ينتظر كفار مكة الا صيحةً واحدة لا تحتاج إلى تكرار في وقت قصير جدا.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :﴿ فُواق ﴾ بضم الفاء، والباقون :﴿ فَواق ﴾ بالفتح، وهما لغتان.
عجّل لنا : عجل لنا نصيبنا من العذاب.
قِطّنا : نصيبنا وحظنا.
وقالوا استهزاء وسخرية : ربّنا عجّل لنا نصيبنا من العذاب الذي توعدتنا به، ولا تؤخره إلى يوم القيامة.
ذا الأيد : ذا القوة.
أواب : تواب.
اصبر يا محمد، على ما يقولون : واذكر كيف صبر عبدُنا داود ذو القوة، إنه توّاب.
الإشراق : الصباح.
لقد سخّرنا الجبالَ معه يسبّحن بالعشي والإصباح.
محشورة : مجموعة ومحبوسة.
وسخّرنا الطير مجموعة له :﴿ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ﴾.
شددنا ملكه : قويناه.
الحكمة : إصابة الصواب في القول والعمل.
فصْل الخطاب : الكلام الفاصل بين الحق والباطل.
وقوّينا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب بالفصل في الخصومات على أساس العدل.
بهذه الأوصاف الكاملة نعت القرآن الكريم داود، أما التوراة فقد وصفته بأقبح النعوت كالظلم والفسق والغدر واغتصاب النساء من أزواجهن ! ! وجاء في قاموس الكتاب المقدس صفحة ٣٦٥ طبعة ١٥ ما نصه : ارتكب داود في بعض الأحيان خطايا يندى لها الجبين خجلا.
الخصم : المخاصم، يطلق على المفرد المثنى والجمع، ويُجمع على خصوم.
تسوّروا : تسلقوا السور.
المحراب : مكان العبادة، والغرفة، وأكرم مكان في المنزل، ومقام الإمام في المسجد. ففزع : خاف.
لا يزال الحديث في قصة داود. هل أتاك يا محمد، خبر الخصمين اللذين تسلّقا السور ودخلا عليه في مكان عبادته، لا من الباب.
بغى بعضنا على بعض : جار وظلم.
ولا تشطط : ولا تبعد عن الحق، ولا تتجبّر في الحكم.
سواء الصراط : طريق الحق.
وعندما دخلوا عليه بهذه الطريقة الغريبة خاف منهم واضطرب، قالوا : لا تخف، نحن خصمان ظلم بعضُنا بعضا، وجئناك لتحكم بيننا بالعدل، لا تجُرْ في حُكمك وأرشِدنا إلى الحق.
النعجة : أنثى الضأن.
أكفلنيها : أعطني إياها، واجعلني كافلها.
وعزّني في الخطاب : وغلبني في الكلام.
إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فقال أعطِني إياها لتكون في كفالتي وغلبني بكلامه وحججه.
الخلطاء : الشركاء.
فتنّاه : ابتليناه.
خر : سقط على وجهه.
راكعا : ساجداً لربه.
وأناب : رجع إلى ربه.
قال داود قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر : لقد ظلمك يا هذا، حين طلب ضمَّ نعجتك إلى نعاجه، إن كثيراً من الشركاء والمتخالطين ليجور بعضهم على بعض، ﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ ولكنهم قلة نادرة.
﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ : وعرف داود أن الأمر ما هو إلا امتحان من الله، فطلب المغفرة، وخرّ ساجدا لله، وأناب إليه بالتوبة.
وهنا عند قوله فخرّ راكعاً وأناب موضع سجدة.
نقل كثير من المفسرين ما جاء في التوراة، من أن داود كان يحب امرأة أُوريا الحثّين وأنه أرسله إلى الحرب حتى قُتل ثم تزوجها، ولم يثبت عندنا في الأثرِ شيء من هذا، ولذلك يجب أن نكون على حذر من هذه الأمور، فإن التوراة قد حُرِّفت من الدفة إلى الدقة كما يقول « لوثر » وغيره، وكما نص القرآن الكريم.
زلفى : قربى.
مآب : مرجع.
فغفرنا له تعجُّلة في الحكم، وإن له عندنا مكانةً عالية وحُسنَ مآب.
يا داود إنا استخلفناك في الأرض، فاحكم بين الناس بما شرعتُ لك، ﴿ وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى ﴾ في الحكم وغيره من أمور الدين والدنيا، فيحيد بك عن سبيل الله. إن الذين يَضلّون ويحيدون عن سبيل الله باتباع أهوائهم لهم عذاب شديد.
