ﰡ
مكيّة وبعضها مدنيّة مائة وخمس اية نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شىء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ ونصلّى ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وعلى جميع النّبيّين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المص سبق الكلام فى مثله فى سورة البقرة.
كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف اى هذا كتاب او خبر للحروف المقطعة ان كان المراد به السورة او القران أُنْزِلَ إِلَيْكَ صفة للكتاب فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ الحرج فى الأصل الضيق قال مجاهد المراد هاهنا الشك فان ضيق الصدر سبب للشك وشرح الصدر سبب لليقين وقد مر مسئلة شرح الصدر وضيقه فى سورة الانعام فى تفسير قوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام الاية وقال ابو العالية المراد منه مخافة الناس فى تبليغ القران من ان يكذبوه ويوذوه فان الخائف فى امر لا ينشط له ولا ينشرح صدره فى الإتيان به وقيل المراد المخافة فى القيام بحقه والخطاب للنبى صلى الله عليه واله وسلم وتوجيه النهى الى الحرج للمبالغة كقولهم لا ارينك يعنى لا تشك فى انه منزل من الله تعالى او لا تخف أحدا من الناس ولا تبال بهم فنحن الحافظون لك او لا تخف ترك القيام بحقوقه فنحن نيسر لك ونوفقك والفاء يحتمل العطف والجواب كانه قيل إذا انزل إليك فلا تحرج صدرك لِتُنْذِرَ بِهِ متعلق بانزل او لا يكن لانه إذا أيقن انه من عند الله جسر على الانذار وكذا إذا لم يخفهم او علم
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ بتوسط الرسول صلى الله عليه واله وسلم مِنْ رَبِّكُمْ وحيا جليا او خفيا فيعم السنة ايضا وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ اى دون الله تعالى حال من قوله أَوْلِياءَ من الجن والانس تطيعونهم فى معصية الله تعالى خرج بقوله تعالى من دونه من كان ولايته من جهة الله تعالى كالانبياء والعلماء قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا وما مزيدة لتاكيد القلة وليست بمصدرية والا لم ينتصب قليلا بتذكرون قرأ ابو عمرو يتذكرون بالياء التحتانية على صيغة الغيبة والخطاب مع النبي صلى الله عليه واله وسلم والباقون بغير ياء على صيغة الخطاب بحذف أحد التاءين على انه خطاب مع الناس قلت نسبة قلة التذكر الى جميع الناس مبنى على كثرة تذكر قليل منهم وهم المؤمنون.
وَكَمْ خبرية مبتدأ مِنْ قَرْيَةٍ تميز لها أَهْلَكْناها خبر للمبتدا اى أردنا اهلاكها او خذلناها فَجاءَها اى جاء أهلها بَأْسُنا عذابنا وجاز ان يكون الفاء للبيان والتفسير كما فى قوله أحسنت الىّ فاعطينى فيكون قوله فجاءها بأسنا بدلا من قوله أهلكناها بَياتاً اى بائتين ليلا كقوم لوط مصدر وقع موقع الحال أَوْ هُمْ قائِلُونَ اى نائمون فى الظهيرة كقوم شعيب والقيلولة استراحة نصف النهار وان لم يكن معه نوم والجملة معطوفة على بيانا عطف الجملة على المفرد حال من القرية بمعنى أهلها وانما حذفت واو الحال استثقالا لاجتماع حرفى العطف فانها واو عطف استعيرت للوصل لا اكتفاء بالضمير فانه غير فصيح ومعنى الاية انه جاءهم العذاب وهم غافلون غير متوقعين له ووجه تخصيص الوقتين بالذكر المبالغة فى بيان غفلتهم وامنهم من العذاب.
فَما كانَ دَعْواهُمْ اى قولهم ودعائهم وتضرعهم قال سيبويه يقول العرب اللهم أشركنا فى صالح دعوى المسلمين إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ يعنى الا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه والمعنى انهم لم يقدروا على رد العذاب بل اعترفوا بذنبهم حين لا ينفعهم الاعتراف.
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس انه قال نسأل الناس جميعا عما أجابوا المرسلين
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ اى على الرسل والمرسل إليهم حين يقول الرسل لا علم لنا او حين أنكر الأمم التبليغ وشهد عليهم امة محمد صلى الله عليه واله وسلم بِعِلْمٍ اى بمعلومنا منهم او المعنى عالمين بظواهرهم وبواطنهم وَما كُنَّا غائِبِينَ عن الرسل فيما بلغوا او عن الأمم فيما أجابوا وفيما شهد عليهم امة محمد صلى الله عليه واله وسلم وانما كان السؤال لتوبيخ الكفرة وتقريعهم واظهار شرف الأنبياء والمسلمين وتفضيل امة محمد ﷺ بالشهادة.
وَالْوَزْنُ اى وزن الأعمال بالميزان مبتدأ خبره يَوْمَئِذٍ اى كائن يوم إذا تحقق السؤال من المرسلين والمرسل إليهم الْحَقُّ صفة للمبتدأ ومعناه العدل السوىّ او خبر لمحذوف اى هو الحق لا شبهة فيه يجب الايمان به اخرج البيهقي فى البعث عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما فى حديث سوال جبرئيل عن الايمان قال يا محمد ما الايمان قال ان تؤمن بالله وملئكة ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فاذا فعلت هذا فانا مؤمن قال نعم قال صدقت واخرج ابن المبارك فى الزهد والآجري فى الشريعة عن سلمان وابو الشيخ فى تفسيره عن ابن عباس قال الميزان له لسان وكفتان واختلفوا فى كيفية الوزن فقال بعضهم يوزن صحايف أعمالهم لما روى الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجاء برجل من أمتي على رؤس الاشهاد يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر فيقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتى الحافظون فيقول لا يا رب فيقول بلى ان لك عندنا حسنة وانه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول انك لا تظلم فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شىء واخرج احمد بسند حسن عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم توضع الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة ويوضع ما احصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به الى النار فاذا أدبر به إذا صائح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه قد بقي له فيوتى
ابن عمر رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول سبحان الله نصف الميزان والحمد لله يملأ الميزان وروى ابن عساكر من حديث ابى هريرة مثله
وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ اى اعماله الحسنة او كفة حسناته وهذا وان كان يعم الكافر الذي لا حسنة له أصلا والمؤمن الذي ترجحت سياته على حسناته لكن المراد به هاهنا هم الكفار جريا على عادة القران غالبا حيث يذكر الكفار فى مقابلة الأبرار وقيل ذكر الذين خلطوا عملا صالحا واخر سيئا من المؤمنين فالكفارهم المحكوم عليهم بقوله تعالى فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بتضيع الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها وارتكاب موجبات العذاب بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ فيكذبون بالآيات بدل التصديق وقد ذكرنا تفسير الاية وما يتعلق به فى سورة القارعة فى تفسير قوله تعالى فمن ثقلت موازينه فهو فى عيشة راضية واما من خفت موازينه فامه هاويه فليرجع اليه قال ابو بكر الصديق رضى الله عنه حين حضره الموت فى وصيته لعمر بن الخطاب رضى الله عنه انما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق فى الدنيا
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اى اقدرناكم على سكناها وزرعها والتصرف فيها وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ جمع معيشة اى أسبابا تعيشون بها ايام حياتكم من الزرع والضرع والمآكل والمشارب والتجارات والمكاسب قَلِيلًا ما اى شكرا قليلا او فى زمان قليل تَشْكُرُونَ فيما صنعت لكم.
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ يعنى قدرناكم فى العلم فى المرتبة الأعيان الثابتة ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ يعنى أباكم آدم نزل تصويره منزلة تصويرا لكل وابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بان قدرنا آدم وصورناه وذلك ابتداء تقديركم وتصويركم وقال ابن عباس خلقناكم اى أصولكم واباءكم ثم صورناكم فى أرحام أمهاتكم كذا قال قتادة والضحاك والسدى وقال مجاهد خلقنكم يعنى آدم ذكره بلفظ الجمع لانه ابو البشر فخلقه خلق من يخرج من صلبه ثم صورناكم فى ظهر آدم وقيل صورناكم يوم الميثاق حين أخرجكم كالذر وقال عكرمة خلقنكم فى أصلاب الرجال ثم صورناكم فى أرحام النساء وقال يمان خلق الإنسان فى الرحم ثم صوره فشق سمعه وبصره وأصابعه وقيل كلمة ثم بمعنى الواو والمعنى خلقكم وصوركم فان بعض المخلوقات كالارواح لا صورة لها ثُمَّ قُلْنا ان كان المراد بضمير الخطاب آدم وحده فلا كلام فيه وان كان المراد الذرية فقيل كلمة ثم بمعنى الواو وقيل معناه ثم اخبرناكم انا قلنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قد ذكرنا شرح الاية فى سورة البقرة لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قالَ الله تعالى يا إبليس ما مَنَعَكَ يعنى اى شىء منعك أَلَّا تَسْجُدَ اى من ان تسجد ولا زائدة كما فى لئلا يعلم موكدة لمعنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على ان الموبخ عليه ترك السجود وقيل الممنوع من الشيء مضطر الى خلافه فكانه قيل ما اضطرك الى ان لا تسجد وجاز ان يكون تقدير الكلام ما منعك من الامتثال وبعثك على ان لا تسجد إِذْ أَمَرْتُكَ بالسجدة فيه دليل على ان مطلق الأمر للوجوب
تعلق بجسد الإنسان كما تعلق بجسد الشيطان فتلون فى كل على هيئة ومثله كمثل الشمس تجلت فى المرآة فتصورت بصورتها وتلونت بلونها قال المجدد رضى الله عنه كمال الترقي بعالم الأمر الى ظلال الصفات الا الأخفى منها فانها ترتقى الى بعض الصفات وكمال الترقي للنفس المنبعث من لطائف عالم الخلق الى ظاهر الصفات وكمال الترقي للعناصر الثلاثة الى باطن الصفات اى من حيث قيامها بالذات والترقي الى مرتبة الذات مختصة بعنصر الطين كما ان نور الشمس لا يظهر الا على أكثف الأشياء دون ألطفها والله اعلم.
قالَ الله تعالى لابليس لما استكبر فَاهْبِطْ مِنْها اى من الجنة وقيل من السماء والفاء جواب لقوله انا خير منه يعنى ان كنت متكبرا فاهبط منها فانه كان للمتواضعين المطيعين فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها اى لا يصح لك التكبر فيها ففيه تنبيه على ان التكبر لا يليق باهل الجنة فانه من خصائص الكبير المتعال وانه تعالى انما طرده واهبط لتكبره عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يدخل الجنة أحد فى قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر رواه مسلم وفى رواية لمسلم فقال رجل ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال عليه السلام ان الله جميل يحب الجمال الكبر بطر «١» الحق وغمط «٢» الناس وعن حارثة بن وهب قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا أخبركم باهل الجنة كل ضعيف متضعف لو اقسم على الله لا بره الا أخبركم باهل النار كل عتل «٣» جواظ «٤» مستكبر متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته فى النار رواه مسلم وفى رواية له قذفته فى النار فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ اى اهل الصغار والذل والهوان على الله وعلى أوليائه يذمك كل انسان ويلعنك كل لسان وفى القاموس الصاغر الراضي بالمنزلة الدنية وكذا فى غيره من كتب اللغة ومن هاهنا يعلم ان الصغار والذل لازم للاستكبار قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من تواضع لله رفعه الله فهو
(٢) الغمط الاستهانة والاستحقار ١٤ ١٢ نهايه
(٣) العتل الشديد الجافي ١٢ نهايه
(٤) الجواظ الجموح المنوع ١٢
قالَ إبليس عند ذلك أَنْظِرْنِي اى أمهلني ولا تمتنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ اى الناس من قبورهم يعنى الى النفخة الاخيرة أراد ان لا يذوق الموت.
قالَ الله تعالى إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ وبين الله سبحانه مدة هذه النظرة والمهلة فى موضع اخر فقال انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم وهو النفخة الاولى حين يموت الخلق كلهم او وقت يعلمه الله انتهاء اجله فيه وفيه دليل على ان اجابة الدعاء غير مختص باهل الإسلام والطاعة وانه لا يدل مطلقا على كون الداعي من المقبولين بل قد يكون استدراجا وفى اجابة دعائه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته.
قالَ إبليس فَبِما أَغْوَيْتَنِي الفاء للتعقيب والباء للسببية متعلق بفعل قسم مقدر وما مصدرية يعنى بعد ما أمهلتني فبسبب اغوائك إياي بواسطتهم تسمية او حملا على الغنى او تكليفا بما غويت لاجله اقسم بك لاجتهدن فى اغوائهم باى طريق يمكننى وليس الباء متعلقا باقعدن فان اللام يصد عنه وقيل الباء للقسم اى اقسم باغوائك إياي يعنى بقدرتك على نفاذ سلطانك فى لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ جواب للقسم اى اجلس مترصدا بهم كما يقعد القطاع للسابلة صِراطَكَ اى طريق الإسلام ونصبه على الظرف كقوله كما عسل «٢» الطريق الثعلب وقيل بنزع الخافض تقديره على صراطك كقولهم ضرب زيد الظهر والبطن والقعود على الطريق كناية عن كمال اجتهاده فى صدهم عن السلوك عليه الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من جميع الجهات مثّل قصده إياهم بالتسويل والإضلال من اى جهة يمكن بإتيان العدو من الجهات الأربع ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم قال الله تعالى فى الأولين من لابتداء الغاية وفى الأخريين عن لان عن تدل على الانحراف وقيل لم يقل من فوقهم لان الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم لان الإتيان منه توحش
(٢) عسل اى مشى سريعا ١٢
وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ اى مؤمنين قاله ظنا لقوله تعالى ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه الا قليلا.
قالَ الله تعالى اخْرُجْ مِنْها اى من الجنة مَذْؤُماً محقرا فى القاموس ذأمه كمنعه حقره وذمه وطرده وخزاه وقال الجوهري ذأمه ذأما يعنى مهموز العين وذمته أذيمه يعنى الأجوف اليائى وذممته اذمه يعنى المضاعف معنى كل واحد قال البغوي الذيم والذام يعنى المهموز والأجوف أشد العيب مَدْحُوراً اى مبعدا مطرودا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ اى من بنى آدم اللام توطية للقسم لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ اى منك وممن تبعك فغلب المخاطب والجملة جواب للقسم وساد مسد جواب الشرط أَجْمَعِينَ وَيا آدَمُ تقديره وقلنا يا آدم.
اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ حواء الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا يحتمل الجزم على العطف والنصب على الجواب اى فتصيرا مِنَ الظَّالِمِينَ مر شرح الاية فى سورة البقرة.
فَوَسْوَسَ الوسوسة حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه كذا فى القاموس قال البغوي الوسوسة حديث يلقيه الشيطان فى قلبه وأصله صوت الحلي والهمس الخفي يعنى فعل الوسوسة لَهُمَا اى لاجلهما الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما اى ليظهر لهما واللام للعاقبة او للغرض على انه أراد ايضا بوسوسة ان يسوئهما بكشف ما وُورِيَ ما غطى عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الاخر وفيه دليل على ان كشف العورة فى الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع
وَقاسَمَهُما اى فاقسم لهما بالله إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ جواب للقسم ذكر القسم على زنة المفاعلة للمبالغة وقد ذكرنا القصة فى سورة البقرة قال قتادة حلف لهما بالله حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله وقال انى خلقت قبلكما وانا اعلم منكما فاتبعانى ارشدكما وإبليس أول من حلف بالله كاذبا فلما حلف ظن آدم ان أحد الا يحلف بالله كاذبا فاغتربه.
فَدَلَّاهُما الشيطان قال البغوي يعنى خدعهما يقال ما زال فلان يدلى لفلان بغرور يعنى ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف القول بِغُرُورٍ اى باطل وقيل معنى دلّهما انزلهما من درجة عالية الى منزلة سافلة اى من مقام الطاعة الى مقام المعصية فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ اى فلما وجدا طعمها آخذين فى الاكل منها يعنى لم يستوفا الاكل حتّى أخذتهما العقوبة وشوم المعصية وتهافت عنهما لباسهما اخرج عبد بن حميد عن وهب بن منبه انه كان لباسهما من النور واخرج ابن ابى حاتم عن السدى عن الفريابي وابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي فى سننه وابن عساكر فى تاريخه عن ابن عباس قال كان لباس آدم وحواء كالظفر فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما الأمثل الظفر فلما وقع منهما الذنب بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما فاستحيا وَطَفِقا اى أخذا يَخْصِفانِ يلزقان عَلَيْهِما اى على عوراتهما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وهو ورق التين حتّى صار شبيه الثوب كذا اخرج ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي فى سننه وابن عساكر فى تاريخه عن ابن عباس قال الزجاج يجعلان على ورقة ليسترا سواتهما روى ابى بن كعب رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان آدم رجلا طوالا كانه نخلة سحوق شعر الراس فلما وقع فى الخطيئة بدت له سؤاته وكان لا يراها
قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ضررناها بالمعصية والتعريض للاخراج عن الجنة وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ اى الهالكين فيه دليل على ان الصغائر معاقب عليها ان لم تغفر وقالت المعتزلة لا يجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر.
قالَ اهْبِطُوا قيل الخطاب لادم وحواء لان إبليس هبط قبلهما ولعل إيراد صيغة الجمع لان هبوطهما سبب لهبوط ذريتهما وقيل الخطاب لهما ولابليس كرر له الأمر تبعا ليعلم انهم قرنا ابدا او خبر عما قال لهم متفرقا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فى موضع الحال اى متعادين وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ اى استقرار او موضع استقرار وَمَتاعٌ اى تمتع إِلى حِينٍ انقضاء اجالكم.
قالَ الله تعالى فِيها اى فى الأرض تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ للجزاء قرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان منها تخرجون وفى الزخرف كذلك تخرجون بفتح التاء وضم الراء فيهما على البناء للفاعل والباقون بضم التاء وفتح الراء على البناء للمفعول قال البغوي كانت العرب فى الجاهلية تطوف بالبيت عراة يقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة فنزلت.
يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً وقال قتادة كانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول اليوم يبدو بعضه او كله. وما بدا منه لا أحله. فامر الله تعالى بالستر فقال قد أنزلنا عليكم لباسا يُوارِي سَوْآتِكُمْ يعنى عوراتكم واحدتها سوء سميت بها لانها يسوء صاحبه انكشافها ومعنى أنزلنا خلقناه لكم بتدبيرات سماوية
يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ اى لا يخدعنكم ولا يضلنكم الشَّيْطانُ بان لا تدخلوا الجنة كَما فتن وأَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ آدم وحواء مِنَ الْجَنَّةِ والنهى فى الظاهر للشيطان وفى المعنى لبنى آدم لا تفتتنوا ولا تختدعوا ولا تضلوا باتباع الشيطان يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما اى ليرى كل واحد منهما سوءة الاخر والجملة حال من فاعل اخرج او من مفعوله اسناد نزع الى الشيطان للتسبب إِنَّهُ يعنى الشيطان يَراكُمْ يا بنى آدم هُوَ وَقَبِيلُهُ جنوده قال ابن عباس ولده وقال قتادة قبيلة الجن مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ والجملة فقيل للنهى وتأكيد للتحذير من فتنة وقبيله فان عدوا يرانا ولا نراه لشديد المئونة الا من عصم الله فحينئذ كيده
وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً اى امرا بالغا الى النهاية فى القبح وذلك هو الشرك وقال ابن عباس ومجاهد هى طوافهم بالبيت عريانا والظاهر انه يعم كل كبيرة قالُوا إذا نهوا عن فعل الفاحشة وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها يعنى احتجوا بامرين تقليد الآباء والافتراء على الله فاعرض عن الاول لظهور فساده وقد ردّه فى موضع اخر او لو كان ابائهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ورد الثاني فقال قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ فان الأمر بالقبيح قبيح والله تعالى منزه عن القبائح وفيه دليل على ان الحسن والقبح وان كانا بخلق الله تعالى لكنه يدرك بالعقل ايضا والمراد بالقبيح هاهنا ما يتنفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم وقيل هما جوابا سوالين مترتبين كانه قيل لهم لم فعلتم فقالوا وجدنا عليه آباءنا فقيل ومن اين أخذ اباءكم فقالوا الله أمرنا بها وعلى الوجهين يمنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه لا مطلقا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ من غير دليل يوجب العلم اليقيني فيه انكار يتضمن النهى عن الافتراء على الله تعالى.
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ قال ابن عباس بلا اله الا الله وقال الضحاك بالتوحيد وقال مجاهد والسدى بالعدل وهو الوسط من كل امر المتجافى عن طرفى الافراط والتفريط وَأَقِيمُوا تقديره وقال اقيموا وهو مقولة للقول المذكور يعنى وقل اقيموا او معطوف على معنى بالقسط يعنى أقسطوا واقيموا او معطوف على مقدر تقديره فاقبلوا واقيموا وُجُوهَكُمْ اى أخلصوا له تعالى سجودكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ اى عند كل وقت صلوة وسجودا وكل مكان سجود وقال مجاهد والسدى وجهوا وجوهكم حيث ما كنتم فى الصلاة الى الكعبة وقال الضحاك إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي فى مسجدى وبه قال ابو حنيفة رحمه الله غير انه قال من كان اماما لمسجد اخر او رجل يختل بفقده جماعة مسجد اخر جاز له الخروج من المسجد بعد الاذان وقيل معناه توجهوا الى عبادة الله مستقيمين غير عادلين الى غيره وَادْعُوهُ اعبدوه تعالى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى
فَرِيقاً منكم هَدى اى أراد بعلمه القديم هدايتهم فوفقهم الايمان والأعمال الصالحة وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ بمقتضى القضاء السابق وانتصابه بفعل يفسره ما بعده اى أضل فريقا حق عليهم الضلالة إِنَّهُمُ اى الفريق الثاني اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ اى الكفار من الجن والانس أَوْلِياءَ أنصارا مِنْ دُونِ اللَّهِ اى غيره وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ فيه دليل على ان الجهل ليس بعذر وان الكافر المخطى والمعاند سواء فى استحقاق الذم والله اعلم روى مسلم عن ابن عباس قال كانت امرأة تطوف بالبيت فى الجاهلية وهى عريانة وعلى فرجها خرقة وهى تقول اليوم يبدوا بعضه او كله. وما بدأ منه فلا أحله. فنزلت.
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ونزلت قل من حرم زينة الله الآيتين والمراد بالزينة ما يوارى العورة من الثياب بإجماع اهل التفسير قال مجاهد ما يوارى عورتك ولو عباءة وكذا قال الكلبي وروى البيهقي فى هذه الاية عن ابن عباس ان المراد بها الثياب والمراد بالمسجد قيل موضع السجود ولذا قيل معناه خذوا ثوبكم عند كل مسجد لطواف او صلوة وعلى هذا قال ابن الهمام الاية نزلت فى الطواف تحريما لطواف العريان والعبرة وان كان لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لكن لا بد ان يثبت الحكم فى السبب اولا وبالذات لانه المقصود به قطعا ثم فى غيره على ذلك الوجه والثابت عندنا فى الستر فى الطواف الوجوب يعنى لا على سبيل الاشتراط لصحة الطواف حتى لو طاف عريانا اثم وحكم بسقوطه وفى الصلاة الافتراض يعنى الاشتراط حتّى لا تصح بدونه فالاوجه الاستدلال بالإجماع على الافتراض فى الصلاة كما نقله غير واحد من ائمة النقل الى ان حدث بعض المالكية فخالف كالقاضى اسمعيل وهو لا يجوز بعد تقرر الإجماع والحديث عن عائشة يرفعه لا تقبل الله صلوة حائض بخمار رواه ابو داؤد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن خزيمة فى صحيحه رواه ابو داؤد
طواف العرب عريانا لا تقتضى كون هذه الاية ايضا فى الطواف فان ما ورد فى حادثة او بعد سوال يجب ان يفيد حكم تلك الحادثة وجواب ذلك السؤال ولا يجب ان لا يذكر حكما زائدا على ما ورد فيه ولا شك ان حكم الطواف عريانا ظهر بغير تلك الاية من الآيات فما أورده ابن الهمام من الاشكال غير وارد (مسئلة) ذكر فى رحمة الامة ان ستر العورة شرط الصلاة عند ابى حنيفة والشافعي واحمد واختلف اصحاب مالك فمنهم من قال كما قال الجمهور انه من الشرائط مع القدرة على الستر فمن صلى مكشوف العورة مع القدرة على الستر فصلوته باطلة ومنهم من قال انه واجب فى نفسه ليس شرطا للصلوة فمن صلى مكشوف العورة مع القدرة على الستر عامدا كان عاصيا لكن يسقط عنه الفرض والمختار عند متاخرى أصحابه انه لا يصح الصلاة مع كشف العورة بحال وقد ذكر ابن الهمام اجماع الامة على ذلك والخلاف المتأخر لا يرفع الإجماع المقدم.
