ﰡ
﴿حم والكتاب المبين﴾ أقسم بالكتاب المبين وهو القران وجعل قوله
﴿إنا جعلناه﴾ صيرناه ﴿قرآنا عَرَبِيّاً﴾ جواباً للقسم وهو من الأيمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه والمبين
الزخرف (١١ - ٤)
البين للذين أنزل عليهم لأنه بلغتهم وأساليبهم أو الواضح للمتدبرين أو الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكي تفهموا معانيه
﴿وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا﴾ وإن القرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ دليله قوله بل هو قران مجيد في لوح محفوظ وسمي أم الكتاب لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ أُمُّ الكتاب بكسر الالف علي وحمزة ﴿لعلي﴾ خبران أي في أعلى طبقات البلاغة أو رفيع الشان في الكتب لكونه معجزا من بينا ﴿حَكِيمٌ﴾ ذو حكمة بالغة
﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر﴾ أفننحي عنكم الذكر ونذوده عنكم
﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِى الأولين﴾ أي كثيرا من الرسل ارسلنا الى من تقدمك
﴿وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِىٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يستهزؤون﴾ هى حكاية حا ل ماضية مستمرة أي كانوا على ذلك وهذه تسلية لرسول الله ﷺ عن استهزاء قومه
﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً﴾ تمييز والضمير للمسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله ﷺ يخبره عنهم ﴿ومضى مَثَلُ الأولين﴾ أي سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تسير مسير المثل وهذا وعد لرسول الله ﷺ ووعيد لهم
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ﴾ أي المشركين ﴿مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم﴾
﴿الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ كوفي
﴿والذى نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ﴾ بمقدار
الزخرف (١٦ - ١١)
تسلم معه العباد ويحتاج إليه البلاد ﴿فَأَنشَرْنَا﴾ فأحيينا عدول من المغايبة إلى الإخبار لعلم المخاطب بالمراد ﴿به بلدة ميتا﴾ يزيد ميّتاً ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ من قبوركم أحياء تُخْرَجُونَ حمزة وعلي ولا وقف على العليم لأن الذى صفته وقد وقف عليه أبو حاتم على تقديره هو الذي لأن هذه الأوصاف ليست من مقول الكفار لأنهم ينكرون الإخراج من القبور فكيف يقولون كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ بل الآية حجة عليهم في إنكار البعث
﴿والذى خَلَقَ الأزواج﴾ الأصناف ﴿كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ﴾ أي تركبونه يقال ركبوا في الفلك وركبوا الأنعام فغلب المتعدي بغير واسطة لقوته على المتعدي بواسطة فقيل تركبونه
﴿لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ﴾ على ظهور ما تركبونه وهو الفلك والأنعام ثُمَّ تَذْكُرُواْ بقلوبكم ﴿نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ﴾ بألسنتكم ﴿سبحان الذي سخر لنا هذا﴾ ذال لنا هذا المركوب ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ مطيقين يقال أقرن الشيء إذا أطاقه وحقيقة أقرنه وجده قرينته لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف
﴿وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ لراجعون في المعاد قيل يذكرون عند ركوبهم مراكب الدنيا آخر مركبهم منها هو الجنازة وعن النبى ﷺ أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال بسم الله فإذا استوى على الدابة قال الحمد لله على كل حال سبحان الذى سخر لنا هذا غلى قوله لَمُنقَلِبُونَ وكبر ثلاثاً وهلل
﴿وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً﴾ متصل بقوله وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ أي ولئن سألتهم عن خالق السموات والأرض ليعترفن به وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزأ أي قالوا الملائكة بنات الله فجعلوهم جزأ له وبعضاً منه كما يكون الولد جزأ لوالده جزأ أبو بكر وحماد ﴿إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾ لجحود للنعمة ظاهر جحوده لأن نسبة الولد إليه كقر والكفر أصل الكفر ان كله
﴿أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وأصفاكم بالبنين﴾ أى بل اتخذ والهمزة للانكار تجهيلا وتعجيا من شأنهم حيث ادعوا أنه اختار لنفسه المنزلة الأدني ولهم
الزخرف (٢٠ - ١٦)
الاعلى
﴿وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً﴾ بالجنس الذي جعله له مثلاً أي شبهاً لانه اذا جعل الملائكة جزا لله وبعضاً منه فقد جعله من جنسه ومماثلاً له لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ يعني أنهم نسبوا إليه هذا الجنس ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظاً وتأسفاً وهو مملوء من
