تفسير سورة محمد

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة محمد من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة خاتم النّبيين محمّد صلى الله عليه وسلم
وهى سورة القتال وهى ثمان وثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى منعوا الناس عن الدخول فى الإسلام إذ امتنعوا عن الدخول فيه وسلوك طريقه أَضَلَّ الله أَعْمالَهُمْ (١) اى جعلها ضائعة محبطة حيث لم يقصدوا بها وجه الله ولم يجعل لها ثوابا وانما يجزون بها فى الدنيا فضلا من الله وأراد بالأعمال ما كان منها حسنا فى الظاهر كاطعام الطعام وصلة الأرحام وفك الأسارى وحفظ الجوار وقال الضحاك أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي ﷺ وجعل الدبرة عليهم.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ تخصيص للمنزل عليه مما يجب الايمان به تعظيما له واشعارا بان الايمان لا يتم بدونه وانه الاضل منه وشامل لجميع الايمانيات ولذلك أكده بقوله وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ اعتراضا على طريقة الحصر وجاز ان يكون حالا قيل حقيقته كونه ناسخا لا ينسخ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ اى غفرها وسترها بالايمان وأعمالهم الصالحة وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) اى حالهم فى الدنيا بالنصر على الأعداء وتوفيق الطاعة والحفظ عن المعاصي وتسلط الشيطان وفى الاخرة بالخلود فى النعيم ورضوان الله تعالى وقال ابن عباس يعنى عصمهم ايام حياتهم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله هم مشركوا مكة
والّذين أمنوا وعملوا الصّالحات هم الأنصار قلت واللفظ عام.
ذلِكَ اشارة الى ما مرّ من الإضلال والتكفير والإصلاح مبتدا خبره بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ اى الشيطان وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ اى القران كَذلِكَ اى ضربا مثل ذلك الضرب يَضْرِبُ اللَّهُ اى يبين لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) الضمير راجع الى الناس او الى المذكورين من الفريقين على معنى انه يضرب لاجل الناس حتى يعتبروا أمثال الفريقين جعل الله تعالى اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والإضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق مثلا للمؤمنين تكفيرا لسيئات مثلا لفوزهم..
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من اللقاء وهو الحرب فَضَرْبَ الرِّقابِ أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه مضافا الى المفعول للتأكيد والاختصار عبر به عن القتل اشعارا بانه ينبغى ان يضرب الرقبة ما أمكن فانه مفض الى القتل غالبا دون غيره من الجراحات حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ اى أكثرتم قتلهم واغلظتموهم من الثخين بمعنى الغليظ فَشُدُّوا الْوَثاقَ اى فامسكوا عنهم واسروهم وشدوا وثاقهم واحفظوهم كيلا يفروا والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً اى فاما تمنون عليهم بالإطلاق بعد الاسر وشد الوثاق منّا او يفدون فداء- قال البغوي اختلف العلماء فى حكم هذه الاية فقال قوم هى منسوخة بقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله تعالى فامّا تثقفنّهم فى الحرب فشرّد بهم من خلفهم والى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدىّ وابن جريج وهو قول الأوزاعي وبه قال ابو حنيفة رحمه الله فى رواية- قلت قوله تعالى فشرّد بهم من خلفهم لا يصلح ناسخا لهذه الاية وقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم مخصوص بالبعض حيث جاز استرقاق الأسارى بالإجماع واستبقاؤهم ذمة لنا عند ابى حنيفة ومالك فبقى ظنى الدلالة فى الباقي فلا يصلح ناسخا لهذه الاية لكونها قطعية- وذهب الآخرون الى انها محكمة والامام بالخيار فى الرجال العاقلين من الكفار إذا
421
وقعوا فى الاسر بين ان يقتلهم او يسترقهم او يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض او يفاديهم بالمال او بأسارى المسلمين واليه ذهب ابن عمرو به قال الحسن وعطاء واكثر الصحابة والعلماء وهو قول الثوري والشافعي واحمد وإسحاق وقال ابن عباس لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم انزل الله عزّ وجلّ فى الأسارى فامّا منّا بعد وامّا فداء وهذا هو الأصح والاختيار لانه عمل به رسول الله ﷺ والخلفاء بعده قلت فهذه الاية ناسخة لقوله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فانها نزلت فى غزوة بدر سنة اثنين وقد منّ رسول الله ﷺ على الأسرى بعد ذلك فى الحديبية سنة ست وغير ذلك- عن انس ان ثمانين رجالا من اهل مكة هبطوا على رسول الله ﷺ من جبل التنعيم متسلحين يريدون غزوة النبي ﷺ وأصحابه فاخذهم سلما فاستحياهم وفى رواية فاعتقهم فانزل الله تعالى وهو الّذى كفّ أيديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكّة من بعد ان أظفركم عليهم- رواه مسلم وقد ذكرنا مسائل احكام الأسارى واختلاف العلماء وما ورد فى الباب من الأحاديث فى سورة الأنفال فى تفسير قوله تعالى ما كان لنبىّ ان يكون له اسرى حتّى يثخن فى الأرض- حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ اى اهل الحرب اى المحاربين أَوْزارَها يعنى اثقالها وهى الاسلحة يعنى ينقطع الحرب ولم يبق الا مسلم او مسالم وقيل الأوزار الآثام والمعنى يضع اهل الحرب من المشركين اثامها بان يتوبوا من كفرهم ويؤمنوا بالله ورسوله وقيل حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بان يسلموا والمعنى اثخنوا المشركين بالقتل والاسر حتى يدخل اهل الملل كلها فى الإسلام جعل الله سبحانه انقطاع الحرب غاية للضرب او الشد او المن او الفداء او للمجموع يعنى هذه الاحكام جارية حتى لا يكون حرب مع المشركين
422
بزوال شوكتهم وذلك عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ﷺ لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناولهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال- رواه ابو داود وروى البغوي عن النبي ﷺ بلفظ الجهاد ماض منذ بعثني الله الى ان يقاتل اخر أمتي الدجال ذلِكَ خبر مبتدا محذوف اى الأمر فيهم ذلك او مبتدا خبره محذوف اى ذلك ثابت او مفعول لفعل محذوف اى افعلوا بهم ذلك فهو تأكيد لما سبق وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ اى لانتقم من الكفار بان يهلكهم من غير تعب منكم فى الجهاد وَلكِنْ أمركم بالقتال لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ اى ليبلو المؤمنين بالكافرين بان يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب والكافرين بالمؤمنين بان يعاجلهم بالعقوبة بايديهم كى يرتدع بعضهم من الكفر ويستوجب بعضهم النار والجملة بيان لحكمة شرعية
القتال مع القدرة على استيصالهم بلا تجشم قتال من المؤمنين وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قرأ اهل البصرة وحفص قتلوا بضم القاف وكسر التاء على البناء للمفعول من المجرد وهم الشهداء والباقون قاتلوا بالألف من المقاتلة وهم المجاهدون فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) خبر للمبتدا الموصول المتضمن لمعنى الشرط اى لا يبطل أعمالهم بارتكاب المعاصي بل يكفر سيئاتهم ويثيب على حسناتهم اخرج البزار والبيهقي والاصفهانى فى الترغيب عن انس قال قال رسول الله ﷺ الشهداء ثلاثة رجل خرج بنفسه وماله محتسبا فى سبيل الله يريد ان يقاتل ويقتل بكثّر سواد المسلمين فان مات او قتل غفرت له ذنوبه كلها وأجير من عذاب القبر ويؤمن من الفزع الأكبر ويزوج من الحور العين ويحل حلة الكرامة ويوضع على رأسه تاج الوقار والثاني رجل خرج بنفسه وماله محتسبا يريدان يقتل ولا يقتل فان مات او قتل كانت ركبتيه مع ابراهيم خليل الرحمان بين يدى الله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر والثالث رجل خرج بنفسه
423
وماله محتسبا يريد ان يقتل ويقتل فان مات او قتل جاء يوم القيامة شاهرا سيفه واضعه على عاتقه والناس جاثون على الركب يقولون الا افسحوا لنا فانا بذلنا دماءنا وأموالنا لله حتى يأتوا منابر من نور تحت العرش فيجلسون عليها ينظرون كيف يقضى بين الناس لا يجدون غم الموت ولا يفتنون فى البرزخ ولا يفزعهم الصيحة ولا يهمهم الحساب ولا الميزان ولا الصراط ولا هم يسئلون شيئا الا اعطوا ولا يشفعون فى شىء الا شفعوا ويعطون من الجنة ما احبّوا ويتبؤون من الجنة حيث احبّوا والله اعلم.
اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة قال ذكر لنا انه نزلت هذه الاية الّذين قتلوا فى سبيل الله يوم أحد وقد نشب فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون بوعيد اعل هبل فنادى المسلمون الله أعلى وأجل فقال المشركون ان لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله ﷺ قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
سَيَهْدِيهِمْ فى الدنيا الى الرشك وفى الاخرة الى الدرجات العلى وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) اى حالهم فى الدارين اما فى الدنيا فلمن لم يقتل ادرجوا فى القتلى تغليبا او لانهم لما خرجوا للقتال ورضوا بان يّقتلوا اعطوا ثوابهم فى الدارين واما فى الاخرى فلمن قتل ولمن لم يقتل بان يكفر سيئاتهم ويقبل حسناتهم ويرضى خصمائهم- اخرج ابو نعيم فى الحلية عن سهل بن سعد والبزار والبيهقي فى شعب الايمان عن ابن عمر قالا قال رسول الله ﷺ ثلاثة يقضى الله تعالى عنهم يعنى ديونهم يوم القيامة رجل خاف العدو على بيضة المسلمين وليس عنده قوة فادّ ان دينا فابتاع به سلاحا وتقوّى به فى سبيل الله فمات قبل ان يقضيه هذا يقضى الله عنه ورجل مات عنده اخوه المسلم فلم يجد ما يكفنه منه فاستقرض فاشترى به كفنا فمات وهو لا يقدر على قضائه فهذا يقضى الله عنه يوم القيامة ورجل خاف على نفسه العنت فتعفف بنكاح امراة فمات ولم يقض فان الله يقضى عنه يوم القيامة واخرج الطبراني فى الأوسط بسند حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا التقى الخلائق يوم القيامة فادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار نادى منادى يا اهل الجمع تتاركوا المظالم بينكم وثوابكم على الله تعالى.
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) اى يبين لهم منازلهم فى الجنة حتى يهتدوا الى مساكنهم من غير استدلال كانهم سكانها منذ خلقوا فيكون المؤمن اهدى الى منزله ودرجته وزوجته وخدمه منهم الى منزله واهله فى الدنيا هذا قول اكثر المفسرين عن ابى هريرة قال كان رسول الله ﷺ يقول والذي بعثني بالحق ما أنتم فى الدنيا باعرف بازواجكم ومساكنكم من اهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم- رواه فى حديث طويل ابن جرير فى تفسيره والطبراني وابو يعلى والبيهقي فى البعث وغيرهم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ اى تنصروا دينه ورسوله يَنْصُرْكُمْ على عدوكم وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧) فى القيامة بحقوق الإسلام والمجاهدة مع الكفار-.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ مصدر لفعل واجب إضماره سمعا اى فتعسوا تعسا والجملة خبر للموصول او مفسر لناصبه قال ابن عباس معناه بعدا لهم وقال ابو العالية سقوطا لهم وقال الضحاك خيبة لهم وقال ابن زيد شتّا لهم قال الفراء نصب على المصدر على سبيل الدعاء وقيل معناه فى الدنيا العثرة وفى الاخرة التردي فى النار ويقال للعاثر إذا لم يريدوا قيامه تعسا وضده لعا وفى القاموس التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) لانها كانت فى طاعة الشيطان عطف على ناصب تعسا.
ذلِكَ التعس والإضلال بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ يعنى القران لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما الفوه واشتهته أنفسهم فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) كرره اشعارا بان ذلك من لوازم الكفر.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا يعنى اهل مكة فِي الْأَرْضِ الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره الم يخرجوا فلم يسيروا فى الأرض فَيَنْظُرُوا جواب للنفى او معطوف عليه اى فلم ينظروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
من الأمم المكذبة للرسل دَمَّرَ اللَّهُ اى استأصل عَلَيْهِمْ على أنفسهم وأهليهم وأولادهم وأموالهم جملة مستأنفة وَلِلْكافِرِينَ يعنى اهل مكة وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل على كفرهم أَمْثالُها (١٠) اى أمثال تلك العاقبة او العقوبة او الهلكة لان التدمير يدل عليها.
ذلِكَ النصر للمؤمنين والقهر على الكافرين بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا اى وليهم وناصرهم فيؤيدهم ويوفقهم ويسدد أمرهم ويدفع عنهم خطرات الشيطان حيث قال الله تعالى انّ عبادى ليس لك عليهم سلطان وَأَنَّ الْكافِرِينَ الذين قدر عليهم الكفر وسلطان الشيطان لا مَوْلى لَهُمْ (١١).
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ بمتاع الدنيا أياما قلائل وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ صفة لمصدر محذوف وما مصدرية اى أكلا كأكل الْأَنْعامُ حريصين غافلين عن المنعم تاركين شكره غير خائفين عن العاقبة وَالنَّارُ مَثْوىً اى منزل ومقام لَهُمْ (١٢) الجملة حال من فاعل تأكلون.
وَكَأَيِّنْ اى كثير مبتدا مِنْ قَرْيَةٍ اى اهل قرية حذف المضاف واجرى على المضاف اليه احكام المضاف فقال هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً صفة لقرية روعى لفظ القرية وانث الضمير مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ اى اخرجك أهلها أسند الإخراج إليهم باعتبار التسبيب فان النبي ﷺ انما خرج من مكة لاجل إيذاء أهلها اخرج ابو يعلى وذكره البغوي عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال لمّا خرج رسول الله ﷺ من مكة الى الغار التفت الى مكة وقال أنت أحب بلاد الله الى الله وأحب بلاد الله الىّ ولو ان المشركين لم يخرجونى لم اخرج منك فانزل الله تعالى هذه الاية أَهْلَكْناهُمْ خير مبتدا روعى فى الضمير فان المراد من القرية أهلها فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) حكاية حال ماضية اى فلم يكن لهم حينئذ ناصر.
أَفَمَنْ كانَ الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره ايستوى المؤمن الذي الله مولاه والكافر الذي لا مولى له أصلا فمن كان
عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ اى على يقين مستند الى حجة من عند ربه اى الى القرآن او ما يعمه والحجج العقلية كالنبى ﷺ والمؤمنين كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ اى زين لهم الشيطان سُوءُ عَمَلِهِ من الشرك والمعاصي وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) فعبدوا الأوثان بلا شبهة لهم فضلا عن حجة..