باطلا : عبثا.
ويل : هلاك.
أيليق بحكمتنا وعدلنا أن نسوّي بين المؤمنين الصالحين، وبين المفسدين في الأرض ؟ أم يليق أن نسوي بين المتقين وبين الفجار المتمردين على أحكامنا ! ؟
مبارك : كثير الخيرات.
ليدّبّروا : ليتفكروا.
وليتذكر : وليتعظ.
أولو الألباب : أصحاب العقول المدركة.
إن هذا الذي أنزلناه إليك كتابٌ مبارك كثير الخيرات، ليتدبروا آياته ويفهموها، وليتعظ به أصحاب العقول السليمة، والبصائر المدركة.
ورزقنا داودَ ابنه سليمان، وكان عبداً مطيعاً لربه يستحق كل ثناء ومدح.
الصافنات : جمع صافنة من الخيل الأصايل، وغالباً ما يقف على ثلاث قوائم، ويرفع إحدى يديه.
الجياد : جمع جواد، وهو السريع العدو، كما أن الجواد من الناس هو السريع البذل والعطاء.
ومن أخباره أنه عُرضت إليه الخيل الأصيلة بالعشيّ لينظر إليها، ويُسرّ برؤيتها.
حب الخير : حب الخيل.
توارت : غابت عن الأنظار.
فأطال الوقوف عندها ( الخيل ) حتى أضاع وقت الصلاة، فلام نفسه :﴿ فَقَالَ إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي ﴾، والخير هنا هو الخيل، وهي من أجود المال عند العرب، و ﴿ عَن ذِكْرِ رَبِّي ﴾ عن الصلاة، حتى توارت الشمس بالحجاب.
طفق : شرع.
مسحاً بالسُّوق والأعناق : جعل يمسح أعناقها وسوقها ترفقاً بها وحباً لها.
ثم أمر بردّها إليه فأخذ يمسح أعناقها وسوقها ترفقاً بها وحباً لها. وقال بعض المفسرين أنه أخذ يضرب سوقها وأعناقها بالسيف. ومن الصعب ترجيح رواية على الأخرى، ولكن ابن حزم لم يقبل رواية قتل الخيل. وكذلك الرازي والطبري، بل رأوا أنه أخذ يمسح أعناقها وسوقها ترفقاً بها وحبا لها.
فتناه : ابتليناه.
لقد امتحنّا سليمان فابتليناه بمرضٍ شديد فألقيناه جسدا على كرسيه لا يستطيع تدبير الأمور فتنبّه إلى هذا الامتحان، فرجع إلى الله تعالى، وتاب ثم أناب.
وهنا عند قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً ﴾ تكلم المفسرون كلاما كثيرا وكله من الإسرائيليات لا صحة له، فأعرضنا عنه.
ودعا ربه بقوله :﴿ رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي ﴾ إنك أنت الكثير العطاء.
رخاء : لينة.
حيث أصاب : حيث قصد وأراد.
ثم أخبر اللهُ بأنه أجاب دعاءه ووفقه لما أراد وعدّد نعمه عليه، فقال :﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ ﴾ : فذللّنا له الريح تجري حسب مشيئته، رطبة هينة. إلى أي جهة قصد. وتقدم في سورة سبأ :﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ وفي سورة الأنبياء :﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ.. ﴾ [ الأنبياء : ٨١ ].
وذلّّلنا له كل بناء في الأرض، وغوّاص في أعماق البحار من الشياطين الأقوياء.
مقرّنين بالأصفاد : مربوطين بالسلاسل والأغلال.
حتى أنه قَرَنَ قسماً من الشياطين المتمردين في السلاسل والقيود، ليكفّ شرهم عن الناس.
فامنن : أعطِ.
وامسك : امنع.
وأوحى الله تعالى إليه بأن يتصرف في ملكه الواسع كما يشاء دون رقيب ولا حسيب، فقال :﴿ هذا عَطَآؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ : هذا عطاؤنا الخاص بك، فأعطِ من شئت وامنع من شئت، غير محاسَب على شيء من ذلك.
ثم بين أن له في الآخرة عند ربه مقاماً كريما في جنات النعيم بقوله :﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ ومرجعٍ إلينا.
