تفسير سورة المدّثر

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة المدثر
مكية وآياتها ست وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا١ الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)
شرح الكلمات:
يا أيها المدثر: أي يا أيها المدثر أي المتلفف في ثيابه وهو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قم فأنذر: أي خوف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا ويوحدوا.
وربك فكبر: أي عظم ربك من إشراك المشركين.
وثيابك فطهر: أي طهر ثيابك من النجاسات.
والرجز فاهجر: أي أدم هجرانك للأوثان.
١ في هذا النداء ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذ ناداه بحاله، وعبر عنه بصفته، ولم يقل يا محمد أو يا فلان ليستشعر اللين والعطف من ربه.
462
ولا تمنن تستكثر: أي لا تمنن على ربك ما تقوم به من أعمال لأجله طاعة له.
فإذا نقر في الناقور: أي نفخ في الصور النفخة الثانية.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ١﴾ أي المتلفف في ثيابه والمراد به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى الزهري٢ قال فتر الوحي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فترة فحزن حزناً فجعل يعدو شواهق رؤوس الجبال ليتردى منها فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فيقول إنك نبي الله فيسكن جأشه وتسكن نفسه، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عن ذلك فقال بينما أنا أمشي يوما إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا فرجعت إلى خديجة فقلت زملوني فزملناه أي فدثرناه فأنزل الله يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر قال الزهري فأول شيء أنزل عليه أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. وعليه فهذا النداء الإلهي كان بعد فترة الوحي الأولى ناداه ملقبا له بهذا اللقب الجميل تكريما وتلطفا معه ليقوم بأعباء الدعوة وما أشد ثقلها، ومن يقدر عليها إنها أعباء ثقيلة اللهم لقد أعنت عليها رسولك فأعني على قدر ما أقوم به منها، وإن كان ما أقوم به منها لا يساوي جمرة من لظى ولا قطرة من ماء السماء. يا أيها المدثر في ثيابه يا محمد رسولنا قم فأنذر لم يبق لك مجال للنوم والراحة فأنذر قومك في مكة وكل الثقلين من وراء مكة أنذرهم عذاب النار المترتب على الكفر والشرك بالواحد القهار وربك فكبر أي وربك فعظمه تعظيماً يليق بجلاله وكماله فإنه الأكبر الذي لا أكبر منه والعظيم الذي لا أعظم منه فأعلن عن ذلك بلسانك قائلا الله أكبر وبحالك فلا تذل إلا له ولا ترغب إلا فيه وكبره بأعمالك فلا تأت منها إلا ما أذن لك فيه أو أمرك به ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ أي طهر ثيابك من النجاسات مخالفاً بذلك ما عليه قومك؛ إذ يجرون ثيابهم ولا يتنزهون من أبوالهم ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ أي والأصنام التي يعبدها قومك فاهجرها فلا تقربها ودم على هجرانها على دعوتك أجرا، ولا تمنن عطاء أعطيته لغيرك تستكثر به ما عندك إن ذاك مناف لأجمل الأخلاق وكريم السجايا وسامي الآداب. واربك وحده سواه فاصبر على كل ما تلقاه في سبيل إبلاغ رسالتك ونشر دعوتك دعوة الخير والكمال هذا الذي أدب به الله رسول الله في فاتحة دعوته. ثم نزل بعد فإذا نقر في الناقور والناقور البوق الذي ينفخ فيه اسرافيل والنقر يحدث صوتا
١ هذا يسمى بهدية الثواب وهي جائزة للأئمة محرمة عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه الآية. ولا تمنن تستكثر.
٢ روى أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ، فقال: أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا.
463
والصوت هو صوت البوق والمراد به النفخة الثانية نفخة البعث والجزاء فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير صعب شديد لا يحتمل ولا يطاق على الكافرين غير يسير١ فذكر به من تدعوهم فإن التذكير به نافع إن شاء الله، ولذا كان من أعظم أركان العقيدة التي إن تمكنت من النفس تهيأ صاحبها لحمل كل ثقيل ولإنفاق كل غال ورخيص ولفراق الأهل والدار الإيمان بالله واليوم الآخر إذ هما محور العقيدة وعليهما مدار الإصلاح والهداية.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- الجد طابع المسلم، فلا كسل ولا خمول ولا لهو ولا لعب ومن فارق هذه فليتهم نفسه في إسلامه.
٢- وجوب تعظيم أسمائه وصفاته وتعظيم كلامه وكتابه، وتعظيم شعائره تعظيم ما عظم.
٣- وجوب الطهارة للمؤمن بدناً وثوبا ومسجداً. أكلاً وشرباً وفراشاً ونفساً وروحا.
٤- حرمة العجب فلا يعجب المؤمن بعمله ولا يزكي به نفسه ولو صام الدهر، وأنفق الصخرة وجاهد الدهر.
٥- وجب الصبر على الطاعات فعلا وعلى المعاصي تركاً وعلى البلاء تسليما ورضا.
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)
١ في الآية دليل على أن حال المؤمنين في عرصات يوم القيامة غير حال الكافرين في الشدة والبلاء.
464
شرح الكلمات:
ذرني ومن خلقت وحيدا: أي اتركني ومن خلقته وحيداً منفرداً بلا مال ولا ولد فأنا أكفيكه.
وبنين شهودا: أي يشهدون المحافل وتسمع شهاداتهم وأغلب الوقت حاضرون ولا يغيبون.
ومهدت له تمهيدا: أي بسطت له في العيش والعمر والولد والجاه حتى كان يلقب بريحانة قريش.
عنيدا: أي معانداً وهو الوليد بن المغيرة المخزومي.
سأرهقه صعودا: أي سأكلفه يوم القيامة صعود جبل من نار كلما صعد فيه هوى في النار أبداً.
إنه فكر وقدر: أي فيما يقول في القرآن الذي سمعه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدر في نفسه ذلك.
ثم نظر ثم عبس وبسر: أي تروًى في ذلك ثم عبس أي قبض ما بين عينيه ثم بسر أي كلح وجهه.
ثم أدبر واستكبر: أي عن الإيمان واستكبر عن اتباع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سحر يؤثر: أي ينقل من السحرة كمسيلمة وغيره.
سأصليه سقر: سأدخله جهنم وسقر اسم لها يدخله فيها لإحراقه بنارها.
لا تبقي ولا تذر: أي لا تترك شيئا من اللحم ولا العصب إلا أهلكته ثم يعود كما كان لإدامة العذاب.
لواحة للبشر: أي محرقة مسودة لظاهر جلد الإنسان وهو بشرته والجمع بشر.
عليها تسعة عشر: أي ملكاً وهم خزنتها.
معنى الآيات:
لقد تحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبء الدعوة وأمر بالصبر وشرع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إنذار قومه المعركة كأحر وأشد ما تكون إذ أعلم قومه وهم من هم أنه لا إله إلا الله وأنه هو رسول الله فتصدى له طاغية من أعظم الطغاة ساد الوادي مالاً وولداً وجاهاً عريضا حتى لقب بريحانة قريش هذا هو الوليد بن المغيرة صاحب عشرة رجال من صلبه وآلاف الدنانير من الذهب فلما أرهب رسول الله وأخافه قال له ربه تبارك وتعالى ﴿ذَرْنِي﴾ أي دعني والذي خلقته ﴿وَحِيداً١﴾ فريداً بلا مال ولا ولد،
١ عن ابن عباس: كان الوليد يقول أنا الوحيد بن الوحيد ليس لي في العرب نظير ولا لأبي المغيرة نظير.