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ الضمير الراجع الى الموصول محذوف اى وعد بها المتّقون- مثل الجنّة اى صفتها العجيبة مبتدا محذوف الخبر تقديره يتلى عليكم فيما بعد وقيل خبره كمن هو خالد فى النّار وتقدير الكلام أمثل اهل الجنّة كمثل من هو خالد فى النّار او أمثل الجنّة كمثل جزاء من هو خالد فى النّار فعرى عن حرف الإنكار وحذف ما حذف استغناء بجرى مثله تصوير المكابرة من يسوى بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى بمكابرة من يسوى بين الجنة والنار وقيل خبره فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ صفة لانهار غَيْرِ آسِنٍ الجملة ان لم يكن خبر المثل فهو اما استئناف لشرح المثل او حال من العائد المحذوف اى مثل الجنّة الّتى وعد بها المتّقون كائنة فيها انهار من ماء غير أسن قرأ ابن كثير بالقصر والباقون بالمد وهما لغتان اى غير متغير طعمه ولا ريحه كما يتغير مياه الدنيا بطول المكث وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ كما يتغير البان الدنيا الى الحموضة وغيرها وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ اى لذيذة تأنيث لذّ او مصدر نعت به بإضمار اى ذات لذة او تجوزا للمبالغة لِلشَّارِبِينَ لا يكون فيها كراهة ريح ولا غائلة سكر وخمار بخلاف خمر الدنيا فانها كريهة عند الشرب وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى لم يخالطه الشمع ولا فضلات النحل وغيرها.
عن معاوية بن حيدة قال سمعت النبي ﷺ يقول ان فى الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم يشق الأنهار منها- رواه الترمذي وصححه والبيهقي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ انهار الجنة
427
يفجر من جبل مسك- رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي والطبراني وابن ابى حاتم وعن مسروق قال انهار الجنة تجرى من غير أخدود- رواه ابن المبارك والبيهقي وعن انس قال قال رسول الله ﷺ لعلكم تظنون ان انهار الجنة أخدود فى الأرض لا والله انها سابحة على وجه الأرض حافتاه خيام اللؤلؤ وطينها المسك الأزفر- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله سبحان وجيحان والفرات والنيل كلها من انهار الجنة- رواه مسلم وعن عمرو بن عوف قال قال رسول الله ﷺ اربعة انهار الجنة النيل والفرات وسيحان وجيحان واربعة جبال من جبال الجنة أحد والطور ولبنان ودرقان ( «١» ) وعن كعب الأحبار قال نهر النيل هو نهر العسل ونهر دجلة نهر اللبن ونهر الفرات نهر الخمر فى الجنة ونهر سيحان نهر الماء فى الجنة- رواه البيهقي وذكر البغوي قول كعب نهر دجلة نهر ماء اهل الجنة ونهر الفرات نهر لبنهم ونهر مصر نهر خمرهم ونهر سيحان نهر عسلهم وهذه الأنهار الاربعة تخرج من نهر الكوثر- وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ صنف عطف على فيها انهار عن ابن عباس قال ما فى الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة الا وهى فى الجنة حتى الحنظل- رواه ابن ابى حاتم وابن المنذر فى تفسيرهما وعن ابن عباس قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء رواه ابن جرير وابن ابى حاتم ومسدد فى مسنده وهناد فى الزهد والبيهقي وعن ثوبان انه سمع رسول الله ﷺ يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة من ثمرها الا أعيد فى مكانها مثلها وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ فهو راض عنهم ابدا مع إحسانه إليهم بما ذكر بخلاف السيد للعبد فى الدنيا فانه قد يسخط عليه عطف على الصنف المحذوف او مبتدا خبره محذوف اى لهم مغفرة من ربهم كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ هذا على تقدير كون مثل الجنة مبتدا محذوف الخبر او كون
(١) هكذا بياض فى الأصل ١٢
428
خبره فيها انهار خبر لمبتدا محذوف تقديره أمن هو خالد فى تلك الجنة كمن هو خالد فى النّار او بدل من قوله كمن زيّن له وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من زيّن سوء عمله ممن هو على بيّنة من ربّه فى الاخرة تقريرا لانكار المساواة وَسُقُوا ماءً حَمِيماً عطف على هو خالد نظرا الى لفظة من وجمع سقوا نظرا الى معناه فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) لشدة الحر فخرجت من ادبارهم اخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كان المؤمنون والمنافقون يجتمعون عند النبي ﷺ فيستمع المؤمنون منه ما يقول ويعونه ويستمع المنافقون ولا يعونه فاذا خرجوا سالوا المؤمنين ماذا قال آنفا فنزلت.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ عطف على والّذين كفروا يتمتّعون وما بينهما معترضات وهم المنافقون يستمعون قول النبي ﷺ فلا يعونه ولا يفهمونه تهاونا به وتغافلا او لما لا يعتقدونه حقّا حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا افراد ضمير يستمع نظرا الى لفظة من وجمع ضمير خرجوا وقالوا نظرا الى المعنى لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا اى ما الذي قالَ محمد آنِفاً الساعة من قولهم انف الشيء لما تقدم منه مستعار جارحة الانف ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتا مؤتنفا او حال من الضمير فى قال قرأ ابن كثير وهو غير ماخوذ- ابو محمد فى رواية بالقصر والباقون بالمد ومعناهما واحد قالوا ذلك استعلاما او استهزاء أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فلذلك تهاونوا بكلام الرسول ﷺ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) ولذلك استهزءوا به.
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا بكلام الرسول ﷺ وهم المؤمنون زادَهُمْ الله بكل كلام من الرسول ﷺ هُدىً علما وبصيرة ومشرح صدر وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) اى وفقهم للعمل بما أمروا به او بين لهم ما يتقون به من النار قال سعيد بن جبير أتاهم ثواب تقواهم-.
فَهَلْ يَنْظُرُونَ اى ما ينتظرون يعنى كفار مكة إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
429
بَغْتَةً
بدل اشتمال من الساعة والاستفهام للانكار والمعنى ان الساعة اتية بغتة لا محالة فهم لا ينتظرون الا الساعة والجملة الاستفهامية جزاء شرط محذوف تقديره ان لم يتوبوا ولم يتسارعوا فى الطاعة فلا ينتظرون للتوبة والطاعة الا وقت إتيان الساعة وحينئذ لا ينفعهم التوبة ولا يستطيعون الطاعة عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال ما ينتظر أحدكم الا غنى مطغيّا او فقرا منسيّا او مرضا مفسدا او هرما مفندا او موتا مجهّزا او الدجال والدجال شر غائب منتظر او الساعة والسّاعة إذ هى وامرّ ( «١» ) فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها تعليل على إتيان الساعة اى اماراتها وعلاماتها منها شق القمر قال الله تعالى اقتربت السّاعة وانشقّ القمر ومنها الدخان ومنها مبعث النبي ﷺ روى مسلم وابن ماجة عن سهل بن سعد قال رايت النبي ﷺ قال بإصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلى الإبهام بعثت انا والساعة كهاتين- وروى احمد وابن ماجة والترمذي وصححة عن انس نحوه وعن انس قال لاحدثنّكم بحديث سمعته من رسول الله ﷺ لا يحدثكم به أحد غيرى سمعت رسول الله ﷺ يقول ان اشراط الساعة ان يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنى ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امراة قيم واحد- وفى رواية يقل العلم ويظهر الجهل- متفق عليه وعن ابى هريرة قال بينما النبي ﷺ يحدث إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة قال إذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة قال كيف اضاعتها قال إذا وسدّ الأمر الى غير اهله فانتظر الساعة- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ إذا اتخذ الفيء دولا والامانة مغنما والزكوة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته وعق امه وادنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات فى المساجد وساد القوم فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم
(١) هكذا بياض فى الأصل
430
الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن اخر هذه الامة أولها فارتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام قطع سلكه فتتابع- رواه الترمذي وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ إذ فعل أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء وعد هذه الخصال ولم يذكر ويعلم العلم لغير الدين وقال وبرّ صديقه وجفا أباه وقال شرب الخمر ولبس الحرير- رواه الترمذي وهذه الجملة كالعلة لاتيانها بغتة فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ الساعة ذِكْراهُمْ (١٨) الفاء جزائية لشرط محذوف والمعنى ان تأتيهم الساعة بغتة فكيف يكون لهم ذكرهم اى وقت مجيئها كيف يتذكرون إذ حينئذ لا ينفعهم الذكر-.