تقدم ذكر أيوب باختصار في سورة النساء والأنعام، وفي سورة الأنبياء بآيتين، وهنا في سورة ص في أربع آيات. وقد مر ذكره بالتفصيل في سورة الأنبياء عند قوله تعالى :﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين ﴾ ٨٣.
قراءات :
قرأ يعقوب :﴿ بنَصَب ﴾ بفتح النون والصاد، والباقون :﴿ بنصب ﴾ بضم النون وإسكان الصاد.
اضرب برجليك الأرض، فَثَمَّتَ ماء بارد تغتسل منه وتشرب، فيزول ما بك من بلاء وعذاب.
ت ٤١
والآية الثانية :﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ : كان أيوب قد حلفَ أن يضرب أحداً من أهله، يقال إنها امرأته، عدداً من العصّي، حلل الله يمينه بأن يأخذ حزمة فيها العدد الذي حلف أن يضرب به، فيضرب بالحزمة مَنْ حَلَفَ على ضربه، فيبر بيمينه بأقل ألم. وقد منّ الله عليه بذلك، لأنَّ الله وجده صابراً على بلائه، فاستحق بذلك الثناء، ﴿ نِعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ منيبٌ إلى الله.
وكذلك اذكر يا محمد عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أصحاب القوة في طاعة الله، والبصائر المنيرة.
قراءات :
قرأ ابن كثير :﴿ واذكر عبدنا إبراهيم... ﴾ بالإفراد، والباقون :﴿ واذكر عبادنا ﴾ بالجمع.
إنا خصصناهم فجعلناهم خالصين لطاعتنا، يعملون للآخرة ويؤثرونها على كل شيء.
قراءات :
قرأ نافع :﴿ بخالصةٍ ذكرى الدار ﴾ بالإضافة، والباقون :﴿ بخالصةٍ ذكرى الدار ﴾ بالتنوين.
إنهم عندنا لمن المختارين الأخيار.
وكذلك إسماعيل واليسع وذو الكفل وكلهم من الأخيار. وقد ذكر اليسع في سورة الأنعام ومر ذِكر ذي الكفل في سورة الأنبياء أيضا.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :﴿ والليسع ﴾ بلامين، والباقون :﴿ واليسع ﴾ بلام واحدة.
مآب : مرجع.
هذا الذي قصصّنا عليك أيها النبي، نبأَ بعض المرسَلين، تذكير لك ولقومك، وإن الله أعطى المتقين حسن المرجع إليه.
جنات عدْن : جنات الإقامة والاستقرار. حيث أعدّ لهم جناتِ عدْنٍ أبوابُها مفتحة إكراما لهم.
يجلسون فيها متكئين على الأرائك مسرورين، يتمتعون فيها بأطيب أنواع الفواكه، وخير الشراب.
قاصرات الطرف : عفيفات.
أتراب : متساويات في الأعمار.
وعندهم أزواجهم من الحور العِين القاصراتِ الطرف العفيفات، متساويات في العمرُ، على خير ما يرام من الوفاق والسعادة والسرور.
﴿ هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب ﴾ أيها المؤمنون المخلصون.
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو :﴿ هذا ما يوعدون ﴾ بالياء، والباقون بالتاء.
وهو بعض عطائنا الذي لا ينفد ولا ينتهي.
بعد أن وصف ثواب المتقين وما أعدّ لهم، أردفه بوصف عقاب الطاغين، فقال : إن هذا النعيم لهو جزاء المتقين، وإن للطاغين المتمردين لشر عاقبة، وسوء منقلب.
فبئس المهاد : فَسَاء الفراش.
الحميم : شدة الحرارة.
غسّاق : ما يسيل من صديد أهل النار.
هذا حميم بالغ الحرارة وصديدٌ من نار جهنم، فليذوقوه.
من شكله : من مثله.
أزواج : ألون.
ولهم عذاب آخر في أشكال متعددة وأنواع متشابهة في شدتها وقسوتها.
فوج : جمع كثير.
لا مرحبا بهم : غير مرغوب فيهم، ولذلك لا يرحب بهم.
ويقال للطاغين وهم رؤساء المشركين : هذا جمعٌ كثير داخلون النار معكم يقتحمونها فوجا إثر فوج، وهم أتباعكم، فيقول هؤلاء الرؤساء :﴿ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النار ﴾ وداخلون فيها غير مرحَّب بهم.