﴿أو من ينشأ فِى الحلية وَهُوَ فِى الخصام غَيْرُ مُبِينٍ﴾ أي أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفقه وهو انه ينسشأ في الحلية أي يتربى في الزينة والنعمة وهو اذا احتاج الى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان وذلك لضعف عقولهن قال مقاتل لا تتكلم المرأة إلا وتأتي بالحجة عليها وفيه أنه جعل النشأة في الزينة من المعايب فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويتزين بلباس التقوى ومن منصوب المحل والمعنى أو جعلوا من ينشأ في الحلية يعنى البنات لله عزل وجل يُنَشَّأُ حمزة وعلي وحفص أي يربي قد جمعوا في كفرهم ثلاث كفرات وذلك أنهم نسبوا إلى الله الولد ونسبوا إليه أخس النوعين وجعلوه من الملائكة المكرمين فاستخفوا بهم
﴿وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا﴾ اى سمعوا وقالوا إنهم إناث عِندَ الرحمن مكي ومدني وشامي أي عندية منزلة ومكانة لا منزل ومكان والعباد جمع عبد وهو ألزم في الحجاج مع أهل العناد لتضاد بين العبودية والولاد ﴿أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ﴾ وهذا تهكم بهم يعني أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ولا تطرقوا إليه باستدلال ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم ولم يشاهدوا خلقهم حتى يخبروا عن المشاهدة ﴿سَتُكْتَبُ شهادتهم﴾ التي شهدوا بها على الملائكة من انوثتهم ﴿ويسألون﴾ عنها وهذا وعيد
﴿وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عبدناهم﴾ أي الملائكة تعلقت المعتزلة بظاهر هذه الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء الإيمان فإن
الزخرف (٢٧ - ٢١)
اوقالوا هذا القول استهزاء لاجدا واعتقاداً فأكذبهم الله تعالى فيه وجهلهم حيث لم يقولوا عن اعتقاد كما قال مخبراً عنهم أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ وهذا حق في الأصل ولكن لما قالوا ذلك استهزاءً كذبهم الله بقوله إِنْ أَنتُمْ الا في ضلال مبين وكذلك قال الله تعالى قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ثم قال والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون لأنهم لم يقولوه عن اعتقاد وجعلوا المشيئة حجة لهم فيما فعلوا باختيارهم وظنوا أن الله لا يعاقبهم على شيء فعلوه بمشيئته وجعلوا وجعلوا أنفسهم معذورين في ذلك فرد الله تعالى عليهم
﴿أم آتيناهم كتابا مِّن قَبْلِهِ﴾ من قبل القرآن أو من قبل قولهم هذا ﴿فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ آخذون عاملون وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره أشهدوا خلقهم أم آتيناهم كتاباً من قبله فيه أن الملائكة إناث
﴿بَلْ قَالُوآ﴾ بل لا حجة لهم يتمسكون بها لا من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع إلا قولهم ﴿إنا وجدنا آباءنا على أمة﴾ على دين فقلدناهم وهي من الأم وهو القصد فالأمة الطريقة التي تؤم أي تقصد ﴿وإنا على آثارهم مهتدون﴾ الظرف صلة لمهتدون اوهما خبران
﴿وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ﴾ نبي ﴿إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ﴾ أي
﴿قال﴾ شامي وحفص أي النذير قُلْ غيرهما أي قيل للنذير قل ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم﴾ أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم ﴿قَالُوآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون﴾ إنا ثابتون على دين آبائنا وإن جئتنا بما هو أهدى وأهدى
﴿فانتقمنا مِنْهُمْ﴾ فعاقبناهم بما استحقوه على إصرارهم ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين﴾
﴿وَإِذْ قَالَ إبراهيم لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ أي واذكر إذ قال ﴿إِنَّنِى بَرَآءٌ﴾ أي بريء وهو مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث كما تقول رجل عدل وامرأة عدل وقوم عدل والمعنى ذو وذات عدل ﴿مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾
﴿إِلاَّ الذى فَطَرَنِى﴾ استثناء منقطع كأنه قال لكن الذي فطرني ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ يثبتني على الهداية
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)
﴿وجعلها﴾
الزخرف (٣٣ - ٢٨)
وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذى فَطَرَنِى ﴿كَلِمَةً باقية فِى عَقِبِهِ﴾ في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم والترجي لإبراهيم
﴿بل متعت هؤلاء وآباءهم﴾ يعني أهل مكة وهم من عقب إبراهيم