(فصل) أفادت الاية على وجوب ستر العورة فى الصلاة لكنه مجمل فى مقدار العورة التي وجب سترها وجاء بيان ذلك من الأحاديث فنقول.
(مسئلة) عورة الرجل بين السرة والركبة عند ابى حنيفة والشافعي وعن مالك واحمد روايتان إحداهما ما قال ابو حنيفة والثانية انها القبل والدبر احتجوا بحديث انس ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم غزا خيبر وذكر الحديث بطوله وفيه ثم حسر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا زارعن فخذه حتى لانى انظر الى بياض فخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم رواه البخاري وروى مسلم بلفظ انحسر الا زاد على البناء للمفعول وكذا عند احمد وحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مضطجعا فى بيته كاشفا عن فخذيه او ساقيه فاستاذن ابو بكر فاذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استاذن عمر فاذن له وهو كذلك فتحدث ثم استاذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسوى ثيابه الحديث رواه مسلم وهذا الحديث ليس بحجة لمكان الترديد بقوله فخذيه او ساقيه لكنه عند احمد بلفظ كاشفا عن فخذيه من غير ترديد وكذا عند احمد من حديث
لستر العورة الذي هو فرض مطلقا فى الصلاة وخارجها والله اعلم- (مسئلة) الركبة عورة عند ابى حنيفة وقال الشافعي واحمد ليست بعورة لما تقدم من حديث ابى أيوب وعمرو بن شعيب واحتج أصحابنا بحديث على رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الركبة من العورة وفيه عقبة بن علقمة ضعفه ابو حاتم الرازي والنصر بن منصور قال ابو حاتم الرازي مجهول يروى أحاديث مناكير وقال ابن حبان لا يحتج به قلنا الركبة ملتقى عظم العورة وغيرها فاجتمع الحرام والحلال فقدمنا الحرمة احتياطا.
(مسئلة) المرأة الحرة كلها عورة الا وجهها وكفيها عند مالك والشافعي واحمد وفى رواية عنهم الا وجهها فقط وكفاها من العورة واما القدمان فليستامن العورة عندهم وقال ابو حنيفة الا وجهها وكفيها وقدميها قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يقبل صلوة حائض الا بخمار وقد مرّ وقال عليه السلام المرأة عورة رواه الترمذي من حديث ابن مسعود وروى ابو داود مرسلا ان الجارية إذا حاضت لم يصلح يرى منها الا وجهها ويديها الى المفصل وروى الدارقطني عن أم سلمة انها سالت النبي صلى الله عليه واله وسلم اتصلي المرأة فى درع وخمار وليس لها إزار قال إذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها وفيه عبد الرحمن بن عبد الله ضعفه يحيى وقال ابو حاتم لا يحتج به والظاهر انه غلط فى رفع الحديث ورواه مالك وجماعة عن أم سلمة من قولها.
(مسئلة) قال فى النوازل نغمة المرأة عورة ولهذا قال عليه السلام التسبيح للرجال والتصفيق للنساء قال ابن الهمام وعلى هذا لو قيل ان المرأة إذا جهرت بالقراءة فى الصلاة فسدت كان متجها.
(مسئلة) عورة الامة كعورة الرجل مع بطنها وظهرها عند ابى حنيفة وقال مالك والشافعي هى كعورة الرجل وبه قال احمد وقال بعض اصحاب الشافعي كلها عورة الا مواضع التقليب منها وهو الرأس والساعدات والساق روى
(مسئلة) يجب عند احمد ستر المنكبين فى الفرض وفى النفل عنه روايتان لحديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لا يصلى أحدكم فى الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شىء رواه احمد وفى الصحيحين نحوه لكن لفظ البخاري ليس على عاتقه منه شىء وفى حديث مسلم عاتقيه وحمل الجمهور على التنزيه قال الكرماني ظاهر النهى يقتضى التحريم لكن الإجماع منعقد على جواز تركه قال الحافظ قد غفل الكرماني عما ذكره بعد قليل عن النووي من حكاية مذهب احمد ونقل ابن المنذر عن محمد بن على عدم الجواز وعقد الطحاوي له بابا فى شرح معانى الآثار ونقل عن ابن عمر ثم عن طاؤس والنخعي ونقل غيره عن ابن وهب وابن جرير ونقل الشيخ تقى الدين السبكى وجوب ذلك عن نص الشافعي واختاره لكن المعروف فى كتب الشافعية خلافه.
(مسئلة) يستحب ان يصلى الرجل فى ثياب الزينة كما يشير اليه هذه الاية فان الله سبحانه سمى الثوب زينة وامر باتخاذه فى الصلاة فالواجب وان كان ادنى منها وهو ما يستر العورة فما زاد عليه يستحب روى الطحاوي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فان الله أحق ان يزين له الحديث وروى البخاري عن ابى هريرة قال قام رجل الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فسأله عن الصلاة فى الثوب الواحد فقال او كلكم يجد ثوبين ثم سأل رجل عمر فقال له إذا وسع الله فاوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل فى إزار ورداء فى إزار وقميص فى إزار وقباء فى سراويل ورداء فى سراويل وقميص فى سراويل وقباء فى تبان وقميص قال واحسبه فى تبان ورداء والله اعلم قال البغوي قال الكلبي كانت بنو عامر لا يأكلون فى ايام حجهم من الطعام الا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون نحن أحق ان نفعل ذلك يا رسول الله فانزل الله تعالى وَكُلُوا يعنى اللحم والدسم وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا بتحريم ما أحل الله لكم من اللحم والدسم وزينة اللباس وغير ذلك إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الذين
قُلْ يا محمد إنكارا عليهم مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ اى الثياب وسائر ما يتجمل به الَّتِي أَخْرَجَ أصولها كالقطن والكتان من الأرض والصوف من ظهر الغنم والقز من الدود لِعِبادِهِ اى لاجل انتفاعهم وتزينهم وتجملهم وَاخرج الطَّيِّباتِ اى المستلذات مِنَ الرِّزْقِ من المآكل والمشارب يعنى لم يحرمها الذي هو خالقها ومالكها ولا يقدر أحد غيره على التحريم والتحليل فما لهولاء الكفار يحرمون الثياب فى الطواف واللحم والدسم فى الحج والسوائب ونحو ذلك وبهذه الاية يثبت ان الأصل فى المطاعم والمشارب والملابس الحل ما لم يثبت تحريمها من الله تعالى قُلْ يا محمد هِيَ اى الزينة والطيبات كائنة مخلوقة لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا حتى يتمتعون بها ويشكرون الله تعالى عليها ويتقوون بها على عبادته وليست للكفار الا تبعا للمؤمنين شاركهم الله تعالى فيها ابتلاء واستدراجا خالِصَةً قرا نافع بالرفع على انه خبر بعد خبر لهى والباقون بالنصب على
(٢) وعن عمر بن الخطاب قال إياكم والبطنة فى الطعام والشراب فانها مفسدة للجسد مورثة للقسم مكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصر فيهما فانه أصلح للحمد وابعد من السرف وان الله ليبغض الجسد السمين وان الرجل لن يهلك حتى يوثر شهوته على دينه ١٢
قُلْ يا محمد إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الْفَواحِشَ اى ما تزايد قبحه ما ظَهَرَ مِنْها كطواف الرجل بالنهار عريانا وَما بَطَنَ كطواف النساء بالليل عريانا وقيل الزنا سرا وعلانية عن ابن مسعود يرفعه قال لا أحدا غير من الله فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب اليه المدحة من الله فلذلك مدح نفسه وَالْإِثْمَ اى ما يوجب الإثم يعنى الذنب والمعصية تعميم بعد تخصيص وقال الضحاك الإثم الذنب الذي لا حدّ فيه وقال الحسن الإثم الخمر قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلى | كذلك الإثم يذهب بالعقول |
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ يعنى لكل امة من الكفار مدة ووقت معين فى علم الله تعالى لنزول العذاب بهم وعيد لاهل مكة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ اى حان وقت عذابهم لا يَسْتَأْخِرُونَ عنه ساعَةً اى لا يتاخرون اقصر وقت وان طلبوا الامهال وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ولا يتقدمون ذلك وان سألوا العذاب لقولهم اللهمّ ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم «١»
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا منكم وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اى عن الايمان بها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ادخل الفاء فى الجزاء الاول دون الثاني للمبالغة فى الوعد والمسامحة فى الوعيد.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً اى جعل له شريكا او قال اتخذ الله صاحبة وولدا او قال الله أمرنا بتحريم السوائب والطواف عريانا ونحو ذلك واللفظ يشتمل الروافض الذين يفترون على الله وعلى رسوله ويقولون انزل الله فى القران آيات كثيرة القاها الصحابة من القران أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ المنزلة والترديد لمنع الخلو أُولئِكَ يَنالُهُمْ فى الدنيا نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ اى حقهم مما كتب لهم فى صحف الملئكة الموكل بهم من الأرزاق والتمتعات والأعمال والاكساب والمصائب والآجال وقيل الكتاب اللوح المحفوظ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يعنى ملك الموت وأعوانه يَتَوَفَّوْنَهُمْ يقبضون أرواحهم قالُوا جواب إذا يعنى قالت الرسل للكفار أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما موصولة وصلت باين الاستفهامية فى خط المصحف وكان حقها الفصل والاستفهام للتوبيخ يعنى اين الذين كنتم تعبدونها من دون الله من الأصنام وغيرها قالُوا اى الكفار ضَلُّوا اى غابوا عَنَّا وَشَهِدُوا يعنى الكفار اعترفوا عند معاينة العذاب عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ قالَ الله تعالى يوم القيمة او ملك الموت حين التوفى.
ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ اى كائنين فى جملة امم قَدْ خَلَتْ مضت مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى الكفار الأمم الماضية من الفريقين فِي النَّارِ متعلق بادخلوا كُلَّما دَخَلَتْ النار أُمَّةٌ كافرة من الأمم لَعَنَتْ أُخْتَها فى الدين التي ضلت هذه الامة باقتدائها فيلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى ويلعن الاتباع القادة حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا اى تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا فِيها اى فى النار
وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ عطفوا كلامهم على جواب الله تعالى لاخريهم ورتبوا عليه فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ يعنى فقد ثبت بقول الله تعالى ان لا فضل لكم علينا وانه كل متساوون فى استحقاق العذاب فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ يحتمل ان يكون من قول القادة او من قول الله تعالى للفريقين.
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اى عن الايمان بها لا تُفَتَّحُ قرأ ابو عمرو بالتاء لتانيث الفاعل لكونه جمعا بالتخفيف من المجرد وحمزة والكسائي بالياء لان الفاعل مؤنث غير حقيقى ومفعول من المجرد ايضا والباقون بالتاء كابى عمرو والتشديد من التفعيل لكثرة الأبواب لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ لاوعيتهم ولا لاعمالهم ولا لارواحهم وقال ابن عباس لارواحهم لانها خبيثة لا يصعد بها بل يهوى بها الى سجين عن البراء بن عازب فى حديث طويل رواه مالك والنسائي والبيهقي فى البعث والنشور قوله صلى الله عليه واله وسلم فى ذكر العبد الكافران الملئكة سود الوجوه إذا قبضت نفسه جعلوها فى المسوح ويخرج منها كنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملئكة الا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها فى الدنيا حتى ينتهى بها الى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مبتدأ ولما كان الجمع المحلى باللام من صيغ العموم موهما لاختصاص الوعد بمن عمل جميع الصالحات أورد معترضا بين المبتدأ والخبر لدفع ذلك التوهم قوله لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى بقدر طاقتها بحيث لا تحرج ولا يشق عليها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خبر للمبتدأ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَنَزَعْنا اى أخرجنا صيغة ماض وضع موضع مستقبل تحقيقا لوقوعه ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ اى حسد وعداوة كانت بينهم فى الدنيا حتى لا يكون بينهم الا التواد لا يحسد بعضهم على بعض على شىء خص الله به بعضهم اخرج سعيد بن منصور وابو نعيم فى الفتن وابن ابى شيبة والطبراني وابن مردوية عن على رضى الله عنه انه قال انى أرجو أن أكون انا وعثمان وطلحة والزبير منهم قلت قال ذلك على رضى الله عنه لما وقع بينهم فساد ظن فى فتنة شهادة عثمان رضى الله عنه اخرج البخاري والإسماعيليّ فى مستخرجه واللفظ له عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه واله وسلم فى قوله تعالى ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين قال يخلص المؤمنون من النار فيحسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا وقفوا اذن لهم فى دخول الجنة فو الذي نفس محمد بيده لاحدهم اهدى بمنزله فى الجنة منه بمنزله فى الدنيا قال قتادة راوى الحديث كان يقال ما يشبه بهم الا اهل الجمعة
والتأذين بمعنى القول وجاز ان يكون مخففة أُورِثْتُمُوها أعطيتموها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بسبب أعمالكم الجملة حال من الجنة والعامل فيه معنى الاشارة او خبر والجنة صفة تلكم قال صاحب المدارك سماها ميراثا لانها لا تستحق بالعمل بل هى محض فضل الله تعالى وعده على الطاعات كالميراث من الميت ليس بعوض عن شىء بل هو صلة خالصة اخرج مسلم عن ابى سعيد الخدري وابى هريرة رضى الله عنهما عن النبي ﷺ قال ينادى مناد ان لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا ولكم ان تحيوا فلا تموتوا ابدا وان لكم ان تشبوا فلا تهرموا ابدا وان لكم ان تنعّموا فلا تباسوا «١» ابدا فذلك قوله تعالى ونودوا ان تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون واخرج ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما منكم من أحد الا له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات فدخل النار ورث اهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك الوارثون.
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا من الثواب حَقًّا متحققا فى الواقع حال فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ من العذاب حَقًّا قالوا ذلك تبجحا بحالهم وشماتة باصحاب النار تقديره وعدكم حذف كم لدلالة وعدنا ربنا عليه او يقال لم يقل وعدكم كما قال وعدنا لان ما ساهم من الموعود لم يكن بامره وعده مخصوصا بهم كالبعث والحساب ونعيم الجنة قالُوا نَعَمْ قرأ الكسائي بكسر العين حيث وقع والباقون بفتحها وهما لغتان فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ اى نادى مناد قيل هو صاحب الصور بَيْنَهُمْ اى بين الفريقين بحيث اسمع الفريقين أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ قرأ البزي عن ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد انّ ونصب اللعنة والباقون بتخفيفها والرفع عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ اى يمتنعون او يمنعون الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى دينه صفة للظلمين مقررة او ذم مرفوع او منصوب وَيَبْغُونَها عِوَجاً زيعا وميلا عما هو عليه مفعول ثان ليبغون اى يطلبون لها الاعوجاج والتناقض قال ابن عباس يصلون لغير الله ويعظمون ما لم يعظمه الله قلت تقديره الذين كانوا يصدون عن
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ اى أبصار اصحاب الأعراف فيه اشارة الى ان صارفا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيدوا تِلْقاءَ ظرف اى الى جانب أَصْحابِ النَّارِ ورأوا ما هم فيه من العذاب تعوذوا بالله وفرعوا الى رحمته قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعنى لا تجعلنا فى النار مع الكافرين سياق الاية تدل على ان اصحاب الأعراف فى خوف ورجاء وذلك مقتضى استواء حسناتهم ولا يتصور ذلك فى الأنبياء والشهداء والصلحاء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا كانوا عظماء فى الدنيا من الكفار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا اى اصحاب الأعراف بيان لنادى ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ اى كثرتكم واعوانكم وأولادكم وجمعكم المال وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ عن الحق او على الخلق قال الكلبي ينادون على السوريا وليد بن مغيرة يا أبا جهل بن هشام يا فلان ثم ينظرون الى الجنة فيرون فيها الفقراء والضعفاء ممن كانوا يستهزءون بهم مثل سلمان وصهيب وخباب وبلال وأشباههم فيقول اصحاب الأعراف لهؤلاء الكفار.
أَهؤُلاءِ يعنى هؤلاء الضعفاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ وحلفتم لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ اى حلفتم انهم لا يدخلون الجنة ثم يقال لاهل الأعراف ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ قلت وجاز ان يكون هذا من تتمة كلام اصحاب الأعراف يعنى هؤلاء الضعفاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة وقد قيل لهم ادخلوا الجنة الاية قال البغوي وفيه قول اخر وهو ان اصحاب الأعراف إذا قالوا لاهل النار قالوا قال لهم اهل النار ان دخل أولئك الجنة فانتم لم تدخلوها فيعيرونهم ويقسمون انهم يدخلون النار فيقول الملئكة الذين حبسوا اصحاب الأعراف على الصراط لاهل النار أهؤلاء يعنى اصحاب الأعراف الذي أقسمتم يا اهل النار انه لا ينالهم رحمة الله ثم قالت الملئكة لاصحاب الأعراف ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون فيدخلون الجنة قال البغوي قال عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما انه لما صار اصحاب الأعراف الى الجنة طمع اهل النار فى الفرج وقالوا يا رب
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ بأسمائهم واخبروهم بقراباتهم أَنْ أَفِيضُوا اى صبوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من سائر الاشربة ليلا يم الاضافة او من طعام الجنة فهو من قبيل علفتها تبنا وماء باردا قالُوا يعنى اصحاب الجنة إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما اى الماء والطعام عَلَى الْكافِرِينَ قال البيضاوي معناه منعهما عنهم منع المحرم على المكلف وقال فى المدارك هو تحريم منع كما فى قوله وحرمنا عليه المراضع قلت ومنه قوله تعالى حرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون واخرج ابن ابى الدنيا والضيا كلاهما فى صفة النار عن زيد بن رفيع ان اهل النار إذا دخلوا النار عكوا الدموع زمانا ثم بكوا الفيح زمانا فيقول لهم الخزنة يا معشر الأشقياء تركتم البكاء فى الدنيا هل تجدون اليوم من تستغيثون به فيعرفون به أصواتهم يا اهل الجنة يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشا وكنا طول الموقف عطاشا ونحن اليوم عطاش فافيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله فيدعون أربعين لا يجيبهم ثم يجيبهم أنتم ماكثون فيئسون من كل خير واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس رضى الله عنهما فى هذه الاية قال ينادى الرجل أخاه فيقول يا أخي أغثني فانى قد أحرقت فيقول ان الله حرمهما على الكفرين.
الَّذِينَ اتَّخَذُوا مجرور وصفا للكافرين او مرفوع او منصوب على الذم دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً بتحريم البحيرة وأخواتها والمكاء والتصدية حول البيت والطواف عريانا وأكل الميتة والاستسقام بالأزلام وغير ذلك من الأمور التي كانوا يفعلونها فى الجاهلية وقيل معناه اتخذوا عيدهم لهوا ولعبا قال البيضاوي اللهو صرف الهم بما لا يحسن ان يصرف به واللعب طلب الفرح بما لا يحسن ان يطلب به وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ونسوا الاخرة وزعموا ان لا حيوة الا الحيوة الدنيا ولا الخير ولا الشر الا فيها فَالْيَوْمَ يوم القيامة نَنْساهُمْ نتركهم ترك الناسي فى النار كَما نَسُوا اى نسيانا كنسيانهم لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا حتى تركوا العمل بما ينفعهم يومهم هذا وَما كانُوا وكما كانوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ يعنى ككونهم جاحدين باياتنا منكرين انها من عند الله.
وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ يعنى القران فَصَّلْناهُ بينا معانيه وميزنا حلاله وحرامه ومواعظه وقصصه وأوضحنا العقائد الحقة من الباطلة عَلى عِلْمٍ
هَلْ يَنْظُرُونَ اى هل ينتظرون فى الايمان بالقران إِلَّا تَأْوِيلَهُ يعنى الا ما يؤل اليه امره من تبين صدقة وظهور ما ينطق به من الوعد والوعيد قال مجاهد جزاءه يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ اى جزاءه وما يؤل اليه أمرهم وذلك يوم موتهم او يوم القيامة يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ اى تركوه ترك الناسي ولم يؤمنوا به قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ قد تبين لهم انهم جاؤا بالحق فاعترفوا حين لا ينفعهم الاعتراف فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ عطف على جملة قبلها داخلة معها فى حكم الاستفهام كانه قيل فهل لنا من شفعاء او هل نرد ورافعه وقوعه موقعا يصلح للاسم كقولك ابتداء هل يضرب زيدا وعطف على تقدير هل يعنى هل يشفع لنا شافع او هل نرد الى الدنيا فَنَعْمَلَ جواب للاستفهام الثاني غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ نوحد الله ونترك الشرك والمعاصي قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بصرف أعمارهم فى الكفر وَضَلَّ وبطل واضمحل عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ان الله تعالى أمرهم به او فى ادعاء الشريك.