فَاعْلَمْ أَنَّهُ اى الشأن لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ «١» الفاء للسببية اى إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت أنت يا محمد على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وافعالها النافع يوم القيامة وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ هضما لنفسك وإظهارا للتقصير فى العبادة بالنسبة الى جلال ربّك وعظمته وليستن به أمتك وقد فعله ﷺ حيث
(١) عن ابى بكر الصديق عن رسول الله ﷺ قال عليكم بلا اله الا الله والاستغفار فاكثروا منها فان إبليس قال أهلكت الناس بالذنوب واهلكونى بلا اله الا الله والاستغفار فلمّا رايت ذلك أهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون انهم مهتدون وعن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ان عمر راى طلحة حزينا فقال له مالك قال انى سمعت رسول الله ﷺ يقول انى لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته الا نفس الله عنه كريته وأشرق لونه واتى ما يسره وما منعنى ان اسئلهما عنها الا القدرة عليه حتى مات فقال عمر انى لاعلمها قال لا تعلم كلمة هى أعظم من كلمة امر بها؟؟؟ لا اله الا الله قال فهى والله هى وعن عثمان بن عفان قال قال رسول الله ﷺ من مات وهو يعلم ان لا اله الا الله دخل الجنة منه نور الله مرقده- ١٢-[.....]
قال انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله فى اليوم مائة مرة- رواه مسلم واحمد وابو داود والنسائي من حديث الأغر المزني قلت لعل غين القلب كناية عمّا يرى الصوفي فى نفسه من ظلمات الإمكان بعدها يسند كمالاته الى جناب الرحمان قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه معرفة الله تعالى حرام على من لم ير نفسه شرّا من الكافر الفرنجى قيل عليه كيف يتصور ذلك مع ما يرى نفسه مؤمنا حقا لا اقل منه ويرى الكافر كافرا لا محالة ومعرفة فضل الايمان على الكفر من ضروريات الدين- أجاب عنه بان كل ممكن موجود فهو لا يخلو عن ظلمة الإمكان ونور الوجود المستعار من الرحمان فالعارف بالله يرى فى نفسه غالبا جانب العدم والإمكان وما فيه من الوجود واتباعه من الكمالات يجده مستعارا من الملك المنان امتثالا لامره انّ الله يأمركم ان تؤدّوا الأمانات الى أهلها ويرى فى من سواه غالبا جانب الوجود المستفاد من الرحمان فلا جرم يرى نفسه شرّا من كل من سواه وهذه المعرفة لا يزاحم معرفة فضل الايمان على الكفر باختلاف الالحاظ والحيثيات وسعة العلم والإدراكات بخلاف الغافل يرى وجوده وكمالاته مستندا الى نفسه وينادى انا خير منه ولا حول ولا قوة الا بالله وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ اى استغفر لذنوبهم بالدعاء لهم والتحريض على ما يستدعى لغفرانهم وفى إعادة الجار وحذف المضاف اشعار لفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وانها جنس اخر قال البغوي هذا إكرام من الله تعالى لهذه الامة حيث امر نبيهم ﷺ ان يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩) قال ابن عباس متقلّبكم مصرفكم ومنتشركم فى أعمالكم فى الدنيا ومثويكم مصيركم فى الاخرة الى الجنة او النار وقال مقاتل وابن جرير منصرفكم لاشتغالكم بالنهار ومثويكم ماويكم الى مضاجعكم بالليل وقال عكرمة متقلّبكم من أصلاب الآباء الى أرحام الأمهات ومثويكم مقامكم فى الأرض وقال ابن كيسان متقلّبكم من ظهر الى بطن ومثويكم مقامكم فى القبور والمعنى انه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شىء منها فاحذروه والخطاب للمؤمنين وغيرهم.
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا حرصا منهم على الجهاد لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ تأمرنا
بالجهاد فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ اى امر بالجهاد قيل معنى محكمة مبينة لا يحتمل وجها الا وجوب القتال وقال قتادة كل سورة ذكر فيها الجهاد فهى محكمة لان وجوب القتال نسخ ما كان قبل ذلك من الصلح والمهادنة ولا يرد عليه النسخ وهو ماض الى يوم القيامة وكل سورة ذكر فيها القتال كانت هى أشد القران على المنافقين رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى ضعف وجبن يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ جبنا ومخافة نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) اى خير لهم.
طاعَةٌ اى طاعة الله ورسوله فى الجهاد وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ اى قول سمعنا واطعنا فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ اى جد الأمر اى جد اصحاب الأمر على القتال فالاسناد اليه مجاز او المعنى لزم وفرض القتال فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ فيما زعموا من الحرص على الجهاد لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) وجملة لو صدقوا جزاء شرط وقيل جزاء الشرط محذوف وهذه مستأنفة تقديره فاذا عزم الأمر لم يصدقوا الله ولو صدقوا الله لكان خيرا لّهم.
فَهَلْ عَسَيْتُمْ فيه التفات من الغيبة الى الخطاب اى فهل يتوقع منكم ايها اصحاب الجبن إِنْ تَوَلَّيْتُمْ اى أعرضتم عن متابعة الرسول شرط مستغن عن الجزاء لوقوعه فى جملة تدل على الجزاء أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي لاجل مخالفة الرسول وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) اى تخالفوا اقرباءكم المؤمنين المجاهدين فى سبيل الله وان مع جملته فاعل لعسيتم والاستفهام للانكار يعنى لا تكونوا بحيث يتوقع منكم الفساد فى الأرض بالكفر والمعاصي وقطع الأرحام «١».
(١) عن بريدة قال كنت جالسا عند عمر إذ سمع صائحا فقال يا يرفا انظر ما هذا الصوت فنظر ثم جاء فقال جارية من قريش تباع أمها فقال عمر ادع المهاجرين والأنصار فلم يمكث الا ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة فحمد الله واثنى عليه فقال اما بعد فهل تعلمون كان فيما جاء به محمد ﷺ الفظيعة قالوا لا قال فلما قد أصبحت فيكم فاشبة ثم قرأ فهل عسيتم ان تولّيتم ان تفسدوا فى الأرض وتقطّعوا أرحامكم ثم قال واىّ فظيعة اقطع من ابتياع أم امرئ فيكم وقد أوسع الله لكم قالوا فاصنع ما بدا لك- فكتب فى الآفاق ان لا يبتاع أم حرفانها قطيعة رحم وانه لا يحل منه برد الله مضجعه- ١٢-
.
أُولئِكَ يعنى المفسدين فى الأرض والقاطعين الأرحام مبتدا خبره الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ اى ابعدهم عن رحمته فَأَصَمَّهُمْ عن استماع الحق وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) عن ملاحظته هذه الجملة فى مقام التعليل للانكار فى قوله فهل عسيتم وقيل المراد بالّذين فى قلوبهم مرض المنافقون والمرض الشك والنفاق وقوله فاولى لهم اى فويل شديد لهم أفعل من الويل او من الولي بمعنى القرب او فعلى من ال ومعناه الدعاء عليهم بان يليهم المكروه او يؤل اليه أمرهم- وطاعة وقول معروف مبتدا محذوف الخبر اى وطاعة وقول معروف خير لهم او حكاية عن قولهم اى يقولون طاعة اى أمرنا طاعة وقول معروف فلو صدقوا الله فيما قالوا ان أمرنا طاعة لكان خيرا لهم لكنهم كذبوا فهل عسيتم ان تولّيتم امر الناس يعنى تأمرتم عليهم ان تفسدوا فى الأرض بالظلم- نزلت فى بنى امية وبنى هاشم يدل عليه قراءة على بن ابى طالب ان تولّيتم بضم التاء والواو على البناء للمفعول اى ان وليتم ولاة جائرة خرجتم معهم فى الفتنة وعاديتموهم أولئك الّذين لعنهم الله فاصمّهم وأعمى أبصارهم قال ابن الجوزي انه روى القاضي ابو يعلى فى كتابه المعتمد الأصول بسنده عن صالح بن احمد بن حنبل انه قال قلت لابى يا أبت يرعم بعض الناس انا نحب يزيد بن معاوية فقال احمد يا بنى هل يسوغ لمن يؤمن بالله ان يحب يزيد ولم لا يلعن رجل لعنه الله فى كتابه قلت يا أبت اين لعن الله يزيد فى كتابه قال حيث قال فهل عسيتم ان تولّيتم ان تفسدوا فى الأرض وتقطّعوا أرحامكم أولئك الّذين لعنهم الله فاصمّهم وأعمى أبصارهم-.
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ اى لا يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر فيتضح لهم الحق والاستفهام للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره أيغفلون فلا يتدبّرون القران أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) أقفال القلوب استعارة بالكناية شبّه القلوب بالخزائن واثبت لها ما يناسب الخزائن من الأقفال على وجه التخييل وأضاف الأقفال الى القلوب للدلة على انها أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة وهذا الكلام كناية عن عدم الاستعداد ونفى قابلية القلوب للاتعاظ بالكلية فلا يفهمون مواعظ القران وان تدبروا فرضا. وتنكير قلوب لان المراد قلوب بعض منهم او للاشعار بانها لابهام أمرها فى القساوة او لفرط جهالتها كانها مبهم مكنوزة روى البغوي عن هشام بن عروة عن أبيه قال تلا رسول الله ﷺ أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب اقفالها فقال شابّ من اهل اليمن بل على قلوب اقفالها حتى يكون الله يفتحها او يفرجها فما زال الشابّ فى نفس عمر حتى ولّى فاستعان «١» به..
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ اى على ما كانوا عليه من الكفر مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى قال عروة هم كفار اهل الكتاب كفروا بمحمد ﷺ بعد ما عرفوه ووجدوا نعته فى التوراة وقال ابن عباس والضحاك والسدىّ هم المنافقون الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ اى سهّل لهم اقتراف الكبائر من السؤال وهو الاسترخاء وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) قرأ اهل البصرة بضم الالف وكسر اللام وفتح الياء «ويعقوب بإسكان الياء ابو محمد» على ما لم يسم فاعله من الماضي وقرأ مجاهد بإسكان الياء على صيغة المضارع المتكلم من الافعال وروى هذه القراءة عن يعقوب والمعنى وانا املى لهم اى امهلهم والواو
(١) وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله ﷺ أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب اقفالها فقال شابّ عند النبي ﷺ بلى والله عليها اقفالها حتى يكون الله هو يفكها فلمّا ولّى عمر سال عن ذلك الشابّ ليستعمله فقيل قد مات ١٢ منه برد الله مضجعه-
للحال او الاستئناف والباقون بفتح الالف اى املى الشيطان يعنى مدلهم فى الآمال والأماني وجملة انّ الّذين ارتدّوا مستأنفة فى جواب ما سبب ذلك.
ذلِكَ اى تسويل الشيطان وامهال الله سبحانه بِأَنَّهُمْ اى بسبب انّهم قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ اى قال اليهود الذين كفروا بالنبي ﷺ بعد ما تبين لهم نعته من التوراة للمنافقين او قال المنافقون لهم او أحد الفريقين للمشركين سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ اى فى بعض أموركم او فى بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد او الموافقة لهم فى الخروج معهم ان اخرجوا او على التعاون على عداوة محمد ﷺ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) حال من فاعل قالوا قرأ اهل الكوفة غير ابى بكر بكسر الهمزة على المصدر والباقون بفتحها على انه جمع السر ومن أسرارهم قولهم لهذا الذي أفشاه.
فَكَيْفَ الفاء للسببية والاستفهام للتعجيب إِذا تَوَفَّتْهُمُ الظرف متعلق بفعل محذوف تقديره فكيف يحتالون إذا توفتهم الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ حال من الملائكة وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) بمقامع من حديد.
ذلِكَ التوفى على هذا التوجه بِأَنَّهُمُ اى بسبب انّهم اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ قال ابن عباس بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد ﷺ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ اى ما يرضاه من الايمان والجهاد وغيرهما من الطاعات فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) لذلك-.
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى نفاق أم منقطعة بمعنى بل والهمزة والكلام متصل بقوله الشّيطان سوّل لهم او بقوله أم على قلوب اقفالها أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) اى لن يظهر الله لرسوله والمؤمنين أحقادهم عليهم أم منقطعة للاضراب عما سبق والاستفهام للانكار على حسبانهم.
وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ اى لأعلمناكهم وأعرفناكهم جملة معترضة او حال بتقدير ونحن لو نشاء لاريناكهم فَلَعَرَفْتَهُمْ باعلامنا بِسِيماهُمْ اى بعلاماتهم التي نسمهم بها واللام لام الجواب كررت فى المعطوف قال البغوي قال
انس فما خفى على رسول الله ﷺ بعد نزول هذه الاية شىء من المنافقين كان يعرفهم بسيمهم وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ جواب قسم محذوف ولحن القول ازالة الكلام عن جهته الى تعريض وتورية والمعنى انك تعرفهم فيما يعرضون من تهجين أمرك وامر المسلمين والاستهزاء بهم والذم بصورة المدح قال البغوي فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي ﷺ الا عرفه بقوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) الحسنة من القبيحة فان حسن الأعمال وقبحها فيما سوى ما فيه قبح ذاتى كالكفر والزنى يتعلق بالنيات ولا يعلمها الا الله فيجازيكم على حسب قصدكم ونيتكم.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بان نأمركم بالجهاد وجواب قسم محذوف حَتَّى نَعْلَمَ علما بعد الوجود كما كنا نعلم قبل الوجود بانه سيكون او المعنى حتى نميّز او المعنى حتى يعلم اولياؤنا الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ على مشاق الجهاد وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها او قبحها او اخباركم عن ايمانكم وموالاتكم المؤمنين فى صدقها وكذبها قرأ ابو بكر الافعال الثلاثة بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الله تعالى فيوافق قوله تعالى الله يعلم والباقون بالنون على التكلم ونبلوا «١» بسكون الواو على تقدير ونحن نبلوا-.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى منعوا الناس عن الايمان واتباع الرسول وَشَاقُّوا الرَّسُولَ اى خالفوه مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى هم قريظة والنضير والمطعمون يوم بدر كانوا اثنا عشر رجلا من كفار مكة يطعمون عسكر الكفار فى يوم نوبته لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ بكفرهم شَيْئاً من المضرة انما يضرون أنفسهم وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) فلا يجدون عليها ثوابا فى الاخرة او لا يترتب عليه منفعة فى
(١) وقع التسامح في العبارة هاهنا والغرض انه قرأ رويس ونبلوا بإسكان الواو والباقون بالفتح- ابو محمد عفا الله عنه-
الدنيا قال ابن عباس هم المطعمون يوم بدر نظيره قوله تعالى انّ الّذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرة ثمّ يغلبون-.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) قال ابن عباس وعطاء لا تبطلوها بالشك والنفاق او العجب وقال الكلبي بالرياء والسمعة وقال الحسن بالمعاصي والكبائر واخرج ابن ابى حاتم ومحمد بن نصر المروزي فى كتاب الصلاة عن ابى العالية قال كان اصحاب رسول الله ﷺ يرون انه لا يضرّ مع لا اله الا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت هذه الاية فخافوا ان يبطل العمل بالذنب وكذا ذكر البغوي عنه وقال مقاتل لا تمنّوا على رسول الله بإسلامكم فتبطل أعمالكم.
(مسئلة) من شرع فى صلوة او صوم او حج او عمرة او غير ذلك تطوعا يجب عليه الإتمام ولا يجوز له الإفساد فى ظاهر الرواية عن ابى حنيفة الا بعذر كذا ذكر صاحب الهداية والقدورى وغيرهما- وهل الضيافة عذر لافطار الصوم تطوعا قيل نعم وقيل لا وقيل عذر قبل الزوال لا بعده الا إذا كان فى عدم الفطر عقوق الوالدين فان أفسد الصلاة او الصوم بعد الشروع تطوعا يجب عليه القضاء عند ابى حنيفة وعند مالك وفى رواية المنتقى عن ابى حنيفة يباح للمتطوع بالصوم الإفطار بغير عذر ويجب عليه القضاء وقال الشافعي واحمد يجب فى العمرة والحج الإتمام والقضاء ان أفسد بخلاف الصلاة والصوم وغيرهما من النوافل فانه يستحب عندهما الإتمام وله قطعهما ولا قضاء عليه- لنا هذه الاية فانها وان كانت واردة فى النهى عن ابطال العمل بالشك والنفاق او بالمعاصي او بالرياء والسّمعة والعجب لكنها بصيغتها يعم الابطال قبل إتمامها بالإفساد لان القدر المودي قربة وعمل وكذا بعده بفعل ما يحبطه من الكبائر
438
او الرياء والسمعة او العجب- ولنا ايضا الأحاديث منها حديث عروة عن عائشة قالت أهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان فافطرتنى فلمّا دخل علينا رسول الله ﷺ ذكرنا ذلك له فقال ابد لا مكانه- رواه احمد من طريق سفيان بن حسين عن عروة عن عائشة والترمذي من طريق جعفر بن برقان عن عروة عنها بلفظ قالت كنت وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فاكلنا منه فجاء رسول الله ﷺ فبدرتنى اليه حفصة فقالت يا رسول الله انا كنا صائمتين فعرض طعام اشتهيناه فاكلنا منه قال اقضيا يوما اخر مكانه- وكذا اخرج ابو داود والنسائي عن زميل عن عروة عنها وأعله البخاري بانه لا يعرف لزميل سماع من عروة ولا ليزيد سماع من زميل «١» وقال الترمذي روى هذا الحديث صالح بن ابى الأخضر ومحمد بن على بن ابى حفصة عن الزهري عن عروة عن عائشة وروى مالك بن انس ومعمر وعبيد الله بن عمرو وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا ولم يذكروا فيه عروة وهذا أصح لانه روى عن ابن جريج قال سالت الزهري احدّثك عروة عن عائشة قال لم اسمع من عروة فى هذا شيئا ولكن سمعنا فى خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سال عائشة عن هذا الحديث انتهى.
قال ابن همام قول البخاري مبنى على اشتراط العلم بذلك والمختار الاكتفاء بالعلم بالمعاصرة ولو سلم إعلاله وأعلال الترمذي فهو قاصر على هذا الطريق فانما يلزم لو لم يكن له طريق اخر لكن رواه ابن حبان فى صحيحه عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت أصبحت انا وحفصة صائمتين متطوعتين الحديث ورواه ابن ابى شيبة من طريق اخر غيرهما عن خصيف عن سعيد بن جبير ان عائشة وحفصة الحديث ورواه الطبراني فى
(١) وفى الأصل ولا ليزيد سماع من عروة ١٢
439
معجمه من حديث خصيف عن عكرمة عن ابن عباس ان عائشة وحفصة كانتا صائمتين الحديث- ورواه البزار من طريق اخر عن الحماد بن وليد عن عبيد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر قال أصبحت عائشة وحفصة صائمتين الحديث لكن الحماد بن الوليد ضعيف واخرج الطبراني من غير الكل فى الأوسط حدثنا موسى بن هارون حدثنا محمد بن مهرن الجمال قال ذكره محمد بن ابى سلمة المكي عن محمد بن عمروية عن ابى سلمة عن ابى هريرة قال أهديت لعائشة وحفصة هدية وهما صائمتان فاكلتا منها فذكرتا ذلك لرسول الله ﷺ فقال اقضيا يوما مكانه ولا تعودا قال ابن همام فثبت هذا الحديث ثبوتا لا مرد له ولو كان كل طريق من هذه الطرق ضعيفا لتعددها وكثرة مجيئها كيف وبعض طرقه مما يحتج به قلت والمرسل عندنا حجة وما قال ابن الجوزي ان الأمر بالابدال يوما مكانه محمول على الاستحباب خروج عن مقتضاه بغير موجب بل هو محفوف مما يوجب مقتضاه ويؤكده وهو قوله تعالى لا تبطلوا أعمالكم فان قيل كيف يقال هذه الاية مؤكدة لهذا الحديث مع ان المخالفة ظاهرة فان الاية تدل على منع الإفطار بعد الشروع ولا دلالة فيها على وجوب القضاء والحديث يدل على جواز الإفطار مع وجوب القضاء- قلنا دلالة الاية على منع الإفطار دلالة على وجوب القضاء فان منع الابطال عبارة عن وجوب الإتمام ووجوب الشيء يقتضى وجوب قضائه بالمثل المعقول عند الفوات ان كان له مثل وليس فى الحديث دلالة على جواز الإفطار بل على وجوب القضاء فقط ووجوب القضاء يترتب على وجوب الإتمام وحرقه الإفطار وقوله ﷺ لا تعودا صريح فى حرمة الإفطار وهذا هو ظاهر الرواية عن ابى حنيفة رحمه الله.
وفى الباب أحاديث اخر منها ما رواه الدار قطنى عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل علينا رسول الله ﷺ فقال انى أريد الصوم واهدى له حيس فقال انى أكل وأصوم يوما مكانه-
440
قال الدار قطنى لم يزد هذا اللفظ عن ابن عيينة غير محمد بن عمرو ابو العباس الباهلي ولم يتابع على قوله وأصوم يوما مكانه ولعله شبه عليه قال الحافظ لكن رواه النسائي عن محمد بن منصور عن ابن عيينة وكذا رواه الشافعي عن ابن عيينة وذكر ان ابن عيينة زادها قبل موته بسنة انتهى قال الحافظ ابن حجر ابن عيينة كان فى الاخر قد تغيّر ومنها ما رواه الدار قطنى بسنده عن محمد بن ابى حميد عن ابراهيم بن عبيد قال صنع ابو سعيد الخدري طعاما فدعا النبي ﷺ وأصحابه فقال رجل من القوم انى صائم فقال رسول الله ﷺ صنع لك أخوك أفطر وصم يوما مكانه- قال الدار قطنى هذا مرسل وقال ابن الجوزي محمد بن ابى حميد ليس بشئ وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن حبان لا يحتج به ومنها ما رواه الدار قطنى عن جابر بن عبد الله قال صنع رجل من اصحاب رسول الله ﷺ طعاما فدعا النبي ﷺ وأصحابه فلمّا اتى الطعام تنحى أحدهم فقال له النبي ﷺ تكلف لك أخوك وصنع ثم تقول انى صائم كل وصم يوما مكانه- فيه عمر بن حليف قال ابن عدى كان متهما بوضع الحديث وكذا قال ابن حبان ومنها ما رواه الدار قطنى من حديث ثوبان قال كان رسول الله ﷺ صائما فى غير رمضان فاصابه غم أذاه فتقيا فقاء فدعا بوضوء فتوضا ثم أفطر فقلت يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء قال لو كان فريضة لوجدته فى القران قال ثم صام الغد فسمعته يقول هذا مكان إفطاري أمس- فيه عتبة بن السكن قال الدار قطنى متروك الحديث ومنها ما رواه الدار قطنى بسنده عن محمد بن ابى حميد عن الضحاك بن حمزة عن منصور عن أم سلمة انها صامت يوما تطوعا فافطرت فامرها رسول الله ﷺ ان تقضى يوما مكانه- قال يحيى الضحاك ليس بشئ وقال ابو زرعة محمد بن حميد كذاب-
441
احتج الشافعي واحمد بأحاديث الاول حديث جويرية ان رسول الله ﷺ دخل عليها يوم الجمعة وهى صائمة فقال لها اصمت أمس قالت لا قال لا تصومينى غدا قالت لا قال فافطرى- رواه البخاري وروى احمد عن ابى عمر ان رسول الله ﷺ دخل على جويرية فذكر الحديث نحوه الثاني حديث عائشة ان النبي ﷺ كان يأتيها فيقول أصبح عندكم شىء تطعمونيه فنقول لا ما أصبح عندنا شىء فيقول انى صائم ثم جاءها بعد ذلك فقالت أهديت لنا هدية فخبأنا لك فقال ما هى قالت حيس قال قد أصبحت صائما فاكل- رواه مسلم ورواه الدار قطنى والبيهقي بلفظ انه دخل عليها فقال هل عندكم شىء قلت لا قال فانى إذا صائم قالت ودخل علىّ يوما اخر فقال أعندكم شىء قلت نعم قال اذن أفطر وان كنت قد فرضت الصوم- الثالث حديث أم سليم ان النبي ﷺ كان يصبح الليل وهو يريد الصوم فيقول أعندكم شىء أتاكم شىء قالت فنقول او لم تصبح صائما فيقول بلى ولكن لا بأس ان أفطر ما لم يكن نذرا او قضاء رمضان رواه الدار قطنى وفى سنده محمد بن عبيد الله العرزمي ضعيف الرابع حديث ابى جحيفة قال أخي النبي ﷺ بين سلمان وابى الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فراى أم الدرداء مبتذلة فقال لها ما شأنك قال أخوك ابو الدرداء ليس له حاجة فى الدنيا فجاء ابو الدرداء وصنع له طعاما فقال كل فقال انى صائم فقال ما انى أكل حتى تأكل فاكل فلما كان الليل ذهب ابو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم قال نم فلما كان اخر الليل قال سلمان قم الان فصليا فقال له سلمان ان لربك عليك حقّا ولنفسك عليك حقّا ولاهلك عليك حقا فاعط كل ذى حق حقه فاتى النبي صلى الله
عليه وسلم فذكر له ذلك فقال النبي ﷺ صدق سلمان- قلت هذه الأحاديث لا تدل الا على جواز الإفطار للصائم واما على عدم وجوب القضاء فلا وحديث
442
جويرية انما يدل على كراهة الافراد بصوم الجمعة كما ورد فى حديث ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لا تصوم الجمعة الا وقبله يوم او بعده يوم- متفق عليه وفى لفظ نهى رسول الله ﷺ ان يفرد يوم الجمعة بصوم- رواه مسلم- وللشافعى أحاديث اخر منعاف منها حديث أم هانى وله طرق وألفاظ منها ما رواه النسائي من حديث حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن هارون بن أم هانى عنها ان رسول الله ﷺ شرب شرابا فناولها لنشرب فقالت انى صائمة لكن كرهت ان أرد سورك فقال ان كان قضاء من رمضان فاقضى يوما مكانه وان كان تطوعا فان شئت تقضى وان شئت فلا تقضى.
وروى احمد والترمذي وغيرهما من طرق عن سماك عن هارون عنها بلفظ كنت قاعدة عند رسول الله ﷺ فاتى بشراب فشرب منه ثم ناولنى فشربت منه فقلت أذنبت قال ما ذاك قلت كنت صائمة فافطرت قال أمن قضاء كنت تقضيه قلت لا قال فلا تضرك- وسماك بن حرب ليس بمعتمد عليه إذا انفرد كذا قال النسائي وقال البيهقي فى اسناده مقال وقال ابن القطان هارون مجهول لا يعرف قلت وهارون قيل ابن أم هانى وقيل ابن ابنه وقيل ابن بنته ولفظ احمد والترمذي لا يدل على عدم وجوب القضاء وروى ابو داود والدارمي وغيرهما من حديث جرير عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن الحارث عن أم هانى قالت لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله ﷺ وأم هانى عن يمينه قالت فجاءت وليدة باناء فيه شراب فناولته فشربت منه فقالت يا رسول الله قد أفطرت وكنت صائمة فقال لها أكنت تقضين شيئا قالت لا قال لا يضرك ان كان تطوعا ورواه احمد ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حجة عن أم هانى وهى جدته ان رسول الله ﷺ دخل عليها يوم الفتح فاتى باناء فشرب ثم ناولنى فقلت
443
انى صائمة فقال ان المتطوع امير نفسه فان شئت فصومى وان شئت فافطرى- ورواه من حديث ابى داود الطيالسي ثنا شعبة عن جعدة عن ابى صالح عنها ان رسول الله ﷺ دخل عليها فشرب ثم ناولها فشربت وقالت يا رسول الله انى كنت صائمة فقال رسول الله ﷺ الصائم المتطوع امير نفسه ان شاء صام وان شاء أفطر- قال الذهبي جعدة عن ابى صالح لا يعرف وقال البخاري فيه نظر وذكر يوم الفتح علة اخرى للقدح فى الحديث إذ لا شك ان يوم الفتح كان فى رمضان فكيف يتصور قضاء رمضان فى رمضان ولا التطوع فيه.
واختار ابن همام رواية المنتقى عن ابى حنيفة فقال يجوز للمتطوع فى الصوم الإفطار بلا عذر لما احتج به الشافعي ويجب عليه القضاء بالإفساد لما احتج به ابو حنيفة جمعا بين الأحاديث وقال المراد بالابطال فى قوله تعالى لا تبطلوا أعمالكم إخراجها من ان يترتب عليه فائدة وجعلها كانها لم توجد أصلا واما الابطال بقصد القضاء فلا دلالة للاية على منعه- قلت المصدر فى قوله تعالى لا تبطلوا منكر تحت النفي فيشتمل كل ابطال ومن أفسد صلاته او صومه بعد الشروع فلا شك انه أبطل هذا العمل واما القضاء فعمل اخر تدارك لهذا العمل فلا يجوز الابطال بلا عذر بهذه الاية والأحاديث وان دلت على جواز الإفطار لكن عند التعارض يجب تقديم الاية على أحاديث الآحاد لا سيما الاية محرمة والأحاديث مبيحة للفطر فيجب تقديم المحرم على المبيح احتياطا ولنا ايضا القياس على الحج والعمرة النافلتين فانه لا يجوز إفسادهما ويجب فيهما القضاء بالإفساد اجماعا والله اعلم..
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) هذه الجملة متصلة بقوله انّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله الاية فيما سبق قبل هذه الاية نزلت فى اصحاب القليب وحكمه عام فى كل من مات على كفره-.
فَلا تَهِنُوا اى لا تضعفوا عن الجهاد وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ قرأ ابو بكر وحمزة بكسر السين والباقون بفتحها وتدعوا مجزوم بتقدير لا اى لا تدعوا الكفار الى الصلح ابتداء او منصوب بتقدير ان فى جواب لا تهنوا نهى الله سبحانه عن طلب الصلح ابتداء لانه دليل الجبن والضعف وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ اى الغالبون القاهرون بنصر الله تعالى الموعود للمؤمنين الصالحين حال من فاعل تدعوا وَاللَّهُ مَعَكُمْ معية بلا كيف فان الايمان يقتضى حب الله والمرء مع من أحب والواو للعطف فهو حال من فاعل تدعوا او للحال من فاعل اعلون وكذا قوله وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) اى لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم من وتره ينزه إذا نقص حقه قال ابن عباس ومقاتل وقتادة والضحاك لن يظلمكم أعمالكم الصالحة اى لا يبطلها-.
إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ اى باطل لا يترتب عليها فائدة معتدة بها ما لم يكن فيها ذكر الله قال رسول الله ﷺ الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وَلَهْوٌ يشغلكم عمّا يفيدكم فى الحيوة الدائمة وَإِنْ تُؤْمِنُوا بالله ورسوله فى الدنيا وَتَتَّقُوا عذاب الله بامتثال او امره والانتهاء عن مناهيه يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ اى ثواب ايمانكم وتقواكم فى الاخرة فحينئذ تكون حياتكم الدنيا مزرعة الاخرة ولا يكون لعبا ولهوا وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) فانه غير محتاج الى شىء انما يأمركم بالطاعة والايمان ليثيبكم عليها الجنة نظيره قوله تعالى ما أريد منهم من رّزق وقيل معناه لا يسئلكم الله ورسوله أموالكم كلها فى الصدقات انما يسئلكم جزءا يسيرا وهو ربع العشر او اقل كشاة من مائة وعشرين شاة من نماء مال فطيبوا بها نفسا والى هذا القول ذهب ابن عيينة ويدل عليه سياق الاية فهذه الجملة لدفع توهم نشا ممّا ذكر من ذم الحيوة الدنيا ومدح الايمان والتقوى فانه يوهم ان الله تعالى يأمر بصرف
جميع متاع الدنيا فى سبيل الله ولدفع ذلك الوهم قال ولا يسئلكم أموالكم اى جميعها- ثم ذكر فى مقام تعليل عدم السؤال بالكل قوله.
إِنْ يَسْئَلْكُمُوها اى جميعا فَيُحْفِكُمْ اى يجهدكم بطلب الكل والإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية فى الحديث احفوا الشوارب اى استأصلوها فى القطع عطف على الشرط تَبْخَلُوا بها فلا تعطوها جزاء للشرط وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) اى يظهر بغضكم والضمير فى يخرج لله تعالى ويؤيده القراءة بالنون او للبخل فانه سبب الاضغان قال قتادة علم الله ان فى مسئلة الأموال خروج الاضغان-.
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ ها حرف تنبيه وأنتم مبتدا وهؤلاء خبره او هؤلاء منادى بحذف حرف النداء وخبر المبتدا تُدْعَوْنَ او هؤلاء اسم موصول وتدعون صلته والموصول مع الصلة خير لانتم لِتُنْفِقُوا ما فرض الله عليكم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وهو يعم نفقة الغزو والزكوة وغيرهما فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ اى ناس يبخلون بما فرض الله عليهم من الزكوة وغيرها وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ فان نفع الانفاق وضرر البخل انما يعودان اليه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ أيكم مال وارثه أحب اليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منّا أحد الا ماله أحب اليه من مال وارثه قال فان ماله ما قدم ومال وارثه ما اخر- رواه البخاري والنسائي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ما من يوم يصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الاخر اللهم أعط ممسكا تلفا- متفق عليه وعن اسماء قالت قال رسول الله ﷺ انفقى ولا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعى فيوعى الله عليك فارضحى ما استطعت- متفق عليه وعن ابى هريرة قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى أنفق يا ابن آدم أنفق عليك- متفق عليه وَاللَّهُ الْغَنِيُّ عن صدقاتكم وطاعاتكم وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ
446
فانما أمركم بما أمركم لاحتياجكم فى الدنيا والاخرة جملة والله الغنىّ وأنتم الفقراء فى مقام التعليل للحصر فى قوله انّما يبخل عن نفسه وَإِنْ تَتَوَلَّوْا اى ان تعرضوا ايها العرب عن طاعة الله وطاعة رسوله والانفاق فى سبيله عطف على ان تؤمنوا يَسْتَبْدِلْ اى يقيم مقامكم قَوْماً غَيْرَكُمْ ليومنوا ويتقوا ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨) بل يكونوا أطوع لله منكم قال الكلبي هى كندة والنخع وقال الحسن هى العجم وقال عكرمة فارس والرم عن ابى هريرة ان رسول الله ﷺ تلا هذه الاية يستبدل قوما غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ان تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا امثالنا فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال هذا وقومه ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من فارس «١» - رواه البغوي ورواه الترمذي والحاكم وصححاه وابن حبان- والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين- قد اتفق ختم تفسير المظهرى بختم سورة ختم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم
(١) وفى الصحيحين عن ابى هريرة والطبراني عن ابن مسعود عن النبي ﷺ انه قال لو كان الايمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس- وروى ابو نعيم فى الحلية عنه بلفظ لو كان العلم معلقا بالثريا لتناوله قوم من ابنا فارس. ورواه الشيرازي فى الألقاب من حديث قيس بن سعد بن عبادة عنه ﷺ وزاد الطبراني فى حديث قيس لا تناله العرب لناله رجال (وفى لفظ ناس) عن أبناء فارس) قال الشيخ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي قال الشيخ الشافعي يعنى جلال الدين السيوطي المراد بهذا الحديث ابو حنيفة وأصحابه رحمهم الله لا شك فيه لانه لم يبلغ من أبناء فارسى فى العلم مبلغه ولا مبلغ أصحابه وكان جد الامام ابى حنيفة منهم- وقد بلغ من أولاد ابى حنيفة من الدين رجال مبلغا رفيعا منهم ابو على شرف الدين القلندر الفاني فتى والقطب الجمال والقطب برهان الها نسوى والقطب عبد القدوس الكنكوهى رضى الله عنهم أجمعين ١٢ منه نور الله مرقده وبرد الله مضجعه-
447
والمسئول من الله عزّ وجلّ ان يجعل ختمى على خير ما ختم عليه خيار امة محمد صلى الله عليه وسلم- اللهم اجعل ثواب ختم هذا التفسير هدية الى خير خلقه وختم رسلك محمد ﷺ والى أصحابه الكرام وأولاده العظام وأزواجه الطاهرات واولياء أمته خصوصا الى حضرت شمس الدين حبيب الله المظهر الذي جعلت هذا التفسير على اسمه والى مشائخه الكرام وحضرات العظام وصلوات الله وسلامه على جميع اتباع محمد رسول الله ﷺ وهذا يوم الثلثاء السابع والعشرين من الجمادى الاول من السنة الثامنة بعد الف سنة ١٢٠٨ ومائتين من هجرة النبي ﷺ هـ- وقد حصل الفراغ من تصحيح المسودة فى يوم الاثنين الثامن والعشرين من الجمادى الاول سنة الثامن وخمسين بعد الف سنة ١٣٥٨ وثلاثمائة والحمد لله على ذلك ونرجوا منه القبول وحسن الخاتمة صلى الله على جميعه وسلم تسليما كثيرا.
مكتبة رشيديّة سركى رود كوئته فون ١- ٨٤٣٢٦٤.
448
Icon