تفسير سورة البقرة

جهود القرافي في التفسير
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب جهود القرافي في التفسير .
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

١٥- وأما قوله تعالى :﴿ ذلك الكتاب ﴾ أنه المراد به الإنجيل١، فمن الافتراء العجيب والتخيل الغريب. بل أجمع المسلمون قاطبة على أن المراد به القرآن الكريم ليس إلا. وقد أخبر الناطق بهذا اللفظ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد : " هذا الكتاب " ٢ كيف يليق أن يحمل على غيره. ( الأجوبة الفاخرة : ١٠٠-١٠٢ ).
فإن كل أحد مصدق فيما يدعيه في قول نفسه، إنما ينازع في تفسيره قول غيره إن أمكنت منازعته.
وأما الإشارة " بذلك " التي اغتر بها السائل فاعلم أن للإشارة ثلاثة أحوال : " ذا " للقريب، و " ذاك " للمتوسط، و " ذلك " للبعيد، لكن البعد والقرب يكونان تارة بالزمان وتارة بالمكان، وتارة بالشرف وتارة بالاستحالة. ولذلك قالت " زليخا " في حق يوسف عليه السلام لما اجتمعت مع نسوة المدينة، ويوسف عليه السلام بالحضرة، وقد قطعن أيديهن من الدهشة لحسنه :﴿ فذلك الذي لمتنني فيه ﴾٣. إشارة لبعده عليه السلام في شرف الحسن.
وكذلك القرآن الكريم لما عظمت رتبته في الشرف أشير إليه " بذلك " وقيل : أشير إليه " بذلك " لبعد مكانه، لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ. وقيل : لبعد زمانه، لأنه وعد به في الكتب المنزلة قديما. وقيل : لما كان أصواتا، والصوت يستحيل بقاؤه، فصار بسبب هذه الاستحالة في غاية البعد، لأن المستحيل أبلغ من البعيد.
١٦- " أل " في قوله تعالى :﴿ ذلك الكتاب لا ريب فيه ﴾ للعهد، لأنه موعود به، مذكور على ألسنة الأنبياء عليهم السلام، فصار معلوما. فأشير إليه بلام العهد. ( نفسه : ١٠٢ ).
١ هذه الفقرة جواب على شبهة أحد النصارى الذي زعم بأن الكتاب الوارد في هذه الآية هو الإنجيل، متأولا اسم الإشارة "ذلك" ولو أراد الله القرآن لقال :"ألم هذا الكتاب" ن ص : ٩٩ من الأجوبة الفاخرة..
٢ نقل ابن كثير في تفسيره ما رواه ابن جريح قال : قال ابن عباس :"ذلك الكتاب أي : هذا الكتاب". وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل بن حبان وزيد بن أسلم وابن جريح أن "ذلك" بمعنى : هذا. والعرب تعارض بين اسمي الإشارة فيستعملون كلا منهما مكان الآخر. وزاد :"وقد ذهب بعض المفسرين فيما حكاه القرطبي وغيره أن "ذلك" إشارة إلى القرآن الذي وعد الله به الرسول صلى الله عليه وسلم بإنزاله عليه، أو التوراة أو الإنجيل أو نحو ذلك في أقوال عشرة. وقد ضعف هذا المذهب كثيرون والله أعلم.
والكتاب : القرآن. ومن قال : إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل كما حكاه ابن جرير وغيره، فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما لا علم له به". ن : تفسير القرآن العظيم : ١/٦٢..

٣ يوسف : آية : ٣٢..
١٧- يفرق صاحب الكشاف١ وغيره بين قوله تعالى :﴿ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ﴾ : لم أفرد السمع وجمع الأبصار ؟ فيقول :" لأنه مصدر يصلح للكثير، أو يتناول الكثير، بخلاف البصر " ٢ وهو كثير في القرآن. وعندي أن عليه إشكالين :
أحدهما : أن المصدر نحو : " قياما " إنما وضع للقدر المشترك بين أفراد القيام، واللفظ الموضوع للمشترك من أفراد وأنواع لا يتناول خصوصيات تلك الأفراد، ولا تلك الأنواع، وكذلك أسماء الأجناس موضوعة للمشترك دون الخصوصيات، ومن ادعى في مصدر منكر أنه من صيغ العموم فهو غلط في اللغة. وإذا استوى القسمان في الدلالة على المشترك، وعدم الدلالة على الخصوصيات سقط الرفق الذي يشيرون إليه.
وثانيهما : أن اللفظ الدال على المشترك إذا استعمل في أحد أنواعه وأفراده من حيث هو ذلك الخاص كان مجازا لا حقيقة، فلا يحصل المقصود من التعبير عن الجمع به بمقتضى اللغة. ( الاستغناء في الاستثناء : ٣٢١-٣٢٢ ).
١ - هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري الخوارزمي. (ت : ٥٣٨ هج). من أهم مصنفاته :"الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" و "أساس البلاغة" و"المفرد والمركب في العربية" وغيرها. ن : وفيات الأعيان : ٢/٥٠٩. شذرات الذهب : ٤/١٢١. كشف الظنون : ٢/١٧٦..
٢ عبارة الزمخشري في الكشاف هي :"لك أن تقول : السمع مصدر في أصله والمصادر لا تجمع. فلمح الأصل يدل عليه جمع الأذن في قوله تعالى :﴿وفي آذاننا وقر﴾ سورة فصلت آية : ٥. وان تقدر مضافا محذوفا أي: وعلى حواس سمعهم. وقرأ ابن أبي عبلة :"وعلى أسماعهم". ن : الكشاف : ١/١٦٤..
١٨- قال المفسرون : نزلت في المنافقين، كانوا يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخادعون المؤمنين بإظهار الإيمان من إثبات الكفر في نفوسهم ليعصموا دماؤهم وأموالهم فأخبر الله تعالى أن الخديعة إنما وقعت لأنفسهم، وهذا الاستثناء يتضمن أمرين مشكلين :
أحدهما : سلب الخديعة عن المؤمنين مع وقوعها حقيقة، والحقائق من خصائصها أنها لا يصح سلبها، وصحة السلب إنما هي من خصائص المجاز. فمن رأى أسدا وحشيا لا يقال فيه : " ما رأى أسدا " ومن قال : " رأيت أسدا "، وهو يريد : شجاعا من الرجال، يمكن سلبه فيقال : " ما رأى أسدا " بل رجلا.
