تفسير سورة النساء

تفسير الشافعي
تفسير سورة سورة النساء من كتاب تفسير الشافعي .
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

١٠٩- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَلنِّسَاء مَثْنى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ فانتهى عدد ما رخص فيه للمسلمين إلى أربع، لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع، إلا ما خص الله به رسوله صلى الله عليه وسلم دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن، ومن النكاح بغير مهر فقال عز وعلا :﴿ خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ اِلْمُومِنِينَ ﴾١.
قال الشافعي : أخبرنا الثقة أحسبه إسماعيل بن إبراهيم٢ ـ شك الشافعي ـ عن معمر٣، عن الزهري، عن سالم عن أبيه : أن غيلان بن سلمة الثقفي٤ أسلم وعنده عشر نسوة، فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم :« أمسك أربعا وفارق سائرهن »٥.
قال الشافعي : أخبرنا بعض أصحابنا، عن أبي الزناد، عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمان بن عوف٦، عن عوف بن الحارث٧، عن نوفل بن معاوية الديلي٨ قال : أسلمت وتحتي خمس نسوة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال :« فارق واحدة وأمسك أربعا ». فعمدت إلى أقدمهن عندي عجوزا عاقرا منذ ستين سنة ففارقتها٩.
قال الشافعي : أخبرني بن أبي يحيى١٠، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبي وهب الجيشاني١١، عن أبي خراش١٢، عن الديلمي١٣ أو ابن الديلمي قال : أسلمت وتحتي أختان، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم : فأمرني أن أمسك أيتهما شئت، وأفارق الأخرى١٤.
قال الشافعي : فبهذا نقول : إذا أسلم المشرك وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك منهن أربعا، أيتهن شاء، وفارق سائرهن، لأنه لا يحل له غير ذلك، لقول الله عز وجل، وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يجمع بين أكثر من أربع نسوة في الإسلام. ( الأم : ٥/١٦٣-١٦٤. ون الأم : ٥/٤٩. والسنن الكبرى : ٧/١٤٩. )
ــــــــــــ
١١٠- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَلنِّسَاء مَثْنى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ إلى قوله :﴿ أَلا تَعْدِلُوا ﴾١٥.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فكان بينا في الآية ـ والله تعالى أعلم ـ أن المخاطبين بها الأحرار لقوله تعالى :﴿ فَوَاحِدَةًً اَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ﴾١٦ لأنه لا يملك إلا الأحرار. وقوله :﴿ ذَلِكَ أَدْنى أَلا تَعُولُواْ ﴾١٧ فإنما يعول من له المال ولا مال للعبيد.
قال الشافعي : أخبرنا بن عيينة قال : أخبرني محمد بن عبد الرحمان١٨ مولى طلحة ـ وكان ثقة ـ عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عتبة١٩ : أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : ينكح العبد امرأتين٢٠.
قال الشافعي : وهذا قول الأكثر٢١ من المفتين بالبلدان، ولا يزيد العبد على امرأتين. وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية : من عبد قد عُتق بعضه، ومكاتب، ومدبر، ومعتق إلى أجل. ( الأم : ٥/٤١. ون الأم : ٥/١٤٥. وأحكام الشافعي : ١/١٧٩-١٨٠. ومختصر المزني ص : ١٦٧. )
ــــــــــــ
١١١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تعالى :﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَلنِّسَاء ﴾ إلى ﴿ تَعُولُوا ﴾٢٢ وقول الله :﴿ ذَلِكَ أَدْنى أَلا تَعُولُوا ﴾ يدل ـ والله أعلم ـ أن على الرجل نفقة امرأته. وقوله :﴿ أَلا تَعُولُوا ﴾ أن لا يكثر من تعولون إذا اقتصر المرء على واحدة، وإن أباح له أكثر منها٢٣. وقال الله عز وجل :﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾٢٤. أخبرنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أن هند بنت عتبة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس لي منه إلا ما يدخل علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف »٢٥. ( الأم : ٥/١٠٦. ون الأم : ٥/٨٧. وأحكام الشافعي : ١/٢٦٠. ومختصر المزني ص : ٢٣٠. ومعرفة السنن والآثار : ٦/٩٩. )
١ - الأحزاب: ٥٠..
٢ - إسماعيل بن إبراهيم ابن علية. الإمام أبو بشر. عن: أيوب، وابن جدعان، وعطاء بن السائب. وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، وأمم. ت سنة: ١٩٣هـ. إمام حجة. الكاشف: ١/٧٣. ون التهذيب: ١/٢٩٠. وقال في التقريب ثقة حافظ..
٣ - معمر بن راشد، أبو عروة الأزدي مولاهم عالم اليمن. عن: الزهري، وهمام. وعنه: غندر، وابن المبارك، وعبد الرزاق. قال معمر: طلبت العلم سنة. مات الحسن ولي أربع عشرة سنة. وقال أحمد: لا تضم معمرا إلى أحد إلا وجدته يتقدمه. كان من أطلب أهل زمانه للعلم. وقال عبد الرزاق: سمعت منه عشرة آلاف. ت في رمضان سنة: ١٥٣. الكاشف: ٢/١٤٦. ون التهذيب: ٨/٢٨٢. وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل..
٤ - غيلان بن سلمة بن معتب بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف. وكان غيلان بن سلمة شاعرا. وفد على كسرى فسأله أن يبني له حصنا بالطائف فبنى له حصنا بالطائف. ثم جاء الإسلام فأسلم غيلان وله عشر نسوة. الطبقات الكبرى: ٥/٥٠٥. ون الإصابة: ٥/٣٣٧..
٥ - أخرجه الترمذي في النكاح (٩) باب: ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة (٣٢) (ر١١٢٨) قال أبو عيسى: والعمل على حديث غيلان بن سلمة عند أصحابنا منهم: الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
ورواه ابن ماجة في النكاح (٩) باب: الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة (٤٠) (ر١٩٥٣).
ورواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: جامع الطلاق (٢٩) (ر٧٦) عن ابن شهاب منقطعا.
ورواه أحمد في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. قال شاكر: إسناده صحيح (وذلك بعد مناقشة مستفيضة لما قاله أهل الحديث فيه).
ورواه البيهقي في النكاح باب: من يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة ٧/١٨١.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٥٥)..

٦ - عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف. عن: ابن المسيب، وأبي صالح. وعنه: مالك، والدراوردي. ثقة. الكاشف: ٢/٢٠٠. ون التهذيب: ٥/٢٨٣. وقال في التقريب: ثقة..
٧ - عوف بن الحارث الأزدي. عن: عمته عائشة، وعدة. وعنه: هشام بن عروة، ومحصن بن علي، وجماعة. وثق. الكاشف: ٢/٣٤٣. ون التهذيب: ٦/٢٨٠. وقال في التقريب: مقبول. وتعقبه صاحب التحرير ٣/١٢٥ فقال: بل صدوق حسن الحديث. فقد روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في «الثقات»، ولا يعلم فيه جرح، بل أخرج له البخاري في «الصحيح»..
٨ - نوفل بن معاوية الديلي. له صحبة. عنه: عراك بن مالك، وأبو بكر بن عبد الرحمن، تأخر موته. الكاشف: ٣/١٩٩. ون الإصابة: ٦/٤٨١. والتهذيب: ٨/٥٦٤. وقال في التقريب: صحابي..
٩ - رواه البيهقي في النكاح باب: من يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة ٧/١٨٤.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٥٦)..

١٠ - محمد بن أبي يحيى سمعان الأسلمي. عن: عكرمة، وسالم. وعنه: ابنه إبراهيم، وابن وهب، ويحيى القطان. ثقة. ت سنة: ١٤٦. الكاشف: ٣/٨٩. ون التهذيب: ٧/٤٩٠. وقال في التقريب: صدوق. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٣٣٣ فقال: بل ثقة، وثقه أبو داود، وابن سعد، والعجلي، وابن معين، ويعقوب بن سفيان، والخليلي، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال أبو حاتم: تكلم فيه يحيى القطان. قلنا: وكلام يحيى القطان لا يؤثر في توثيقه فإنه متشدد، على أن الترمذي نقل عن ابن المديني أن يحيى القطان قال فيه: لم يكن به بأس..
١١ - أبو وهب ديلم، وقيل: عبيد. عن: الضحاك الديلمي، وعبد الله بن عمرو. وعنه: الليث، وابن لهيعة. قال البخاري: ديلم بن الهوشع، أو وهب الجيشاني في إسناده نظر. الكاشف: ٣/٣٦٢. ون التهذيب: ١٠/٣٠٦. وقال في التقريب: مقبول..
١٢ - أبو خراش الرعيني. عن: فيروز. وعنه: أبو وهب الجيشاني. الكاشف: ٣/٣١٣. ون التهذيب: ١٠/٩٣. وقال في التقريب: مجهول..
١٣ - فيروز الديلمي صحابي. عنه: بنوه الضحاك وعبد الله وسعيد. وآخرون. قيل: بقي إلى خلافة معاوية. الكاشف: ٢/٣٧٣. ون الإصابة: ٥/٣٧٩. والتهذيب: ٦/٤٣٣. وقال في التقريب: صحابي..
١٤ - رواه أبو داود في الطلاق (٧) باب: فيمن أسلم وعنده نساء (٢٥) (ر٢٢٤٣) عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله! إني أسلمت وتحتي أختان، قال: « طلق أيتهما شئت».
ورواه الترمذي في النكاح (٨) باب: ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان (٣٣) (ر١١٢٩-١١٣٠) وقال: هذا حديث حسن.
ورواه ابن ماجة في النكاح (٩) باب: الرجل يسلم وعنده أختان (٣٩) (ر١٩٥٠-١٩٥١).
ورواه أحمد في المسند من حديث فيروز الديلمي رضي الله عنه. قال شاكر: إسناده حسن.
ورواه البيهقي في النكاح باب: من يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة ٧/١٨٤.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٥٧)..

١٥ - النساء: ٣..
١٦ - النساء: ٣..
١٧ - النساء: ٣..
١٨ - محمد بن عبد الرحمن بن عبيد التيمي. عن: السائب بن يزيد، وكريب. وعنه: شعبة، وسعد بن الصلت. قال ابن عيينة: كان أعلم من عندنا بالعربية. الكاشف: ٣/٥١. ون التهذيب: ٧/٢٨٢. وقال في التقريب: ثقة..
١٩ - عبد الله بن عتية بن مسعود الهذلي. من أبناء المهاجرين. له رؤية. سمع عمه وعمر. وعنه: ابناه الفقيه عبيد الله والزاهد عون، وابن سيرين. قال ابن سعد: ثقة رفيع كثير الفتيا والحديث. ت بالكوفة سنة: ٧٤. الكاشف: ٢/١٠٣ ون الإصابة: ٤/١٦٦. والتهذيب: ٤/٣٨٩. وقال في التقريب: وثقه العجلي وجماعة..
٢٠ - روى البيهقي في النكاح باب: نكاح العبد وطلاقه ٧/١٥٨ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين وإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهر ونصف. وروى في نفس الباب عن الحكم قال: أجمع أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين..
٢١ - أخرج مالك في النكاح (٢٨) باب: نكاح العبيد (١٩)(ر٤٣) أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: ينكح العبد أربع نسوة. قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك..
٢٢ - النساء: ٣..
٢٣ - هذا التفسير انفرد به الشافعي، وكثير من المفسرين أنكروا عليه ذلك. واتفقوا على أن قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنى أَلا تَعُولُواْ﴾. أي لا تجوروا ولا تميلوا. يقال: عال الرجل إذا جار ومال. وعال عياله: إذا أنفق عليهم. وأعال: إذا كثر عياله. ن تفسير ابن جرير ٣/٥٨١.
وقد انتصر الزمخشري والرازي لقول الشافعي معللين ذلك بقولهم: أنه إذا كثر عيال الرجل، فإنه يلزمه أن يعولهم، وينفق عليهم، وإذا احتاج إلى الإنفاق عليهم فإنه يقع في الجور والظلم، لأن كسب النفقة شديد وشاق. فلما كانت كثرة العيال سببا للميل والجور، عبر الشافعي رضي الله عنه عن الميل والجور بكثرة العيال تعبيرا عن المسبب بذكر السبب، على سبيل الكناية. والمفسرون يفسرون كثيرا من الألفاظ على المعنى، لا على الأصل. ن مناقب الإمام الشافعي ص: ٢٣٤-٢٣٥..

٢٤ - البقرة: ٢٣٣..
٢٥ - سبق تخريجه. ن البقرة: ٢٣٣، النص: ٧٢..
١١٢- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَءَاتُوا اَلنِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ وقال عز وجل :﴿ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾١ وقال :﴿ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اَسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾٢ وقال :﴿ وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ ﴾٣ وقال :﴿ وَإِنَ اَرَدتُّمُ اَسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمُ ﴾٤ الآية، وقال :﴿ اِلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى اَلنِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اَللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنَ اَمْوَالِهِمْ ﴾٥ وقال :﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ اِلذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اَللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾٦. فأمر الله الأزواج أن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن، والأجر هو الصداق، والصداق هو الأجر والمهر. وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء.
فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بالصداق من فرضه دون من لم يفرضه، دخل أو لم يدخل لأنه حق ألزمه نفسه، ولا يكون له حبسٌ لشيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله له وهو : أن يطلق قبل الدخول. قال الله عز وجل :﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمُ إِلا أَنْ يَّعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا اَلذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكَاحِ ﴾٧.
ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل. ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم إلا بأن يُلزمه المرء نفسه، أو يدخل بالمرأة وإن لم يسم لها مهرا.
فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاها أن يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب الله، أو سنة، أو إجماع، فاستدللنا بقول الله عز وجل :﴿ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمُ إِن طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ ﴾٨ على أن عقدة النكاح تصح بغير فريضة صداق. وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من تصح عقدة نكاحه، وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر، فيثبت بهذا دليل على أن الخلاف بين النكاح والبيوع، البيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم، والنكاح ينعقد بغير مهر، وإذا جاز أن ينعقد بغير مهر فيثبت استدللنا على أن العقدة تصح بالكلام، وأن الصداق لا يفسد عقدة النكاح أبدا.
وإذا كان هكذا، فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام ثبتت العقدة بالكلام، وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت، على أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل ؛ وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية. ( الأم : ٥/١٥٩. ون الأم : ٥/٥٧-٦٠. و أحكام الشافعي : ١/١٩٦-٢٠٠. )
ــــــــــــ
١١٣- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَءَاتُوا اَلنِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾٩ الآية. قال الشافعي : فكان في هذه الآية إباحة أكله إذا طابت نفسها، ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله. قال : وقد قال الله عز وجل :﴿ وَإِنْ اَرَدتُّمُ اَسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ﴾ إلى ﴿ مُّبِينًا ﴾١٠. قال وهذه الآية في معنى الآية التي كتبنا قبلها. وإذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته ولم ترد هي فرقته لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا بأن يستكرهها عليه، ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه، فإن كان فعل وأقر بذلك ؛ أو قامت عليه بينة رد ما أخذ منها عليها، وإن كان طلقها عليه لزمه ما سمى من عدد الطلاق، وكان يملك فيه الرجعة إن لم يأت على جميع طلاقها.
قال : ويشبه ـ والله تعالى أعلم ـ أن لا يكون له إذا أزمع على فراقها أن يأتهب من مالها شيئا ثم يطلقها. وذلك أن إعطاءها يكون على استطابة نفسه بحبسها لا على فراقها. ويشبه معاني الخديعة لها.
قال : ولا يبين لي رد ذلك عليها لو وهبته بلا ضرورة، ثم طلقها، لأن ظاهره أنها طابت به نفسا.
قال : ولو علمته يريد الاستبدال بها ولم يمنعها حقها، فنشزت ومنعته بعض الحق، وأعطته مالا، جاز له أخذه، وصارت في معنى من يخاف أن لا يقيم حدود الله، وخرجت من أن يكون يراد فراقها، فيفارق بلا سبب منها، ولا منع لحق في حال متقدمة لأرادته ولا متأخرة. ( الأم : ٥/١٩٥-١٩٦. ون أحكام الشافعي : ١/٢١٦-٢١٧. )
١ - النساء: ٢٥..
٢ - النساء: ٢٤..
٣ - النساء: ١٩..
٤ - النساء: ٢٠. وتمامها: ﴿وَءَاتَيْتُمُو إِحْدياهُنَّ قِنطَارا فَلا تَاخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا اَتَاخُذُونَهُو بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينُا﴾..
٥ - النساء: ٣٤..
٦ - النور: ٣٣..
٧ - البقرة: ٢٣٧..
٨ - البقرة: ٢٣٦..
٩ - النساء: ٤..
١٠ - النساء: ٢٠..
١١٤- قال الشافعي رحمه الله : الحال التي يبلغ فيها الرجل والمرأة رشدهما حتى يكونا يليان أموالهما، قال الله عز وجل :﴿ وَابْتَلُوا اَلْيَتَامى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا اَلنِّكَاحَ فَإِنَ ـانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمُ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَاكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا اَنْ يَّكْبَرُواْ ﴾ قال الشافعي : فدلت هذه الآية على أن الحجر ثابت على اليتامى حتى يجمعوا خصلتين : البلوغ والرشد.
فالبلوغ استكمال خمسة عشر سنة الذكر والأنثى في ذلك سواء، إلا أن يحتلم الرجل، أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة فيكون ذلك البلوغ، ودل قول الله عز وجل :﴿ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمُ أَمْوَالَهُمْ ﴾ على أنهم إذا جمعوا البلوغ والرشد لم يكن لأحد أن يلي عليهم أموالهم وكانوا أولى بولاية أموالهم من غيرهم، وجاز لهم في أموالهم ما يجوز لمن خرج من الولاية ممن ولي فخرج منها أو لم يول، وأن الذكر والأنثى فيهما سواء.
والرشد ـ والله أعلم ـ الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة وإصلاح المال، وإنما يعرف إصلاح المال بأن يختبر اليتيم، والاختبار يختلف بقدر حال المختبر. فإن كان من الرجال ممن يتبذل فيخالط الناس، استدل بمخالطته الناس في الشراء والبيع قبل البلوغ وبعده، حتى يعرف أنه يجب توفير ماله والزيادة فيه، وأن لا يتلفه فيما لا يعود عليه نفعه، كان اختبار هذا قريبا، وإن كان ممن يصان عن الأسواق كان اختباره أبعد قليلا من اختبار الذي قبله ( الأم : ٣/٢١٥-٢١٦. ون الأم : ١/٢٦١. و أحكام الشافعي : ١/١٣٨. ومختصر المزني ص : ١٠٥. ومعرفة السنن والآثار : ٤/٤٥٧-٤٦٠. )
ــــــــــــ
١١٥- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ وَابْتَلُوا اَلْيَتَامى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا اَلنِّكَاحَ فَإِنَ ـانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمُ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَاكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا اَنْ يَّكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَاكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمُ إِلَيْهِمُ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ﴾١ الآية. قال الشافعي رحمه الله تعالى : ففي هذه الآية معنيان : أحدهما : الأمر بالإشهاد وهو في مثل معنى الآية قبله ـ والله تعالى أعلم ـ من أن يكون الأمر بالإشهاد دلالة لا حتما، وفي قول الله عز وجل :﴿ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾٢ كالدليل على الإرخاص في ترك الإشهاد لأن الله عز وجل يقول :﴿ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ أي إن لم تشهدوا، والله تعالى أعلم.
والمعنى الثاني : أن يكون وليُّ اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله والإشهاد به عليه، يبرا بالإشهاد عليه إن جحده اليتيم، ولا يبرا بغيره، أو يكون مأمورا بالإشهاد عليه على الدلالة، وقد يبرا بغير شهادة إذا صدقه اليتيم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : والآية محتملة المعنيين معا. ( الأم : ٧/٨٢. ون الأم : ٤/١٣٦. وأحكام الشافعي : ٢/١٢٨-١٢٩ و ١/١٥٢. )
١ - النساء: ٦..
٢ - النساء: ٦..
١١٦- قال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل :﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ اَلْوَالِدَانِ وَالاَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ اَلْوَالِدَانِ وَالاَقْرَبُونَ ﴾ نُسِخ بما جعل الله للذكر والأنثى من الفرائض. ( أحكام الشافعي : ١/١٤٦-١٤٧. )
١١٧- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ وَإِذَا حَضَرَ اَلْقِسْمَةَ أُوْلُوا اَلْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَّعْرُوفًا ﴾ فأمر الله عز وجل أن يرزق من القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة. ولم يكن في الأمر ـ في الآية ـ أن يرزق من القسمة من مثلهم في القرابة واليتم والمسكنة ممن لم يحضر. ولهذا أشباه وهي : أن تضيف من جاءك، ولا تضيف من لا يقصد قصدك ولو كان محتاجا، إلا أن تطوع.
وقال لي بعض أصحابنا قسمة الميراث. وقال بعضهم قسمة الميراث وغيره من الغنائم، فهذا أوسع ؛ وأحب إلي أن يعطوا ما طاب به نفس المعطي، ولا يوقت، ولا يحرمون. ( الأم : ٥/١٠٢. ون أحكام الشافعي : ١/١٤٧-١٤٨. ومختصر المزني ص : ٢٣٦. ومعرفة السنن والآثار : ٦/١٢٩. )
١١٨- قال الشافعي : وقال :﴿ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا اَلسُّدُسُ. . . يُوصِى بها أَوْ دَيْنٍ ﴾ وقال :﴿ وَلَهُنَّ اَلرُّبُعُ ﴾ مع آي المواريث كلها. فدلت السنة على أن الله إنما أراد ممن سمَّى له المواريث، من الإخوة والأخوات، والولدِ والأقارب، والوالدين والأزواج، وجميع من سمَّى له فريضة في كتابه : خاصا ممن سمَّى، وذلك أن يجتمع دِينُ الوارث والموروثِ، فلا يختلفان، ويكونان من أهل دار المسلمين، ومن له عقد من المسلمين يأمن به على ماله ودمه، أو يكونان من المشركين، فيتوارثان بالشرك.
أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن علي بن حسين١، عن عمرو بن عثمان٢، عن أسامة بن زيد٣ أن رسول الله قال :« لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم »٤.
وأن يكون الوارث والموروث حرين مع الإسلام.
أخبرنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه : أن رسول الله قال :« من باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاعُ »٥.
قال : فلما كان بينا في سنة رسول الله أن العبد لا يملك مالا، وأن ما ملك العبد فإنما يملكه لسيده، وأن اسم المال له إنما هو إضافة إليه، لأنه في يديه، لا أنه مالك له، ولا يكون مالكا له وهو لا يملك نفسه، وهو مملوك، يباع ويوهب ويورث، وكان الله إنما نقل مِلكَ الموتى إلى الأحياء، فملكوا منها ما كان الموتى مالكين، وإن كان العبد أبا أو غيره ممن سميت له فريضة، فكان لو أعطيها ملكها سيده عليه، لم يكن السيد بأبي الميت ولا وارثا سميت له الفريضة : فكنا لو أعطينا العبد بأنه أب إنما أعطينا السيد الذي لا فريضة له، فورثنا غير من
ورثه الله. فلم نورث عبدا لما وصفت، ولا أحدا لم تجتمع فيه الحرية والإسلام والبراءة من القتل، حتى لا يكون قاتلا.
وذلك أنه روى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب٦ أن رسول الله قال :« ليس لقاتل شيء »٧.
فلم نورِّث قاتلا ممن قتل. وكان أخف حال القاتل عمدا أن يمنع الميراث عقوبة، مع تعرض سخط الله، أن يُمنع ميراث من عصى الله بالقتل. وما وصفت من أن لا يرث المسلم إلا مسلم حر غير قاتل عمدا ما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم حفظت عنه ببلدنا ولا غيره. وفي اجتماعهم على ما وصفنا من هذا حجة تلزمهم ألا يفترقوا في شيء من سنن رسول الله، بأن سنن رسول الله إذا قامت هذا المقام فيما لله فيه فرض منصوص، فدلت على أنه على بعض من لزمه اسم الفرض دون بعض، كانت فيما كان مثله من القرآن : هكذا، وكانت فيما سن النبي فيما ليس فيه لله حكم منصوص : هكذا، وأولى أن لا يشك عالم في لزومها، وأن يعلم أن أحكام الله ثم أحكام رسوله لا تختلف، وأنها تجري على مثال واحد. ( الرسالة ص : ١٦٧-١٧٢. ون معرفة السنن والآثار : ٥/٤١-٤٢. )
ــــــــــــ
١١٩- قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه :﴿ وَلأَِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُِمِّهِ اِلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُِمِّهِ اِلسُّدُسُ ﴾٨ وقال :﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمُ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ اَلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ اَلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمُ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً اَوِ اِمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ اَوُ اَخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا اَلسُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِى اِلثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اَللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾٩ فأبان أن للوالدين والأزواج مما سمَّى في الحالات، وكان عامَّ المخرج، فدلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد به بعض الوالدين والأزواج دون بعض، وذلك أن يكون دين الوالدين والمولود والزوجين واحدا، ولا يكون الوارث منهما قاتلا ولا مملوكا١٠.
وقال :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١١ فأبان النبي أن الوصايا مقتصر بها على الثلث١٢ لا يُتعدى، ولأهل الميراث الثلثان، وأبان أن الدين قبل الوصايا والميراث١٣، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدين دينهم. ولولا دلالة السنة ثم إجماع الناس : لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين، ولم تَعْدُ الوصية أن تكون مبَدَّاةً على الدين أو تكون والدين سواء. ( الرسالة : ٦٤-٦٦. ون أحكام الشافعي : ١/٢٦-٢٧. )
ــــــــــــ
١٢٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى في غير آية في قسم الميراث :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ و ﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١٤.
قال الشافعي : فنقل الله تبارك وتعالى مِلك من مات من الأحياء إلى من بقي من ورثة الميت، فجعلهم يقومون مقامه فيما ملكهم من ملكه، وقال الله عز وجل :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١٥ قال : فكان ظاهر الآية المعقول فيها :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١٦ إن كان عليهم دين.
قال الشافعي : وبهذا نقول، ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا. وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى بأن العامَّة لا تختلف فيه فيما علمت. وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله إن شاء الله.
قال الشافعي : وفي قول الله عز وجل :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١٧ معان سأذكرها إن شاء الله تعالى. فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في : أن ذا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يستوفي دينه، وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به، كان بينا ـ والله أعلم ـ في حكم الله عز وجل، ثم ما لم أعلم أهل العلم اختلفوا فيه أن الدين مبدَّا على الوصايا والميراث، فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما.
وفي قول الله عز وجل :﴿ أَوْ دَيْنٍ ﴾١٨ ثم إجماع المسلمين : أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين، دليل على أن كل دين في صحة كان، أو في مرض، بإقرار أو بينة، أو أي وجه ما كان سواء، لأن الله عز وجل لم يخص دين دون دين.
قال الشافعي : وقد روي في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق١٩، عن الحرث٢٠، عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية٢١.
وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير٢٢، عن طاوس، عن ابن عباس أنه قيل له : كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول :﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ ﴾٢٣ فقال : كيف تقرأون الدين قبل الوصية أو الوصية قبل الدين ؟ فقالوا : الوصية قبل الدين. قال : فبأيهما تبدءون ؟ قالوا : بالدين. قال : فهو ذاك٢٤.
قال الشافعي : يعني أن التقديم جائز، وإذا قضي الدين كان للميت أن يوصي بثلث ماله، فإن فعل كان للورثة الثلثان، وإن لم يوصي أو وصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من ماله تركة.
قال : فكان للورثة ما فضل عن الوصية من المال إن وصى. ( الأم : ٤/١٠٠-١٠١. ون الأم : ٧/١٨-١٩. )
١ - علي بن الحسين الهاشمي، زين العابدين. عن: أبيه، وعائشة، وأبي هريرة، وجمع. وعنه: بنوه محمد وعمر وزيد، والزهري، وأبو الزناد. قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. ت سنة: ٩٤. الكاشف: ٢/٢٧٦. ون التهذيب: ٥/٦٦٩. وقال في التقريب: ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور..
٢ - عمرو بن عثمان بن عفان. عن: أبيه، وأسامة. وعنه: علي بن الحسين، وأبو الزناد. ثقة. الكاشف: ٢/٣٢٥. ون التهذيب: ٦/١٨٥. وقال في التقريب: ثقة..
٣ - أسامة بن زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه. عنه: كريب، وأبو ظبيان، وخلق. ت سنة: ٥٤. الكاشف: ١/٥٩. ون الإصابة: ١/٤٩. والطبقات الكبرى: ٤/٦١. والتهذيب: ١/٢٦٦. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٤ - أخرجه البخاري في الفرائض (٨٨) باب: لا يرث المسلم الكافر (٢٥) (ر٦٣٨٣)، وفي المغازي (٦٧) باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح (٤٦) (ر٤٠٣٢).
وأخرجه مسلم في أول الفرائض (٢٣) (ر١٦١٤).
وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والدارمي، كلهم في الفرائض. والشافعي في المسند (ر١٦٨٩).

٥ - رواه البخاري في المساقاة (٤٧) باب: الرجل يكون له ممر (١٨) (ر٢٢٥٠).
ورواه مسلم في البيوع (٢١) باب: من باع نخلا عليها تمر (١٥) (ر١٥٤٣).
ورواه أصحاب السنن. ومالك والدارمي وأحمد. والشافعي في المسند (ر١٤٨٠)..

٦ - عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. عن: أبيه، وابن المسيب، وعن الربيع بنت معوذ. وعنه: أيوب، وحسين المعلو، والأوزاعي، وخلق. قال القطان: إذا روى عنه ثقة فهو حجة. وقال أحمد: ربما احتججنا به. وقال البخاري: رأيت أحمد وعليا وإسحاق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون به. وقال أبو داود: ليس بحجة. مات بالطائف سنة: ١١٨. الكاشف: ٢/٣٢١. ون التهذيب: ٦/١٥٩. وقال في التقريب: صدوق. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٩٥ فقال: بل ثقة، وثقه ابن المديني، وابن معين، وأبو زرعة الرازي، وإسحاق بن راهويه، والعجلي، والنسائي، والدارمي، ويعقوب بن شيبة وقال: ثبت..
٧ - روى أبو داود في الديات (٣٣) باب: ديات اللأعضاء (٢٠) (ر٤٥٦٤) بسند صحيح عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئا».
وروى ابن ماجة في الديات (٢١) باب: القاتل لا يرث (١٤) (ر٢٦٤٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القاتل لا يرث».
ورواه الترمذي في الفرائض (٢٦) باب: ما جاء في إبطال ميراث القاتل (١٧) (ر٢١٠٩).
ورواه مالك في العقول (٤٣) باب: ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه (١٧) (ر١٠). عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ورواه البيهقي في الفرائض باب: لا يرث القاتل ٦/٢١٩. ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٧٨).
ويراجع ما قاله العلامة شاكر عن هذا الحديث في الرسالة ص: ١٧١. فقد أجاد وأفاد..

٨ - النساء: ١١..
٩ - النساء: ١٢..
١٠ - ن النص السابق: ١١٨..
١١ - النساء: ١٢..
١٢ - سبق تخريجه ن النص: ٢٤. البقرة: ١٨٠..
١٣ - ن النص الآتي: ١٢٠..
١٤ - النساء: ١٢..
١٥ - النساء: ١٢..
١٦ - النساء: ١٢..
١٧ - النساء: ١٢..
١٨ - النساء: ١٢..
١٩ - عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهمداني السبيعي أحد الأعلام. عن: جرير، وعدي بن حاتم، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وأمم. وعنه: ابنه يونس، وحفيده إسرائيل، وشعبة، والسفيانان، وأبو بكر بن عياش. وهو كالزهري في الكثرة، غزا مرات، وكان صواما قواما، عاش خمسا وتسعين سنة، ت سنة: ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٣٢٣. ون التهذيب: ٦/١٧٢. وقال في التقريب: ثقة مكثر عابد..
٢٠ - في النسخ كلها "الحرث" وهو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني. عن: علي، وابن مسعود. وعنه: عمرو بن مرة، والشعبي. شيعي لين. قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال ابن أبي داود: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس. ت سنة: ٦٥. الكاشف: ١/١٤٩. ون التهذيب: ٢/١١٥. وقال في التقريب: صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف. وليس له عند النسائي سوى حديثين..
٢١ - روى الترمذي في الفرائض (٢٦) باب: ما جاء في ميراث الإخوة من الأب والأم (٥) (ر٢٠٩٤) عن الحارث، عن علي أنه قال: إنكم تقرؤون هذه الآية ﴿مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية.. الحديث. ورواه في الوصايا (٢٧) باب: ما جاء يبدا بالدين قبل الوصية (٦) (ر٢١٢٢). وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث. والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، أنه يبدا بالدين قبل الوصية.
ورواه ابن ماجة في الوصايا (٢٢) باب: الدين قبل الوصية (٧) (ر٢٧١٥).
ورواه أحمد في مسند علي بن أبي طالب. قال شاكر: إسناده ضعيف من أجل الحرث الأعور.
ورواه البيهقي في الوصايا باب: تبدأة الدين قبل الوصية ٦/٢٦٧.
قال ابن كثير: أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية..