ثم يرد عليهم الداخلون من الأتباع ويقولون لهم :﴿ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ ﴾ لأنكم الذين قدّمتم لنا هذا العذاب بإغرائكم لنا ودعوتنا إلى الكفر، ﴿ فَبِئْسَ القرار ﴾ لكم في جهنم.
ثم يزيد الأتباع بدعائهم على رؤساء الضلال قائلين : يا ربنا، من تسبّب لنا في هذا العذاب فزدْه عذابا مضاعفا في النار. وفي سورة الأعراف ٣٨ :﴿ رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ ﴾ وكذلك قوله تعالى :﴿ وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْناً كَبِيراً ﴾ [ الاحزاب : ٦٧، ٦٨ ].
ثم يتساءل أهل الكفر في النار عن الذين آمنوا من الضعفاء وفقراء المسلمين فيقولون : ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم في الدنيا من الأشرار الذي لا خير فيهم.
زاغت عنهم : مالت عنهم.
وقد كنّا نسخَر منهم في الدنيا ونهزأ بهم فأين هم ؟ أم أن أعيننا زاغت عنهم فلا نراهم !
يبين الله تعالى أن هذا التساؤل وهذا الكلام والتخاصم مع بعضهم البعض حقٌّ يوم القيامة لا مرية فيه فيقول :﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار ﴾.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو :﴿ اتخذناهم ﴾ على الإخبار وقرأ الباقون :﴿ أتخذناهم ﴾ بفتح الهمزة على الاستفهام. وقرأ نافع وحمزة والكسائي :﴿ سُخريا ﴾ بضم السين، والباقون بكسرها، وهما لغتان.
قل يا محمد للمشركين : ما أنا إلا نذير مرسَل من قِبل رب الإله الواحد القهار.
مالكِ هذا الكون بما فيه، وهو مع ذلك كله عزيز لا يُغلب، غفار يتجاوز عن الذنوب، ويقبل التوبة.. إذا سبقتْ رحمته غضبه.
وقل لهم : إن ما أقوله لكم من الوحي أمر عظيم، أكبر مما تظنون وما تفكرون. أنتم تعلمون حالي، كنت لا أعلم شيئا قبل أن يأتيني الوحي.
الملأ الأعلى : الملائكة.
وما كان لي أي علم باختلاف الملأ الأعلى في قضية آدم، فأنا لم أجلس إلى معلّم، ولا دخلت مدرسة، وطريق علمي هو الوحي من عند رب العالمين.
وما يوحى إلي إلا أن أنذركم وأبلّغكم رسالة ربي بأوضح تعبير.
تأتي قصة آدم وقد تقدمت في سورة البقرة والأعراف والحِجر والإسراء والكهف، وفي كل مرة تأتي بأسلوب جديد.
فقعوا له : اسجدوا له.
ومعنى ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ : جعلتُ في هذا الطين سر الحياة.
وقد طلب الله من الملائكة أن يسجدوا لآدم سجود تعظيم فأطاعوا.
إلا إبليس استكبر.
خلقتُ بيدي : بقدرتي من غير أبٍ ولا أُم.
العالين : المتكبرين.
وحسد آدم وقال إنه خير منه.
فاخرجْ منها : من الجنة.
فطرده الله من رحمته.
فأنظِرني : فأمهلني.
إلى يوم يبعثون : إلى يوم القيامة.
وطلب إبليس أن يُنظره الله إلى يوم القيامة.
المُمْهَلين.
إلى ذلك اليوم المعيَّن.
فحلف إبليس بعزة الله الخالق إنه لَيُغوينَّ بني آدم.
المخلَصين : بفتح اللام : الذين استخلصتُهم للعبادة.
إلا الذين آمنوا بإخلاص وصِدق، فإنه لا سلطان له عليهم.
وهنا يقول تعالى :﴿ قَالَ فالحق والحق أَقُولُ ﴾، الحق يميني وقسَمي، ولا أقول إلا الحق.
لملأن جهنم من جنسك وأتباعك من الشياطين، وممن تبعك من بني آدم.
ثم تختم السورة بهذه الآيات الكريمة، قل يا محمد لأمتك : ما أسألكم على تبليغ ما يوحى إلي أجرا وما أنا من الذين يتصنعون ويتكلفون حتى أدّعي النبوة.
وما هذا القرآن إلا تذكير وعظة للعالمين جميعا.
ولتعلمُنَّ أيها المكذّبون به، صِدق ما اشتمل عليه من الخير للبشرية جمعاء بعد حين. صدق الله العظيم.
Icon