ﰡ
ذَاتِ الوقود وصفٌ لها بغاية العطظم وارتفاعِ اللهبِ وكثرةِ ما يوجبُهُ منَ الحطبِ وأبدانِ الناس وقرئ الوقودُ بالضمِّ وقولُه تعالى
وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالمُحَلَّقُ
أيْ يشهدُ بعضُهم لبعضٍ عندَ الملكِ بأنَّ أحداً لمْ يقصرْ فيما أُمِرَ بهِ أوْ أنهم شهودٌ يشهدونَ بما فعلُوا بالمؤمنينَ يومَ القيامةِ يومَ تشهدُ عليهم أَلْسِنَتُهُمْ وأيديهُمْ وقيلَ عَلَى بمعنَى معَ والمعْنَى وهُم معَ مَا يفعلونَ بالمؤمنينَ منَ العذابِ حضورٌ لاَ يرقُّونَ لهم لغايةِ قسوةِ قُلُوبِهمْ هَذَا هُو الذي يستدعيه النظمُ الكريمُ وتنطقُ بِه الرواياتُ المشهورةُ وَقْد رُويَ أنَّ الجبابرةَ لما ألقوا المؤمنينَ في النَّارِ وهم قعودٌ حولَها علقت بهمْ النَّارُ فأحرقتُهمْ ونجَّى الله عزَّ وجلَّ المؤمنينَ منها سالمينَ وإلى هَذَا القولِ ذهَبَ الربيعُ بنُ أنسٍ والواحديُّ وعلى ذَلكَ حَمَلا قولَهُ تعالى ولهم عذابُ الحريقِ
أيْ ما أنكرُوا منهم وما عابُوا
إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد
استئناف مفصحٌ عن براءتِهم عَمَّا يعاب وينكرُ بالكليةِ على منهاجِ قولهِ ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ ضيوفَهُم تُلامُ بنسيانِ الأحبَّةِ والوطن ووَصفُهُ تعالَى بكونِه عزيزاً غالباً يُخشى عقابُه وحميداً منعماً يُرجَى ثوابُه وتأكيدُ ذلكَ بقولِه تعالَى
للإشعارِ بمناطِ إيمانهِم وقولُه تعالى
والله على كُلّ شَىْء شَهِيدٌ
وعدٌ لهم ووعيدٌ شديدٌ لمعذبيهمْ فإنَّ علمِه تعالى بجميعِ الأشياءِ التي من جُملتِها أعمالُ الفريقينِ يستدعي توفيرَ جزاءِ كُلِّ منهمَا حَتْماً
أي محنوهُم في دينهم ليرجعُوا عَنْهُ والمرادُ بهمْ إمَّا أصحابُ الأخدودِ خاصة وبالمفتونين المطرحون في الأخدودِ وإما الذينَ بلوهم في ذلكَ بالأذيةِ والتعذيبِ على الإطلاقِ وهم داخلونَ في جملتِهم دخولاً أولياً
ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ
أي عن كفرِهم وفتنتهم فإنَّ ما ذُكر من الفتنةِ في الدينِ لا يتصورُ من غيرِ الكافرِ قطعا وقولُه تعالَى
فَلَهُمْ عَذَابُ جهنم
حملة وقت خبراً لأنَّ أوْ الخبر لَهُم وعذابٌ مرتفعٌ بهِ على الفاعليةِ وهو الأحسنُ والفاءُ لتضمُّنِ المبتدأِ معنى الشرطِ ولا ضيرَ في نسخِه بأنَّ وإنْ خالفَ الأخفشُ والمَعنى لهُم في الآخرة عذاب جهنَم بسببِ كفرِهم
وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق
وهي نارٌ أُخرى عظيمةٌ بسببِ فتنتِهم للمؤمنين
على الإطلاقِ منَ المفتونينَ وغيرِهم
لَهُمْ
بسببِ ما ذكر من الإيمان والعملِ الصالحِ
جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار
إن أريد بالجنات الأشجار لجريان الأنهارِ من تحتها ظاهرٌ وإنْ أُريد بها الأرضُ المشتعلة عليها فالتحية باعتبارِ جزئِها الظاهرِ فإن أشجارَها ساترةٌ لساحتِها كما يعربُ عنْهُ اسمُ الجنةِ وقد مرَّ بيانُه مراراً
ذلك
إشارةٌ إمَّا إلى الجناتِ الموصوفةِ والتذكيرُ لتأويلِها بما ذكرَ للإشعارِ بأنَّ مدارَ الحكمِ عنوانُهَا الذي يتنافس فيها المتنافسون فإنَّ اسمَ الإشارةِ متعرضٌ لذاتِ المشارِ إليهِ منْ حيثُ اتصافُهُ بأوصافِه المذكورةِ لا لذاتِه فقطْ كما هو الشأن الضميرِ فإذا أشيرَ إلى الجناتِ منْ حيثُ ذكرُهَا فقد اعتبر منها عنوانُها المذكورُ حتماً وإما إلى ما يُفيده قولُه تعالَى لهم جناتٌ الخ من حيازتِهم لَها فإنَّ حصولها لهم مستلزم لحايزتهم لها قَطْعاً وأيَّا ما كان فما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجتِه وبُعدِ منزلتِه في الفضلِ والشرفِ ومحله الرفعُ على الابتداءِ خبرُه ما بعدُه أي ذلكَ المذكورُ العظيمُ الشأنِ
الفوز الكبير
الذي تصغر عندَهُ الدُّنيا وَمَا فِيْهَا من فنون الرغائب بحذافيرها والفوزُ النجاةُ منَ الشرِّ والظفر بالخير فعالى الأولِ هو مصدرٌ أُطلق على المفعولِ مبالغة وعلى الثانِي مصدرٌ عَلَى حالِه
استئنافٌ خُوطب بهِ النبيُّ ﷺ إيذاناً بأنَّ لكفارِ قومِهِ نصيباً موفُوراً منْ مضمونِه كما يُنْبىء عنه التعرُّضُ لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلامُ والبطشُ الأخذُ بعُنْفٍ وحيثُ وصفَ بالشدةِ فقدْ تضاعفَ وتفاقمَ وهو بطشُه بالجبابرةِ والظلمةَ وَأخذُه إيَّاهُم بالعذابِ والانتقامِ كقولِه تعالَى وكذلك أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِىَ ظالمة إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
أيْ هُو يُبدْىءُ الخلقِ وهو يعيده من غيرِ دخلٍ لأحدٍ في شيءٍ منْهُمَا ففيهِ مزيد تقرير لشدته بطشِه أوُ هُو يبدىءُ البطشَ بالكفرةِ في الدُّنيا وَيعيدُه فِي الآخرةِ
لمن تاب وآمنَ
الودود
المحبُّ لمَنْ أطاعَ
خالقُه وقيلَ المرادُ بالعرشِ الملكُ أيْ ذُو السلطنةِ القاهرةِ وقُرِىءَ ذِي العَرشِ عَلى أنَّهُ صفةُ ربِّك
المجيد
العظيمُ في ذاتِه وصفاتِه فإنَّهُ واجبُ الوجودِ تامُّ القُدرةِ كاملُ الحكمةِ وقُرِىءَ بالجرِّ على أنَّه صفةٌ لربِّكَ أَوْ للعرشِ ومجدُه علوّه وعظمتُه
بحيثُ لا يتخلفُ عنْ إرادتِه مرادٌ من أفعالِه تعالَى وأفعالِ غيرِه وهو خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ
وقوله تعالى
استئنافٌ مقررٌ لشدةِ بطشِه تعالَى بالظلمةِ العصاة والكفرة والعتاة وكونُه فعالاً لما يريدُ متضمنٌ لتسليتِه عليه الصلاةُ والسلامُ بالإشعارِ بأنهُ سيصيبُ قومَهُ ما أصابَ الجنودَ
بدلٌ منَ الجنودِ لأنَّ المرادَ بفرعونَ هُوَ وقومُه والمرادُ بحديثِهم ما صدرَ عنهُم من التمادِي في الكفرِ والضلالِ وما حلَّ بهمْ منَ العذابِ والنكالِ وَالمَعْنى قدْ أتاك حديثهم وعرفت ما فعلوا وما فُعل بهمْ فذكِّر قومكَ بشؤونِ الله تعالَى وأنذرهم ان يصبهم مثل ما أصاب أمثالهم وقوله تعالى
إضراب عن مماثلتِهم لهُم وبيانٌ لكونِهم أشدَّ منُهم في الكفرِ والطغيانِ كأنَّه قيلَ ليسُوا مثلُهم في ذلك بل هم أشدُّ منهمُ في استحقاقِ العذابِ واستيجابِ العقابِ فإنَّهم مستقرونَ فِي تكذيبٍ شديدٍ للقرآنِ الكريمِ أو قيلَ ليستْ جنايتُهم مجردَ عدمِ التذكر والاتعاظ بما سمعُوا منْ حديثِهم بلْ هُم معَ ذلكَ في تكذيب شديدٍ للقُرآنِ الناطقِ بذلكَ لكنْ لا أنَّهم يكذبونَ بوقوعِ الحادثةِ بلْ بكونِ ما نطقَ بهِ قرآناً منْ عندِ الله تعالى معَ وضوحِ أمرِه وظهور حاله بالبيانات الباهرةِ
تمثيلٌ لعدمِ نجاتِهم منْ بأسِ الله تعالَى بعدمِ فوتِ المحاطِ المحيطَ وقولُه تعالى
ردٌّ لكفرهم وإبطالٌ لتكذيبهم وتحقيقٌ للحقِّ أيْ ليسَ الأمرُ كَما قالُوا بلْ هُو كتابٌ شريف عالِي الطبقةِ فَيما بينَ الكتبِ الإلهيةِ في النظمِ والمَعْنى وقُرِىءَ قرآنُ مجيدٍ بالإضافةِ أيْ قرآنُ ربَ مجيدٍ
أيْ منَ التحريفِ ووصولِ الشياطين إليهِ وقُرِىءَ محفوظٌ بالرَّفعِ عَلى أنَّه صفةُ قرآنٍ وقُرِىءَ في لوحٍ وَهُوَ الهَوَاءُ أي ما فوقَ السماءِ السابعةِ الذي فيهِ اللوح عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ البروجِ أعطاهُ الله تعالَى بعددِ كلِّ جمعةٍ وعرفةٍ تكونُ في الدُّنيا عشر حسنات
سورة الطارق مكية وآيها سبع عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم