مكية وآياتها سبع وسبعون
هذه السورة مكية في قول الجمهور، وقال الضحاك : هي مدنية، وفيها آيات مكية، قوله :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ﴾ الآيات١.
ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الفرقانهذه السورة مكية في قول الجمهور وقال الضحاك هي مدنية وفيها آيات مكية قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الفرقان: ٦٨] الآيات.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣)تَبارَكَ وزنه تفاعل وهو مطاوع بارك من البركة، وبارك فاعل من واحد معناه زاد، وتَبارَكَ فعل مختص بالله تعالى لم يستعمل في غيره، ولذلك لم يصرف منه مستقبل ولا اسم فاعل، وهو صفة فعل أي كثرت بركاته ومن جملتها إنزال كتابه الذي هو الْفُرْقانَ بين الحق والباطل، وصدر هذه السورة إنما هو رد على مقالات كانت لقريش، فمن جملتها قولهم إن القرآن افتراه محمد ﷺ وإنه ليس من عند الله فهو ردّ على هذه المقالة، وقرأ الجمهور «على عبده»، وقرأ عبد الله بن الزبير «على عباده».
والضمير في قوله لِيَكُونَ يحتمل أن يكون وهو عبده المذكور وهذا تأويل ابن زيد، ويحتمل أن يكون ل الْفُرْقانَ، وأما على قراءة ابن الزبير فهو ل الْفُرْقانَ لا يحتمل غير ذلك إلا بكره، وقوله لِلْعالَمِينَ عام في كل إنسي وجني عاصره أو جاء بعده وهو متأيد من غير ما موضع من الحديث المتواتر وظاهر الآيات، و «النذير» المحذر من الشر والرسول من عند الله نذير، وقد يكون نَذِيراً ليس برسول كما روي في ذي القرنين وكما ورد في رسل الله إلى الجن فإنهم نذر وليسوا برسل الله.
وقوله الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ الآية هي من الرد على قريش في قولهم إن لله شريكا، وفي قولهم اتخذ البنات، وفي قولهم في التلبية إلا شريك هو لك، وقوله خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، هو عام في كل مخلوق وتقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة والأزمان والمقادير والمصلحة والإتقان، ثم عقب تعالى ذكر هذه الصفات التي هي للألوهية بالطعن على قريش في اتخاذهم آلهة ليست لهم هذه الصفات، فالعقل يعطي أنهم ليسوا بآلهة وقوله، وَهُمْ يُخْلَقُونَ، يحتمل أن يريد يخلقهم الله بالاختراع والإيجاد، ويحتمل أن يريد يخلقهم
ولأنت تفري ما خلقت وبع | ض القوم يخلق ثم لا يفري |
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤ الى ٦]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦)
المراد ب الَّذِينَ كَفَرُوا قريش وذلك أن بعضهم قال هَذا إِفْكٌ وكذب افْتَراهُ محمد واختلف المتأولون في «القوم» المعينين على زعم قريش، فقال مجاهد أشاروا إلى قوم من اليهود، وقال ابن عباس أشاروا إلى عبيد كانوا للعرب من الفرس أحدهم أبو فكيهة مولى الحضرميين وجبر ويسار وعداس وغيرهم، ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم ما جاؤُ إلا إفكا وَزُوراً أي ما قالوا إلا باطلا وبهتانا، و «الزور» تحسين الباطل هذا عرفه وأصله التحسين مطلقا، ومنه قول عمر رضي الله عنه: فأردت أن أقدم بين يدي أبي بكر مقالة كنت زورتها. وقوله. وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، قال ابن عباس يعني بذلك قول النضر بن الحارث، وذلك أن كل ما في القرآن من ذكر أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ فإنما هو بسبب قول النضر ابن الحارث حسب الحديث المشهور في ذلك ثم رموا محمدا ﷺ بأنه اكْتَتَبَها وقرأ طلحة بن مصرف «اكتتبها» بضم التاء الأولى وكسر الثانية على معنى اكتتبت له، ذكرها أبو الفتح، وقرأ طلحة «تتلى» بتاء بدل الميم، ثم أمره تعالى أن يقول إن الذي أنزله هو الله الَّذِي يَعْلَمُ سر جميع الأشياء التي فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثم أعلم بأنه غفور رحيم ليرجي كل سامع في عفوه ورحمته مع التوبة والإنابة، والمعنى أن الله غفور رحيم في إبقائه على أهل هذه المقالات.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧ الى ١٠]
وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠)
الضمير في قوله قالُوا لقريش، وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله ﷺ مجلس
قال القاضي أبو محمد: لأن هذا التأويل الثاني يوهم أن الجنّات والقصور التي في هذه الآية هي في الدنيا وهذا تأويل الثعلبي وغيره، ويرد ذلك قوله تعالى بعد ذلك بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ [الفرقان: ١١] والكل محتمل، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحفص ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي «ويجعل» بالجزم على العطف على موضع الجواب في قوله جَعَلَ لأن التقدير «تبارك الذي إن يشأ يجعل». وقرأ أبو بكر عن عاصم أيضا وابن كثير وابن عامر «ويجعل» بالرفع والاستئناف، وهي قراءة مجاهد، ووجوه العطف على المعنى في قوله جَعَلَ لأن جواب الشرط هو موضع الاستئناف، ألا ترى أن الجمل من الابتداء والخبر قد تقع موقع جواب الشرط، وقرأ عبد الله بن موسى وطلحة بن سليمان «ويجعل» بالنصب وهو على تقدير «أن» في صدر الكلام، قال أبو الفتح هي على جواب الجزاء بالواو وهي قراءة ضعيفة، وأدغم الأعرج وَيَجْعَلْ لَكَ وروي ذلك عن ابن محيصن، و «القصور» البيوت المبنية بالجدرات قاله مجاهد وغيره، وكانت العرب تسمي ما كان من الشعر والصوف والقصب بيتا، وتسمي ما كان بالجدرات قصرا لأنه قصر عن الداخلين والمستأذنين.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١١ الى ١٤]
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤)
إذا لم يزل حبل القرينين يلتوي | فلا بد يوما من قوى أن تجدما |
إذا أجاري الشيطان في سنن الغ | ي ومن مال ميله مثبور |
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٥ الى ١٦]
قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦)
قال الفقيه الإمام القاضي: والأصح إن شاء الله أن الإشارة بقوله أَذلِكَ إلى النار كما شرحناه آنفا، والْمُتَّقُونَ في هذه الآية من اتقى الشرك فإنه داخل في الوعد، ثم تختلف المنازل في الوعد بحسب تقوي المعاصي، وقوله وَعْداً مَسْؤُلًا يحتمل معنيين وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وابن زيد إنه مسؤول لأن المؤمنين سألوه أو يسألونه، وروي أن الملائكة سألت الله نعيم المتقين فوعدهم بذلك، قال محمد بن كعب هو قول الملائكة ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم، والمعنى الثاني ذكره الطبري عن بعض أهل العربية أن يريد وعدا واجبا قد حتمه فهو لذلك معد أن يسأل ويقتضي وليس يتضمن هذا التأويل أن أحدا سأل الوعد المذكور.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٧ الى ١٩]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩)
المعنى واذكر يوم، والضمير في يَحْشُرُهُمْ للكفار، وقوله وَما يَعْبُدُونَ يريد به كل شيء عبد من دون الله فغلب العبارة عما لا يعقل من الأوثان لأنها كانت الأغلب وقت المخاطبة، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص والأعرج وأبو جعفر «يحشرهم» «فيقول» بالياء، وفي قراءة عبد الله «وما يعبدون من دونك»، وقرأ الأعرج «نحشرهم» بكسر الشين وهي قليل في الاستعمال قوية في القياس لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضم العين، وهذه الآية تتضمن الخبر عن أن الله يوبّخ الكفار في القيامة بأن يوقف المعبودين على هذا المعنى ليقع الجواب بالتبري من الذنب فيقع الخزي على الكافرين، واختلف الناس في الموقف المجيب في هذه الآية، فقال جمهور المفسرين هو كل من ظلم بأن عبد ممن
يا رسول المليك إن لساني | راتق ما فتقت إذ أنا بور |
وقد يحتمل أن يعم غيره من المعاصي، وفي حرف أبي «ومن يكذب منكم نذقه عذابا كبيرا».
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١)
هذه الآية رد على كفار قريش في استبعادهم أن يكون من البشر رسول وقولهم مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٧] فأخبر الله تعالى محمدا ﷺ وأمته أنه لم يرسل قبل في سائر الدهر نبيا إلا بهذه الصفة، والمفعول ب أَرْسَلْنا محذوف يدل عليه الكلام تقديره رجالا أو رسلا، وعلى هذا المحذوف المقدر يعود الضمير في قوله إِلَّا إِنَّهُمْ وذهبت فرقة إلى أن قوله لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ كناية عن الحدث، وقرأ جمهور الناس «ويمشون» بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين، وقرأ علي وعبد الرحمن وابن مسعود «يمشّون» بضم الياء وفتح الميم وشد الشين المفتوحة بمعنى يدعون إلى المشي ويحملون عليه، وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشددة وهي بمعنى يمشون ومنه قول الشاعر: [الطويل]
أمشي بأعطان المياه وأبتغي | قلائص منها صعبة وركوب |
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها | وخالفها في بيت نوب عوامل |
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٦]
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦)
المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ [الفرقان: ٢١]، أخبر الله تعالى أنهم يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ إنما هو يوم القيامة، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل فاختصرناه لذلك، ومعنى هذه الآية أن هؤلاء الذين تمنّوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله في ذلك فإنهم يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ هو شر لهم ولا بُشْرى لهم بل لهم الخسار ولقاء المكروه ويَوْمَئِذٍ، خبر لا بُشْرى لأن الظروف تكون إخبارا عن المصادر.
الضمير في قوله وَيَقُولُونَ، قال الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد هو «للملائكة»، المعنى وتقول الملائكة للمجرمين حِجْراً مَحْجُوراً عليكم البشرى، أي حراما محرما. والحجر الحرام ومنه قول المتلمس جرير بن عبد المسيح: [البسيط]
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها | حجر حرام الا تلك الدهاريس |
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يكون المعنى ويقولون حرام محرم علينا العفو، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدّم، أي هذا الذي حننت إليه ممنوع. وقرأ الحسن وأبو رجاء «حجرا» بضم الحاء، والناس على كسرها، ثم أخبر تعالى عما يأتي عليه قضاؤه وفعله فقال حكاية عن يوم القيامة وَقَدِمْنا أي قصد حكمنا وإنفاذنا ونحو هذا من الألفاظ اللائقة، وقيل هو قدوم الملائكة أسنده إليه لأنه عن أمره، وحسنت لفظة قَدِمْنا لأن القادم على شيء مكروه لم يقدره ولا أمر به مغير له مذهب، وأما قول الراجز:
وقدم الخوارج الضلال... إلى عباد ربنا فقالوا:
إن دماءكم لنا حلال فالقدوم فيه على بابه، ومعنى الآية وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئا إذ لا نية
وترى خلفها من الربع والوق... ع منينا كأنه أهباء
ومعنى هذه الآية جعلنا أعمالهم لا حكم لها ولا منزلة، ثم أخبر عز وجل بأن مستقر أهل الجنة خَيْرٌ من مستقر أهل النار، وجاءت خَيْرٌ، هاهنا للتفضيل بين شيئين لا شركة بينهما، فذكر الزجاج وغيره في ذلك أنه لما اشتركا في أن هذا مستقر وهذا مستقر فضل الاستقرار الواحد.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر لي أن هذه الألفاظ التي فيها عموم ما يتوجّه حكمها من جهات شتى، نحو قولك أحب وأحسن وخير وشر يسوغ أن يجاء بها بين شيئين لا شركة بينهما، فتقول السعد في الدنيا أحب إليّ من الشقاء إذ قد يوجد بوجه ما من يستحب الشقاء كالمتعبد والمغتاظ وكذلك في غيرها، فإذا كانت أفعل في معنى بين أن الواحد من الشيئين لا حظ له فيه بوجه فسد الإخبار بالتفضيل به، كقولك الماء أبرد من النار، ومن هذا إنك تقول في ياقوتة ومدرة وتشير إلى المدرة هذه أحسن وخير وأحب وأفضل من هذه، ولو قلت هذه ألمع وأشد شراقة من هذه لكان فاسدا، وقوله مَقِيلًا ذهب ابن عباس والنخعي وابن جريج إلى أن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار، ويقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار فالمقيل من القائلة.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن اللفظة إنما تضمنت تفضيل الجنة جملة، فالعرب تفضل البلاد بحسن المقيل لأن وقت القائلة يبدو فساد هواء البلاد، فإذا كان بلد في وقت فساد الهواء حسنا جاز الفضل ومن ذلك قول الأسود بن يعفر الإيادي: [الكامل]
أرض تخيرها لطيب مقيلها... كعب بن مامة وابن أم دواد
وقوله وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ يريد يوم القيامة عند انفطار السماء ونزول الملائكة ووقوع الجزاء بحقيقة الحساب، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر «تشّقّق» بشد الشين والقاف، وقرأ الباقون بتخفيف الشين، وقوله بِالْغَمامِ أي يشقق عنه، والغمام سحاب رقيق أبيض جميل لم يره البشر بعد إلا ما جاء في تظليل بني إسرائيل، وقرأ جمهور القراء «ونزّل الملائكة» بضم النون وشدّ الزاي المكسورة ورفع «الملائكة» على مفعول لم يسم فاعله، وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الوهاب «ونزل» بتخفيف الزاي المكسورة، قال أبو الفتح وهذا غير معروف لأن «نزل» لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا «للملائكة»، ووجهه أن يكون مثل زكم
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢٧ الى ٣١]
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١)
قوله وَيَوْمَ ظرف العامل فيه فعل مضمر، وعض اليدين هو فعل النادم الملهوف المتفجّع، وقال ابن عباس وجماعة من المفسرين الظَّالِمُ في هذه الآية عقبة بن أبي معيط وذلك أنه كان أسلم أو جنح إلى الإسلام وكان أبي بن خلف الذي قتله رسول الله ﷺ بيده يوم أحد خَلِيلًا لعقبة فنهاه عن الإسلام فقبل نهيه فنزلت الآية فيهما ف الظَّالِمُ عقبة. و «فلان» أبي وفي بعض الروايات عن ابن عباس أن الظَّالِمُ أبي فإنه كان يحضر النبي ﷺ فنهاه عقبة فأطاعه.
قال الفقيه الإمام القاضي: ومن أدخل في هذه الآية أمية بن خلف فقد وهم إلا على قول من يرى الظَّالِمُ اسم جنس، وقال مجاهد وأبو رجاء الظالم اسم جنس و «فلان» الشيطان.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويظهر أن الظَّالِمُ عام وأن مقصد الآية تعظيم يوم القيامة وذكر هوله بأنه يوم تندم فيه الظلمة وتتمنى أن لو لم تطع في دنياها خلانها الذين أمروهم بالظلم، فلما كان خليل كل ظالم غير خليل الآخر وكان كل ظالم يسمي رجلا خاصا به عبر عن ذلك ب «فلان» الذي فيه الشياع التام ومعناه واحد من الناس، وليس من ظالم إلا وله في دنياه خليل يعينه ويحرضه، هذا في الأغلب ويشبه أن سبب الآية وترتب هذا المعنى كان عقبة وأبيا، وقوله مَعَ الرَّسُولِ يقوي ذلك بأن يجعل تعريف الرَّسُولِ للعهد والإشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى التأويل الأول التعريف بالجنس، وكلهم قرأ «يا ليتني» ساكنة الياء غير أبي عمرو فإنه حرك الياء في «ليتني اتخذت» ورواها أبو خليد عن نافع مثل أبي عمرو، و «السبيل» المتمناة هي طريق الآخرة، وفي هذه الآية لكل ذي نهية تنبيه على تجنب قرين
قال القاضي أبو محمد: وقول ابن زيد منبه للمؤمنين على ملازمة المصحف وأن لا يكون الغبار يعلوه في البيوت ويشتغل بغيره، وروى أنس عن النبي ﷺ أنه قال «من علق مصحفا ولم يتعاهده جاء يوم القيامة متعلقا به يقول هذا اتخذني مَهْجُوراً افصل يا رب بيني وبينه»، ثم سلاه عن فعل قومه بأن أعلمه أن غيره من الرسل كذلك امتحن بأعداء في زمنه، أي فاصبر كما صبروا وعَدُوًّا يراد به الجمع، تقول هؤلاء عدو لي فتصف به الجمع والواحد والمؤنث ثم وعده تعلق بقوله: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً والباء في بِرَبِّكَ للتأكيد على الأمر إذ المعنى اكتف بربك.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)