﴿وَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق﴾ القرآن ﴿قَالُواْ هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافرون﴾
﴿وَقَالُواْ﴾ فيه متحكمين بالباطل ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن﴾ فيه استهانة به ﴿على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ أي رجل عظيم من إحدى القريتين كقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي من أحدهما والقريتان مكة والطائف وعنوا بعظيم مكة الوليد بن المغيرة وبعظيم الطائف عروة بن مسعود الثقفي وأرادوا بالعظيم من كان ذا مال وذا جاه ولم يعوفوا أن العظيم من كان عند الله عظيماً
﴿أهم يقسمون رحمة ربك﴾ أى النبوة الهمزة للإنكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من تحكمهم في اختيار من يصلح للنبوة ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ﴾ ما يعيشون به وهو أرزاقهم ﴿فِى الحياة الدنيا﴾ أي لم نجعل قسمة الا دون إليهم وهو الرزق فكيف النبوة أو كما فضلت البعض على البعض في الرزق فكذا أخص بالنبوة من أشاء ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات﴾ أي جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالي والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً﴾ ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله ﴿ورحمة رَبِّكَ﴾ أي النبوة أو دين الله وما يتبعه من الفوز في المآب ﴿خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا ولما قلل أمر الدنيا وصغرها أردفه بما يقرر قلة الدنيا عنده فقال
﴿وَلَوْلآ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة﴾ ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه ﴿لَّجَعَلْنَا﴾ لحقارة الدنيا عندنا ﴿لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج﴾
الزخرف (٣٩ - ٣٤)
﴿عليها يظهرون﴾
﴿ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون وَزُخْرُفاً﴾ أي لجعلنا للكفار سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً كلها من فضة وجعلنا لهم زخرفاً أي زينة من كل شيء والزخرف الذهب والزينة ويجوز أن يكون الأصل سقفاً من فضة وزخرف أي بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفاً على محل مِن فِضَّةٍ لبيوتهم بدل اشتمال من لِمَن يَكْفُرُ سَقْفاً على الجنس مكي وأبو عمرو ويزيد والمعارج جمع معرج وهي المصاعد إلى العلالي علها يظهرون على المعارج يظهرون السطوح أي يعلونها ﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا متاع الحياة الدنيا﴾ ان نافية ولما بمعنى إلا أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا وقد قرىء به وقرأ لَمَا غير عاصم وحمزة على أن اللام هى الفارقة بين أن المخففة والنافية وما صلة أي وأن كل ذ لك لمتاع الحياة الدنيا ﴿والآخرة﴾ أي ثواب الآخرة ﴿عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ لمن يتقي الشرك
﴿وَمَن يَعْشُ﴾ وقرىء وَمَن يعش والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشى يعشى واذا نظر العشي ولا آفة به قيل عشا يعشو ومعنى القراءة بالفتح ومن يعم ﴿عَن ذِكْرِ الرحمن﴾ وهو القرآن كقوله صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ ومعنى القراءة بالضم ومن يتعام عن ذكره أي يعرف أنه الحق وهو يتجاهل كقوله وجحدوا بها واستيقنتها
﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي الشياطين ﴿لَيَصُدُّونَهُمْ﴾ ليمنعون العاشين ﴿عَنِ السبيل﴾ عن سبيل الهدى ﴿وَيَحْسَبُونَ﴾ أي العاشون ﴿أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ وإنما جمع ضمير من وضمير الشيطان لأن من مبهم في جنس العاشي وقد فيض له شيطان مبهم في جنسه فجاز أيرجع الضمير إليهما مجموعاً
﴿حتى إِذَا جَآءَنَا﴾ على الواحد عراقي غير أبي بكر أي العاشي جاآنا غيرهم أي العاشى وقرينه ﴿قال﴾ لشيطانا ﴿يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين﴾ يريد المشرق وامغرب فغلب كما قيل العمران والقمران والمراد بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق ﴿فَبِئْسَ القرين﴾ انت
﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ﴾ إذ صح ظلمكم أي كفركم وتبين لم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين واذ بدل من اليوم ﴿أَنَّكُمْ فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ﴾ أَنَّكُمْ في محل الرفع على الفاعلية أي ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب أو كونكم مشتركين في العذاب كما كان عموم البلوى يطيب القلب في الدنيا كقول الخنساء
الزخرف (٤٦ - ٤٠)
... ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي...