وثانيهما : إثبات الخديعة لأنفسهم مع أنهم يخدعون أنفسهم.
والجواب : أن ما ذكره الأصوليين من تعذر سلب الحقيقة لغة صحيح غير أنه قد تقرر في علم البيان أن الشيء كما ينفى لنفي ذاته فإنه ينفى أيضا لنفي ثمرته والمقصود منه. كقوله تعالى :﴿ فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ﴾١، فنفى أيمانهم مع أنهم قد خلفوا، لكن لما كان مقصود اليمين هو الوفاء بها ولم يحصل، صارت أيمانهم كالمعدومة مجازا. وكذلك :﴿ هدى للمتقين ﴾٢، ﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ﴾٣، ومفهومه يقتضي السلب من غير المذكور مع أن القرآن هداية وإرشاد لجميع الخلق كما قال تعالى :﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكر للعالمين ﴾٤.
وكذلك الخديعة لما كان المقصود منها حصول ضرر للمخدوع غالبا ولم يحصل للمؤمنين ضرر، بل هم مطلعون على أحوال المنافقين من قبل الله تعالى، وبما يجريه الله تعالى على ألسنة المنافقين مما يدل على نفاقهم، يحسن سلب الخديعة لسلب ثمرتها.
وأما إثباتها لأنفسهم فمجاز أيضا، لأن العرب كما تنفي الشيء لنفي ثمرته- وإن كان موجودا تثبته أيضا لثبوت ثمرته وإن كان مفقودا كما يقولون في النخيل : " إنه فقير لما كانت ثمرة الفقر حالة له.
ومنه قوله عليه السلام : " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " ٥ وهو ليس بكافر على الصحيح. بل عقوبة الكفر العظمى هي القتل، فلما كان يراق دمه سمي كافرا. ومنه تسمية الجد أبا والعم أبا لحصول مقصود الآباء فيهما، وهو كثير في الكتاب والسنة. ( الاستغناء في الاستثناء : ١٥٣-١٥٤ ).
١ - التوبة : آية ١٢..
٢ - البقرة : آية ٢..
٣ - ق : آية ٣٧..
٤ - الأنعام : آية ٩..
٥ - أخرجه مسلم في صحيحه، من كتاب "الإيمان". ح : ١٣٤. والترمذي في سننه :"كتاب الإيمان". الباب : ٩..
١٩- إن المكر والاستهزاء في مجرى العادة سوء خلق، وقد ورد السمع به في قوله تعالى :﴿ والله خير الماكرين ﴾١، ﴿ الله يستهزئ بهم ﴾، والمحسن لذلك المقابلة كقوله تعالى :﴿ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ﴾٢ قالوا :﴿ إنما نحن مستهزئون ﴾٣، ﴿ الله يستهزئ بهم ﴾ فحصلت المقابلة بين المكرين والاستهزاءين فكان ذلك حسنا لأنه اللائق بفصاحة القرآن وبلاغته، فيقتصر بمثل هذه الألفاظ على موارد السمع، ولا يذكر في غير هذه التلاوة، فلا نقول : " اللهم امكر بفلان، ولا مكر الله به، ولا : اللهم استهزىء بفلان، ولا : استهزأ الله به " وكذلك بقية هذا الباب. ( الفروق : ٣/٥٧ ).
١ - آل عمران : ٥٤..
٢ - آل عمران : ٥٤..
٣ - البقرة : ١٤..
٢٠- الله تعالى يعلم أنهم في ريب، وهم يعلمون أنهم في ريب، فقد علق المعلوم للمتكلم والسامع ويتعين الإشكال١ حينئذ.
٢١- لو تكلم بهذا الكلام عربي لكان وضعه الشك فيه، فما استعملت " إن " إلا في موضعها. ( شرح تنقيح الفصول : ١٠٦ ).
١ - يوضح القرافي هذا الإشكال المتعلق بإن الشرطية التي ترد في كتاب الله تعالى، والتي تدخل على المحتمل لا على المحقق بخلاف "إذا" التي تدخل عليهما. بقوله :"إن القرآن عربي. فكل ما يحسن من العربي استعماله يرد القرآن به على منوال العرب ليكون الكلام عربيا.
فكلما لو كان العربي هو المتعلق، علق فيه ب "إن" فإنه يأتي في القرآن بإن. وكلما لو كان المعلق عربيا لا يأتي فيه ب "إن" لا يأتي في القرآن "إن" لكونه عربيا. ولا يأخذ وصف الربوبية في كونه قرآنا عربيا بل على منوال العرب فقط، بل ينبغي أن ينبه بحرف آخر، وهو أن يكون الشيء المعلق شأنه أن يكون مشكوكا فيه فقط، وقد يكون معلوما للمتكلم والسامع (...) فإن المعلق في القرآن وإن كان معلوما للسامع والمتكلم لك شأن ذلك المعلق أن يكون مشكوكا فيه فاندفع الإشكال اندفاعا بينا." ن : العقد : ٤/١٢٦٥..

قوله تعالى :﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ﴾
٢٢- هذا استثناء مفرغ للمفعول، وهي قراءة الجماعة، وهي خط المصحف، وروي عن إبراهيم بن أبي عبلة :﴿ وما يضل به إلا الفاسقون ﴾. قال أبو عمرو١ : " هذه قراءة القدرية٢، وهي مخالفة لرسم المصحف فجعله مفرغا للفاعل.
قلت : إن القدرية تعتقد أن الله لا يريد الضلال و لا يضل أحدا، وإنما العبد يضل من قبل نفسه بناء على أن الحيوان مستقل في أفعاله، وهذه الآية حجة عليهم، وتحريف القرآن لا يخلصهم من قيام الحجة عليهم لبطلان قراءتهم ".
واختلف المتأولون : هل هذا الكلام٣ من قول الكفار أو من قول الله تعالى ؟. وقيل : من قول الكفار أي : ما أراد الله تعالى بهذا المثل المتقدم على هذه الآية إلا تفريق الناس إلى الضلالة والهدى.
وقيل : بل هو من قول الله تعالى : أي الله تعالى يجعل ضرب الأمثال هداية لقوم وضلالة لقوم كما قال تعالى في الآية الأخرى في القرآن :﴿ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ﴾٤.