465
﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً﴾ واسعا تمده به الزراعة والتجارة فصلا بعد فصل ويوما بعد يوم، ﴿وَبَنِينَ شُهُوداً﴾ لا يغيبون كما يغيب الذين يطلبون العيش كما أنهم لمكانتهم يستشهدون فيشهدون فهم شهود على غيرهم. ويشهدون المحافل وغيرها. ﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً١﴾ أي بسطت له في العيش والعمر والولد والجاه العريض في ديار قومه، ﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾ أي أن أزيده من المذكور في الآيات ﴿كُلّاً﴾ أي لن أزيده بعد اليوم، وعلل تعالى لمنعه الزيادة بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا﴾ "القرآنيه" ﴿عَنِيداً﴾ أي ٢ معانداً يحاول إبطالها بعد رفضه لها. ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾ أي سأكلفه عذابا شاقا لا قبل له به وذلك جبل٣ من نار في جهنم يكلف صعوده كلما صعد سقط وذلك أبداً. وعلل أيضا لهذا العذاب الذي أعده له وأوعده به فقال تعالى ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ﴾ أي فيما يقول في القرآن لما طلبت منه قريش أن يقول فيه ما يراه من صلاح أو فساد. ﴿وَقَدَّرَ﴾ في نفسه ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ أي لعن كيف قدر ذلك التقدير الذي هو قوله ﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾. ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ فلعنه الله لعنتين تلازمانه واحدة في الدنيا والأخرى في الآخرة وقوله تعالى عنه ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ أي تروى ﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ أي قطب فقبض مابين عينيه ﴿وَبَسَرَ﴾ أي كلح وجهه فاسود. فقال اللعين نتيجة تفكير وتقدير ونظر ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ أي ما هذا القرآن إلا سحر ينقل عن السحرة في اليمن ونجد والحجاز ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ أي ما هذا الذي يتلوه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قول البشر قال٤ تعالى موعداً إياه على قولته الكافرة الفاجرة ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ أي سأدخله نار سقر يصطلي بنارها، ثم عظم تعالى من شأن سقر فقال ٥ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ أي أي شيء يدريك ما هي وما شأنها فإنها عظيمة ﴿لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ﴾ أي لا تبقي لحما ولا تذر عصبا بل تأتي على الكل لواحة٦ للبشر أي تحرق الجلود وتسودها. والبشر جمع بشرة الجلدة ومن ذلك سمي الآدميون بشرا لأن بشرتهم مكشوفة ليست مستورة بوبر ولا صوف ولا سعر ولا ريش. وقوله تعالى ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ أي على سقر ملائكة يقال لهم الخزنة عدتهم تسعة عشر ملكاً لقد كان لنزول هذه الآية سبب معروف وهو أن قريش اتهمت الوليد بأنه صبا مال إلى دين محمد فسمع ذلك منهم فأنكر وحلف لهم فطلبوا إليه إن كان صادقا أن
١ قال القرطبي: التمهيد عند العرب التوطئة والتهيئة: ومنه مهد الصبي.
٢ يقال عند يعند كضرب يضرب أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند.
٣ رواه الترمذي. وقال فيه غريب.
٤ قال السدي يعنون أنه من قول سيار عبد لبني الحضرمي كان يجالس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك.
٥ ما استفهامية أي أي شيء يدريك وما سقر ما استفهامية مبتدأ وسقر خبره.
٦ البشر جمع بشرة ومعنى لواحة مغيرة للون البشر بالسواد يقال لاحه الحر أو البرد أو المرض إذا غيره قال الشاعر:
تقول ما لاحك يا مسافر
يابنة عمي لا حنى الهواجر
466
يقول في القرآن كلمة يصرف بها العرب عن محمد وما يقوله ويدعو إليه فذهب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي ويقرأ في صلاته فاستمع إليه ففكر وقدر كما أخبر تعالى عنه في هذه الآيات وقال قولته الفاجرة الكافرة. إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر بعد أن وصف القرآن وصفا دقيقا بقوله ووالله إن لقوله لحلاوة وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه أي عليه فقالوا والله لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه فقال دعوني حتى أفكر ففكر وقال ما تقدم فنزلت هذه الآيات ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ إلى قوله ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- المال والبنون والجاه من عوامل الطغيان إلا أن يسلم الله عبده من فتنتها.
٢- من أكفر الناس من يعاند في آيات الله يريد صرف الناس عنها وإبطال هدايتها.
٣- بيان ما ظفر به طاغية قريش الوليد بن المغيرة من لعنة وعذاب شديد.
٤- تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
٥- تقرير البعث والجزاء.
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)
شرح الكلمات:
أصحاب النار: أي خزنتها مالك وثمانية عشر معه.
إلا ملائكة: أي لم نجعلهم بشراً ولا جناً حتى لا يرحموهم بحكم
467
الجنس.
وما جعلنا عدتهم: أي كونهم تسعة عشر.
إلا فتنة للذين كفروا: أي ليستخفوا بهم كما قال أبو الأشدين الجمحي فيزدادوا ضلالا.
ليستيقن الذين أوتوا الكتاب: أي ليحصل اليقين لأهل التوراة والإنجيل بموافقة القرآن لكتابيهما التوراة والإنجيل.
ولا يرتاب: أي ولا يشك أهل الكتاب والمؤمنون في حقيقة ذلك.
وليقول الذين في قلوبهم مرض: أي مرض النفاق.
ماذا أراد الله بهذا مثلا: أي أي شيء أراد الله بهذا العدد الغريب استنكاراً منهم.
كذلك: أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء.
وما هي إلا ذكرى للبشر: أي وما النار إلا ذكرى للبشر يتذكرون بها.
إذ أدبر: أي ولى ومضى.
إذا اسفر: أي أضاء وظهر.
إنها لأحدى الكبر: أي جهنم لإحدى البلايا العظام.
نذيرا للبشر: أي عذاب جهنم نذير لبني آدم.
لمن شاء منكم: أي أيها الناس.
أن يتقدم: أي بالطاعة.
أو يتاخر: أي بالمعصية.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ هذه الآية نزلت رداً على أبي الأشدين كلدة الجمحي الذي قال لما سمع قول الله تعالى ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ قال لقريش ساخراً مستهزئاً أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني انتم اثنين، ومرة قال أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعه بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة. فأنزل الله تعالى قوله ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً﴾ أي لم نجعلهم بشراً ولا جناً حتى لا يرحموا أهل النار بخلاف لو
468
كانوا بشرا قد يرحمون بني جنسهم ولو كانوا جنا فكذلك، ولذا جعلهم من الملائكة فلا تتناسب بينهم وبين الإنس والجن والمراد بأصحاب النار خزنتها وهم مالك وثمانية عشر هؤلاء رؤساء في جهنم أما من عداهم فلا تتسع لهم العبارة ولا حتى الرقم الحسابي وكيف وقد قال تعالى ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾، وقوله ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ١﴾ أي كونهم تسعة عشر ﴿إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ٢ كَفَرُوا﴾ ليزدادوا ضلالا وكفرا وقد تم هذا فإن أبا جهل كأبي الأشدين قد فتنا بهذا العدد وازدادا ضلالا وكفرا بما قالا، وقوله تعالى ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ أي أخبرنا عن عددهم وأنه تسعة عشر ليستيقن٣ الذين أوتوا الكتاب٤ لموافقة القرآن لما عندهم في كتابهم. ويزداد الذين أمنوا إيمانا فوق إيمانهم عندما يرون أن التوراة موافقة للقرآن الكريم كشاهد له، وقوله ﴿وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ أي حتى لا يقعوا في ريب وشك في يوم من الأيام لما اكتسبوا من المناعة بتضافر الكتابين على حقيقة واحدة. وقوله ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً﴾ أي وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا ليقول الذين في قلوبهم مرض وهو النفاق والشك والكافرون الكفر الظاهر من قريش وغيرهم ماذا أراد الله بهذا مثلا أي أي شيء أراده الله بهذا الخبر الغريب غرابة الأمثال قالوا هذا استنكارا وتكذيبا. فهذه جملة علل ذكرها تعالى لإخباره عن زبانية جهنم ثم قال وقوله الحق ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ أي مثل إضلال منكر هدا العدد وهدى مصدقه يضل الله من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته. وقوله تعالى ﴿وَمَا يَعْلَمُ ٥جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ هذا جواب أبي جهل القائل أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر استخفافا وتكذيبا فأخبر تعالى أن له جنوداً لا يعلم عددها ولا قوتها إلا هو وقد ورد أن لأحدهم مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم، ولا عجب وأربعة ملائكة يحملون العرش الذي هو أكبر ممن السموات والأرضين فسبحان الخلاق العليم سبحان الله العزيز الرحيم سبحان الله ذي الجبروت والملكوت. وقوله تعالى وما هي٦ أي جهنم إلا ذكرى للبشر أي تذكرة يذكرون بها عظمة الله
١ تقدير الكلام: ما جعلنا ذكر عدتهم لعلةٍ وغرض إلا لغرض فتنة الذين كفروا.
٢ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن فتنة بمعنى ضلالة للذين كفروا يريد أبا جهل وذويه، وقيل إلا عذاباً كقوله تعالى ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾.
٣ قوله ليستيقن الذين أوتوا الكتاب. علة ثانية لفعل وما جعلنا والاستيقان قوة اليقين والمراد من الاستيقان قوة اليقين.
٤ أوتوا الكتاب هم اليهود. فقد روى الترمذي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ قالوا لا ندري حتى نسأل.
٥ هذه الجملة كلمة جامعة لإبطال التخرصات التي يتخرصها المبطلون الضالون وإضافة الرب إلى ضمير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إضافة تشريف وفيها الإيماء بنصره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتلك الجنود التي هم جنود ربه عز وجل.
٦ جائز أن يكون الضمير (وما هي) عائد إلى عدة الملائكة التسعة عشر وجائز أن يكون عائداً إلى الآيات القرآنية أو إلى سقر أو إلى جنود ربك وهذا من الإعجاز القرآني وأن الكلمة الواحدة تدل على ما لا يدل عليه عشرات الكلمات.
469
ويخافون بها عقابه. وقوله ﴿كَلَّا١ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ أي كلا أي ليس القول كما يقول من زعم من المشركين أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها. والقمر والليل إذا أدبر ولى ذاهبا والصبح إذا أسفر أي أضاء وأقبل ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ أي أقسم تعالى بالقمر والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر على أن جهنم٢ لإحدى الكبر أي البلايا العظام ﴿نَذِيراً لِلْبَشَرِ﴾ أي بني آدم، وقال نذيرا ولم يقل نذيرة وهي جهنم لأنها بمعنى العذاب أي عذابها نذير للبشر. وقوله ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ﴾ في طاعة الله ورسوله حتى يبلغ الدرجات العلا، ومن شاء ﴿أَو يَتَأَخَّرَ﴾ في معصية الله ورسوله حتى ينزل الدركات السفلى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان الحكمة من جعل عدد الزبانية تسعة عشر والإخبار عنهم بذلك.
٢- موافقة التوراة والإنجيل للقرآن من شأنها أن تزيد إيمان المؤمنين من الفريقين.
٣- في النار من الزبانية ما لا يعلم عددهم إلا الله تعالى خالقهم.
٤- جهنم نذير للبشر أي عذابها نذير للبشر لمن شاء أن يتقدم بالطاعة أو يتأخر بالمعصية.
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ
١ حرف ردع وإبطال والغالب أنها تقع بعد كلام من متكلم واحد ومتكلم وسامع فتفيد الردع عما تضمنه الكلام السابق ذهب ابن جرير إلى أنها هنا للردع وإبطال ما زعمه المشركون من القدرة على الزبانية كما في التفسير. وعليه فالوقف عليه مستحسن ومنهم من جعلها افتتاح كلام نحو ألا وعليه فالوقف لا يحسن عليها بل على القمر.
٢ القول بأنها سقر أقرب من جهنم لتقدم ذكر سقر بلفظها والأمر واسع.
470
كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)
شرح الكلمات:
كل نفس: أي مأمورة منهية.
رهينة: أي مرهونة مأخوذة بعملها في جهنم.
إلا أصحاب اليمين: أي المؤمنين فهم ناجون من النار وهم في جنات النعيم يتساءلون عن المجرمين.
ولم نك نطعم المسكين: أي بخلا بما أتاهم الله.
وكنا نخوض: أي في الباطل وفيما يكره الله تعالى مع الخائضين.
نكذب بيوم الدين: بيوم المجازاة والثواب ولا نصدق بثواب ولا عقاب.
حتى أتانا اليقين: أي الموت.
عن التذكرة معرضين: أي الموعظة منصرفين لا يسمعونها ولا يقبلون عليها.
حمر مستنفرة: أي كأنهم حمر وحشية مستنفرة.
فرت من قسورة: أي هربت من أسد أشد الهرب.
بل يريد كل أمرىء منهم: أي ليس هناك قصور في الأدلة والحجج التي قدمت لهم بل يريد كل واحد منهم.
أن يؤتى صحفا منشرة: أي يصبح وعند رأسه كتاب من الله رب العالمين إلى فلان آمن بنبينا محمد واتبعه.
إنه تذكرة: أي عظة وعبرة.
فمن شاء ذكره: أي قرأه واتعظ به.
هو أهل التقوى: أي هو أهل لأن يتقي لعظمة سلطانه وأليم عقابه.
وأهل المغفرة: أي وأهل لأن يغفر للتائبين من عباده والموحدين.
471
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ أي يوم القيامة ﴿رَهِينَةٌ﴾ بمعنى مرهونة محبوسة أي كل نفس مأمورة منهية بمعنى مكلفة بخلاف نفوس غير المكلفين من أطفال ومجانين وقوله ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ فإنهم قد فك رهنهم وهم في جنات النعيم يتساءلون فيما بينهم عن أصحاب الجحيم وكيف حالهم ثم يتصلون بهم وهم في جنات النعيم والمجرمون في سواء الجحيم، ويتم الاتصال برؤية الشخص وسماع كلامه وفي الصناعات الحديثة اليوم ما جعل هذا أمراً معقولا فيقولون لهم ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ أي أدخلكم في سقر فأجابوهم قائلين ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ فذكروا لهم أعظم الجرائم وهي ترك الصلاة ومنع الزكاة والتخوض مع أهل الباطل في كل شر وفساد والتكذيب بيوم القيامة وأنه لا حساب ولا جزاء أي لا ثواب ولا عقاب وأنهم مع هذه الجرائم الموجبة للسلوك في سقر لم يتوبوا منها حتى أتاهم اليقين الذي هو الموت فإن من مات دخل الدار الآخرة من عتبتها وهي القبر فلذا قالوا حتى أتانا اليقين أي الموت. وقد يقال ألم يكن هناك شفعاء من الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء يشفعون؟ والجواب هو في قوله تعالى ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ أي لم تكن لهم شفاعة لأنهم ملاحدة مجرمون. وقوله تعالى ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ أي فما لهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث والجزاء عن التذكرة التي يذكرون بها في آيات هذه السورة وغيرها معرضين إنه أمر عجيب أي شيء يجعلهم يعرضون عنها هاربين منها فارين ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ﴾ وحشية ﴿مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ أي فرت هاربة أشد الهرب من أسد من أسود الصحراء الطاغية إن فرارهم من هذه الدعوة وإعراضهم عنها ليس عن قصور في أدلتها وضعف في حجتها بل يريد كل واحد منهم أن يؤتى كتاباً من الله يأمره فيه بالإيمان واتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا هو العناد والمكابرة وصاحبهما غير مستعد للإيمان بحال من الأحوال. وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿حَتَّى١ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ﴾ هذا معنى قوله تعالى ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً﴾. وقوله تعالى ﴿كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ﴾ أي ليس الأمر كما يقولون ويدعون بل إن علة إعراضهم الحقيقية هي عدم خوفهم من عذاب الله يوم القيامة. وقوله تعالى ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ أي ألا إن هذا القرآن تذكرة فمن شاء ذكره أي قرأه فاتعظ به فآمن بالله
١ الآية من سورة الإسراء وهي (أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرأه) إذ روي أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه من رب العالمين إلى فلان بن فلان ونؤمر فيه بأتباعك.
472
واتقاه فإنه ينجو ويسعد في جوار مولاه ومن لم يشأ ذلك فحسبه سقر وما أدراك ما سقر. وقوله تعالى ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ١ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ أي ما يذكر من يذكر إلا بمشيئة الله فلا بد من الافتقار إلى الله وطلب توفيقه في ذلك إذ لا استقلال لأحد عن الله ولا غنى بأحد عن الله بل الكل مفتقر إليه ومشيئته تابعة لمشيئته وقوله ﴿هُوَ٢ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ لقد٣ صح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر هذه الآية فقال قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي إلهاً فأنا أهل أن أغفر له.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- فكاك كل نفس مرهونة بكسبها هو الإيمان والتقوى.
٢- بيان أكبر الجرائم وهي ترك الصلاة ومنع الزكاة والخوض في الباطل وعدم التصديق بالحساب والجزاء.
٣- لا شفاعة يوم القيامة لمن مات وهو يشرك بالله شيئا.
٤- مرد الانحراف في الإنسان إلى ضعف إيمانه بالبعث والجزاء.
٥- الله جل جلاله هو ذو الأهلية الحقة لأمرين عظيمين التقوى فلا يتقى على الحقيقة إلا هو والمغفرة فلا يغفر الذنوب إلا هو اللهم اغفر ذنوبنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
١ قرأ نافع وما تذكرون بالتاء على الالتفاف، وقرأ حفص وما يذكرون بالياء على الغيبة.
٢ تعريف جزيء الجملة مفيد للقصر أي الله وحده المتأهل للتقوى والمغفرة لا سواه.
٣ الحديث رواه الترمذي وقال فيه حسن غريب ونصه: قال الله تعالى "أنا أهل أن أتقى فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له".
473
سورة القيامة
مكية وآياتها أربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤) بَلْ
473
Icon