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اى مقدار ستة ايام من ايام الدنيا وقيل ستة ايام كايام الاخرة كل يوم الف سنة قال سعيد بن جبير كان الله عز وجل قادرا على خلق السموات والأرض فى لمحة ولحظة فخلقهن فى ستة ايام تعليما لخلقه التثبت والتأني فى الأمور وقد جاء فى الحديث التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان رواه البيهقي فى شعب الايمان مرفوعا عن انس ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قال البغوي اولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء واما اهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف يجب على الرجل الايمان به ويكل العلم فيه الى الله عز وجل سأل رجل مالك بن انس عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى كيف استوى فاطرق راسه مليا ثم قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك الا ضالا ثم امر به فاخرج وروى عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعيد وسفيان بن عيينة وعبد الله وغيرهم من علماء اهل السنة فى هذه الآيات التي جاءت فى الصفات المتشابهة أمروها كما جاءت بلا كيف والعرش فى اللغة سرير الملك وهو جسم عظيم من عظائم المخلوقات كريم على الله
ادْعُوا رَبَّكُمْ يعنى اذكروه واعبدوه واسألوا منه حوائجكم تَضَرُّعاً حال من فاعل ادعوا اى ذوى تضرع او متضرعين تفعل من الضرع من ضرع الرجل ضراعة ضعف وذل فهو ضارع وضرع وتضرع
عليه واله وسلم ان لله ملئكة يطوفون فى الطرق يلتمسون اهل الذكر فاذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا الى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم الى سماء الدنيا قال فيسئلهم ربهم وهو اعلم بهم ما يقولون عبادى قال يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول هل رأونى قال فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول كيف لو رأونى قال فيقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا واكثر لك تسبيحا قال فيقول فما يسئلون قالوا يسئلونك الجنة قال فيقول وهل رأوها قال فيقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو انهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال فيقول فهل راوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فاشهدوا انى قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملئكة فيهم فلان ليس بينهم انما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى جليسهم رواه البخاري ومسلم نحوه وثالثها الذكر بالقلب والروح والنفس وغيرها الذي لا مدخل فيه للسان وهو الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة اخرج ابو يعلى عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لفضل الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة سبعون ضعفا إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق لحسابهم وجاءت
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي والبغي والدعاء الى غير طاعة الله بَعْدَ إِصْلاحِها اى إصلاح الله سبحانه إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء الى طاعة الله عز وجل وبالنهى عن الاعتداء فى الدعاء قال البغوي هذا معنى قول الحسن والسدى والضحاك والكلبي وقال عطية لا تعصوا فى الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم فعلى هذا معنى قوله تعالى بعد إصلاح الله تعالى إياها بالمطر والخصب وَادْعُوهُ خَوْفاً اى خائفين من رد الدعاء لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم وَطَمَعاً اى طامعين فى الاجابة تفضلا وإحسانا لفرط رحمة إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ
ترجيح للطمع وتنبيه على ما يتوسل به الى الاجابة واشارة الى ان رد الدعاء من الكريم الجواد ليس الا لشوم أعمالكم وترك إحسانكم ذكر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمديده الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فانّى يستجاب لذلك رواه مسلم والترمذي من حديث ابى هريرة وروى مسلم والترمذي عن ابى هريرة عنه صلى الله عليه واله وسلم قال لا يزال يستجاب العبد ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم وما لم يستعجل قيل يا رسول الله وما الاستعجال قال يقول فلم أر تستجاب لى فيستحسر عند ذلك ويدع عند ذلك وروى احمد عن عبد الله بن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال القلوب اوعية وبعضها اوعى من بعض فاذا سألتم الله عز وجل ايها الناس فاسئلوه وأنتم موقنون بالاجابة فان الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل وعند الترمذي من حديث ابى هريرة نحوه فان قيل قد ذكرت انه لا يجوز لقائل ان يقول يستجاب دعاى البتة وقد ورد فى الحديث فاسئلوه وأنتم موقنون بالاجابة فكيف التوفيق قلت معنى أنتم موقنون فى الاجابة ان الله تعالى جواد كريم لا يتصور منه البخل وليس عدم الاجابة الا لاجل غفلتكم ومعصيتكم فالطمع فى الاجابة واليقين بها نظرا الى رحمته وجوده تعالى وعدم التيقن بالاجابة وخوف الرد لاجل شوم أنفسنا فلا منافاة وتذكير قريب لان الرحمة بمعنى الرحم الثواب فيرجع النعت الى المعنى او لانه صفة محذوف اى امر قريب او للاضافة الى المذكّر او على التشبيه بالفعيل الذي هو المصدر كالنقيض او للفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره قال ابو عمرو بن العلا القريب يكون بمعنى القريب من حيث النسب ومن حيث المسافة فيقول العرب هذه امرأة قريبة منك إذا كانت بمعنى القرابة وقريب منك إذا كان بمعنى المسافة.
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح على الوحدة والباقون على الجمع بُشْراً قرأ عاصم بالباء التحتانية الموحدة المضمومة واسكان الشين حيث وقع وهو تخفيف بشر بضم الشين جمع بشير يعنى انها تبشر بالمطر قال الله تعالى الرياح مبشرات وقرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بالنون مضمومة وضم الشين جمع نشور حيث وقع بمعنى ناشر قال الله تعالى والناشرات نشرا.................
..................................... وقرأ حمزة والكسائي بالنون مفتوحة واسكان الشين حيث وقع على انه مصدر فى موضع الحال بمعنى ناشر او مفعول مطلق فان
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يعنى الأرض الكريمة التربة يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ بمشيته وتيسيره وهو فى موضع الحال عبر به عن كثرة نباته وحسنه وجلالة نفعه كما يدل عليه ما يقابله فكانه قال يخرج نباته حسنا وافيا بإذن ربه وَالبلد الَّذِي خَبُثَ يعنى الأرض الخبيثة السبخة والحرة او نحو ذلك لا يَخْرُجُ نباته فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه فصار مرفوعا مستترا إِلَّا نَكِداً الا قليلا لا منفعة فيه فى القاموس النكد بالضم قلة العطاء وبفتح وعطاء منكود قليل يقال نكد عيشهم كفرح اشتد وعسر والبير قل ماءها ونكد زيد حاجة عمرو منعه إياه وفلانا منعه ما ساله او لم يعطه الا اقله ورجل نكد شوم عسر كَذلِكَ اى تصريفا مثل ذلك التصريف نُصَرِّفُ الْآياتِ نرددها ونكررها لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله وهم المؤمنون لما كانت الآيات السابقة لبيان كمال قدرته تعالى على ما أراد وعموم فيضه ورحمته عقبها بهذه الاية لبيان تفاوت الاستعدادات فى قبول الفيض من المبدأ الفياض ليظهر ان النقصان انما هو من جهة المتأثر كما ان نبات الأرض يتفاوت بتفاوت استعداد الأرض مع اتحاد فيضان المطر كذلك تصريف الآيات ونصب الدلايل وبعث الرسل وان كان رحمة للعالمين عامة لكن الانتفاع بها مختص بالمؤمنين الشاكرين فانهم لحسن استعداداتهم المستفادة من ظلال اسم الله الهادي يهتدون بها ويتفكرون فيها ويعتبرون بها روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها طايفة طيبة قبلت الماء فانبتت الكلاء والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طايفة اخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك راسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.
لَقَدْ أَرْسَلْنا جواب قسم محذوف اى والله لقد أرسلنا ولا تكاد تطلق هذا اللام الا مع قد لانها مظنة التوقع فان المخاطب إذا سمعها توقع وقوع ما صدر بها نُوحاً إِلى قَوْمِهِ وهو نوح بن لامك وقيل لمك بن متثولخ وامه عونة وقيل قينوس بنت براليك بن قشولخ وعند بعضهم متوشخ بن خنوخ وقيل أخنوخ وهو إدريس عليه السلام
قالَ الْمَلَأُ اى الاشراف فانهم يجتمعون على رأى فيملأون العيون رواء والنفوس جلالة مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ اى زوال عن الحق مُبِينٍ بين.
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ لم يقل ضلال حتى يكون ابلغ فى نفى الضلال عن نفسه اى ليس فى شىء من الضلال وبالغ فى النفي لما بالغوا فى الإثبات وعرض لهم به يعنى بل أنتم فى ضلال عن الحق وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ استدراك لتاكيد نفى الضلال لان كونه رسولا من الله مبلغا لرسالاته فى معنى كونه على أقصى الغايات من الهدى والصراط المستقيم.
أُبَلِّغُكُمْ قرأ ابو عمرو بالتخفيف من الإبلاغ والباقون بالتشديد من التبليغ حيث كان رِسالاتِ رَبِّي جمع الرسالات لاختلاف أوقاتها او لتنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والاحكام او لان المراد بها ما اوحى اليه والى الأنبياء كصحف شيث وإدريس عليهم السلام قوله أبلغكم كلام مستانف لبيان كونه رسولا من الله وَأَنْصَحُ لَكُمْ النصح تحرى قول او فعل فيه صلاح وخير لصاحبه قال البغوي ان يريد لغيره من الخير ما يريد لنفسه وهو متعدى بنفسه وباللام لكن فى زيادة اللام دلالة على إمحاض النصح لهم وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ اى ذاته وقدرته على الثواب والعذاب وهذه بطشة بحيث لا يطاق من أحد رده او من جهته بالوحى ما لا تَعْلَمُونَ اى أشياء لا علم لكم بها.
أَوَعَجِبْتُمْ الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف يعنى أكذبتمونى وعجبتم من أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ قال ابن عباس موعظة وقيل بيان وقيل رسالة عَلى رَجُلٍ اى منزلا على رجل مِنْكُمْ اى من جملتكم او من جنسكم فانهم كانوا يتعجبون من إرسال الله تعالى البشر ويقولون لو شاء الله لانزل ملئكة ما سمعنا بهذا فى ابائنا الأولين لِيُنْذِرَكُمْ اى ليخوفكم عاقبة الكفر والمعاصي وَلِتَتَّقُوا من عذاب الله الموعود على الكفر والمعاصي بسبب الانذار وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بالتقوى أورد حرف الترجي للدلالة على ان التقوى غير موجب للترحم بل الترحم من الله تفضل وان المتقى لا ينبغى ان يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب الله اخرج ابو نعيم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان الله تعالى اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا انا صب عند الحساب يوم القيامة أشاء ان أعذبه الا عذبته قل لاهل معصيتى من أمتك لا تلقوا بايديكم فانى اغفر الذنوب العظيمة و
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ يعنى نوحا من الطوفان وَالَّذِينَ مَعَهُ وهم أربعون رجلا وأربعون امرأة وقيل ثمانية وقيل عشرة وقيل اثنان وسبعون وقيل ثلثة بنيه سام وحام ويافث وثلث أزواجهم وقيل ثلثة ابنائه وستة من أمن به فِي الْفُلْكِ متعلق بمعه او بانجينا او حال من الموصول او الضمير فى معه وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بالطوفان إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ اى كفارا عميت قلوبهم عن معرفة الله وعن ادراك الحق حقا والباطل باطلا أصله عميين فخفف.
وَإِلى عادٍ قبيلة وهم عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وهو عاد الاولى أَخاهُمْ فى النسب لا فى الدين عطف على نوحا الى قومه هُوداً عطف بيان لاخاهم وهو هود بن عبد الله بن رياح بن الخلود بن عاد بن عوص المذكور وقال ابن اسحق هو ابن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح قال الشيخ ابو بكر فى شرح خلاصة السير أن هودا عليه السلام اسمه عابر بفتح الباء الموحدة وقيل بكسرها على وزن ناصر وقيل عيبر بالعين المفتوحة والياء التحتانية المثناة الساكنة والباء الموحدة المفتوحة وقيل بالغين المعجمة بدل المهملة ابن شالخ بن قينان بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام كذا فى جميع التواريخ والأنساب الا ما شذ عن بعض ان هودا هو هود بن خالد بن الخلود بن العيص بن العمليق بن عاد بن عوض بن ارم بن سام والله اعلم وأم هود مكعبة بنت عويلم بن سام بن نوح وكان نور النبي صلى الله عليه واله وسلم ساطعا فى جبين هود فلما رأوا ذلك النور فى جبينه قالوا ان هذا رجل تعبد الله تعالى وحده وتكسر الأصنام وعظموه ولم يكن بعده نبى مائة سنة الى زمان صالح عليه السلام وكان ذلك الزمان ملوك وأقوام يعبدون الأصنام وبعضهم يعبدون الشمس وآخرون يعبدون النار الى ان بعث الله صالحا عليه السلام الى ثمود وكان هود على شريعة نوح عليهما السلام وبلغ من العمر اربعمائة سنة وقيل اربعمائة وستين سنة وفى التاريخ الشامي انه قال ابن حبيب انه عاش مائة وأربعا وثلثين سنة وقال ابن الكلبي اربعمائة وثلثا وستين وامه مرجانة وكانت من الطاهرات وقبره بحضرموت وقيل بمكة انتهى كلام الشيخ ابى بكر قال البغوي روى عن على ان قبر هود بحضرموت فى كثيب احمر وقال عبد الرحمن بن سابط بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا وان قبر هود وصالح وشعيب فى تلك البقعة ويروى ان نبيّا من الأنبياء إذا هلك قومه جاء هو والصالحون معه الى مكة يعبدون الله فيها حتى يموتوا والمراد بالأخ على ما ذكر ابن اسحق فى نسب هود وذكر الشيخ ابو بكر واحدا من جنسهم وانما جعل منهم لانهم افهم لقوله واعرف بحاله
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ وصف الملأ بالذين كفروا للتقييد فان من اشراف قوم هود من أمن به منهم مرتد بن سعد ولم يكن فى اشراف قوم نوح مؤمن إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ اى خفة عقل حيث نهجر دين قومك وتدعى امرا مستحيلا يعنى رسالة الله تعالى جعلت السفاهة ظرفا مجازا يعنى انك متمكن فيها غير منفك عنها وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ فى ادعائك الرسالة.
قالَ هود يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ فيما أدعوكم اليه أَمِينٌ على الرسالة ذكر هاهنا صيغة اسم الفاعل لقولهم انا لنظنك من الكاذبين ليقابل الاسمية الاسمية قال الكلبي معناه كنت فيكم قبل اليوم أمينا فلا وجه لكم لسوء الظن فىّ بالكذب وفى اجابة الأنبياء الكفرة عن كلماتهم المسبّة بالحلم وحسن الأدب والاعراض عن مقابلتهم بمثل ما قالوا مع علمهم بان خصومهم أضل الناس وأسفهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة وجذب القلوب الى الهداية واخبار الله تعالى ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء أكذبتمونى.
وَعَجِبْتُمْ من أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ إهلاك قَوْمِ نُوحٍ فى الأرض وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً اى طولا وقوة قال الكلبي والسدى كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة القصير منهم سبعون ذراعا وقال ابو حمزة اليماني سبعون ذراعا وعن ابن عباس ثمانون ذراعا وقال مقاتل كان طول كل رجل اثنا عشر ذراعا قال وهب كان راس أحدهم مثل القبة العظيمة وكان عين الرجل ليفرخ فيه الضباع وكذلك مناخرهم فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ اى نعمه واحدها الىّ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اى لكى يفضى بكم ذكر النعمة شكرها المودي الى الفلاح.
قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا من الأصنام ومعنى المجيء اما المجيء من مكان اعتزل من قومه او من السماء على التهكم او القصد على المجاز كقولهم ذهب يسبنى فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المدلول عليه فى قوله أفلا تتقون او يكون مذكورا صريحا فى كلامه عليه السلام إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيه.
قالَ هود قَدْ وَقَعَ
اى قد وجب او حق عليكم او نزل عليكم على ان المتوقع المعلوم كالواقع مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ اى عذاب مشتق من الارتجاس وهو الاضطراب وقيل السين مبدلة من الزاء وفى الصحاح رجس ورجز الصوت الشديد وَغَضَبٌ اى ارادة انتقام أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ اى أشياء مسميات سَمَّيْتُمُوها الهة يعنى الأصنام او يقال فى اسماء سميتموها لا حقيقة لها وليس تحتها مسميات كما تقول الفلاسفة بالعقول العشرة واهل الهند ديبى وبهواني ونحو ذلك يزعمون الأصنام حاكية عنها او يزعمونها حالة الأصنام أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ بدل من الضمير المرفوع فى سميتموها ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ من حجة وبرهان تدل على انها الهة او مستحقة للعبادة ومبنى هذا القول انهم كانوا يعتقدون لوجود الله سبحانه وكونه خالقا للسموات والأرض وكانوا يزعمون الأصنام شركاء لله فى الالوهية والخالقية او فى استحقاق العبادة لكونها شفعاء عند الله فقال نبى الله صلى الله عليه واله وسلم هذا الذي تزعمون امر لا دليل عليه انما هو من مخترعاتكم او مخترعات ابائكم الجهال فَانْتَظِرُوا نزول العذاب الذي وعدتكم وتطلبونه إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ كذلك.
فَأَنْجَيْناهُ يعنى هودا من العذاب الذي نزل بقومه وَالَّذِينَ مَعَهُ فى الدين يعنى المؤمنين به بِرَحْمَةٍ مِنَّا عليهم وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدابر الأصل او الكائن خلف الشيء وقطع الدابر عبادة عن الاستيصال وإهلاك كلهم بحيث لا يبقى منهم أحد وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ تعريض بمن أمن منهم وتنبيه على ان الفارق بين من نجا ومن هلك هو الايمان وقصة عاد على ما ذكر محمد ابن اسحق وغيرهم انهم كانوا ينزلون اليمن وكانت مساكنهم بالأحقاف وهى رمال بين عمان وحضرموت وكانوا قد أفسدوا فى الأرض كلها وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي أتاهم الله عز وجل وكانوا اصحاب أوثان يعبدونها يقال لها صدا وسمود والهبا فبعث الله تعالى إليهم هودا عليه السلام نبيا وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا فامرهم ان يوحدوا الله ويكفوا عن ظلم الناس ولم يأمرهم بغير ذلك فكذبوه وقالوا من أشد منا قوة بنوا المصانع وبطشوا بطشة الجبارين فلما فعلوا ذلك امسك الله عنهم المطر ثلث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس فى ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء وطلبوا منه الفرج انابوا الى الله عز وجل عند بيته الحرام بمكة مسلمهم ومشركهم فيجتمع بمكة ناس كثير مختلفة الأديان كلهم معظمين لمكة واهل مكة يومئذ العماليق أبناء عمليق بن لاود بن سام بن نوح وكان
الا يا قيل ويحك قم فهينم | لعل الله يسقينا غماما |
فيسقى ارض عاد ان عادا | قد امسوا ما يبيتون الكلاما |
من العطش الشديد فليس نرجوا | به الشيخ الكبير ولا الغلاما |
وقد كانت نسائهم بخير | فقد امست نسائهم غياما «٣» |
وان الوحش يأتيهم جهارا | ولا يخشى لعادى سهاما |
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم | نهاركم وليلكم التماما |
فقبح وفدكم من وفد قوم | ولا لقوا التحية والسلاما |
(٢) القينة المغنية ١٢
(٣) الغيمة شدة العطش نهاية ١٢
عصت عاد رسولهم فامسوا | عطاشا ما يبلهم السماء |
لهم صنم يقال له صمود | يقابله صداء والهباء |
فبصرنا الرسول سبيل رشد | فابصرنا الهدى وحلى العماء |
وان اله هود هو الهى | على الله التوكل والرجاء |
(٢) الظعينة الراحلة التي ترحل ويقال للهودج وللمرأة ١٢
وَإِلى ثَمُودَ قبيلة اخرى من العرب أبناء ثمود بن عاثر بن ارم بن سام قال ابو عمرو بن العلا سميت ثمود نقلة مائها وثمد الماء القليل وكان مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام الى واد القرى أَخاهُمْ فى النسب لا فى الدين صالِحاً عليه السلام عطف بيان وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماسح وقيل بن رباح بن عبيد بن حاذر بن ثمود قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ حجة ظاهرة الدلالة على صدقى لكونها معجزة مِنْ رَبِّكُمْ كانه قيل ما تلك البينة فقال استينافا هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ أضافها اليه تعالى لتعظيمها ولانها جاءت فى الوجود من الله تعالى بلا وسائط الأسباب المعهودة ولذلك كانت اية مبتدأ او خبر وجاز ان يكون ناقة الله بدلا او عطف بيان والخبر لَكُمْ آيَةً نصب على الحال والعامل فيها
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ اسكنكم الله تعالى فِي الْأَرْضِ ارض حجر تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها اى تبنون فى سهول الأرض او سهولة الأرض بما تعملون منها كاللبن والاجر قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ اى تثقبون فى الجبال وتجعلونها بُيُوتاً كانوا يسكنون فى الصيف فى بيوت الطين وفى الشتاء فى بيوت الجبال المنقورة فانتصاب بيوتا على المفعولية لتضمين تنحتون معنى تجعلون وجاز ان يكون منصوبا على الحال المقدرة كما فى قوله خطت هذا الثوب قميصا فان الجبل لا يكون بيتا حال التحت ولا الثوب قميصا حال الخياطة فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا العثو أشد الفساد فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قالَ الْمَلَأُ قرأ ابن عامر وقال الملأ بالواو والباقون بلا واو.
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ يعنى الاشراف والقادة الذين يتعظمون عن الايمان بصالح عليه السلام لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا يعنى الاتباع الذين استضعفوهم لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من الذين استضعفوا بدل الكل ان كان الضمير لقومه وبدل البعض ان كان للذين أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالوه استهزاء قالُوا يعنى المؤمنين المستضعفين إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ عدلوا عن قولهم نعم للاشعار بان كونه مرسلا ليس مما يشك فيه عاقل او يخفى على ذى راى.
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ على المقابلة ووضعوا أمنتم به موضع أرسل به ردا لما جعلوا معلوما مسلّما.
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ اى نحروها قال الأزهري العقر هو قطع عرقوب «٢» البعير ثم جعل النحر عقرا لان الناد من البعير يعقر ثم ينحر وفى القاموس العقر الجرح واثر فى قوائم الفرس والإبل وفى الصحاح عقر الدار والحوض أصلها ومنه عقرت النخل قطعته من أصلها وعقرت البعير نحرته أسند العقر الى جميعهم وان كان العاقر قذار بن سالف لانه كان برضاهم وقد كان قذار احمر ازرق قصيرا كما كان
(٢) هو الوتر الذي خلف الكعبين من مفصل القدم والساق من ذوات الأربع وهى من الإنسان موضع العقب ١٢
فَتَوَلَّى اى اعرض عَنْهُمْ صالح وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ فان قيل كيف خاطبهم بقوله أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم بعد ما اهلكوا بالرجفة قيل كما خاطب النبي صلى الله عليه واله وسلم قتلى بدر بعد ما القوا فى القليب روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى طلحة انه قال لما كان من يوم بدر الثالث امر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم براحلة فشد عليها رحلها ثم مشى ومعه أصحابه وقالوا ما نرى لينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على سفير القليب فجعل يناديهم يا أبا جهل بن هشام ويا امية بن خلف يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة أيسركم انكم أطعتم الله ورسوله هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدني ربى حقا بئس عشيرة التي كنتم لنبيكم كذبتمونى وصدقنى الناس وقاتلتمونى ونصرنى الناس فجزاكم الله عنى من إصابة شرا خوفتمونى أمينا وكذبتمونى صادقا فقال عمر يا رسول الله أتناديهم بعد ثلث كيف تكلم أجسادا لا روح فيها فقال ما أنتم باسمع لما أقول منهم انهم الان يسمعون ما أقول لهم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا علينا شيئا وقيل خاطبهم ليكون عبرة لمن خلفهم وقيل فى الاية تقديم وتأخير تقديرها فتولى عنهم فقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى الاية فاخذتهم الرجفة وكان قصة ثمود على ما ذكره محمد بن إسحاق ووهب وغيرهما كذا اخرج ابن جرير والحاكم من طريق حجاج عن ابى بكر بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان عادا لما أهلكت عمّرت ثمود
(٢) فتمخضت يعنى أخذها المخاض هو الطلق عند الولادة ١٢
(٣) تتفجح اى تتباعد فخذيها الفجح تباعد ما بين الفخذين ١٢
وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم وأيقنوا بالعذاب وعرفوا ان قد صدقهم فطلبوا ليقتلوه وخرج صالح هاربا منهم حتى جاء الى بطن من ثمود يقال لهم بنو غنم فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له نفيل ويكنى بابى هدب وهو مشرك فغيّبه ولم يقدروا عليه فغدوا على اصحاب صالح يعذبونهم ليدلوهم عليه فقال رجل من اصحاب صالح يقال له ميدع بن هرم يا نبى الله انهم ليعذبوننا لندلهم عليك أفندلهم قال نعم قل عندى صالح وليس لكم عليه سبيل فاعرضوا عنه وتركوه وشغله عنه ما انزل الله بهم من عذابه فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون فى وجوههم فلما امسوا صاحوا بأجمعهم الا وقد مضى من الاجل يوم فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كانما خضبت بالدماء فصاحوا وبكوا
من البير التي كانت تردها الناقة قال وروى ابو الزبير عن جابر قال لما مر النبي صلى الله عليه واله وسلم بالحجر فى غزوة تبوك قال لاصحابه لا يدخلن أحد منكم هذه القرية ولا تشربوا من مائهم ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين الا ان تكونوا باكين خائفين ان يصيبكم مثل الذي أصابهم ثم قال اما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم فبعث الله الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج وتشرب مائهم يوم وردها فعتوا عن امر ربهم فعقروها فاهلك الله سبحانه من تحت أديم السماء من مشارق الأرض ومغاربها الا رجلا واحدا يقال له ابو رغال وهو ابو ثقيف كان فى حرم الله فمنعه الحرام من عذاب الله فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ودفن معه غصن من ذهب وأراهم قبر ابى رغال فنزل القوم فابتدروا بأسيافهم وحفروا عنه فاستخرجوا ذلك الغصن وكانت الفرقة المؤمنة من قوم صالح اربعة آلاف خرج بهم صالح الى حضرموت فلما دخلها مات صالح فسمى حضرموت ثم بنى الاربعة آلاف مدينة يقال له حاصورا وقال قوم من اهل العلم توفى صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة واقام فى قومه عشرين سنة.