ويروى عن الحارث المحاسبي٥ رضي الله عنه أنه قال : " مثل العلم كمثل الغيث ينزل من السماء كله حلو فيزيد الحلو حلاوة والمر مرارة "، والأسباب تؤثر بحسب الاستعدادات.
ثم " الفاسقون " ها هنا إن كان المراد بهم المستعدين للفسق فيتعين المجاز من جهة أنهم إنما يصيرون فاسقين بالإضلال بهذا المثل. وظاهر الآية يقتضي أن وصف الفسق تقدم الإضلال كما لو قلت :" لا أهين إلا الجاهل " و " لا أكرم إلا العالم "، فهذا يقتضي تقدم هذه الأوصاف على هذه الأحكام. فيكون هذا من باب تسمية الشيء باعتبار ما هو قابل له وآيل إليه، ويسمونه من مجاز إطلاق الفعل على القوة كقوله تعالى :﴿ إني أراني أعصر خمرا ﴾٦.
وإن أريد بالفاسقين المتصفون بالفسق حقيقة فيتعين ملاحظة قاعدة أخرى وهو أن الله تعالى يعاقب على السيئة بتيسير سيئة أخرى حتى يجتمع على العاصي عقوبتان. كما يعاقب عليها بالمؤلمات وبتفويت الطاعات كما قال تعالى :﴿ وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾٧.
وفي سورة القتال :﴿ إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ﴾٨ إلى قوله تعالى ﴿ ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ﴾٩. فجعل الردة مسببة على الباطل، وهو كثير في القرآن كقوله تعالى :﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾١٠. وكذلك هذه رتب فيها الضلال على ارتكاب الفسق أولا، وترتيب الحكم على الوصف يشعر بغلبة الوصف لذلك الحكم فيكون الفسق السابق سببا للضلال اللاحق على القاعدة. ( الاستغناء في الاستثناء : ١٥٥ ).
١ - هو أبو عمر عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدوني المصري، المشهور بابن الحاجب ولد سنة ٥٧٠ هج. اشتغل بالقرابات على الشاطبي وأخذ الفقه عن أبي منصور الأبياري.
له مؤلفات في الفقه والقراءات واللغة والأصول وغيرها. (ت : ٦٤٦ هج). ن : ترجمته في الديباج ص : ١٨٩. حسن المحاضرة : ١/٤٥٦. شجرة النور : ١٦٧. البداية والنهاية : ١٣/١٧٦..

٢ القدرية : هم فرقة من المعتزلة يقولون بأن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها. ن : الملل والنحل للشهر ستاني : ١/٤٣..
٣ قال تعالى :﴿إن الله يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا.... ﴾. سورة البقرة الآية : ٢٥..
٤ - فصلت : ٤٤..
٥ - هو الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله، من أكابر الصوفية، كان عالما بالأصول والمعاملات، واعظا مبكيا. ولد ونشأ بالبصرة ومات رحمه الله ببغداد سنة ٢٤٣هج. من مصنفاته :"آداب النفوس" و "السائل في إعمال القلوب والجوارح" و "المسائل في الزهد وغيره" و"المكاسب" و"الرعاية" وغيرها. ن : ترجمته في تهذيب التهذيب : ٢/١٣٤..
٦ - سورة يوسف : ٣٦..
٧ - سورة الليل : ٨ إلى ١٠..
٨ - سورة محمد : ٢٦..
٩ سورة محمد : ٢٧، وتتمة الآيتين (٢٦ و٢٧) :﴿... والشيطان سول لهم وأملى لهم أعمالهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر، والله يعلم أسرارهم﴾..
١٠ - سورة العنكبوت : ٦٩..
٢٣- دليل الإباحة قوله تعالى :﴿ الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ﴾ وقوله تعالى :﴿ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾١. وذلك يدل على أن الإذن في الجميع بهذه المدارك الشرعية الدالة إلى الحل قبل ورود الشرائع. ( شرح تنقيح الفصول ص : ٩٢ )
١ - سورة طه : ٤٩..
٢٤- إن الله تعالى لما أراد بيان فضل آدم على الملائكة، وإقامة الحجة عليهم علمه أسماء أو علاماتها، على خلاف في ذلك، ثم سألهم فلم يعلموا، وسأله فعلم وعلم، فاعترفوا حينئذ بفضيلته، وأمرهم بالسجود له في وقت واحد، تعظيما لمنزلته، وخالف إبليس في ذلك فباء من الله تعالى بقبيح لعنته. وهذا حال العلم بأسماء الأشياء أو علاماتها، فكيف بالعلم بحدود الدين وما توصل به إلى رب العالمين. ( الذخيرة : ١/٤٥ ( كتاب تنقيح الفصول ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:٢٤- إن الله تعالى لما أراد بيان فضل آدم على الملائكة، وإقامة الحجة عليهم علمه أسماء أو علاماتها، على خلاف في ذلك، ثم سألهم فلم يعلموا، وسأله فعلم وعلم، فاعترفوا حينئذ بفضيلته، وأمرهم بالسجود له في وقت واحد، تعظيما لمنزلته، وخالف إبليس في ذلك فباء من الله تعالى بقبيح لعنته. وهذا حال العلم بأسماء الأشياء أو علاماتها، فكيف بالعلم بحدود الدين وما توصل به إلى رب العالمين. ( الذخيرة : ١/٤٥ ( كتاب تنقيح الفصول ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:٢٤- إن الله تعالى لما أراد بيان فضل آدم على الملائكة، وإقامة الحجة عليهم علمه أسماء أو علاماتها، على خلاف في ذلك، ثم سألهم فلم يعلموا، وسأله فعلم وعلم، فاعترفوا حينئذ بفضيلته، وأمرهم بالسجود له في وقت واحد، تعظيما لمنزلته، وخالف إبليس في ذلك فباء من الله تعالى بقبيح لعنته. وهذا حال العلم بأسماء الأشياء أو علاماتها، فكيف بالعلم بحدود الدين وما توصل به إلى رب العالمين. ( الذخيرة : ١/٤٥ ( كتاب تنقيح الفصول ).
١٣- ﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ﴾ آية ٣٣.