٢٢ - هشام بن حجير. مكي ثقة. عن: طاوس، ومالك بن أبي عامر. وعنه: ابن جريج، وسفيان. قال أحمد: ليس بالقوي. الكاشف: ٣/٢٠٨. ون التهذيب: ٩/٤١. وقال في التقريب: صدوق له أوهام. وتعقبه صاحب التحرير ٤/٣٨ فقال: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، ضعفه أحمد بن حنبل، وابن معين، ويحيى بن سعيد القطان، والعقيلي، وذكر أبو داود أنه ضرب الحد بمكة (كأنه في شرب المسكر). ووثقه العجلي، وابن سعد، والذهبي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. ليس له في البخاري سوى حديثه عن طاوس، عن أبي هريرة: قال سليمان ابن أبي داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة.. الحديث. أورده في كفارة الأيمان من طريقه (٦٧٢٠) وفي النكاح (٥٢٤٢) بمتابعة عبد الله بن طاوس له، عن أبيه..
٢٣ - البقرة: ١٩٦..
٢٤ - رواه البيهقي في الوصايا باب: تبدئة الدين على الوصية ٦/٢٦٨..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:١١٨- قال الشافعي : وقال :﴿ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا اَلسُّدُسُ... يُوصِى بها أَوْ دَيْنٍ ﴾ وقال :﴿ وَلَهُنَّ اَلرُّبُعُ ﴾ مع آي المواريث كلها. فدلت السنة على أن الله إنما أراد ممن سمَّى له المواريث، من الإخوة والأخوات، والولدِ والأقارب، والوالدين والأزواج، وجميع من سمَّى له فريضة في كتابه : خاصا ممن سمَّى، وذلك أن يجتمع دِينُ الوارث والموروثِ، فلا يختلفان، ويكونان من أهل دار المسلمين، ومن له عقد من المسلمين يأمن به على ماله ودمه، أو يكونان من المشركين، فيتوارثان بالشرك.
أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن علي بن حسين١، عن عمرو بن عثمان٢، عن أسامة بن زيد٣ أن رسول الله قال :« لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم »٤.
وأن يكون الوارث والموروث حرين مع الإسلام.
أخبرنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه : أن رسول الله قال :« من باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاعُ »٥.
قال : فلما كان بينا في سنة رسول الله أن العبد لا يملك مالا، وأن ما ملك العبد فإنما يملكه لسيده، وأن اسم المال له إنما هو إضافة إليه، لأنه في يديه، لا أنه مالك له، ولا يكون مالكا له وهو لا يملك نفسه، وهو مملوك، يباع ويوهب ويورث، وكان الله إنما نقل مِلكَ الموتى إلى الأحياء، فملكوا منها ما كان الموتى مالكين، وإن كان العبد أبا أو غيره ممن سميت له فريضة، فكان لو أعطيها ملكها سيده عليه، لم يكن السيد بأبي الميت ولا وارثا سميت له الفريضة : فكنا لو أعطينا العبد بأنه أب إنما أعطينا السيد الذي لا فريضة له، فورثنا غير من
ورثه الله. فلم نورث عبدا لما وصفت، ولا أحدا لم تجتمع فيه الحرية والإسلام والبراءة من القتل، حتى لا يكون قاتلا.
وذلك أنه روى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب٦ أن رسول الله قال :« ليس لقاتل شيء »٧.
فلم نورِّث قاتلا ممن قتل. وكان أخف حال القاتل عمدا أن يمنع الميراث عقوبة، مع تعرض سخط الله، أن يُمنع ميراث من عصى الله بالقتل. وما وصفت من أن لا يرث المسلم إلا مسلم حر غير قاتل عمدا ما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم حفظت عنه ببلدنا ولا غيره. وفي اجتماعهم على ما وصفنا من هذا حجة تلزمهم ألا يفترقوا في شيء من سنن رسول الله، بأن سنن رسول الله إذا قامت هذا المقام فيما لله فيه فرض منصوص، فدلت على أنه على بعض من لزمه اسم الفرض دون بعض، كانت فيما كان مثله من القرآن : هكذا، وكانت فيما سن النبي فيما ليس فيه لله حكم منصوص : هكذا، وأولى أن لا يشك عالم في لزومها، وأن يعلم أن أحكام الله ثم أحكام رسوله لا تختلف، وأنها تجري على مثال واحد. ( الرسالة ص : ١٦٧-١٧٢. ون معرفة السنن والآثار : ٥/٤١-٤٢. )
ــــــــــــ

١١٩-
قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه :﴿ وَلأَِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُِمِّهِ اِلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُِمِّهِ اِلسُّدُسُ ﴾٨ وقال :﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمُ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ اَلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ اَلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمُ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً اَوِ اِمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ اَوُ اَخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا اَلسُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِى اِلثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اَللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾٩ فأبان أن للوالدين والأزواج مما سمَّى في الحالات، وكان عامَّ المخرج، فدلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد به بعض الوالدين والأزواج دون بعض، وذلك أن يكون دين الوالدين والمولود والزوجين واحدا، ولا يكون الوارث منهما قاتلا ولا مملوكا١٠.
وقال :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١١ فأبان النبي أن الوصايا مقتصر بها على الثلث١٢ لا يُتعدى، ولأهل الميراث الثلثان، وأبان أن الدين قبل الوصايا والميراث١٣، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدين دينهم. ولولا دلالة السنة ثم إجماع الناس : لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين، ولم تَعْدُ الوصية أن تكون مبَدَّاةً على الدين أو تكون والدين سواء. ( الرسالة : ٦٤-٦٦. ون أحكام الشافعي : ١/٢٦-٢٧. )
ــــــــــــ

١٢٠-
قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى في غير آية في قسم الميراث :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ و ﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١٤.
قال الشافعي : فنقل الله تبارك وتعالى مِلك من مات من الأحياء إلى من بقي من ورثة الميت، فجعلهم يقومون مقامه فيما ملكهم من ملكه، وقال الله عز وجل :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١٥ قال : فكان ظاهر الآية المعقول فيها :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١٦ إن كان عليهم دين.
قال الشافعي : وبهذا نقول، ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا. وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى بأن العامَّة لا تختلف فيه فيما علمت. وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله إن شاء الله.
قال الشافعي : وفي قول الله عز وجل :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١٧ معان سأذكرها إن شاء الله تعالى. فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في : أن ذا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يستوفي دينه، وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به، كان بينا ـ والله أعلم ـ في حكم الله عز وجل، ثم ما لم أعلم أهل العلم اختلفوا فيه أن الدين مبدَّا على الوصايا والميراث، فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما.
وفي قول الله عز وجل :﴿ أَوْ دَيْنٍ ﴾١٨ ثم إجماع المسلمين : أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين، دليل على أن كل دين في صحة كان، أو في مرض، بإقرار أو بينة، أو أي وجه ما كان سواء، لأن الله عز وجل لم يخص دين دون دين.
قال الشافعي : وقد روي في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق١٩، عن الحرث٢٠، عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية٢١.
وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير٢٢، عن طاوس، عن ابن عباس أنه قيل له : كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول :﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ ﴾٢٣ فقال : كيف تقرأون الدين قبل الوصية أو الوصية قبل الدين ؟ فقالوا : الوصية قبل الدين. قال : فبأيهما تبدءون ؟ قالوا : بالدين. قال : فهو ذاك٢٤.
قال الشافعي : يعني أن التقديم جائز، وإذا قضي الدين كان للميت أن يوصي بثلث ماله، فإن فعل كان للورثة الثلثان، وإن لم يوصي أو وصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من ماله تركة.
قال : فكان للورثة ما فضل عن الوصية من المال إن وصى. ( الأم : ٤/١٠٠-١٠١. ون الأم : ٧/١٨-١٩. )
١ - علي بن الحسين الهاشمي، زين العابدين. عن: أبيه، وعائشة، وأبي هريرة، وجمع. وعنه: بنوه محمد وعمر وزيد، والزهري، وأبو الزناد. قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. ت سنة: ٩٤. الكاشف: ٢/٢٧٦. ون التهذيب: ٥/٦٦٩. وقال في التقريب: ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور..
٢ - عمرو بن عثمان بن عفان. عن: أبيه، وأسامة. وعنه: علي بن الحسين، وأبو الزناد. ثقة. الكاشف: ٢/٣٢٥. ون التهذيب: ٦/١٨٥. وقال في التقريب: ثقة..
٣ - أسامة بن زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه. عنه: كريب، وأبو ظبيان، وخلق. ت سنة: ٥٤. الكاشف: ١/٥٩. ون الإصابة: ١/٤٩. والطبقات الكبرى: ٤/٦١. والتهذيب: ١/٢٦٦. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٤ - أخرجه البخاري في الفرائض (٨٨) باب: لا يرث المسلم الكافر (٢٥) (ر٦٣٨٣)، وفي المغازي (٦٧) باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح (٤٦) (ر٤٠٣٢).
وأخرجه مسلم في أول الفرائض (٢٣) (ر١٦١٤).
وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والدارمي، كلهم في الفرائض. والشافعي في المسند (ر١٦٨٩).

٥ - رواه البخاري في المساقاة (٤٧) باب: الرجل يكون له ممر (١٨) (ر٢٢٥٠).
ورواه مسلم في البيوع (٢١) باب: من باع نخلا عليها تمر (١٥) (ر١٥٤٣).
ورواه أصحاب السنن. ومالك والدارمي وأحمد. والشافعي في المسند (ر١٤٨٠)..

٦ - عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. عن: أبيه، وابن المسيب، وعن الربيع بنت معوذ. وعنه: أيوب، وحسين المعلو، والأوزاعي، وخلق. قال القطان: إذا روى عنه ثقة فهو حجة. وقال أحمد: ربما احتججنا به. وقال البخاري: رأيت أحمد وعليا وإسحاق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون به. وقال أبو داود: ليس بحجة. مات بالطائف سنة: ١١٨. الكاشف: ٢/٣٢١. ون التهذيب: ٦/١٥٩. وقال في التقريب: صدوق. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٩٥ فقال: بل ثقة، وثقه ابن المديني، وابن معين، وأبو زرعة الرازي، وإسحاق بن راهويه، والعجلي، والنسائي، والدارمي، ويعقوب بن شيبة وقال: ثبت..
٧ - روى أبو داود في الديات (٣٣) باب: ديات اللأعضاء (٢٠) (ر٤٥٦٤) بسند صحيح عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئا».
وروى ابن ماجة في الديات (٢١) باب: القاتل لا يرث (١٤) (ر٢٦٤٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القاتل لا يرث».
ورواه الترمذي في الفرائض (٢٦) باب: ما جاء في إبطال ميراث القاتل (١٧) (ر٢١٠٩).
ورواه مالك في العقول (٤٣) باب: ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه (١٧) (ر١٠). عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ورواه البيهقي في الفرائض باب: لا يرث القاتل ٦/٢١٩. ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٧٨).
ويراجع ما قاله العلامة شاكر عن هذا الحديث في الرسالة ص: ١٧١. فقد أجاد وأفاد..

٨ - النساء: ١١..
٩ - النساء: ١٢..
١٠ - ن النص السابق: ١١٨..
١١ - النساء: ١٢..
١٢ - سبق تخريجه ن النص: ٢٤. البقرة: ١٨٠..
١٣ - ن النص الآتي: ١٢٠..
١٤ - النساء: ١٢..
١٥ - النساء: ١٢..
١٦ - النساء: ١٢..
١٧ - النساء: ١٢..
١٨ - النساء: ١٢..
١٩ - عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهمداني السبيعي أحد الأعلام. عن: جرير، وعدي بن حاتم، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وأمم. وعنه: ابنه يونس، وحفيده إسرائيل، وشعبة، والسفيانان، وأبو بكر بن عياش. وهو كالزهري في الكثرة، غزا مرات، وكان صواما قواما، عاش خمسا وتسعين سنة، ت سنة: ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٣٢٣. ون التهذيب: ٦/١٧٢. وقال في التقريب: ثقة مكثر عابد..
٢٠ - في النسخ كلها "الحرث" وهو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني. عن: علي، وابن مسعود. وعنه: عمرو بن مرة، والشعبي. شيعي لين. قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال ابن أبي داود: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس. ت سنة: ٦٥. الكاشف: ١/١٤٩. ون التهذيب: ٢/١١٥. وقال في التقريب: صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف. وليس له عند النسائي سوى حديثين..
٢١ - روى الترمذي في الفرائض (٢٦) باب: ما جاء في ميراث الإخوة من الأب والأم (٥) (ر٢٠٩٤) عن الحارث، عن علي أنه قال: إنكم تقرؤون هذه الآية ﴿مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية.. الحديث. ورواه في الوصايا (٢٧) باب: ما جاء يبدا بالدين قبل الوصية (٦) (ر٢١٢٢). وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث. والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، أنه يبدا بالدين قبل الوصية.
ورواه ابن ماجة في الوصايا (٢٢) باب: الدين قبل الوصية (٧) (ر٢٧١٥).
ورواه أحمد في مسند علي بن أبي طالب. قال شاكر: إسناده ضعيف من أجل الحرث الأعور.
ورواه البيهقي في الوصايا باب: تبدأة الدين قبل الوصية ٦/٢٦٧.
قال ابن كثير: أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية..

٢٢ - هشام بن حجير. مكي ثقة. عن: طاوس، ومالك بن أبي عامر. وعنه: ابن جريج، وسفيان. قال أحمد: ليس بالقوي. الكاشف: ٣/٢٠٨. ون التهذيب: ٩/٤١. وقال في التقريب: صدوق له أوهام. وتعقبه صاحب التحرير ٤/٣٨ فقال: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، ضعفه أحمد بن حنبل، وابن معين، ويحيى بن سعيد القطان، والعقيلي، وذكر أبو داود أنه ضرب الحد بمكة (كأنه في شرب المسكر). ووثقه العجلي، وابن سعد، والذهبي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. ليس له في البخاري سوى حديثه عن طاوس، عن أبي هريرة: قال سليمان ابن أبي داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة.. الحديث. أورده في كفارة الأيمان من طريقه (٦٧٢٠) وفي النكاح (٥٢٤٢) بمتابعة عبد الله بن طاوس له، عن أبيه..
٢٣ - البقرة: ١٩٦..
٢٤ - رواه البيهقي في الوصايا باب: تبدئة الدين على الوصية ٦/٢٦٨..

١٢١- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا والذَانِ يَاتِيَانِهَا مِنكُمْ فَئَاذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَآ ﴾ فكان حد الزانيين بهذه الآية الحبس والأذى، حتى أنزل الله على رسوله حدَّ الزنا، فقال :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾١ وقال في الإماء :﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنَ اَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى اَلْمُحْصَنَاتِ مِنَ اَلْعَذَابِ ﴾٢ فنسخ الحبس عن الزناة، وثبت عليهم الحدود. ودلَّ قول الله في الإماء :﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى اَلْمُحْصَنَاتِ مِنَ اَلْعَذَابِ ﴾٣ على فرق الله بين حدِّ المماليك والأحرار في الزنا، وعلى أن النصف لا يكون إلا من جَلْدٍ، لأن الجلد بعدد، ولا يكون من رَجْمٍ، لأن الرجم إتيانٌ على النفس بلا عدد، لأنه قد يؤتى عليها برجمة واحدة، وبألف وأكثر، فلا نصف لما لم يُعلم بعدد، ولا نصف للنفس فيؤتى بالرجم على نصف النفس.
واحتمل قول الله في سورة النور :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾٤ أن يكون على جميع الزناة الأحرار، وعلى بعضهم دون بعض، فاستدللنا بسنة رسول الله ـ بأبي هو وأمي ـ على من أريد بالمائة جلدة.
أخبرنا عبد الوهاب٥، عن يونس بن عبيد٦، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت٧ أن رسول الله قال :« خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثَّيِّب بالثيب جلدُ مائة والرجم »٨.
قال : فدل قول رسول الله :« قد جعل الله لهن سبيلا » على أن هذا أول ما حُدَّ به الزناة، لأن الله يقول :﴿ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾٩.
ثم رجم رسول الله ماعزا١٠ ولم يجلده، وامرأة الأسلمي ولم يجلدها، فدلت سنة رسول الله على أن الجلد منسوخ عن الزانيين الثيبين.
قال : ولم يكن بين الأحرار في الزنا فرق إلا بالإحصان بالنكاح وخلاف الإحصان به، وإذ قال قول النبي :« قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام » ففي هذا دلالة على أنه أول ما نُسخَ الحبس عن الزانيين، وحُدَّا بعد الحبس، وأن كل حدٍّ حدَّه الزانيين فلا يكون إلا بعد هذا، إذ كان هذا أول حدِّ الزانيين.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد١١ أنهما أخبراه :« أن رجلين اختصما إلى رسول الله، فقال أحدهما : يا رسول الله ! اقض بيننا بكتاب الله ؟ وقال الآخر ـ وهو أفقههما ـ : أجل، يا رسول الله ! فاقض بيننا بكتاب الله، وإيذن لي في أن أتكلم. قال :« تكلم ». قال : إن ابني كان عسيفا١٢ على هذا، فزنى بامرأته، فأخبرت أن على ابني الرَّجم، فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته ؟ فقال رسول الله :« والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله : أما غنمك وجاريتك فردٌّ عليك ». وجلد ابنه
مائة وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي١٣ أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها١٤.
أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر : أن النبي رجم يهوديين زنيا١٥.
قال : فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين، والرجم على الثيبين الزانيين. وإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم، وإن لم يكونا أريدا بالجلد وأريد به البكران، فهما مخالفان للثيبين. ورجم الثيبين بعد آية الجلد : بما روى رسول الله عن الله. وهذا أشبه معانيه وأولاها به عندنا. والله أعلم. ( الرسالة : ٢٤٥-٢٥١. ن الرسالة : ١٢٨-١٣٧. و أحكام الشافعي : ١/٣٠٦-٣٠٧ و١/٣٠٧-٣١٠. ومعرفة السنن والآثار : ٦/٣١٩-٣٢٠ )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
١٢٢- قال الشافعي : قال الله :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ ﴾١٦ إلى آخر الآية. فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا، ثم نسخ هذا عن الزناة كلهم، الحر والعبد والبكر والثيب، فحد الله البكرين الحرين المسلمين فقال :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾١٧.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل والاعتراف١٨.
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد : أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : قال عمر : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل : لا أجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فإنا قد قرأناها١٩.
قال الشافعي : أخبرنا مالك وابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد، وزاد سفيان وسئل : أن رجلا ذكر أن ابنه زنى بامرأة رجل فقال رسول الله :« لأقضين بينكما بكتاب الله »، فجلد ابنه مائة وغرَّبه عاما، وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الآخر فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها٢٠.
قال الشافعي رحمه الله : كان ابنه بكرا وامرأة الآخر ثيبا. قال : فذكر رسول الله عن الله حد البكر والثيب في الزنا، فدل على مثل ما قال عمر من حد الثيب في الزنا.
قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه في الإماء :﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنَ اَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى اَلْمُحْصَنَاتِ مِنَ اَلْعَذَابِ ﴾٢١ فعقلنا عن الله أن على الإماء ضرب خمسين، لأنه لا يكون النصف إلا لما يتجزأ، فأما الرجم فلا نصف له، لأن المرجوم قد يموت بأول حجر وقد لا يموت إلا بعد كثير من الحجارة.
أخبرنا عبد الوهاب، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم »٢٢.
قال الشافعي رحمه الله : وقد حدثني الثقة أن الحسن كان يدخل بينه وبين عبادة حطان الرقاشي٢٣، ولا أدري أدخله عبد الوهاب بينهما، فزال من كتابي حين حولته من الأصل أم لا، والأصل يوم كتبت هذا الكتاب غائب عني.
قال الشافعي : فكان هذا أول ما نسخ من حبس الزانيين وأذاهما، وأول حد نزل فيهما، وكان فيه ما وصفت في الحديث قبله من أن الله أنزل حد الزنا للبكرين والثيبين. وأن من حد البكرين النفي على كل واحد منهما مع ضرب مائة، ونسخ الجلد عن الثيبين وأقر أحدهما الرجم، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم امرأة الرجل ورجم ماعزا بن مالك ولم يجلد واحدا منها. فإن قال قائل : ما دل على أن أمر امرأة الرجل وماعز بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم :« الثيب بالثيب جلد مائة والرجم » ؟ قيل : إذا كان النبي يقول :« خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم » كان هذا لا يكون إلا أول حدٍّ حُدَّ به الزانيين، فإذا كان أول فكل شيء جدَّ بعده يُخالفُه ؛ فالعلم يحيط بأنه بعده، والذي بعد ينسخ ما قبله إذا كان يخالفه، وقد أثبتنا هذا والذي نسخه في حديث المرأة التي رجمها أنيس مع حديث ماعز وغيره. ( اختلاف الحديث : ٥٣٣-٥٣٤. ون الأم : ٦/١٣٤ و ٧/٨٣. و أحكام الشافعي : ١/٣٠٣-٣٠٦. وسنن البيهقي : ٨/٢١٠. )
ــــــــــــ
١٢٣- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ ﴾٢٤ الآية. فسمى الله في الشهادة في الفاحشة، والفاحشة هاهنا ـ والله تعالى أعلم ـ الزنا، وفي الزنا أربعة شهود، ولا تتم الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء لا امرأة فيهم. لأن الظاهر من الشهداء الرجال خاصة دون النساء. ودلت السنة على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء، وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من : أنهم رجال محصنون. فإن قال قائل : الفاحشة تحتمل الزنا وغيره، فما دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره ؟ قيل : كتاب الله، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم ما لا أعلم عالما خالف فيه في قول الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم يمسكن حتى يجعل الله لهن سبيلا ثم نزلت :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾٢٥ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم »٢٦. ودل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم، لم أعلم في ذلك مخالفا من أهل العلم. فإن قال قائل : ما دل على أن لا يقطع الحكم في الزنا بأقل من أربعة شهداء ؟ قيل له : الآيتان من كتاب الله عز وجل يدلان على ذلك، قال الله عز وجل في القذفة :﴿ لَّوْلا جَاءو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَائِكَ عِندَ اَللَّهِ هُمُ اَلْكَاذِبُونَ ﴾٢٧ يقول : لولا جاءوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا. وقول الله عز وجل :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾٢٨ ودل على ذلك مع الاكتفاء بالتنزيل السنة، ثم الأثر، ثم الإجماع.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن سهيل بن أبي صالح٢٩، عن أبيه٣٠، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن سعدا٣١ قال : يا رسول الله ! أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« نعم »٣٢.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله، أو قتلها، فقال : إن لم يأت بأربعة شهداء فليُعْطَ بِرُمَّتِهِ٣٣.
وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا ولم يثبت الرابع، فحدَّ الثلاثة٣٤.
ولم أعلم الناس اختلفوا في أن لا يقام الحد في الزنا بأقل من أربعة شهداء. ( الأم : ٧/٨٢-٨٣. ون أحكام الشافعي : ٢/١٣٠. )
ــــــــــــ
١٢٤- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ﴾٣٥. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال له : أأمهله ح
١ - النور: ٢..
٢ - النساء: ٢٥..
٣ - النساء: ٢٥..
٤ - النور: ٢..
٥ - عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاص الثقفي، أبو محمد البصري الحافظ أحد الأشراف. عن: أيوب، ويونس، وحميد. وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن عرفة. وثقه ابن معين وقال: اختلط بآخرة. ت سنة: ١٩٤. وله ست وثمانون سنة. الكاشف: ٢/٢١٤. ون التهذيب: ٥/٣٥٠. وقال في التقريب: ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣٩٨ فقال: الثابت أن الناس قد حجبوا عنه عند تغيره. فلم يحدث في حال اختلاطه، كما ذكر ذلك أبو داود فيما نقله العقيلي في «الضعفاء»، قال: حدثنا الحسين بن عبد الله الذارع قال: حدثنا أبو داود قال: جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي تغيرا، فحجب الناس عنهم. فلا معنى لذكر اختلاطه بعد هذا لأنه يلبس..
٦ - يونس بن عبيد، أحد أئمة البصرة. عن: الحسن، وأبي بردة. وعنه: عبد الوهاب الثقفي، وابن علية. من العلماء العاملين الأثبات. ت سنة: ١٣٩. الكاشف: ٣/٢٩٠. ون التهذيب: ٩/٤٦٣. وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل ورع..
٧ - عبادة بن الصامت أبو الوليد الخزرجي، من بني عمرو بن عوف، بدري، نقيب. عنه: أبو إدريس، وجبير بن نفير. وهو أحد من جمع القرآن. وكان طويلا جسيما جميلا. ت بالرملة سنة: ٣٤. وله اثنان وسبعون عاما. الكاشف: ٢/٦٠. ون الإصابة: ٣/٦٢٤. والطبقات الكبرى: ٣/٥٤٦. والتهذيب: ٤/٢٠١. وقال في التقريب: بدري مشهور..
٨ - رواه عن الحسن، عن حطان الرقاشي، عن عبادة موصولا:
مسلم في الحدود (٢٩) باب: حد الزنى (٣) (ر١٦٩٠).
وأبو داود في الحدود (٣٢) باب: في الرجم (٢٣) (ر٤٤١٥).
والترمذي في الحدود (١٤) باب: ما جاء في الرجم على الثيب (٨) (ر١٤٣٤) وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد، والدارمي، والبيهقي. والشافعي في الرسالة ص: ١٣٠، وفي الأم: ٦/١٣٤.
- ورواه عن الحسن، عن عبادة مرسلا:
الشافعي في اختلاف الحديث ص: ٥٣٤ (ن النص الموالي). وفي المسند (ر١٢٦٤).
والبيهقي في الحدود ٨/٢١٢. وأحمد في مسند عبادة بن الصامت. قال شاكر إسناده صحيح.
- ورواه ابن ماجة في الحدود (٢٠) باب: حد الزنى (٧) (ر٢٥٥٠) عن يونس بن جبير، عن حطان الرقاشي، عن عبادة بن الصامت.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم، قالوا: الثيب تجلد وترجم، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وهو قول إسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر، وعمر، وغيرهما: الثيب إنما عليه الرجم ولا يجلد، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا في غير حديث في قصة ماعز وغيره أنه أمر بالرجم، ولم يأمر أن يجلد قبل أن يرجم. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد..

٩ - النساء: ١٥..
١٠ - ماعز بن مالك الأسلمي. أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أصاب الذنب ثم ندم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف عنده، وكان محصنا، فأمر به رسول الله فرجم وقال: «لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزت عنهم». الطبقات الكبرى: ٤/٣٢٤. ون الإصابة: ٥/٧٠٥..
١١ - زيد بن خالد الجهني صحابي. عنه: أبو سلمة، وعطاء بن يسار. ت سنة: ٧٨. وله خمس وثمانون سنة. الكاشف: ١/٢٩١. ون الإصابة: ٢/٦٠٣. والطبقات الكبرى: ٤/٣٤٤. والتهذيب: ٣/٢٦٥. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
١٢ - العسيف: الأجير، والجمع عسفاء. الصحاح: عسف..
١٣ - أنيس بن الضحاك الأسلمي. ذكره أبو حاتم الرازي وقال: لا يعرف. وجزم ابن حبان وابن عبد البر بأنه هو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغد يا أنيس على امرأة هذا.. الحديث. قال ابن حجر: وفيه نظر، والظاهر في نقدي أنه غيره. الإصابة: ١/١٣٦..
١٤ - أخرجه البخاري في الصلح (٥٧) باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (٥) (ر٢٥٤٩). وفي الشروط باب: الشروط التي لا تحل في الحدود. وفي الأيمان والنذر باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم. وفي المحاربين باب: الاعتراف بالزنى. وفي الأحكام باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده. وفي التمني باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق. وفي كتب أخرى من الصحيح مختصرا.
وأخرجه مسلم في الحدود (٢٩) باب: من اعترف على نفسه بالزنى (٥) (ر١٦٩٧).
وأخرجه أصحاب السنن، والدارمي، والبيهقي. والشافعي في المسند (ر١٦٦٦)..

١٥ - أخرجه البخاري في الجنائز (٢٩) باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد (٥٩) (ر١٦٦٣). وفي المناقب باب: قول الله تعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُو كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ﴾ (البقرة: ١٤٦). وفي التفسير باب: ﴿قُلْ فَاتُوا بِالتَّوْرياةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (آل عمران: ٩٣). وفي المحاربين باب: الرجم في البلاط. وباب: أحكام أهل الذمة. وفي الاعتصام بالكتاب والسنة باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم. وفي التوحيد باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها.
وأخرجه مسلم في الحدود (٢٩) باب: رجم اليهود (٦) (ر٤٤٤٦).
وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والدارمي، كلهم في الحدود. وأحمد، والبيهقي..

١٦ - النساء: ١٥. وتمامها: ﴿ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾..
١٧ - النور: ٢..
١٨ - رواه البخاري في المحاربين (٩٠) باب: رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت (١٦) (ر٦٤٤٢) في خطبة عمر رضي الله عنه.
ورواه مسلم في الحدود (٢٩) باب: رجم الثيب في الزنا (٤) (ر١٦٩١).
ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والدارمي، كلهم في الحدود.
ورواه أحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٢٧٧)..

١٩ - نفسه..
٢٠ - سبق تخريجه في النص السابق..
٢١ - النساء: ٢٥..
٢٢ - سبق تخريجه في النص السابق..
٢٣ - حِطَّانَ بن عبد الله الرقاشي. عن: علي، وأبي الدرداء، وقرا على أبي موسى، قرا عليه الحسن. وروى عنه: يونس بن جبير، وأبو مجلز. ثقة. الكاشف: ١/١٩٤. ون التهذيب: ٢/٣٦١. وقال في التقريب: ثقة..
٢٤ - النساء: ١٥. ونمامها: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا ﴾.
٢٥ - النور: ٢..
٢٦ - سبق تخريجه..
٢٧ - النور: ١٣..
٢٨ - النور: ٤..
٢٩ - سهيل بن أبي صالح السمان أبو يزيد. عن: أبيه، وابن المسيب. وعنه: شعبة، والحمدان، وعلي بن عاصم. قال ابن معين: هو مثل العلاء وليس بحجة. وقال أبو حاتم: لا يحتج به، ووثقه ناس، ت سنة: ١٤٠. الكاشف: ١/٣٦١. ون التهذيب: ٣/٤٤٩. وقال في التقريب: صدوق تغير حفظه بِأَخَرَةٍ، روى له البخاري مقرونا وتعليقا.
وتعقبه صاحب التحرير ٢/٩١ فقال: بل ثقة، فأكثر الأئمة على توثيقه: سفيان بن عيينة، وأحمد، والترمذي، وابن سعد، والعجلي، والنسائي في رواية، وقال في أخرى: ليس به بأس، وإنما لين أمره ابن معين، وأبو حاتم وحدهما. وقد روى عنه كبار الأئمة: السفيانان، والحمادان، وشعبة، ومالك بن أنس، وأبو معاوية محمد بن حازم الضرير، ووهيب بن خالد، ويحيى بن سعيد النصاري، واحتج به مسلم كثيرا في «صحيحه». وقال السلمي: سألت الدارقطني: لم ترك البخاري حديث سهيل في كتاب «الصحيح»؟ فقال: لا أعرف له فيه عذرا، فقد كان النسائي إذا مر بحديث سهيل قال: هو والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير وغيرهما. وقال ابن عدي: ولسهيل نسخ، روى عنه الأئمة، وحدث عن أبيه، وعن جماعة عن أبيه. وهذا يدل على تمييز الرجل، كونه ميز ما سمع من أبيه، وما سمع من غير أبيه عنه، وهو عندي ثبت لا بأس به مقبول الأخبار.
وعندنا أن كلام ابن عدي هو القول الفصل فيه، وقال المؤلف في «الفتح» عن حديث في سنده سهيل: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرج له البخاري حديثا واحدا في الجهاد مقرونا بيحيى بن سعيد الأنصاري، وأخرج له حديثين آخرين متابعة في الدعوات..

٣٠ - ذكوان، أبو صالح السمان الزيات، شهد الدار. وروى عن: عائشة، وأبي هريرة. وعنه: بنوه: عبد الله، وسهيل، وصالح، والأعمش. من الأئمة الثقات. عند الأعمش روى عنه ألف حديث، توفي بالمدينة سنة: ١٠١. الكاشف: ١/٢٥٢. ون التهذيب: ٣/٤٢. وقال في التقريب: ثقة ثبت..
٣١ - سعد بن عبادة أبو ثابت وأبو قيس، سيد الخزرج أحد النقباء. قيل شهد بدرا. عنه: بنوه قيس وسعد وإسحاق. ت بحوران سنة: ١٥. وقيل: ١٤. له مناقب مدونة. الكاشف: ١/٣٠٦. ون الإصابة: ٣/٦٥. والطبقات الكبرى: ٣/٦١٣. والتهذيب: ٣/٢٨٥. وقال في التقريب: وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرا..
٣٢ - رواه مسلم في أول اللعان (١٩) (ر١٤٩٨).
ورواه أبو داود في الديات (٣٣) باب: فيمن وجد مع أهله رجلا أيقتله؟ (١٢) (ر٤٥٣٣).
ورواه مالك في الأقضية (٣٦) باب: القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا (١٩) (ر١٧).
ورواه البيهقي في الشهادات باب: الشهادة في الزنا. وفي الحدود باب: الشهود في الزنا. وفي الأشربة والحد فيها باب: الرجل يجد مع امرأته الرجل فيقتله.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٧٣)..

٣٣ - رواه مالك في الأقضية (٣٦) باب: القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا (١٩)(ر١٨).
ورواه البيهقي في الحدود باب: الشهود في الزنا. وفي الأشربة والحد فيها باب: الرجل يجد مع امرأته الرجل فيقتله.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٧١-١٢٧٢).
« فليعط »: أي فليسلم إلى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا. « برمته »: قطعة من حبل، لأنهم كانوا يقودون القاتل إلى ولي المقتول بحبل، ولذا قيل: القود. ن الموطا ص: ٦٤٧..

٣٤ - أخرج البخاري في الشهادات (٥٦) باب: شهادة القاذف والسارق والزاني (٨) وقول الله تعالى: ﴿ وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً اَبَدًا وَأُوْلَئاكَ هُمُ اَلْفَاسِقُونَ إِلا اَلذِينَ تَابُوا ﴾ (النور: ٤-٥). وجلد عمر أبا بكرةَ وشِبْلَ بن مَعْبَدٍ ونافعا بقذف الْمُغيرة، ثم استتابهم، وقال: من تاب قبلت شهادته.
وقال البخاري: وأجاز عبد الله بن عتبة، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير، وطاوس، ومجاهد، والشعبي، وعكرمة، والزهري، ومحاربُ بن دِثارٍ، وشريح، ومعاوية بن قُرَّةَ. وقال أبو الزناد: الأمر عندنا بالمدينة: إذا رجع القاذف عن قوله، فاستغفر ربه، قُبلت شهادته. وقال الشعبي وقتادة: إذا أكذب نفسه جُلِدَ، وقبلت شهادته. وقال الثوري: إذا جُلد العبد ثم أعتق جازت شهادته، وإن استقضي المحدود فقضاياه جائزة. وقال بعض الناس: لا تجوز شهادة القاذف وإن تاب (يشير إلى قول أبي حنيفة رحمه الله).
وأخرجه البيهقي في كتاب الشهادات: باب: شهادة القاذف ١٠/١٥٢.
وأخرجه الشافعي في المسند (ر١٦٥٧)..