وَلُوطاً يعنى وأرسلنا لوطا وهو لوط بن هار من بن تارخ ابن أخي ابراهيم عليه السلام إِذْ قالَ اى وقت قوله لِقَوْمِهِ وهم اهل سدوم وقيل معناه واذكر لوطا وعلى هذا إذ بدل منه أَتَأْتُونَ انكار وتوبيخ وتفريع الْفاحِشَةَ يعنى إتيان الرجال فى ادبارهم ما سَبَقَكُمْ بِها بتلك الفعلة الباء للتعدية مِنْ أَحَدٍ من زائدة
اانكم قرأ نافع وحفص بهمزة واحدة مكسورة على الخبر على الاستيناف والباقون بهمزتين على الاستفهام بيان لقوله أتأنون الفاحشة وهو ابلغ فى الإنكار والتوبيخ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ أتجامعونهم فى ادبارهم يقال اتى المرأة إذا غشيها شَهْوَةً منصوب على العلية اى للشهوة لا حامل لكم على ذلك الا لمجرد الشهوة من غير حكمة او مصدر فى موقع الحال يعنى لشهوتهم شهوة ردية غير مفيدة مِنْ دُونِ النِّساءِ اى من غير النساء يعنى لا تأتونهن مع ما فيه من الحكمة من انتفاء الولد وبقاء النوع ولا ذم أعظم منه لانه وصف لهم بالبهيمة الصرفة قلت ومن هذه الاية ثبت حرمة إتيان النساء فى أدبارهن بدلالة النص لانه مثل إتيان الرجال خبيثة غير مفيد أصلا وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى الاية وهو قوله تعالى فاتوا حرثكم انى شئتم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عن الإنكار الى الاخبار عن حالهم الذي يوجب ارتكاب أمثال ذلك القبائح يعنى أنتم عادتكم الإسراف والتجاوز عن الحدود المعقولة والمشروعة فى الشيء حتى تجاوزتم فى النكاح عن المعتاد المفيد الى غير المعتاد الذي لا خير فيه أصلا او إضراب عن الإنكار فى ما ذكر الى الذم على جميع اوصافهم او عن محذوف تقديره لا عذر لكم بل أنتم قوم عادتكم الإسراف.
وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ اى ما جاءوا بما يصلح جوابا عن كلام إِلَّا أَنْ قالُوا استثناء منقطع يعنى لكنهم قابلوا النصيحة بقول بعضهم لبعض أَخْرِجُوهُمْ يعنى لوطا ومن معه من المؤمنين مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ من الفواحش قالوا ذلك استهزاء.
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ يعنى اتباعه من المؤمنين وقيل ابنتاه إِلَّا امْرَأَتَهُ واهله استثناء من الأهل فانها كانت منافقة تستر الكفر كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ اى من الذين بقوا فى ديارهم فهلكوا وقيل معناه كانت من الباقين فى العذاب وقيل معناه كانت من الباقين المعمرين قد اتى عليها دهر طويل قبل ذلك فهلكت مع من هلك من قوم لوط والتذكير لتغليب الذكور.
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ اى على قوم لوط مَطَراً اى نوعا من المطر عجيبا يعنى حجارة من سجيل مسومة قال وهب الكبريت والنار قال ابو عبيدة يقال فى العذاب
وَإِلى مَدْيَنَ يعنى وأرسلنا الى أولاد مدين بن ابراهيم خليل الرحمن قال البغوي هم اصحب الايكة أَخاهُمْ فى النسب شُعَيْباً قال عطاء هو شعيب بن توبة بن ابراهيم خليل الرحمن وقال ابن اسحق هو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين بن ابراهيم عليه السلام وله ميكيل بنت لوط عليه السلام وقيل هو شعيب ابن يثرون بن نوس بن مدين وكان شعيب عليه السلام أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكان قومه اهل كفر وبخس للمكيال والميزان اخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا ذكر شعيبا يقول ذلك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى معجزة كانت لشعيب عليه السلام ولم يذكر فى القران ما هى وقيل أراد بالبينة مجئ شعيب عليه السلام بالحكمة والموعظة وفصل الخطاب فَأَوْفُوا يعنى أتموا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ مصدر بمعنى الوزن كالميعاد بمعنى الوعد او المضاف محذوف يعنى وزن الميزان او المراد بالكيل فمعز الدولة الكيل على الإضمار او اطلق الكيل على المكيال كالعيش على المعاش وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ اى لا تنقصوهم حقوقهم البخس يتعدى الى مفعولين وهما الناس وأشياءهم يقال بخست زيدا حقه اى نقصته إياه وانما قال اشيائهم للتعميم تنبيها على انهم كانوا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير وقيل كانوا مكاسين
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ مع ما عطف عليه فى موضع الحال من فاعل تقعدوا وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن الايمان بالله مَنْ آمَنَ بِهِ اى بالله تعالى تنازع فيه الفعلان فى المفعولية توعدون وتصدون فاعمل الثاني ولذا لم يقل وتصدونهم وَتَبْغُونَها اى تطلبون سبيل الله عِوَجاً بإلقاء الشبه او وصفها للناس بانها معوجة وقيل معنى قوله تعالى لا تقعدوا بكل صراط اى بكل طريق من طرق الدين كالشيطان وسبيل الحق وان كان واحدا لكنه تنشعب الى معارف وحدود واحكام وكانوا إذا رأوا واحدا يسعى فى شىء منها وعدوه بالقتل والتعذيب وعلى هذا ففى قوله تعالى ويصدون عن سبيل الله وضع الظاهر موضع الضمير بيانا لكل صراط ودلالة على عظيم ماى صدون عنه وتقبيحا لما كانوا عليه وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا عددكم او عدكم فَكَثَّرَكُمْ الله بالبركة فى النسل والمال وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ من الأمم قبلكم قوم لوط وغيرهم فاعتبروا بهم.
وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا به فَاصْبِرُوا اى فتربصوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا بنصر المحقين على المبطلين فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لا معقب لحكمه.
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا اى والله ليكونن أحد الامرين اما إخراجكم من القرية او عودكم فى الكفر وشعيب لم تكن فى ملتهم قط لان الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر لكن غلبوا الجماعة الذين أمنوا معه عليه مخاطبة مع قومه
قَدِ افْتَرَيْنا اى اختلقنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بإثبات الشريك له تعالى إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها شرط حذف جوابه بدليل ما سبق وكلمة افترينا ماض بمعنى المستقبل جعل كانه الواقع للمبالغة وادخل عليه قد لتقربه من الحال اى قد افترينا الحال ان أردنا العود بعد ما أنقذنا الله تعالى منها وبيّن لنا ان ما كنا عليه كان باطلا وما صرنا عليه حق وقيل انه جواب قسم بحذف اللام تقديره والله لقد افترينا وَما يَكُونُ لَنا اى ما يثبت لنا ابدا أَنْ نَعُودَ فِيها بيان عزم على الاستقامة على الإسلام والاجتناب عن الكفر ولما كان فى الكلام شائبة تزكية النفس وعدم خوف ما يؤل اليه الأمر قال إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا خذلاننا وارتدادنا ويكون سبق فى مشيته ذلك وفيه دليل على ان الكفر بمشية الله وقيل أراد به حسم طمعهم فى العود بالتعليق بما لا يكون وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فهو يعلم ما يؤل اليه امر عباده من الايمان الى الكفر او من الكفر الى الايمان قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبيها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها متفق عليه من حديث ابن مسعود عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا فى ان يثبتنا على الايمان ويوفقنا لازدياد اليقين قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك رواه مسلم ثم دعا عليهم شعيب عليه السلام بعد ما ايس من فلاحهم فقال رَبَّنَا افْتَحْ اى احكم من الفتاحة بمعنى الحكم والفتاح القاضي يفتح الأمر المتعلق او المعنى اظهر الأمر حتى ينكشف الحق من المبطل من فتح المشكل إذا بينه بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ للسفلة لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً فى دينه وتركتم دينكم إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ لاستبدال ضلالته بهديكم او لفوات ما يحصل لكم المنفعة بالبخس والتطفيف وهو
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قال الكلبي الزلزلة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ اى مدينتهم جاثِمِينَ ميتين قال ابن عباس وغيره فتح الله عليهم بابا من جهنم فارسل عليهم حرا شديدا فاخذ بانفاسهم فلم ينفعهم ظل ولا ماء وكانوا يدخلون الأسراب ليتبرّدوا فيها فاذا دخلوها وجدوها أشد حرا من الظاهر فخرجوا هرابا الى البرية فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فاظلتهم وهى الظلة فوجدوا لها بردا ونسيما فنادى بعضهم بعضا حتى اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونسائهم وصبيانهم فالهب الله تعالى عليهم نارا وجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلى وقال يزيد الجريري سلط الله عليهم الريح سبعة ايام ثم سلط عليهم الحر ورفع عليهم جبل من بعيد فاتاه رجل فاذا تحته انهار وعيون فاجتمعوا تحته كلهم فوقع ذلك الجبل عليهم فذلك يوم الظلة قال قتادة بعث الله شعيبا الى اصحاب الايكة واهل مدين فاما اصحاب الايكة فاهلكوا بالظلة واما اصحاب مدين فاخذتهم الرجفة صاح بهم جبرئيل صيحة فهلكوا جميعا.
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً مبتدأ خبره كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا اى استوصلوا كان لم يقيموا ولم ينزلوا فيها من قولهم غنيت بالمكان إذا أقمت به والمغانى المنازل واحدها مغنى الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ دنيا ودينا الا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا فانهم الرابحون فى الدارين وللتنبيه على وجه الاختصاص والمبالغة فيه كرر الموصول ولم يكتف بالعطف واستأنف بالجملتين واتى بهما اسميتين.
فَتَوَلَّى اى اعرض عَنْهُمْ شعيب شاخصا بين أظهرهم حين أتاهم العذاب وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ قال ذلك تأسفا بهم بشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه فقال فَكَيْفَ آسى احزن عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ فانهم ليسوا أهلا لان يحزن عليهم لاستحقاقهم ما نزل بهم او قاله اعتذارا عن شدة حزنه عليهم يعنى بعد ما بلغت فى الإبلاغ والنصيحة لما لم يتبعونى واثروا لانفسهم العذاب فكيف اسى عليهم.
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ فيه إضمار يعنى فكذبوه إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ اى الفقر وَالضَّرَّاءِ اى المرض كذا قال البغوي عن ابن مسعود وقيل البأساء الحرب والضراء الجدب لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ لكى يتوبوا الى الله يتضرعوا من هاهنا يظهر بطلان قول من قال ان عسى وكاد ولعل من الله واجبة الوقوع.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى اللام للعهد الخارجي يعنى اهل القرى التي أرسلنا فيها الأنبياء آمَنُوا بالأنبياء وَاتَّقَوْا عذاب الله بالطاعة وترك المعاصي لَفَتَحْنا قرأ ابن عامر بالتشديد للتكثير والباقون بالتخفيف عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ اى لو سعنا عليهم الخير من كل جانب وداومناه لهم وقيل بركات السماء المطر وبركات الأرض النبات والزرع واصل البركة الزيادة والمواظبة على شىء وَلكِنْ كَذَّبُوا الرسل فَأَخَذْناهُمْ بالعقوبة بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من الكفر والمعاصي.
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى عطف على قوله فاخذناهم بغتة وهم لا يشعرون وما بينهما اعتراض والمعنى ابعد ما أخذنا اهل القرى من الكافرين السابقين أمن اهل القرى من الكافرين بنبوة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه واله وسلم يعنى اهل مكة وما حولها أَنْ يَأْتِيَهُمْ بأسنا عذابنا بَياتاً اى تبيتا او وقت بيات يعنى ليلا او مبيتا او مبيتين وهو فى الأصل بمعنى البيتوتة ويجئ بمعنى التبيت كالسلام بمعنى التسليم وَهُمْ نائِمُونَ غافلون عنه حال من ضمير هم البارز او المستتر فى بياتا.
أَوَأَمِنَ قرأ نافع وابن عامر او بسكون الواو على الترديد والباقون بفتح الواو على ان الهمزة للاستفهام للتوبيخ والواو للعطف والجمع أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى اى نهارا وقت الضحى وقت انبساط الشمس وَهُمْ يَلْعَبُونَ اى غافلون مشتغلون بما لا ينفعهم.
أَفَأَمِنُوا تقريره لقوله أفأمن اهل القرى مَكْرَ اللَّهِ اى استدراجه إياهم بما أنعم عليهم فى الدنيا الى حين ثم أخذهم من حيث لا يحتسبون بالعذاب بغتة كما فعل بأشياعهم من قبل فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الذين خسروا أنفسهم بالكفر والمعاصي وتركوا النظر والاعتبار.
أَوَلَمْ يَهْدِ قرأ قتادة ويعقوب نهد بالنون على التكلم والتعظيم والباقون بالياء على الغيبة والهمزة
تِلْكَ الْقُرى قرى اللامم الماضية قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب الموصوف مع الصفة مبتدأ خبره نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها يعنى نقص عليك بعض اخبار أهلها لكى تعتبروا لا كلها وجاز ان يكون القرى خبرا ونقص خبرا ثانيا او حال من القرى والعامل فيه معنى الاشارة وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ اى بالآيات والمعجزات الشاهدة على رسالتهم فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا منصوب بان مقدرة بعد لام الجحود لتاكيد النفي والمصدر اما بمعنى الفاعل او محمول بتقدير ذى اى ما كانوا مؤمنين او ذا ايمان عند مجيئهم بها بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ اى بما كذبوه من قبل الرسل يعنى التوحيد بل كانوا مستمرين على التكذيب والإشراك او فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به اولا يعنى بالرسالة والشرائع كلها حين جاءتهم الرسل بها ولم يؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة وقال البغوي قال ابن عباس والسدى يعنى فما كان هؤلاء الكفار الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا من قبل يوم أخذهم ميثاقهم حين اخرجوا من ظهر آدم فاقرءوا باللسان واضمروا بالتكذيب وقال مجاهد معناه فما كانوا لو احييناهم بعد هلاكهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم كقوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقال يمان بن ذباب هذا على معنى ان كل نبى انذر قومه بالعذاب فكذبوه فاهلكناهم فلما جاء بعدهم من رسول بالبينات ما كانت الأمم اللاحقة ليؤمنوا بما كذب به اوائلهم من الأمم الخالية بل كذبوا بما كذب به اوائلهم نظيره قوله تعالى ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحرا ومجنون كَذلِكَ اى مثل ذلك الطبع الشديد الذي طبعنا على قلوب الذين أهلكناهم من قبل يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ الذين
وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ اى لاكثر الناس والاية اعتراض او لاكثر الأمم المذكورين مِنْ عَهْدٍ اى من وفاء بالعهد الذي عاهدناهم يوم الميثاق حين اخرجوا من صلب آدم عليه السلام او ما عهدوا اليه حين كانوا فى ضر ومخافة لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشكرين وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ قال الكوفيون ان نافية واللام بمعنى الا يعنى ما وجدنا أكثرهم الا فاسقين ناقضين للعهد وقال البصريون ان مخففة من المثقلة واللام فارقة وعلى هذا وجدنا بمعنى علمنا لان ان المخففة من المثقلة لا تدخل الا على الافعال الداخلة على المبتدأ والخبر.
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ الضمير للرسل فى قوله ولقد جاءتهم رسلهم والمراد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام او للامم والمراد أقوامهم مُوسى بن عمران عليه السلام بِآياتِنا يعنى المعجزات التي تذكر بعد ذلك إِلى فِرْعَوْنَ وهو لقب لملك مصر ككسرى لملك فارس وكان اسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن الريان وَمَلَائِهِ اى شرفاء قومه فَظَلَمُوا بِها اى بالآيات والظلم وضع الشيء فى غير موضعه ولما كانت الآيات لوضوحها من حقها الايمان بها وهم كفروا بها مكان الايمان قال الله تعالى ظلموا بها مكان كفروا بها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ حيث اغرقوا فى اليم.
وَقالَ مُوسى لما دخل على فرعون يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حَقِيقٌ عَلى قرأ نافع علىّ بفتح الياء مشددة يعنى واجب على فهو مستانفة فى جواب تكذيبه إياه فى دعوى الرسالة وانما لم يذكر تكذيبه لدلالة قوله فظلموا بها عليه وقرأ الباقون على مقصورة كانّ أصله حقيق علىّ كما قرأه نافع فقلب لا من اللبس او يقال على هاهنا جارة وضع مكان الباء لافادة التمكن كقولهم رميت على القوس مكان رميت بالقوس يدل عليه قراءة ابى والأعمش حقيق بان لا أقول او يقال عدى حقيق بعلى لتضمين معنى حريص وعلى هذا حقيق اما خبر مبتدأ محذوف يعنى انا حقيق اى جدير والجملة مستانفة او صفة لرسول.
أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ شاهد على رسالتى فَأَرْسِلْ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها بَنِي إِسْرائِيلَ اى اطلق عنهم وخلّهم يرجعون الى الأرض المقدسة هى وطن ابائهم وكان فرعون قد استخدمهم فى الأعمال الشاقة من ضرب اللبن ونقل التراب وغيرها.
قالَ فرعون مجيبا
فَأَلْقى موسى عَصاهُ من يده فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ الثعبان الذكر العظيم من الحيّة وكان يتحرك كانها جان اى حيّة صغيرة ولهذا قال فى موضع اخر كانها جان قال ابن عباس والسدى انه لما القى العصا صارت حيّة عظيمة صفراء شعراء عرفاء فاغرافاه بين لحييها ثمانون ذراعا وارتفعت من الأرض قد رميل واقامت على ذنبها واضعة لحيها الأسفل فى الأرض والأعلى على سور القصر وتوجهت نحو فرعون لياخذ وروى انها أخذت قبة فرعون بين نابيها فوثب فرعون هاربا وأخذت اخذة البطن فى ذلك اليوم اربعمائة مرة وحملت على الناس فانهزموا وصاحوا ومات منهم خمسة وعشرون الفا قتل بعضهم بعضا ودخل فرعون البيت وصاح يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذها وانا أمن بك وأرسل معك بنى إسرائيل فاخذها موسى فعادت عصاكما كانت كذا اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم من طريق معمر عن قتادة ثم قال فرعون هل معك اخرى قال نعم.
وَنَزَعَ يَدَهُ من تحت جيبه بعد ما أدخلها فيه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ بياضا عجيبا خارجا عن العادة لها شعاع غلب نور الشمس يعجب الناظرين لحسن منظره ثم أدخلها فى جيبه فصارت أدما كما كانت.
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ماهر فى السحر يأخذا عين الناس حتّى يخيل إليهم العصا حيّة والادم ابيض ويرى الشيء على خلاف ما هو عليه فى الواقع أسند القول المذكور هاهنا الى الملأ وفى سورة الشعراء الى فرعون فالظاهر ان القول صدر منه ومنهم جميعا على سبيل التشاور فحكى قوله ثمه وقولهم هاهنا وقاله فرعون ابتداء فتلقته منه الملأ فقالوه فيما بينهم ولاتباعهم.
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ يا معشر القبط مِنْ أَرْضِكُمْ يعنى مصر فَماذا تَأْمُرُونَ يحتمل ان يكون هذا بقية الكلام السابق الذي قال الملأ لفرعون وخاصته فيكون الأمر على حقيقته او قالوه فيما بينهم او لاتباعهم فيكون تأمرون بمعنى تشيرون والمستشار من حيث انه معلم ومرشد امير على المسترشد ويحتمل ان يكون قوله فماذا تأمرون كلام المخاطبين فى جواب قولهم هذا ساحر عليم يريد ان يخرجكم من أرضكم فعلى هذا اما ان يكون كلام لفرعون او لغيره ثم بعد ما قال فرعون وملائه ما ذكر اجتمع راى الملأ أجمعين على ان.
قالُوا
يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ جواب لقوله أرسل يعنى ان ترسل إليهم حاشرين يجمعون إليك من فيها من السحرة فان غلبهم موسى صدقناه وان غلبوا عليه علمنا انه ساحر قرأ حمزة والكسائي هنا وفى سورة يونس بكل سحار بالألف بعد الحاء على المبالغة كما اتفق عليه القراء فى الشعراء والباقون فى هاتين ساحر على وزن فاعل قال البغوي قال ابن عباس والسدى وابن إسحاق لمار أي فرعون سلطان الله فى العصا ما راى قال انا لا نغالب موسى الا بمن هو منه فاتخذ غلمانا من بنى إسرائيل فبعث بها الى قرية يقال لها الغرماء يعلمونهم السحر فعلموهم سحرا كثيرا وواعد موسى موعدا فبعث الى السحرة فجاؤا ومعهم معلمهم فقال لهم ماذا صنعتم قالوا قد علمنا سحرا لا يطيقه سحرة اهل الأرض الا ان يكون امرا من السماء فانه لا طاقة لهم به ثم بعث فرعون فى مملكته فلم يترك فى سلطانه ساحرا الا اتى به قال مقاتل كانوا اثنين وسبعين اثنان منهم من القبط هما راس القوم أحدهما شمعون وسبعون من بنى إسرائيل وقال الكلبي كان الذين يعلمونهم رجلين محبوسين من اهل نينوى وكانوا سبعين غير رئيسهم وقال كعب كانوا اثنى عشر الفا وقال السدى كانوا بضعة وثلثين الفا وقال عكرمة سبعين الفا وقال محمد بن المنكدر كانوا ثمانين الفا.
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ مع الحاشرين بعد ما أرسلهم فى طلبهم قالُوا يعنى السحرة استيناف كانه فى جواب سائل قال ما قالوا إذا جاؤا إِنَّ لَنا
قرأ نافع وابن كثير وحفص ان لنا بهمزة واحدة على الخبر وإيجاب الاجر كانهم قالوا لا بد لنا من اجر والتنكير للتعظيم وقرأ الباقون اان بهمزتين على الاستفهام وهم على مذاهبهم المذكورة فى الهمزتين المفتوحتين ولم يختلفوا فى الشعراء انه بالاستفهام.
قالَ فرعون نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عطف على جملة سد مسدها نعم يعنى ان لكم اجرا وانكم لمن المقربين فى المنزلة الرفيعة عندى زاد على الجواب لتحريضهم قال مقاتل قال موسى لكبير السحرة تومن بي ان غلبتك قال لاتين بسحر لا يغلبه ساحر ولئن غلبتنى لا ومنن بك وفرعون ينظر.
قالُوا اى السحرة يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ عصاك وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ عصينا وحبالنا خيروا موسى إظهارا للجلادة ولكن كان رغبتهم فى ان يلقوا قبل موسى يدل عليه تغير النظم الى ما هو ابلغ وتعريف الخبر وتوسيط الفصل او تاكيدهم الضمير المتصل بالمنفصل فلذلك.