٢٥- كلام متعلق بأفعال المكلفين وليس حكما. بل هو خبر عن تكليف تقدم. ( شرح تنقيح الفصول ص : ٦٨ )
٢٦- أي : تكليفي، فهو صفة ذاته تعالى، وذمته : إلزامه. ( الذخيرة : ٤/٩ )
٢٧- أي : أوفوا بما ألزمتم من طاعتي أوف بما التزمت لكم من المثوبة. ( نفسه : ٥/١١٤. والاستغناء في الاستثناء ص : ٣١٩ ).
٢٨- معناه : أوفوا بتكاليفي أوف لكم بثوابي الموعود به على الطاعة، ومنه العهدة في البيع أي : ما يلزم من الرد بالعيب ورد الثمن في الاستحقاق. ( الفروق : ٣/٣١، والاستغناء في الاستثناء : ٣٢٠ ).
٢٩- ليبدأ المفتي بنفسه في كل خير يفتي به، فهو أصل استقامة الخلق بفعله وقوله، قال الله تعالى ﴿ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ﴾، ومتى كان المفتي متقيا لله تعالى وضع الله البركة في قوله، ويسر قبوله على مستمعه. ( الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام : ٢٥٦. ).
٣٠- الاستثناء مفرغ للمفعول١، لأن هذا المجرور في معنى المفعول.
واختلف المفسرون في الضمير في قوله تعالى :﴿ وإنها لكبيرة ﴾ فقيل : عائد على الصلاة في قوله تعالى :﴿ واستعينوا بالصبر والصلاة ﴾ وقيل : على الاستعانة التي دل عليها الفعل. والعرب تقيد الضمير على المصدر إذا ذكر فعله، كقولهم : " من كذب كان شرا له " أي : كان الكذب شرا له.
وقيل : على العبادة المعلومة للسامع من هذا السياق. والضمير قد يعود على المعلوم وإن لم يكن مذكورا كقوله تعالى :﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾٢. وقوله تعالى :﴿ حتى توارت بالحجاب ﴾٣ ولم يتقدم ذكر للقرآن ولا للشمس، وذكر الصبر والصلاة يشعر بالعبادة.
وقيل : على إجابة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل : على الكعبة، لأنه صعب على أكثر الناس مخالفة العادة في ترك الصلاة لبيت المقدس، وهو الكائن في زمن جميع النبيين. وهذان أضعف الأقوال لبعدهما من اللفظ ودلالته.
و " الكبر " هاهنا المراد به : العظم في القدر، ولما كان الإباء والأنفة يمنعان من الإذعان والإجابة صار المدعو إليه بسبب ذلك كبيرا في الصدر. و " الخاشع " : المتواضع، البعيد عن الأنفة والترافع، وذلك يقتضي ألا يعظم في صدره ما دعي إليه، فلذلك استثنى في الآية. ( الاستغناء في الاستثناء : ١٥٦ ).
١ - قال ابن مالك : وإن يفرغ سابق "إلا" لما بعد يكن كما لو "إلا" عدما.
وقال ابن عقيل في شرح هذا البيت :"إذا تفرغ سابق (إلا) لما بعدها، أي : لم يشتغل بما يطلبه، كان الاسم الواقع بعد (إلا) معربا بإعراب ما يقتضيه ما قبل (إلا) قبل دخولها..." ن : شرح ابن عقيل : ٢/٢١٨..

٢ - سورة القدر : الآية : ١..
٣ - سورة ص : الآية : ٣٢..
٣١- قال جماعة من الكوفيين : إنها ( أي الواو ) للترتيب، لنا قوله تعالى :﴿ ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ﴾ وقوله تعالى :﴿ وقولوا حطة وادخلوا الباب ﴾١ والقصة واحدة، فلو كانت للترتيب لزم التناقض وهو محال. ( شرح تنقيح الفصول : ٩٩ ).
١ - سورة الأعراف : آية : ١٦١..
٣٢- ذمهم الله لكونهم تذرعوا للصيد يوم السبت المحرم عليهم بحبس الصيد يوم الجمعة. ( الفروق : ٣/٢٦٦ ).
٣٣- الله كتب الإحسان على كل شيء، والبقر تذبح ولا تنحر بعد الذبح لقوله تعالى :﴿ إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ﴾. ( الذخيرة : ٣/٣٦٥ ).
٣٤- قوله تعالى في قصة بقرة بني إسرائيل : " لا فارض- إنها بقرة صفراء- إنها بقرة لا ذلول- " فتصرف إلى ما أمروا به من ذبح البقرة، وهم لم يؤمروا إلا ببقرة منكرة، والمراد بها معينة، فيحتاج إلى البيان، ويدل على أنها كانت معينة قوله تعالى : " إنها-إنها " والأصل في الضمائر أن تعود إلى الظواهر، فهذا بيان تأخر عن وقت الخطاب، بل عن وقت الحاجة، لأنهم كانوا محتاجين إلى ذبح البقرة ليتبين أمر القتل، وترتفع الفتنة التي كانت بينهم، والخصومات في أمر القتيل. ( شرح تنقيح الفصول : ٢٨٤ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٨:٣٤- قوله تعالى في قصة بقرة بني إسرائيل :" لا فارض- إنها بقرة صفراء- إنها بقرة لا ذلول- " فتصرف إلى ما أمروا به من ذبح البقرة، وهم لم يؤمروا إلا ببقرة منكرة، والمراد بها معينة، فيحتاج إلى البيان، ويدل على أنها كانت معينة قوله تعالى :" إنها-إنها " والأصل في الضمائر أن تعود إلى الظواهر، فهذا بيان تأخر عن وقت الخطاب، بل عن وقت الحاجة، لأنهم كانوا محتاجين إلى ذبح البقرة ليتبين أمر القتل، وترتفع الفتنة التي كانت بينهم، والخصومات في أمر القتيل. ( شرح تنقيح الفصول : ٢٨٤ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٨:٣٤- قوله تعالى في قصة بقرة بني إسرائيل :" لا فارض- إنها بقرة صفراء- إنها بقرة لا ذلول- " فتصرف إلى ما أمروا به من ذبح البقرة، وهم لم يؤمروا إلا ببقرة منكرة، والمراد بها معينة، فيحتاج إلى البيان، ويدل على أنها كانت معينة قوله تعالى :" إنها-إنها " والأصل في الضمائر أن تعود إلى الظواهر، فهذا بيان تأخر عن وقت الخطاب، بل عن وقت الحاجة، لأنهم كانوا محتاجين إلى ذبح البقرة ليتبين أمر القتل، وترتفع الفتنة التي كانت بينهم، والخصومات في أمر القتيل. ( شرح تنقيح الفصول : ٢٨٤ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٨:٣٤- قوله تعالى في قصة بقرة بني إسرائيل :" لا فارض- إنها بقرة صفراء- إنها بقرة لا ذلول- " فتصرف إلى ما أمروا به من ذبح البقرة، وهم لم يؤمروا إلا ببقرة منكرة، والمراد بها معينة، فيحتاج إلى البيان، ويدل على أنها كانت معينة قوله تعالى :" إنها-إنها " والأصل في الضمائر أن تعود إلى الظواهر، فهذا بيان تأخر عن وقت الخطاب، بل عن وقت الحاجة، لأنهم كانوا محتاجين إلى ذبح البقرة ليتبين أمر القتل، وترتفع الفتنة التي كانت بينهم، والخصومات في أمر القتيل. ( شرح تنقيح الفصول : ٢٨٤ ).