٣٥ - النساء: ١٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:١٢١- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا والذَانِ يَاتِيَانِهَا مِنكُمْ فَئَاذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَآ ﴾ فكان حد الزانيين بهذه الآية الحبس والأذى، حتى أنزل الله على رسوله حدَّ الزنا، فقال :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾١ وقال في الإماء :﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنَ اَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى اَلْمُحْصَنَاتِ مِنَ اَلْعَذَابِ ﴾٢ فنسخ الحبس عن الزناة، وثبت عليهم الحدود. ودلَّ قول الله في الإماء :﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى اَلْمُحْصَنَاتِ مِنَ اَلْعَذَابِ ﴾٣ على فرق الله بين حدِّ المماليك والأحرار في الزنا، وعلى أن النصف لا يكون إلا من جَلْدٍ، لأن الجلد بعدد، ولا يكون من رَجْمٍ، لأن الرجم إتيانٌ على النفس بلا عدد، لأنه قد يؤتى عليها برجمة واحدة، وبألف وأكثر، فلا نصف لما لم يُعلم بعدد، ولا نصف للنفس فيؤتى بالرجم على نصف النفس.
واحتمل قول الله في سورة النور :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾٤ أن يكون على جميع الزناة الأحرار، وعلى بعضهم دون بعض، فاستدللنا بسنة رسول الله ـ بأبي هو وأمي ـ على من أريد بالمائة جلدة.
أخبرنا عبد الوهاب٥، عن يونس بن عبيد٦، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت٧ أن رسول الله قال :« خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثَّيِّب بالثيب جلدُ مائة والرجم »٨.
قال : فدل قول رسول الله :« قد جعل الله لهن سبيلا » على أن هذا أول ما حُدَّ به الزناة، لأن الله يقول :﴿ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾٩.
ثم رجم رسول الله ماعزا١٠ ولم يجلده، وامرأة الأسلمي ولم يجلدها، فدلت سنة رسول الله على أن الجلد منسوخ عن الزانيين الثيبين.
قال : ولم يكن بين الأحرار في الزنا فرق إلا بالإحصان بالنكاح وخلاف الإحصان به، وإذ قال قول النبي :« قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام » ففي هذا دلالة على أنه أول ما نُسخَ الحبس عن الزانيين، وحُدَّا بعد الحبس، وأن كل حدٍّ حدَّه الزانيين فلا يكون إلا بعد هذا، إذ كان هذا أول حدِّ الزانيين.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد١١ أنهما أخبراه :« أن رجلين اختصما إلى رسول الله، فقال أحدهما : يا رسول الله ! اقض بيننا بكتاب الله ؟ وقال الآخر ـ وهو أفقههما ـ : أجل، يا رسول الله ! فاقض بيننا بكتاب الله، وإيذن لي في أن أتكلم. قال :« تكلم ». قال : إن ابني كان عسيفا١٢ على هذا، فزنى بامرأته، فأخبرت أن على ابني الرَّجم، فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته ؟ فقال رسول الله :« والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله : أما غنمك وجاريتك فردٌّ عليك ». وجلد ابنه
مائة وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي١٣ أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها١٤.
أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر : أن النبي رجم يهوديين زنيا١٥.
قال : فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين، والرجم على الثيبين الزانيين. وإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم، وإن لم يكونا أريدا بالجلد وأريد به البكران، فهما مخالفان للثيبين. ورجم الثيبين بعد آية الجلد : بما روى رسول الله عن الله. وهذا أشبه معانيه وأولاها به عندنا. والله أعلم. ( الرسالة : ٢٤٥-٢٥١. ن الرسالة : ١٢٨-١٣٧. و أحكام الشافعي : ١/٣٠٦-٣٠٧ و١/٣٠٧-٣١٠. ومعرفة السنن والآثار : ٦/٣١٩-٣٢٠ )
ـــــــــــــــــــــــــــــ

١٢٢-
قال الشافعي : قال الله :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ ﴾١٦ إلى آخر الآية. فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا، ثم نسخ هذا عن الزناة كلهم، الحر والعبد والبكر والثيب، فحد الله البكرين الحرين المسلمين فقال :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾١٧.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل والاعتراف١٨.
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد : أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : قال عمر : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل : لا أجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فإنا قد قرأناها١٩.
قال الشافعي : أخبرنا مالك وابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد، وزاد سفيان وسئل : أن رجلا ذكر أن ابنه زنى بامرأة رجل فقال رسول الله :« لأقضين بينكما بكتاب الله »، فجلد ابنه مائة وغرَّبه عاما، وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الآخر فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها٢٠.
قال الشافعي رحمه الله : كان ابنه بكرا وامرأة الآخر ثيبا. قال : فذكر رسول الله عن الله حد البكر والثيب في الزنا، فدل على مثل ما قال عمر من حد الثيب في الزنا.
قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه في الإماء :﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنَ اَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى اَلْمُحْصَنَاتِ مِنَ اَلْعَذَابِ ﴾٢١ فعقلنا عن الله أن على الإماء ضرب خمسين، لأنه لا يكون النصف إلا لما يتجزأ، فأما الرجم فلا نصف له، لأن المرجوم قد يموت بأول حجر وقد لا يموت إلا بعد كثير من الحجارة.
أخبرنا عبد الوهاب، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم »٢٢.
قال الشافعي رحمه الله : وقد حدثني الثقة أن الحسن كان يدخل بينه وبين عبادة حطان الرقاشي٢٣، ولا أدري أدخله عبد الوهاب بينهما، فزال من كتابي حين حولته من الأصل أم لا، والأصل يوم كتبت هذا الكتاب غائب عني.
قال الشافعي : فكان هذا أول ما نسخ من حبس الزانيين وأذاهما، وأول حد نزل فيهما، وكان فيه ما وصفت في الحديث قبله من أن الله أنزل حد الزنا للبكرين والثيبين. وأن من حد البكرين النفي على كل واحد منهما مع ضرب مائة، ونسخ الجلد عن الثيبين وأقر أحدهما الرجم، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم امرأة الرجل ورجم ماعزا بن مالك ولم يجلد واحدا منها. فإن قال قائل : ما دل على أن أمر امرأة الرجل وماعز بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم :« الثيب بالثيب جلد مائة والرجم » ؟ قيل : إذا كان النبي يقول :« خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم » كان هذا لا يكون إلا أول حدٍّ حُدَّ به الزانيين، فإذا كان أول فكل شيء جدَّ بعده يُخالفُه ؛ فالعلم يحيط بأنه بعده، والذي بعد ينسخ ما قبله إذا كان يخالفه، وقد أثبتنا هذا والذي نسخه في حديث المرأة التي رجمها أنيس مع حديث ماعز وغيره. ( اختلاف الحديث : ٥٣٣-٥٣٤. ون الأم : ٦/١٣٤ و ٧/٨٣. و أحكام الشافعي : ١/٣٠٣-٣٠٦. وسنن البيهقي : ٨/٢١٠. )
ــــــــــــ

١٢٣-
قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ ﴾٢٤ الآية. فسمى الله في الشهادة في الفاحشة، والفاحشة هاهنا ـ والله تعالى أعلم ـ الزنا، وفي الزنا أربعة شهود، ولا تتم الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء لا امرأة فيهم. لأن الظاهر من الشهداء الرجال خاصة دون النساء. ودلت السنة على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء، وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من : أنهم رجال محصنون. فإن قال قائل : الفاحشة تحتمل الزنا وغيره، فما دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره ؟ قيل : كتاب الله، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم ما لا أعلم عالما خالف فيه في قول الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم يمسكن حتى يجعل الله لهن سبيلا ثم نزلت :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾٢٥ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم »٢٦. ودل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم، لم أعلم في ذلك مخالفا من أهل العلم. فإن قال قائل : ما دل على أن لا يقطع الحكم في الزنا بأقل من أربعة شهداء ؟ قيل له : الآيتان من كتاب الله عز وجل يدلان على ذلك، قال الله عز وجل في القذفة :﴿ لَّوْلا جَاءو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَائِكَ عِندَ اَللَّهِ هُمُ اَلْكَاذِبُونَ ﴾٢٧ يقول : لولا جاءوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا. وقول الله عز وجل :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾٢٨ ودل على ذلك مع الاكتفاء بالتنزيل السنة، ثم الأثر، ثم الإجماع.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن سهيل بن أبي صالح٢٩، عن أبيه٣٠، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن سعدا٣١ قال : يا رسول الله ! أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« نعم »٣٢.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله، أو قتلها، فقال : إن لم يأت بأربعة شهداء فليُعْطَ بِرُمَّتِهِ٣٣.
وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا ولم يثبت الرابع، فحدَّ الثلاثة٣٤.
ولم أعلم الناس اختلفوا في أن لا يقام الحد في الزنا بأقل من أربعة شهداء. ( الأم : ٧/٨٢-٨٣. ون أحكام الشافعي : ٢/١٣٠. )
ــــــــــــ
١٢٤- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ﴾٣٥. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال له : أأمهله ح
١ - النور: ٢..
٢ - النساء: ٢٥..
٣ - النساء: ٢٥..
٤ - النور: ٢..
٥ - عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاص الثقفي، أبو محمد البصري الحافظ أحد الأشراف. عن: أيوب، ويونس، وحميد. وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن عرفة. وثقه ابن معين وقال: اختلط بآخرة. ت سنة: ١٩٤. وله ست وثمانون سنة. الكاشف: ٢/٢١٤. ون التهذيب: ٥/٣٥٠. وقال في التقريب: ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣٩٨ فقال: الثابت أن الناس قد حجبوا عنه عند تغيره. فلم يحدث في حال اختلاطه، كما ذكر ذلك أبو داود فيما نقله العقيلي في «الضعفاء»، قال: حدثنا الحسين بن عبد الله الذارع قال: حدثنا أبو داود قال: جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي تغيرا، فحجب الناس عنهم. فلا معنى لذكر اختلاطه بعد هذا لأنه يلبس..
٦ - يونس بن عبيد، أحد أئمة البصرة. عن: الحسن، وأبي بردة. وعنه: عبد الوهاب الثقفي، وابن علية. من العلماء العاملين الأثبات. ت سنة: ١٣٩. الكاشف: ٣/٢٩٠. ون التهذيب: ٩/٤٦٣. وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل ورع..
٧ - عبادة بن الصامت أبو الوليد الخزرجي، من بني عمرو بن عوف، بدري، نقيب. عنه: أبو إدريس، وجبير بن نفير. وهو أحد من جمع القرآن. وكان طويلا جسيما جميلا. ت بالرملة سنة: ٣٤. وله اثنان وسبعون عاما. الكاشف: ٢/٦٠. ون الإصابة: ٣/٦٢٤. والطبقات الكبرى: ٣/٥٤٦. والتهذيب: ٤/٢٠١. وقال في التقريب: بدري مشهور..
٨ - رواه عن الحسن، عن حطان الرقاشي، عن عبادة موصولا:
مسلم في الحدود (٢٩) باب: حد الزنى (٣) (ر١٦٩٠).
وأبو داود في الحدود (٣٢) باب: في الرجم (٢٣) (ر٤٤١٥).
والترمذي في الحدود (١٤) باب: ما جاء في الرجم على الثيب (٨) (ر١٤٣٤) وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد، والدارمي، والبيهقي. والشافعي في الرسالة ص: ١٣٠، وفي الأم: ٦/١٣٤.

- ورواه عن الحسن، عن عبادة مرسلا:

الشافعي في اختلاف الحديث ص: ٥٣٤ (ن النص الموالي). وفي المسند (ر١٢٦٤).
والبيهقي في الحدود ٨/٢١٢. وأحمد في مسند عبادة بن الصامت. قال شاكر إسناده صحيح.

-
ورواه ابن ماجة في الحدود (٢٠) باب: حد الزنى (٧) (ر٢٥٥٠) عن يونس بن جبير، عن حطان الرقاشي، عن عبادة بن الصامت.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم، قالوا: الثيب تجلد وترجم، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وهو قول إسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر، وعمر، وغيرهما: الثيب إنما عليه الرجم ولا يجلد، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا في غير حديث في قصة ماعز وغيره أنه أمر بالرجم، ولم يأمر أن يجلد قبل أن يرجم. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد..

٩ - النساء: ١٥..
١٠ - ماعز بن مالك الأسلمي. أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أصاب الذنب ثم ندم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف عنده، وكان محصنا، فأمر به رسول الله فرجم وقال: «لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزت عنهم». الطبقات الكبرى: ٤/٣٢٤. ون الإصابة: ٥/٧٠٥..
١١ - زيد بن خالد الجهني صحابي. عنه: أبو سلمة، وعطاء بن يسار. ت سنة: ٧٨. وله خمس وثمانون سنة. الكاشف: ١/٢٩١. ون الإصابة: ٢/٦٠٣. والطبقات الكبرى: ٤/٣٤٤. والتهذيب: ٣/٢٦٥. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
١٢ - العسيف: الأجير، والجمع عسفاء. الصحاح: عسف..
١٣ - أنيس بن الضحاك الأسلمي. ذكره أبو حاتم الرازي وقال: لا يعرف. وجزم ابن حبان وابن عبد البر بأنه هو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغد يا أنيس على امرأة هذا.. الحديث. قال ابن حجر: وفيه نظر، والظاهر في نقدي أنه غيره. الإصابة: ١/١٣٦..
١٤ - أخرجه البخاري في الصلح (٥٧) باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (٥) (ر٢٥٤٩). وفي الشروط باب: الشروط التي لا تحل في الحدود. وفي الأيمان والنذر باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم. وفي المحاربين باب: الاعتراف بالزنى. وفي الأحكام باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده. وفي التمني باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق. وفي كتب أخرى من الصحيح مختصرا.
وأخرجه مسلم في الحدود (٢٩) باب: من اعترف على نفسه بالزنى (٥) (ر١٦٩٧).
وأخرجه أصحاب السنن، والدارمي، والبيهقي. والشافعي في المسند (ر١٦٦٦)..

١٥ - أخرجه البخاري في الجنائز (٢٩) باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد (٥٩) (ر١٦٦٣). وفي المناقب باب: قول الله تعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُو كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ﴾ (البقرة: ١٤٦). وفي التفسير باب: ﴿قُلْ فَاتُوا بِالتَّوْرياةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (آل عمران: ٩٣). وفي المحاربين باب: الرجم في البلاط. وباب: أحكام أهل الذمة. وفي الاعتصام بالكتاب والسنة باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم. وفي التوحيد باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها.
وأخرجه مسلم في الحدود (٢٩) باب: رجم اليهود (٦) (ر٤٤٤٦).
وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والدارمي، كلهم في الحدود. وأحمد، والبيهقي..

١٦ - النساء: ١٥. وتمامها: ﴿ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾..
١٧ - النور: ٢..
١٨ - رواه البخاري في المحاربين (٩٠) باب: رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت (١٦) (ر٦٤٤٢) في خطبة عمر رضي الله عنه.
ورواه مسلم في الحدود (٢٩) باب: رجم الثيب في الزنا (٤) (ر١٦٩١).
ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والدارمي، كلهم في الحدود.
ورواه أحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٢٧٧)..

١٩ - نفسه..
٢٠ - سبق تخريجه في النص السابق..
٢١ - النساء: ٢٥..
٢٢ - سبق تخريجه في النص السابق..
٢٣ - حِطَّانَ بن عبد الله الرقاشي. عن: علي، وأبي الدرداء، وقرا على أبي موسى، قرا عليه الحسن. وروى عنه: يونس بن جبير، وأبو مجلز. ثقة. الكاشف: ١/١٩٤. ون التهذيب: ٢/٣٦١. وقال في التقريب: ثقة..
٢٤ - النساء: ١٥. ونمامها: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا ﴾.
٢٥ - النور: ٢..
٢٦ - سبق تخريجه..
٢٧ - النور: ١٣..
٢٨ - النور: ٤..
٢٩ - سهيل بن أبي صالح السمان أبو يزيد. عن: أبيه، وابن المسيب. وعنه: شعبة، والحمدان، وعلي بن عاصم. قال ابن معين: هو مثل العلاء وليس بحجة. وقال أبو حاتم: لا يحتج به، ووثقه ناس، ت سنة: ١٤٠. الكاشف: ١/٣٦١. ون التهذيب: ٣/٤٤٩. وقال في التقريب: صدوق تغير حفظه بِأَخَرَةٍ، روى له البخاري مقرونا وتعليقا.
وتعقبه صاحب التحرير ٢/٩١ فقال: بل ثقة، فأكثر الأئمة على توثيقه: سفيان بن عيينة، وأحمد، والترمذي، وابن سعد، والعجلي، والنسائي في رواية، وقال في أخرى: ليس به بأس، وإنما لين أمره ابن معين، وأبو حاتم وحدهما. وقد روى عنه كبار الأئمة: السفيانان، والحمادان، وشعبة، ومالك بن أنس، وأبو معاوية محمد بن حازم الضرير، ووهيب بن خالد، ويحيى بن سعيد النصاري، واحتج به مسلم كثيرا في «صحيحه». وقال السلمي: سألت الدارقطني: لم ترك البخاري حديث سهيل في كتاب «الصحيح»؟ فقال: لا أعرف له فيه عذرا، فقد كان النسائي إذا مر بحديث سهيل قال: هو والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير وغيرهما. وقال ابن عدي: ولسهيل نسخ، روى عنه الأئمة، وحدث عن أبيه، وعن جماعة عن أبيه. وهذا يدل على تمييز الرجل، كونه ميز ما سمع من أبيه، وما سمع من غير أبيه عنه، وهو عندي ثبت لا بأس به مقبول الأخبار.
وعندنا أن كلام ابن عدي هو القول الفصل فيه، وقال المؤلف في «الفتح» عن حديث في سنده سهيل: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرج له البخاري حديثا واحدا في الجهاد مقرونا بيحيى بن سعيد الأنصاري، وأخرج له حديثين آخرين متابعة في الدعوات..

٣٠ - ذكوان، أبو صالح السمان الزيات، شهد الدار. وروى عن: عائشة، وأبي هريرة. وعنه: بنوه: عبد الله، وسهيل، وصالح، والأعمش. من الأئمة الثقات. عند الأعمش روى عنه ألف حديث، توفي بالمدينة سنة: ١٠١. الكاشف: ١/٢٥٢. ون التهذيب: ٣/٤٢. وقال في التقريب: ثقة ثبت..
٣١ - سعد بن عبادة أبو ثابت وأبو قيس، سيد الخزرج أحد النقباء. قيل شهد بدرا. عنه: بنوه قيس وسعد وإسحاق. ت بحوران سنة: ١٥. وقيل: ١٤. له مناقب مدونة. الكاشف: ١/٣٠٦. ون الإصابة: ٣/٦٥. والطبقات الكبرى: ٣/٦١٣. والتهذيب: ٣/٢٨٥. وقال في التقريب: وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرا..
٣٢ - رواه مسلم في أول اللعان (١٩) (ر١٤٩٨).
ورواه أبو داود في الديات (٣٣) باب: فيمن وجد مع أهله رجلا أيقتله؟ (١٢) (ر٤٥٣٣).
ورواه مالك في الأقضية (٣٦) باب: القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا (١٩) (ر١٧).
ورواه البيهقي في الشهادات باب: الشهادة في الزنا. وفي الحدود باب: الشهود في الزنا. وفي الأشربة والحد فيها باب: الرجل يجد مع امرأته الرجل فيقتله.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٧٣)..

٣٣ - رواه مالك في الأقضية (٣٦) باب: القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا (١٩)(ر١٨).
ورواه البيهقي في الحدود باب: الشهود في الزنا. وفي الأشربة والحد فيها باب: الرجل يجد مع امرأته الرجل فيقتله.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٧١-١٢٧٢).
« فليعط »: أي فليسلم إلى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا. « برمته »: قطعة من حبل، لأنهم كانوا يقودون القاتل إلى ولي المقتول بحبل، ولذا قيل: القود. ن الموطا ص: ٦٤٧..

٣٤ - أخرج البخاري في الشهادات (٥٦) باب: شهادة القاذف والسارق والزاني (٨) وقول الله تعالى: ﴿ وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً اَبَدًا وَأُوْلَئاكَ هُمُ اَلْفَاسِقُونَ إِلا اَلذِينَ تَابُوا ﴾ (النور: ٤-٥). وجلد عمر أبا بكرةَ وشِبْلَ بن مَعْبَدٍ ونافعا بقذف الْمُغيرة، ثم استتابهم، وقال: من تاب قبلت شهادته.
وقال البخاري: وأجاز عبد الله بن عتبة، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير، وطاوس، ومجاهد، والشعبي، وعكرمة، والزهري، ومحاربُ بن دِثارٍ، وشريح، ومعاوية بن قُرَّةَ. وقال أبو الزناد: الأمر عندنا بالمدينة: إذا رجع القاذف عن قوله، فاستغفر ربه، قُبلت شهادته. وقال الشعبي وقتادة: إذا أكذب نفسه جُلِدَ، وقبلت شهادته. وقال الثوري: إذا جُلد العبد ثم أعتق جازت شهادته، وإن استقضي المحدود فقضاياه جائزة. وقال بعض الناس: لا تجوز شهادة القاذف وإن تاب (يشير إلى قول أبي حنيفة رحمه الله).
وأخرجه البيهقي في كتاب الشهادات: باب: شهادة القاذف ١٠/١٥٢.
وأخرجه الشافعي في المسند (ر١٦٥٧)..

٣٥ - النساء: ١٥..

١٢٥- قال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل :﴿ اِنَّمَا اَلتَّوْبَةُ عَلَى اَللَّهِ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾ ذكروا فيها معنيين، أحدهما : أنه من عصى فقد جهل، من جميع الخلق١. والآخر : أنه لا يتوب أبدا حتى يعلمه، وحتى يعمله وهو لا يرى أنه محرم، والأول أولاهما٢. ( أحكام الشافعي : ٢/١٨٦. )
١ - أي لأنه ارتكب فعل الجهلاء، وتنكب سبيل العقلاء، سواء أكان جاهلا بالحكم أم عالما به..
٢ - وهو الصواب والأرجح، والله تعالى أعلم. والدليل على ذلك ما حكاه ابن جرير في التفسير ٣/٦٤٠: عن أبي العالية: أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة. وعن قتادة قوله: ﴿لِلذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي به فهو «جهالة» عمدا كان أو غيره..
١٢٦- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمُ أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا ﴾ الآية. قال الشافعي يقال ـ والله أعلم ـ نزلت١ في الرجل يمنع المرأة حق الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف عن غير طيب نفسها، ويحبسها لتموت فيرثها، أو يذهب ببعض ما أتاها، واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. وقيل : لا بأس بأن يحبسها كارها لها إذا أدى حق الله تعالى فيها، لقول الله عز وجل :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ قرا إلى :﴿ كَثِيرًا ﴾.
قال : وقيل في هذه الآية دلالة على أنه إنما حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها، أو يذهب ببعض ما أتاها.
قال : وإذا منعها الحق وحبسها وذهب ببعض ما آتاها فطلبته، فهو مردود عليها إذا أقر بذلك، أو قامت به بينة.
قال الشافعي : وقد قيل : فإن أتت عنده بفاحشة ـ وهي الزنا ـ فحبسها على منع الحق في القسم لا أن ضربها ولا منعها نفقة، فأعطته بعض ما آتاها حل له أخذه، وكانت معصيتها الله بالزنا، ثم معصيته أكبر من معصيتها في غير الزنا، وهي إذا عصته فلم تُقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به.
قال : فإن حبسها مانعا لها الحق ولم تأت بفاحشة ليرثها، فماتت عنده، لم يحل له أن يرثها، ولا يأخذ منها شيئا في حياتها، فإن أخذه ردهَّ عليها وكان أملك برجعتها، وقيل : إن هذه الآية منسوخة، وفي معنى :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ﴾ إلى :﴿ سَبِيلاً ﴾٢ فنسخت بآية الحدود :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾٣ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم »٤ فلم يكن على امرأة حبس يمنع به حق الزوجة على الزوج، وكان عليها الحد.
قال : وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل ـ والله أعلم ـ لأن لله أحكاما بين الزوجين بأن جعل له عليها أن يطلقها محسنة ومسيئة، ويحبسها محسنة ومسيئة، وكارها لها وغير كاره، ولم يجعل له منعها حقها في حال. ( الأم : ٥/١٩٦. ون الأم : ٥/١١٧. و أحكام الشافعي : ١/٢١٣-٢١٦. )
ــــــــــــ
١٢٧- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى ذكره :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ إلى قوله :﴿ مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴾٥ ففرض الله عشرتها بالمعروف، وقال عز وجل : ﴿ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ ﴾٦ فدل على أنه أباح حبسها مكروهة، واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف، لا أنه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف، ثم قال :﴿ وَإِنْ اَرَدتُّمُ اَسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ﴾٧ الآية. فأعلم أنه إذا كان الأخذ من الزوج من غير الأمر من المرأة في نفسها ولا عشرتها ولم تطب نفسا بترك حقها في القسم لها وما له، فليس له منعها حقها ولا حبسها إلا بمعروف، وأول المعروف تأدية الحق، وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها، لأن الله تبارك وتعالى إنما أذن بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به، وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها، فقال :﴿ وَءَاتُوا اَلنِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ إلى قوله : ﴿ مَّرِيئًا ﴾٨ وقال :﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا ﴾٩ الآية، وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسا كما وصفت قول الله تعالى :﴿ وَكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وَقَدَ اَفْضى بَعْضُكُمُ إِلَى بَعْضٍ ﴾١٠ حظر لأخذه إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء وهو الدخول، فيأخذ نصفه بما جعل له، وأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال، وليس بحظر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قبلها، وذلك أنه إنما حظر أخذه إذا كان من قبل الرجل، فأما إذا كان من قبلها وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول الله تبارك وتعالى :﴿ فَإِنْ خِفْتُمُ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اَللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا اَفْتَدَتْ بِهِ ﴾١١ والحال التي أذن به فيها مخالفة الحال التي حرمه فيها، فإن أخذ منها شيئا على طلاقها فأقر أنه أخذ بالإضرار بها مضى عليه الطلاق، وردَّ ما أخذ منها، وكان له عليها الرجعة إلا أن يكون طلقها ثلاثا. ( الأم : ٥/١١٣. ون تفسير الآية ٢٢٨ من سورة البقرة. )
١ - روى ابن جرير في التفسير ٣/٦٤٧ بسنده عن ابن عباس في قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ﴾ قال: كانوا إذا مات الرجل ـ يعني في الجاهلية ـ كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك.
ورواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا﴾ (٨٥) (ر٤٣٠٣). وفي الإكراه (٩٣) باب: من الإكراه (٥) (ر٦٥٤٩).
ورواه أبو داود في النكاح (٦) باب: قوله تعالى: ﴿لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا﴾ (٢٣) (ر٢٠٨٩). ون لباب النقول ص: ٨١..

٢ - النساء: ١٥. وتمامها: ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾..
٣ - النور : ٢..
٤ - سبق تخريجه..
٥ - النساء: ١٩-٢٠-٢١..
٦ - النساء: ١٩..
٧ - النساء: ٢٠..
٨ - النساء: ٤. وتمامها: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾..
٩ - النساء: ١٢٨. وتمامها: ﴿اَوِ اِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرُُ﴾..
١٠ - النساء: ٢١..
١١ - البقرة: ٢٢٩..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:١٢٦- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمُ أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا ﴾ الآية. قال الشافعي يقال ـ والله أعلم ـ نزلت١ في الرجل يمنع المرأة حق الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف عن غير طيب نفسها، ويحبسها لتموت فيرثها، أو يذهب ببعض ما أتاها، واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. وقيل : لا بأس بأن يحبسها كارها لها إذا أدى حق الله تعالى فيها، لقول الله عز وجل :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ قرا إلى :﴿ كَثِيرًا ﴾.
قال : وقيل في هذه الآية دلالة على أنه إنما حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها، أو يذهب ببعض ما أتاها.
قال : وإذا منعها الحق وحبسها وذهب ببعض ما آتاها فطلبته، فهو مردود عليها إذا أقر بذلك، أو قامت به بينة.
قال الشافعي : وقد قيل : فإن أتت عنده بفاحشة ـ وهي الزنا ـ فحبسها على منع الحق في القسم لا أن ضربها ولا منعها نفقة، فأعطته بعض ما آتاها حل له أخذه، وكانت معصيتها الله بالزنا، ثم معصيته أكبر من معصيتها في غير الزنا، وهي إذا عصته فلم تُقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به.
قال : فإن حبسها مانعا لها الحق ولم تأت بفاحشة ليرثها، فماتت عنده، لم يحل له أن يرثها، ولا يأخذ منها شيئا في حياتها، فإن أخذه ردهَّ عليها وكان أملك برجعتها، وقيل : إن هذه الآية منسوخة، وفي معنى :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ﴾ إلى :﴿ سَبِيلاً ﴾٢ فنسخت بآية الحدود :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾٣ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم »٤ فلم يكن على امرأة حبس يمنع به حق الزوجة على الزوج، وكان عليها الحد.
قال : وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل ـ والله أعلم ـ لأن لله أحكاما بين الزوجين بأن جعل له عليها أن يطلقها محسنة ومسيئة، ويحبسها محسنة ومسيئة، وكارها لها وغير كاره، ولم يجعل له منعها حقها في حال. ( الأم : ٥/١٩٦. ون الأم : ٥/١١٧. و أحكام الشافعي : ١/٢١٣-٢١٦. )
ــــــــــــ

١٢٧-
قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى ذكره :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ إلى قوله :﴿ مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴾٥ ففرض الله عشرتها بالمعروف، وقال عز وجل :﴿ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ ﴾٦ فدل على أنه أباح حبسها مكروهة، واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف، لا أنه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف، ثم قال :﴿ وَإِنْ اَرَدتُّمُ اَسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ﴾٧ الآية. فأعلم أنه إذا كان الأخذ من الزوج من غير الأمر من المرأة في نفسها ولا عشرتها ولم تطب نفسا بترك حقها في القسم لها وما له، فليس له منعها حقها ولا حبسها إلا بمعروف، وأول المعروف تأدية الحق، وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها، لأن الله تبارك وتعالى إنما أذن بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به، وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها، فقال :﴿ وَءَاتُوا اَلنِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ إلى قوله :﴿ مَّرِيئًا ﴾٨ وقال :﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا ﴾٩ الآية، وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسا كما وصفت قول الله تعالى :﴿ وَكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وَقَدَ اَفْضى بَعْضُكُمُ إِلَى بَعْضٍ ﴾١٠ حظر لأخذه إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء وهو الدخول، فيأخذ نصفه بما جعل له، وأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال، وليس بحظر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قبلها، وذلك أنه إنما حظر أخذه إذا كان من قبل الرجل، فأما إذا كان من قبلها وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول الله تبارك وتعالى :﴿ فَإِنْ خِفْتُمُ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اَللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا اَفْتَدَتْ بِهِ ﴾١١ والحال التي أذن به فيها مخالفة الحال التي حرمه فيها، فإن أخذ منها شيئا على طلاقها فأقر أنه أخذ بالإضرار بها مضى عليه الطلاق، وردَّ ما أخذ منها، وكان له عليها الرجعة إلا أن يكون طلقها ثلاثا. ( الأم : ٥/١١٣. ون تفسير الآية ٢٢٨ من سورة البقرة. )
١ - روى ابن جرير في التفسير ٣/٦٤٧ بسنده عن ابن عباس في قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ﴾ قال: كانوا إذا مات الرجل ـ يعني في الجاهلية ـ كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك.
ورواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا﴾ (٨٥) (ر٤٣٠٣). وفي الإكراه (٩٣) باب: من الإكراه (٥) (ر٦٥٤٩).
ورواه أبو داود في النكاح (٦) باب: قوله تعالى: ﴿لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا﴾ (٢٣) (ر٢٠٨٩). ون لباب النقول ص: ٨١..

٢ - النساء: ١٥. وتمامها: ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾..
٣ - النور : ٢..
٤ - سبق تخريجه..
٥ - النساء: ١٩-٢٠-٢١..
٦ - النساء: ١٩..
٧ - النساء: ٢٠..
٨ - النساء: ٤. وتمامها: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾..
٩ - النساء: ١٢٨. وتمامها: ﴿اَوِ اِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرُُ﴾..
١٠ - النساء: ٢١..
١١ - البقرة: ٢٢٩..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:١٢٦- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمُ أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا ﴾ الآية. قال الشافعي يقال ـ والله أعلم ـ نزلت١ في الرجل يمنع المرأة حق الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف عن غير طيب نفسها، ويحبسها لتموت فيرثها، أو يذهب ببعض ما أتاها، واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. وقيل : لا بأس بأن يحبسها كارها لها إذا أدى حق الله تعالى فيها، لقول الله عز وجل :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ قرا إلى :﴿ كَثِيرًا ﴾.
قال : وقيل في هذه الآية دلالة على أنه إنما حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها، أو يذهب ببعض ما أتاها.
قال : وإذا منعها الحق وحبسها وذهب ببعض ما آتاها فطلبته، فهو مردود عليها إذا أقر بذلك، أو قامت به بينة.
قال الشافعي : وقد قيل : فإن أتت عنده بفاحشة ـ وهي الزنا ـ فحبسها على منع الحق في القسم لا أن ضربها ولا منعها نفقة، فأعطته بعض ما آتاها حل له أخذه، وكانت معصيتها الله بالزنا، ثم معصيته أكبر من معصيتها في غير الزنا، وهي إذا عصته فلم تُقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به.
قال : فإن حبسها مانعا لها الحق ولم تأت بفاحشة ليرثها، فماتت عنده، لم يحل له أن يرثها، ولا يأخذ منها شيئا في حياتها، فإن أخذه ردهَّ عليها وكان أملك برجعتها، وقيل : إن هذه الآية منسوخة، وفي معنى :﴿ وَالَّاتِي يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ﴾ إلى :﴿ سَبِيلاً ﴾٢ فنسخت بآية الحدود :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾٣ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم »٤ فلم يكن على امرأة حبس يمنع به حق الزوجة على الزوج، وكان عليها الحد.
قال : وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل ـ والله أعلم ـ لأن لله أحكاما بين الزوجين بأن جعل له عليها أن يطلقها محسنة ومسيئة، ويحبسها محسنة ومسيئة، وكارها لها وغير كاره، ولم يجعل له منعها حقها في حال. ( الأم : ٥/١٩٦. ون الأم : ٥/١١٧. و أحكام الشافعي : ١/٢١٣-٢١٦. )
ــــــــــــ

١٢٧-
قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى ذكره :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ إلى قوله :﴿ مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴾٥ ففرض الله عشرتها بالمعروف، وقال عز وجل :﴿ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ ﴾٦ فدل على أنه أباح حبسها مكروهة، واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف، لا أنه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف، ثم قال :﴿ وَإِنْ اَرَدتُّمُ اَسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ﴾٧ الآية. فأعلم أنه إذا كان الأخذ من الزوج من غير الأمر من المرأة في نفسها ولا عشرتها ولم تطب نفسا بترك حقها في القسم لها وما له، فليس له منعها حقها ولا حبسها إلا بمعروف، وأول المعروف تأدية الحق، وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها، لأن الله تبارك وتعالى إنما أذن بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به، وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها، فقال :﴿ وَءَاتُوا اَلنِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ إلى قوله :﴿ مَّرِيئًا ﴾٨ وقال :﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا ﴾٩ الآية، وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسا كما وصفت قول الله تعالى :﴿ وَكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وَقَدَ اَفْضى بَعْضُكُمُ إِلَى بَعْضٍ ﴾١٠ حظر لأخذه إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء وهو الدخول، فيأخذ نصفه بما جعل له، وأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال، وليس بحظر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قبلها، وذلك أنه إنما حظر أخذه إذا كان من قبل الرجل، فأما إذا كان من قبلها وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول الله تبارك وتعالى :﴿ فَإِنْ خِفْتُمُ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اَللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا اَفْتَدَتْ بِهِ ﴾١١ والحال التي أذن به فيها مخالفة الحال التي حرمه فيها، فإن أخذ منها شيئا على طلاقها فأقر أنه أخذ بالإضرار بها مضى عليه الطلاق، وردَّ ما أخذ منها، وكان له عليها الرجعة إلا أن يكون طلقها ثلاثا. ( الأم : ٥/١١٣. ون تفسير الآية ٢٢٨ من سورة البقرة. )
١ - روى ابن جرير في التفسير ٣/٦٤٧ بسنده عن ابن عباس في قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ﴾ قال: كانوا إذا مات الرجل ـ يعني في الجاهلية ـ كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك.
ورواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا﴾ (٨٥) (ر٤٣٠٣). وفي الإكراه (٩٣) باب: من الإكراه (٥) (ر٦٥٤٩).
ورواه أبو داود في النكاح (٦) باب: قوله تعالى: ﴿لا يَحِلُّ لَكُمُو أَن تَرِثُوا اَلنِّسَاء كَرْهًا﴾ (٢٣) (ر٢٠٨٩). ون لباب النقول ص: ٨١..

٢ - النساء: ١٥. وتمامها: ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفّياهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾..
٣ - النور : ٢..
٤ - سبق تخريجه..
٥ - النساء: ١٩-٢٠-٢١..
٦ - النساء: ١٩..
٧ - النساء: ٢٠..
٨ - النساء: ٤. وتمامها: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾..
٩ - النساء: ١٢٨. وتمامها: ﴿اَوِ اِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرُُ﴾..
١٠ - النساء: ٢١..
١١ - البقرة: ٢٢٩..