قالَ موسى بل أَلْقُوا ازدراء بهم وثوقا على شانه فَلَمَّا أَلْقَوْا السحرة حبالهم وعصيهم سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ اى صرفوها عن ادراك حقيقة ما القوه وتخيل للناس حبالهم وعصيهم حيات وأفاعي أمثال الجبال قد ملأ الوادي فى ميل يركب بعضها فى بعض وَاسْتَرْهَبُوهُمْ اى خوفوهم ارهابا شديدا كانهم طلبوا رهبتهم وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ فى فنه.
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى حين أوجس فى نفسه خيفة أَنْ أَلْقِ عَصاكَ ولا تخف انك أنت الا على انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث اتى فالقاها فَإِذا هِيَ حية عظيمة قد سدت الأفق تسعى قال ابن زيد كان اجتماعهم بالاسكندرية ويقال بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا تَلْقَفُ قرأ حفص هاهنا وفى طه والشعراء بإسكان اللام وتخفيف القاف من المجرد والباقون بفتح اللام وتشديد القاف من التفعل بحذف احدى التاءين أصله تتلقف اى تبتلع ما يَأْفِكُونَ اى ما يزورونه من الافك بمعنى قلب الشيء من وجهه ويجوز ان يكون ما مصدرية والمصدر بمعنى المفعول روى انها تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعها بأسرها ثم أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت فقالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا فلما نفدت علموا ان ذلك من الله تعالى وذلك قوله تعالى.
فَوَقَعَ الْحَقُّ اى
فَغُلِبُوا يعنى فرعون وقومه هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا اى رجعوا الى المدينة صاغِرِينَ أذلاء مقهورين.
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ألقاهم الله تعالى ساجِدِينَ لله تعالى لم يقل سجدوا لله تنبيها على ان ظهور الحق اضطرهم الى السجود حيث لم يبق لهم تمالك وقيل الهمهم الله ان يسجدوا فسجدوا وقال الأخفش من سرعة ما سجدوا كانهم القوا.
قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ابدلوا الثاني بالأول لئلا يتوهم انهم أرادوا به فرعون قال ابن عباس لما امنت السحرة اتبع موسى ستمائة الف من بنى إسرائيل.
قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ اى بالله او بموسى قرأ قنبل وأمنتم به فى حال الوصل يبدل من همزة الاستفهام واوا مفتوحة ومد بعدها مدة فى تقدير الفين وقرأ فى طه على الخبر بهمزة واحدة والف وقرأ فى الشعراء على الاستفهام بهمزة ومدة مطولة فى تقدير الفين وحفص فى الثلاثة بهمزة والف على الخبر وابو بكر وحمزة والكسائي فيهن على الاستفهام بهمزتين محققتين بعدهما الف والباقون على الاستفهام بهمزة ومدة مطولة بعدها فى تقدير الفين ولم يدخل أحد منهم ألفا بين الهمزة المخففة والملينة فى هذه المواضع الثلاثة كما أدخلها من أدخلها فى اانذرتهم وبابه لكراهة اجتماع ثلث الفات بعد الهمزة فالاستفهام للانكار والاستبعاد والخبر على التوبيخ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ اى هذا الصنيع لحيلة احتملتموها أنتم وموسى فِي الْمَدِينَةِ اى فى مصر قبل ان تخرجوا للميعاد لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها يعنى القبط ويخلص مصر لكم ولبنى إسرائيل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة ما فعلتم تهديد مجمل تفصيله.
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ من كل شق طرفا ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فى جذوع النخل على شاطئ نهر مصر تفضيحا لكم وتنكيلا لامثالكم قيل انه أول من سن ذلك أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس.
قالُوا يعنى السحرة لفرعون إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ بالموت لا محالة نرجوا ثوابه فلا نبالى بوعيدك او المعنى مصيرنا ومصيركم الى ربنا فيحكم بيننا.
وَما تَنْقِمُ اى ما تنكر مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا وهو خير الأعمال واصل المناقب لا يجوز عليها الإنكار ولا يجوز لنا العدول عنها لابتغاء مرضاتك او خوف وعيدك ثم فزعوا الى الله فقالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا
اى اصبب علينا صبرا كما يصب الماء كيلا يمنعنا وعيد فرعون عن الايمان ويطهرنا من الآثام وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ثابتين على الإسلام ذكر الكلبي ان فرعون قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم وذكر غيره انه لم يقدر عليهم لقوله تعالى لا يصلون اليكما أنتما ومن اتبعكما الغالبون.
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بتغير الناس عليك ودعوتهم الى مخالفتك وَيَذَرَكَ عطف على يفسدوا او جواب للاستفهام بالواو كقولهم هل عندكم ماء واشربه والمعنى أيكون منك ترك موسى ويكون تركه إياك وَآلِهَتَكَ اى معبوداتك فلا يعبدون لك ولا لها قال ابن عباس كان لفرعون بقرة يعبدها وكانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم ان يعبدوها ولذلك اخرج السامري لهم عجلا وقال الحسن كان قد علق على عنقه صليبا يعبده وقال السدى كان فرعون قد اتخذ لقومه أصناما وأمرهم بعبادتها وقال لقومه هذه الهتكم وانا ربكم وربها ولذلك قال انا ربكم الأعلى وقيل كانوا يعبدون الكواكب وقرأ ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك ويذرك والهتك بكسر الالف على وزن عبادتك ومعناه وقيل أراد بالهتك الشمس وكانوا يعبدونها قالَ فرعون سَنُقَتِّلُ قرأ نافع وابن كثير بفتح النون وضم التاء مخففا من المجرد والباقون بضم النون وكسر التاء مشددا من التفعيل على التكثير أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ اى نتركهن احياء كما نفعل من قبل وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ غالبون وهم مقهورون تحت أيدينا قال ابن عباس كان فرعون يقتل أبناء بنى إسرائيل فى العام الذي قيل له يولد مولود يذهب به ملكك فقال فرعون أعيد عليهم القتل ليعلموا انا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم أحد ان موسى هو المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه فلما أعاد عليهم القتل شكت ذلك بنو إسرائيل الى موسى فحينئذ.
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ بالتضرع اليه والدعاء والتوكل عليه وَاصْبِرُوا على ما يصيبكم من فرعون وقومه فان ذلك بارادة الله ومشيته وابتلائه إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ كافرا كان او مسلما لا يجوز الاعتراض عليه تعالى وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ يعنى جزاء الحسنات والسعادة الابدية التي لا تنقطع والجنة للمتقين فابتغوا الدار الاخرة الباقية واصبروا على ما أصابكم فى الدنيا الفانية سمى جزاء الفعل العقبى والعاقبة لانه يعقب
قالُوا يعنى قوم موسى أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا بالرسالة بقتل الأبناء وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا باعادة القتل علينا وقيل ان المراد منه ان فرعون كان يسخرهم قبل مجئ موسى الى نصف النهار فلما جاء موسى استسخرهم جميع النهار بلا اجر وذكر الكلبي انهم كانوا يضربون اللبن بطين فرعون فلما جاء موسى عليه السلام اجبرهم ان يضربوه من طين من عندهم قالَ لهم موسى عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ فرعون وَيَسْتَخْلِفَكُمْ اى يسكنكم بعد هلاكه فِي الْأَرْضِ ارض مصر فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ من شكر وطاعة او كفران ومعصية وعدهم الله تعالى بالنصر والظفر وأشار الى إيجاب الشكر عند ابتلائه بالخير وإيجاب الصبر على الابتلاء بالشر فانجز الله وعده حتى أغرق فرعون واستخلفهم فى ديارهم وأموالهم فعبدوا العجل وروى ان مصر فتح لهم فى زمن داؤد عليه السلام.
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ اى اتباعه بِالسِّنِينَ بالجدوب والقحوط والسنة غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويورخ به ثم اشتق منه فيقال سنت القوم إذا قحطوا ويقال مستهم السنة اى جدب السنة وقيل أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ بكثرة الآفات والعاهات قال قتادة اما سنين فلا هل البوادي واما نقص الثمرات فلا هل الأمصار لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ لكى ينتبهوا على ان ذلك بشوم كفرهم ومعاصيهم فيتعظوا او يرق قلوبهم بالشدائد فيفزعوا الى الله ويرغبوا فيما عنده.
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ يعنى الخصب والسعة والعافية قالُوا اى ال فرعون لَنا هذِهِ اى لاجلنا ونحن مستحقوها على العادة التي جرت لنا فى سعة أرزاقنا ولم يروها تفضلا من الله تبارك وتعالى ليشكروا عليها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ جدب وبلاء يكرهونه يَطَّيَّرُوا اى يتشاءموا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ قالوا لم يصبنا بلاء حتى رايناهم فهذا من شوم موسى وقومه وقال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر وكان ملك
وَقالُوا يعنى فرعون واله لموسى عليه السلام مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ اى معجزة وعلامة على صدقك فى دعوى النبوة انما سموها اية على زعم موسى عليه السلام او استهزاء به لا على اعتقادهم ولذلك قالوا لِتَسْحَرَنا بِها أعيننا وتشبه علينا وتلفتنا عما نحن عليه من الذين والضمير فى به وبها لما ذكره قبل التبئين اى كلمة مهما ذكره باعتبار اللفظ وانثه باعتبار المعنى فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ بمصدقين فدعا موسى عليهم.
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ نصب على الحال من الأسماء المذكورة مُفَصَّلاتٍ مبينت لا يخفى على العاقل انها من الله تعالى ونقمته او منفصلات لامتحان أحوالهم وكان بين كل ايتين منها ثلاثون يوما أخرجه ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وكان امتداد كل منها اسبوعا أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس بلفظ يمكث فيهم سبتا الى سبت ثم يرفع عنهم شهرا وقيل ان موسى لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل قال البغوي قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة و
(٢) الضج الصياح عند المكروه والمشقة والجزع ١٢
(٢) اعفر ابيض ليس بناصع ١٢
(٣) الا هيل السائل من الرمل ١٢
قالُوا يعنى فرعون واتباعه يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ كشف العذاب عنا ان أمنا او بعهده عندك وهو النبوة كذا قال عطاء او بالذي عهده إليك من اجابة دعوتك وهو صلة لادع او حال من الضمير فيه بمعنى ادع الله متوسلا اليه بما عهد عندك او متعلق بفعل محذوف دل عليه التماسهم مثل اسعفنا الى ما نطلب منك بحق ما عهد عندك او قسم جوابه لَئِنْ كَشَفْتَ يعنى اقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ الى ارض الشام وكان استعبدهم.
فَلَمَّا كَشَفْنا بدعاء موسى عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ اى حد من الزمان هُمْ بالِغُوهُ يعذبون فيه او يهلكون وهو وقت الغرق او الموت وقيل الى أجل عينوه لايمانهم إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ جواب للما اى فلما كشفنا عنهم الرجز فاجئوا النكث ونقض العهد والإصرار على الكفر من غير توقف وتأمل فيه.
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ يعنى أخذناهم بالنقمة والعذاب بيانه فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ اى البحر الذي لا يدرك قعره وهو لجة البحر المالح ومعظم مائه واشتقاقه من التيمم لان المشفعين به يقصدونه بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها اى عن الآيات غافِلِينَ يعنى انهم لم يتفكروا فيها حتى صاروا كالغافلين عنها وقيل الضمير للنقمة المدلول عليها بقوله فانتقمنا.
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ يعنى بنى إسرائيل بالاستعباد وذبح الأبناء واستخدام النساء مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها بالأنهار والأشجار والثمار والخصب وسعة العيش يعنى ارض مصر والشام ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فى نواحيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى تأنيث الأحسن صفة للكلمة اى مضت عليهم يقال تم الأمر إذا مضى عليه واتصلت بالانجاز واستمرت عدته إياهم بالنصرة والتمكين وهو قوله ونريد ان نمن الى قوله ما كانوا يحذرون المذكور فى القصص وقوله عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا اى بسبب صبرهم على دينهم والشدائد من فرعون
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ قال الكلبي عبر بهم موسى البحر يوم عاشوراء بعد ما هلك فرعون وقومه فصام شكر الله عز وجل فَأَتَوْا فمروا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ اى يقيمون قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف والباقون بضمها وهما لغتان عَلى عبادة أَصْنامٍ أوثان لَهُمْ قال ابن جريج كانت تماثيل بقر وذلك أول شان العجل وكذا اخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جبير وزاد من نحاس والقوم قيل كانوا من العمالقة الذين امر موسى بقتالهم واخرج ابن ابى حاتم وابو الشيخ من ابن عمر ان الجونى قال هم لخم وجذام وقال البغوي قال قتادة كان أولئك القوم من لخم وكانوا نزولا بالرقة فقالت بنو إسرائيل لما رأوا ذلك قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً اى مثالا نعبده كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ما كافة للكاف ولذلك وقعت الجملة بعدها قال البغوي ولم يكن ذلك شكا من بنى إسرائيل فى وحدانية الله تعالى وانما معناه اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب الى الله بتعظيمه وظنوا ان ذلك لا يضر الديانية وكان ذلك لخفة عقلهم وشدة جهلهم ولذلك قالَ لهم موسى تعجبا من قولهم على اثر ما رأوا من الآيات إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ وصفهم بالجهل وأكده بقوله.
إِنَّ هؤُلاءِ القوم مُتَبَّرٌ اى مهلك ما هُمْ فِيهِ يعنى الله يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضا وَباطِلٌ مضمحل ما كانُوا يَعْمَلُونَ من عبادتها يعنى ليس ذلك مقربا الى الله تعالى بالغ فى هذا الكلام بايقاع هؤلاء اسم ان والاخبار عما هم فيه بالتبار وعما فعلوا بالبطلان وتقديم الخبرين فى الجملتين الواقعين خبر الان للتنبيه على ان الذمار لاحق لما هم فيه لا محالة لا يعدوهم وان الإحباط الكلى لازم لما مضى عنهم تنقيرا وتحذيرا عما طلبوا ثم.
قالَ
إِذْ أَنْجَيْناكُمْ قرأ ابن عامر من الافعال على الغيبة وهكذا فى مصاحف اهل الشام والباقون أنجيناكم على التكلم والتعظيم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ استيناف لبيان ما أنجاهم منه او حال من المخاطبين او من ال فرعون او منها سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ قرأ نافع بفتح الياء واسكان القاف وضم التاء الفوقانية من المجرد والباقون بضم الياء وفتح القاف وكسر التاء مشددا من التفعيل للتكثير أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ جملة يقتلون مع ما عطف عليه بدل من يسومونكم مبين له وَفِي ذلِكُمْ العذاب او الانجاء بَلاءٌ محنة او نعمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ وَواعَدْنا مُوسى قرأ ابو عمرو وعدنا من المجرد والباقون من المفاعلة ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ اخرج ابن ابى حاتم عن ابى العالية يعنى ذى القعدة وعشرا من ذى الحجة قال السيوطي وعد الله موسى ان يكلمه عند انتهاء ثلثين ليلة وقال البغوي وعد موسى بنى إسرائيل وهم بمصر ان الله إذا أهلك عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما فعل الله ذلك سال موسى ربه الكتاب فامر الله عز وجل ان يصوم ثلثين يوما فلما تمت ثلثون وجد خلوفا فتسوك بعود خروب وقال ابو العالية أكل من لحاء شجرة فقالت له الملئكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك فامر الله ان يصوم عشرة ايام من ذى الحجة وقال اما علمت ان خلوف فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك وكانت فتنتهم فى العشر الذي زاده وكذا اخرج الديلمي عن ابن عباس معناه فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ اى وقت وعده بكلامه وإيتاء الكتاب أَرْبَعِينَ حال لَيْلَةً تميز وَقالَ مُوسى عند انطلاقه الى الجبل للمناجاة لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي اى كن خليفتى فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ما يجب ان يصلح
وَلَمَّا جاءَ مُوسى الى طور سيناء لِمِيقاتِنا اللام للاختصاص اى اختص مجيئه لميقاتنا اى وقتنا الذي وقتنا له ان أكلمه فيه قال اهل التفسير ان موسى عليه السّلام تطهر وطهر ثيابه لميعاد ربه وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ فى القصة ان الله انزل ظلمة على سبعة فراسخ وطرد عنه الشياطين وطوّر هو أم الأرض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فراى الملئكة قياما فى الهواء ورأى العرش بارزا فكلمه الله وناجاه حتى أسمعه وكان جبرئيل معه فلم يسمع ما كلمه ربه حتى سمع صرير القلم قال البيضاوي روى ان موسى كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة قلت معناه انه لا يسمع من جهة وكان كلما يتوجه الى جهة من الجهات يسمع ذلك الكلام بلا جهة من غير تفاوت فاستجلى موسى كلام ربه واشتاق الى رويته وقالَ رَبِّ أَرِنِي نفسك أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال الحسن هاج به الشوق قال الروية ظنا منه انه يجوز ان يرى فى الدنيا يعنى قياسا على الروية فى الاخرة قالَ الله تعالى لَنْ تَرانِي وليس لبشران يطيق النظر الىّ فى الدنيا من نظر الىّ فى الدنيا مات فقال الهى سمعت كلامك فاشتقت الى النظر إليك ولان انظر إليك ثم أموت أحب الى من ان اعيش ولا أراك قال السيوطي التعبير بلن ترانى دون لا ارى يفيد إمكان الروية فقال الله تعالى وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ الاية وهو أعظم جبل بمدين يقال له زبير قال السدى لما كلم الله تعالى موسى غاص الخبيث إبليس فى الأرض حتى خرج بين قدمى موسى فوسوس اليه وقال ان من كلمك شيطان فعند ذلك سأل الروية وفى هذه الاية دليل على إمكان الروية فى الدنيا لان طلب المستحيل من الأنبياء محال خصوصا ما يقتضى الجهل بالله تعالى وقوله لن ترانى فيه دليل على عدم الوقوع له ما دامت الدنيا لا على عدم الوقوع له ولغيره فضلا من عدم الإمكان والظاهر ان موسى قبل نزول قوله لن ترانى كان لا يعرف عدم الوقوع فى الدنيا وليس هذا جهلا بالله تعالى بل ببعض أحكامه كما ان نوحا عليه السلام سأل ربه نجاة ابنه وابراهيم عليه السلام سأل مغفرة أباه ومحمدا صلى الله عليه واله وسلم سأل مغفرة ابى طالب حتى نزل قوله تعالى وما كان للنبى والذين أمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى الاية وسأل مغفرة بعض المنافقين حتى نزل استغفر لهم او لا تستغفر لهم
موسى فمرت به ملئكة السماء الدنيا كثيران «٢» البقر تتبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ثم امر الله ملئكة السماء الثانية ان اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهبطوا عليه أمثال الأسود لهم لجب «٣» بالتسبيح والتقديس ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما راى وسمع واقشعرت كل شعرة فى راسه وجسده ثم قال لقد ندمت على مسألتى فهل يجنبنى من مكانى الذي انا فيه شىء فقال خير الملئكة وراسهم يا موسى اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم امر الله تعالى ملئكة السماء الثالثة ان اهبطوا على موسى واعترضوا عليه فهبطوا أمثال الأسود لهم قصف «٤»
(٢) كثيران جمع ثور اى الذكر من البقر ١٢
(٣) لجب الصياح واضطراب موج البحر ١٢ قاموس
(٤) قصف اى كسر وقصف الرعد اى صار صوته شديدا ١٢ [.....]
(٢) فاصطكت اى اضطربت ١٢
(٣) ارعد اى اضطرب ١٢
قالَ الله تعالى يا مُوسى إِنِّي قرأ ابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان اصْطَفَيْتُكَ اى اخترتك عَلَى النَّاسِ الموجودين فى زمانك بِرِسالاتِي قرأ نافع وابن كثير برسالتى على التوحيد والباقون على الجمع وَبِكَلامِي اى بتكليمى إياك فَخُذْ ما آتَيْتُكَ أعطيتك من الرسالة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وفى القصة ان موسى بعد ما كلمه ربه لا يستطيع أحد ان ينظر اليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات وقالت له امرأته انا ايم منك منذ كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فاخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها وخرت لله ساجدة وقالت ادع الله ان يجعلنى زوجتك فى الجنة قال ذلك لك ان لم تتزوجى بعدي فان المرأة لاخر أزواجها وروى البغوي بسنده عن كعب الأحبار ان موسى نظر فى التورية فقال رب انى أجد امة خير الأمم أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله وبالكتاب الاول وبالكتاب الاخر ويقاتلون اهل الضلالة حتّى يقاتلون الأعور الدجال رب اجعلهم أمتي قال يا موسى هى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم قال رب انى أجد امة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون إذا أرادوا امرا قالوا نفعل إنشاء الله فاجعلهم أمتي قال هى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم قال رب انى أجد امة يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم وكان الأولون يحرقون صدقاتهم بالنار وهم المستجيبون والمستجاب لهم الشافعون المشفع لهم فاجعلهم أمتي قال هى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم فقال انى أجد امة إذا اشرف أحدهم على شرف كبر الله وإذا هبط واديا حمد الله الصعيد لهم طهور والأرض لهم مسجد حيث ما كانوا يتطهرون من الجنابة طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء غر محجلون من اثار الوضوء فاجعلهم أمتي قال هى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم فقال رب انى أجد أمة إذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة مثلها وان عملها ضعف عشر أمثالها الى سبعمائة ضعف وإذا همّ بسيئة ولم يعملها لم يكتب
وَكَتَبْنا لَهُ اى لموسى فِي الْأَلْواحِ كانت سبعة او عشرة قال ابن عباس يعنى الواح التورية وفى الحديث كانت من سدر الجنة طول اللوح اثنى عشر ذراعا أخرجه ابو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وجاء فى الحديث خلق الله عز وجل آدم عليه السلام بيده وكتب التورية بيده وغرس شجرة طوبى بيده وقال الحسن كانت الألواح من خشب وقال الكلبي كانت من زبرجدة خضراء وقال سعيد بن جبير كانت من ياقوت احمر وكذا اخرج الطبراني وابو الشيخ عن كعب وقال الربيع بن انس كانت الألواح من زبرجد وقال ابن جريح كانت زمردا امر الله تعالى جبرئيل عليه السلام حتى جاء بها من عدن فكتبها بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور واخرج ابو الشيخ عن ابن جريج انها كانت من زمرد او زبرجد قال وهب امر الله بقلع الألواح من صخرة صماء لينها الله تعالى له فقطعها بيده ثم شققها بيده وسمع موسى عليه السلام صرير القلم بالكلمات العشرة وكان ذلك فى أول يوم من ذى القعدة وكانت الألواح عشرة اذرع على طول موسى عليه السلام وقال مقاتل ووهب وكتبنا فى الألواح كنقش الخاتم وقال الربيع بن انس نزلت التورية وهى سبعون وقر بعير يقرء الجزء منه فى سنة لم يقرأه الا اربعة نفر موسى ويوشع وعزير وعيسى وقال الحسن هذه الاية فى التورية الف اية يعنى قوله تعالى وكتبنا له فى الألواح مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مما يحتاجون اليه من امر الدين مَوْعِظَةً الموعظة التذكير والتحذير مما يخاف عاقبته قال فى القاموس وعظه موعظة ذكره
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ قرأ ابن عامر وحمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها والمعنى ساصرف عن التفكر فى آياتي التي فى الآفاق والأنفس وعن الاعتبار بها وقيل معناه ساصرفهم عن ابطال آياتي المنزلة والمعجزات وان يطفئوا نور الله بأفواههم كما فعل فرعون فعاد عليه باعلائها او باهلاكهم والله متم نوره ولو كره الكافرون او المعنى ساصرف عن قبول آياتي المنزلة فى الكتاب والتصديق بها بالحرمان عن الهداية لعنادهم الحق نظيره قوله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم كذا قال ابن عباس وقال سفيان سامنع عن فهم القران ودرك عجائبه الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ ويتجبرون على عبادى ويحاربون أوليائي بِغَيْرِ الْحَقِّ صلة يتكبرون اى يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل او حال من فاعله فحكم الاية عام بجميع الكفار وقيل حكم الاية خاص وأراد بالآيات الآيات التسع التي أعطاها الله تعالى
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ اى لقائهم الدار الاخرة او ما وعد الله فى الاخرة من الثواب والعقاب حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الحسنة من انفاق المال وصلة الرحم وغير ذلك فهم لا ينتفعون بها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء هَلْ يُجْزَوْنَ الاستفهام للانكار اى ما يجزون فى الاخرة إِلَّا جزاء ما كانُوا يَعْمَلُونَ فى الدنيا عملا معتدا به عند الله تعالى وهو ما كان لله تعالى مخلصا له الدين وهم لم يعملوا كذلك او المعنى ما يجزون الاجزاء ما كانوا يعملون من السيئات فان أعمالهم كلها سيات ليس شىء منها حسنة فان العبادة إذا كان لغير الله تعالى فهو أسوأ السيئات والانفاق وصلة الرحم إذا لم يكن لله تعالى كان اعانة للكفار على الكفر ومعاداة الله تعالى او خطأ لنفسه.