٣٥- أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم كان معروفا عندهم لأجل الإحاطة بصفته في كتبهم. ( الفروق : ٣/٢٥٠ ).
٣٦- ﴿ فلا تكفر ﴾ أي : لا تستعمله على وجه الكفر، كما يقال : خذ المال ولا تفسق يه. ( الذخيرة : ١٢/٣٢ )
٣٧- ﴿ فلا تكفر ﴾ أي : بتعليمه. ( نفسه : ١٢/٣٥ )
٣٨- ﴿ يعلمون الناس السحر ﴾ أي : يقع لا عن التسليم. ( نفسه : ١٢/٣٢ )
٣٩- ﴿ إنما نحن فتنة فلا تكفر ﴾، يدل على أن تعلم السحر كفر. ( نفسه : ١٢/٣٢ )
٤٠- ﴿ ولكن الشياطين كفروا ﴾ ما لا حقيقة له لا يعلم ولا يلزم صدور الكفر عن الملائكة لأنه قرئ : " الملكين "، بكسر اللام، أو هما ملكان، وأذن لهما في تعليم الناس السحر للفرق بين المعجزة والسحر، لأن مصلحة الخلق في ذلك الوقت كانت تقتضي ذلك، ثم صعد إلى السماء. وقولهما : " فلا تكفر " أي : " لا تستعمله على وجه الكفر "، كما يقال : " خذ المال ولا تفسق " أو يكون معنى قوله عز وجل :﴿ يعلمون الناس السحر ﴾ أي : ما يصلح للأمرين. وفي الصحيحين " أنه صلى الله عليه وسلم كان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن. الحديث. ١ ( فروق : ٤/١٥٤. والذخيرة : ١٢/٣٢ )
٤١- إن قوله :﴿ يعلمون الناس السحر ﴾ نمنع أنه تفسير لقوله : " كفروا "، بل إخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر، وإنما يتم المقصود إذا كانت الجملة الثانية مفسرة للأولى، سلمنا أنها مفسرة لها، لكن يتعين حمله على أن ذلك السحر كان مشتملا على الكفر، وكانت الشياطين تعتقد موجب تلك الألفاظ كالنصراني إذا علم المسلم دينه فإنه يعتقد موجبه، وأما الأصولي إذا علم تلميذه المسلم دين النصراني ليرد عليه ويتأمل فساد قواعده فلا يكفر المعلم والتعلم. وهذا التقييد على وفق القواعد. وأما جعل التعلم والتعليم مطلقا كفرا فهو خلاف القواعد.
ولأن السحر لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه بقدرته على تغيير الأجسام والحزم بذلك كفر. أو نقول : هو علامة الكفر بإخبار الشرع فلو قال الشارع : من دخل موضع كذا فهو كافر، اعتقدنا كفر الداخل وإن لم يكن الدخول كفرا وإن أخبرنا هو أنه مؤمن لم نصدقه.
قوله تعالى :﴿ وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ﴾. ( نفسه : ٤/١٦٧ ).
٤٢- الاستثناء في هذه الآية واقع في الأسباب، لأن الباء في المستثنى للسببية. وتقدير الكلام : " ما هم بضارين بالسحر من أحد إلا بسبب من الأسباب إلا بإذن الله " أي : إلا بقدرة الله تعالى وإرادته. فهذا هو السبب الذي إذا تيسر حصل الضرر بالسحر، وإلا فلا يحصل أصلا.
ويكون الاستثناء متصلا لحصول شرائطه، وهي الاستثناء من الجنس، والحكم بالنقيض على ما بعد " إلا ". فإن المتقدم قبلها عدم الضرر، وبعدها الضرر إذا حصل السبب المذكور. ( الاستغناء في الاستثناء : ٤٩٣ ).
١ - رواه البخاري في كتب "الطب والجهاد والأدب" من صحيحه. ومسلم في كتاب "السلام"، وأحمد في المستند : ٦/٩٦. وغيرهم : عنه عائشة رضي الله عنها..
٤٣- سؤال يشترك فيه اليهود والنصارى، وهو أن المسلمون يدعون أن الشريعة المحمدية نسخت كثيرا من أحكام التوراة، كتحريم الشحوم ولحوم الإبل وصيد السبت ومخالطة المرأة الحائض وتحريم اليسير من الخمر، ونحو ذلك، وهو محال، لأن النسخ١، يقتضي تجويز البداء٢ أو الندم على الله تعالى، وهو محال، فالنسخ محال، فتكون شريعة التوراة مستمرة إلى قيام الساعة، والشريعة المدعية للنسخ باطلة، وهو المطلوب.
ثم إنا نقول : الفعل إن كان مصلحة حسنة، وهو حسن في نفسه وجب، أن لا يحرم، أو مفسدة في نفسه، وجب أن لا يؤمر به. فالقول بالنسخ يؤدي على انقلاب الحقائق لأنه يصير الحسن قبيحا والحقائق محالا، فالنسخ محال.
وأيضا كلام تعالى قديم، وحكمة كلامه، فيكون الأمر والنهي قديمين فيجتمع الأمر والنهي في الفعل الواحد، وهو محال، فيكون النسخ المفضي إليه محال، وهو المطلوب٣.
والجواب منه وجوه :
أحدها : أن النسخ ليس فيه بداء ولا ندم، لأن البداء والندم أن يظهر ما لم يكن ظاهرا قبل ذلك، كما يبدو للإنسان في سفره، وأن يندم عليه إذا ظهر له أن الإقامة هي المصلحة وقبل ذلك كان جاهلا لمصلحة الإقامة، والله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم، فالبداء والندم عليه محالان.
لكن معنى النسخ : أنه سبحانه علم في الأزل أن تحريم الشحوم مثلا مصلحة للمكلفين في الزمن الفلاني، مفسدة للمكلفين في الزمن الفلاني، ويعلم في الأزل أنه تعالى يشرعه في وقت المصلحة وينسخه في وقت المفسدة، فالحكم الناسخ والحكم المنسوخ كلاهما معلوم لله تعالى أزلا وأبدا، ولم يتحدد في العلم ما لم يكن معلوما حتى يلزم البداء، بل الأحكام تابعة لمصالح الأوقات واختلاف الأمم وليس هذا شيء من المحال.
وثانيهما : اتفاق اليهود والنصارى على أن آدم عليه السلام شرع الله تعالى له تزويج الأخ من أخته التي ليست توأمته٤، مع اتفاقنا على تحريم ذلك بعد آدم عليه السلام، وهذا هو حقيقة النسخ، فقد اعترفوا به فلا يكون محالا على الله تعالى.
وثالثها : أن من أحكام التوراة أن السارق إذا سرق في المرة الرابعة تثقب أذنه ويباع٥ وقد اتفقنا على نسخ ذلك، فيكون النسخ جائزا إجماعا، فلا يكون محالا على الله تعالى.
ورابعها : أن فريقي النصارى واليهود متفقان على أن في التوراة أن الله تعالى قد أبدل ذبح ولد إبراهيم بالكبش " ٦ وذلك أشد أنواع النسخ لأنه نسخ قبل فعل شيء من نوع المأمور أو أفراده. وإذا شهدت التوراة بأشد أنواع النسخ فجواز غيره بطريق الأولى.
وخامسها : في التوراة : أن الجمع في النكاح بين الحرة والأمة كان جائزا في شرع إبراهيم عليه السلام لجمعه بين سارة الحرة وهاجر الأمة٧، وقد حرمته التوراة.
وسادسها : أن في التوراة قال الله تعالى لموسى عليه السلام : " اخرج أنت وشعبك من مصر لترثوا الأرض المقدسة التي وعدت بها أباكم إبراهيم أن أرثها نسله ". فلما ساروا إلى التيه، قال الله تعالى : " لا تدخلوها لأنكم عصيتموني " ٨، وهو عين النسخ.
وسابعها : تحريم السبت : فإنه لم ينزل العمل مباحا إلى زمن موسى عليه السلام٩ وهو عين النسخ.
وثامنها : أن التوراة ما هو أشد من الندم والبدء، ففيها، مرض ملك اليهود حزقيال، وأوحى الله تعالى إلى أشعياء عليه السلام بن أموص النبي، وقال له : قل لحزقيال : هكذا يقول الرب : " أوص بيتك لأنك تموت ولا تعيش، إلى أشعياء أنه يقوم من علته ينزل إلى الهيكل بعد ثلاثة أيام وقد زيد في عمره خمس عشرة سنة " ١٠ ومثله في التوراة كثير.
وتاسعها : في السفر الأول : لما نظر بنو الله بنات الناس حسانا، ونكحوا منهن، قال الله تعالى : " لا تسكن الروح بعدها في بشر وإقامتهم مائة وعشرين سنة١١، فأخبرت التوراة أنه لا يعيش أحد من هذا ثم أخبرت أن أرفخشد عاش بعدما ولد له سالح أربع مائة وثلاثين سنة١٢ وأرغموا مائتي سنة١٣ وإبراهيم عليه السلام مائة سنة١٤، وذلك كثير في التوراة.
وإذا صرحت توراة اليهود بمثل هذه الأمور لا يسمع كلامهم بعد ذلك في النسخ.
وعاشرها : أن النسخ على وفق رعاية المصالح، ورعاية المصالح جائزة على الله تعالى. بيان أن النسخ على وفق رعاية المصالح : أن الأمم يختلفون في القوة والضعف واليسار والإعسار ولين القلوب وغلظها وإقبالها وعتبها، بل الإنسان الواحد تختلف أحواله في الأزمنة المختلفة، فإذا شرع الله تعالى حكما لمعنى ثم تغير ذلك المعين فمقتضى رعاية المصالح نسخ ذلك الحكم إلى ضد أو نقيضه كما وجب الذبح على إبراهيم بإسماعيل عليه السلام ليظهر الإنابة والتسليم لقضاء الله تعالى من الإثنين، فلما ظهر ذلك منهما، وحصلت مصلحة الابتلاء، فرعاية المصالح تقتضي نسخ وجوب الذبح فيكون النسخ على وفق رعاية المصالح، وأما أنه إذا كان على وفق رعاية المصالح يكون جائزا فلأن رعاية المصالح جائزة على الله تعالى إجماعا. وإنما اختلف الناس أ تجب أم لا ؟ ١٥. ومذهب أهل الحق عدم الوجوب١٦ لما قد تقرر من أصول الدين. ( الأجوبة الفاخرة : ١٩٩ إلى ٢٠٧ ).
٤٤- احتجوا " أي : القائلون١٧ " بوجوب البدل في النسخ بقوله تعالى :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ﴾، فنص تعالى على أنه لابد من البدل أحسن أو مثل.
جوابه : أن هذه صيغة شرط وليس من شرط الشرط أن يكون ممكنا فقد يكون متعذرا كقولك إن كان الواحد نصف العشرة، فالعشرة اثنان، وهذا الشرط محال، والكلام صحيح عربي، وإذا لم يستلزم الشرط الإمكان لا يدل على الوقوع به مطلقا، فضلا عن الوقوع ببدل، سلمناه لكنه قد يكون رفع الحكم لغير بدل خيرا للمكلف باعتبار مصالحه والخفة عليه وبعده من الفتنة وغوائل التكليف. ( شرح تنقيح الفصول : ٣٠٨ ).
١ - النسخ في اللغة يطلق على معنيين : أحدهما : بمعنى الإزالة، ومنه يقال : نسخت الشمس الظل، أي : أزالته. ونسخت الريح أثر المشي. ويطلق بمعنى نقل الشيء من موضع، ومنه : نسخت الكتاب : إذا نقلت ما فيه.