١٢٨- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾ الآية. قال الشافعي : والأمهات أم الرجل الوالدة، وأمهاتها، وأمهات آبائه وإن بعدت الجدات لأنهن يلزمهن اسم الأمهات. والبنات بنات الرجل لصلبه، وبنات بنيه، وبناتهن وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات، كما لزم الجدات اسم الأمهات وإن علون وتباعدن منه. وكذلك ولد الولد وإن سفلوا، والأخوات من ولد أبيه لصلبه أو أمه نفسها، وعماته من ولد جده الأدنى أو الأقصى ومن فوقهما من أجداد، وخالاته من والدته أم أمه وأمها، ومن فوقهما من جداته من قبلها، وبنات الأخ كل ما ولد الأخ لأبيه أو لأمه أو لهما من ولد ولدته والدته، فكلهم بنو أخيه وإن تسفلوا، وهكذا بنات الأخت.
قال الشافعي : وحرم الله تعالى الأخت من الرضاعة، فاحتمل تحريمها معنيين : أحدهما، إذا ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما في التحريم مقام الأم والأخت من النسب أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب، فما حرم بالنسب حرم بالرضاع مثله.
وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن. والآخر، أن يحرم من الرضاع الأم والأخت ولا يحرم سواهما.
قال الشافعي : فإن قال قائل : فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم مقام النسب ؟ قيل له ـ إن شاء الله تعالى ـ : أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة »١.
أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر٢، عن عمرة بنت عبد الرحمان : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة فقالت عائشة : فقلت يا رسول الله ! هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أراه فلانا ـ لعم حفصة من الرضاعة » فقلت : يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة أيدخل علي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« نعم، إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة »٣.
أخبرنا ابن عيينة قال : سمعت ابن جدعان٤ قال : سمعت ابن المسيب يحدث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله هل لك في ابنة عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش، فقال :« أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة وأن الله تعالى حرَّم من الرضاعة ما حرم من النسب »٥.
أخبرنا الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة مثل حديث سفيان في بنت حمزة٦.
قال الشافعي : وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة، وأن لبن الفحل يحرم كما يحرم ولادة الأب يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عمرو بن الشريد٧ : أن ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما وأرضعت الأخرى جارية، فقيل له : هل يتزوج الغلام الجارية ؟ فقال : لا اللقاح واحد٨.
أخبرنا سعيد بن سالم قال : أخبرنا ابن جريج أنه سأل عطاء عن لبن الفحل أيحرم ؟ فقال : نعم. فقلت له : أبلغك من ثبت ؟ فقال : نعم. قال ابن جريج : قال عطاء : وأخواتكم من الرضاعة فهي أختك من أبيك٩.
أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج : أن عمرو بن دينار أخبره أنه سمع أبا الشعثاء١٠ يرى لبن الفحل يحرم، وقال ابن جريج، عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال : لبن الفحل يحرم١١.
قال الشافعي : وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت، أو طلقها قبل أن يدخل بها، لم أر له أن ينكح أمها لأن الأم مبهمة التحريم في كتاب الله عز وجل ليس فيها شرط، إنما الشرط في الربائب.
قال الشافعي : وهذا قول الأكثر من المفتين، وقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم١٢.
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد قال : سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة، ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها ؟ فقال زيد بن ثابت : لا، الأم مبهمة١٣ ليس فيها شرط١٤، إنما الشرط في الربائب١٥.
قال الشافعي : وهكذا أمهاتها وإن بعدن وجداتها، لأنهن من أمهات نسائه.
قال الشافعي : وإذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها حتى ماتت، أو طلقها، فكل بنت لها وإن سفلن حلال لقول الله عز وجل :﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اَلَّـاتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اَلَّـاتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾١٦ فلو نكح امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، ثم نكح ابنتها حرمت عليه أم امرأته١٧، وإن لم يدخل بامرأته لأنها صارت من أمهات نسائه، وقد كانت قبل من نسائه، غير أنه لم يدخل بها. ولو كان دخل بالأم لم تحل له البنت، ولا أحد ممن ولدته البنت أبدا، لأنهن ربائبه من امرأته التي دخل بها١٨.
قال الله عز وجل :﴿ وَحَلَـائِلُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَـابِكُمْ ﴾١٩ فأي امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه دخل بها الابن أم لم يدخل، وكذلك تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه، لأن الأبوة تجمعهم جميعا. وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل النساء والرجل وإن سفلوا، لأن الأبوة تجمعهم جميعا. قال الله تعالى :﴿ وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اَلنِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾٢٠ فأي امرأة نكحها رجل حرمت على ولده، دخل بها الأب أم لم يدخل بها، وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء وإن سفلوا، لأن الأبوة تجمعهم جميعا.
قال الشافعي : وكل امرأة أب أو ابن حرمتها على ابنه أو أبيه بنسب، فكذلك أحرم إذا كانت امرأة أب أو ابن من الرضاع.
فإن قال قائل : إنما قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَحَلَئالُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَباكُمْ ﴾٢١ فكيف حرمت حليلة الابن من الرضاعة ؟ قيل : بما وصفت من جمع الله بين الأم والأخت من الرضاعة، والأم والأخت من النسب في التحريم، ثم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب »٢٢. فإن قال : فهل تعلم فيما أنزلت ؟ ﴿ وَحَلَئالُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَباكُمْ ﴾٢٣ قيل : الله تعالى أعلم فيم أنزلها، فأما معنى ما سمعته متفرقا فجمعته، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد نكاح ابنة جحش٢٤ فكانت عند زيد ابن حارثة٢٥، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه فأمر الله تعالى ذكره أن يدعى الأدعياء لآبائهم :﴿ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى اِلدِّينِ ﴾٢٦ وقال :﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمُ أَبْنَاءكُمْ ﴾ إلى قوله :﴿ وَمَوَالِيكُمْ ﴾٢٧ وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم :
﴿ فَلَّمَا قَضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى اَلْمُومِنِينَ حَرَجٌ ﴾٢٨ الآية.
قال الشافعي : فأشبه ـ والله تعالى أعلم ـ أن يكون قوله :﴿ وَحَلَئالُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَبِاكُمْ ﴾٢٩ دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم. ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسا عليه، وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه :« يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة »٣٠.
قال الشافعي في قول الله عز وجل :﴿ وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اَلنِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾٣١ وفي قوله :﴿ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلاُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾٣٢ كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه، وكان الرجل يجمع بين الأختين، فنهى الله عز وجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين، أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه، ليس أنه أقر في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الإسلام، كما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الإسلام بحال٣٣. ( الأم : ٥/٢٣-٢٥. ون الأم : ٥/١٤٨. وأحكام الشافعي : ١/١٨١-١٨٣. و ١/٢٥٦-٢٥٧. ومختصر المزني ص : ٢٢٦. ومناقب الشافعي : ١/٢٩٤-٢٩٥. ومعرفة السنن والآثار : ٥/٢٨٢-٢٨٣ و ٦/٧٨-٧٩. )
ـــــــــــــــــ
١٢٩- قال الشافعي : قال الله :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ اَلاَخِ وَبَنَاتُ اَلاُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اَلَّـاتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ اَلرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اَلَّـاتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اَلَّـاتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَئالُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلاُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ اَلنِّسَاء الا مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَالِكُمُ ﴾٣٤ قال : وذكر الله من حرَّم، ثم قال :﴿ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَالِكُمُ ﴾ فقال رسول الله :« لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها »٣٥ فلم أعلم مخالفا في اتباعه. فكانت فيه دلالتان : دلالة على أن سنة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال، ولكن مبينة عامَّه وخاصه.
ودلالة على أنهم قبلوا فيه خَبَرَ الواحد، فلا نعلم أحدا رواه من وجه يصح عن النبي إلا أبا هريرة٣٦.
قال : أفيحتمل أن يكون هذا الحديث عندك خلافا لشيء من ظاهر الكتاب ؟ فقلت : لا، ولا غيره. قال : فما معنى قول الله :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾٣٧ فقد ذكر التحريم وقال :
﴿ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَالِكُمُ ﴾٣٨. قلت : ذكر تحريم من هو حرام بكل حال، مثل الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت. وذكر من حرم بكل حال من النسب والرضاع. وذكر من حرم من الجمع بينه، وكان أصل كل واحدة منهما مباحا على الانفراد، قال :﴿ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَالِكُمُ ﴾ يعني بالحال التي أحلها به. ألا ترى أن قوله :﴿ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذالِكُمُ ﴾ بمعنى ما أحل به، لا أن واحدة من النساء حلال بغير نكاح يصح، ولا أنه يجوز نكاح خامسة على أربع، ولا جمع بين أختين، ولا غير ذلك مما نهى عنه. ( الرسالة : ٢٢٦-٢٢٩. ون الرسالة : ٢٠١-٢٠٦. والأم : ٥/٣، ٥/٥، ٥/١٥٠. )
ــــــــــــ
١٣٠- قال الشافعي : وقال الله عز وجل :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ اَلنِّسَاء الا مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ﴾٣٩ والمحصنات اسم جامع، فجماعه أن الإحصان : المنع.
والمنع يكون بأسباب مختلفة منها : المنع بالحبس، والمنع يقع على الحرائر بالحرية، ويقع على المسلمات بالإسلام، ويقع على العفائف بالعفاف، ويقع على ذوات الأزواج بمنع الأزواج، فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت : بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحرم إصابة واحدة منهما بنكاح ولا ملك. ولأني لم أعلمهم اختلفوا في أن ال
١ - رواه البخاري في الشهادات (٥٦) باب: الشهادة على الأنساب (٧) (ر٢٥٠٣). وفي الخمس (٦١) باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (٤) (ر٢٩٣٨). وفي النكاح (٧٠) باب: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اَلَّـاتِى أَرْضَعْنَكُمْ﴾ (٢١)(ر٤٨١١).
ورواه مسلم في أول الرضاع (١٧) (ر١٤٤٤-١٤٤٥).
ورواه أصحاب السنن. ورواه مالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي. والشافعي في المسند (ر١٠٧١-١٠٨٦-١٠٨٧)..

٢ - عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. عن: أبيه، وأنس، وعمرة. وعنه: فليح، والسفيانان، وابن علية. حجة. ت سنة: ١٣٥. الكاشف: ٢/٧١. ون التهذيب: ٤/٢٥٠. وقال في التقريب: ثقة..
٣ - نفسه..
٤ - علي بن زيد بن جدعان التيمي، البصري، الضرير. أحد الحفاظ وليس بالثبت. سمع: سعيد بن المسيب، وجماعة. وعنه: شعبة، وزائدة، وابن علية، وخلق. قال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين. قال منصور بن زاذان: لما مات الحسن قلنا لابن جدعان: اجلس مجلسه. ت سنة: ١٣١. الكاشف: ٢/٢٧٨. ون التهذيب: ٥/٦٨٥. وقال في التقريب: ضعيف. وقال صاحب التحرير ٣/٤٣: لم يحتج به مسلم، وإنما روى له مسلم مقرونا بثابت البناني..
٥ - رواه البخاري في الشهادات باب: الشهادة على النساب (٧) (ر٢٥٠٢) عن ابن عباس. وفي النكاح (٧٠) باب:
﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اَلَّـاتِى أَرْضَعْنَكُمْ ﴾(٢١) (ر٤٨١٢).
ورواه مسلم في الرضاع (١٧) باب: تحريم ابنة الأخ من الرضاعة (٣) (ر١٤٤٧).
ورواه النسائي، وابن ماجة، وأحمد، والبيهقي. والشافعي في المسند (ر١٠٧٣)..

٦ - رواه الشافعي في المسند (ر١٠٧٤)..
٧ - عمرو بن الشريد بن سويد. عن: أبيه، وسعد، وطائفة. وعنه: إبراهيم بن ميسرة، ويعلى بن عطاء، وطائفة طائفي. الكاشف: ٢/٣٢١. ون التهذيب: ٦/١٥٨. وقال في التقريب: ثقة..
٨ - رواه الترمذي في الرضاع (٩) باب: ما جاء في لبن الفحل (٢) (ر١١٤٩).
ورواه مالك في الرضاع (٣٠) باب: رضاعة الصغير (١) (ر٥).
ورواه البيهقي في الرضاع باب: يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وأن لبن الفحل يحرم ٧/٤٥٣.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٨٥).
اللقاح واحد: أي أن ماء الفحل الذي حملت منه المرأتان واحد، واللبن الذي أرضعت كل واحدة منهما كان أصله ماء الفحل وهو الزوج..

٩ - رواه عبد الرزاق في كتاب الطلاق باب: لبن الفحل (ر١٣٩٣٣)..
١٠ - جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي الإمام، صاحب ابن عباس. وعنه: قتادة، وأيوب، وخلق. قال ابن عباس: لو نزل أهل البصرة عند قوله لأوسعهم من كتاب الله ت سنة: ٩٣. الكاشف: ١/١٢٩. ون التهذيب: ٢/٤. وقال قي التقريب: ثقة فقيه..
١١ - قال البيهقي وروينا هذا المذهب من التابعين عن القاسم بن محمد، وجابر بن زيد أبي الشعثاء، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والزهري. ن السنن الكبرى: ٧/٤٥٣..
١٢ - روى مالك في النكاح (٢٨) باب: ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته (٩) (ر٢٣) أن عبد الله بن مسعود استفتي وهو بالكوفة عن نكاح الأم بعد الابنة إذا لم تكن الابنة مست فأرخص في ذلك. ثم إن ابن مسعود قدم المدينة، فسأل عن ذلك، فأُخْبرَ: أنه ليس كما قال، وإنما الشرط في الربائب، فرجع ابن مسعود إلى الكوفة، فلم يصل إلى منزله حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك، فأمره أن يفارق امرأته.
وروى البيهقي في النكاح باب: ما جاء في قول الله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ..﴾ الآية ٧/١٥٩ عن أبي عمرو الشيباني أن رجلا سأل ابن مسعود عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أيتزوج أمها؟ قال: نعم. فتزوجها فولدت له، فقدم على عمر رضي الله عنه فسأله فقال: فرق بينهما، قال: إنها قد ولدت، قال: وإن ولدت عشرا..

١٣ - الأم مبهمة: عن البيان فلا تحل بحال..
١٤ - ليس فيها شرط: أي بالدخول..
١٥ - رواه مالك في النكاح (٢٨) باب: ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته (٩) (ر٢٢).
ورواه البيهقي في النكاح باب: ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ..﴾ الآية ٧/١٦٠ وقال: هذا منقطع. وقد روي عن سعيد بن مسيب أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: إن كانت ماتت فورثها فلا تحل له أمها، وإن طلقها فإنه يتزوجها..

١٦ - النساء: ٢٣..
١٧ - روى البيهقي في النكاح باب: ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ..﴾ الآية ٧/١٦٠ عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال في رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنه، أنه لا تحل له أمها. وهو قول الحسن وقتادة..
١٨ - روى البيهقي في نفس الكتاب والباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها، وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها، وإن لم يدخل بها فلينكح ابنتها».
ورواه ابن جرير في التفسير ٣/٦٦٤ وقال: وهذا خبر، وإن كان في إسناده ما فيه، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به، مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره..

١٩ - النساء: ٢٣..
٢٠ - النساء: ٢٢. وروى ابن جرير في التفسير ٣/٦٦٠ عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين. قال: فأنزل الله: ﴿وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اَلنِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ (النساء: ٢٢). و ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلاُخْتَيْنِ﴾ (النساء: ٢٣)..
٢١ - النساء: ٢٣..
٢٢ - سبق تخريجه..
٢٣ - النساء: ٢٣..
٢٤ - زينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين، لها إخوة وهي بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم أميمة، وكانت تفتخر وتقول: زوجني الله من فوق عرشه. عنها: أم حبيبة، وزينب بنت أبي سلمة. ت سنة ٢٠. الكاشف: ٣/٤١٥. ون الإصابة: ٧/٦٦٧. والطبقات الكبرى: ٨/١٠١. والتهذيب: ١٠/٤٧٥..
٢٥ - زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين. عنه: ابنه، وابن عباس، والبراء. استشهد يوم مؤتة سنة: ٨. الكاشف: ١/٢٩٠. ون الإصابة: ٢/٥٩٨. والطبقات الكبرى: ٣/٤٠. والتهذيب: ٣/٢١٨..
٢٦ - الأحزاب: ٥..
٢٧ - الأحزاب: ٤-٥. وهو قوله تعالى: ﴿وَما جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمُو أَبْنَاءكُمْ ذَالِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ اَلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى اِلسَّبِيلَ اَدْعُوهُمْ ِلأَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اَللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى اِلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾..
٢٨ - الأحزاب: ٣٧. وتمامها: ﴿لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى اَلْمُومِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمُو إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اَللَّهِ مَفْعُولاً﴾..
٢٩ - النساء: ٢٣..
٣٠ - سبق تخريجه..
٣١ - النساء: ٢٢..
٣٢ - النساء: ٢٣..
٣٣ - ن قول ابن جرير فيما سبق..
٣٤ - النساء: ٢٣-٢٤..
٣٥ - رواه عن أبي هريرة:
البخاري في النكاح (٧٠) باب: لا تنكح المرأة على عمتها (٢٨) (ر٤٨٢٠).
ومسلم في النكاح (١٦) باب: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح (٤) (ر١٤٠٨).
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، ومالك، وأحمد، والبيهقي. والشافعي في المسند (ر١٠٦٢).
ورواه الترمذي في النكاح (٨) باب: ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها (٣٠) (ر١١٢٥) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تزوج المرأة على عمتها أو على خالتها.
والحديث رواه الشافعي هنا دون ذكر سنده، ورواه في الأم ٥/٥ وفي المسند (ر١٠٦٢) بإسناده فقال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث..

٣٦ - قال الشافعي رحمه الله في الأم ٥/٥ :«ولا يروى من وجه يثبته أهل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي هريرة، وقد روي من وجه لا يثبته أهل الحديث من وجه آخر، وفي هذا حجة على من رد الحديث، وعلى من أخذ بالحديث مرة وتركه أخرى».
وقد نحا البيهقي منحى الشافعي فقال: «والذي ذكر من أنه يروى من غير جهة أبي هريرة رضي الله عنه فكما قال، فإنه يروى عن علي وعبد الله ين مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سعيد الخذري، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ومن النساء عن عائشة رضي الله تعالى عنها، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن جميع هذه الروايات ليست من شرط صاحبي الصحيح البخاري ومسلم، وإنما اتفقا ومن قبلهما ومن بعدهما من أئمة الحديث على إثبات حديث أبي هريرة في هذا الباب فقط كما قال الشافعي رحمه الله». ن السنن الكبرى: ٧/١٦٦.
قال العلامة شاكر: وهذا الذي قال الشافعي يدل على أنه لم يصل إليه طرق صحيحة من غير حديث أبي هريرة، ولكنه قد صح من حديث جابر، فرواه أحمد والبخاري والترمذي كما في ليل الأوطار، ونقل عن ابن عبد البر قتال: كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة، يعني من وجه يصح، وكأنه لم يصح حديث الشعبي عن جابر، وصححه عن أبي هريرة، والحديثان جميعا صحيحان. ن هـ الرسالة: ٢٢٨..

٣٧ - النساء: ٢٣..
٣٨ - النساء: ٢٤..
٣٩ - النساء: ٢٤..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:١٢٨- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾ الآية. قال الشافعي : والأمهات أم الرجل الوالدة، وأمهاتها، وأمهات آبائه وإن بعدت الجدات لأنهن يلزمهن اسم الأمهات. والبنات بنات الرجل لصلبه، وبنات بنيه، وبناتهن وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات، كما لزم الجدات اسم الأمهات وإن علون وتباعدن منه. وكذلك ولد الولد وإن سفلوا، والأخوات من ولد أبيه لصلبه أو أمه نفسها، وعماته من ولد جده الأدنى أو الأقصى ومن فوقهما من أجداد، وخالاته من والدته أم أمه وأمها، ومن فوقهما من جداته من قبلها، وبنات الأخ كل ما ولد الأخ لأبيه أو لأمه أو لهما من ولد ولدته والدته، فكلهم بنو أخيه وإن تسفلوا، وهكذا بنات الأخت.
قال الشافعي : وحرم الله تعالى الأخت من الرضاعة، فاحتمل تحريمها معنيين : أحدهما، إذا ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما في التحريم مقام الأم والأخت من النسب أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب، فما حرم بالنسب حرم بالرضاع مثله.
وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن. والآخر، أن يحرم من الرضاع الأم والأخت ولا يحرم سواهما.
قال الشافعي : فإن قال قائل : فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم مقام النسب ؟ قيل له ـ إن شاء الله تعالى ـ : أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة »١.
أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر٢، عن عمرة بنت عبد الرحمان : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة فقالت عائشة : فقلت يا رسول الله ! هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أراه فلانا ـ لعم حفصة من الرضاعة » فقلت : يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة أيدخل علي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« نعم، إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة »٣.
أخبرنا ابن عيينة قال : سمعت ابن جدعان٤ قال : سمعت ابن المسيب يحدث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله هل لك في ابنة عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش، فقال :« أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة وأن الله تعالى حرَّم من الرضاعة ما حرم من النسب »٥.
أخبرنا الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة مثل حديث سفيان في بنت حمزة٦.
قال الشافعي : وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة، وأن لبن الفحل يحرم كما يحرم ولادة الأب يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عمرو بن الشريد٧ : أن ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما وأرضعت الأخرى جارية، فقيل له : هل يتزوج الغلام الجارية ؟ فقال : لا اللقاح واحد٨.
أخبرنا سعيد بن سالم قال : أخبرنا ابن جريج أنه سأل عطاء عن لبن الفحل أيحرم ؟ فقال : نعم. فقلت له : أبلغك من ثبت ؟ فقال : نعم. قال ابن جريج : قال عطاء : وأخواتكم من الرضاعة فهي أختك من أبيك٩.
أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج : أن عمرو بن دينار أخبره أنه سمع أبا الشعثاء١٠ يرى لبن الفحل يحرم، وقال ابن جريج، عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال : لبن الفحل يحرم١١.
قال الشافعي : وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت، أو طلقها قبل أن يدخل بها، لم أر له أن ينكح أمها لأن الأم مبهمة التحريم في كتاب الله عز وجل ليس فيها شرط، إنما الشرط في الربائب.
قال الشافعي : وهذا قول الأكثر من المفتين، وقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم١٢.
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد قال : سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة، ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها ؟ فقال زيد بن ثابت : لا، الأم مبهمة١٣ ليس فيها شرط١٤، إنما الشرط في الربائب١٥.
قال الشافعي : وهكذا أمهاتها وإن بعدن وجداتها، لأنهن من أمهات نسائه.
قال الشافعي : وإذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها حتى ماتت، أو طلقها، فكل بنت لها وإن سفلن حلال لقول الله عز وجل :﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اَلَّـاتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اَلَّـاتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾١٦ فلو نكح امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، ثم نكح ابنتها حرمت عليه أم امرأته١٧، وإن لم يدخل بامرأته لأنها صارت من أمهات نسائه، وقد كانت قبل من نسائه، غير أنه لم يدخل بها. ولو كان دخل بالأم لم تحل له البنت، ولا أحد ممن ولدته البنت أبدا، لأنهن ربائبه من امرأته التي دخل بها١٨.
قال الله عز وجل :﴿ وَحَلَـائِلُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَـابِكُمْ ﴾١٩ فأي امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه دخل بها الابن أم لم يدخل، وكذلك تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه، لأن الأبوة تجمعهم جميعا. وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل النساء والرجل وإن سفلوا، لأن الأبوة تجمعهم جميعا. قال الله تعالى :﴿ وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اَلنِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾٢٠ فأي امرأة نكحها رجل حرمت على ولده، دخل بها الأب أم لم يدخل بها، وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء وإن سفلوا، لأن الأبوة تجمعهم جميعا.
قال الشافعي : وكل امرأة أب أو ابن حرمتها على ابنه أو أبيه بنسب، فكذلك أحرم إذا كانت امرأة أب أو ابن من الرضاع.
فإن قال قائل : إنما قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَحَلَئالُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَباكُمْ ﴾٢١ فكيف حرمت حليلة الابن من الرضاعة ؟ قيل : بما وصفت من جمع الله بين الأم والأخت من الرضاعة، والأم والأخت من النسب في التحريم، ثم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب »٢٢. فإن قال : فهل تعلم فيما أنزلت ؟ ﴿ وَحَلَئالُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَباكُمْ ﴾٢٣ قيل : الله تعالى أعلم فيم أنزلها، فأما معنى ما سمعته متفرقا فجمعته، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد نكاح ابنة جحش٢٤ فكانت عند زيد ابن حارثة٢٥، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه فأمر الله تعالى ذكره أن يدعى الأدعياء لآبائهم :﴿ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى اِلدِّينِ ﴾٢٦ وقال :﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمُ أَبْنَاءكُمْ ﴾ إلى قوله :﴿ وَمَوَالِيكُمْ ﴾٢٧ وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم :
﴿ فَلَّمَا قَضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى اَلْمُومِنِينَ حَرَجٌ ﴾٢٨ الآية.
قال الشافعي : فأشبه ـ والله تعالى أعلم ـ أن يكون قوله :﴿ وَحَلَئالُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَبِاكُمْ ﴾٢٩ دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم. ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسا عليه، وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه :« يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة »٣٠.
قال الشافعي في قول الله عز وجل :﴿ وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اَلنِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾٣١ وفي قوله :﴿ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلاُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾٣٢ كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه، وكان الرجل يجمع بين الأختين، فنهى الله عز وجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين، أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه، ليس أنه أقر في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الإسلام، كما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الإسلام بحال٣٣. ( الأم : ٥/٢٣-٢٥. ون الأم : ٥/١٤٨. وأحكام الشافعي : ١/١٨١-١٨٣. و ١/٢٥٦-٢٥٧. ومختصر المزني ص : ٢٢٦. ومناقب الشافعي : ١/٢٩٤-٢٩٥. ومعرفة السنن والآثار : ٥/٢٨٢-٢٨٣ و ٦/٧٨-٧٩. )
ـــــــــــــــــ

١٢٩-
قال الشافعي : قال الله :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ اَلاَخِ وَبَنَاتُ اَلاُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اَلَّـاتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ اَلرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اَلَّـاتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اَلَّـاتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَئالُ أَبْنَآئِكُمُ اَلذِينَ مِنَ اَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلاُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ اَلنِّسَاء الا مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَالِكُمُ ﴾٣٤ قال : وذكر الله من حرَّم، ثم قال :﴿ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَالِكُمُ ﴾ فقال رسول الله :« لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها »٣٥ فلم أعلم مخالفا في اتباعه. فكانت فيه دلالتان : دلالة على أن سنة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال، ولكن مبينة عامَّه وخاصه.
ودلالة على أنهم قبلوا فيه خَبَرَ الواحد، فلا نعلم أحدا رواه من وجه يصح عن النبي إلا أبا هريرة٣٦.
قال : أفيحتمل أن يكون هذا الحديث عندك خلافا لشيء من ظاهر الكتاب ؟ فقلت : لا، ولا غيره. قال : فما معنى قول الله :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾٣٧ فقد ذكر التحريم وقال :
﴿ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَالِكُمُ ﴾٣٨. قلت : ذكر تحريم من هو حرام بكل حال، مثل الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت. وذكر من حرم بكل حال من النسب والرضاع. وذكر من حرم من الجمع بينه، وكان أصل كل واحدة منهما مباحا على الانفراد، قال :﴿ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَالِكُمُ ﴾ يعني بالحال التي أحلها به. ألا ترى أن قوله :﴿ وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذالِكُمُ ﴾ بمعنى ما أحل به، لا أن واحدة من النساء حلال بغير نكاح يصح، ولا أنه يجوز نكاح خامسة على أربع، ولا جمع بين أختين، ولا غير ذلك مما نهى عنه. ( الرسالة : ٢٢٦-٢٢٩. ون الرسالة : ٢٠١-٢٠٦. والأم : ٥/٣، ٥/٥، ٥/١٥٠. )
ــــــــــــ

١٣٠-
قال الشافعي : وقال الله عز وجل :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ اَلنِّسَاء الا مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ﴾٣٩ والمحصنات اسم جامع، فجماعه أن الإحصان : المنع.
والمنع يكون بأسباب مختلفة منها : المنع بالحبس، والمنع يقع على الحرائر بالحرية، ويقع على المسلمات بالإسلام، ويقع على العفائف بالعفاف، ويقع على ذوات الأزواج بمنع الأزواج، فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت : بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحرم إصابة واحدة منهما بنكاح ولا ملك. ولأني لم أعلمهم اختلفوا في أن ال
١ - رواه البخاري في الشهادات (٥٦) باب: الشهادة على الأنساب (٧) (ر٢٥٠٣). وفي الخمس (٦١) باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (٤) (ر٢٩٣٨). وفي النكاح (٧٠) باب: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اَلَّـاتِى أَرْضَعْنَكُمْ﴾ (٢١)(ر٤٨١١).
ورواه مسلم في أول الرضاع (١٧) (ر١٤٤٤-١٤٤٥).
ورواه أصحاب السنن. ورواه مالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي. والشافعي في المسند (ر١٠٧١-١٠٨٦-١٠٨٧)..

٢ - عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. عن: أبيه، وأنس، وعمرة. وعنه: فليح، والسفيانان، وابن علية. حجة. ت سنة: ١٣٥. الكاشف: ٢/٧١. ون التهذيب: ٤/٢٥٠. وقال في التقريب: ثقة..
٣ - نفسه..
٤ - علي بن زيد بن جدعان التيمي، البصري، الضرير. أحد الحفاظ وليس بالثبت. سمع: سعيد بن المسيب، وجماعة. وعنه: شعبة، وزائدة، وابن علية، وخلق. قال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين. قال منصور بن زاذان: لما مات الحسن قلنا لابن جدعان: اجلس مجلسه. ت سنة: ١٣١. الكاشف: ٢/٢٧٨. ون التهذيب: ٥/٦٨٥. وقال في التقريب: ضعيف. وقال صاحب التحرير ٣/٤٣: لم يحتج به مسلم، وإنما روى له مسلم مقرونا بثابت البناني..
٥ - رواه البخاري في الشهادات باب: الشهادة على النساب (٧) (ر٢٥٠٢) عن ابن عباس. وفي النكاح (٧٠) باب:
﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اَلَّـاتِى أَرْضَعْنَكُمْ ﴾(٢١) (ر٤٨١٢).
ورواه مسلم في الرضاع (١٧) باب: تحريم ابنة الأخ من الرضاعة (٣) (ر١٤٤٧).
ورواه النسائي، وابن ماجة، وأحمد، والبيهقي. والشافعي في المسند (ر١٠٧٣)..

٦ - رواه الشافعي في المسند (ر١٠٧٤)..
٧ - عمرو بن الشريد بن سويد. عن: أبيه، وسعد، وطائفة. وعنه: إبراهيم بن ميسرة، ويعلى بن عطاء، وطائفة طائفي. الكاشف: ٢/٣٢١. ون التهذيب: ٦/١٥٨. وقال في التقريب: ثقة..
٨ - رواه الترمذي في الرضاع (٩) باب: ما جاء في لبن الفحل (٢) (ر١١٤٩).
ورواه مالك في الرضاع (٣٠) باب: رضاعة الصغير (١) (ر٥).
ورواه البيهقي في الرضاع باب: يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وأن لبن الفحل يحرم ٧/٤٥٣.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٨٥).
اللقاح واحد: أي أن ماء الفحل الذي حملت منه المرأتان واحد، واللبن الذي أرضعت كل واحدة منهما كان أصله ماء الفحل وهو الزوج..

٩ - رواه عبد الرزاق في كتاب الطلاق باب: لبن الفحل (ر١٣٩٣٣)..
١٠ - جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي الإمام، صاحب ابن عباس. وعنه: قتادة، وأيوب، وخلق. قال ابن عباس: لو نزل أهل البصرة عند قوله لأوسعهم من كتاب الله ت سنة: ٩٣. الكاشف: ١/١٢٩. ون التهذيب: ٢/٤. وقال قي التقريب: ثقة فقيه..
١١ - قال البيهقي وروينا هذا المذهب من التابعين عن القاسم بن محمد، وجابر بن زيد أبي الشعثاء، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والزهري. ن السنن الكبرى: ٧/٤٥٣..
١٢ - روى مالك في النكاح (٢٨) باب: ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته (٩) (ر٢٣) أن عبد الله بن مسعود استفتي وهو بالكوفة عن نكاح الأم بعد الابنة إذا لم تكن الابنة مست فأرخص في ذلك. ثم إن ابن مسعود قدم المدينة، فسأل عن ذلك، فأُخْبرَ: أنه ليس كما قال، وإنما الشرط في الربائب، فرجع ابن مسعود إلى الكوفة، فلم يصل إلى منزله حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك، فأمره أن يفارق امرأته.
وروى البيهقي في النكاح باب: ما جاء في قول الله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ..﴾ الآية ٧/١٥٩ عن أبي عمرو الشيباني أن رجلا سأل ابن مسعود عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أيتزوج أمها؟ قال: نعم. فتزوجها فولدت له، فقدم على عمر رضي الله عنه فسأله فقال: فرق بينهما، قال: إنها قد ولدت، قال: وإن ولدت عشرا..

١٣ - الأم مبهمة: عن البيان فلا تحل بحال..
١٤ - ليس فيها شرط: أي بالدخول..
١٥ - رواه مالك في النكاح (٢٨) باب: ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته (٩) (ر٢٢).
ورواه البيهقي في النكاح باب: ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ..﴾ الآية ٧/١٦٠ وقال: هذا منقطع. وقد روي عن سعيد بن مسيب أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: إن كانت ماتت فورثها فلا تحل له أمها، وإن طلقها فإنه يتزوجها..

١٦ - النساء: ٢٣..
١٧ - روى البيهقي في النكاح باب: ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ..﴾ الآية ٧/١٦٠ عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال في رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنه، أنه لا تحل له أمها. وهو قول الحسن وقتادة..
١٨ - روى البيهقي في نفس الكتاب والباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها، وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها، وإن لم يدخل بها فلينكح ابنتها».
ورواه ابن جرير في التفسير ٣/٦٦٤ وقال: وهذا خبر، وإن كان في إسناده ما فيه، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به، مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره..

١٩ - النساء: ٢٣..
٢٠ - النساء: ٢٢. وروى ابن جرير في التفسير ٣/٦٦٠ عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين. قال: فأنزل الله: ﴿وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اَلنِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ (النساء: ٢٢). و ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلاُخْتَيْنِ﴾ (النساء: ٢٣)..
٢١ - النساء: ٢٣..
٢٢ - سبق تخريجه..
٢٣ - النساء: ٢٣..
٢٤ - زينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين، لها إخوة وهي بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم أميمة، وكانت تفتخر وتقول: زوجني الله من فوق عرشه. عنها: أم حبيبة، وزينب بنت أبي سلمة. ت سنة ٢٠. الكاشف: ٣/٤١٥. ون الإصابة: ٧/٦٦٧. والطبقات الكبرى: ٨/١٠١. والتهذيب: ١٠/٤٧٥..
٢٥ - زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين. عنه: ابنه، وابن عباس، والبراء. استشهد يوم مؤتة سنة: ٨. الكاشف: ١/٢٩٠. ون الإصابة: ٢/٥٩٨. والطبقات الكبرى: ٣/٤٠. والتهذيب: ٣/٢١٨..
٢٦ - الأحزاب: ٥..
٢٧ - الأحزاب: ٤-٥. وهو قوله تعالى: ﴿وَما جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمُو أَبْنَاءكُمْ ذَالِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ اَلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى اِلسَّبِيلَ اَدْعُوهُمْ ِلأَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اَللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى اِلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾..
٢٨ - الأحزاب: ٣٧. وتمامها: ﴿لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى اَلْمُومِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمُو إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اَللَّهِ مَفْعُولاً﴾..
٢٩ - النساء: ٢٣..
٣٠ - سبق تخريجه..
٣١ - النساء: ٢٢..
٣٢ - النساء: ٢٣..
٣٣ - ن قول ابن جرير فيما سبق..
٣٤ - النساء: ٢٣-٢٤..
٣٥ - رواه عن أبي هريرة:
البخاري في النكاح (٧٠) باب: لا تنكح المرأة على عمتها (٢٨) (ر٤٨٢٠).
ومسلم في النكاح (١٦) باب: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح (٤) (ر١٤٠٨).
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، ومالك، وأحمد، والبيهقي. والشافعي في المسند (ر١٠٦٢).
ورواه الترمذي في النكاح (٨) باب: ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها (٣٠) (ر١١٢٥) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تزوج المرأة على عمتها أو على خالتها.
والحديث رواه الشافعي هنا دون ذكر سنده، ورواه في الأم ٥/٥ وفي المسند (ر١٠٦٢) بإسناده فقال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث..

٣٦ - قال الشافعي رحمه الله في الأم ٥/٥ :«ولا يروى من وجه يثبته أهل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي هريرة، وقد روي من وجه لا يثبته أهل الحديث من وجه آخر، وفي هذا حجة على من رد الحديث، وعلى من أخذ بالحديث مرة وتركه أخرى».
وقد نحا البيهقي منحى الشافعي فقال: «والذي ذكر من أنه يروى من غير جهة أبي هريرة رضي الله عنه فكما قال، فإنه يروى عن علي وعبد الله ين مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سعيد الخذري، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ومن النساء عن عائشة رضي الله تعالى عنها، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن جميع هذه الروايات ليست من شرط صاحبي الصحيح البخاري ومسلم، وإنما اتفقا ومن قبلهما ومن بعدهما من أئمة الحديث على إثبات حديث أبي هريرة في هذا الباب فقط كما قال الشافعي رحمه الله». ن السنن الكبرى: ٧/١٦٦.
قال العلامة شاكر: وهذا الذي قال الشافعي يدل على أنه لم يصل إليه طرق صحيحة من غير حديث أبي هريرة، ولكنه قد صح من حديث جابر، فرواه أحمد والبخاري والترمذي كما في ليل الأوطار، ونقل عن ابن عبد البر قتال: كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة، يعني من وجه يصح، وكأنه لم يصح حديث الشعبي عن جابر، وصححه عن أبي هريرة، والحديثان جميعا صحيحان. ن هـ الرسالة: ٢٢٨..

٣٧ - النساء: ٢٣..
٣٨ - النساء: ٢٤..
٣٩ - النساء: ٢٤..

١٣١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلا اَن يَّنكِحَ اَلْمُحْصَنَاتِ اِلْمُومِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ اِلْمُومِنَاتِ ﴾ إلى قوله : ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ اَلْعَنَتَ مِنكُمْ ﴾ الآية. قال الشافعي : ففي هذه الآية ـ والله تعالى أعلم ـ دلالة على أن المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك، فأما المملوك فلا بأس أن ينكح الأمة لأنه غير واجد طولا لحرة ولا لأمة.
فإن قال قائل : ما دل على أن هذا على الأحرار ولهم دون المماليك ؟ قيل : الواجدون للطول المالكون للمال، والمملوك لا يملك مالا بحال، ويشبه أن لا يخاطب بأن قال : إن لم يجد مالا من يعلم أنه لا يملك مالا بحال إنما يملك أبدا لغيره. قال : ولا يحل نكاح الأمة إلا كما وصفت في أصل نكاحهن، إلا بأن لا يجد الرجل الحر بصداق أمة طولا لحرة، وبأن يخاف العنت، والعنت : الزنا١.
فإذا اجتمع أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف الزنا، حل له نكاح الأمة. وإن انفرد فيه أحدهما لم يحل له، وذلك أن يكون لا يجد طولا لحرة وهو لا يخاف العنت، أو يخاف العنت وهو يجد طولا لحرة، إنما رخص له في خوف العنت على الضرورة. ألا ترى يكن أنه لو عشق امرأة وثنية يخاف أن يزني بها لم يكن له أن ينكحها ؟ ولو كان عنده أربع نسوة فعشق خامسة لم يحل له نكاحها إذا تم الأربع عنده ؟ أو كانت له امرأة فعشق أختها لم يحل له أن ينكحها ما كانت عنده أختها ؟ وكذلك ما حرم عليه من النكاح من أي الوجوه حرم لم أرخص له في نكاح ما يحرم عليه خوف العنت، لأنه لا ضرورة عليه يحل له بها النكاح، ولا ضرورة في موضع لذة يحل بها المحرم، إنما الضرورة في الأبدان التي تحيا من الموت، وتمنع من ألم العذاب عليها، وأما اللذات فلا يعطاها أحد بغير ما تحل به.
فإن قال قائل : فهل قال هذا غيرك ؟ قيل : الكتاب كاف ـ إن شاء الله تعالى ـ فيه من قول غيري، وقد قاله غيري :
أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول : من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة٢.
أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال : أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال : لا يحل نكاح الحرِّ الأَمةَ وهو يجد بصداقها حرة، قلت : يخاف الزنا ! قال : ما علمته يحل٣.
أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال : سأل عطاء أبا الشعثاء وأنا أسمع عن نكاح الأمة، ما تقول فيه ؟ أجائز هو ؟ فقال : لا يصلح اليوم نكاح الإماء٤.
قال الشافعي : والطول هو الصداق. ولست أعلم أحدا من الناس يجد ما يحل له به أمة إلا وهو يجد به حرة. فإن كان هذا هكذا لم يحل نكاح الأمة لحر، وإن لم يكن هذا هكذا فجمع رجل حر الأمرين حل له نكاح الأمة. ( الأم : ٥/٩-١٠. ون مختصر المزني ص : ١٧٠. )
١ - قال مالك في النكاح (٢٨) باب: نكاح الأمة على الحرة (١٢) (ر٢٩): ولا ينبغي لحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولا لحرة، ولا يتزوج أمة إذا لم يجد طولا لحرة إلا أن يخشى العنت. وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه:
﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلا.. ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ اَلْعَنَتَ مِنكُمْ﴾. قال مالك: والعنت هو الزنا..

٢ - رواه البيهقي في كتاب النكاح باب: ما جاء في نكاح إماء المسلمين ٧/١٧٤..
٣ - نفسه..
٤ - نفسه..
١٣٢- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾ وقال الله تعالى :﴿ وَأَحَلَّ اَللَّهُ اَلْبَيْعَ وَحَرَّمَ اَلرِّبَاواْ ﴾١ قال الشافعي : وذكر الله البيع في غير موضع من كتابه بما يدل على إباحته، فاحتمل إحلال الله عز وجل البيع معنيين : أحدهما : أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتبايعان جائزي الأمر فيما تبايعاه عن تراض منهما، وهذا أظهر معانيه. قال : والثاني : أن يكون الله عز وجل أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد، فيكون هذا من الجمل التي أحكم الله فرضها بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه، أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم منه وما في معناه، كما كان الوضوء فرضا على كل متوضئ لا خُفَّيْ عليه لَبِسَهُما على كمال الطهارة.
وأي هذه المعاني كان فقد ألزمه الله تعالى خلقه بما فرض من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما قبل عنه فعن الله عز وجل قبل، لأنه بكتاب الله تعالى قبل.
قال : فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتبايعان، استدللنا على أن الله عز وجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، دون ما حرم على لسانه.
قال الشافعي : فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضى المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا، إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه، داخل في المعنى المنهي عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى.
قال الشافعي : وجماع ما يجوز من كل بيع آجل وعاجل، وما لزمه اسم بيع بوجه أنه لا يلزم البائع والمشتري حتى يجمعا : أن يتبايعاه برضى منهما بالتبايع به، ولا يعقداه بأمر منهي عنه، ولا على أمر منهي عنه، وأن يتفرقا بعد تبايعهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه على التراضي بالبيع. ( الأم : ٣/٣. ون أحكام الشافعي : ١/١٣٥-١٣٦. )
ــــــــــــــــــــــــــ
١٣٣- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾٢ وقال عز وجل :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا اَلْبَيْعُ مِثْلُ اَلرِّبَا وَأَحَلَّ اَللَّهُ اَلْبَيْعَ وَحَرَّمَ اَلرِّبَا ﴾٣ فكانت الآيتان مطلقتين على إحلال البيع كله، إلا أن تكون دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في إجماع المسلمين الذين لا يمكن أن يجهلوا معنى ما أراد الله : نخص تحريم بيع دون بيع، فنصير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد خاصا وعاما، ووجدنا الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم شيئين، أحدهما : التفاضل في النقد٤، والآخر : النسيئة كلها٥. وذلك أنه يحرم الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك الفضة، وكذلك أصناف من الطعام : الحنطة، والشعير، والتمر، والملح، فحرم في هذا كله معنيان : التفاضل في الجنس الواحد، وأباح التفاضل في الجنسين المختلفين، وحرم فيه كله النسيئة. ( الأم : ٤/٢٢. ون الرسالة ص : ١٧٣. )
ــــــــــــ
١٣٤- قال الشافعي رحمه الله : قال الله عز وجل :﴿ لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾٦ وقال تبارك وتعالى :﴿ وَءَاتُوا اَلْيَتَامى أَمْوَالَهُمْ ﴾٧ الآية، وقال :﴿ وَءَاتُوا اَلنِّسَاء صَدُقَتاهِنَّ نِحْلَةً ﴾ إلى قوله :﴿ هَنِيئًا مَّرِيئًا ﴾٨ مع آي كثير في كتاب الله عز وجل حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فرض في كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجاءت به حجة.
قال أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر ؟ »٩.
فأبان الله في كتابه أن ما كان ملكا لآدمي لم يحل بحال إلا بإذنه. وأبانه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل الحلال حلالا بوجه، حراما بوجه آخر، وأبانته السنة. ( الأم : ٢/٢٤٥-٢٤٦. ون أحكام الشافعي : ٢/٩٣. )
ــــــــــــ
١٣٥- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾١٠ وقال :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا اَلْبَيْعُ مِثْلُ اَلرِّبَاوا وَأَحَلَّ اَللَّهُ اَلْبَيْعَ وَحَرَّمَ اَلرِّبَاواْ ﴾١١ فلم أعلم أحدا من المسلمين خالف في أنه لا يكون على أحد أن يملك شيئا إلا أن يشاء أن يملكه إلا الميراث، فإن الله عز وجل نقل ملك الأحياء إذا ماتوا إلى من ورثهم إياه شاءوا أو أبوا.
ألا ترى أن الرجل لو أوصي له أو وهب له أو تصدق عليه أو ملك شيئا لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء. ولم أعلم أحدا من المسلمين اختلفوا في أن لا يخرج ملك المالك المسلم من يديه إلا بإخراجه إياه هو نفسه ببيع أو هبة أو غير ذلك أو عتق أو دين لزمه، فيباع في ماله. وكل هذا فعله لا فعل غيره. ( الأم : ٣/٢٤٦. )
١ - البقرة: ٢٧٥..
٢ - النساء: ٢٩..
٣ - البقرة: ٢٧٥..
٤ - ربا الفضل عند الشافعية، والزيدية: هو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر، كبيع دينار بدينارين، نقدا ونسيئة، وصاع بصاعين، ورطل برطلين، يدا بيد، ونسيئة. ن القاموس الفقهي: ربا..
٥ - ربا النسيئة: هو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل. ن القاموس الفقهي: ربا..
٦ - النساء: ٢٩..
٧ - النساء: ٢. وتمامها: ﴿وَلا تَتَبَدَّلُوا اَلْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمُو إِلَى أَمْوَالِكُمُو إِنَّهُو كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾.
٨ - النساء: ٤..
٩ - رواه البخاري في اللقطة (٥٠) باب: لا تحلب ماشية أحد بغير إذن (٨) (ر٢٣٠٣).
ورواه مسلم في اللقطة (٣١) باب: تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها (٢) (ر١٧٢٦).
ورواه أبو داود في الجهاد، وابن ماجة في التجارات، ومالك في الاستئذان، والبيهقي في الغصب..

١٠ - النساء: ٢٩..
١١ - البقرة: ٢٧٥..
١٣٦- قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى :﴿ اِلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى اَلنِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اَللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ إلى قوله :﴿ سَبِيلاً ﴾ قال الشافعي : أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر١، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب٢، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا تضربوا إماء الله » قال : فأتاه عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ذئر٣ النساء على أزواجهم فأذن في ضربهن. فأطاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم »٤.
قال الشافعي : في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء، ثم إذنه في ضربهن وقوله :« لن يضرب خياركم » يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم نهى عنه على اختيار النهي، وأذن فيه بأن مباحا لهم الضرب في الحق، واختار لهم أن لا يضربوا لقوله :« لن يضرب خياركم ».
قال : ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن، ثم أذن لهم بعد نزولها بضربهن.
قال الشافعي : وفي قوله :« لن يضرب خياركم » دلالة على أن ضربهن مباح لا فرض أن يضربن، ونختار له من ذلك ما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحب للرجل أن لا يضرب امرأته في انبساط لسانها عليه، وما أشبه ذلك.
قال الشافعي : وأشبه ما سمعت ـ والله أعلم ـ في قوله :﴿ وَالَّتاى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾٥ أن لخوف النشوز دلائل، فإذا كانت ﴿ فَعِظُوهُنَّ ﴾ لأن العظة مباحة، فإن لججن فأظهرن نشوزا بقول أو فعل ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى اِلْمَضَاجِعِ ﴾ فإن أقمن بذلك على ذلك ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾، وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع، ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما.
قال : ويحتمل في ﴿ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ إذا نشزن فأبن النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب.
قال : ولا يبلغ في الضرب حدا٦، ولا يكون مبرحا ولا مدميا٧، ويتوقى فيه الوجه٨.
قال : ويهجرها في المضجع حتى ترجع عن النشوز٩، ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثا، لأن الله عز وجل إنما أباح الهجرة في المضجع. والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة كلام، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاوز بالهجرة في الكلام ثلاثا١٠.
قال : ولا يجوز لأحد أن يضرب ولا يهجر مضجعا بغير بيان نشوزها.
قال : وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة، لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز، والامتناع نشوز.
قال : ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها، وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز. ( الأم : ٥/١٩٣-١٩٤. ون الأم : ٥/١١٢. و أحكام الشافعي : ١/٢٥٧-٢٦٠. ومختصر المزني ص : ١٨٦. )
١ - عبيد الله بن عبد الله بن عمر. عن: أبيه، وصميته الليثية. وعنه: الزهري، وعبيد الله بن عمر، وخلق. مات قبل أخيه سالم، وبعد المائة. الكاشف: ٢/٢٢٢. ون التهذيب: ٥/٣٨٧. وقال في التقريب: ثقة..
٢ - إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي. مختلف في صحبته. عنه: ولد لابن عمر. الكاشف: ١/٩٥. ون الإصابة: ١/١٦٥. والتهذيب: ١/٤٠٣. وقال في التقريب: مختلف في صحبته. وذكره ابن حبان في ثقات التابعين..
٣ - ذئرت المرأة على بعلها، وهي ذائر: نشزت وتغير خلقها. يقال: ذئرة المرأة تذرا فهي ذئر وذائر أي ناشز. اللسان: ذئر..
٤ - رواه أبو داود في النكاح (٦) باب: في ضرب النساء (٤٣) (ر٢١٤٦).
ورواه ابن ماجة في النكاح (٩) باب: ضرب النساء (٥١) (ر١٩٨٥).
ورواه الدارمي في النكاح (١١) باب: في النهي عن ضرب النساء (٣٤) (ر٢١٣٩).
ورواه البيهقي في القسم والنشوز باب: ما جاء في ضربها. وفي باب: الاختيار في ترك الضرب ٧/٣٠٤-٣٠٥.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٠٠)..

٥ - النساء: ٣٤. وتمامها: ﴿وَالَّتاى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى اِلْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنَ اَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾..
٦ - أي لا يبلغ بعدد الضرب حدا من حدود الله، لأن الزوجة لم تفعل ما تستوجب به حدا..
٧ - أي فيه إذاية شديدة إلى حد الجرح والإدماء..
٨ - روى أبو داود في النكاح (٦) باب: في حق المرأة على زوجها (٤٢) (ر٢١٤٢) عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: « أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت» قال أبو داود: ولا تقبح: أن تقول قبحك الله.
ورواه ابن ماجة في النكاح (٩) باب: حق المرأة على الزوج (٣) (ر١٨٥٠).
ورواه البيهقي في القسم والنشوز باب: لا يضرب الوجه ٧/٣٠٥..

٩ - أخرج أبو داود في النكاح (٦) باب: في ضرب النساء (٤٣)(ر٢١٤٥) عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع» قال حماد: يعني النكاح.
وأخرجه البيهقي في القسم والنشوز باب: ما جاء في هجرتها ٧/٣٠٣..

١٠ - أخرج البخاري في الأدب (٨١) باب: ما ينهى عن التحاسد والتدابر (٥٧)(٥٧١٨) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام». وفي باب الهجرة (٦٢)(ر٥٧٢٦).
وأخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (٤٥) باب: تحريم التحاسد والتباغض والتدابر (٧)(ر٢٥٥٩).
وأخرجه أبو داود في الأدب. والترمذي في البر والصلة، ومالك في حسن الخلق..

١٣٧- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ الآية. قال : الله أعلم بما أراد من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمره أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها، [والذي يشبه ظاهر الآية فما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالاهما الآية.
وذلك أني وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج أن يصطلحا١، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك٢، وأذن في نشوز المرأة بالضرب، وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع، ودلت السنة أن ذلك برضى من المرأة، وحظر أن يأخذ الرجل مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج، فلما أمر فيمن الشقاق بينه بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما، وكان يعرفهما بإباية الأزواج أن يشتبه حالاهما في الشقاق، فلا يفعل الرجل الصلح ولا الفرقة، ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية، أو تكون الفدية لا تجوز من قبل مجاوزة الرجل ماله من أدب المرأة وتباين حالهما في الشقاق، والتباين ] ٣ هو ما يصيران فيه من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن، ويمتنع كل واحد منهما من الرجعة، ويتماديان فيما ليس لهما، ولا يعطيان حقا، ولا يتطوعان ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما، فإذا كان هكذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها، ولا يبعث الحكمان إلا مأمونين وبرضى الزوجين، ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك.
قال الشافعي رحمه الله : أخبرنا الثقفي٤، عن أيوب٥، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة٦، عن علي في هذه الآية :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنَ اَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنَ اَهْلِهَآ ﴾٧ ثم قال للحكمين : هل تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا، قالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، وقال الرجل : أما الفرقة فلا، فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به٨.
قال : فقول علي رضي الله عنه يدل على ما وصفت، من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضى المرأة والرجل بحكمهما، وعلى أن الحكمين إنما هما وكيلان للرجل والمرأة بالنظر بينهما في الجمع والفرقة.
فإن قال قائل : ما دل على ذلك ؟ قلنا : لو كان الحكم إلى علي رضي الله عنه دون الرجل والمرأة بعث هو حكمين ولم يقل ابعثوا حكمين.
فإن قال قائل : فقد يحتمل أن يقول : ابعثوا حكمين، فيجوز حكمهما بتسمية الله إياهما حكمين، كما يجوز حكم الحاكم الذي يصيره الإمام، فمن سماه الله تبارك وتعالى حاكما أكثر معنى أو يكونا كالشاهدين إذا رفعا شيئا إلى الإمام أنفذه عليهما، أو يقول : ابعثوا حكمين أي دلوني منكم على حكمين صالحين كما تدلوني على تعديل الشهود. قلنا : الظاهر ما وصفناه، والذي يمنعنا من أن نحيله عنه مع ظهوره أن قول علي رضي الله عنه للزوج : كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به، يدل على أنه ليس للحكمين أن يحكما إلا بأن يفوض الزوجان ذلك إليهما، وذلك أن المرأة فوضت وامتنع الزوج من تفويض الطلاق، فقال علي رضي الله عنه : كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به، يذهب إلى أنه إن لم يقر لم يلزمه الطلاق، وإن رأياه. ولو كان يلزمه طلاق بأمر الحاكم أو تفويض المرأة لقال له : لا أبالي أقررت أم سكت، وأمر الحكمين أن يحكما بما رأيا. ( الأم : ٥/١١٥-١١٦. ون الأم : ٥/١٩٤-١٩٥. وأحكام الشافعي : ١/٢١٠-٢١٢. )
١ - إشارة إلى الآية الكريمة: ﴿وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوِ اِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾. النساء: ١٢٨..
٢ - ن تفسير الآية ١٢٨ من سورة النساء..
٣ - قوله: والذي يشبه إلى قوله: التباين وهو ما بين المعقوفتين وهو بادي التفكك والاضطراب..
٤ - هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي. سبقت ترجمته..
٥ - هو أيوب بن أبي تميمة سبقت ترجمته..
٦ - عبيدة بن سفيان الحضرمي. عن: أبي هريرة وغيره. وعنه: محمد بن عمر بن علقمة، وغيره. وثقه النسائي. الكاشف: ٢/٢٣٦. ون التهذيب: ٥/٤٤٤. وقال في التقريب: ثقة..
٧ - النساء: ٣٥..
٨ - رواه البيهقي في القسم والنشوز باب: الحكمين في الشقاق بين الزوجين ٧/٣٠٥. ورواه الشافعي في المسند (ر١٦٦٦)..
١٣٨- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لا تَقْرَبُوا اَلصَّلَواةَ وَأَنتُمْ سُكَراى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ قال الشافعي رحمه الله تعالى : يقال نزلت قبل تحريم الخمر١، وأيما كان نزولها قبل تحريم الخمر أو بعده، فمن صلى سكران لم تجز صلاته، لنهي الله عز وجل إياه عن الصلاة حتى يعلم ما يقول. وإن معقولا أن الصلاة قول وعمل، وإمساك في مواضع مختلفة، ولا يؤدي هذا إلا من أمر به ممن عقله. وعليه إذا صلى سكران أن يعيد إذا صحا، ولو صلى شارب محرم غير سكران كان عاصيا في شربه المحرم، ولم يكن عليه إعادة صلاة، لأنه ممن يعقل ما يقول، والسكران الذي لا يعقل ما يقول، وأحب إلي لو أعاد.
وأقل السكر أن يكون يغلب على عقله في بعض ما لم يكن يغلب عليه قبل الشرب. ومن غلب على عقله بوسن٢ ثقيل، فصلى وهو لا يعقل، أعاد الصلاة إذا عقل وذهب عنه الوسن، ومن شرب شيئا ليذهب عقله، كان عاصيا بالشرب، ولم تجز عنه صلاته، وعليه وعلى السكران إذا أفاقا قضاء كل صلاة صلياها وعقولهما ذاهبة. ( الأم : ١/٦٩-٧٠. ون أحكام الشافعي : ١/٥٧-٥٨. والرسالة : ١٢٠-١٢١. )
ــــــــــــ
١٣٩- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لا تَقْرَبُوا اَلصَّلَواةَ وَأَنتُمْ سُكَراى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا اِلا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ ﴾٣.
قال الشافعي : فأوجب الله عز وجل الغسل من الجنابة، فكان معروفا في لسان العرب أن الجنابة : الجماع، وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق، وكذلك ذلك في حد الزنا، وإيجاب المهر، وغيره.
وكل من خوطب بأن فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها، وإن لم يكن مقترفا. قال الربيع : يريد أنه لم ينزل. ودلت السنة على أن الجنابة أن يفضي الرجل من المرأة حتى يغيب فرجه في فرجها، إلى أن يواري حشفته٤، أو أن يرمي الماء الدافق وإن لم يكن جماعا.
قال الشافعي : أخبرنا ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين فقالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان٥ فقد وجب الغسل »٦.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة٧ عن أم سلمة٨ قالت : جاءت أم سليم٩ امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال :« نعم، إذا هي رأت الماء »١٠.
قال الشافعي : فمن رأى الماء الدافق متلذذا، أو غير متلذذ، فعليه الغسل. ( الأم : ١/٣٦-٣٧. ون أحكام الشافعي : ١/٤٦-٤٧. ومناقب الشافعي : ١/٢٨٨. )
ــــــــــــ
١٤٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَلا جُنُبًا اِلا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ ﴾١١ قال الشافعي : فكان فرض الله الغسل مطلقا، لم يذكر فيه شيئا يبدا به قبل شيء، فإذا جاء المغتسل بالغسل أجزأه ـ والله أعلم ـ كيفما جاء به، وكذلك لا وقت في الماء في الغسل إلا أن يأتي بغسل جميع بدنه.
قال الشافعي : كذلك دلت السنة. فإن قال قائل : فأين دلالة السنة ؟ قيل : لما حكت عائشة أنها كانت تغتسل والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد١٢.
كان العلم يحيط أن أخذهما منه مختلف، لو كان فيه وقت غير ما وصفت، ما أشبه أن يغتسل اثنان يغرفان من إناء واحد عليهما، وأكثر ما حكت عائشة غسله وغسلها فرق. قال : والفرق ثلاثة آصع١٣.
قال الشافعي : وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر١٤ :« فإذا وجدت الماء فامسسه جلدك »١٥ ولم يحك أنه وصف له قدرا من الماء إلا إمساس الجلد، والاختيار في الغسل من الجنابة ما حكت عائشة.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدا فغسل يديه، ثم يتوضأ، كما يتوضا للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله١٦.
قال الشافعي : فإذا كانت المرأة ذات شعر تشد ضفرها، فليس عليها أن تنقضه في غسل الجنابة، وغسلها من الحيض كغسلها من الجنابة لا يختلفان، يكفيها في كل ما يكفيها في كل١٧.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن أيوب بن موسى١٨، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن رافع١٩، عن أم سلمة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني امرأة أشد ضفر٢٠ رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ فقال :« لا، إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين، أو قال : فإذا أنت قد طهرت »٢١ وإن حست٢٢ رأسها فكذلك. قال الشافعي : وكذلك الرجل يشد ضفر رأسه أو يعقصه٢٣، فلا يحله، ويشرب الماء أصول شعره.
قال الشافعي : فإن لبد رأسه بشيء يحول بين الماء وبين أن يصل إلى شعره وأصوله، كان عليه غسله، حتى يصل إلى بشرته وشعره. وإن لبد بشيء لا يحول دون ذلك فهو كالعقص والضفر الذي لا يمنع الماء الوصول إليه، وليس عليه حله، ويكفيه أن يصل الماء إلى الشعر والبشرة. ( الأم : ١/٤٠-٤١. )
ـــــــــــــــــ
١٤١- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لا تَقْرَبُوا اَلصَّلَواةَ وَأَنتُمْ سُكَراى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا اِلا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ ﴾٢٤ قال الشافعي : فقال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله عز وجل :﴿ وَلا جُنُبًا اِلا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ ﴾ قال : لا تقربوا مواضع الصلاة. وما أشبه ما قال بما قال لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل، إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد. فلا بأس أن يمر الجنب في المسجد مارا، ولا يقيم فيه لقول الله عز وجل :﴿ وَلا جُنُبًا اِلا عَابِرِى سَبِيلٍ ﴾.
قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن أبي سليمان٢٥ : أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم كانوا يبيتون في المسجد، منهم جبير بن مطعم٢٦، قال جبير : فكنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ٢٧.
قال الشافعي : ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام، فإن الله عز وجل يقول :﴿ إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَاذَا ﴾٢٨ فلا ينبغي لمشرك أن يدخل الحرم بحال.
قال : وإذا بات المشرك في المساجد غير المسجد الحرام فكذلك المسلم، فإن ابن عمر يروي أنه كان يبيت في المسجد زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعزب٢٩ ومساكين الصفة٣٠.
قال ولا تنجس الأرض بممر حائض، ولا جنب، ولا مشرك، ولا ميتة، لأنه ليس في الأحياء من الآدميين نجاسة. وأكره للحائض تمر في المسجد، وإن مرت به لم تنجسه. ( الأم : ١/٥٤. ون أحكام الشافعي : ١/٨٣-٨٤. ومختصر المزني ص : ١٩. ومناقب الشافعي : ١/٢٩٩. )
ــــــــــــ
١٤٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾٣١ قال الشافعي : وكل ما وقع عليه اسم صعيد٣٢ لم تخالطه نجاسة، فهو صعيد طيب يتيمم به. وكل ما حال عن اسم صعيد لم يتيمم به ؛ ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار٣٣.
قال الشافعي : فأما البطحاء٣٤ الغليظة والرقيقة، والكثيب٣٥ الغليظ، فلا يقع عليه اسم صعيد، وإن خالطه غبار أو مدر٣٦ يكون له غبار، كان الذي خالطه هو الصعيد. وإذا ضرب المتيمم عليه بيديه، فعلقهما غبار أجزأه التيمم به. وإذا ضرب بيديه عليه، أو على غيره، فلم يعلقه غبار، ثم مسح به لم يجزه. وهكذا كل أرض سبخها٣٧، ومدرها، وبطحاؤها وغيره، فما علق منه إذا ضرب باليد غبار فتيمم به أجزأه، وما لم يعلق به غبار فتيمم به لم يجزه. ( الأم : ١/٥٠. ون أحكام الشافعي : ١/٤٧-٤٨. ومناقب الشافعي : ١/٢٨٨. )
ــــــــــــ
١٤٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمُ ﴾٣٨ قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية٣٩، عن الأعرج، عن ابن الصمة٤٠ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه٤١.
قال الشافعي : ومعقول : إذا كان التيمم بدلا من الوضوء على الوجه واليدين، أن يؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء عليه فيهما، وإن الله عز وجل إذا ذكرهما فقد عفا في التيمم عما سواهما من أعضاء الوضوء والغسل.
قال الشافعي : ولا يجوز أن يتيمم الرجل إلا أن ييمم وجهه، وذراعيه إلى المرفقين، ويكون المرفقان فيما ييمم، فإن ترك شيئا من هذا، لم يمر عليه التراب قل أو كثر، كان عليه أن ييممه، وإن صلى قبل أن ييممه أعاد الصلاة. وسواء كان ذلك مثل الدرهم، أو أقل منه، أو أكثر. كل ما أدركه الطرف منه، أو استيقن أنه تركه، وإن لم يدركه طرفه، واستيقن أنه ترك شيئا، فعليه إعادته، وإعادة كل صلاة صلاها قبل أن يعيده.
قال : وإذا رأى أن قد أمس يديه التراب على وجهه، وذراعيه، ومرفقيه، ولم يبق شيئا أجزأه.
قال الشافعي : ولا يجزئه إلا أن يضرب ضربة لوجهه، وأحب إلي أن يضربها بيديه معا، فإن اقتصر على ضربها بإحدى يديه، وأمرها على جميع وجهه أجزأه. وكذلك إن ضربها ببعض يديه، إنما أنظر من هذا إلى أن يمرها على وجهه. وكذلك إن ضرب التراب بشيء، فأخذ الغبار من أداته غير يديه، ثم أمره على وجهه، وكذلك إن يممه غيره بأمره. وإن سفت عليه الريح ترابا عمه، فأمر ما على وجهه منه على وجهه لم يجزه، لأنه لم يأخذه لوجهه، ولو أخذ ما على رأسه لوجهه فأمره عليه أجزأه، وكذلك لو أخذ ما على بعض بدنه غير وجهه وكفيه.
قال الشافعي : ويضرب بيديه معا لذراعيه لا يجزيه غير ذلك إذا يمم نفسه لأنه لا يستطيع أن يمسح يدا إلا باليد التي تخالفها فيمسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى.
قال الشافعي : ويخلل أصابعه بالتراب، ويتتبع مواضع الوضوء بالتراب، كما يتتبعها بالماء. ( الأم : ١/٤٨-٤٩. ون مختصر المزني ص : ٦. )
١ - أخرج أبو داود في الأشربة (٢٠) باب: في تحريم الخمر (١) (ر٣٦٧٠) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت الآية التي في البقرة: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ اِلْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ (البقرة: ٢١٩). قال: فدعي عمر، فقرئت عليه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت الآية التي في النساء: ﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْرَبُوا اَلصَّلَواةَ وَأَنتُمْ سُكَراى﴾ النساء: ٤٣. فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت هذه الآية: ﴿فَهَلَ اَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ (المائدة: ٩١). قال عمر: انتهينا.
ورواه الترمذي في التفسير (٤٤) باب: ومن سورة النساء (ر٣٠٤٩). قال أبو عيسى: وقد روي عن إسرائيل هذا الحديث مرسل.
ورواه النسائي في الأشربة (٥١) باب: تحريم الخمر (١) (ر٥٥٥٥)..

٢ - الوَسَنُ: مُحَرَّكَةٌ، وبهاء، والوسْنة، والسِنة، كعدة: شدة النوم، أو أوله، أو النعاس. القاموس المحيط: وسن..
٣ - النساء: ٤٣..
٤ - الحشفة: رأس الذكر..
٥ - قال العلامة عبد الباقي: قال العلماء: معناه غيبت ذكرك في فرجها. وليس المراد حقيقة المس. وذلك أن ختان المرأة أعلى الفرج. ولا يمسه الذكر إلا في الجماع. والمراد بالمماسة المحاذاة. ن صحيح مسلم ١/٢٧٢..
٦ - أخرجه مسلم في الحيض (٣) باب: نسخ « الماء من الماء» (٢٢) (ر٣٤٩).
ورواه الترمذي في الطهارة (١) باب: ما جاء إذا التقى الختانان (٨٠) (ر١٠٨-١٠٩).
ورواه ابن ماجة في الطهارة وسننها (١) باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان (١١١) (ر٦٠٨).
ورواه مالك في الطهارة (٢) باب: واجب الغسل إذا التقى الختانان (١٨) (ر٧٣) موقوفا.
ورواه البيهقي في الطهارة باب: وجوب الغسل بالتقاء الختانين ١/١٦٣ عن عائشة، وأبي هريرة.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٢)..

٧ - زينب بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم. عنه وعن أمها. وعنها: عروة، وأبو سلمة. ت سنة: ٧٣. الكاشف: ٣/٤١٥. ون الإصابة: ٧/٦٧٥. والطبقات الكبرى: ٨/٤٦١. والتهذيب: ١٠/٤٧٥..
٨ - هند أم سلمة بنت أبي أمية، أم المؤمنين المخزومية. عنها: ولداها عمر وزينب، ونافع مولاها، ونافع العمري. وهي آخر أمهات المؤمنين موتا، ماتت في إمرة يزيد، وأما الواقدي فقال سنة: ٥٩. الكاشف: ٣/٤٢٩. ون الإصابة: ٨/٢١٢. والطبقات الكبرى: ٨/٨٦. والتهذيب: ١٠/٥٠٨..
٩ - أم سليم بنت ملحان الأنصارية، سهلة، وقيل رميلة ومليكة. عنها: إبنها أنس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وجماعة. الكاشف: ٣/٤٣٤. ون الإصابة: ٨/٢٢٧. والطبقات الكبرى: ٨/٤٢٤. والتهذيب: ١٠/٥٢٢..
١٠ - رواه البخاري في العلم (٣) باب: الحياء في العلم (٥٠)(ر١٣٠). وفي الغسل (٥) باب: إذا احتلمت المرأة (١١)(ر٢٧٨). وفي الأنبياء (٦٤) باب: قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَئاكَةِ﴾(البقرة: ٣٠) (٢)(ر٣١٥٠). وفي الأدب (٨١) باب: التبسم والضحك (٦٨) (ر٥٧٤٠). وفي باب: ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين (٧٩) (ر٥٧٧٠).
ورواه مسلم في الحيض (٣) باب: وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (٧) (ر٣١٣).
ورواه أصحاب السنن. ومالك، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١١٣)..

١١ - النساء: ٤٣..
١٢ - رواه البخاري في الغسل (٥) باب: غسل الرجل مع امرأته (٢) (ر٢٤٧). وفي باب: هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها (٩) (ر٢٥٨-٢٦٠).
ورواه مسلم في الحيض (٣) باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (١٠) (ر٣١٩).
ورواه أبو داود، والنسائي. والشافعي في المسند (ر١٠٥)..

١٣ - الفَرَقُ: مكيال سعته ثلاثة أصوع = ستة أقساط = ١٠. ٠٨٦ لترا = ٩٧٨٤. ٥ غراما عند الحنفية. و ٨. ٢٤٤ لترا و ٦٥١٦ غراما عند غيرهم. ن معجم لغة الفقهاء..
١٤ - أبو ذر الغفاري. فيه أقوال. عن: أنس، وأبو مراوح، وعبد الله بن الصامت. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر» مات بالربذة. الكاشف: ٣/٣١٤. ون الإصابة: ٧/١٢٥. والتهذيب: ١٠/١٠١. وقال في التقريب: الصحابي المشهور ومناقبه كثيرة جدا..
١٥ - رواه أبو داود في أول الطهارة باب: الجنب يتيمم (١٢٥) (ر٣٢٣-٣٣٣).
ورواه الترمذي في أول الطهارة باب: ما جاء في التيمم إذا لم يجد الماء (٩٢) (ر١٢٤) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه النسائي في أول الطهارة باب: التيمم بالصعيد (٢٠٢) (ر٣٢١).
ورواه البيهقي في الطهارة باب: منع التطهير بما عدا الماء من المائعات ١/٧ وفي باب: التيمم بالصعيد الطيب ١/٢١٢.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٩)..

١٦ - رواه البخاري في أول الغسل (٥) (ر٢٤٥) وفي باب: هل يدخل الجنب يده في الإناء (٩) (ر٢٥٩). وفي باب: تخليل الشعر (١٥) (ر٢٦٩).
ورواه مسلم في الحيض (٥) باب: صفة غسل الجنابة (٩) (ر٣١٦).
ورواه أصحاب السنن. ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١١١)..

١٧ - قوله: يكفيها في كل الخ كذا في جميع النسخ بتكرار لفظ «كل». كتبه مصححه..
١٨ - أيوب بن موسى بن الأشدق الأموي. عن: عطاء، ومكحول، وعنه: شعبة، وعبد الوارث، وخلق. كان أحد الفقهاء. ت سنة: ١٣٢. الكاشف: ١/٩٩. ون التهذيب: ١/٤٢٧. وقال في التقريب: ثقة..
١٩ - عبد الله بن رافع المخزومي مولاهم. عن: مولاته أم سلمة، وأبي هريرة. وعنه: المقبري، ومحمد بن إسحاق، وعدة. وثقوه. الكاشف: ٢/٨١. ون التهذيب: ٤/٢٩٠. وقال في التقريب: ثقة..
٢٠ - أي فتل الشعر وإدخال بعضه في بعض..
٢١ - رواه مسلم في الحيض (٣) باب: حكم ضفائر المغتسلة (١٢) (ر٣٣٠).
ورواه أصحاب السنن كلهم في الطهارة. ورواه أحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١١٢)..

٢٢ - قوله: وإن حست رأسها كذا في بعض النسخ بالسين المهملة، وفي بعضها بالمعجمة، وفي بعضها بالثاء المثلثة. وكل ذلك لعله تحريف من النساخ، ووجه الكلام: «وإن عقصت» والله أعلم. كتبه مصححه..
٢٣ - العَقْصُ: أن تلوي الخُصْلة من الشعر، ثم تعقدها، تم ترسلها. ن اللسان: عقص..
٢٤ - النساء: ٤٣..
٢٥ - عثمان بن أبي سليمان بن جبر بن مطعم. قاضي مكة. عن: عمه نافع، وعروة. وعنه: ابن جريج، وابن عيينة. وثقه أحمد. الكاشف: ٢/٢٤٥. ون التهذيب: ٥/٤٨٤. وقال في التقريب: ثقة..
٢٦ - جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل. ممن حسن إسلامه. عنه: ابناه محمد ونافع، وابن المسيب. سيد حليم وقور نسابة. ت سنة: ٥٩. الكاشف: ١/١٣٤. ون الإصابة: ١/٤٦٢. والتهذيب: ١/٣١. وقال في التقريب: صحابي عارف بالأنساب..
٢٧ - رواه الشافعي في المسند (ر٢٠٢).
وروى البخاري في المغازي (٦٧) باب: شهود الملائكة بدرا (٩) (ر٣٧٩٨) عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرا في المغرب بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي. ورواه في التفسير، وفي الجهاد، وفي صفة الصلاة.
ورواه مسلم في الصلاة (٤) باب: القراءة في الصبح (٣٥) (ر٤٦٣).
ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، كلهم عن جبير بن مطعم..

٢٨ - التوبة: ٢٨..
٢٩ - رواه البخاري في المساجد (١١) باب: نوم الرجال في المسجد (٢٥) (ر٤٢٩). وفي التهجد باب: فضل قيام الليل. وفي فضائل الصحابة باب: مناقب عبد الله بن عمر. وفي التعبير باب: الأمن وذهاب الروع في المنام، وباب: الأخذ على اليمين في النوم.
ورواه مسلم في فضائل الصحابة (٤٤) باب: من فضائل عبد الله بن عمر (٣١) (ر٢٤٧٩).
ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد، والدارمي، والبيهقي..

٣٠ - روى البيهقي في الصلاة باب: المسلم يبيت في المسجد ٢/٤٤٥ عن عثمان بن اليمان قال: «لما كثر المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وسماهم أصحاب الصفة فكان يجالسهم ويأنس بهم». وروى عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن النوم في المسجد فقال: فأين كان أهل الصفة؟ يعني ينامون فيه.
وروى البخاري في المساجد (١١) باب: نوم الرجال في المسجد (٢٥) عن أبي قلابة، عن أنس: قدم رهط من عُكْلٍ على النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا في الصفة. وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: كان أصحاب الصفة الفقراء. ( والصفة: موضع مظلل في مؤخرة المسجد تأوي إليه المساكين)..

٣١ - النساء: ٤٣. والمائدة: ٦..
٣٢ - صعيد: ج صُعُد من صعد، وجه الأرض، ترابا كان أو غير تراب، وعند البعض: الصعيد لا يكون إلا ترابا. ن معجم لغة الفقهاء..
٣٣ - والصعيد عند مالك رحمه الله هو الأرض وما صعد عليها، فيجوز التيمم على كل أرض طاهرة سواء كانت حجرا لا تراب عليه أو عليه تراب، أو رملا أو زرنيخا أو نورة أو غير ذلك. وبه قال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف رحمهم الله، إلا على صخر لا تراب عليه فإن أبا يوسف رحمه الله لا يجيزه. ن عيون المجالس: ١/٢٠٩-٢١٠..
٣٤ - البطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى. وقيل: هو الحصى الصغار. اللسان: بطح..
٣٥ - الكثيب: الرمل. وقيل: هو ما اجتمع واحدودب وهي تلال الرمل وفي التنزيل: ﴿ وَكَانَتِ اِلْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً﴾ (المزمل: ١٤). اللسان: كثب..
٣٦ - المدر: قطع الطين اليابس وقيل: الطين العِلك الذي لا رمل فيه، واحدته مدرة. اللسان: مدر..
٣٧ - السبخة: الأرض المالحة وجمعها سباخ. اللسان: سبخ..
٣٨ - النساء: ٤٣. والمائدة: ٦..
٣٩ - عبد الرحمن بن معاوية، أبو الحُوَيرث الزُّرَقي. عن: النعمان بن أبي العباس، وحنظلة بن قيس. وعنه: شعبة، وسفيان. ضُعِّفَ. ت سنة: ١٣٠. الكاشف: ٢/١٨٠. ون التهذيب: ٥/١٧٧. وقال في التقريب: صدوق سيء الحفظ رمي بالإرجاء. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣٤٩ فقال: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، ضعفه مالك، والنسائي، وأبو حاتم الرازي. واختلف فيه قول يحيى بن معين، فقال مرة: ليس يحتج بحديثه. وقال مرة: ثقة. وذكره ابن حبان في «الثقات». وأنكر أحمد على مالك تضعيفه، وأشار إلى رواية سفيان الثوري، وشعبة ابن الحجاج عنه، لكن قال ابن عدي: ليس له كثير حديث، ومالك أعلم به، لأنه مدني ولم يرو عنه شيئا..
٤٠ - أبو جُهيم بن الحارث بن الصّمة الأنصاري، له صحبة. عنه: بسر بن سعيد، وعبد الله بن يسار. الكاشف: ٣/٣٠٧. ون الإصابة: ٧/٧٣. والتهذيب: ١٠/٦٧. وقال في التقريب: صحابي معروف..
٤١ - رواه الشافعي في المسند (ر١٣٠ و ١٣١ و ١٣٢) عن ابن الصمة قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فمسح بجدار ثم يمم وجهه وذراعيه.
ورواه البخاري في التيمم (٧) باب: التيمم في الحضر (٢) (ر٣٣٠).
ورواه مسلم في الحيض (٣) باب التيمم (٢٨) (ر٣٢٩).
ورواه أبو داود، والنسائي، والبيهقي، كلهم في الطهارة..

١٤٤- قال الشافعي : واعلموا أن من مات على الإيمان من فساق المؤمنين قبل التوبة، فإنه في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فإن عذبه لا يبقى مخلدا في النار، ولم يخرج عن الإيمان بارتكاب المعاصي دون الكفر، والدليل عليه قوله تعالى :﴿ اِنَّ اَللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِ ﴾ الآية. فأخبر عز وجل أن ما دون الكفر يغفر لمن يشاء، ومحال أن يكون مخبره بخلاف خبره ؛ ولأن المعصية التي هي دون الكفر لا تضاد الإيمان ولا ترفعه، فصح اجتماعهما. ولأن الإيمان لو ارتفع بمعصية لكان يحكم بردته، ويؤمر بالإيمان لا بالتوبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم :« لا يبقى مخلدا في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان »١ وفي ذلك إجماع السلف الصالح أن المؤمن لا يصير كافرا بالمعصية، بل يكون مؤمنا بإيمانه، فاسقا بعصيانه. ولأن الله تعالى بين حكم القاتل والسارق والزاني وسماهم مؤمنين، قال الله تعالى ﴿ يَاا يُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ ﴾٢ فسمى القاتل مؤمنا، ولأن حكم الردة معلوم في الشريعة، ولا يشبه حكم عصاة المؤمنين شيئا من أحكام المرتدين بوجه ما فتأمله. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر : ٢٨-٢٩. )
١ - لم أقف عليه بهذا اللفظ. ورواه الترمذي في كتاب صفة جهنم (٣٦) باب: (١٠)(ر٢٥٩٨) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان » وقال: هذا حديث حسن صحيح.
٢ - البقرة: ١٧٨..
١٤٥- قال الشافعي : وقوله عز وجل في وصف أهل النار :﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا اَلْعَذَابَ ﴾ أي يرد الخلق، وفي نسخة أي يرد الجلود إلى هيأتها كما كانت ليذوقوا العذاب، وذلك دليل على تأبيد العذاب، يدل عليه قوله تعالى :﴿ إِنَّ اَلذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَهْلِ اِلْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِى نارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ ﴾١ فنص على الخلود فيها. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر ص : ٣٠. )
١ - البينة: ٦..
١٤٦- قال الشافعي رحمه الله : قوله عز وجل :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اَللَّهَ وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَأُوْلِى اِلاَمْرِ مِنكُمْ ﴾ فقال بعض أهل العلم : أولو الأمر أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهكذا أخبرنا والله أعلم، وهو يشبه ما قال ـ والله أعلم ـ : أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن تعطي بعضها بعضا طاعة الإمارة ؛ فلما دانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لا طاعة مطلقة، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم. قال تعالى :﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللَّهِ ﴾ يعني : إن اختلفتم في شيء، وهذا إن شاء الله كما قال في أولي الأمر، لأنه يقول :﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ ﴾ يعني ـ والله أعلم ـ هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم ﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ يعني ـ والله أعلم ـ إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه، وإن لم تعرفوه سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه، أو من وصل إليه، لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه، لقول الله عز وجل : { وَمَا كَانَ لِمُومِنٍ وَلا مُومِنَةٍ اِذَا قَضَى اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا اَن تَكُونَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ مِنَ
اَمْرِهِمْ }١. ومن تنازع ممن بعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الأمر إلى قضاء الله، ثم إلى قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصًّا فيهما، ولا في واحد منها، ردوه قياسا على أحدهما. ( أحكام الشافعي : ١/٢٩-٣٠. ون الرسالة : ٧٩-٨١. والأم : ١/١٥٩. )
١ - الأحزاب: ٣٦..
١٤٧- قال الشافعي : وقال :﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُومِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ نزلت هذه الآية فيما بلغنا ـ والله أعلم ـ في رجل١ خاصم الزبير٢ في أرض، فقضى النبي بها للزبير٣. وهذا القضاء سنة من رسول الله، لا حكم منصوص في القرآن. والقرآن يدل ـ والله أعلم ـ على ما وصفت، لأنه لو كان قضاء بالقرآن كان حكما منصوصا بكتاب الله، وأشبه أن يكونوا إذا لم يسلموا لحكم كتاب الله نصا غير مشكل الأمر : أنهم ليسوا بمؤمنين، إذا ردوا حكم التنزيل، إذا لم يسلموا له.
وقال تبارك وتعالى :﴿ لا تَجْعَلُوا دُعَاء اَلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اَللَّهُ اَلذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ اِلذِينَ يُخَالِفُونَ عَنَ اَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ اَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ اَلِيمٌ ﴾٤ وقال :﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اَللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِنْ يَّكُن لَّهُمُ اَلْحَقُّ يَاتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ اَمِ اِرْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَّحِيفَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلُ اَوْلَئاكَ هُمُ اَلظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ اَلْمُومِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اَللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمُ أَنْ يَّقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئاكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُّطِعِ اِللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اَللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئاكَ هُمُ اَلْفَآئِزُونَ ﴾٥ فأعلم الله الناس في هذه الآية أن دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم دعاء إلى حكم الله، لأن الحاكم بينهم رسول الله، وإذا سلموا لحكم رسول الله فإنما سلموا لحكمه بفرض الله. وأنه أعلمهم أن حكمَه حكمُه، على معنى افتراضه حكمَه، وما سبق في علمه جل ثناؤه من إسعاده بعصمته وتوفيقه، وما شهد له به من هدايته واتباعه أمره.
فأحكم فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله وإعلامهم أنها طاعته. فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع أمره وأمر رسوله، وأن طاعة رسوله طاعته، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جل ثناؤه. ( الرسالة : ٨٢-٨٥. ون أحكام الشافعي : ١/٣٠. )
ــــــــــــ
١٤٨- قال الشافعي : وليس يخالف القرآن الحديث، ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبين معنى ما أراد الله خاصا وعاما، وناسخا ومنسوخا، ثم يلزم الناس ما سن بفرض الله، فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله عز وجل قبل، لأن الله تعالى أبان عن ذلك في غير موضع من كتابه، قال الله عز وجل :﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُومِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فَيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ﴾٦ الآية، وقال عز وجل :﴿ فَلْيَحْذَرِ اِلذِينَ يُخَالِفُونَ عَنَ اَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ اَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ اَلِيمٌ ﴾٧ وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا سفيان بن عيينة، عن سالم أبي النضر٨ قال : أخبرني عبيد الله بن أبي رافع٩ عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :« ما أعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما هذا ما وجدنا في كتاب الله عز وجل أخذنا به »١٠. ( الأم : ٧/٣٤٠-٣٤١. ون اختلاف الحديث ص : ٤٨٣. )
١ - الرجل الذي خاصم الزبير كان من الأنصار ممن شهد بدرا..
٢ - الزبير بن العوام الأسدي. حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية، وابن أخ خديجة. وأول من سل سيفا في سبيل الله. عنه: ابناه عبد الله وعروة، ونافع بن جبير. استشهد يوم الجمل في جمادى الأولى سنة: ٣٦. الكاشف: ١/٢٧٣. ون الإصابة: ٢/٥٥٣. والتهذيب: ٣/١٤٣. وقال في التقريب: أحد العشرة المشهود لهم بالجنة..
٣ - رواه البخاري في المساقاة (٤٧) باب: سَكْرِ الأنهار (٧) (ر٢٢٣١). وباب: شرب الأعلى قبل الأسفل (٨) (ر٢٢٣٢). وباب: شرب الأعلى إلى الكعبين (٩) (ر٢٢٣٣). وفي الصلح (٥٧) باب: إذا أشار الإمام بالصلح فأبى حكم عليه بالحكم البين (١٢) (ر٢٥٦١). وفي التفسير (٦٨) باب: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُومِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فَيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾
(٩١) (ر٤٣٠٩).
ورواه مسلم في الفضائل (٤٣) باب: وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم (٣٦)(ر٢٣٥٧).
ورواه أصحاب السنن، وأحمد، والبيهقي. ون لباب النقول ص: ٩٢..

٤ - النور: ٦٣..
٥ - النور: ٤٨-٥٢..
٦ - النساء: ٦٥. وتمامها: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾..
٧ - النور: ٦٣..
٨ - سالم بن أبي أمية أبو النضر المدني. عن: أنس، وعن ابن أبي أوفى إجازة. وعنه: مالك والليث. ثقة نبيل. ت سنة: ١٢٩هـ. الكاشف: ١/٢٩٦. ون التهذيب: ٣/٢٤٣. وقال في التقريب: ثقة ثبت وكان يرسل..
٩ - عبيد الله بن أبي رافع. كاتب علي. عن: أبيه، وعلي، وعدة. وعنه: بنوه، والزهري، والحكم. الكاشف:
٢/٢١٨. ون التهذيب: ٥/٣٧٢. وقال في التقريب: ثقة..

١٠ - أخرجه أبو داود في السنة (٣٤) باب: في لزوم السنة (٦) (ر٤٦٠٥) بلفظ: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته..» الحديث.
وأخرجه الترمذي في العلم (٣٨) باب: ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم (١٠) (ر٢٦٢٣) وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجة في المقدمة باب: تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢) (ر١٣).
ورواه أحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٣١ و ٣٢)، وفي الأم: ٧/٢٨٨-٢٨٩..

١٤٩- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَمَا كَانَ لِمُومِنٍ اَنْ يَّقْتُلَ مُومِنًا اِلا خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُومِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ ﴾ فأحكم الله تبارك وتعالى في تنزيل كتابه أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى أهله، وأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كم الدية، فكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بدية المسلم مائة من الإبل، فكان هذا أقوى من نقل الخاصة، وقد روي من طريق الخاصة وبه نأخذ، ففي المسلم يقتل خطا مائة من الإبل. أخبرنا سفيان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم ابن ربيعة١، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« ألا في قتيل العمد الخطا بالسوط أو العصا مائة من الإبل مُغَلَّظَةٌ٢، منها أربعون خَلِفَةً٣ في بطونها أولادها »٤.
أخبرنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء٥، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس٦، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة :« ألا إن في قتيل الخطا شبه العمد٧ قتيل السوط أو العصا الدية مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها »٨.
أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم :« في النفس مائة من الإبل »٩.
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي بكر في الديات في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم :« في النفس مائة من الإبل ».
قال ابن جريج : فقلت لعبد الله بن أبي بكر : أفي شك أنتم من أنه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا١٠.
أخبرنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، وأخبرنا مسلم بن خالد، عن عبيد الله بن عمر١١، عن أيوب بن موسى، عن ابن شهاب، وعن مكحول١٢ وعطاء قالوا : أدركنا الناس على أن دية الحر المسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل، فقوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الدية على أهل القرى ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم، فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الأعراب الذهب ولا الورق، ودية الأعرابي إذا أصابه الأعرابي مائة من الإبل١٣.
قال الشافعي : ودية الحر المسلم مائة من الإبل لا دية غيرها، كما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال : فإن أعوزت الإبل فقيمتها. ( الأم : ٦/١٠٥. ون الأم : ٧/٣٢٤. وأحكام الشافعي : ١/٢٨١-٢٨٢. )
ــــــــــــ
١٥٠- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِمُومِنٍ اَنْ يَّقْتُلَ مُومِنًا اِلا خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُومِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ ﴾١٤ الآية. قال الشافعي : قوله :﴿ مِن قَوْمٍ ﴾ يعني في ﴿ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ ﴾.
قال الشافعي : وأخبرنا مروان بن معاوية الفزاري١٥، عن إسماعيل بن أبي خالد١٦، عن قيس بن أبي حازم١٧ قال : لجا قوم إلى خثعم، فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود، فقتلوا بعضهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال :« اعطوهم نصف العقل١٨ لصلاتهم » ثم قال عند ذلك :« ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك » قالوا : يا رسول الله لم ؟ قال :« لا تتراءى ناراهما١٩ »٢٠.
قال الشافعي : إن كان هذا يثبت فأحسب النبي صلى الله عليه وسلم أعطى من أعطى منهم متطوعا، وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك ـ والله أعلم ـ في دار الشرك، ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود. وقد يكون هذا قبل نزول الآية، فنزلت الآية بعد. ويكون إنما قال : إني بريء من كل مسلم مع مشرك بنزول الآية.
قال الشافعي : وفي التنزيل كفاية عن التأويل، لأن الله عز وجل إذا حكم في الآية الأولى في المؤمن يقتل خطا بالدية والكفارة، وحكم بمثل ذلك في الآية بعدها في الذي بيننا وبينه ميثاق، وقال بين هذين الحكمين :﴿ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُومِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ ﴾٢١ ولم يذكر دية، ولم تحتمل الآية معنى إلا أن يكون قوله :﴿ مِن قَوْمٍ ﴾ يعني : في قوم عدو لنا دارهم دار حرب مباحة، فلما كانت مباحة، وكان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إذا بلغت الناس الدعوة أن يغير عليهم غارين، كان في ذلك دليل على أنه لا يبيح الغارة على دار وفيها من له إن قتل عقل أو قود، فكان هذا حكم الله عز ذكره.
قال الشافعي : ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو لكم : إلا في قوم عدو لنا. وذلك أن عامة المهاجرين كانوا من قريش. وقريش عامة أهل مكة، وقريش عدو لنا. وكذلك كانوا من طوائف العرب والعجم، وقبائلهم أعداء للمسلمين.
قال الشافعي : وإذا دخل مسلم دار حرب ثم قتله مسلم، فعليه تحرير رقبة مؤمنة ولا عقل له إذا قتله، وهو لا يعرفه بعينه مسلما ـ وكذلك أن يغير فيقتل من لقي أو يلقى منفردا بهيئة المشركين في دارهم فيقتله ـ وكذلك إن قتله في سرية منهم، أو طريق من طرقهم التي يلقون بها، فكل هذا عمد خطا يلزمه اسم الخطأ، لأنه خطا بأنه لم يعمد قتله وهو مسلم، وإن كان عمدا بالقتل. ( الأم : ٦/٣٥. ون الأم : ٦/٣٧. والأم : ٤/٢٤٦. و أحكام الشافعي : ١/٢٨٥-٢٨٧. ومختصر المزني ص : ٢٥٤. )
ــــــــــــــــ
١٥١- قال الشافعي : قال الله :﴿ وَمَا كَانَ لِمُومِنٍ اَنْ يَّقْتُلَ مُومِنًا اِلا خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُومِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَّصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُومِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اَللَّهِ وَكَانَ اَللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾٢٢ قال : فأوجب الله بقتل المؤمن خطا الدية وتحرير رقبة، وفي قتل ذي الميثاق الدية وتحرير رقبة، إذا كانا معا ممنوعي الدم بالإيمان والعهد والدار معا، فكان المؤمن في الدار غير الممنوعة وهو ممنوع بالإيمان، فجعلت فيه الكفارة بإتلافه، ولم يجعل فيه الدية، وهو ممنوع الدم بالإيمان، فلما كان الولدان والنساء من المشركين لا ممنوعين بإيمان ولا دار : لم يكن فيهم عقل ولا قود ولا دية ولا مأثم ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا كفارة. ( الرسالة : ٣٠١-٣٠٢. ون الأم : ٧/٣٢٠. ومناقب الشافعي : ١/٣٥٥. )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
١٥٢- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تعالى :﴿ وَمَنْ يَّقْتُلْ مُومِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمَ ﴾٢٣ الآية. وقال تعالى :﴿ وَلا تَقْتُلُوا اَلنَّفْسَ اَلتِى حَرَّمَ اَللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ﴾٢٤ وقال عليه السلام :« لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس »٢٥.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وإذا تكافا الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم، قتل من كل صنف مكافئ دمه منهم، الذكر إذا قتل بالذكر وبالأنثى، والأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر، ولا يقتل مؤمن بكافر لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« لا يقتل مؤمن بكافر »٢٦ وأنه لا خلاف أنه يقتل بالمستأمن وهو في التحريم مثل المعاهد. ( مختصر المزني ص : ٢٣٧. )
١ - القاسم بن ربيعة هو ابن عبد الله بن ربيعة الغطفاني الجوشني. عن: ابن عمر، وعقبة بن أوس. وعنه: أيوب، والحذاء، وحميد. وثقوه، وكان نسابة. ذكر لقضاء البصرة. الكاشف: ٢/٣٧٥. ون التهذيب: ٦/٤٤١. وقال في التقريب: ثقة عارف بالنسب..
٢ - مُغَلَّظَةٌ: دية مغلظة. قال السندي: ن سنن ابن ماجة ٨/٤١٠..
٣ - خَلِفَةً: بفتح فكسر هي الناقة الحاملة إلى نصف أجلها ثم هي عشار. قاله السندي: ن سنن ابن ماجة: ٨/٤١٠..
٤ - أخرجه النسائي في القسامة (٤٥) باب: ذكر الاختلاف على خالد الحذاء (٣٣) (ر٤٨١٣).
وأخرجه ابن ماجة في الديات (٢١) باب: دية شبه العمد مغلظة (٥) (ر٢٦٢٨).
وأخرجه البيهقي في الجنايات باب: شبه العمد ٨/٤٤. والشافعي في المسند (ر١٣٧٣)..

٥ - خالد بن مهران البصري، أبو المنازل، الحذَّاء الحافظ. عن: أبي عثمان النهدي، ويزيد بن الشخير. وعنه: شعبة، وابن علية. ثقة إمام. ت سنة: ١٤١. الكاشف: ١/٢٣١. ون التهذيب: ٢/٥٣٧. وقال في التقريب: ثقة يرسل..
٦ - عقبة بن أوس، ويقال: يعقوب. عن: عبد الله بن عمرو. وعنه: ابن سيرين، وابن جدعان. وثق. الكاشف: ٢/٢٦٥. ون التهذيب: ٥/٦٠٣. وقال في التقريب: صدوق، ووهم من قال له صحبة. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٢٥ فقال: بل ثقة وثقه العجلي، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في « الثقات» ولا نعلم فيه جرحا..
٧ - شبه العمد: لوجود القصد فيه، ولم يكن عمدا لأنه لم يستعمل فيه آلة قاتلة في العادة..
٨ - رواه أبو داود في الديات (٣٣) باب: في دية الخطا شبه العمد (١٩) (ر٤٥٤٧) عن حماد، عن خالد، عن القاسم بن ربيعة، عن غقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.
ورواه النسائي في القسامة (٤٥) باب: ذكر الاختلاف على خالد الحذاء (٣٣) (ر٤٨٠٧-٤٨١٠-٤٨١١-٤٨١٢).
ورواه ابن ماجة في الديات (٢١) باب: دية شبه العمد مغلظة (٥) (ر٢٦٢٧).
ورواه الدارمي في الديات (١٥) باب: الدية في شبه العمد (٢٢) (ر٢٢٩٤).
ورواه البيهقي في الجنايات باب: شبه العمد ٨/٤٥. والشافعي في المسند (ر١٣٧٤)..

٩ - رواه مرسلا: النسائي في القسامة (٤٥) باب: ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول (٤٦-٤٧) (ر٤٨٧٢).
ورواه مالك في أول العقول (٤٣) (ر١).
ورواه البيهقي في الديات باب: دية النفس ٨/٧٣. والشافعي في المسند (ر١٣٧٥).
ورواه موصولا: النسائي في القسامة (٤٥) باب: ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول (٤٦-٤٧) (ر٤٨٦٨-٤٨٦٩) عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم.. وأن في النفس الدية مائة من الإبل. الحديث..

١٠ - رواه البيهقي في الديات باب: دية النفس ٨/٧٣. والشافعي في المسند (ر١٣٧٦)..
١١ - عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني الفقيه، الثبت. عن: أبيه، والقاسم، وسالم. يقال: إنه أدرك أم خالد بنت خالد الصحابية. وعنه: شعبة، والقطان، وأبو أسامة، وعبد الرزاق. ت سنة: ١٤٧. الكاشف: ٢/٢٢٤. ون التهذيب: ٥/٣٩٩. وقال في التقريب: ثقة ثبت..
١٢ - مكحول، فقيه الشام. عن: عائشة، وأبي هريرة مرسلا، وعن واثلة، وأبي أمامة، وكثير بن قرة، وجبير بن نفير. وعنه: الزبيدي، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز. ت سنة: ١١٣. الكاشف: ٣/١٥٥. ون التهذيب: ٨/٣٣٣. وقال في التقريب: ثقة فقيه كثير الإرسال..
١٣ - رواه البيهقي في الديات باب: إعواز الإبل ٨/٧٦.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٧٩).
وروى مالك في العقول (٤٣) باب: العمل في الدية (٢) (ر٢) أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب قوم الدية على أهل القرى، فجعلها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم..

١٤ - النساء: ٩٢..
١٥ - مروان بن معاوية الفزاري، أبو عبد الله الحافظ. عن: عاصم الأحول، وحميد. وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن ملاس. ت سنة: ١٩٣. الكاشف: ٣/١١٤. ون التهذيب: ٨/١١٦. وقال في التقريب: ثقة حافظ، وكان يدلس أسماء الشيوخ..
١٦ - إسماعيل بن أبي خالد الكوفي الحافظ. عن: ابن أبي أوفى، وأبي جحيفة. وعنه: شعبة، وقيس، وعبيد الله، وخلق. وكان طحّانا. ت سنة: ١٤٦. الكاشف: ١/٧٦. ون التهذيب: ١/٣٠٤. وقال في التقريب: ثقة ثبة..
١٧ - قيس بن أبي حازم، أبو عبد الله البجلي، تابعي كبير، فاتته الصحبة بليال. سمع أبا بكر، وعمر. وعنه: بيان بن بشر، وإسماعيل بن أبي خالد، وخلق. وثقوه. وقال ابن المديني: عن يحيى بن سعيد منكر الحديث، ثم ذكر له حديث كلاب الحوأب. ت سنة: ٩٨. الكاشف: ٢/٣٨٩. ون التهذيب: ٦/٥٢٢. وقال في التقريب: ثقة، يقال له رؤية..
١٨ - إنما أمر لهم بنصف العقل ولم يكمل لهم الدية بعد علمه بإسلامهم، لأنهم قد أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره، فسقطت حصة جنايته من الدية. ن سنن أبي داود: ٣/٧٤..
١٩ - لا تتراءى ناراهما: أي يلزم المسلم ويجب عليه أن يتباعد منزله عن منزل المشرك، ولكن ينزل مع المسلمين في دارهم، وإنما كره مجاورة المشركين لأنهم لا عهد لهم ولا أمان، وحث المسلمين على الهجرة. ن سنن النسائي: ٨/٤٠٤..
٢٠ - رواه من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا:
الترمذي في السير (١٨) باب: ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين (٤٢) (ر١٦٠٥).
والنسائي في القسامة (٤٥) باب: القود بغير حديدة (٢٦-٢٧) (ر٤٧٩٤).
والبيهقي في القسامة باب: ما جاء في وجوب الكفارة في أنواع قتل الخطا ٨/١٣٠. والشافعي في المسند (ر١٣٥٢).
ورواه من طريق إسماعيل، عن قيس، عن جرير بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موصولا:
أبو داود في الجهاد (٩) باب: النهي عن قتل من اعتصم بالسجود (١٠٥) (ر٢٦٤٥).
والترمذي في السير (١٨) باب: ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين (٤٢) (ر١٦٠٤).
والبيهقي في القسامة باب: ما جاء في وجوب الكفارة في أنواع قتل الخطأ: ٨/١٣١..

٢١ - النساء: ٩٣..
٢٢ - النساء: ٩٢..
٢٣ - النساء: ٩٣. وتمامها: ﴿جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُو وَأَعَدَّ لَهُو عَذَابًا عَظِيمًا﴾..
٢٤ - الأنعام: ١٥١..
٢٥ - سبق تخريجه. ن البقرة: ٢١٧. نص: ٤٥..
٢٦ - سبق تخريجه: ن البقرة: ١٧٨-١٧٩. نص: ٢٣..
١٥٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : ولما فرض الله عز وجل الجهاد على رسوله وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحه، وأثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة، ورأوا كثرة من دخل في دين الله عز وجل اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم، أو من فتنوا منه، فعذر الله من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال :﴿ إِلا مَنُ اَكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِيمانِ ﴾١ وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الله عز وجل جعل لكم مخرجا وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتن عن دينه ولا يمتنع »٢. فقال في رجل منهم توفي تخلف عن الهجرة فلم يهاجر :﴿ اَلذِينَ تَوَفّياهُمُ اَلْمَلَئاكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ﴾ الآية، وأبان الله عز وجل عذر المستضعفين فقال :﴿ اِلا اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ﴾ إلى ﴿ غَفُورًا ﴾٣.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ويقال :( عسى ) من الله واجبة٤.
قال الشافعي : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذي يسلم بها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم : العباس بن عبد المطلب٥ وغيرهم إذ لم يخافوا الفتنة٦، وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم :« إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم »٧. ( الأم : ٤/١٦١. ون أحكام الشافعي : ٦/١٥-١٨. )
١ - النحل: ١٠٦..
٢ - ن الطبقات الكبرى: ١/٢٠٣. وما بعدها، باب: ذكر هجرة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة في المرة الأولى والثانية..
٣ - روى البخاري في الجنائز (٢٩) باب: إذا أسلم الصبي فمات (٧٨) (ر١٢٩١) عن عبيد الله قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء. وفي التفسير (٦٨) باب: ﴿اِلا اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ..﴾ (١٠٠) (ر٤٣٢١) عن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿اِلا اَلْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ قال: كانت أمي ممن عذر الله..
٤ - روى البيهقي في السير باب: ما جاء في عذر المستضعفين: ٩/١٣ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كل "عسى" في القرآن فهي واجبة..
٥ - العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، أسن منه بثلاث سنين. عنه: بنوه عبد الله، وعبيد الله، وكثير، ونافع بن جبير. ت سنة: ٣٣. الكاشف: ٢/٦٣. ون الإصابة: ٣/٦٣١. والتهذيب: ٤/٢١٢..
٦ - روى البيهقي في السير باب: الرخصة في الإقامة بدار الشرك لمن لا يخاف الفتنة: ٩/١٥ عن عروة بن الزبير قال: كان العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قد أسلم وأقام على سقايته ولم يهاجر..
٧ - رواه مسلم في الجهاد والسير (٣٢) باب: تأمير الإمام الأمراء على البعوث (٢) (ر١٧٣١) مطولا من حديث بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: « اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ( أو خلال ) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين. وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين..» الحديث.
ورواه أبو داود في الجهاد (٩) باب: في دعاء المشركين (٩٠) (ر٢٦١٢).
ورواه الترمذي في الديات (١٣) باب: ما جاء في النهي عن المثلة (١٤) (ر١٤٠٨). وفي السير (١٨) باب: في وصيته صلى الله عليه وسلم (٤٨) (ر١٦١٧).
ورواه ابن ماجة، وأحمد، والدارمي، والبيهقي..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٧:١٥٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : ولما فرض الله عز وجل الجهاد على رسوله وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحه، وأثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة، ورأوا كثرة من دخل في دين الله عز وجل اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم، أو من فتنوا منه، فعذر الله من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال :﴿ إِلا مَنُ اَكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِيمانِ ﴾١ وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الله عز وجل جعل لكم مخرجا وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتن عن دينه ولا يمتنع »٢. فقال في رجل منهم توفي تخلف عن الهجرة فلم يهاجر :﴿ اَلذِينَ تَوَفّياهُمُ اَلْمَلَئاكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ﴾ الآية، وأبان الله عز وجل عذر المستضعفين فقال :﴿ اِلا اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ﴾ إلى ﴿ غَفُورًا ﴾٣.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ويقال :( عسى ) من الله واجبة٤.
قال الشافعي : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذي يسلم بها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم : العباس بن عبد المطلب٥ وغيرهم إذ لم يخافوا الفتنة٦، وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم :« إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم »٧. ( الأم : ٤/١٦١. ون أحكام الشافعي : ٦/١٥-١٨. )
١ - النحل: ١٠٦..
٢ - ن الطبقات الكبرى: ١/٢٠٣. وما بعدها، باب: ذكر هجرة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة في المرة الأولى والثانية..
٣ - روى البخاري في الجنائز (٢٩) باب: إذا أسلم الصبي فمات (٧٨) (ر١٢٩١) عن عبيد الله قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء. وفي التفسير (٦٨) باب: ﴿اِلا اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ..﴾ (١٠٠) (ر٤٣٢١) عن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿اِلا اَلْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ قال: كانت أمي ممن عذر الله..
٤ - روى البيهقي في السير باب: ما جاء في عذر المستضعفين: ٩/١٣ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كل "عسى" في القرآن فهي واجبة..
٥ - العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، أسن منه بثلاث سنين. عنه: بنوه عبد الله، وعبيد الله، وكثير، ونافع بن جبير. ت سنة: ٣٣. الكاشف: ٢/٦٣. ون الإصابة: ٣/٦٣١. والتهذيب: ٤/٢١٢..
٦ - روى البيهقي في السير باب: الرخصة في الإقامة بدار الشرك لمن لا يخاف الفتنة: ٩/١٥ عن عروة بن الزبير قال: كان العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قد أسلم وأقام على سقايته ولم يهاجر..
٧ - رواه مسلم في الجهاد والسير (٣٢) باب: تأمير الإمام الأمراء على البعوث (٢) (ر١٧٣١) مطولا من حديث بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: « اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ( أو خلال ) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين. وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين..» الحديث.
ورواه أبو داود في الجهاد (٩) باب: في دعاء المشركين (٩٠) (ر٢٦١٢).
ورواه الترمذي في الديات (١٣) باب: ما جاء في النهي عن المثلة (١٤) (ر١٤٠٨). وفي السير (١٨) باب: في وصيته صلى الله عليه وسلم (٤٨) (ر١٦١٧).
ورواه ابن ماجة، وأحمد، والدارمي، والبيهقي..


١٥٤- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُ أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الآية.
قال : فكان بينا في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف تخفيف من الله عز وجل عن خلقه، لا أن فرضا عليهم أن يقصروا، كما كان قوله :﴿ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمُ إِن طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾١ رخصة، لا أن حتما عليهم أن يطلقوهن في هذه الحال. وكما كان قوله :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَبْتَغُوا فَضْلا مِّن رَّبِّكُمْ ﴾٢ يريد ـ والله تعالى أعلم ـ أن تتجروا في الحج، لا أن حتما عليهم أن يتجروا. وكما كان قوله :﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَّضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾٣ وكما كان قوله :﴿ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمُ أَن تَاكُلُوا مِن بُيُوتِكُمُ ﴾٤ الآية، لا أن حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت غيرهم.
قال الشافعي : والقصر في الخوف والسفر بالكتاب، ثم بالسنة. والقصر في السفر بلا خوف سنة. والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من الله عز وجل، لا أن حتما عليهم أن يقصروا، كما كان ذلك في الخوف والسفر.
أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الرحمان بن عبد الله بن أبي عمار٥، عن عبد الله بن باباه٦، عن يعلى بن أمية٧ قال : قلت لعمر بن الخطاب : إنما قال الله عز وجل :﴿ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُ أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُواْ ﴾٨. فقد أمن الناس٩ ؟ ! فقال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :« صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته »١٠.
أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن طلحة بن عمرو١١، عن عطاء، عن عائشة قالت : كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قصر الصلاة في السفر، وأتم١٢.
أخبرنا إبراهيم، عن ابن حرملة١٣، عن ابن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة، وأفطروا »١٤ أو قال :« لم يصوموا ».
قال : فالاختيار، والذي أفعل مسافرا، وأحب أن يفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر وفي السفر بلا خوف. ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته، جلس في مثنى قدر التشهد، أو لم يجلس. وأكره ترك القصر، وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه. وأكره ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة فيه. ومن ترك المسح على الخفين غير رغبة عن السنة، لم أكره له ذلك.
قال : ولا اختلاف أن القصر إنما هو في ثلاث صلوات : الظهر، والعصر، والعشاء، وذلك أنهن أربع، فيصليهن ركعتين ركعتين. ولا قصر في المغرب ولا الصبح. ( الأم : ١/١٧٩-١٨٠. ون اختلاف الحديث ص : ٤٩٠ وص : ٤٩٣. وأحكام الشافعي : ١/٩١-٩٢. ومناقب الإمام الشافعي ص : ٢٤٥. )
ـــــــــــــــــــــــــــ
١٥٥- قال الشافعي رحمه الله : التقصير لمن خرج غازيا خائفا، في كتاب الله عز وجل، قال الله جل ثناؤه :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُ أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُوا إِنَّ اَلْكافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾١٥ قال : والقصر لمن خرج في غير معصية في السنة.
قال الشافعي : فأما من خرج باغيا على مسلم، أو معاهد، أو يقطع طريقا، أو يفسد في الأرض، أو العبد يخرج آبقا من سيده، أو الرجل هاربا ليمنع دما لزمه، أو ما في مثل هذا المعنى، أو غيره من المعصية : فليس له أن يقصر، فإن قصر أعاد كل صلاة صلاها، لأن القصر رخصة، وإنما جعلت الرخصة لمن لم يكن عاصيا، ألا ترى إلى قول الله عز وجل :﴿ فَمَنُ اَضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْه ﴾١٦.
قال : وهكذا لا يمسح على الخفين، ولا يجمع الصلاة مسافر في معصية. وهكذا لا يصلي لغير القبلة نافلة، ولا تخفيف عمن كان سفره في معصية الله عز وجل.
قال الشافعي رحمه الله : وأكره ترك القصر، وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه، يعني : لمن خرج في غير معصية.
قال الشافعي رحمه الله في قوله تعالى :﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ ﴾١٧ قال :[نزل بعسفان ]١٨ : موضع بخيبر، فلما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقصر مخرجه من المدينة إلى مكة١٩، كانت السنة في التقصير.
فلو أتم رجل متعمد، من غير أن يخطِّئ من قصر، لم يكن عليه شيء. فأما إن أتم متعمدا، منكرا للتقصير، فعليه إعادة الصلاة. ( أحكام الشافعي : ١/٨٨-٩٠. )
ــــــــــــــــــــــــ
١٥٦- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾٢٠ الآية. قال الشافعي : فأذن الله عز وجل بالقصر في الخوف والسفر، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان فيهم يصلي لهم صلاة الخوف، أن يصلي فريق منهم بعد فريق، فكانت صلاة الخوف مباحة للمسافر، والمقيم، بدلالة كتاب الله عز وجل، ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي : فللمسافر والمقيم إذا كان الخوف، أن يصليها صلاة الخوف، وليس للمقيم أن يصليها إلا بكمال عدد صلاة المقيم، والمسافر أن يقصر في صلاة الخوف إن شاء للسفر، وإن أتم فصلاته جائزة، وأختار له القصر. ( الأم : ١/٢١٠. ون الأم : ١/٢١٥. )
ــــــــــــ
١٥٧- قال الشافعي رحمه الله تعالى : الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة، قال الله عز وجل :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ ﴾ إلى ﴿ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ ﴾٢١ الآية. قال : فأمرهم الله خائفين محروسين بالصلاة، فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجههم لها من القبلة.
وقال الله عز وجل :﴿ حَافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوَاتِ وَالصَّلَواةِ اِلْوُسْطى ﴾ إلى ﴿ رُكْبَانًا ﴾٢٢ فدل إرخاصه في أن يصلوا رجالا وركبانا على أن الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالا وركبانا من الخوف، غير الحال الأولى التي أمرهم فيها أن يحرس بعضهم بعضا.
فعلمنا أن الخوفين مختلفان، وأن الخوف الآخر الذي أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا، لا يكون إلا أشد من الخوف الأول. وذلك على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها في هذه الحال، وقعودا على الدواب، وقياما على الأقدام، ودلت على ذلك السنة٢٣.
أخبرنا مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال : يتقدم الإمام وطائفة، ثم قص الحديث، وقال ابن عمر في الحديث : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. قال مالك : قال نافع : ما أرى عبد الله ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم٢٤.
وأخبرنا عن أبن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه٢٥. ( الأم : ١/٩٦. ون الأم : ١/٢٢٢. وأحكام الشافعي : ١/٩٥-٩٦. )
ــــــــــــ
١٥٨- قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه في صلاة الخوف :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلَواةَ ﴾٢٦ الآية. قال الشافعي : أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان٢٧ عن صالح بن خوات٢٨ عمن صلى مع النبي يوم ذات الرقاع، صلاة الخوف : أن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ركعة ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت عليه ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم٢٩.
قال الشافعي : وأخبرنا من سمع عبد الله بن عمر [عن ]٣٠ حفص٣١ يذكر عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن خوات بن جبير٣٢ عن النبي مثل معناه لا يخالفه٣٣.
قال الشافعي : وأخذنا بهذا في صلاة الخوف٣٤ إذا كان العدو في غير جهة القبلة أو جهتها غير مأمونين لثبوته عن النبي وموافقته للقرآن.
قال : وروى ابن عمر عن النبي في صلاة الخوف شيئا يخالف فيه هذه الصلاة. روى أن طائفة صفت مع النبي وطائفة وجاه العدو، فصلى بالطائفة التي معه ركعة ثم استأخروا ولم يتموا الصلاة فوقفوا بإزاء العدو، وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فصلوا معه الركعة التي بقيت عليه ثم انصرفت وقامت الطائفتان معا فأتموا لأنفسهم.
قال الشافعي : فإن قال قائل : كيف أخذت بحديث خوات بن جبير دون حديث ابن عمر ؟ قيل : لمعنيين، أحدهما : موافقة القرآن وأن معقولا فيه أنه عدل بين الطائفتين، وأحرى أن لا يصيب المشركون غرة من المسلمين. فإن قال : فأين موافقة القرآن ؟ قلت : قال الله :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلَواةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ ﴾ إلى ﴿ أَسْلِحَتَهُمْ ﴾٣٥ الآية.
قال الشافعي : فذكر الله صلاة الطائفة الأولى معه، وقال :﴿ فَإِذَا سَجَدُواْ ﴾ فاحتمل أن يكون إذا سجدوا ما عليهم من السجود كأنهم كانوا من ورائهم ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا فكان أولى معانيه والله أعلم.
وذكر الله خروج الإمام بالطائفتين من الصلاة، ولم يذكر على واحدة من الطائفتين ولا على الإمام قضاء، وهكذا حديث خوات بن جبير.
قال : ولما كانت الطائفة الأولى مأمورة بالوقوف بإزاء العدو في غير صلاة كان معلوما أن الواقف في غير صلاة يتكلم بما يرى من حركة العدو وإرادته ومددا إذا جاءه فيفهمه عنه الإمام والمصلون فيخفف أو يقطع أو يعلمونه أن حركتهم حركة لا خوف فيها عليهم، فيقيم على صلاته مطيلا لا معجلا، وتخالفهم الطائفة التي بإزائهم أو بعضها وهي في غير صلاة. والحارس في غير صلاة أقوى من الحارس مصليا، فكان أن تكون الطائفة الأخرى إذا حرست الأولى وإذا صارت مصلية، والحارسة غير مصلية أشبه من أن تكون الأولى قد أخذت من الآخرة ما لم تعطها.
والحديث الذي يخالف حديث خوات بن جبير تكون فيه الطائفتان معا في بعض الصلاة ليس لهما حارس إلا الإمام وحده، وإنما أمر الله إحدى الطائفتين بحراسة الأخرى، والطائفة الجماعة لا الإمام الواحد.
قال : وإنما أراد الله أن لا يصيب المشركون غرة من أهل دينه، وحديث خوات بن جبير كما وصفنا أقوى من المكيدة وأحصن لكل المسلمين من الحديث الذي يخالفه.
قال الشافعي : فبهذه الدلائل قلنا بحديث خوات بن جبير. ( اختلاف الحديث : ٥٢٦-٥٢٧. ون الأم : ١/٢١٠-٢١١. وأحكام الشافعي : ١/٩٦. ومختصر المزني : ٢٨-٢٩. والرسالة : ٢٥٩-٢٦٧. )
ــــــــــــ
١٥٩- قال الشافعي رحمه الله تعالى : يصلي صلاة الخوف من قاتل أهل الشرك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل أمر بها في قتال المشركين، فقال في سياق الآية :﴿ وَدَّ اَلذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنَ اَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ ﴾٣٦ الآية.
قال الشافعي : وكل جهاد كان مباحا يخاف أهله، كان لهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف، لأن ال
١ - البقرة: ٢٣٦..
٢ - البقرة: ١٩٨..
٣ - النور: ٦٠..
٤ - النور: ٦١..
٥ - عبد الرحمان بن عبد الله بن أبي عمار القرشي المكي، المشهور بالقس لعبادته. سمع أبا هريرة، وابن عمر. وعنه: عمرو بن دينار، وابن جريج. الكاشف: ٢/١٦٨. ون التهذيب: ٥/١٢٣. وقال في التقريب: ثقة عابد..
٦ - عبد الله بن باباه، وقيل: بابَيْه، وقيل: بابي المكي. عن: جبير بن مطعم، وأبي هريرة. وعنه: أبو الزبير، وقتادة. ثقة. الكاشف: ٢/٦٩. ون التهذيب: ٤/٢٣٩. وقال في التقريب: ثقة..
٧ - يعلى بن أمية التميمي حليف قريش. وهو ابن منية. شهد حنينا. عنه: عكرمة، وعطاء. الكاشف: ٣/٢٨١. ون الإصابة: ٦/٦٨٥. والتهذيب: ٩/٤١٨. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٨ - النساء: ١٠١..
٩ - فقد أمن الناس: أي كيف تكون هذه الرخصة مع وجود الأمن؟.
١٠ - رواه مسلم في أول صلاة المسافرين وقصرها (٦)(ر٦٨٦).
ورواه أصحاب السنن، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٥١٥). وابن جرير في التفسير: ٤/٢٤٤..

١١ - طلحة بن عمرو الحضرمي المكي. عن: سعيد بن جبير، وعطاء. وعنه: وكيع، وأبو عاصم. ضعفوه. كان واسع الحفظ. ت سنة: ١٥٢. الكاشف: ٢/٤٣. ون التهذيب: ٤/١١٥. وقال في التقريب: متروك..
١٢ - رواه البيهقي في كتاب الصلاة باب: من ترك القصر في السفر ٣/١٤٢. والشافعي في المسند (ر٥١٨)..
١٣ - عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي. عن: ابن المسيب، وثمامة بن شفي. وعنه: مالك، والقطان. قال ابن معين: صالح. ت سنة: ١٤٤. الكاشف: ٢/١٥٦. ون التهذيب: ٥/٤٣. وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣١٣ فقال: هو صدوق حسن الحديث. وقوله: «ربما أخطا » كأنه أخذها من قول ابن حبان في «الثقات»: «كان يخطئ» وبين اللفظين فرق. على أن هذا الشيخ وثقه ابن نمير، وابن معين، واحتج به مسلم، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن يزيد بن عبد الله بن قسيط وابن حرملة، فقال: ما أقربهما. (ويزيد ثقة من رجال الشيخين). وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن عدي: لم أر في أحاديثه حديثا منكرا. وقال أبو حاتم وحده: يكتب حديثه ولا يحتج به. وسئل يحيى بن سعيد القطان عنه فضعفه، ولم يدفعه. وقال أحمد بن سعد، عن يحيى بن معين: ثقة، وروى عنه يحيى بن سعيد نحوا من مائة حديث. وقال ابن المديني: راددت يحيى في ابن حرملة فقال: ليس هو عندي مثل يحيى بن سعيد الأنصاري. فتبين أنه ليس عنده من أهل الطبقة العليا من المتقنين الأثبات، لا أنه ضعيف بمرة..
١٤ - رواه الشافعي في المسند (ر٥١٢)..
١٥ - النساء: ١٠١..
١٦ - البقرة: ١٧٣..
١٧ - النساء: ١٠١..
١٨ - زيادة من المصحح، فقد ذكر في تفسير ابن جرير ٤/٢٤٧: أن آية القصر نزلت بعسفان، وعسفان موضع بخيبر، وخيبر واقعة على بعد ثمانية بُرُد من المدينة..
١٩ - روى البخاري في أول تقصير الصلاة (٢٤) (ر١٠٣١) عن أنس رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بمكة شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا. وفي المغازي (٦٧) باب: مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة (٤٩) (ر٤٠٤٦)
ورواه مسلم في أول صلاة المسافرين وقصرها (٦) (ر٦٩٣). ورواه أصحاب السنن وغيرهم..

٢٠ - النساء: ١٠١. وتمامها: ﴿اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُو أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُوا إِنَّ اَلْكافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾..
٢١ - النساء: ١٠٢..
٢٢ - البقرة: ٢٣٨-٢٣٩. وتمام المتروك: ﴿وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اَللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾..
٢٣ - سبق تخريجه..
٢٤ - روى البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا﴾ (٤٦) (ر٤٢٦١) عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس، فيصلي بهم الإمام ركعة، وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين، فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين. فإن كان خوف هو أشد من ذلك، صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: صلاة الخوف (٥٧) (ر٨٣٩).
ورواه النسائي، وابن ماجة، ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٥٠٨-٥٠٩)..

٢٥ - روى البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة ذات الرقاع (٢٩) (ر٣٩٠٣-٣٩٠٤) عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا، فقاموا في مقام أصحابهم أولئك، فجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم. ورواه في أول صلاة الخوف (١٨) (ر٩٠٠).
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: صلاة الخوف (٥٧) (ر٨٣٩).
ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٥١١)..

٢٦ - النساء: ١٠٢..
٢٧ - يزيد بن رومان، مولى آل الزبير المدني القارئ، أبو روح. عن: ابن الزبير، وصالح بن خوات. وعنه: جرير بن حازم، ومالك. ثقة. الكاشف: ٣/٢٦٣. ون التهذيب: ٩/٣٤٠. وقال في التقريب: ثقة..
٢٨ - صالح بن خوات بن جبير. عن: أبيه. وعنه: ابنه صالح، والقاسم. ثقة. الكاشف: ٢/١٩. ون التهذيب: ٤/١٠. وقال في التقريب: ثقة..
٢٩ - رواه البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة ذات الرقاع (٢٩) (ر٣٩٠٠) وقال: قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: صلاة الخوف (٥٧) (ر٨٤٢).
ورواه أبو داود، والنسائي، ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٥٠٧)..

٣٠ - في النسخ: عبد الله بن عمر عن حفص، والصواب عبد الله بن عمر بن حفص، وهو موافق لما في الرسالة
ص: ١٨٣..

٣١ - عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي. عن: أخيه عبيد الله، ونافع، والمقبري. وعنه: عبد الرحمن، والقعنبي، وأبو مصعب. قال ابن معين: صويلح. وقال ابن عدة: لا بأس به صدوق. ت سنة: ١٧١. الكاشف: ٢/١٠٧. ون التهذيب: ٤/٤٠٥. وقال في التقريب: ضعيف عابد. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٢٤٢ فقال: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، فقد وثقه يعقوب بن شيبة، وأحمد بن يونس، والخليلي، وقال العجلي لا بأس به، وقال ابن عدي: لا بأس به في رواياته، صدوق. واختلف فيه قول ابن معين، وضعفه غير واحد منهم: االبخاري، وابن المديني، ويحيى بن سعيد القطان، وصالح جزرة، والنسائي، وابن سعد، والترمذي، وابن حبان، والدارقطني، وأبو أحمد، والحاكم..
٣٢ - خوات بن جبير الأنصاري. صحابي. قيل إنه شهد بدرا. ت سنة: ٤٠ أو بعدها وله أربع وسبعون. قاله في التقريب. ون التهذيب: ٢/٥٩٠. والإصابة: ٢/٣٤٦..
٣٣ - روى البيهقي في كتاب صلاة الخوف باب: كيفية صلاة الخوف في السفر ٣/٢٥٣ عن صالح بن خوات، عن أبيه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصف طائفة معه وطائفة تلقاء العدو، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالذين معه ركعة، ثم قام، وقاموا فأتموا لأنفسهم ثم ذهبوا مكان أصحابهم، وجاء الآخرون فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الركعة التي بقيت، ثم أتموا لأنفسهم. قال عبيد الله: قال القاسم: ما سمعت شيئا في صلاة الخوف أحب إلي من هذا.
ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٧)..

٣٤ - وهو مذهب الشافعي ومالك وأبو ثور وغيرهم. وأما أصحاب الرأي فإنهم ذهبوا إلى حديث ابن عمر.
وقد روى أصحاب الحديث في صلاة الخوف وجوها كثيرة.
قال الخطابي: صلاة الخوف أنواع صلاها النبي في أيام مختلفة وأشكال متباينة، يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى. ومذهب العلماء كافة أنها مشروعة إلى اليوم كما كانت. وقال أبو يوسف والمزني: ليست مشروعة بعد النبي لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلَواةَ﴾ واحتج الجمهور بأن الصحابة لم يزالوا على فعلها بعد النبي، وليس المراد بالآية تخصيصه وقد ثبت قوله: « صلوا كما رأيتموني أصلي». ن سنن أبي داود: ٢/٢٨..

٣٥ - النساء: ١٠٢..
٣٦ - النساء: ١٠٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠١:١٥٤- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُ أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الآية.
قال : فكان بينا في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف تخفيف من الله عز وجل عن خلقه، لا أن فرضا عليهم أن يقصروا، كما كان قوله :﴿ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمُ إِن طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾١ رخصة، لا أن حتما عليهم أن يطلقوهن في هذه الحال. وكما كان قوله :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَبْتَغُوا فَضْلا مِّن رَّبِّكُمْ ﴾٢ يريد ـ والله تعالى أعلم ـ أن تتجروا في الحج، لا أن حتما عليهم أن يتجروا. وكما كان قوله :﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَّضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾٣ وكما كان قوله :﴿ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمُ أَن تَاكُلُوا مِن بُيُوتِكُمُ ﴾٤ الآية، لا أن حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت غيرهم.
قال الشافعي : والقصر في الخوف والسفر بالكتاب، ثم بالسنة. والقصر في السفر بلا خوف سنة. والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من الله عز وجل، لا أن حتما عليهم أن يقصروا، كما كان ذلك في الخوف والسفر.
أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الرحمان بن عبد الله بن أبي عمار٥، عن عبد الله بن باباه٦، عن يعلى بن أمية٧ قال : قلت لعمر بن الخطاب : إنما قال الله عز وجل :﴿ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُ أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُواْ ﴾٨. فقد أمن الناس٩ ؟ ! فقال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :« صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته »١٠.
أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن طلحة بن عمرو١١، عن عطاء، عن عائشة قالت : كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قصر الصلاة في السفر، وأتم١٢.
أخبرنا إبراهيم، عن ابن حرملة١٣، عن ابن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة، وأفطروا »١٤ أو قال :« لم يصوموا ».
قال : فالاختيار، والذي أفعل مسافرا، وأحب أن يفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر وفي السفر بلا خوف. ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته، جلس في مثنى قدر التشهد، أو لم يجلس. وأكره ترك القصر، وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه. وأكره ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة فيه. ومن ترك المسح على الخفين غير رغبة عن السنة، لم أكره له ذلك.
قال : ولا اختلاف أن القصر إنما هو في ثلاث صلوات : الظهر، والعصر، والعشاء، وذلك أنهن أربع، فيصليهن ركعتين ركعتين. ولا قصر في المغرب ولا الصبح. ( الأم : ١/١٧٩-١٨٠. ون اختلاف الحديث ص : ٤٩٠ وص : ٤٩٣. وأحكام الشافعي : ١/٩١-٩٢. ومناقب الإمام الشافعي ص : ٢٤٥. )
ـــــــــــــــــــــــــــ

١٥٥-
قال الشافعي رحمه الله : التقصير لمن خرج غازيا خائفا، في كتاب الله عز وجل، قال الله جل ثناؤه :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُ أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُوا إِنَّ اَلْكافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾١٥ قال : والقصر لمن خرج في غير معصية في السنة.
قال الشافعي : فأما من خرج باغيا على مسلم، أو معاهد، أو يقطع طريقا، أو يفسد في الأرض، أو العبد يخرج آبقا من سيده، أو الرجل هاربا ليمنع دما لزمه، أو ما في مثل هذا المعنى، أو غيره من المعصية : فليس له أن يقصر، فإن قصر أعاد كل صلاة صلاها، لأن القصر رخصة، وإنما جعلت الرخصة لمن لم يكن عاصيا، ألا ترى إلى قول الله عز وجل :﴿ فَمَنُ اَضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْه ﴾١٦.
قال : وهكذا لا يمسح على الخفين، ولا يجمع الصلاة مسافر في معصية. وهكذا لا يصلي لغير القبلة نافلة، ولا تخفيف عمن كان سفره في معصية الله عز وجل.
قال الشافعي رحمه الله : وأكره ترك القصر، وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه، يعني : لمن خرج في غير معصية.
قال الشافعي رحمه الله في قوله تعالى :﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ ﴾١٧ قال :[نزل بعسفان ]١٨ : موضع بخيبر، فلما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقصر مخرجه من المدينة إلى مكة١٩، كانت السنة في التقصير.
فلو أتم رجل متعمد، من غير أن يخطِّئ من قصر، لم يكن عليه شيء. فأما إن أتم متعمدا، منكرا للتقصير، فعليه إعادة الصلاة. ( أحكام الشافعي : ١/٨٨-٩٠. )
ــــــــــــــــــــــــ

١٥٦-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾٢٠ الآية. قال الشافعي : فأذن الله عز وجل بالقصر في الخوف والسفر، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان فيهم يصلي لهم صلاة الخوف، أن يصلي فريق منهم بعد فريق، فكانت صلاة الخوف مباحة للمسافر، والمقيم، بدلالة كتاب الله عز وجل، ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي : فللمسافر والمقيم إذا كان الخوف، أن يصليها صلاة الخوف، وليس للمقيم أن يصليها إلا بكمال عدد صلاة المقيم، والمسافر أن يقصر في صلاة الخوف إن شاء للسفر، وإن أتم فصلاته جائزة، وأختار له القصر. ( الأم : ١/٢١٠. ون الأم : ١/٢١٥. )
ــــــــــــ

١٥٧-
قال الشافعي رحمه الله تعالى : الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة، قال الله عز وجل :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ ﴾ إلى ﴿ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ ﴾٢١ الآية. قال : فأمرهم الله خائفين محروسين بالصلاة، فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجههم لها من القبلة.
وقال الله عز وجل :﴿ حَافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوَاتِ وَالصَّلَواةِ اِلْوُسْطى ﴾ إلى ﴿ رُكْبَانًا ﴾٢٢ فدل إرخاصه في أن يصلوا رجالا وركبانا على أن الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالا وركبانا من الخوف، غير الحال الأولى التي أمرهم فيها أن يحرس بعضهم بعضا.
فعلمنا أن الخوفين مختلفان، وأن الخوف الآخر الذي أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا، لا يكون إلا أشد من الخوف الأول. وذلك على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها في هذه الحال، وقعودا على الدواب، وقياما على الأقدام، ودلت على ذلك السنة٢٣.
أخبرنا مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال : يتقدم الإمام وطائفة، ثم قص الحديث، وقال ابن عمر في الحديث : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. قال مالك : قال نافع : ما أرى عبد الله ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم٢٤.
وأخبرنا عن أبن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه٢٥. ( الأم : ١/٩٦. ون الأم : ١/٢٢٢. وأحكام الشافعي : ١/٩٥-٩٦. )
ــــــــــــ

١٥٨-
قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه في صلاة الخوف :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلَواةَ ﴾٢٦ الآية. قال الشافعي : أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان٢٧ عن صالح بن خوات٢٨ عمن صلى مع النبي يوم ذات الرقاع، صلاة الخوف : أن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ركعة ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت عليه ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم٢٩.
قال الشافعي : وأخبرنا من سمع عبد الله بن عمر [عن ]٣٠ حفص٣١ يذكر عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن خوات بن جبير٣٢ عن النبي مثل معناه لا يخالفه٣٣.
قال الشافعي : وأخذنا بهذا في صلاة الخوف٣٤ إذا كان العدو في غير جهة القبلة أو جهتها غير مأمونين لثبوته عن النبي وموافقته للقرآن.
قال : وروى ابن عمر عن النبي في صلاة الخوف شيئا يخالف فيه هذه الصلاة. روى أن طائفة صفت مع النبي وطائفة وجاه العدو، فصلى بالطائفة التي معه ركعة ثم استأخروا ولم يتموا الصلاة فوقفوا بإزاء العدو، وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فصلوا معه الركعة التي بقيت عليه ثم انصرفت وقامت الطائفتان معا فأتموا لأنفسهم.
قال الشافعي : فإن قال قائل : كيف أخذت بحديث خوات بن جبير دون حديث ابن عمر ؟ قيل : لمعنيين، أحدهما : موافقة القرآن وأن معقولا فيه أنه عدل بين الطائفتين، وأحرى أن لا يصيب المشركون غرة من المسلمين. فإن قال : فأين موافقة القرآن ؟ قلت : قال الله :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلَواةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ ﴾ إلى ﴿ أَسْلِحَتَهُمْ ﴾٣٥ الآية.
قال الشافعي : فذكر الله صلاة الطائفة الأولى معه، وقال :﴿ فَإِذَا سَجَدُواْ ﴾ فاحتمل أن يكون إذا سجدوا ما عليهم من السجود كأنهم كانوا من ورائهم ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا فكان أولى معانيه والله أعلم.
وذكر الله خروج الإمام بالطائفتين من الصلاة، ولم يذكر على واحدة من الطائفتين ولا على الإمام قضاء، وهكذا حديث خوات بن جبير.
قال : ولما كانت الطائفة الأولى مأمورة بالوقوف بإزاء العدو في غير صلاة كان معلوما أن الواقف في غير صلاة يتكلم بما يرى من حركة العدو وإرادته ومددا إذا جاءه فيفهمه عنه الإمام والمصلون فيخفف أو يقطع أو يعلمونه أن حركتهم حركة لا خوف فيها عليهم، فيقيم على صلاته مطيلا لا معجلا، وتخالفهم الطائفة التي بإزائهم أو بعضها وهي في غير صلاة. والحارس في غير صلاة أقوى من الحارس مصليا، فكان أن تكون الطائفة الأخرى إذا حرست الأولى وإذا صارت مصلية، والحارسة غير مصلية أشبه من أن تكون الأولى قد أخذت من الآخرة ما لم تعطها.
والحديث الذي يخالف حديث خوات بن جبير تكون فيه الطائفتان معا في بعض الصلاة ليس لهما حارس إلا الإمام وحده، وإنما أمر الله إحدى الطائفتين بحراسة الأخرى، والطائفة الجماعة لا الإمام الواحد.
قال : وإنما أراد الله أن لا يصيب المشركون غرة من أهل دينه، وحديث خوات بن جبير كما وصفنا أقوى من المكيدة وأحصن لكل المسلمين من الحديث الذي يخالفه.
قال الشافعي : فبهذه الدلائل قلنا بحديث خوات بن جبير. ( اختلاف الحديث : ٥٢٦-٥٢٧. ون الأم : ١/٢١٠-٢١١. وأحكام الشافعي : ١/٩٦. ومختصر المزني : ٢٨-٢٩. والرسالة : ٢٥٩-٢٦٧. )
ــــــــــــ

١٥٩-
قال الشافعي رحمه الله تعالى : يصلي صلاة الخوف من قاتل أهل الشرك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل أمر بها في قتال المشركين، فقال في سياق الآية :﴿ وَدَّ اَلذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنَ اَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ ﴾٣٦ الآية.
قال الشافعي : وكل جهاد كان مباحا يخاف أهله، كان لهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف، لأن ال
١ - البقرة: ٢٣٦..
٢ - البقرة: ١٩٨..
٣ - النور: ٦٠..
٤ - النور: ٦١..
٥ - عبد الرحمان بن عبد الله بن أبي عمار القرشي المكي، المشهور بالقس لعبادته. سمع أبا هريرة، وابن عمر. وعنه: عمرو بن دينار، وابن جريج. الكاشف: ٢/١٦٨. ون التهذيب: ٥/١٢٣. وقال في التقريب: ثقة عابد..
٦ - عبد الله بن باباه، وقيل: بابَيْه، وقيل: بابي المكي. عن: جبير بن مطعم، وأبي هريرة. وعنه: أبو الزبير، وقتادة. ثقة. الكاشف: ٢/٦٩. ون التهذيب: ٤/٢٣٩. وقال في التقريب: ثقة..
٧ - يعلى بن أمية التميمي حليف قريش. وهو ابن منية. شهد حنينا. عنه: عكرمة، وعطاء. الكاشف: ٣/٢٨١. ون الإصابة: ٦/٦٨٥. والتهذيب: ٩/٤١٨. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٨ - النساء: ١٠١..
٩ - فقد أمن الناس: أي كيف تكون هذه الرخصة مع وجود الأمن؟.
١٠ - رواه مسلم في أول صلاة المسافرين وقصرها (٦)(ر٦٨٦).
ورواه أصحاب السنن، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٥١٥). وابن جرير في التفسير: ٤/٢٤٤..

١١ - طلحة بن عمرو الحضرمي المكي. عن: سعيد بن جبير، وعطاء. وعنه: وكيع، وأبو عاصم. ضعفوه. كان واسع الحفظ. ت سنة: ١٥٢. الكاشف: ٢/٤٣. ون التهذيب: ٤/١١٥. وقال في التقريب: متروك..
١٢ - رواه البيهقي في كتاب الصلاة باب: من ترك القصر في السفر ٣/١٤٢. والشافعي في المسند (ر٥١٨)..
١٣ - عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي. عن: ابن المسيب، وثمامة بن شفي. وعنه: مالك، والقطان. قال ابن معين: صالح. ت سنة: ١٤٤. الكاشف: ٢/١٥٦. ون التهذيب: ٥/٤٣. وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣١٣ فقال: هو صدوق حسن الحديث. وقوله: «ربما أخطا » كأنه أخذها من قول ابن حبان في «الثقات»: «كان يخطئ» وبين اللفظين فرق. على أن هذا الشيخ وثقه ابن نمير، وابن معين، واحتج به مسلم، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن يزيد بن عبد الله بن قسيط وابن حرملة، فقال: ما أقربهما. (ويزيد ثقة من رجال الشيخين). وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن عدي: لم أر في أحاديثه حديثا منكرا. وقال أبو حاتم وحده: يكتب حديثه ولا يحتج به. وسئل يحيى بن سعيد القطان عنه فضعفه، ولم يدفعه. وقال أحمد بن سعد، عن يحيى بن معين: ثقة، وروى عنه يحيى بن سعيد نحوا من مائة حديث. وقال ابن المديني: راددت يحيى في ابن حرملة فقال: ليس هو عندي مثل يحيى بن سعيد الأنصاري. فتبين أنه ليس عنده من أهل الطبقة العليا من المتقنين الأثبات، لا أنه ضعيف بمرة..
١٤ - رواه الشافعي في المسند (ر٥١٢)..
١٥ - النساء: ١٠١..
١٦ - البقرة: ١٧٣..
١٧ - النساء: ١٠١..
١٨ - زيادة من المصحح، فقد ذكر في تفسير ابن جرير ٤/٢٤٧: أن آية القصر نزلت بعسفان، وعسفان موضع بخيبر، وخيبر واقعة على بعد ثمانية بُرُد من المدينة..
١٩ - روى البخاري في أول تقصير الصلاة (٢٤) (ر١٠٣١) عن أنس رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بمكة شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا. وفي المغازي (٦٧) باب: مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة (٤٩) (ر٤٠٤٦)
ورواه مسلم في أول صلاة المسافرين وقصرها (٦) (ر٦٩٣). ورواه أصحاب السنن وغيرهم..

٢٠ - النساء: ١٠١. وتمامها: ﴿اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُو أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُوا إِنَّ اَلْكافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾..
٢١ - النساء: ١٠٢..
٢٢ - البقرة: ٢٣٨-٢٣٩. وتمام المتروك: ﴿وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اَللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾..
٢٣ - سبق تخريجه..
٢٤ - روى البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا﴾ (٤٦) (ر٤٢٦١) عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس، فيصلي بهم الإمام ركعة، وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين، فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين. فإن كان خوف هو أشد من ذلك، صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: صلاة الخوف (٥٧) (ر٨٣٩).
ورواه النسائي، وابن ماجة، ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٥٠٨-٥٠٩)..

٢٥ - روى البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة ذات الرقاع (٢٩) (ر٣٩٠٣-٣٩٠٤) عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا، فقاموا في مقام أصحابهم أولئك، فجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم. ورواه في أول صلاة الخوف (١٨) (ر٩٠٠).
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: صلاة الخوف (٥٧) (ر٨٣٩).
ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٥١١)..

٢٦ - النساء: ١٠٢..
٢٧ - يزيد بن رومان، مولى آل الزبير المدني القارئ، أبو روح. عن: ابن الزبير، وصالح بن خوات. وعنه: جرير بن حازم، ومالك. ثقة. الكاشف: ٣/٢٦٣. ون التهذيب: ٩/٣٤٠. وقال في التقريب: ثقة..
٢٨ - صالح بن خوات بن جبير. عن: أبيه. وعنه: ابنه صالح، والقاسم. ثقة. الكاشف: ٢/١٩. ون التهذيب: ٤/١٠. وقال في التقريب: ثقة..
٢٩ - رواه البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة ذات الرقاع (٢٩) (ر٣٩٠٠) وقال: قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: صلاة الخوف (٥٧) (ر٨٤٢).
ورواه أبو داود، والنسائي، ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٥٠٧)..

٣٠ - في النسخ: عبد الله بن عمر عن حفص، والصواب عبد الله بن عمر بن حفص، وهو موافق لما في الرسالة
ص: ١٨٣..

٣١ - عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي. عن: أخيه عبيد الله، ونافع، والمقبري. وعنه: عبد الرحمن، والقعنبي، وأبو مصعب. قال ابن معين: صويلح. وقال ابن عدة: لا بأس به صدوق. ت سنة: ١٧١. الكاشف: ٢/١٠٧. ون التهذيب: ٤/٤٠٥. وقال في التقريب: ضعيف عابد. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٢٤٢ فقال: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، فقد وثقه يعقوب بن شيبة، وأحمد بن يونس، والخليلي، وقال العجلي لا بأس به، وقال ابن عدي: لا بأس به في رواياته، صدوق. واختلف فيه قول ابن معين، وضعفه غير واحد منهم: االبخاري، وابن المديني، ويحيى بن سعيد القطان، وصالح جزرة، والنسائي، وابن سعد، والترمذي، وابن حبان، والدارقطني، وأبو أحمد، والحاكم..
٣٢ - خوات بن جبير الأنصاري. صحابي. قيل إنه شهد بدرا. ت سنة: ٤٠ أو بعدها وله أربع وسبعون. قاله في التقريب. ون التهذيب: ٢/٥٩٠. والإصابة: ٢/٣٤٦..
٣٣ - روى البيهقي في كتاب صلاة الخوف باب: كيفية صلاة الخوف في السفر ٣/٢٥٣ عن صالح بن خوات، عن أبيه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصف طائفة معه وطائفة تلقاء العدو، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالذين معه ركعة، ثم قام، وقاموا فأتموا لأنفسهم ثم ذهبوا مكان أصحابهم، وجاء الآخرون فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الركعة التي بقيت، ثم أتموا لأنفسهم. قال عبيد الله: قال القاسم: ما سمعت شيئا في صلاة الخوف أحب إلي من هذا.
ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٧)..

٣٤ - وهو مذهب الشافعي ومالك وأبو ثور وغيرهم. وأما أصحاب الرأي فإنهم ذهبوا إلى حديث ابن عمر.
وقد روى أصحاب الحديث في صلاة الخوف وجوها كثيرة.
قال الخطابي: صلاة الخوف أنواع صلاها النبي في أيام مختلفة وأشكال متباينة، يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى. ومذهب العلماء كافة أنها مشروعة إلى اليوم كما كانت. وقال أبو يوسف والمزني: ليست مشروعة بعد النبي لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلَواةَ﴾ واحتج الجمهور بأن الصحابة لم يزالوا على فعلها بعد النبي، وليس المراد بالآية تخصيصه وقد ثبت قوله: « صلوا كما رأيتموني أصلي». ن سنن أبي داود: ٢/٢٨..

٣٥ - النساء: ١٠٢..
٣٦ - النساء: ١٠٢..

١٦١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّ اَلصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى اَلْمُومِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ وقال :﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اَللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ ﴾١ الآية. مع عدد آي فيه ذكر فرض الصلاة.
قال : وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال :« خمس صلوات في اليوم والليلة » فقال السائل : هل عليّ غيرها ؟ قال :« إلا أن تطوع »٢. ( الأم : ٦٨. )
ــــــــــــ
١٦٢- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّ اَلصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى اَلْمُومِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ فكان الموقوت يحتمل موقوتا بالعدد وموقوتا بالوقت، فأبان رسول الله : أن الله جل ثناؤه فرض خمس صلوات. فقال رجل : يا رسول الله هل علي غيرها ؟ قال :« لا، إلا أن تطوع ». ( الأم : ١/١٣٦. ون اختلاف الحديث ص : ٤٨٩. )
ـــــــــــــ
١٦٣- قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه :﴿ إِنَّ اَلصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى اَلْمُومِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾٣ فدل رسول الله على عدد الصلاة ومواقيتها والعمل بها وفيها.
ودل على أنها على العامة الأحرار والمماليك من الرجال، والنساء إلا الحيض٤، فأبان منها المعاني التي وصفت وأنها مرفوعة عن الحيض. ( اختلاف الحديث ص : ٤٨٤. )
ــــــــــــ
١٦٤- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّ اَلصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى اَلْمُومِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾٥ وقال :﴿ وَأَقِيمُوا اَلصَّلَواةَ وَءَاتُوا اَلزَّكَواةَ ﴾٦ وقال لنبيه :﴿ خُذْ مِنَ اَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾٧ وقال :﴿ وَلِلهِ عَلَى اَلنَّاسِ حَجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾٨.
قال الشافعي : أحكم الله فرضه في كتابه في الصلاة والزكاة والحج، وبين كيف فرضه على لسان نبيه، فأخبر رسول الله أن عدد الصلوات المفروضات خمس، وأخبر أن عدد الظهر والعصر والعشاء في الحضر : أربع أربع، وعدد المغرب ثلاث، وعدد الصبح ركعتان. وسن فيها كلها قراءة، وسن أن الجهر منها بالقراءة في المغرب والعشاء والصبح، وأن المخافتة بالقراءة في الظهر والعصر. وسن أن الفرض في الدخول في كل صلاة بتكبير والخروج منها بتسليم، وأنه يؤتى فيها بتكبير ثم قراءة ثم ركوع ثم سجدتين بعد الركوع، وما سوى هذا من حدودها. وسن في صلاة السفر قصرا كلما كان أربعا من الصلوات، إن شاء المسافر. وإثبات المغرب والصبح على حالهما في الحضر. وأنها كلها إلى القبلة، مسافرا كان أو مقيما، إلا في حال من الخوف واحدة. وسن أن النوافل في مثل حالها : لا تحل إلا بطهور، ولا تجوز إلا بقراءة، وما تجوز به المكتوبات من السجود والركوع واستقبال القبلة في الحضر وفي الأرض وفي السفر، وأن للراكب أن يصلي في النافلة حيث توجهت به دابته.
أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله في غزوة بني أنمار كان يصلي على راحلته متوجها قبل المشرق٩. أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي مثل معناه، لا أدري أسمى بني أنمار أو لا ؟ أو قال : صلى في سفر١٠.
وسن رسول الله في صلاة الأعياد والاستسقاء سنة الصلوات في عدد الركوع والسجود، وسن في صلاة الكسوف فزاد فيها ركعة على ركوع الصلوات، فجعل في كل ركعة ركعتين.
قال : أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي١١.
وأخبرنا مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي١٢.
قال : مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبي مثله١٣.
قال : فحكي عن عائشة وابن عباس في هذه الأحاديث، صلاة النبي بلفظ مختلف، واجتمع في حديثهما معا على أنه صلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ركعتين.
وقال الله في الصلاة :﴿ إِنَّ اَلصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى اَلْمُومِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾١٤ فبين رسول الله عن الله تلك المواقيت، وصلى الصلوات لوقتها ؛ فحوصر يوم الأحزاب فلم يقدر على الصلاة في وقتها، فأخرها للعذر، حتى صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مقام واحد.
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمان بن أبي سعيد١٥، عن أبيه١٦ قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان بعد المغرب بِهُوِيٍّ من الليل، حتى كفينا. وذلك قول الله :﴿ وَكَفَى اَللَّهُ اَلْمُومِنِينَ اَلْقِتَالَ وَكَانَ اَللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾١٧ فدعا رسول الله بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها، كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها هكذا، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا، قال : وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف :﴿ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾١٨ ١٩.
قال : فبين أبو سعيد أن ذلك قبل أن ينزل الله على النبي الآية التي ذكرت فيها صلاة الخوف.
والآية التي ذكر فيها صلاة الخوف قول الله :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى اِلاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلَوَاةِ إِنْ خِفْتُمُ أَنْ يَّفْتِنَكُمُ اَلذِينَ كَفَرُوا إِنَّ اَلْكافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾٢٠ وقال :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلَواةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَاخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَّرَآئِكُمْ وَلْتَاتِ طَآئِفَةٌ اَخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ﴾٢١.
أخبرنا مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عن من صلى مع رسول الله صلاة الخوف يوم ذات الرقاع : أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم٢٢.
أخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يذكر عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه خوات بن جبير، عن النبي : مثل حديث يزيد بن رومان٢٣.
وفي هذا دلالة على ما وصفت قبل هذا في هذا الكتاب : من أن رسول الله إذا سن سنة فأحدث الله إليه في تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها : سن رسول الله سنة تقوم الحجة على الناس بها، حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها.
فنسخ الله تأخير الصلاة عن وقتها في الخوف إلى أن يصلوها ـ كما أنزل الله وسن رسوله ـ في وقتها، ونسخ رسول الله سنته في تأخيرها بفرض الله في كتابه ثم بسنته : صلاها رسول الله في وقتها كما وصفت.
أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر : أراه عن النبي. فذكر صلاة الخوف، فقال : إن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها٢٤.
أخبرنا رجل عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي مثل معناه. ولم يشك أنه عن أبيه، وأنه مرفوع إلى النبي٢٥.
قال : فدلت سنة رسول الله على ما وصفت : من أن القبلة في المكتوبة على فرضها أبدا، إلا في الموضع الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها، وذلك عند المسايفة والهرب وما كان في المعنى الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها. وثبتت السنة في هذا : ألا تترك الصلاة في وقتها، كيف ما أمكنت المصلي. ( الرسالة : ١٧٦-١٨٦. ون الرسالة : ٢٤٢-٢٤٥. وأحكام الشافعي : ١/٣٤-٣٦. )
ــــــــــــتـــــــــ
١٦٥- قال الشافعي رحمه الله تعالى : أحكم الله عز وجل في كتابه أن فرض الصلاة موقوت، والموقوت ـ والله أعلم ـ الوقت الذي يصلى فيه، وعددها. فقال عز وجل : ﴿ إِنَّ اَلصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى اَلْمُومِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾٢٦ وقد ذكرنا نقل العامة عدد الصلاة في مواضعها، ونحن ذاكرون الوقت.
أخبرنا سفيان، عن الزهري قال : أخر عمر بن عبد العزيز الصلاة فقال له عروة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« نزل جبريل فأمني، فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه حتى عد الصلوات الخمس » فقال عمر بن عبد العزيز : اتق الله يا عروة، وانظر ما تقول. فقال عروة : أخبرنيه بشير بن أبي مسعود٢٧ عن أبيه٢٨ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم٢٩.
أخبرنا عمرو بن أبي سلمة٣٠، عن عبد العزيز بن محمد، عن عبد الرحمان [بن الحرث ]٣١، عن حكيم بن حكيم٣٢، عن نافع بن جبير٣٣، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« أمني جبريل عند باب الكعبة مرتين، فصلى الظهر حين كان الفيء مثل الشراك٣٤، ثم صلى العصر حين كان كل شيء بقدر ظله، وصلى المغرب حين أفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق٣٥، ثم صلى الصبح حين حرم الطعام والشراب على الصائم، ثم صلى المرة الآخرة الظهر حين كان كل شيء قدر ظله قدر العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب القدر الأول لم يؤخرها، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفر٣٦، ثم التفت فقال : يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين »٣٧.
قال الشافعي : وبهذا نأخذ. وهذه المواقيت في الحضر، فاحتمل ما وصفته من المواقيت أن يكون للحاضر، والمسافر في العذر وغيره. واحتمل أن يكون لمن كان في المعنى الذي صلى فيه جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحضر، وفي غير عذر.
فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة غير خائف، فذهبنا إلى أن ذلك في مطر٣٨. وجمع مسافرا٣٩. فدل ذلك على أن تفريق الصلوات، كل صلاة في وقتها، إنما هو على الحاضر في غير مطر. فلا يجزئ حاضرا في غير مطر أن يصلي صلاة إلا في وقتها. ولا يضم إليها غيرها، إلا أن ينسى، فيذكر في وقت إحداهما، أو ينام فيصليها حينئذ قضاء.
ولا يخرج أحد كان له الجمع بين الصلاتين من آخر وقت الآخرة منهما، ولا يقدم وقت الأولى منهما. والوقت حد، لا يجاوز، ولا يقدم.
ولا تأخر صلاة العشاء عن الثلث الأول في مصر، ولا غيره، حضر ولا سفر. ( الأم : ١/٧١. ون أحكام الشافعي : ١/٥٧. )
١ - البينة: ٥..
٢ - رواه البخاري عن طلحة بن عبيد الله في الإيمان (٢) باب: الزكاة من الإسلام (٣٣) (ر٤٦)، وفي أول الصوم (٣٦) (ر١٧٩٢)، وفي الشهادات (٥٦) باب: كيف يُستحلف (٢٦) (ر٢٥٣٢)، وفي الحيل (٩٤) باب: في الزكاة (٣) (ر٦٥٥٦).
ورواه مسلم في الإيمان (١) باب: بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (٢) (ر١١).
ورواه أبو داود، والنسائي، ومالك، وأحمد، والبيهقي..

٣ - النساء: ١٠٣..
٤ - الحُيَّضُ: ج حائض، والمصدر: الحيض: وهو في اللغة السيلان. وفي الشرع عبارة عن الدم الذي ينفضه رحم امرأة سليمة عن الداء والصغر. ن كتاب التعريفات للجرجاني.
-والحائض ليس عليها أداء الصلاة:
روى البخاري في الحيض (٦) باب: إقبال المحيض وإدباره (١٩) (ر٣١٤) عن عائشة أن فاطمة بنت جحش كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ». وفي الوضوء (٤) باب: غسل الدم (٦٣) (ر٢٢٦). وفي الحيض (٦) باب: الاستحاضة (٨) (ر٣٠٠)، وباب: إذا رأت المستحاضة الطهر (٢٨) (ر٣٢٤).
ورواه مسلم في الحيض (٣) باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها (١٤) (ر٣٣٣).
ورواه أصحاب السنن.
-والحائض ليس عليها قضاء الصلاة:
أخرج البخاري في الحيض (٦) باب: لا تقضي الحائض الصلاة (٢٠) (ر٣١٥) أن امرأة قالت لعائشة: أَتَجْزِي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله.
وأخرجه مسلم في الحيض (٣) باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (١٥) (ر٣٣٥)..

٥ - النساء: ١٠٣..
٦ - البقرة: ٤٣..
٧ - التوبة: ١٠٣..
٨ - آل عمران: ٩٧..
٩ - سبق تخريجه..
١٠ - سبق تخريجه..
١١ - رواه البخاري في الكسوف (٢٢) باب: التعوذ من عذاب القبر في الكسوف (٧) (ر١٠٠٢)، وباب: صلاة الكسوف في المسجد (١٢) (ر١٠٠٧)، وباب: الركعة الأولى في الكسوف أطول (١٨) (ر١٠١٠).
ورواه مسلم في الكسوف (١٠) باب: ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف (٢) (ر٩٠٣).
ورواه النسائي، ومالك، وأحمد، والدارمي،
ورواه الشافعي في المسند (ر٤٧٩-٤٨٠)..

١٢ - رواه البخاري في الكسوف (٢٢) باب: الصدقة في الكسوف (٢) (ر٩٩٧)، وباب: لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته (١٣) (ر١٠٠٩)، وفي العمل في الصلاة (٢٧) باب: إذا انفلتت الدابة في الصلاة (١١) (ر١١٥٤)، وفي بدء الخلق (٦٣) باب: صفة الشمس والقمر بحسبان (٤) (ر٣٠٣١).
ورواه مسلم في أول الكسوف (١٠) (ر٩٠١).
ورواه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والشافعي في المسند (ر٤٨١)..

١٣ - رواه البخاري في الكسوف (٢٢) باب: صلاة الكسوف جماعة (٩) (ر١٠٠٤).
ورواه مسلم في الكسوف (١٠) باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف (٣) (ر٩٠٧).
ورواه أبو داود، والنسائي، ومالك، والدارمي،
ورواه الشافعي في المسند (ر٤٧٥ و ٤٧٧)..

١٤ - النساء: ١٠٣..
١٥ - عبد الرحمان بن أبي سعيد الخدري. عن: أبيه، وأبي حُميد. وعنه: ابناه ربيح وسعيد، وزيد بن أسلم. ثقة ت سنة: ١١٢. الكاشف: ٢/١٦٢. ون التهذيب: ٥/٩٥. وقال في التقريب: ثقة..
١٦ - سعد بن مالك، أبو سعيد الخدري من أصحاب الشجرة، فقيه نبيل. عنه: ابن المسيب، وأبو نضرة. ت سنة: ٧٤. الكاشف: ١/٣٠٧. ون الإصابة: ٣/٧٨. والتهذيب: ٣/٢٨٩. وقال في التقريب: له ولأبيه صحبة..
١٧ - الأحزاب: ٢٥..
١٨ - البقرة: ٢٣٩..
١٩ - رواه النسائي في الأذان (٧) باب: الأذان للفائت من الصلوات (٢١) (ر٦٦٠).
ورواه أحمد في مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال شاكر إسناده صحيح.
ورواه البيهقي في الصلاة باب: الأذان والإقامة للجمع بين صلوات فائتات ١/٤٠٢.
ورواه الشافعي في الأم: ١/٨١..

٢٠ - النساء: ١٠١..
٢١ - النساء: ١٠٢..
٢٢ - سبق تخريجه..
٢٣ - سبق تخريجه..
٢٤ - سبق تخريجه..
٢٥ - سبق تخريجه..
٢٦ - النساء: ١٠٣..
٢٧ - بشير بن أبي مسعود البدري. عن: أبيه. وعنه: عروة، ويونس بن ميسرة، وجماعة. الكاشف: ١/١١١. ون التهذيب: ١/٤٨٦. وقال في التقريب: له رؤية. وقال العجلي: تابعي ثقة. وذكره ابن حجر في الإصابة ١/٣٣٤ وقال: بشير جزم البخاري، والعجلي، ومسلم، وأبو حاتم، وغيرهم بأنه تابعي.. وقد جزم ابن عبد البر في «التمهيد» بأنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم..
٢٨ - عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري البدري. شهد العقبة الثانية. عنه: ابنه بشير، وأبو وائل، وربعي. ت بعد علي. الكاشف: ٢/٢٦٧. ون الإصابة: ٤/٥٢٤. والتهذيب: ٥/٦١٤. وقال في التقريب: صحابي جليل..
٢٩ - رواه البخاري في أول مواقيت الصلاة (١٣) (ر٤٩٩)، وفي بدء الخلق (٦٣) باب: ذكر الملائكة (٦) (ر٣٠٤٩)، وفي المغازي (٦٧) باب: شهود الملائكة بدرا (٩) (ر٣٧٨٥).
ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: أوقات الصلوات الخمس (٣١) (ر٦١٠).
ورواه أبو داود، والنسائي، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي،
ورواه الشافعي في المسند (ر١٤٤)..

٣٠ - عمرو بن أبي سلمة التنيسي، أبو حفص. عن: الأوزاعي، وحفص بن غيلان. وعنه: الشافعي، وابن وارة، وعبد الله بن أبي مريم، وخلق. وثقه جماعة، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. ت سنة: ٢١٤. الكاشف: ٢/٣٢٠. ون التهذيب: ٦/١٥٤. وقال في التقريب: صدوق له أوهام. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٩٤ فقال: بل ضعيف يعتبر به، فقد ضعفه أحمد، وابن معين، والساجي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال العقيلي: في حديثه وهم. وما وثقه سوى ابن يونس. وذكره ابن حبان في «الثقات». وإنما أخرج له البخاري ومسلم من روايته عن الأوزاعي، وكان عنده شيء سمعه من الأوزاعي، وشيء عرضه عليه، وشيء أجازه له، فأخرجا مما سمعه منه..
٣١ - في النسخ المعتمدة: "الحرث" والصواب: الحارث.
عبد الرحمان بن الحارث بن عبد الله بن عياش المخزومي. عن: طاوس، والحسن. وعنه: الدراوردي، وابن وهب. قال النسائي: ليس بالقوي. الكاشف: ٢/١٥٥. ون التهذيب: ٥/٦٨. وقال في التقريب: صدوق له أوهام. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣١٢ فقال: بل ضعيف يعتبر به، ضعفه علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والنسائي. وقال ابن معين: صالح. ووثقه ابن سعد والعجلي، وقال أبو حاتم: شيخ..

٣٢ - حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف. عن: أبي أمامة بن سهل، ومسعود الزرقي. وعنه: عبد الرحمن بن الحارث، وابن إسحاق. حسن الحديث. الكاشف: ١/٢٠٤. ون التهذيب: ٢/٤٠٨. وقال في التقريب: صدوق..
٣٣ - نافع بن جبير بن مطعم. عن: أبيه، وعائشة. وعنه: الزهري، وصالح بن كيسان. شريف مفت. ت سنة: ٩٩هـ. الكاشف: ٣/١٨٠. ون التهذيب: ٨/٤٦٥. وقال في التقريب: ثقة فاضل..
٣٤ - لا يستبان الزوال إلا بأقل ما يرى من الفيء، وأقله فيما يقدر هو ما بلغ قدر الشراك أو نحوه..
٣٥ - الشفق الأحمر الذي يعقب غروب الشمس..
٣٦ - من الإسفار وهو اقتراب طلوع الشمس..
٣٧ - رواه أبو داود في الصلاة (٢) باب: ما جاء في المواقيت (٢) (ر٣٩٣).
ورواه الترمذي في أول الصلاة (٢) (ر١٤٩). وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد في مسند ابن عباس. قال شاكر: إسناده صحيح.
ورواه البيهقي في الصلاة باب: جماع أبواب المواقيت ١/٣٦٤.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٤٥)..

٣٨ - أخرج مالك في أول كتاب قصر الصلاة في السفر (٩) (ر٤) عن عبد الله بن عباس أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، في غير خوف، ولا سفر. قال مالك: أرى ذلك كان في مطر.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (٦) (ر٧٠٥).
ورواه أبو داود، والنسائي، وأحمد،
ورواه الشافعي في المسند (ر٥٣٦).
ورواه مسلم في نفس الكتاب والباب بزيادة: قال أبو الزبير: فسألت سعيدا: لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.
ورواه أبو داود، والترمدي، والنسائي، وأحمد..

٣٩ - روى مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر (٥) (ر٧٠٤) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق.
ورواه البخاري في تقصير الصلاة (٢٤) باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء (١٣) (ر١٠٥٦) عن ابن عباس. و(ر١٠٥٧) عن أنس.
ورواه أصحاب السنن، وأحمد،
ورواه الشافعي في المسند (ر٥٣٣-٥٣٤)..

١٦٦- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَمَنْ يُّشَاقِقِ اِلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ اَلْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ اِلْمُومِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ﴾ لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمنين إلا وهو فرض. ( أحكام الشافعي : ١/٣٩-٤٠. )
١٦٧- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوِ اِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرُُ ﴾.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب : أن ابنة محمد ابن مسلمة١ كانت عند رافع بن خديج٢، فكره منها أمرا إما كِبَرًا أو غيره. فأراد طلاقها فقالت : لا تطلقني، وأمسكني واقسم لي ما بدا لك، فأنزل الله تعالى :﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوِ اِعْرَاضًا ﴾ الآية٣٤.
قال الشافعي : وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بطلاق بعض٥ نسائه فقالت : لا تطلقني ودعني يحشرني الله تعالى في نسائك، وقد وهبت يومي وليلتي لأختي عائشة٦.
قال الشافعي : أخبرنا ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه : أن سودة٧ وهبت يومها لعائشة٨.
قال الشافعي : أخبرنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان٩.
قال الشافعي : وبهذا كله نأخذ. والقرآن يدل على مثل معاني الأحاديث بأن بيّنا فيه : إذا خافت المرأة نشوز بعلها أن لا بأس عليها أن يصالحا، ونشوز البعل عنها بكراهيته لها، فأباح الله تعالى له حبسها على الكره لها، فلها وله أن يصالحا، وفي ذلك دليل على أن صلحها إياه بترك بعض حقها له. وقد قال الله عز وجل :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ إلى ﴿ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾١٠.
قال الشافعي : فيحل للرجل حبس المرأة على ترك بعض القَسم لها، أو كله، ما طابت به نفسا. فإذا رجعت فيه لم يحل له إلا العدل لها، أو فراقها، لأنها إنما تهب في المستأنف ما لم يجب لها، فما أقامت على هبته حل، وإذا رجعت في هبته حل ما مضى بالهبة، ولم يحل ما يستقبل إلا بتجديد الهبة له. ( الأم : ٥/١٨٩. ون أحكام الشافعي : ١/٢٠٥. )
١ - محمد بن مسلمة الخزرجي، بدري جليل. عنه: عروة، والأعرج. وكان أسود ضخما، اعتزل الفتن بأمر نبوي. ومات في عمر الثمانين بالمدينة سنة: ٤٣. الكاشف: ٣/٧٨. ون الإصابة: ٦/٣٣. والتهذيب: ٧/٤٢٧. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٢ - رافع بن خديج الحارثي، أُحُدي. عنه: ابنه رفاعة، وعطاء، وطاوس. عاش ستا وثمانين سنة. ت سنة: ٧٤. الكاشف: ١/٢٥٥. ون الإصابة: ٢/٤٣٦. والتهذيب: ٣/٥٤. وقال في التقريب: أول مشاهده أُحُد ثم الخندق..
٣ - النساء: ١٢٨. وتمامها: ﴿ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرُُ وَأُحْضِرَتِ اِلاَنفُسُ اَلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اَللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا ﴾..
٤ - رواه البيهقي في القسم والنشوز باب: ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوِ اِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرُُ ﴾ ٧/٢٩٦.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٩٨ و ١٠٩٩).
ورواه السيوطي في لباب النقول ص: ١٠٨..

٥ - والصواب: إحدى نسائه..
٦ - روى البيهقي في القسم والنشوز باب: ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوِ اِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرُُ ﴾ ٧/٢٩٧ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خشيت سودة رضي الله عنها أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! لا تطلقني وامسكني واجعل يومي لعائشة، ففعل فنزلت هذه الآية: ﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوِ اِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرُُ ﴾ قال: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز..
٧ - سودة بنت زمعة العامرية أم المؤمنين. انفردت بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ثلاثة أعوام، ولما أسنت وهبت يومها لعائشة. توفيت في آخر خلافة عمر. عنها: ابن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري. الكاشف: ٣/٤١٨. ون الإصابة: ٧/٧٢٠. والتهذيب: ١٠/٤٨١..
٨ - أخرجه البخاري في النكاح (٧٠) باب: المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها (٩٧)(ر٤٩١٤).
وأخرجه مسلم في الرضاع (١٧) باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها (١٤)(ر١٤٦٣).
وأخرجه أبو داود، وابن ماجة، والبيهقي في النكاح، والشافعي في المسند (ر١٠٩٧)..

٩ - رواه البخاري بنحوه في النكاح (٧٠) باب: كثرة النساء (٤)(ر٤٧٧٠).
ورواه مسلم في الرضاع (١٧) باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها (١٤)(ر١٤٦٥).
ورواه النسائي، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٠٩٥)..

١٠ - النساء: ١٩. وتمامها: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اَللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾..
١٦٨- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾. قال بعض أهل التفسير : لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب لأن الله تعالى يجاوزه ﴿ فَلا تَمِيلُواْ ﴾ لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم، فإذا كان الفعل والقول مع الهواء فذلك كل الميل. وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيقول :« اللهم هذا قسْمي فيما أملك وأنت أعلم فيما لا أملك »١. يعني ـ والله أعلم ـ فيما لا أملك : قلبه.
قال : وبلغنا أنه كان يطاف به محمولا في مرضه على نسائه حتى حَلَلْنَهُ٢.
قال : وعماد القسم الليل لأنه سكن، فقال :﴿ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾٣ فإن كان عند الرجل حرائر مسلمات وذِمِّيَّات فهن في القسم سواء.
قال ويقسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة إذا خلى المولى بينه وبينها في ليلتها ويومها، وللأمة أن تحلله من قسمها دون المولى، ولا يجامع المرأة في غير يومها، ولا يدخل في الليل على التي لم يقسم لها.
قال : ولا بأس أن يدخل عليها بالنهار في حاجة، ويعودها في مرضها في ليلة غيرها، فإذا ثقلت فلا بأس أن يقيم عندها حتى تخف أو تموت ثم يوفي من بقي من نسائه مثل ما أقام عندها. وإن أراد أن يقسم ليلتين ليلتين أو ثلاثا ثلاثا كان ذلك له، وأكره مجاوزة الثلاث. ( مختصر المزني ص : ١٨٥. ون الأم : ٥/١٩٠ و ٥/١٠٩-١١٠. وأحكام الشافعي : ١/٢٠٧ و ١/٢٠٥-٢٠٦. ومناقب الشافعي : ١/٢٩١. )
١ - رواه عن عائشة رضي الله تعالى عنها:
أبو داود في النكاح (٦) باب: في القسم بين النساء (٣٩)(ر٢١٣٤).
والترمذي في النكاح (٨) باب: ما جاء في التسوية بين الضرائر (٤١)(ر١١٤٠).
والنسائي في عشرة النساء (٣٦) باب: ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض (٢)(ر٣٩٥٣).
وابن ماجة في النكاح (٩) باب: القسمة بين النساء (٤٧)(ر١٩٧١).
ورواه الدارمي، وأحمد، والبيهقي..

٢ - روى أبو داود في النكاح (٦) باب: في القسم بين النساء (٣٩)(ر٢١٣٧) عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النساء ـ تعني في مرضه ـ فاجتمعن، فقال: « إني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن» فَأَذِنَّ له.
ورواه البيهقي في القسم والنشوز باب: ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ ٧/٢٩٩..

٣ - الروم: ٢١..
١٦٩- قال الشافعي : وفرض الله على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله، وأن يغضي عما نهى الله عنه، فقال في ذلك :﴿ وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِى اِلْكِتَابِ أَنِ اِذَا سَمِعْتُمُ ءَايَاتِ اِللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَا بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمُ إِذًا مِّثْلُهُمُ ﴾ ثم استثنى موضع النسيان فقال عز وجل :﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ اَلشَّيْطَانُ ﴾ أي : فقعدت معهم ﴿ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ اَلذِّكْرى مَعَ اَلْقَوْمِ اِلظَّالِمِينَ ﴾١ وقال :﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ اِلذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئاكَ اَلذِينَ هَدَياهُمُ اَللَّهُ وَأُوْلَئاكَ هُمُ أُوْلُوا اَلاَلْبَابِ ﴾٢ وقال :﴿ قَدَ اَفْلَحَ اَلْمُومِنُونَ اَلذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾٣ إلى قوله :﴿ لِلزَّكَواةِ فَاعِلُونَ ﴾٤ وقال :﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اَللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾٥ وقال :﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾٦.
فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان. ( مناقب الشافعي : ١/٣٩٠. )
١ - الأنعام: ٦٨..
٢ - الزمر: ١٧-١٨..
٣ - المؤمنون: ١-٣. وتمام المتروك: ﴿ وَالذِينَ هُمْ عَنِ اِللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾.
٤ - المؤمنون: ٤..
٥ - القصص: ٥٥..
٦ - الفرقان: ٧٢..
١٧٠- قال الشافعي : وأخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من كتابه بإظهار الإيمان والاستتار بالشرك، وأخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار فقال :﴿ اِنَّ اَلْمُنَافِقِينَ فِى اِلدَّرَكِ اِلاَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ فأعلم أن حكمهم في الآخرة النار بعلمه أسرارهم، وأن حكمه عليهم في الدنيا إن أظهروا الإيمان١ جُنَّةً٢ لهم.
وأخبر عن طائفة غيرهم فقال :﴿ وَإِذْ يَقُولُ اَلْمُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اَللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا ﴾٣ وهذه حكاية عنهم وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين منفردا، وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب٤، وكل من حقن دمه في الدنيا بما أظهر مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم، لأنه أبان أنه لم يول الحكم على السرائر غيره، وأن قد ولى نبيه الحكم على الظاهر. وعاشرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتل منهم أحدا، ولم يحبسه، ولم يعاقبه، ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال. ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم، والصلاة على موتاهم، وجميع حكم الإسلام. ( الأم : ٦/١٦٥-١٦٦. ون الأم : ٧/٨١. )
١ - هكذا في النسخ ولعل في العبارة نقصا، والصواب: إن أظهروا الإيمان أن الإيمان جُنَّة لهم. والله أعلم..
٢ - جُنَّةٌ: أي وقاية..
٣ - الأحزاب: ١٢..
٤ - إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ قَالَتِ اِلاَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُومِنُوا وَلَـاكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ اِلاِيـمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ﴾ الحجرات: ١٤..
١٧١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ إِنِ اِمْرُؤٌا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ﴾ وقال الله عز وجل :
﴿ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اِلاُنثَيَيْنِ ﴾ وقال :﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمُ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ اَلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١ وقال تعالى :﴿ وَلَهُنَّ اَلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمُ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ﴾٢ وقال عز اسمه :﴿ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُِمِّهِ اِلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُِمِّهِ اِلسُّدُسُ ﴾٣.
قال الشافعي : فهذه الآي في المواريث كلها تدل على أن الله عز وجل انتهى بمن سَمَّى له فريضة إلى شيء، فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى الله به إلى شيء غير ما انتهى به ولا ينقصه، فبذلك قلنا : لا يجوز رد المواريث.
قال الشافعي : وإذا ترك الرجل أخته أعطيتها نصف ما ترك، وكان ما بقي للعَصَبَةِ٤. فإن لم تكن عصبة فلمواليه الذين أعتقوه، فإن لم يكن له موال أعتقوه كان النصف مردودا على جماعة المسلمين من أهل بلده٥. ولا تزاد أخته على النصف، وكذلك لا يرد على وارث ذي قرابة، ولا زوج، ولا زوجة له فريضة، ولا تجاوز بذي فريضة فريضته، والقرآن ـ إن شاء الله تعالى ـ يدل على هذا، وهو قول زيد بن ثابت، وقول الأكثر ممن لقيت من أصحابنا. ( الأم : ٤/٧٦. ون الأم : ٤/٧٧. والأم : ٤/٨١. والرسالة : ٥٨٦-٥٨٨. )
١ - النساء: ١٢..
٢ - النساء: ١٢..
٣ - النساء: ١١..
٤ - أخرج البخاري في الفرائض (٨٨) باب: ميراث البنات (٥)(ر٦٣٥٣) عن الأسود بن يزيد قال: أتانا معاذ ابن جبل باليمن معلما وأميرا، فسألناه عن رجل توفي وترك ابنته وأخته، فأعطى الإبنة النصف والأخت النصف. وفي باب: ميراث الأخوات مع البنات عصبة (١١)(ر٦٣٦٠).
ورواه أبو داود في الفرائض (١٣) باب: ما جاء في ميراث الصلب (٤)(ر٢٨٩٣).
ورواه البيهقي في الفرائض باب: الأخوات مع البنات عصبة ٦/٢٣٣..

٥ - روى البيهقي في الفرائض باب: الميراث بالولاء ٦/٢٤١ عن عبد الله بن شداد قال: مات مولى لابنة حمزة وترك ابنته وابنة حمزة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته النصف ولابنة حمزة النصف. قال البيهقي: وابن شداد أخو بنت حمزة من الرضاعة، والحديث منقطع.
وروى عن أبي بريدة: أن رجلا مات وترك ابنته ومواليه الذين أعتقوه، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف ومواليه النصف. قال البيهقي: وهو حديث مرسل.
وروى عن المغيرة، عن أصحابه قالوا: كان زيد إذا لم يجد أحدا من هؤلاء ـ يعني العصبة ـ لم يرد على ذي سهم ولكن يرد على الموالي، فإن لم يكن موال فعلى بيت المال..

Icon