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى بنو إسرائيل مِنْ بَعْدِهِ اى بعد ذهابه لميقات ربه بعد ثلثين ليلة إذا زيدت فى الميقات عشرا مِنْ حُلِيِّهِمْ التي استعاروها من قوم فرعون بعلة عرس حين هموا بالخروج من مصر فبقى عندهم واضافتها إليهم لانها كانت فى أيديهم وملكوها بعد هلاكهم قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء بالاتباع كدلى والباقون غير يعقوب بالضم وهو جمع حلى كثدى وثدى بالفتح والضم وقرأ يعقوب بفتح الحاء وسكون اللام وكسر الياء مخففا على الافراد بارادة الجنس عِجْلًا مفعول أول لاتخذ والمفعول الثاني محذوف
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ سقط مسند الى الظرف وهو كناية من ان اشتد ندمهم فان النادم المتحسر يعض يده غما فيصير يده مسقوطا فيه يقول العرب لكل نادم قد سقط فى يده وقال الزجاج معناه سقط الندم فى أيديهم اى فى قلوبهم وأنفسهم كما يقال حصل فى يده مكروه وان استحال ان يكون فى اليد تشبيها لما يحصل فى القلب والنفس بما يحصل فى اليد ويرى بالعين والحاصل انهم ندموا على عبادة العجل حين جائهم وعاتبهم موسى عليه السلام وَرَأَوْا علموا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا باتخاذ العجل تابوا وقالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا بقبول التوبة وَيَغْفِرْ لَنا بالتجاوز عن الخطيئة قرأ حمزة والكسائي ترحمنا وتغفر لنا بالتاء الفوقانية على الخطاب ونصب ربنا على النداء والباقون بالتحتانية على الغيبة والرفع على الفاعلية لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ بعد انقضاء أربعين ليلة الميقات غَضْبانَ من جهتهم أَسِفاً قال ابو الدرداء يعنى شديد الغضب وقال ابن عباس والسدى شديد الحزن وفى القاموس الأسف أشد الحزن وأسف عليه غضب قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي اى فعلتم فعلا مذموما حيث عبدتم العجل والخطاب لعبدة العجل او قمتم مقامى قياما مذموما حيث لم تكفوا العبدة من بنى إسرائيل والخطاب لهرون
قالَ موسى رَبِّ اغْفِرْ لِي ما صنعت بأخي وَلِأَخِي ان فرط فى كفهم والظاهر ان المقصود الاستغفار لاخيه ضم اليه نفسه ترضية له ودفعا للشماتة
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ الها سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ اى عذاب وهو ما أمرهم به من قتل أنفسهم وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهى خروجهم من ديارهم فعلى هذا السين فى قوله سينالهم للاستقبال بالنسبة الى زمان غضب موسى عليه السلام عليهم على سبيل الحكاية وقال عطية العوفى ان الذين اتخذوا العجل أراد به اليهود الذين كانوا فى زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم عيرهم بصنيع ابائهم وقال بالنسبة إليهم سينالهم فى الاخرة غضب من ربهم وينالهم ذلة فى الدنيا يعنى ما أصاب بنى قريظة والنضير وغيرهم من القتل والاجلاء قال ابن عباس هو الجزية وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ قال ابو قلابة هو والله جزاء كل مفتر الى يوم القيامة ان يذله الله تعالى قال سفيان بن عيينة هذا فى كل مبتدع الى يوم القيامة.
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا يعنى الذين عبدوا العجل من قوم موسى ثم تابوا وأمنوا وقتلوا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها اى بعد التوبة لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وان كان الذنوب عظيمة متكثرة ان مع اسمها وخبرها خبر للموصول.
وَلَمَّا سَكَتَ اى سكن عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ باعتذار هارون وندامة قومه وتوبتهم وفى هذا الكلام مبالغة من حيث انه جعل الغضب الحامل له على ما فعل كالامر به والمغرى عليه حق عبر عن سكونه بالسكوت أَخَذَ الْأَلْواحَ التي القاها وقد ذهب ستة اسباعها وَفِي نُسْخَتِها قيل أراد بها اللوح لانها نسخت من اللوح المحفوظ وقيل ان موسى لما القى الألواح تكسرت فنسخ منها نسخة اخرى وقيل معناه فيما نسخ فيها اى كتب فهو فعلة بمعنى المفعول كالخطبة وقال عطاء فيما بقي منها قال ابن عباس وعمرو بن دينار ولما القى موسى الألواح فتكسرت صام أربعين يوما فردت اليه
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ اى من قومه حذف الجار وأوصل الفعل اليه فانتصيب بنزع الخافض سَبْعِينَ رَجُلًا ممن لم يعبدوا العجل لِمِيقاتِنا اى للوقت الذي وعدنا بإتيانهم روى انه تعالى امر موسى ان يأتيه فى سبعين من بنى إسرائيل يعتذرون اليه من عبادة العجل فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال ليتخلف منكم رجلان فتشاحوا فقال ان لمن قعد اجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين فلما دنوا من الجبل غشيهم غمام فدخل موسى بهم الغمام وخروا سجدا فسمعوه يكلم موسى يأمره وينهاه ثم انكشف الغمام فاقبلوا عليه فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الرجفة الصاعقة او رجفة الجبل فصعقوا منها اى ماتوا كذا قال السدى وقال ابن عباس ان السبعين الذين قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الصاعقة كانوا قبل السبعين الذين اخذتهم الرجفة وانما امر الله سبحانه موسى عليه السلام ان يختار من قومه سبعين رجلا فاختارهم وبرزهم ليدعوا ربهم وكان فيما دعوا ان قالوا اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا قبلنا ولا تعطه أحدا بعدنا فانكر الله ذلك من دعائهم فاخذتهم الرجفة وقال وهب لم تكن تلك الرجفة موتا ولكن القوم لما رأوا تلك الهيئة اخذتهم الرعدة وقلقوا ورجفوا حتى كادت ان تبين منهم مفاصلهم فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قال السيوطي قال ابن عباس اخذتهم الرجفة اى الزلزلة الشديدة لانهم لم يزالوا قومهم حين عبدوا العجل فلما رأى موسى عليه السلام ذلك رحمهم وخاف عليهم الموت واشتد عليه فقدهم وكانوا له وزراء على الخير سامعين مطيعين فعند ذلك دعا وبكى وناشد ربه تبارك وتعالى قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ تمنى هلاكهم وهلاكه قبل ان يرى ما راى بسبب اخر او عنى به انك قد قدرت على إهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على إهلاكهم او باغراقهم فى البحر وغيرها فترحمت عليهم بالانقاذ منها فان ترحمت عليهم مرة فارحم عليهم مرة اخرى فانه
تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة.
وَاكْتُبْ لَنا اى أوجب لنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً اى توفيق الطاعة والنعمة والعافية وَفِي الْآخِرَةِ المغفرة والرحمة والجنة إِنَّا هُدْنا من هاد يهود إذا رجع يعنى تبنا إِلَيْكَ قال قتادة وابن جريح ومحمد بن كعب انما اخذتهم الرجفة لانهم لم يزابلوا قومهم حين عبدوا العجل ولم يأمروهم بالمعروف ولم ينهوهم عن المنكر والله اعلم قالَ الله تعالى فى جواب دعاء موسى عَذابِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ من خلقى تعذيبه وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ عمت كُلَّ شَيْءٍ فى الدنيا المؤمن والكافر بل المكلف وغيره وانما انتفت فى الاخرة عن الكفار لانهم أبوا ان يرحمهم الله تعالى وجعلوا له شركاء قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كل أمتي يدخلون الجنة الا من ابى قيل له ومن ابى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصانى فقد ابى رواه البخاري قال عطية العوفى وسعت كل شىء ولكن لا يجب الا للذين يتقون وذلك لان الكافرين يرزقون ويدفع عنهم بالمؤمنين لسعة رحمة الله بالمؤمنين فيعيشون فيها فاذا صاروا الى الاخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمستضئ بنا وغيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه فَسَأَكْتُبُها اى ساجعلها واجبا فى الاخرة منكم يا بنى إسرائيل لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ خصها بالذكر لكونها أشق على النفوس وَالَّذِينَ
اى بجميع كتبنا يُؤْمِنُونَ لا يكفرون بشئ منها ولما كان شريعة موسى عليه السّلام فى علم الله تعالى منسوخة نبه الله تعالى على ذلك وحثهم على اتباع خاتم النبيين وقال.
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ مبتدأ خبره يأمرهم او خبر مبتدأ تقديره هم الذين او بدل من الذين يتقون بدل البعض او الكل سماه رسولا بالاضافة الى الله تعالى ونبيا بالاضافة الى العباد الْأُمِّيَّ يعنى محمدا صلى الله عليه واله وسلم منسوب الى الام يعنى هو على ما ولدته امه لم يكتب ولم يقرأ قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا امة امية لا نكتب ولا نحسب الحديث متفق عليه عن ابن عمر وصفه الله به تنبيها على ان كمال علمه مع حاله أحد معجزاته وقيل منسوب الى الامة لكثرة أمته عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا اكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وانا أول من يقرع باب الجنة رواه مسلم أصله أمتي فسقطت التاء فى النسبة كما فى المكي والمدني وقيل هو منسوب الى أم القرى يعنى مكة وبهذا الكلام خرج من هذا الحكم من بنى إسرائيل الذين أدركوا النبي صلى الله عليه واله وسلم ولم يؤمنوا وبقي فى الحكم من لم يدرك زمن...... النبي صلى الله عليه واله وسلم لانه ما تفرق الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة اخرج ابن حبان عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان لكل نبى يوم القيمة منبرا من نور وانى على أطولها وانورها فيجئى مناد ينادى اين النبي الأمي فيقول الأنبياء كلنا نبى أمي فالى أينا أرسل فيرجع الثانية فيقول اين النبي الأمي العربي فينزل محمد صلى الله عليه واله وسلم حتى يأتي باب الجنة فيقرعه فيقال من فيقول محمد واحمد فيقول أوقد أرسل اليه فيقول نعم فيفتح له فيتجلى له الرب ولا يتجلى بشئ قبله فيخر لله ساجد او يحمده بمحامده لم يحمده بها أحد بعد فيقال ارفع راسك وتكلم واشفع تشفع هذا الحديث يدل على ان الأمي مشتق من الامة حتّى يصح قولهم كلنا نبى أمي اى ذى امة وخص النبي صلى الله عليه واله وسلم بهذا الاسم لكثرة أمته الَّذِي يَجِدُونَهُ اى بنو إسرائيل مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ اسما وصفة عن انس ان غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه واله وسلم فمرض فاتاه النبي صلى الله عليه واله وسلم فوجد أباه عند راسه يقرأ التورية فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا يهودى أنشدك بالله الذي انزل التورية على موسى
العاص قال قلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى التورية قال أجل والله انه لموصوف فى التورية ببعض صفته فى القران يا ايها النبي انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا الأميين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب فى الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن نقبضه حتى نقيم به الملة العوجاء بان يقولوا لا اله الا الله ونفتح بها أعينا عمياء واذانا صماء وقلوبا غلفاء رواه البخاري وعن عطاء بن يسار عن ابن سلام نحوه رواه الدارمي وعن كعب الأحبار يحكى عن التورية قال نجد مكتوبا محمد رسول الله عبدى المختار لافظ ولا غليظ ولا سخاب فى الأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون يحمدون الله
(٢) فظ سيئى الخلق ١٢
(٣) السخب الصياح ١٢
قُلْ يا محمد يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ الاضافة للعهد الخارجي يعنى الرسول النبي الأمي الذي مر ذكره وأخذ العهد على اتباعه إِلَيْكُمْ خطاب للناس كافة ولذلك اردفه بقوله جَمِيعاً حال من إليكم فان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان مبعوثا الى الناس كافة بل الى الجن والانس عامة وسائر الأنبياء الى أقوامهم خاصة قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجد او طهورا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبوة رواه مسلم والترمذي عن ابى هريرة وروى الطبراني فى الكبير بسند صحيح عن السائب بن يزيد بلفظ فضلت على الأنبياء بخمس بعثت الى الناس كافة وذخرت شفاعتى لامتى ونصرت بالرعب شهرا امامى وشهرا خلفى وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى وروى البيهقي بسند صحيح عن ابى امامة
وَمِنْ قَوْمِ مُوسى يعنى بنى إسرائيل أُمَّةٌ جماعة يَهْدُونَ الناس بِالْحَقِّ اى محقين او بكلمة الحق اى يرشدون ويدعون الى الحق او بسبب الحق الذي هم عليه وَبِهِ اى بالحق يَعْدِلُونَ بينهم فى الحكم قال الضحاك والكلبي والربيع هم قوم خلف الصين بأقصى الشرق على نهر يجرى الرمل يسمى نهر أوراق ليس لاحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون لا يصل إليهم منا أحد وهم على دين الحق وذكر ان جبرئيل عليه السلام ذهب بالنبي صلى الله عليه واله وسلم ليلة اسرى به إليهم فكلمهم جبرئيل هل تعرفون من تتكلمون قالوا لا قال هذا محمد النبي الأمي صلى الله عليه واله وسلم فامنوا به فقالوا يا رسول الله ان موسى اوصانا ان من أدرك منكم احمد صلى الله عليه واله وسلم فليقرأ عليه منى السلام فرد النبي صلى الله عليه واله وسلم على موسى عليه السلام ثم اقرأ عشر سور من القران نزلت بمكة وأمرهم بالصلوة والزكوة وأمرهم ان يقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فامرهم ان يجمعوا ويتركوا السبت وقيل هم الذين اسلموا من
وَقَطَّعْناهُمُ اى فرقنا بنى إسرائيل اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تميزه محذوف يدل عليه قطعنا يعنى اثنتي عشرة قطعة وهو مفعول ثان لقطع فانه متضمن لمعنى صير او حال أَسْباطاً بدل لا تمييز فان تمييز ما فوق العشرة لا يكون جمعا والسبط ولد الولد وكانوا اثنتي عشرة قبيلة اولا واثنى عشر ابن لاسرائيل يعنى يعقوب عليه السلام أُمَماً صفة لاسباط او بدل بعد بدل قال الزجاج المعنى وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة امما وانما قال أسباطا امما بالجمع وما فوق العشرة لا يفسر بالجمع فلا يقال اثنا عشر رجالا لان الأسباط فى الحقيقة نعت للمفسر المحذوف وهو الفرقة اى قطعناهم اثنتا عشرة فرقة أسباطا امما يعنى كل فرقة أسباط وقيل فيه تقديم وتأخير تقديرها وقطعناهم أسباطا امما اثنتي عشرة وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ فى التيه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ اى فضرب فانبجست حذفه للايماء على انّ موسى لم يتوقف فى الامتثال وعلى ان ضربه لم يكن مؤثرا يتوقف عليه الانبجاس فى ذاته ومعناه انفجرت وقال ابو عمرو ابن العلا عرقت وهو الانبجاس ثم ثم انفجرت مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً لكل سبط عين قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ اى كل سبط أبناء ابن ليعقوب عليه السلام مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ فى التيه ليقيهم حر الشمس وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا اى وقلنا لهم كلوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ قرأ نافع وابن عامر ويعقوب بضم التاء المثناة الفوقانية وفتح الفاء على التأنيث والبناء للمفعول مسندا الى ما بعده وهو مرفوع والباقون بفتح النون وكسر الفاء على التكلم والبناء للفاعل وما بعده منصوب على المفعولية.
خَطِيئاتِكُمْ قرأ ابن عامر على وزن الفعيلة بالهمزة على التوحيد وابو عمر وخطاياكم على وزن قضاياكم على الجمع والباقون خطيئاتكم على الجمع على وزن فعيلاتكم بالهمز سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ مضى تفسير هذه الآيات فى سورة البقرة غير ان قوله تعالى فكلوا فى البقرة بالفاء أفاد تسبيب سكناهم للاكل منها ولم يتعرض له هاهنا اكتفاء بذكره ثمه او بدلالة الحال عليه كذا قال البيضاوي قلت ذكر فى البقرة ادخلوا هذه القرية فكلوا ولا شك ان الاكل بعد الدخول ولذلك أورد هنا فاء التعقيب وذكر هاهنا اسكنوا هذه القرية والسكنى يجامع الاكل ولا يستعقبه فلذلك أورد الواو للجمع ولا اثر لتقديم قولوا على وادخلوا فى المعنى.
وَسْئَلْهُمْ اى سل يا محمد اليهود للتقرير والتوبيخ على تقديم كفرهم وعصيانهم والاعلام بما هو من علومهم التي لم يكن اهل مكة يعلمها حتّى يكون لك معجزة وحجة عليهم عَنِ الْقَرْيَةِ اى عن خبر أهلها وما وقع بهم الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ اى قريبة الْبَحْرِ قال ابن عباس هى قرية يقال لها ايلة بين مدين والطور على شاطى البحر وقال الأزهري طبرية الشام إِذْ يَعْدُونَ الضمير راجع الى المضاف المحذوف يعنى اهل القرية كانوا يتجاوزون حد الإباحة بصيد السمك فِي السَّبْتِ وقد نهوا عنه إذ ظرف متعلق بكانت او حاضرة او للمضاف المحذوف اى خبر اهل القرية وقت عدوانهم او بدل اشتمال من اهل القرية إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظرف ليعدون او بدل بعد بدل يَوْمَ سَبْتِهِمْ اى يوم تعظيمهم امر السبت مصدر من سبت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة وقيل اسم لليوم والاضافة لاختصاصهم باحكام فيها ويؤيد الاول قوله تعالى ويوم لا يسبتون شُرَّعاً حال من الحيتان اى ظاهرة على الماء متكثرة جمع شارع علينا إذا اشرف ودنا وقال الضحاك متتابعا وفى القصة انها كانت تأتيهم يوم السبت مثل الكباش السمان البيض وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ اى لا يعظمون السبت متعلق بقوله لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ اى مثل إتيانهم يوم السبت نَبْلُوهُمْ حال من الضمير المنصوب فى لا تأتيهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ متعلق بيعدوا والمعنى مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم قيل وسوس إليهم الشيطان ان الله لم ينهيكم عن الاصطياد وانما نهاكم عن الاكل فاصطادوا وقيل وسوس إليهم انكم انما نهيتم عن الاخذ فاتخذوا حياضا على شط البحر يسوقون الحيتان إليها يوم السبت ثم ياخذونها
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ اى الفرقة الساكتة للفرقة الواعظة الناهية عن المنكر لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ فى الدنيا أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فى الاخرة قالُوا الناهون فى جوابهم مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ قرأ الجمهور معذرة بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى موعظتنا معذرة اى إبداء لعذرنا الى الله تعالى حتى لا نكون مفرطين فى النهى عن المنكر وقرأ حفص بالنصب على المصدرية او العلية اى اعتذرنا معذرة اوعظناهم معذرة وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فان الياس لا يحصل الا بعد الهلاك.
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ اى ترك الفرقة العاصية ما ذكّرهم الصلحاء الواعظون أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ يعنى الفرقة الواعظة الصالحة وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى الفرقة العاصية بِعَذابٍ بَئِيسٍ اى شديد قرأ الجمهور بفتح الباء وكسر الهمزة بعدها ياء ساكنة على وزن فعيل من بؤس يبئس بأسا إذا اشتد وقرأ ابو جعفر ونافع وابن عامر بئس على وزن فعل وكان فى الأصل بئس مفتوح الفاء مكسور العين وزن حذر فخفف عينه بنقل حركتها الى ما قبلها فصار بئس بسكون الهمزة او هو فعل ذم وصف به فجعل اسما الا ان ابن عامر يهمز ونافع وابو جعفر لا يهمزان بل يقلبان الهمزة ياء ويقران بيس وقرأ ابو بكر عن عاصم بخلاف عنه بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة على وزن فيعل مثل صيقل بِما كانُوا يَفْسُقُونَ قال ابن عباس رضى الله عنه اسمع الله يقول أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئس فلا أدرى ما فعل الفرقة الساكتة قال عكرمة قلت له جعلنى الله فداك الا تريهم قد أنكروا وكرهوا ما هم عليه وقالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم وان لم يقل الله انجيتهم لم يقل أهلكتهم فاعجبه قولى فرضى وامر لى ببردين فكسانيها وقال نجت الفرقة الساكتة كذا روى الحاكم وقال يمان بن رباب نجت الطائفتان الذين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم والذين قالوا معذرة الى ربكم وأهلك الله الذين أخذوا لحيتان وهذا قول الحسن ومجاهد وقال ابن زيد نجت الناهية وهلكت الفرقتان وهذه أشد اية فى ترك النهى عن المنكر.
فَلَمَّا عَتَوْا اى تكبر الفرقة الخاطئة عَنْ ما نُهُوا
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ تفعل من الاذن ومعناه العزم المصمم الذي لا يتخلف لان العازم على الشيء يوذن نفسه بفعله ولذلك اجرى مجرى فعل القسم كعلم الله وشهد الله ولذلك أجيب بجوابه وقال ابن عباس معنى تأذن ربك قال ربك وقال مجاهد امر ربك وقال عطاء حكم ربك وعلى الأقوال غير الاول لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ جواب قسم محذوف اى والله ليسلطن الله تعالى على اليهود إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ بالقتل والضرب والسبي وأخذ الجزية فبعث الله عليهم سليمان وبعده بخت نصر فخرب ديارهم وقتل مقاتلتهم وسبى نسائهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم فكانوا يؤدونها الى المجوس حتّى بعث الله محمدا صلى الله عليه واله وسلم فقتل بنى قريظة وسبى نسائهم وذراريهم وأجلا بنى نضير وبنى قينقاع وأجلا عمر عن خيبر وفدك وامر الله سبحانه بقتالهم الى يوم القيامة حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ لمن عصاه ولذا عاقبهم فى الدنيا وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن تاب وأمن.
وَ
فرقناهم فِي الْأَرْضِ أُمَماً فرقا فشتت أمرهم حتى لا يكون لهم شوكة قط ولا يجتمع كلمتهم مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ الذين أمنوا بمحمد صلى الله عليه واله وسلم كذا قال ابن عباس ومجاهد قلت والظاهر ان المراد الذين على دين موسى صالحين قبل نسخه بقرينة قوله فخلف من بعدهم خلف وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ تقديره ومنهم ناس دون ذلك اى منحطون عن الصلاح وهم الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه واله وسلم او كانوا فساقا قبل نسخ دين موسى او كفارا لعيسى وداود وسليمان وَبَلَوْناهُمْ اى اختبرناهم بِالْحَسَناتِ اى النعم وَالسَّيِّئاتِ اى النقم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ اى لكى ينتبهوا فيرجعوا عما كانوا عليه من الكفر والفسق بشكر المنعم عند النعمة وبالتوبة عند حلول النقمة.
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ اى جاء بعد المذكورين الذين وصفناهم خَلْفٌ القرن الذي يجئ بعد قرن كذا فى القاموس وقال ابو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع سواء والخلف بفتح اللام البدل سواء كان ولدا وغريبا وقال ابن الاعرابى الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح وقال النضر بن شميل الخلف بتحريك اللام وإسكانها فى القرن السوء واما فى القرن الصالح فتحريك اللام لا غير وقال محمد بن جرير اكثر ما جاء فى المدح بفتح اللام وفى الذم بتسكينها وقد يحرك فى الذم ويسكن فى المدح قال البيضاوي هو مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع وقيل جمع والمراد به الذين كانوا فى عصر النبي صلى الله عليه واله وسلم وَرِثُوا الْكِتابَ اى انتقل إليهم الكتاب يعنى التورية من ابائهم يقرؤنها ويطلعون على ما فيها يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى يعنى حطام هذا العالم الأدنى يعنى الدنيا وهو من الدنو او الدناءة والعرض المتاع وكل شىء سوى النقدين او ما كان من مال قل او كثر وهو المراد هاهنا وقيل العرض ما لا يكون له ثبات ومنه استعار المتكلمون العرض لما لم يكن له ثبات الا بالجوهر كاللون والطعم ولذا قيل الدنيا عرض حاضر يعنى لاثبات لها والمراد به ما كان علماء اليهود يأخذون من جهالهم فياكلون ولذلك كتموا نعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وحرّفوا كلام الله تعالى خوفا من زوال ماكلتهم وما كانوا يأخذون من الرشى فى الحكم والجملة حال من الضمير المرفوع فى ورثوا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا يحتمل العطف والحال والفعل مسند الى الجار والمجرور او الى الضمير العائد الى مصدر يأخذون يعنى بتمنون على الله المغفرة بلا توبة مع الإصرار على الذنب وهذا امر شنيع
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ قرأ ابو بكر مخففا من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل وقرأ ابى بن كعب والذين تمسكوا بِالْكِتابِ على صيغة الماضي لما عطف عليه وَأَقامُوا الصَّلاةَ قال مجاهدهم المؤمنون من اهل الكتب عبد الله بن سلام وأصحابه تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى عليه السلام فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه ماكلة بل عملوا بما فيه حتّى أمنوا بمحمد صلى الله عليه واله وسلم وقال عطاءهم امة محمد صلى الله عليه واله وسلم والذين يمسكون عطف على الذين يتقون وقوله أفلا يعقلون اعتراض او مبتدأ خبره إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ على تقدير منهم او وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على ان الإصلاح كالمانع من التضييع.
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ متعلق باذكر واصل النتق الجذب والمعنى قلعناه ورفعناه فَوْقَهُمْ اى فوق بنى إسرائيل حين أبوا ان يقبلوا احكام التورية لثقلها فرفع الله عليهم الجبل كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ سقيفة وهى كل ما اظلك وَظَنُّوا اى أيقنوا
وَاذكر إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ فيه اختصار تقديره من آدم وبنى آدم مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بنى آدم بدل البعض والمعنى إذا خرج ربك من ظهور آدم بنيه ذُرِّيَّتَهُمْ قرأ نافع وابو عمرو وابن عامر ويعقوب ذرياتهم على صيغة الجمع والباقون على الافراد وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ اى اشهد بعضهم على بعض وقال لهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته الى يوم القيامة وجعل بين عينى كل انسان منهم وبيصا «١» من نور ثم عرضهم على آدم فقال اى رب من هؤلاء قال ذريتك فراى منهم رجلا فاعجبه وبيص عينيه فقال اى رب من هذا قال داود قال رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال رب زده من عمرى أربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلما انقضى عمر آدم الا أربعين جاءه ملك الموت فقال آدم الم يبق من عمرى أربعين سنة قال او لم تعطها ابنك داود فجحد آدم فجحدت ذريته ونسى آدم فاكل من الشجرة ونسيت ذريته وخطأ آدم فخطأت ذريته ورواه الترمذي عن ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فاخرج ذريته بيضاء كانهم الذر وضرب كتفه اليسرى فاخرج ذريته سوداء كانهم الحمم قال للذى فى يمينه الى الجنة ولا أبالي وقال للذى فى كتفه اليسرى الى النار ولا أبالي رواه احمد كذا ذكر مقاتل وغيره من اهل التفسير فذكروا نحوه وفى آخره ثم أعادهم جميعا فى صلبه فاهل القبور محبوسون حتى يخرج اهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء قال الله تعالى فيمن نقض العهد الاول وما وجدنا لاكثرهم من عهد وعن مسلم بن يسار قال سئل عمر بن الخطاب عن هذه الاية وإذ أخذ ربك من بنى آدم الاية قال عمر رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يسأل منها فقال ان الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره
وذلك معنى قوله تعالى وله اسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها شَهِدْنا قال السدى هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملئكته انهم شهدوا على اقرار بنى آدم وقال بعضهم هو خبر من قول بنى آدم حين اشهد الله بعضهم على بعض فقالوا بلى شهدنا وقال الكلبي ذلك من قول الملئكة وفيه حذف تقديره لما قالت الذرية بلى قال الله تعالى للملئكة اشهدوا قالوا شهدنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ منصوب على العلية قرأ ابو عمرو ويقولوا فى الموضعين بالياء التحتانية على الغيبة تقديره اشهدهم كراهية ان يقولوا او لئلا يقولوا والباقون بالفوقانية على الخطاب تقديره اخاطبكم بالست بربكم كراهة ان تقولوا او لئلا تقولوا قلت والاولى «١» ان يقال تقديره على قراءة ابى عمرو ذكرهم يا محمد بالميثاق كراهة ان يقولوا انا كنا عن هذا غافلين وعلى قراءة الجمهور أخبرتكم ايها الناس بالميثاق كراهة ان تقولوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا الميثاق او الإقرار غافِلِينَ فان قيل كيف يلزم الحجة واحد لا يذكر الميثاق قيل لما اخبر بذلك المخبر الصادق المؤيد بالمعجزة لزمهم الحجة ولا يسقط الاحتجاج بعدم حفظهم
.
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ اى نبينها ليتدبر فيها العباد ويتذكروا ما نسوا وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ معطوف على مقدر تقديره لعلهم يتدبرون ويتذكرون ما نسوا ولعلهم يرجعون من الكفر الى التوحيد كذا قال السلف الصالح وجمهور المفسرين على ما يشهد به الأحاديث وقال البيضاوي ومن تبعه معنى الاية وإذ أخذ ربك اى اخرج من صلب آدم وأصلاب بنيه نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن واشهدهم على أنفسهم اى نصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فى عقولهم ما يدعوهم الى الإقرار بالتوحيد حتى صاروا كانهم قيل لهم الست بربكم قالوا بلى فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم فيه منزلة الاشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل قال البيضاوي ويدل عليه قوله قالوا بلى شهدنا ان تقولوا اى كراهة ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين اى لم تنبه بالدليل او تقولوا انما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فاقتدينا بهم لان التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم لا يصلح عذرا وقال والمقصود من إيراد هذا الكلام الزام اليهود مقتضى الميثاق العام بعد ما الزمهم الميثاق المخصوص بهم فى التورية والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية والعقلية ومنعهم عن التقليد وحملهم على النظر والاستدلال كما قال الله تعالى وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون عن التقليد واتباع الباطل والقائل بهذا التفسير يأول الأحاديث المذكورة ايضا والله اعلم.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ اى اليهود نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها اى من الآيات بان كفر بها واعرض عنها قال ابن عباس هو بلعم بن باعور وقال مجاهد بلعام بن باعور قال عطية عن ابن عباس كان من بنى إسرائيل وروى ابو طلحة عنه انه كان من الكنعانيين من مدينة الجبارين وقال مقاتل من مدينة بلقاء وكانت قصته على ما ذكره ابن عباس وابن اسحق والسدى وغيرهم ان موسى عليه السلام لما قصد حرب الجبارين ونزل ارض بنى كنعان من ارض الشام اتى قوم الى بلعم وكان عنده اسم الأعظم فقالوا ان موسى عليه السلام رجل حديد ومعه جنود كثيرة وانه قد جاءنا يخرجنا من ديارنا ويقتلنا ويحلها بنى إسرائيل وأنت رجل مجاب الدعوة فاخرج فادع الله ان يردهم عنا قال ويلكم
كل عيش وان تطاول دهرا | صائر مرة الى ان يزولا |
ليتنى كنت قبل ما بدا لى | فى قلال الجبال أرعى الوعولا |
ان يوم الحساب يوم عظيم | شاب فيه الصغير يوما ثقيلا |
وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ الى منازل الأبرار من العلماء بِها اى بسبب تلك الآيات وقال مجاهد لرفعنا عنه الكفر وعصمناه بالآيات وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ اى مال الى الدنيا والى السفالة كنى من الدنيا بالأرض لمناسبة الاسفلية او لان ما فيها من البلاد والعقار كلها ارض وسائر متاعها مستخرج من الأرض قال الزجاج خلد واخلد واحد وأصله من الخلود وهو الدوام والمقام يقال اخلد فلان بالمكان إذا اقام به وَاتَّبَعَ هَواهُ فى إيثار الدنيا واسترضاء قومه واعرض عن مقتضيات الآيات أسند الله سبحانه الرفع الى مشيئته والخلود الى الأرض بمعنى الاقامة على الميل الى الدنيا الى العبد اشارة الى ان هذا امر طبعى يقتضيه ذاته لاجل إمكانه وعدمه الذاتي والرفع الى الدرجات العلى امر وهبى انما يستفاد من سبحانه بفضله وقال البيضاوي علق رفعه بمشية الله ثم استدرك عنه بفعل العبد تنبيها على ان المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه وان عدمه دليل على عدمها دلالة انتفاء المسبب على انتفاء سببه وان السبب
ساءَ فاعله مضمر تميزه مَثَلًا الْقَوْمُ اى مثل القوم حذف المضاف واعراب المضاف اليه إعرابه الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ معطوف على كذبوا داخل فى الصلة يعنى الذين كذبوا وظلموا أنفسهم او منقطع عما سبق والمعنى وما يظلمون الا أنفسهم فان وباله لا يتخطاها ولذلك قدم المفعول.
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي أفرد حملا على لفظة من وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أورد لفظ الجمع حملا على المعنى فيه تصريح بان الهدى والضلال من الله تعالى وان هداية الله تعالى يختص ببعض دون بعض وانها مستلزمة للاهتداء وليس معنى الهدى من الله البيان كما قالت المعتزلة وفى افراد لفظ المهتدى وجمع الخاسرين تنبيه
وَلَقَدْ ذَرَأْنا اى خلقنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى المصرين على الكفر فى علمه تعالى عن عائشة عنه صلى الله عليه واله وسلم ان الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم رواه مسلم ونحو ذلك فيما مر من حديث إخراج الذرية من صلب آدم وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وفى يديه كتابان فقال أتدرون ما هذان الكتابان قلنا لا يا رسول الله الا ان تخبرنا فقال للذى فى يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه اسماء اهل الجنة واسماء ابائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ابدا ثم قال للذى فى شماله هذا كتاب من رب العالمين فيه اسماء اهل النار واسماء ابائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ابدا فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول الله ان كان امر قد فرغ منه قال سددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل اهل الجنة وان عمل اىّ عمل وان صاحب النار يختم له بعمل اهل النار وان عمل اىّ عمل ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريق فى الجنة وفريق فى السعير رواه الترمذي فان قيل كيف التوفيق بين هذه الاية وو بين قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون قلنا خلق الجن والانس كلهم للعبادة من حيث نفس الخلق واصل الحكمة فى خلق العالم من غير ملاحظة علم الله فيهم اختيار الكفر وخلق كثيرا من الجن والانس لجهنم نظرا الى انه تعالى علم منهم اختيار الكفر وحق القول منه لا ملئن جهنم من الجنة والناس أجمعين ولا منافاة بين الحيثيتين وما قيل ان قوله تعالى ما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وان كان عاما صيغة لكن أريد به الخصوص يعنى من علم منهم الايمان والطاعة فليس بشئ وقول المعتزلة بان هذا لام العاقبة اى ليكون عاقبتهم جهنم فلما كان عاقبتهم جهنم جعل كانهم خلقوا لها قرارا عن ارادة الله المعاصي عدول عن الظاهر لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ
اى ليس فيها استعداد معرفة الحق والنظر فى دلائله وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ونظر الاعتبار فى دلائله وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الآيات والموعظ سماع تأمل وتذكر أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ فى عدم الفقه والابصار للاعتبار والاستماع للتدبر وان مشاعرهم وقواهم مقصورة على الاكل والشرب والجماع واسباب التعيش بَلْ هُمْ أَضَلُّ من الانعام لان للانعام تميزا بين الضار والنافع من وجه فتجتهد فى جذب المنافع ودفع المضار غاية جهدها والكفار منهم من يقدمون على النار المؤبدة معاندة مع العلم بالهلاك قال الله تعالى يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ومنهم من كابر العقول وارتكب الفضول وضيّع ما أودع الله فيه من العقل والشعور فكيف يستوى المكلف المأمور والمخلى المعذور أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ كمال الغفلة لا غيرهم بمثل تلك الغفلة هذه الجملة تدل على ان للانعام والجمادات شعورا ما بخالقهم ليسوا بغافلين كمال الغفلة ويشهد هذا قوله تعالى وان من شىء الا يسبح بحمده وقوله تعالى الم تر ان الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب قال مقاتل ان رجلا دعا الله فى صلوة ودعا الرحمن فقال بعض المشركين من اهل مكة ان محمدا صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه يزعمون انهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو اثنين فانزل الله عز وجل.
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى دالة على معان هى احسن المعاني والمراد بها الألفاظ الدالة على الذات المتصفة بالصفات دون الصفات فحسب وبينهما بون بعيد فَادْعُوهُ بِها اى قسموه بتلك الأسماء فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان لله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدة من أحصاها دخل الجنة وفى رواية وهو وتر يحب الوتر ولم يذكر الشيخان تعيين الأسماء التسعة والتسعين المذكورة فى هذا الحديث لعدم ثبوته على شرطها وذكر الترمذي والبيهقي فى الدعوات الكبير تعيينها عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلى الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولي الحميد المحصى المبدى المعيد المحى المميت الحي القيوم الواحد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الاول
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ قرأ حمزة هنا وفى فصلت بفتح الياء والحاء والباقون بضم الياء وكسر الحاء ومعنى الإلحاد واللحد الميل عن القصد قال يعقوب بن السكيت الإلحاد هو العدول عن الحق وإدخال ما ليس منه فيه يقال الحد فى الدين ولحد والذين يلحدون فى أسمائه هم المشركون عدلوا بأسماء الله عما هى عليه فسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا فاشتقوا اللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان هذا قول ابن عباس ومجاهد وقيل هو تسميتهم الأصنام الهة روى عن ابن عباس معنى يلحدون فى أسمائه يكذبون وقال اهل المعاني الإلحاد فى اسماء الله تعالى تسميته تعالى بما لم يتسم ولم ينطق به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم والحاصل ان اسماء الله تعالى توقيفية فانه يسمى جوادا ولا يسمى سخيا ويسمى عالما ولا يسمى عاقلا ويسمى رحيما ولا يسمى رقيقا وقال الله عز وجل يخادعون الله وهو خادعهم وقال عز وجل ومكروا ومكر الله ولا يقال يا خادع يا مكار ويقال يا قائم بالقسط ولا يقال يا قائم ولا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا كبير من زيد وان كان زيد اكبر من ملوك الدنيا بل يدعى بأسمائه التي ورد بها التوقيف على وجه التعظيم ولا يجوز لنا أخذ اسم من اسماء الله تعالى التي ورد فى التورية من اليهود لعدم الاعتماد على قولهم لكفرهم لكن من اسلم من أحبارهم وحسن إسلامه فلا بأس بالأخذ منه فان عمر رضى الله عنه وابن عباس وأبا هريرة وغيرهم من الصحابة كانوا يسألون أبناء التورية من كتب الأحبار وعبد الله بن سلام من غير نكير فمعنى الاية على هذا وذروا تسمية الزائغين فيها الذين يسمونه بما لم يرد به الشرع او المعنى ذروا الملحدين يعنى لا تبالوا بانكارهم فيما سمى به نفسه كقولهم ما نعرف إلا رحمن اليمامة او المعنى ذروهم والحادهم فيها بإطلاقها على الأصنام واشتقاق أسمائها منها كاللات ولا توافقوهم عليه او اعرضوا عنهم فان الله مجازيهم كما قال سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد امة محمد صلى الله عليه واله وسلم
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى كفار مكة سَنَسْتَدْرِجُهُمْ يعنى سنقربهم الى الهلاك قليلا قليلا واصل الاستدراج الاستصعاد او الاستنزال درجة بعد درجة مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ قال عطاء سنمكر بهم من حيث لا يعلمون وقال الكلبي تزين لهم أعمالهم فنهلكهم وقال الضحاك كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وقال سفيان الثوري نسبغ عليهم النعمة وننسيهم الشكر.
وَأُمْلِي لَهُمْ عطف على سنستدرجهم يعنى امهلهم وأطيل لهم مدة عمرهم وازين أعمالهم السوء وامهلها ليتمادوا فى المعاصي المفضية الى الهلاك إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ اى أخذي شديد وانما سماه كيدا لان ظاهره احسان وباطنه خذلان قال ابن عباس ان مكرى شديد قيل نزلت فى المستهزئين فقتلهم الله فى ليلة واحدة والله اعلم اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قام على الصفا ليلا فجعل يدعو قريشا فخذا فخذا يا بنى فلان يا بنى فلان يحذرهم بأس الله ووقائعه فقال قائلهم ان صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت الى الصباح فانزل الله تعالى.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا سكته ما بِصاحِبِهِمْ محمد صلى الله عليه واله وسلم مِنْ جِنَّةٍ اى جنون إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ موضح إنذاره بصوره جلى بحيث لا يخفى على أحد.
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا نظر استدلال فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يعنى ما يقع عليه اسم الشيء من الأجناس التي لا يحصى الدلالة على كمال قدرة صانعها ووحدته ليظهر لهم صحة ما يدعوهم اليه وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ عطف على ملكوت وان مصدرية او خفيفة عن الثقيلة واسمه ضمير الشان وكذا اسم يكون والمعنى او لم ينظروا فى اقتراب اجالهم وتوقع حلولها حتّى يسارعوا الى طلب الحق والتوجه الى ما ينجيهم قبل حلول اجالهم والاستفهام فى او لم يتفكروا واو لم ينظروا للانكار والتعجب والواو للعطف على محذوف تقديره الم يؤمنوا بالقران والنبي ورموه بالجنون ولم يتفكروا ولم ينظروا
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ قرأ ابو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الله والباقون بالنون على التكلم وقرأ حمزة والكسائي يذرهم بالجزم عطفا على محل فلا هادى له كانه قال فلا يهده أحد غيره ويذرهم والباقون بالرفع على الاستيناف فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يترددون متحيرين يعمهون حال من الضمير المنصوب فى يذرهم اخرج ابن جرير عن قتادة وغيره انه قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان بيننا وبينك قرابة فاشر إلينا متى الساعة واخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس قال قال حمل بن ابى قشير وسمول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم متى الساعة ان كنت نبيا كما تقول فانا نعلم ما هى فانزل الله تعالى.
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ اى القيامة وهى من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها اما لوقوعها بغتة او لسرعة حسابها او لانها على طولها عند الله كساعة أَيَّانَ متى مُرْساها مصدر ميمى يعنى ارسائها اى إثباتها واستقرارها ورسوا لشئ ثباته واستقراره ومنه رسا الجبل وارسى السفينة قال ابن عباس معناه منتهاها وقال قتادة قيامها قُلْ يا محمد إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي استأثر بعلمها لا يعلمها الا هو لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا لا يُجَلِّيها اى لا يظهر أمرها ولا يكشف خفائها لِوَقْتِها اى فى وقتها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى ثقل علمها وخفى أمرها بأعلى اهل السموات والأرض وكل خفى ثقيل او يقال كل من اهل السموات والأرض من الملئكة وغيرهم أهمه شان الساعة ويتمنى ان يتجل له علمها وشق عليه خفائها او ثقلت فيها لانهم يخافون شدائدها وأهوالها وقال الحسن معناه إذا جاءت ثقلت على أهلها من الملئكة والثقلين وعظمت كانه اشارة الى الحكمة فى اخفائها لا تَأْتِيكُمْ الساعة إِلَّا بَغْتَةً فجاءة على غفلة فى الصحيحين عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمها ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته الى فيه فلا يطعمها واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمر قال لينفخن فى الصور والناس فى طرقهم وأسواقهم
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا اى جلب منفعة ولا دفع مضرة دينية ولا دنيوية وهو اظهار للعبودية والتبري عن دعوى العلم بالغيب إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ من ذلك فيعلمنى به وحيا جليا او خفيا ويعطنى قدرة على جلب النفع او دفع الضرر وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ يعنى لاستكثرت من جلب المنافع ودفع المضار حتّى لا يمسنى سوء ولم أكن مغلوبا فى الحروب تارة وغالبا اخرى وقيل معناه لو كنت اعلم الغيب يعنى متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح وما مسنى السوء يعنى اجتنب عما يكون من الشر والفتنة وقيل معناه لو كنت اعلم الغيب اى متى الساعة لاخبرتكم حتّى تؤمنوا وما مسّنى السوء بتكذيبكم وقيل ما مسنى السوء كلام مبتدأ رد لقولهم انك مجنون يعنى ما مسنى جنون إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ للكافرين وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقون وجاز ان يكون لقوم يؤمنون متعلقا
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم عليه السلام وَجَعَلَ مِنْها اى من جسدها من ضلع من أضلاعها زَوْجَها حواء لِيَسْكُنَ إِلَيْها اى ليانس بها ويطمئن إليها ذكر للضمير ذهابا الى المعنى ليناسب قوله فَلَمَّا تَغَشَّاها اى جامعها حَمَلَتْ حواء حَمْلًا خَفِيفاً خف عليها ولم تلق منه ما تلقى الحوامل غالبا من الأذى او محمولا خفيفا وهو النطفة فَمَرَّتْ بِهِ اى فمضت به الى وقت ميلاده من غير إخراج ولا ازلاق او فاستمرت به وقامت وقعدت ولم يثقلها فَلَمَّا أَثْقَلَتْ اى صارت ذات ثقل إذ اكبر الولد فى بطنها دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما اى دعا آدم وحواء لَئِنْ آتَيْتَنا يا ربنا صالِحاً سويّا قد صلح بدنه مثلنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لك على هذه النعمة المجددة قال البغوي قال المفسرون لما حملت حواء أتاها إبليس فى صورة رجل وقال لها ما الذي فى بطنك قالت ما أدرى قال أخاف ان يكون بهيمة او كلبا او خنزيرا وما يدريك من اين يخرج من دبرك فيقتلك او من فيك او ينشق بطنك فخافت حواء من ذلك وذكرت ذلك لادم عليه السلام فلم يزالا فى هم من ذلك ثم عاد إليها فقال انى من الله بمنزلة فان دعوت الله ان يجعله خلقا سويا مثلك ويسهل عليك خروجه أتسميه عبد الحارث وكان اسم إبليس فى الملئكة الحارث فذكرت لادم عليه السلام فقال لعله صاحبنا الذي قد علمت فعاودها إبليس فلم يزل بهما إبليس حتى غرهما فلما ولدت سمياه عبد الحارث قال الكلبي قال لها ان دعوت الله فولدت إنسانا أتسميه بي قالت نعم فلما ولدت قال سميه بي قالت وما اسمك قال الحارث ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث وروى عن ابن عباس قال كانت حواء تلد وآدم يسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت فسمياه عبد الحارث فعاش واخرج احمد والترمذي وحسنه وقال غريب والحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فانه يعيش فسمته فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان وامره قال البغوي جاء فى الحديث انه خدمهما إبليس مرتين مرة فى الجنة ومرة فى الأرض وقال ابن زيد ولد لادم فسماه عبد الله فاتها إبليس فقال ما سميتهما ابنكما قالا عبد الله وكان قد ولد لهما قبل ذلك ولد فسمياه عبد الله فمات فقال إبليس أتظنان ان الله تارك عبده عندكما والله ليذهبن به كما ذهب بالاخر ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما فسمياه عبد الشمس قال البغوي والاول أصح.
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً بشرا سويا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ
قرأ ابو بكر شركاء بكسر الشين والتنوين اى شركة قال ابو عبيدة يعنى حظا ونصيبا وقرأ الآخرون بضم الشين وفتح الراء والمد والهمز جمع شريك قال البغوي اخبر عن الواحد بلفظ الجمع اى جعلا له شريكا إذ سمياه عبد الحارث وقال لم يكن هذا اشراكا فى العبادة ولا فى اعتقاد ان الحارث ربهما فان آدم كان نبيا معصوما من الشرك ولكن قصد ان الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامة امه وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به انه مملوك كما يطلق اسم الرب على من لا يراد به انه معبود وهذا كالرجل إذا نزل به ضيف يسمى نفسه عبد الضيف على وجه الخضوع لا على ان الضيف ربه ويقول للغير انا عبدك وقال يوسف لعزيز مصر انه ربى احسن مثواى ولم يرد به انه معبوده كذلك هذا وقال الحسن وعكرمة معنى قوله تعالى جعلا له شركاء انه جعل أولادهما يعنى كفار مكة وغيرهم له تعالى شركاء فيما اتى أولادهما على حذف المضاف فى الموضعين واقامة المضاف اليه مقامه نظيره قوله تعالى ثم اتخذتم العجل وإذ قتلتم نفسا خطابا للذين كانوا فى عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم من اليهود وكان ذلك من فعل ابائهم والمعنى ثم اتخذ آباؤكم العجل وإذ قتل اسلافكم نفسا ويؤيد هذا القول إيراد شركاء بصيغة الجمع وقوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يعنى الأصنام وكذا ما بعدها من الآيات وقال البغوي قيل هذا ابتداء كلام وأراد به اشراك اهل مكة ولئن أراد ما سبق فمستقيم من حيث انه كان الاولى بهما ان لا يفعلا ما فعلا من الإشراك فى الاسم وقال السيوطي هذا معطوف على خلقكم وما بينهما اعتراض وقال البغوي وقيل هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوهم ونصروهم وقال ابن كيسان هم الكفار سموا أولادهم عبد العزى وعبد اللات وعبد المناف وعبد الشمس وقال عكرمة خاطب كل واحد من الخلق بقوله خلقكم من نفس واحدة اى من أبيه وجعل منها اى من جنسها زوجها قال البغوي وهذا قول الحسن والاول قول السلف ابن عباس ومجاهد وسعيد بن المسيب وجماعة من المفسرين انه آدم وحواء قلت ذكر الله سبحانه من آدم قصة أكل الشجرة بعد ما نهى عنه واشنع عليه فى القران فى عدة مواضع حيث قال وعصى آدم ربه فغوى وذكر انه ندم على ذلك كثيرا حيث قال ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين فتاب الله سبحانه عليه وقال ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ومع ذلك ندم آدم على تلك الزلة ابدا حتّى انه ورد فى الصحيحين فى حديث طويل عن انس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال يحبس المؤمنون يوم القيامة حتّى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيريحنا
أَيُشْرِكُونَ به تعالى ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً يعنى إبليس والأصنام وَهُمْ يُخْلَقُونَ هم ضمير للاصنام جئ به بناء على تسميتهم الهة.
وَلا يَسْتَطِيعُونَ اى الأصنام لَهُمْ لعبدتهم نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فيدفعون عن أنفسهم مكروه من أرادهم بكسر او نحو ذلك.
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ اى المشركين إِلَى الْهُدى اى الإسلام لا يَتَّبِعُوكُمْ قرأ نافع هاهنا وفى الشعراء يتبعهم الغاوون بسكون التاء المثناة من فوق وفتح الموحدة من المجرد والباقون بتشديد المثناة وكسر الموحدة من الافتعال وهما بمعنى يقال تبعه واتبعه اتباعا وقيل الخطاب للمشركين والضمير المنصوب فى تدعوهم للاصنام اى ان تدعوا ايها الكفار الأصنام الى ان يهدوكم لا يتبعوكم اى لا يجيبوكم الى مرادكم كما يجيب الله سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ لم يقل أم صمتم لرعاية رؤس الاى وللمبالغة فى عدم إفادة الدعاء من حيث ان الدعاء مستو بالثبات على الصمات او لانهم ما كانوا يدعونها لحوائجهم فكانه قيل سواء عليكم أحداثكم دعائهم واستمراركم على الصمات عن دعائهم.
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ ايها المشركون مِنْ دُونِ اللَّهِ اى تعبدونهم وتسمونهم الهة عِبادٌ أَمْثالُكُمْ اى مخلوقة مملوكة مذللة مسخرة لما أريد منهم قال مقاتل أراد به الملئكة والخطاب مع قوم يعبدون الملئكة والاول أصح فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ انها الهة ويحتمل انهم لما نحتوا الأصنام بصورا لاناسى قال لهم ان منتهى أمرهم ان يكونوا احياء عقلاء أمثالكم فلا يستحقون عبادتكم كما لا يستحقها بعضكم من بعض ثم بين انها دونكم منزلة فقال.
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها قرأ ابو جعفر هاهنا وفى القصص والدخان بضم الطاء والباقون بكسرها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها كما هى لكم فكيف تعبدون ما هى أدون منكم منزلة قُلِ يا محمد ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ايها المشركون ثُمَّ كِيدُونِ قرأ هشام بخلاف عنه بإثبات الياء فى الحالين وابو عمرو بإثباتها فى الوصل خاصة والباقون بحذفها فى الحالين يعنى بالغوا فيما
إِنَّ وَلِيِّيَ اى حفيظى اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ القران وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ من عباده فضلا من أنبيائه قال ابن عباس الذي لا يعدلون بالله شيئا فالله يتولاهم بنصره ولا يضرهم عداوة من عاداهم.
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ من تمام التعليل لعدم مبالاته بهم.
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا يعنى الأصنام وَتَراهُمْ ايها المخاطب يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ يعنى انهم يشهون الناظر إليك لانهم صوروا الصورة الإنسان وقال الحسن معنى الاية ان تدعوهم يعنى المشركين على الإسلام لا يسمعوا اى لا يعقلون ذلك بقلوبهم وتراهم ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرون بقلوبهم والله اعلم.
خُذِ الْعَفْوَ قال عبد الله بن الزبير ومجاهد امر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه واله وسلم ان يأخذ العفو من اخلاق الناس وأعمالهم وما يسهل عليهم وذلك مثل قبول اعتذار والعفو والمساهلة وترك البحث عن الأشياء والتجسس ونحو ذلك ولا تطلب ما يشق عليهم فالعفو هو ضد الجهد وقيل معناه خذ العفو عن المذنبين اخرج البخاري عن ابن عباس قال قدم عيينة بن حصين بن حذيفة فدخل على ابن أخيه الحر بن يقيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء اصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا او شبانا فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا فاستاذن لى عليه قال ساستاذن لك عليه قال ابن عباس فاستاذن الحر للعيينة فاذن له عمر فلما دخل قال يا ابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتّى هم ان يوقع به فقال الحسن يا امير المؤمنين ان الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه واله وسلم خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين وان هذا من الجاهلين والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل عن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال إذا وقف العباد للحساب جاء قوم فذكر الحديث وفيه ثم نادى مناد ليقم من اجره على الله فليدخل الجنة قيل ومن ذا الذي اجره على الله قال العافون عن الناس فقام كذا وكذا الفا فدخلوها بغير حساب رواه الطبراني بإسناد حسن وروى انه نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لجبرئيل ما هذا قال لا أدرى حتّى اسأل ربى ثم رجع فقال ان ربك أمرك ان تصل من قطعك وتعطى من حرمك تعفو عمن ظلمك رواه ابن مردوية عن جابر وابن ابى الدنيا وابن جرير وابن ابى حاتم عن الشعبي مرسلا وعن ابى بن كعب
رواه الترمذي والبغوي.
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ ما زائدة بعد ان الشرطية والنزع النخس وهو الضرب برؤس الأصابع والمراد هاهنا التحريك الى الشر والإغراء والوسوسة والمعنى ان يصيبك ويعتريك مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ قال عبد الرحمن بن زيد لما نزلت قوله تعالى خذ العفو قال النبي صلى الله عليه واله وسلم كيف يا رب والغضب فنزل واما ينزغنك من الشيطان نزغ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ اى استجر به جواب الأمر محذوف اى يدفعه عنك إِنَّهُ سَمِيعٌ لقولك عَلِيمٌ بالتجائك وبما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه او سميع لاقوال من اذاك عليم بأفعاله
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة على وزن فاعل من طاف يطوف والمراد به لمة كانها طافت بهم ودارت حولهم فلم يقدر ان يؤثر فيهم او من طاف به الخيال يطيف طيفا وقرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي ويعقوب طيف بغير همز على انه مصدر على وزن ضرب او مخفف طيّف على وزن ليّن وهيّن مِنَ الشَّيْطانِ المراد به الجنس ولذلك جمع ضميره «١» تَذَكَّرُوا ما امر الله به ونهى عنه وثوابه وعقابه وان هذه لمة من الشيطان فَإِذا هُمْ اى الذين اتقوا مُبْصِرُونَ مواقع الخطاء مكائد الشيطان بسبب التذكر فيتحرّزون عنها ولا يتبعونه فيها قال السدى المتقى إذ ازل تاب وقال مقاتل ان المتقى إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف انه معصية فابصر ونزع عن مخالفة الله تعالى والاية تأكيد وتقرير لما قبلها وكذا قوله.
وَإِخْوانُهُمْ اى اخوان الشياطين يعنى الفساق وجاز ان يكون المراد بالاخوان الشياطين ويعود الضمير الى الجاهلين قال الكلبي لكل كافراخ من الشياطين يَمُدُّونَهُمْ قرأ نافع بضم الياء وكسر الميم من الامداد والباقون بفتح الياء وضم الميم من المجرد يعنى يمدهم الشياطين اى يعينونهم بالتسهيل والإغراء او هم يمدون الشياطين بالاتباع والامتثال فِي الغَيِّ اى الضلال ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ اى لا يكفوا الفساق عن الضلالة ولا يبصرون بخلاف المؤمنين تذكروا فاذا هم مبصرون كذا قال الضحاك ومقاتل او المعنى ثم لا يكفون الشياطين عن اغوائهم حتّى يردونهم قال ابن عباس لا الانس يقصرون عما يعملون من السيئات ولا الشياطين يمسكون عنهم.
وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ يا محمد بِآيَةٍ من القران او معجزة مما اقترحوه قالُوا يعنى الكفار لَوْلا اجْتَبَيْتَها اى هلا جمعتها تقولا من نفسك يقول العرب اجتبيت الكلام إذا اختلقته او هلا أخذتها من الله قال الكلبي كان اهل مكة يسألون النبي صلى الله عليه واله وسلم الآيات تعنتا فاذا تأخرت اتهموه وقالوا لولا اجتبيتها اى هلا أنشأتها من عندك قُلْ لهم يا محمد إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي اى لست بمختلق للايات او لست بمقترح لها هذا القران بَصائِرُ للقلوب بها تبصر الحق من الباطل والصواب من الخطاء او حجج وبرهان يظهر بها صدق دعواى مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي فى سننه من طريق ابى عياض عن ابى هريرة قال كانوا يتكلمون فى الصلاة فنزلت هذه الاية وفى رواية عنه انها نزلت فى رفع الأصوات خلف رسول الله صلى الله
وانما يروى الثلث من عمران وهو من افراد مسلم وحديث ابى هريرة أصح وان الشك فى العدد لا يضر مع حفظ اهل الحديث وثبوت الكلام ناسيا واما تحريم الكلام فقال ابو حاتم بن حبان انما كان الكلام بمكة فلما بلغ المسلمون بالمدينة سكتوا وقال زيد بن أرقم وهو من اهل المدينة كنا نتكلم فى الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين فامرنا بالسكوت وقال ابو سليمان الخطابي نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة يسيرة وعلى القولين كان تحريم الكلام قبل اسلام ابى هريرة بيقين واما كلام ابى بكر وعمر الناس فاجيب عنه بوجهين أحدهما ان فى رواية حماد بن زيد عن أيوب انهم اومؤا اى نعم فدل ذلك ان رواية من روى انهم قالوا نعم فيه تجوز والمراد انهم اومؤا ثانيهما انه لم ينسخ من الكلام ما كان جوابا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم لحديث ابى سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فى المسجد فدعانى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلم أجبه حتّى أتيته فقلت يا رسول الله انى كنت أصلي فقال الم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم رواه البخاري واحتج ابو حنيفة بحديث معاوية بن الحكم قال بينا نحن نصلى مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت له يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت وا ثكلى أمياه ما شانكم تنظرون الىّ فجعلوا يضربون بايديهم على افخاذهم فلما رأيتهم يصمتونى لكنى سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دعانى فبابى هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده احسن تعليما منه والله ما لهزنى «١» ولا شتمنى
(فصل) اختلف العلماء فى وجوب الاستماع والإنصات على من هو خارج الصلاة يبلغه
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ قال ابن عباس يعنى بالذكر القراءة فى الصلاة يريد يقرأ سرا فى نفسه فى صلوة السر تَضَرُّعاً وَخِيفَةً اى متضرعا وخائفا منى وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ اى متكلما كلاما فوق السر ودون الجهر أراد فى صلوة الجهر ولا تجهر جهرا شديدا بل فى خفض وسكون يسمع من خلفك كذا قال ابن عباس فى تفسير الاية فقوله ودون الجهر عطف على قوله فى نفسك قلت وجاز ان يكون المراد اقرأ القران فوق السر دون الجهر جهرا متوسطا نظيره قوله تعالى ولا تجهر بصلوتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ويؤيده حديث ابى قتادة قال ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خرج ليلة فاذا هو بابى بكر يصلى يخفض صوته ومر بعمر وهو يصلى رافعا صوته قال فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلى تخفض صوتك قال قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله وقال لعمر مررت بك وأنت تصلى رافعا صوتك قال يا رسول الله اوقظ الوسنان واطرد الشيطان فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا وقال لعمر اخفض من صوتك شيئا رواه ابو داود وروى الترمذي نحوه من حديث عبد الله بن رباح الأنصاري وجاز ان يكون المعنى اقرأ القران سرا وجهرا دون الجهر الشديد يعنى على كلا الوجهين تارة كذا وتارة كذا روى ابو داود عن ابى هريرة قال كانت قراءة النبي صلى الله عليه واله وسلم بالليل يرفع طورا ويخفض طورا وروى الترمذي عن عبد الله بن ابى قيس قال سألت عائشة عن قراءة النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يسر بالقراءة أم يجهر قالت كل ذلك قد كان يفعل ربما اسر وربما جهر قلت الحمد لله الذي جعل فى الأمر سعة قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب.
(فصل) اختلف العلماء فى كيفية القراءة فى الصلاة ليلا وخارج الصلاة فقال قوم لا بد من
(٢) المزمار الآلة التي يزمر بها والزمارة التغني يقال زمر إذا غنى شبه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حسن صوت ابى موسى وحلاوة نغمته بصوت المزمار داود النبي عليه السلام اليه المنتهى فى حسن الصوت بالقراءة ولفظ ال مقحمة وقيل معناه هاهنا الشخص ١٢
(٣) أشد اذنا اى أشد استماعا ١٢
(٤) القينة المغنية ١٢: -
وايضا القراءة بعد فراغ الامام لا يتصور فان الامام بعد الفراغ من القراءة يركع ولا قراءة للماموم بعد ما ركع الامام اجماعا ولو قام الامام ساكتا حتّى يفرغ المأموم عن قراءته لزم قلب موضوع الامامة والله اعلم بِالْغُدُوِّ اى باوقات الغدو وهو مصدر غدا يغدو غدوا إذا دخل فى وقت البكرة يعنى أول النهار فى القاموس الغدوة بالضم البكرة او ما بين صلوة الفجر وطلوع الشمس وَالْآصالِ جمع اصيل وهو العشى يعنى اخر النهار وقال البغوي هو ما بين العصر والمغرب خص هذين الوقتين بالذكر لفضلهما والمراد امة الذكر كما يدل عليه قوله تعالى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ يعنى لا تغفل من الله أصلا فى وقت من الأوقات قلت وتذئيل قوله تعالى واذكر ربك فى نفسك بقوله بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ عندية وقربا غير متكيف بالفضل والكرامة لامتناع العندية الجسمانية فى جنابه تعالى والمراد بالموصول الأنبياء والملئكة وصالحوا المؤمنين لا يَسْتَكْبِرُونَ اى لا يتكبرون بانفسهم عَنْ عِبادَتِهِ قلت بل يستكبرون أنفسهم بعبادته وَيُسَبِّحُونَهُ وينزهونه عما لا يليق به ويذكرونه يقولون سبحان ربى الأعلى وَلَهُ يَسْجُدُونَ ع اى يخصونه بالسجود والعبادة ولا يشركون به غيره عن معدان بن طلحة قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقلت أخبرني بعمل أعمله يدخلنى الله به الجنة فسكت ثم سألته الثانية فسكت ثم سألته الثالثة فقال سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال عليك بكثرة السجود لله فانك لا تسجد لله سجدة الا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة قال معد ان ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لى مثل ما قال ثوبان رواه مسلم وفى رواية عن ثوبان بلفظ ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها سيئة رواه احمد والترمذي والنسائي وابن حبان والبغوي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء رواه مسلم وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويلتى امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فابيت فلى النار رواه مسلم وعن ربيعة بن كعب قال كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاتيه بوضوئه وحاجته فقال لى سل فقلت اسألك مرافقتك فى الجنة قال او غير ذلك قلت هو ذلك قال فاعنى على نفسك بكثرة السجود رواه مسلم وقد ذكرنا مسائل سجود التلاوة فى سورة انشقت والله اعلم: - تمت سورة الأعراف ونتلوها سورة الأنفال إنشاء الله تعالى سادس عشر من المحرم من السنة الاولى من المائة الثانية عشر سنه ١٢ هجرى فقط تمّت صحّحه المولوى عبد الرحمن مدرس ومفتى مدرسه امينيه دهلى ١٥ ٥/ ٨٥ هـ ثم مولوى؟؟؟ عنه هـ سنه ١٤١٢ صفر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
فهرست سورة الأنفال من التفسير المظهرى١ مضمون صفحه ذكر قتال بدر واختلافهم في الغنائم ونزول صدر السورة ٦ ما ورد ان الأنفال يوم بدر كانت خالصة لرسول ٦ الله ﷺ ثم نسخها آية الخمس حديث بل تنصرون الا بضعفائكم ٨ مسئلة القول انا مومن خفا او إنشاء الله ٩ حديث في الجنة مائة درجة ١٠ قصه غزوة بدر ١١ سبب خروج النبي ﷺ ١١ ذكر منام عاتكة ووصول ضمضم بن عمرو بمكة ١٢ خروج قريش من مكة وخوفهم من بنى كنانة ١٣ وظهور إبليس لهم في صورة سراقة بن مالك- رؤيا ضمضم بن عمرو ١٤ رؤيا جهيم بن صلت ١٥ خروج رسول الله عليه وسلم من المدينة ١٥ دعائه ﷺ للمدينة ١٥ بعث رسول الله ﷺ بسيس بن ١٦ عمرو وعدى بن ابى الرغباء يتجسسان الاخبار عن ابى سفيان- إتيان خبر مسير قريش ومشاورته ﷺ ٢١٦ مضمون صفحه أصحابه فتكلموا وأحسنوا واستبشر ﷺ وبشرهم بأن الله وعد إحدى الطائفتين وكأني انظر مصارع القوم وكره جماعة لقاء العدو ١٧ ركب عليه السلام وابو بكر يتجسسان الاخبار ١٧ ثم بعث عليا والزبير وغرهما لذلك فاصابوا غلامين ١٩ لقريش فاستخبرهما- رجع بسيس وعدى بخبر ابى سفيان ٢٠ وصول ابى سفيان ببدر واطلاعه على مسير ٢٠ رسول الله ﷺ واسراع سيره الى الساحل حتى احرز عيره أرسل ابو سفيان ابى قريش ان ارجعوا ٢٠ الى مكة فابى ابو جهل وكره اهل الرأي منهم راى ابى جهل ورجع بنى زهرة الى مكة بقول الأخنس نزلت قريش عند بدر بالعدوة القصوى- ٢١ ونزل رسول الله ﷺ والمؤمنون ٢١ بالعدوة الدنيا وغلب المشركون على الماء فى أول أمرهم فظمى المسلمون ووسوس لهم الشيطان فانزل الله المطر على المشركين وابلا منعهم من التقدم وأفزعهم وعلى المسلمين طلّا طهّرهم واذهب
بشاوة رسول الله ﷺ بنزول الملئكة ٢٨ وظهور بعض الملئكة على بعض الناس- قتال النبي ﷺ بنفسه الشريفة ٣١ قتالا شديد او ابو بكر- النعاس في القتال امنة وفي الصلاة من الشيطان ٣٢ ما ورد في قتال الملئكة- ٣٣ وذكر موت ابى لهب- ٣٥ ما ورد في ان مصيبة المؤمن في الدنيا كفارة لة ٣٥ مسئله الفرار من الزحف كثيرة الا إذا كان ٣٧ المؤمنون اقل من شطر الكفار- ما ورد في رميه ﷺ بالحصب- ٣٩ ٢ ما ورد في فضائل اهل بدر ٤٠ استفتاح ابى جهل وذكر قتله- ٤٢ ما ورد في ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- ٤٧ قصة محاصرة بنى قريظة واستيثارهم ٥١ أبا لبابة وخيانة ابى لبابته لله ورسوله وذكر توبته- حديث اتقوا فراسة المؤمن- ٥٢ حديث استفت نفسك ٥٤ ما ورد في ان النجاة بفضل الله لا بالأعمال ٥٥ قصة اجتماع قريش ومعهم إبليس في صورة ٥٦ شيخ نجدى في دار الندوة وهجرته ﷺ من مكة الى المدينة- من اسلم من أسارى بدر ٢٥ حديث الإسلام يهدم ما كان قبله والهجرة والحج ٢٥ حديث لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر ٢٢ الا ادخله الله كلمة الإسلام- حديث أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا ٢٢ لا اله الا الله- مسائل الغنائم ٦٢ مسئلة إذا دخل واحد او اثنان دار الحرب ٦٢ بغير اذن الامام هل يخمس ما أخذ- مسئله الخمس واجب في القليل والكثير والمنع عن الفلول- مصرف الخمس
- مسئله ميراث ذوى الأرحام ١٢٤ تمام شد فهرست سورة الأنفال بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى.