ﰡ
وقِيْلَ: الشاهدُ جميع الأنبياءِ كما قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ﴾[النحل: ٨٤] والمشهودُ جميعُ الأُمَم. ويقال: الشاهدُ يوم الجمُعة، والمشهودُ يومُ عرفَةَ كما قال صلى الله عليه وسلم:" خَيْرُ الأَيَّامُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ "ويقالُ: الشاهدُ يوم النَّحرِ، والمشهودُ يوم الجمُعةِ.
﴿ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾؛ الذي له القدرةُ على أهلِ السَّماوات والأرضِ.
﴿ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾؛ أي عالِمُ بجزاءِ كلِّ عاملٍ بمَا عَمِلَ.
﴿ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ ﴾؛ من ذلكَ.
﴿ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾؛ في الآخرةِ.
﴿ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ ﴾؛ الذي أصابَهم في الدُّنيا، يقال: فَتَنْتُ الشيءَ إذا أحرقتُهُ، ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾[الذاريات: ١٣].
وَقِيْلَ: أرادَ بالفتنةِ الامتحانَ، وهو قولُهم للمؤمنين: إنْ رجَعتُم عن الإيمانِ وإلاَّ قذفناكم في النار، وهذا هو الإكراهُ، وهو من أعظمِ الفتن في باب الدِّين. وفي الآية تنبيهٌ على أنَّ هؤلاءِ الكفَّارَ لو تابُوا بعدَ الكفرِ والقتلِ لقُبلَتْ توبتُهم، وفيه دليلٌ أيضاً على أنَّ الأَولى بالْمُكْرَهِ على الكفرِ أنْ يصبرَ على ما خُوِّفَ به، وإنْ أظهرَ كلمةَ الكُفرِ كالرُّخصة له في ذلك، ولو صبرَ حتى قَُتل كان أعظمَ لأجرهِ، لأنه تعالى أثْنَى على الذين قُتلوا في الأخدودِ، وبيَّن أن لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنْهارُ، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ ﴾.
﴿ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ ﴾؛ أي هو كثيرُ التَّجاوُز والسَّتر على عبادهِ، كثيرُ الْمَحبَّةِ للمؤمنين بإحسانهِ عليهم. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ ﴾؛ أي ذُو التَّشريفِ. والمجيدُ في اللغة: هو العظيمُ الكريم لِمَا يكونُ فيه مِنَ الخيرِ، قرأ حمزةُ والكسائي وخلَف (الْمَجِيدِ) بالخفضِ نَعتاً للعرشِ، وقرأ غيرُهم بالرفعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾؛ أي يفعلُ ما يشاء لا يدفعهُ دافعٌ، ولا يمنعهُ مانعٌ.
﴿ بَلْ ﴾؛ هذا الذي أتَى به مُحَمَّدٌ.
﴿ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴾؛ أي شريفٌ كريم ليس كما يزعُمون أنه سحرٌ وشعرٌ وكهانةٌ أو أساطيرُ الأوَّلين، ولكنَّه؛ ﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾؛ عندَ الله وهو أُمُّ الكتاب. قرأ نافعُ (مَحْفُوظٌ) بضمِّ الظاء، نعتُ القرآنِ، وقرأ الباقون بالخفضِ على نعت اللَّوح، فمَن جعلَ قولَهُ تعالى (مَحْفُوظٌ) للقرآنِ فمعناهُ محفوظٌ من الزِّيادة والنُّقصان والتبديلِ والتغيُّر؛ لأنه معجِزٌ لا يقدرُ أحدٌ أن يزيدَ فيه، وعن ابنِ عبَّاس أنه قال: ((إنَّ فِي صَدْر اللَّوْحِ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَدِينُهُ الإسْلاَمُ، وَمُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنْ آمَنَ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَدَّقَ وَعَبَدَهُ وَاتَّبَعَ رَسُولَهُ، أدْخَلَهُ الْجَنَّةَ)). قال: ((وَاللَّوْحُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، طُولُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب، حَافَّتَاهُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ، وَدَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، قَلَمُهُ نُورٌ وَكَلاَمُهُ نُورٌ مَعْقُودٌ بالْعَرْشِ، وَأصْلُهُ فِي حِجْرِ مَلَكٍ مَحْفُوظٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ))، وبالله التوفيقُ.