... ولا يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي...
أما هؤلاء فلا يؤسّيهم اشتراكهم ولا يروجهم لعظم ماهم فيه وقيل الفاعل مضمر أي ولن ينفعكم هذا التمني أو الاعتذار لأنكم في العذاب مشتركون لاشتراككم في سببه وهو الكفر ويؤيده قراءه من قرأ بالكسر
﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم﴾ أي من فقد سمع القبول ﴿أَوْ تَهْدِى العمى﴾ أي من فقد البصر ﴿وَمَن كَانَ فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ ومن كان في علم الله أنه يموت على الضلال
﴿فَإِمَّا﴾ دخلت ما على إن توكيداً للشرط وكذا النون الثقيلة في ﴿نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ أي نتوفينك قبل أن ننصرك عليهم ونشفي صدور المؤمنين منهم ﴿فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ أشد الانتقام في الآخرة
﴿أو نرينك الذي وعدناهم﴾ قبل أن نتوفينك يعني يوم بدر ﴿فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ﴾ قادرون وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال بقوله أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم الآية ثم أوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة بقوله فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ الآيتين
﴿فاستمسك﴾ فتمسك ﴿بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ﴾ وهو القرآن واعمل به ﴿إِنَّكَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي على الدين الذي لا عوج له
﴿وَإِنَّهُ﴾ وإن الذي أوحي إليك ﴿لَذِكْرٌ لَّكَ﴾ لشرف لك ﴿ولقومك﴾ ولأمتك ﴿وسوف تسألون﴾ عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وعن تعظيمكم له وعن شكركم هذه النعمة
﴿واسأل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا من دون الرحمن آلهة يعبدون﴾ ليس المراد بسوال الرسل حقيقة السؤال ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء وكفاه نظر او فحصا نظره في كتاب الله المعجز المصدق لما بين يديه وإخبار الله فيه بأنهم يعبدون مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطاناً وهذه الآية
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه﴾
الزخرف (٥١ - ٤٦)
﴿فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ العالمين﴾ ما أجابوه به عند قوله إِنِّى رَسُولُ رَبِّ العالمين محذوف دل عليه قوله
﴿فلما جاءهم بآياتنا﴾ وهو مطالبتهم إياه بإحضار البينة على دعواه وإبراز الآية ﴿إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحرا وإذا للمفاجأة وهو جواب فلما لأن فعل المفاجأة معها مقدر وهو عامل النصب في محل إذا كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا فاجؤا وقت ضحكهم
﴿وما نريهم من آية إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها في نقض العادة وظاهر النظم يدل على أن اللاحقة أعظم من السابقة وليس كذلك بل المراد بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر ولا يكدن يتفاوتن فيه وعليه كلام الناس يقال هما أخوان كل واحد منهما أكرم من الآخر ﴿وأخذناهم بالعذاب﴾ وهو ما قال تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات وأرسلنا عليهم الطوفان الآية ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن الكفر إلى الإيمان
﴿وقالوا يا أيها الساحر﴾ كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لتعظيمهم
﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العذاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ ينقضون العهد بالإيمان ولا يفون به
﴿ونادى فِرْعَوْنُ﴾ نادى بنفسه عظماء القبط أو أمر منادياً فنادى كقولك قطع الأمير اللص إذا أمر بقطعه ﴿فِى قَوْمِهِ﴾ جعلهم محلاً لندائه وموقعا له ﴿قال يا قوم أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار﴾ أي أنهار النيل ومعظمها أربعة ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِى﴾ من تحت قصري وقيل بين يدي في جنائي والواو عاطفة للانهار على ملك مصر وتجرى نصب على الحال منها أو الواو للحال واسم الإشارة مبتدأ والأنهار صفة لاسم الإشارة وتجرى خبر للمبتدأ وعن الرشيد أنه لما قرأها قال لأولينها أخس عبيدي فولاها الخصيب وكان خادمه على وضوئه وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها فلما شارفها قال أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ والله لهي أقل عندي من أن أدخلها فثني عنانه ﴿أَفلاَ تبصرون﴾ فوتى وضعف موسى