روي عن ابن عباس وغيره أن كفار قريش قالوا في بعض معارضتهم لو كان هذا القرآن من عند الله لنزل جُمْلَةً كما نزل التوراة والإنجيل وقوله كَذلِكَ يحتمل أن يكون من قول الكفار إشارة إلى التوراة والإنجيل، ويحتمل أن يكون من الكلام المستأنف وهو أولى ومعناه كما نزل أردناه فالإشارة إلى نزوله متفرقة وجعل الله تعالى السبب في نزوله متفرقا تثبيت فؤاد محمد عليه السلام وليحفظه، وقال مكي والرماني من حيث كان أميا لا يكتب وليطابق الأسباب المؤقتة فنزل في نيف على عشرين سنة، وكان غيره من الرسل يكتب فنزل إليه جملة، وقرأ عبد الله بن مسعود «ليثبت» بالياء، والترتيل التفريق بين الشيء المتتابع ومنه قولهم ثغر رتل ومنه ترتيل القراءة، وأراد الله تعالى أن ينزل القرآن في النوازل والحوادث التي قدرها وقدر نزوله فيها، ثم أخبر تعالى نبيه أن هؤلاء الكفرة لا يجيئون بمثل يضربونه على جهة المعارضة
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٥ الى ٣٩]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩)
هذه الآية التي ذكر فيها الأمم هي تمثيل لهم وتوعد أن يحل بهم ما حل بهؤلاء المعذبين، والْكِتابَ التوراة، والوزير المعين، وهو من تحمل الوزر أي ثقل الحال أو من الوزر الذي هو الملجأ، والْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا هم فرعون وملؤه من القبط، ثم حذف من الكلام كثير دل عليه ما بقي، وتقدير المحذوف فأديا الرسالة فكذبوهما فدمرناهم. وقرأ علي بن أبي طالب ومسلمة بن محارب «فدمرانهم» أي كونا سبب ذلك، قال أبو الفتح ألحق نون التوكيد ألف التثنية كما تقول اضربان زيدا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي عن علي رضي الله عنه «فدمراهم»، وحكى عنهم أبو عمرو الداني «فدمرناهم» بكسر الميم خفيفة، قال وروي عنه «فدمروا بهم» على الأمر لجماعة وزيادة باء، والذي فسر أبو الفتح وهم وإنما القراءة «فدمرا بهم» بالباء، وكذلك المهدوي، ونصب قوله وَقَوْمَ نُوحٍ بفعل مضمر يدل عليه أَغْرَقْناهُمْ، وقوله الرُّسُلَ وهم إنما كذبوا نوحا فقط معناه أن الأمة التي تكذب نبيا واحدا ففي ضمن ذلك تكذيب جميع الأنبياء فجاءت العبارة بما يتضمنه فعلهم تغليظا في القول عليهم، وقوله آيَةً أي علامة على سطوة الله تعالى بكل كافر بأنبيائه، وعاد وثمود يصرف، وجاء هاهنا مصروفا، وقرأ ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى «وعادا» مصروفا «وثمود» غير مصروف، واختلف الناس في أَصْحابَ الرَّسِّ فقال ابن عباس هم قوم ثمود، وقال قتادة هم أهل قرية من اليمامة يقال لها الرَّسِّ والفلج، وقال مجاهد هم أهل قرية فيها بير عظيمة إلخ... يقال لها الرَّسِّ، وقال كعب ومقاتل والسدي الرَّسِّ بير بأنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين، وقال الكلبي أَصْحابَ الرَّسِّ قوم بعث إليهم نبي فأكلوه، وقال قتادة أَصْحابَ الرَّسِّ وأصحاب ليكة قومان أرسل إليهما
سبقت إلى فرط بأهل... تنابلة يحفرون الرساسا
وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي ﷺ أن أهل الرس المشار إليهم في هذه الآية قوم أخذوا نبيهم فرسوه في بير وأطبقوا عليه صخرة، قال فكان عبد أسود قد آمن به يجيء بطعام إلى تلك البير فيعينه الله على تلك الصخرة إلى أن ضرب الله يوما على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به في حديث طويل، قال الطبري فيمكن أنهم كفروا به بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية، وقوله وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً إبهام لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل وقد تقدّم شرح القرن وكم هو، ومن هذا اللفظ قال رسول الله ﷺ فيما يروى، ويروى أن ابن عباس قاله، «كذب النسابون من فوق عدنان لأن الله تعالى أخبر عن كثير من الخلق والأمم ولم يحد»، ثم قال تعالى إن كل هؤلاء «ضرب له الأمثال»، ليهتدي فلم يهتد، «فتبره» الله أي أهلكه، والتبار الهلاك ومنه تبر الذهب أي المكسر المفتت، وكذلك يقال لفتات الرخام والزجاج تبر، وقال ابن جبير إن أصل الكلمة نبطي ولكن العرب قد استعملته.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٠ الى ٤٤]
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤)
قال ابن عباس وابن جريج والجماعة الإشارة إلى مدينة قوم لوط وهي سدوم بالشام، ومَطَرَ السَّوْءِ حجارة السجيل، وقرأ أبو السمال «السّوء» بضم السين المشددة، ثم وقفهم على إعراضهم وتعرضهم لسخط الله بعد رؤيتهم العبرة من تلك القرية، ثم حكم عليهم أنهم إذا رأوا محمدا ﷺ استهزؤوا به واستحقروه وأبعدوا أن يبعثه الله رسولا، فقالوا على جهة الاستهزاء أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا وفي بَعَثَ ضمير يعود على الذي حذف اختصارا وحسن ذلك في الصلة، ثم أنس النبي ﷺ عن كفرهم بقوله أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ الآية، والمعنى لا تتأسف عليهم ودعهم لرأيهم ولا تحسب أنهم على ما يجب من التحصيل والعقل بل هم كالأنعام في الجهل بالمنافع وقلة التحسس للعواقب، ثم حكم بأنهم أَضَلُّ سَبِيلًا من حيث لهم الفهم وتركوه، و «الأنعام» لا سبيل لهم
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧)
أَلَمْ تَرَ معناه انتبه، والرؤية هاهنا رؤية القلب، وأدغم عيسى بن عمر رَبِّكَ كَيْفَ، قال أبو حاتم والبيان أحسن، ومَدَّ الظِّلَّ بإطلاق هو بين أول الإسفار إلى بزوغ الشمس ومن بعد مغيبها مدة يسيرة فإن في هذين الوقتين على الأرض كلها ظل ممدود على أنها نهار، وفي سائر أوقات النهار ظلال متقطعة والمد والقبض مطرد فيها وهو عندي المراد في الآية والله أعلم، وفي الظل الممدود ما ذكر الله في هواء الجنة لأنها لما كانت لا شمس فيها كان ظلها ممدودا أبدا.
