ﰡ
﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا {
سورة الفتح مدنية وهي تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً﴾ الفتح الظفر بالبلدة عنوة أو صلحاً بحرب أو بغير حرب لانه مغلق مالم يظفر به فإذا ظفر به فقد فتح ثم قيل هو فتح مكة وقد نزلت مرجع رسول الله ﷺ عن مكة عام الحديبية عدة له بالفتح وجىء به لفظ على الماضي لأنها في تحققها بمنزلة الكائنة وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر عنه وهو الفتح مالا يخفى وقيل هو فتح الحديبية ولم يكن فيه قتال شديد ولكن ترامٍ بين القوم بسهام وحجارة فرمى المسلمون المشركين حتى أدخلوهم ديارهم وسألوا الصلح فكان فتحاً مبيناً وقال الزجاج كان في فتح الحديبية آية للمسلمين عظيمة وذلك أنه نزح ماؤها ولم يبق فيها قطرة فتمضمض رسول الله ﷺ ثم مجه في البئر فدرت بالماء حتى شرب جميع الناس وقيل هو فتح خيبر وقيل معناه قضينا لك قضاء بيناً على اهل مكة ان يدخلها انت واصحابك من قابلى لتطوفوا بالبيت من الفتاحة وهي الحكومة﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ الله﴾ قيل الفتح ليس بسبب المغفرة والتقدير إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً فاستغفر لك الله ومثله إِذَا جَاء نَصْرُ الله والفتح
﴿وينصرك الله نصرا عزيزا﴾ قويا لاذل بعده ابدا
﴿هُوَ الذى أَنزَلَ السكينة فِى قُلُوبِ المؤمنين لِيَزْدَادُوآ إيمانا مَّعَ إيمانهم﴾ السكينة للسكون كالبهيتة للبهتان أي أنزل الله في قلوبهم السكون والطمأنينة بسبب الصلح ليزدادوا يقيناً إلى يقينهم وقيل السكنية الصبر على ما أمر الله والثقة بوعد الله والتعظيم لأمر الله ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ﴾
﴿السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما﴾
﴿السماوات والأرض وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً وَيُعَذِّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات﴾ اى ولله جنود السموات والأرض يسلط بعضها على بعض كما يقتضيه علمه وحكمته ومن قضيته أن سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ووعدهم أن يفتح لهم وإنما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله فيه ويشكروها فيثيبهم
ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه ﴿الظآنين بالله ظَنَّ السوء﴾ وقع السوء عبارة عن رداءة الشيء وفساده
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض﴾ فيدفع كيد من عادى نبيه عليه السلام والمؤمنين بما شاء منها ﴿وَكَانَ الله عَزِيزاً﴾ غالباً فلا يرد بأسه ﴿حَكِيماً﴾ فيما دبر
﴿إِنَّآ أرسلناك شَاهِداً﴾ تشهد على أمتك يوم القيامة وهذه حال مقدرة ﴿وَمُبَشِّراً﴾ للمؤمنين بالجنة ﴿وَنَذِيرًا﴾ للكافرين من النار
﴿لتؤمنوا بالله ورسوله﴾ والخطاب لرسول الله ﷺ ولأمته ﴿وَتُعَزِّرُوهُ﴾ وتقووه بالنصر ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ وتعظموه ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ من التسبيح أو من السبحة والضمائر لله عز وجل والمراد بتعزيز الله تعزيز دينه ورسوله ومن فرق الضمائر فجعل الاولين للنبى ﷺ فقد أبعد لِيُؤْمِنُواْ مكي وأبو عمرو والضمير للناس وكذا الثلاثة الأخيرة بالياء عندهما ﴿بُكْرَةً﴾ صلاة الفجر ﴿وَأَصِيلاً﴾ الصلوات الأربع
﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ﴾ أي بيعة الرضوان ولما قال ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ أكده تأكيداً على طريقة التخييل فقال ﴿يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ يريد ان
﴿فمن نكث فإنما ينكث على نفسه﴾
يد
﴿سَيَقُولُ لَكَ﴾ إذا رجعت من الحديبية ﴿المخلفون مِنَ الأعراب﴾ هم الذين خلّفوا عن الحديبية وهم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والديل وذلك انه عليه السلام حين اراد السير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت وأحرم هو ﷺ وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حرباً فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا يذهب إلى قوم غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا اصحابه فقاتلهم وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة ﴿شَغَلَتْنَآ أموالنا وَأَهْلُونَا﴾ هي جمع أهل اعتلوا بالشغل باهاليهم واموالهم وانه ليس لهم من يقوم بأشغالهم ﴿فاستغفر لَنَا﴾ ليغفر لنا الله تخلقنا عنك ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ﴾ تكذيب لهم في اعتذارهم وأن الذي خلفهم ليس ما يقولون وإنما هو الشك في الله والنفاق
﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلك فِى قُلُوبِكُمْ﴾ زينه الشيطان ﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء﴾ من علو الكفر وظهور الفساد ﴿وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً﴾ جمع بائر كعائذ وعوذ من بار الشيء هلك وفسد أي وكنتم قوماً فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم او
﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين سعيرا﴾
هالكين عند الله مستحقين لسخطه وعقابه
﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين﴾ أي لهم فأقيم الظاهر مقام الضمير للإيذان بأن من لم يجمع بين الإيمانين بالله والإيمان برسوله فهو كافر ونكّر ﴿سَعِيراً﴾ لأنها نار مخصوصة كما نكر نَاراً تلظى
﴿وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض﴾ يدبره تدبير قادر حكيم ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ يغفر ويعذب بمشيئته وحكمته وحكمته المغفرة للمؤمنين والتعذيب للكافرين ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ سبقت رحمته غضبه
﴿سَيَقُولُ المخلفون﴾ الذين تخلفوا عن الحديبية ﴿إِذَا انطلقتم إلى مغانم﴾ اى غنائم خيبر ﴿لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كلام الله﴾ كَلِمَ الله حمزة وعلي أي يريدون أن يغيروا موعد الله لأهل الحديبية
﴿قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعراب﴾ هم الذين تخلفوا عن الحديبية ﴿سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ يعني بني حنيفة قوم مسيلمة وأهل الردة الذين حاربهم ابو بكر رضى الله عنه لأن مشركي العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وقيل هم فارس وقد دعاهم عمر رضى الله عنه ﴿تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام ومعنى يسلمون على هذا التأويل ينقادون لأن فارس مجوس تقبل منهم الجزية وفي الآية دلالة صحة خلاف الشيخين حيث وعدهم الثواب على طاعة الداعي عند عوته بقوله ﴿فَإِن تُطِيعُواْ﴾ من دعاكم إلى قتاله ﴿يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً حَسَناً﴾ فوجب أن يكون الداعي مفترض الطاعة ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ﴾ أي عن الحديبية ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أليما﴾ في
﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حرج﴾
الآخرة
﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ﴾ نفي الحرج عن ذوي العاهات في التخلف عن الغزو ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ﴾ في الجهاد وغير
﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة﴾ هي بيعة الرضوان سميت بهذه الآية وقصتها ان النبى ﷺ حين نزل بالحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعي رسولاً إلى مكة فهموا به فمنعه الأحابيش فلما رجع دعا بعمر ليبعثه فقال إني أخافهم على نفسي لما عرف من عداوتي إياهم فبعث عثمان بن عفان فخبرهم انه لم يات الحرب وإنما جاء زائراً للبيت فوقروه واحتبس عندهم فارجف بانهم قتلوه فقال رسول الله ﷺ لانبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه على ان يناجزوها قريشاً ولا يفروا تحت الشجرة وكانت سمرة وكان عدد المبايعين ألفاً وأربعمائة ﴿فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ﴾ من الإخلاص وصدق الضمائر فيما بايعوا عليه ﴿فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ﴾ أي الطمأنينة والأمن بسبب الصلح على قلوبهم ﴿وأثابهم﴾ وجازاهم ﴿فَتْحاً قَرِيباً﴾ هو فتح خيبر غب انصرافهم من مكة
﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا﴾ هي مغانم خيبر وكانت أرضاً ذات عقار وأموال فقسمها عليهم ﴿وَكَانَ الله عَزِيزاً﴾ منيعاً فلا يغالب ﴿حَكِيماً﴾ فيما يحكم فلا يعارض
﴿وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ هي ما اصابوه مع النبى ﷺ وبعده إلى يوم القيامة ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه﴾ المغانم يعني مغانم خيبر ﴿وَكَفَّ أَيْدِىَ الناس عَنْكُمْ﴾ يعني أيدي أهل خيبر وحلفائهم من أسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا وقيل أيدي أهل مكة
﴿وأخرى﴾ معطوفة على هذه اى فجعل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى هي مغانم هوازن في غزوة حنين ﴿لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا﴾ لما كان فيها من الجولة ﴿قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا﴾ أي قدر عليها واستولى وأظهركم عليها ويجوز في أخرى النصب بفعل مضمر يفسره قَدْ أَحَاطَ الله بها
﴿وكان الله على كل شيء قديرا﴾
تقديره وقضى الله أخرى قد أحاط بها واما لم تقدروا عليها فصفة لاخرى والرفع على الابتداء لكونها موصوفة بلم تقدروا وقد أَحَاطَ الله بِهَا خبر المبتدأ ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِيراً﴾ قادراً
﴿وَلَوْ قاتلكم الذين كفَرُواْ﴾ من أهل مكة ولم يصالحوا أو من حلفاء أهل خيبر ﴿لَوَلَّوُاْ الأدبار﴾ لغلبوا وانهزموا ﴿ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً﴾ يلي أمرهم ﴿وَلاَ نَصِيراً﴾ ينصرهم
﴿سُنَّةَ الله﴾ في موضع المصدر المؤكد أي سن الله غلبة أنبيائه سنة وهو قوله لاغلبن انا ورسلى ﴿التى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً﴾ تغييراً
﴿وَهُوَ الذى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾ أي أيدي أهل مكة ﴿وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم﴾ عن أهل مكة يعنى قضى بينهم وبينكم المكافة والمحاجزة بدما خولكم الظفر عليهم والغلبة وذلك يوم الفتح وبه استشهد أبو حنيفة رضى الله عنه على أن مكة فتحت عنوة لا صلحاً وقيل كان في غزوة الحديبية لما رُوي أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة فبعث رسول الله ﷺ من هزمه وأدخله
﴿هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام والهدى﴾ هو ما يهدي إلى الكعبة ونصبه عطفاً على كم في صَدُّوكُمْ أي وصدوا الهدي ﴿مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ﴾ محبوساً أن يبلغ ومعكوفا حال وكان عليه السلام ساق سبعين بدنة ﴿مَحِلَّهُ﴾ مكانه الذي يحل فيه نحره أي يجب وهذا دليل على أن المحصر محل هديه الحرم والمراد المحل المعهود وهو منى ﴿وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مؤمنات﴾ بمكة ﴿لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ﴾ صفة للرجال والنساء جميعا ﴿أن تطؤوهم﴾ بدل اشتمال منهم أو من الضمير المنصوب في تَعْلَمُوهُمْ ﴿فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ﴾ إثم وشدة وهي مفعلة من عره بمعنى عراه إذا دهاه ما يكرهه ويشق عليه وهو الكفارة إذا قتله خطأ وسوء قالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز والإثم إذا قصر ﴿بِغَيْرِ علم﴾ متعلق بأن تطؤهم يعنى أن تطؤهم غير عالمين بهم والوطء عبارة عن الإيقاع والإبادة والمعنى أنه كان بمكة قوم من المسلمين مختلطون بالمشركين غير متميزين منهم فقيل
﴿ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا﴾
ولولا كراهة أن تهلكوا ناساً مؤمنين بين ظهرانى المشركين وأنتم غير عارفين بهم فيصبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة لما كف أيديكم عنهم وقوله ﴿لِّيُدْخِلَ الله فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ﴾ تعليل لما دلت عليه الآية وسيقت له من كف الأيدي عن أهل مكة والمنع عن قتلهم صونا
والعامل في ﴿إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي قريش لعذبنا أي لعذبناهم في ذلك الوقت أو اذكر ﴿فِى قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين﴾ المراد بحمية الذين كفروا هى الأنفة وسكينة المؤمنين وهي الوقار ما يُروى ان رسول الله ﷺ لما نزل بالحديبية بعث قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكر زبن حفص على ان يعرضوا على النبى ﷺ أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلي له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام ففعل ذلك وكتبوا بينهم كتاباً فقال عليه السلام لعلى رضى الله عنه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل وأصحابه ما نعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله ﷺ أهل مكة فقالوا لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة فقال عليه السلام اكتب ما يريدون فأنا أشهد أني رسول الله وأنا محمد بن عبد الله فهمّ المسلمون أن يأبوا ذلك ويشمئزوا منه فأنزل الله على رسوله السكينة فتوقروا وحلموا ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى﴾ الجمهور على أنها كلمة
﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا﴾ أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله صدقوا ما عاهدوا الله عليه روى ان رسول الله ﷺ رأى قبل خروجه إلى الحديبية كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصرا فقص الرؤيا على اصحابه ففرحوا وحسبوا
﴿بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين﴾
أنهم داخلوها في عامهم وقالوا إن رؤيا رسول الله ﷺ حق فلما تأخر ذلك قال عبد الله بن أبيّ وغيره والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت ﴿بالحق﴾ متعلق بصدق أي صدقه فيما رأى وفي كونه وحصوله صدقاً ملتبساً بالحق أي بالحكمة البالغة وذلك ما فيه من الابتلاء والتمييز بين المؤمن الخالص وبين من في قلبه مرض ويجوز أن يكون بالحق قسماً إما بالحق الذي هو نقيض الباطل أو بالحق الذي هو من أسمائه وجوابه ﴿لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام﴾ وعلى الأول هو جواب قسم محذوف ﴿إِن شَآءَ الله﴾ حكاية من الله تعالى ما قاله رسوله لأصحابه وقص عليهم أو تعليم لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك متأدبين بأدب الله ومقتدين بسنته ﴿آمنين﴾ حال والشرط معترض ﴿مُحَلِّقِينَ﴾ حال من الضمير في آمنين ﴿رؤوسكم﴾ أي جميع شعورها ﴿وَمُقَصِّرِينَ﴾ بعض شعورها ﴿لاَ تخافون﴾ حال مؤكدة ﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ﴾ من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل ﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ﴾
﴿هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى﴾ بالتوحيد ﴿وَدِينِ الحق﴾ أي الإسلام ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ ليعليه ﴿عَلَى الدين كُلِّهِ﴾ على جنس الدين يريد الأديان المختلفة من اديات المشركين وأهل الكتاب ولقد حقق ذلك سبحانه فإنك لا ترى ديناً قط إلا وللإسلام دونه العزة والغلبة وقيل هو عند نزول عيسى عليه السلام حين لا يبقى على وجه الارض كافر وقيل هو اظهار بالحجج والآيات ﴿وكفى بالله شَهِيداً﴾ على أن ما وعده كائن وعن الحسن شهد على نفسه أنه سيظهر دينه والتقدير وكفاه الله شهيدا وشهيد تمييز أو حال
﴿مُحَمَّدٌ﴾ خبر مبتدأ أي هو محمد لتقدم قوله هو الذى ارسل رسوله ام مبتدأ خبر ﴿رَسُولِ الله﴾ وقف عليه نصير ﴿والذين مَعَهُ﴾ أي أصحابه مبتدأ والخبر ﴿أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار﴾ او محمد مبتدا ورسول الله عطف بيان والذين معه عطف على المبتدا واشداء خبر عن الجميع ومعناه غلاظ ﴿رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾ متعاطفون وهو خبر ثانٍ وهما جمعاً شديد ورحيم ونحوه أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين وبلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم انه كان لا يرى مؤمناً إلا صافحه وعانقه ﴿تراهم رُكَّعاً﴾ راكعين ﴿سُجَّدًا﴾ ساجدين ﴿يَبْتَغُونَ﴾ حال كما أن ركعاً وسجداً كذلك ﴿فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً سيماهم﴾ علامتهم ﴿في وجوههم من أثر﴾
﴿السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل {
سورة الحجرات
بسم الله الرحمن الرحيم
{يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا﴾﴿السجود﴾ أي من التأثير الذي يؤثره السجود وعن عطاء استنارت وجوههم من طول ما وصلوا
بسم الله الرحمن الرحيم