الزخرف (٥٧ - ٥٢)
وغناى وفقره
﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ﴾ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة كأنه قال أثبت عندكم وأستقر أني انا خير وهذه حالى ﴿من هذا الذى هُوَ مَهِينٌ﴾ ضعيف
﴿فَلَوْلآ﴾ فهلا ﴿أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسُوِرَةٌ﴾ حفص ويعقوب وسهل جمع سوار غيرهم أساورة جمع أسورة وأساوير جمع أسوار وهو السوار حذف الياء من أساوير وعوض منها التاء ﴿مِّن ذَهَبٍ﴾ اراد بالفاء الأسورة عليه إلقاء مقاليد الملك إليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوروه بسوار وطوقو بطوق من ذهب ﴿أو جاء معه الملائكة مُقْتَرِنِينَ﴾ يمشون معه يقترن بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وأنصاره وأعوانه
﴿فاستخف قومه﴾ استفزهم بالقول واستزلهم وعمل فيهم كلامه وقيل طلب منهم الخفة والطاعة وهي الإسراع ﴿فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين﴾ خارجين عن دين الله
﴿فلما آسفونا انتقمنا مِنْهُمْ فأغرقناهم أَجْمَعِينَ﴾ آسف منقول من أسف أسفاً إذا اشتد غضبه ومعناه أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا أن يعجل لهم عذابنا وانتقامنا وأن لا نحلم عنهم
﴿فجعلناهم سَلَفاً﴾ جمع سالف كخادم وخدم سُلُفاً حمزة وعلي جمع سليف أي فريق قد سلف ﴿وَمَثَلاً﴾ وحديثاً عجيب الشأن سائراً مسير المثل يضرب بهم الأمثال ويقال مثلكم مثل قوم فرعون ﴿لّلآخِرِينَ﴾ لمن يجيء بعدهم ومعناه فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لإتيانهم بمثل أفعالهم ومثلاً يحدثون به
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً﴾ لما قرأ رسول الله ﷺ على قريش
الزخرف (٦٣ - ٥٨)
﴿وقالوا أآلهتنا خير أم هو﴾ بعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى فإذا كان عيسى من حصب النار كان امر الهتنا هينا ﴿ما ضربوه﴾ اى ماضربوا هذا المثل ﴿لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ﴾ إلا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الميز بين الحق والباطل ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ لدشداد الخصومة دأبهم اللجاج وذلك أن قوله تعالى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ لم يرد به إلا الأصنام لان ما لغير العقلاء الا أن ابن الزبعرى بخداعه ما رأى كلام الله محتملاً لفظه وجه العموم مع علمه بأن المراد به أصنامهم لا غير وجد للحيلة مساغاً فصرف اللفظ إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله على طريق اللجاج والجدال وحب المغالبة والمكابرة وتوقح في ذلك فتوقر رسول الله ﷺ حتى أجاب عنه ربه
﴿إِنْ هُوَ﴾ ما عيسى ﴿إِلاَّ عَبْدٌ﴾ كسائر العبيد ﴿أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ بالنبوة ﴿وجعلناه مَثَلاً لِّبَنِى إسرائيل﴾ وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبني إسرائيل
﴿ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة فِى الأرض﴾ أي بدلاً منكم كذا قاله الزجاج وقال جامع العلوم لجعلنا بدنكم ومن بمعنى البدل ﴿يَخْلُفُونَ﴾ يخلفونكم في الأرض أو يخلف الملائكة بعضهم بعضا وقيل لو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمرو لجعلنا منكم لولّدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم كما ولّدنا عيسى من أنثى من غير فحل لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ولتعلموا أن الملائكة اجسام لا تتولد إلا من أجسام والقديم متعالٍ عن ذلك
﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾ وإن عيسى مما يعلم به مجيء الساعة وقرأ ابن عباس لعلم للساعة وهو العلامة أي وإن نزوله علم للساعة ﴿فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ فلا تشكن فيها من المرية وهو الشك ﴿واتبعون﴾ وبالياء فيهما سهل ويعقوب أي واتبعوا هداي وشرعي أو رسو لى أو هو أمر رسول الله ﷺ أن يقوله ﴿هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي هذا الذي أدعوكم إليه
﴿وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان﴾ عن الإيمان بالساعة أو عن الاتباع ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظاهر العداوة اذ أخرج أباكم من الجنة نزع عنه لباس النور
﴿وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات﴾ بالمعجزات أو بآيات الإنجيل والشرائع البينات الواضحات ﴿قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة﴾ أي بالانجيل والشرائع ﴿وَلابَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ وهو أمر الدين لا أمر الدنيا ﴿فاتقوا الله وأطيعون﴾
﴿إِنَّ الله هُوَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ﴾ هذا تمام كلام عيسى عليه السلام
﴿فاختلف الأحزاب﴾ الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية والشمعونية ﴿مِن بَيْنِهِمْ﴾ من بين النصارى ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ حيث قالوا في عيسى ما كفروا به ﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ وهو يوم القيامة
﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة﴾ الضمير لقوم عيسى أو للكفار ﴿أَن تَأْتِيَهُم﴾ بدل من الساعة أي هل ينظرون إلا إتيان الساعة ﴿بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي وهم غافلون لاشتغالهم بأمور دنياهم كقوله تأخذهم وهم يخصمون
﴿الأخلاء﴾ جمع خليل ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يوم القيامة ﴿بَعْضُهُمْ لبعض عدو إلا المتقين﴾ اى المؤمنين انتصاب يؤمئذ يعدو أى تتقطع في ذلك اليوم كله خلة بين المتخالين في غير ذات الله وتنقلب عداوة ومقتاً إلا خلة المتصادقين في الله فانها الخلة الباقية
﴿يا عبادي﴾ بالياء في الوصل والوقف مدني وشامي وأبو عمرو وبفتح الياء أبو بكر الباقون بحذف اياء ﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ هو حكاية لما ينادى به المتقون المتحابون في الله يومئذ
﴿الذين﴾ منصوب المحل صفة لعبادى لأنه منادى مضاف ﴿آمنوا بآياتنا﴾ صدقوا بآياتنا ﴿وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾ لله منقادين له
﴿ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم﴾ المؤمنات في الدنيا ﴿تُحْبَرُونَ﴾ تسرون سروراً يظهر حباره أي أثره على وجوهكم
﴿يطاف عليهم بصحاف﴾ جمع صحفة ﴿مِّن ذَهَبٍ وأكواب﴾ أي من ذهب أيضاً والكوب الكوز لا عروة له ﴿وفيها﴾ وفي الجنة ﴿مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس﴾ مدني وشامي وحفص بإثبات الهاء العائدة إلى الموصول وحذفها غيرهم لطول الموصول بالفعل والفاعل والمفعول ﴿وَتَلَذُّ الأعين﴾ وهذا حصر لأنواع النعم لأنها إما مشتهيات في القلوب أو مستلذة في العيون ﴿وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون﴾
﴿وَتِلْكَ الجنة التى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تِلْكَ إشارة إلى الجنة المذكورة وهي مبتدأ والجنة خير والتى أُورِثْتُمُوهَا صفة الجنة أو الجنة صفة للمبتدأ الذى هو اسم الاشارة والتي أُورِثْتُمُوهَا خبر المبتدأ أو التى أُورِثْتُمُوهَا صفة المبتدأ وبما كنتم تعملون الخبر والباء تتعلق نقص أي حاصلة أو كائنة كما في الظروف التى تقع
﴿لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون﴾
اخبارا وفي الوحه الأول تتعلق بأورثتموها وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة
﴿لَكُمْ فِيهَا فاكهة كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ من للتبعيض أي لا تأكلون إلا بعضها وأعقابها باقية في شجرها فهي مزينة بالثمار أبداً وفي الحديث لاينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها
﴿إِنَّ المجرمين فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون﴾ خبر بعد خبر
﴿لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ خبر آخر أي لا يخفف ولا ينقص ﴿وَهُمْ فِيهِ﴾ في
﴿وَمَا ظلمناهم﴾ بالعذاب ﴿ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين﴾ هم فصل
﴿ونادوا يا مالك﴾ لما ايسوا من فتور العذاب نادوا يا مالك وهو خازن النار وقيل لابن عباس إن ابن مسعود قرأ يا مال فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم ﴿ليقض علينا ربك﴾ ليمتنا من قضى عليه إذا أماته فَوَكَزَهُ موسى فقضى عليه والمعنى سل ربك أن يقضي علينا ﴿قَالَ إنكم ماكثون﴾ في العذاب لا تتخلصون عنه بموت ولا فتور
﴿لَقَدْ جئناكم بالحق﴾ كلام الله تعالى ويجب أن يكون في قَالَ ضمير الله لما سألوا مالكا أن يسأل الله القضاء عليهم أجابهم الله بذلك وقيل هو متصل بكلام مالك والمراد بقوله جئناكم الملائكة إذ هم رسل الله وهو منهم ﴿ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارهون﴾ لا تقبلونه وتنفرون منه لأن ومع الباطل الدعة ممع الحق التعب
﴿أم أبرموا أمرا﴾ أم أحكم مشركوا مكة أمر امن كيدهم ومكرهم بمحمد ﷺ ﴿فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ كيدنا كما أبرموا كيدهم وكانوا يتنادون فيتاجون في أمر رسول الله ﷺ في دار الندوة
﴿أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم﴾ حدث انفسهم ﴿ونجواهم﴾ ما يتحدثون فيما بينهم ويخفونه عن غيرهم ﴿بلى﴾ تسمعها ونطلع عليها ﴿وَرُسُلُنَا﴾ أي الحفظة ﴿لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ عندهم يكتبون ذلك وعن يحيى ابن معاذ من ستر من الناس ذنوبه وأبداها لمن لا تخفى عليه خافية فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من أمارات النفاق
﴿قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ﴾ وصح ذلك ببرهان ﴿فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين﴾ فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد إليه كما يعظم لرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والمراد نفي الولد وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في
نفسها فكان المعلق بها محالاً مثلها ونظيره قول سعيد بن جبير للحجاج حين قال له والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلهاً غيرك وقيل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين أي الموحدين لله المكذبين فولكم بإضافة الولد إليه وقيل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد وقرىء العبدين وقيل هي إن النافية أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول من قال وعبد ووحد ورُوي أن النضر قال الملائكة بنات الله فنزلت فقال النضر ألا ترون أنه صدقني فقال له الوليد ما صدقك ولكن قال ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له وُلْد حمزة وعلي ثم نزه ذاته عن اتخاذ الولد فقال
﴿سبحان رَبِّ السماوات والأرض رَبِّ العرش عَمَّا يصفون﴾ أي هو رب السموات والأرض والعرش فلا يكون جسماً إذ لو كان جسماً لم يقدر على خلقها وإذا لم يكن جسماً لا يكون له ولد لأن التولد من صفة الأجسام
﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ﴾ في باطلهم ﴿وَيَلْعَبُواْ﴾ في دنياهم ﴿حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ﴾ أي القيامة وهذا دليل على أن ما يقولونه من باب الجهل والخوض واللعب
﴿وَهُوَ الذى فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله﴾ ضمن اسمه تعالى معنى وصف فلذلك علق به الظرف في قوله فِى السماء وفي الأرض كما نقول هو حاتم
﴿وَتَبَارَكَ الذى لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة﴾ أي علم قيامها ﴿وإليه ترجعون﴾ يرجعون مكى وحمزة على
﴿وَلاَ يَمْلِكُ﴾ آلهتهم ﴿الذين يَدْعُونَ﴾ أي يدعونهم ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿الشفاعة﴾ كما زعمو أنهم شفعاؤهم عند الله ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق﴾ أي ولكن من شهد بالحق بكلمة التوحيد ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أن الله ربهم حقاً وعتقدون ذلك هو الذي يملك الشفاعة وهو استثناء منقطع
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ﴾ أي المشركين ﴿مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يؤفكون﴾ ﴿وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون﴾ ﴿فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون﴾
أو متصل لأن في جملة الذين يدعون من دون الله الملائكة ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ﴾ أي المشركين ﴿مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ لا الأصنام والملائكة ﴿فأنى يُؤْفَكُونَ﴾ فكيف أو من أين يصرفون عن التوحيد مع هذا الإفرار
﴿وقيله﴾ بالجر عاصم وحمزه اى وعند علم الساعة وعلم قيله ﴿يا رب﴾ والهاء يعود الى محمد ﷺ لتقدم ذكره في قوله قُلْ إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين وبالنصب الباقون عطفاً على محل الساعة أي يعلم الساعة ويعلم قيله أي قيل محمد يا رب والقيل والقول والقال والمقال واحد ويجوز أن يكون الجر والنصب على اضما حرف القسم
﴿فاصفح عَنْهُمْ﴾ فأعرض عن دعوتهم يائساً عن ايمانهم وودعهم وتاركهم ﴿وَقُلْ﴾ لهم ﴿سلام﴾ أي تسلم منكم ومتاركة ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ وعيد من الله لهم وتسلية لرسول الله ﷺ وبالتاء مدنى وشامى
بسم الله الرحمن الرحيم