وتظاهرت أقوال المفسرين على أن مَدَّ الظِّلَّ هو من الفجر إلى طلوع الشمس وهذا معترض بأن ذلك في غير نهار بل في بقايا الليل لا يقال له ظل، وقوله تعالى: وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي ثابتا غير متحرك ولا منسوخ، لكنه جعل الشَّمْسَ ونسخها إياه وطردها له من موضع إلى موضع دَلِيلًا عليه مبينا لوجوده ولوجه العبرة فيه، حكى الطبري أنه لولا الشمس لم يعلم أن الظل شيء إذ الأشياء إنما تعرف بأضدادها وقوله قَبْضاً يَسِيراً يحتمل أن يريد لطيفا أي شيئا بعد شيء لا في مرة واحدة ولا بعنف، قال مجاهد، ويحتمل أن يريد معجلا وهذا قول ابن عباس ويحتمل أن يريد سهلا قريب المتناول، قال الطبري ووصف اللَّيْلَ باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياء ويغشاها، و «السبات» ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضا، فشبه النائم به، والسبت الإقامة في المكان فكأن السبات سكون ما وثبوت عليه، و «النشور» في هذا الموضع الإحياء شبه اليقظة به ليتطابق الإحياء مع الإماتة والتوفي اللذين يتضمنهما النوم والسبات ويحتمل أن يريد ب «النشور» وقت انتشار وتفرق لطلب المعايش وابتغاء فضل الله، وقوله النَّهارَ نُشُوراً وما قبله من باب ليل نائم ونهار صائم.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢)
قال القاضي أبو محمد: يرد على هذا قول النبي ﷺ إذا هبت الريح اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا، واختلف القراء في «النشر»، في النون والباء وغير ذلك اختلافا قد ذكرناه في سورة الأعراف، ونَشْراً معناه منتشرة متفرقة و «الطهور» بناء مبالغة في طاهر وهذه المبالغة اقتضته في ماء السماء وفي كل ما هو منه وبسبيله أن يكون طاهرا مطهرا وفيما كثرت فيه التغايير، كماء الورد وعصير العنب أن يكون طاهرا ولا مطهرا، ووصف «البلدة» ب «الميت» لأنه جعله كالمصدر الذي يوصف به المذكر والمؤنث وجاز ذلك من حيث البلدة بمعنى البلد، وقرأ طلحة بن مصرف «لننشىء به بلدة ونسقيه» بضم النون وهي قراءة الجمهور ومعناه نجعله لهم سقيا، هذا قول بعض اللغويين في أسقى قالوا وسقى معناه للشفة، وقال الجمهور سقى وأسقى بمعنى واحد وينشد على ذلك بيت لبيد: [الوافر]
سقى قومي بني نجد وأسقى | نميرا والقبائل من هلال |
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٣ الى ٥٧]
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)
اضطرب الناس في تفسير هذه الآية فقال ابن عباس أراد بحر السحاب والبحر الذي في الأرض، ورتبت ألفاظ الآية على ذلك، وقال مجاهد البحر العذب هو مياه الأنهار الواقعة في البحر «الأجاج» وقوعها فيه هو مرجها. قال و «البرزخ» و «الحجر» هو حاجز في علم الله لا يراه البشر، وقاله الزجاج، وقالت فرقة معنى مَرَجَ أدام أحدهما في الآخر، وقال ابن عباس خلى أحدهما على الآخر ونحو هذا من الأقوال التي تتداعى مع بعض ألفاظ الآية، والذي أقول به في الآية إن المقصد بها التنبيه على قدرة الله تعالى وإتقان خلقه للأشياء في أن بث في الأرض مياها عذبة كثيرة من أنهار وعيون وآبار، وجعلها خلال الأجاج وجعل الأجاج خلالها، فتلقى البحر قد اكتنفته المياه العذبة في ضفتيه، وتلقى الماء العذب في الجزائر ونحوها قد اكتنفه الماء الأجاج فبثها هكذا في الأرض هو خلطها، وهو قوله مَرَجَ ومنه مريج أي مختلط مشتبك، ومنه مرجت عهودهم في الحديث المشهور، و «البحران» يريد بهما جميع الماء العذب وجميع الماء الأجاج، كأنه قال مرج نوعي الماء والبرزخ والحجر هو ما بين الْبَحْرَيْنِ من الأرض واليبس، قاله الحسن، ومنه القدرة التي تمسكها مع قرب ما بينهما في بعض المواضع، وبكسر الحاء قرأ الناس كلهم هنا والحسن بضم الحاء في سائر القرآن، و «الفرات» الصافي اللذيذ المطعم، و «البرزخ» الحاجز بين الشيئين، وقرأ الجمهور «هذا ملح» وقرأ طلحة بن مصرف «هذا ملح» بكسر اللام وفتح الميم، قال أبو حاتم هذا منكر في القراءة، قال ابن جني أراد مالحا وحذف الألف كبرد وبرد، و «الأجاج» أبلغ ما يكون من الملوحة، وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ الآية، هو تعديد النعمة على الناس في إيجادهم بعد العدم، والتنبيه على العبرة في ذلك وتعديد النعمة في التواشج الذي جعل بينهم من النسب والصهر، وقوله مِنَ الْماءِ إما أن يريد أصل الخلقة في أن كل حي مخلوق من الماء، وإما أن يريد نطف الرجال وكل ذلك قالته فرقة، والأول أفصح وأبين، و «النسب والصهر» معنيان يعمان كل قربى تكون بين كل آدميين، ف «النسب» هو أن يجتمع إنسان مع آخر في أب أو في أم قرب ذلك أو بعد، و «الصهر» تواشج المناكحة، فقرابة الزوجة هم الأختان، وقرابة الزوج ثم الأحماء والأصهار يقع عاما لذلك كله، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «النسب» ما لا يحل نكاحه «والصهر» ما يحل نكاحه وقال الضحاك «الصهر» قرابة الرضاع.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا حسن وهو في درج ما قدمته، وقال ابن سيرين نزلت هذه الآية في النبي ﷺ وعلي لأنه جمعه معه نسب وصهر فاجتماعهما وكادة حرمة إلى يوم القيامة. وقوله وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً هي كانَ التي للدوام قبل وبعد لا أنها تعطي مضيا فقط، ثم ذكر تعالى خطأهم في عبادتهم أصناما لا تملك لهم ضرا ولا نفعا وقوله وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً فيه تأويلان: أحدهما أن «الظهير» المعين فتكون الآية بمعنى توبيخهم على ذلك من أن الكفار يعينون على ربهم غيرهم من الكفرة والشيطان بأن يطيعوه ويظاهروه، وهذا هو تأويل مجاهد والحسن وابن زيد، والثاني ذكره الطبري أن يكون «الظهير» فعيلا، من قولك ظهرت الشيء إذا طرحته وراء ظهرك واتخذته ظهريا، فيكون معنى الآية على هذا التأويل احتقار الكفرة، والْكافِرُ في هذه الآية اسم الجنس وقال ابن عباس بل هو معين أراد به أبا جهل بن هشام.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويشبه أن أبا جهل سبب الآية ولكن اللفظ عام للجنس كله. وقوله تعالى وَما أَرْسَلْناكَ الآية تسلية لمحمد ﷺ أي لا تهتم بهم ولا تذهب نفسك حسرات حرصا عليهم فإنما أنت رسول تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر الكفرة النار ولست بمطلوب بإيمانهم أجمعين، ثم أمره تعالى بأن يحتج عليهم مزيلا لوجوه التهم بقوله ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ أي لا أطلب مالا ولا نفعا يختص بي، وقوله إِلَّا مَنْ شاءَ الظاهر فيه أنه استثناء منقطع، والمعنى مسؤولي ومطلوبي من شاء أن يهتدي ويؤمن ويتخذ إلى رحمة ربه طريق نجاة، قال الطبري المعنى لا أسألكم أجرا إلا إنفاق المال في سبيل الله فهو المسئول وهو السبيل إلى الرب.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالاستثناء على هذا كالمتصل، وكأنه قال إلا أجر من شاء والتأويل الأول أظهر.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠)
قال القاضي أبو محمد: وقال رسول الله ﷺ من قال في كل يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، فهذا معنى وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وهي إحدى الكلمتين الخفيفتين على اللسان، الحديث، وقوله وَكَفى بِهِ توعد وإزالة كل عن محمد ﷺ في همه بهم، وقوله وَما بَيْنَهُما مع جمعه السَّماواتِ قبل سائغ من حيث عادل لفظ الْأَرْضَ لفظ السَّماواتِ ونحوه قول عمرو بن شييم: [الوافر]
ألم يحزنك أن جبال قيس | وتغلب قد تباينتا انقطاعا |
إن المنية والحتوف كلاهما | يوفي المخارم يرقبان سواد |
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣)
لما جعلت قريش سؤالها عن الله تعالى وعن اسمه الذي هو الرحمن سؤالا عن مجهول نزلت هذه الآية مصرحة بصفاته التي تعرف به وتوجب الإقرار بربوبيته، و «البروج» هي التي علمتها العرب بالتجربة وكل أمة مصحرة وهي المشهورة عند اللغويين وأهل تعديل الأوقات وكل برج منها على منزلتين وثلث من منازل القمر التي ذكرها الله تعالى في قوله وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [يس: ٣٩] والعرب تسمي البناء المرتفع المستغني بنفسه برجا تشبيها ببروج السماء. ومنه قوله تعالى: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: ٧٨]. وقال الأخطل: [البسيط]
كأنها برج روميّ يشيده... لز بجص وآجور وأحجار
وقال بعض الناس في هذه الآية التي نحن فيها «البروج» القصور في الجنة، وقال الأعمش: كان أصحاب عبد الله يقرؤونها «في السماء قصورا»، وقيل «البروج» الكواكب العظام حكاه الثعلبي عن أبي صالح، وهذا نحو ما بيناه إلا أنه غير ملخص، وأما القول بأنها قصور في الجنة فقول يحط غرض الآية في التنبيه على أشياء مدركات تقوم بها الحجة على كل منكر لله أو جاهل به. وقرأ الجمهور «سراجا» وهي الشمس، وقرأ حمزة والكسائي وعبد الله بن مسعود وعلقمة والأعمش «سرجا» وهو اسم جميع الأنوار ثم خص القمر بالذكر تشريفا، وقرأ النخعي وابن وثاب والأعمش «سرجا» بسكون الراء، قال أبو حاتم روى عصمة عن الحسن «وقمرا» بضم القاف ساكنة الميم ولا أدري ما أراد إلا أن يكون عنى جمعا كثمر وثمر وقال أبو عمرو وهي قراءة الأعمش والنخعي، وقوله خِلْفَةً أي هذا يخلف هذا، وهذا يخلف هذا، ومن هذا المعنى قول زهير: [الطويل]
بها العين والأرآم يمشين خلفة... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
ومن هذا قول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأبا [يزيد بن معاوية] :[المديد]
ولها بالماطرون إذا... أكل النمل الذي جمعا
خلفة حتى إذا ارتبعت... سكنت من جلق بيعا
في بيوت وسط دسكرة... حولها الزيتون قد ينعا
وقال مجاهد خِلْفَةً من الخلاف، هذا أبيض وهذا أسود، وما قدمناه أقوى، وقال مجاهد وغيره من النظار لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أي يعتبر بالمصنوعات ويشكر الله على نعمه عليه في العقل والفهم والفكر،
كلهم يمشي رويدا... كلهم يطلب صيدا
وقال الزهري سرعة المشي تذهب ببهاء الوجه.
قال القاضي أبو محمد: يريد الإسراع الحثيث لأنه يخل بالوقار والخير في التوسط وقال زيد بن أسلم كنت أسأل عن تفسير قوله الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً فما وجدت في ذلك شفاء، فرأيت في النوم من جاءني فقال هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض.
قال الفقيه الإمام القاضي: فهذا تفسير في الخلق، وهَوْناً معناه رفقا وقصدا، ومنه قول النبي ﷺ «أجب حبيبك هونا ما» الحديث وقوله وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً. اختلف في تأويل ذلك، فقالت فرقة ينبغي للمخاطب أن يقول للجاهل سلاما بهذا اللفظ أي سلمنا سلاما وتسليما ونحو هذا، فيكون العامل فيه فعلا من لفظه على طريقة النحويين، والذي أقول إن قالُوا هو العامل في سَلاماً لأن المعنى قالُوا هذا اللفظ، وقال مجاهد معنى سَلاماً قولا سديدا، أي يقول للجاهل كلاما يدفعه به برفق ولين ف قالُوا على هذا التأويل عامل في قوله سَلاماً على طريقة النحويين وذلك أنه بمعنى قولا، وهذه الآية كانت قبل آية السيف فنسخ منها ما يختص الكفرة وبقي أدبها في المسلمين إلى يوم القيامة، وذكر سيبويه النسخ في هذه الآية في كتابه وما تكلم على نسخ سواه، ورجح به أن المراد السلامة لا التسليم لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالتسليم على الكفار والآية مكية فنسختها آية السيف.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦٤ الى ٦٦]
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦)
هذه آية فيها تحريض على القيام بالليل للصلاة، قال الحسن لما فرغ من وصف نهارهم وصف في هذه ليلهم، وقال بعض الناس من صلى العشاء الآخرة وشفع وأوتر فهو داخل في هذه الآية.
قال الفقيه الإمام القاضي: إلا أنه دخول غير مستوفى، وقرأ أبو البرهسم «سجودا وقياما»، ومدحهم تعالى بدعائه في صرف عَذابَ جَهَنَّمَ من حيث ذلك دليل على صحة عقدهم وإيمانهم ومن حيث أعمالهم بحسبه، وغَراماً معناه ملازما، وقيل مجحفا ومنه غرام الحب ومنه المغرم ومنه قول الأعشى:
[الخفيف]
إن يعاقب يكن غراما وإن يع | ط جزيلا فإنه لا يبالي |
ويوم النسار ويوم الجفار | كانا عناء وكانا غراما |
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦٧ الى ٧٠]
وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠)
اختلف المفسرون في هذه الآية التي في الإنفاق، فعبارة أكثرهم أن الذي لا يسرف هو المنفق في
ونحو هذه الأقوال التي هي غير مرتبطة بلفظ الآية، وخلط الطاعة والمعصية بالإسراف والتقتير فيه نظر، والوجه أن يقال إن النفقة في المعصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره، وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب بهذه الآية هو في نفقة الطاعات وفي المباحات، فأدب الشرع فيها أن لا يفرط الإنسان حتى يضيع حقا آخر أو عيالا ونحو هذا وأن لا يضيق أيضا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام، أي المعتدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوسطها، ولهذا ترك رسول الله ﷺ أبا بكر يتصدق بجميع ماله لأن ذلك وسط بنسبة جلده وصبره في الدين ومنع غيره من ذلك، ونعم ما قال إبراهيم النخعي وهو الذي لا يجيع ولا يعري ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف، وقال يزيد بن حبيب هم الذين لا يلبسون الثياب للجمال ولا يأكلون طعاما للذة، وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته فاطمة: ما نفقتك؟ فقال له عمر الحسنة بين السيئتين، ثم تلا الآية، وقال عمر بن الخطاب كفى بالمرء سرفا ألا يشتهي شيئا إلا اشتراه فأكله، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم «يقتروا» بضم الياء وكسر التاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ومجاهد وحفص عن عاصم «يقتروا» بفتح الياء وكسر التاء، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وفتح التاء، وهي قراءة الحسن والأعمش وطلحة وعاصم بخلاف، وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح التاء، وقرأ أبو عمرو «والناس قواما» بفتح القاف، أي معتدلا، وقرأ حسان بن عبد الرحمن بكسر القاف أي مبلغا وسدادا وملاك حال، وقَواماً خبر كانَ واسمها مقدر أي الإنفاق، وجوز الفراء أن يكون اسمها قوله بَيْنَ ذلِكَ. وقوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ الآية إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الأوثان وقتلهم النفس بوأد البنات وغير ذلك من الظلم والاغتيال والغارات وبالزنا الذي كان عندهم مباحا، وفي نحو هذه الآية قال عبد الله بن مسعود: قلت يوما يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت ثم أي؟ قال أن تزاني حليلة جارك، ثم قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية.
قال الفقيه الإمام القاضي: والقتل والزنا يدخل في هذه الآية العصاة من المؤمنين ولهم من الوعيد بقدر ذلك، «والحق» الذي تقتل به النفس هو قتل النفس والكفر بعد الإيمان، و «الزنا» بعد الإحصان، والكفر الذي لم يتقدمه إيمان في الحربيين، و «الأثام» في كلام العرب العقاب وبه فسر ابن زيد وقتادة هذه الآية ومنه قول الشاعر: [الوافر]
جزى الله ابن عروة حيث أمسى | عقوقا والعقوق له أثام |
«متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا». البيت وقوله إِلَّا مَنْ تابَ الآية لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني واختلفوا في القاتل من المسلمين، فقال جمهور العلماء له التوبة وجعلت هذه الفرقة قاعدتها قوله تعالى: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ [النساء: ٤٨] فجعل القاتل في المشيئة كسائر التائبين من الذنوب، ويتأولون الخلود الذي في آية القتل في سورة النساء بمعنى الدوام إلى مدة كخلد الدول ونحوه، وروى أبو هريرة في أن التوبة لمن قتل حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل إن هذه الآية نزلت في وحشي قاتل حمزة، وقاله سعيد بن جبير، وقال ابن عباس وغيره لا توبة للقاتل، قال ابن عباس وهذه الآية إنما أريد بالتوبة فيها المشركون وذلك أنها لما نزلت إِلَّا مَنْ تابَ الآية، ونزلت قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: ٥٣]، فما رأينا رسول الله ﷺ فرح فرحه بها وبسورة الفتح، وقال غير ابن عباس ممن قال بأن لا توبة للقاتل إن هذه الآية منسوخة بآية سورة النساء قاله زيد بن ثابت، ورواه أيضا سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال أبو الجوزاء صحبت ابن عباس ثلاث عشرة سنة فما شيء من القرآن إلا سألته عنه فما سمعته يقول إن الله تعالى يقول لذنب لا أغفره وقوله تعالى: يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ. معناه يجعل أعمالهم بدل معاصيهم الأول طاعة فيكون ذلك سببا لرحمة الله إياهم قاله ابن عباس وابن جبير وابن زيد والحسن، ورد على من قال هو في يوم القيامة، وقد ورد حديث في كتاب مسلم من طريق أبي يقتضي أن الله تعالى يبدل يوم القيامة لمن يريد المغفرة من الموحدين بدل سيئات حسنات، وذكره الترمذي والطبري وهذا تأويل ابن المسيب في هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: وهو معنى كرم العفو، وقرأ ابن أبي عبلة «يبدل» بسكون الباء وتخفيف الدال.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧١ الى ٧٤]
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤)
أكد بهذه الألفاظ أمر التوبة والمعنى وَمَنْ تابَ فإنه قد تمسك بأمر وثيق وهكذا، كما تقول لمن
قال الفقيه الإمام القاضي: والشاهد بالزور حاضره ومؤديه جرأة، فالمعنى الأول أعم لكن المعنى الثاني أغرق في المعاصي وأنكى، و «اللغو» كل سقط من فعل أو قول يدخل فيه الغناء واللهو وغير ذلك، ويدخل في ذلك سفه المشركين وأذاهم للمؤمنين وذكر النساء وغير ذلك من المنكر، وكِراماً معناه معرضين مستحين يتجافون عن ذلك ويصبرون على الأذى فيه، وروي أن عبد الله بن مسعود سمع غناء فأسرع في مشيه وذهب فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال لقد أصبح ابن أم عبد كريما، وقرأ الآية.
قال الفقيه الإمام القاضي: وأما إذا مر المسلم بمنكر فكرمه أن يغير، وحدود التغيير معروفة وقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ذكروا بالقرآن آخرتهم ومعادهم وقوله: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً يحتمل تأويلين: أحدهما أن يكون المعنى لم يكن خرورهم بهذه الصفة بل يكون سجدا وبكيا، وهذا كما تقول لم يخرج زيد للحرب جزعا أي إنما خرج جريئا مقدما. وكأن الذي يخر أصم وأعمى هو المنافق، أو الشاك، والتأويل الثاني ذهب إليه الطبري وهو أن يخروا صما وعميانا هي صفة للكافر وهي عبارة عن إعراضهم وجهدهم في ذلك، وقرن ذلك بقوله قعد فلان يشتمني وقام فلان يبكي وأنت لم تقصد الإخبار بقعود ولا قيام وإنما هي توطئات في الكلام والعبارة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وكان المستمع للذكر قائم القناة قويم الأمر فإذا أعرض وضل كان ذلك خرورا وهو السقوط على غير نظام ولا ترتيب وإن كان قد شبه به الذي يخر ساجدا، ولكن أصله أنه على غير ترتيب، ثم مدح المؤمنين حال الدعاء إليه في أن يقر العيون بالأهل والذرية، و «قرة العين» يحتمل أن تكون من القرار، ويحتمل أن تكون من القر، وهو الأشهر لأن دمع السرور بارد ودمع الحزن سخن، فمن هذا يقال أقر الله عينك وأسخن الله عين العدو، و «قرة العين» في الأزواج والذرية أن يراهم الإنسان مطيعين لله تعالى قاله ابن عباس والحسن وحضرمي، وبين المقداد بن الأسود الوجه من ذلك بأنه كان في أول الإسلام يهتدي الأب والابن كافر والزوج والزوجة كافرة فكانت قرت عيونهم في إيمان أحبابهم، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والحسن «ذرياتنا»، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وطلحة وعيسى «ذريتنا» بالإفراد. وقوله تعالى: لِلْمُتَّقِينَ إِماماً قيل هو جمع، آم مثل قائم وقيام وقيل هو مفرد اسم جنس أي اجعلنا يأتم بنا المتقون، وهذا لا يكون إلا أن يكون الداعي متقيا قدوة وهذا هو قصد الداعي، قال إبراهيم النخعي لم يطلبوا الرياسة بل أن يكونوا قدوة في الدين وهذا حسن أن يطلب ويسعى له.
قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧٥ الى ٧٧]
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧)قرأ أبي كعب «يجازون» بألف، والْغُرْفَةَ من منازل الجنة وهي الغرفة فوق الغرف وهو اسم الجنة كما قال: [الهزج]
ولولا الحبة السمراء... لم نحلل بواديكم
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «ويلقّون» بضم الياء وفتح اللام وشد القاف وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والحسن، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم وطلحة ومحمد اليماني ورويت عن النبي ﷺ «ويلقون» بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف، واختلف عن عاصم وقوله حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً معادل لقوله في جهنم ساءَتْ وقوله: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ الآية أمر لمحمد ﷺ أن يخاطب بذلك، وما تحتمل النفي وتحتمل التقرير والكلام في نفسه يحتمل تأويلات أحدها أن تكون الآية إلى قوله لَوْلا دُعاؤُكُمْ خطابا لجميع الناس فكأنه قال لقريش منهم أي ما يبالي الله بكم ولا ينظر إليكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت إذ ذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله. قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦]. وقال النقاش وغيره المعنى لولا استغاثتكم إليه في الشدائد ونحو ذلك فذلك هو عرف الناس المرعي فيهم، وقرأ ابن الزبير وغيره «فقد كذب الكافرون» وهذا يؤيد أن الخطاب بما يعبأ هو لجميع الناس، ثم يقول لقريش فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه فسوف يكون العذاب والتكذيب الذي هو سبب العذاب لزاما، والثاني أن يكون الخطاب بالآيتين لقريش خاصة أي ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ الأصنام آلهة دونه فإن ذلك يوجب تعذيبكم، والثالثة وهو قول مجاهد أي ما يعبأ ربكم بكم لولا أن دعاكم إلى شرعه فوقع منكم الكفر والإعراض.
قال القاضي أبو محمد: والمصدر في هذا التأويل مضاف إلى المفعول وفي الأولين مضاف إلى الفاعل ويَعْبَؤُا مشتق من العبء، وهو الثقل الذي يعبأ ويرتب كما يعبأ الجيش، وقرأ ابن الزبير «وقد كذبت الكافرون فسوف»، قال ابن جني قرأ ابن الزبير وابن عباس إلخ... «فقد كذب الكافرون»، قال الزهراوي وهي قراءة ابن مسعود قال وهي على التفسير وأكثر الناس على أن «اللزام» المشار إليه في هذا الموضع هو يوم بدر وهو قول أبي بن كعب وابن مسعود، والمعنى فسوف يكون جزاء التكذيب، وقالت فرقة هو تعوذ بعذاب الآخرة، وقال ابن مسعود اللزام التكذيب نفسه أي لا تعطون توبة ذكره الزهراوي، وقال ابن عباس أيضا «اللزام» الموت وهذا نحو القول ببدر وإن أراد به متأول الموت المعتاد في الناس عرفا فهو ضعيف، وقرأ جمهور الناس «لزاما» بكسر اللام من لوزم وأنشد أبو عبيدة لصخر الغي: [الوافر]
فإمّا ينجوا من حتف أرض... فقد لقيا حتوفهما لزاما
وقرأ أبو السمال «لزاما» لفتح اللام من لزم والله المعين.