والنسخ في الاصطلاح :"رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي" ن :"مناهل العرفان" : ٢/١٧٩-١٨٠. و"مباحث علوم القرآن" لمناع القطان ٢٣٢ بتصرف..

٢ - في الأصل المطبوع : البدأ ولعل الصواب ما أثبتنا لأن "البداء يطلق في لغة العرب على معنيين متقاربين : الظهور بعد الخفاء أو نشأة رأي جديد لم يكن موجودا" ن : مناهل العرفان : ٢/١٧٩-١٨٠..
٣ - ينكر اليهود النسخ لأنه يستلزم في زعمهم البداء، وهو الظهور بعد الخفاء- كما سبق تعريفه- ويستدلون على ذلك بأن النسخ إما أن يكون لغير حكمة، وهذا عبث محال على الله، وإما أن يكون لحكمة ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل، وهذا يستلزم البداء وسبق الجهل، وهو محال على الله تعالى. واستدلالهم هذا بعيد عن حكم الله تعالى المتعددة من النسخ كما هي مبثوثة في مصنفات تفسير القرآن وعلومه.
ومن التناقضات التي وقع فيها اليهود في هذه المسالة أنهم أثبتوا البداء- الذي ينكرونه- لله تعالى. فقد أورده بكر زكي عوض. محقق كتاب الأجوبة الفاخرة للقرافي، مجموعة من نصوص التوراة في هذا الشأن نذكر منها ما يلي :
* جاء في سفر التكوين، الإصحاح ٧ : ٥-٦ ما نصه :"ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه. فقال الرب : أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع بهائم وذبابات وطيور السماء لأني حزنت أني عملتهم." ن : الأجوبة الفاخرة، هامش : ٣٢٣ من الصفحة : ٢٥٠.
* وورد في سفر أشعياء، إصحاح ١ : ٥/٣٨ :"مرض حزقيال للموت، فجاء إليه أشعياء بن أموصى النبي وقال له : هكذا يقول الرب، أوص بيتك لأنك تموت ولا تعيش، فوجه حزقيال وجهه إلى الحائط وصلى إلى الرب، وقال : آه يا رب، اذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلب سليم وفعلت الحسن في عينيك، وبكى حزقيال بكاء عظيما. فصار قول الرب إلى أشعياء قائلا : اذهب وقل لحزقيال : هكذا يقول الرب إله داود أبيك قد سمعت صلاتك، قد لرأيت دموعك ها أنذا أضيف إلى أيامك خمس عشرة سنة." ن : الأجوبة الفاخرة : ٩٤، هـ : ٢٠٥..

٤ يعلق د. بكر زكي عوض على هذا النص بقوله :"لم يرد نص صريح في التوراة والإنجيل والقرآن على أن الأخ كان يتزوج من أخته التوأم من أولاد آدم الأول، وإنما ذهب شراح العهد القديم، والمفسرون للقرآن الكريم، عند تناول قصة قابيل وهابيل هذا المذهب" ن : الأجوبة الفاخرة ص : ٢٠١- هامش : ٨٥..
٥ يقول المحقق أيضا :"ولم أجد في الأحكام الخاصة بالسرقة في كتب الشروح ثقب الأذن وبيع السارق" نفسه ص : ٢٠٣، هامش : ٨٦..
٦ قال الله تعالى :﴿وفديناه بذبح عظيم﴾ سورة الصافات آية : ١٠٧..
٧ سفر التكوين : ١٠/٢١..
٨ الخروج : ٦/٦-٩. والعدد : ٢٤/٢٠..
٩ الخروج : ٢٠/٨-١١. والعدد : ١٥/٣٢-٣٦..
١٠ أشعياء : إصحاح : ٣٨/١-٥..
١١ تكوين : صح : ٦/٣..
١٢ تكوين : ٢١/١٣..
١٣ - تكوين : ١١/٢٠-٢١..
١٤ - تكوين : ٢٥/٧-٨..
١٥ دار جدال كلامي طويل بين المعتزلة والأشاعرة حول الصلاح والأصلح بالنسبة لفعل الله تعالى، وخلاصته :"أن الأشاعرة أو أهل السنة يرون أن الله منزه عن الإلزام مستدلين بنصوص نقلية منها قوله تعالى :﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾ سورة الأنبياء آية : ٢٣... أما المعتزلة فقد ذهبوا إلى وجوب الصلاح في أفعال الله لأنه تعالى منزه عن الظلم وفعله منزه عن العبث.." ن : مقالات الإسلاميين للشعري : ١/٢٩٠ و "الرائد في علم العقائد" للعربي اللوه : ١٤٧ وما بعدها..
١٦ أهل الحق عنده وهم أهل السنة..
١٧ قال الإمام القرافي :"والنسخ لا إلى بدل خلافا لقوم" ن : شرح التنقيح : ٣٠٨. ولم يعينهم وهم : بعض المعتزلة والظاهرية، ن : مناهل العرفان لعبد العظيم الزرقاني : ٢/٢٢١..
٤٥- هات الشيء، أي : أعطه، قال الله تعالى :﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾. ( العقد المنظوم : ١/٥٤٣ ).
٤٦- أي : لا يدخلوها في حالة من الأحوال إلا في حالة الخوف، فهو استثناء متصل من الأحوال من غير منطوق به. ( الاستغناء في الاستثناء : ٥٣٢-٥٣٣ ).
٤٧- خص منه الجهة المعلومة الخطإ، فتكون حجة فيما عدا ذلك. وفي الترمذي :١ " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم نر أين القبلة، فصلى كل واحد منا على حاله، فلما أصبحنا، ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى :﴿ فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾ فقول عمر رضي الله عنه٢ : إنها نزلت في التنفل على الرواحل، لا ينافي ذلك لاحتمال الجمع في الإرادة. قال صاحب الطراز : " أما من لا تلتبس عليه الكعبة وإنما سها فتوجه إلى غيرها أعاد أبدا ". ( الذخيرة : ٢/١٣٣ ).
١ - ن : العارضة : ٢/١٤٣..
٢ - ن : لباب النقول للسيوطي، وفيه :"أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته تطوعا أينما توجهت به وهو جاء من مكة إلى المدينة، ثم قرأ ابن عمر :﴿ولله المشرق والمغرب﴾ وقال : في هذا نزلت هذه الآية : ص : ١٦. ن : أحاديث أخرى في الموضوع : ص : ١٦-١٧..
٤٨- قال ابن عباس : هي الفطرة، خمس في الرأس وخمس في الجسد١. ( نفسه : ١٣/٢٧٩ ).
١ قال الإمام القرافي :"في الجواهر : ما يفعله الإنسان في رأسه وجسده، وهي خصال الفطرة، خمس في الرأس : المضمضة والاستنشاق. وقص إطار الشارب، وحلقه مثلثة. وإعفاء اللحية إلا أن تطول جدا، فله الأخذ منها وفرق الشعر. وخمس في الجسد : حلق العانة ونتف الإبطين، وتقليم الأظافر والاستنجاء، والختان، وهو سنة في الرجال مكرمة في النساء. الذخيرة : ١٣/٢٧٨. والجواهر الثمينة : ٣/٥٣٣..
٤٩- فسؤالهما القبول في فعلهما مع أنهما- صلوات الله عليهما وسلامه- لا يفعلان إلا فعلا صحيحا يدل على أن القبول غير لازم من الفعل الصحيح ولذلك دعيا١ به أنفسهما. ( الفروق : ٢/٥٢ ).
١ كذا في الأصل، والصواب : دعوا..
٥٠- فيه من الأسئلة : ما معنى هذا الاستفهام ؟ فإن الاستفهام على الله تعالى محال، وما معنى الملة ؟ وما معنى قوله تعالى :﴿ سفه نفسه ﴾ ؟ وهل سفه يتعدى بنفسه فينصب المفعول به أم لا ؟.
والجواب : أما الاستفهام فهو على الله محال، فحيث ورد عن الله تعالى فهو إما ثبوت صرف أو نفي صرف، فإن أصله في اللغة السؤال المتردد بين النفي والثبوت لجهل السائل بأيهما الواقع، فإذا قال القائل : " هل زيد في الدار أم لا ؟ " فهو يسأل عن وجود زيد هل هو في الدار أم عدمه، والله تعالى بكل شيء عليم، فيستحيل عليه طلب فهم ذلك.
والاستفهام استفعال لطلب ذلك الفعل، نحو : استسقى، لطلب السقي، واستخرج الكتاب، أي : طلب خروج المعنى منه. وقد يرد للفعل نفسه لا لطلبه، نحو : عجب واستعجب، وهو قليل والأكثر إنما هو لطلب الفعل، فالذي ورد في حقه تعالى إنما يحمل على النفي عينا، أو الثبوت عينا، ويكون إخبارا صرفا لا طلب فيه، كقوله تعالى :﴿ فهل ترى لهم من باقية ﴾١، أي : لا ترى لهم من باقية. وقوله تعالى :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر ﴾٢، أي : " قد أتى على الإنسان حين من الدهر ". قوله تعالى :﴿ ألم نشرح لك صدرك ﴾٣، أي : قد شرحنا لك صدرك. وإن كان قد يصحبه الامتنان تارة، والتهديد أخرى، وغير ذلك من المعاني، إلا أنه لا يكون فيه طلب فهم، بل الإخبار الصرف.
وهذه الآية معناها النفي الصرف، أي : " لا أحد يرغب عن ملة إبراهيم إلا هذا الفريق " '.
وأما " الملة " فهي في اللغة هي الطريقة، والشرائع طرائق إلى الله تعالى.
و " السفه " في اللغة : الرقة والخفة، ويسمى مضيع ماله سفيها لرقة عقله وقلته، وسفهاء الناس الذين ضعفت عقولهم والأخلاق الحميدة فيهم ورقت، فهذا في اللغة.
وأما أي شيء أوجب النص في " نفسه " ؟ فهذا هو المهم في الآية.
فقال الزجاج٤ : معناه : " جهل نفسه ". أي : جهل ما يجب لنفسه وما يجب عليها من مراعاة حقوق الله تعالى، وما يتعين لها من الصون والحفظ من عذاب الله تعالى، فيكون تلخيص ذلك : " جهل شأن نفسه "، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه، فنصبه كما كان المحذوف منصوبا، لأنه قاعدة حذف المضاف أن يعرب المضاف إليه كإعرابه، ويكون المجاز قد وقع في الفعل من جهة أن " سفه " قاصر في نفسه ليس له مفعول. ولما كان من لوازم رقة العقل حصول الجهل عبر عن اللازم الذي هو الجهل، بلفظ الملزوم الذي هو السفه، فهو من مجاز الملازمة.
وقال غيره : سفه بمعنى أهلك، فيكون من مجاز التعبير بلفظ السبب عن المسبب، لأن رقة العقل سبب الهلاك.
وحكى ثعلب٥ والمبرد٦ أن سفه بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء، وتشديدها. قال الفراء :٧ " نفسه " منصوب على التمييز. لأن السفه يكون في الرأي، والنفس والخلق، فميزها من بين هذه الأمور. ورأى أن هذا التعريف ليس بمحض حتى يمنع التنكير الذي هو شرط في التمييز، والتمييز فيه إبهام ؛ لأجل الإبهام الذي في " من ". وأصل الكلام :﴿ إلا من سفه نفسه ﴾، أي : " رق في نفسه ".
وقال البصريون : لا يجوز التمييز مع هذا التعريف بل هذا على تقدير حذف الجر، كما حكاه سيبويه٨ رحمه الله تعالى من قولهم : " ضرب زيد عمرا الظهر والبطن ". أي : في الظهر والبطن. وأصل الكلام : " إلا من سفه نفسه ". أي : " رق في نفسه ".
فعلى هذا القول يكون الفعل حقيقة في الإفراد ومجازا في إسناده إلى المنصوب، والمجاز يتنوع إلى ما يقع في الإفراد أو التركيب أو هما معا على ما تقرر في علم البيان.
وهذا القول هو الذي يختاره الشيخ عز الدين بن عبد السلام٩ رحمه الله تعالى وقال مكي١٠ : أصل الكلام : إلا من سفه قوله نفسه، على أن " نفسه " تأكيدا، حذف المؤكد وأقيم التوكيد مقامه قياسا على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، نحو : " قام عالم "، أي : " رجل عالم ".
وهو بعيد، فإن إقامة التأكيد مقام المؤكد قليل في كلامهم أو معدوم بخلاف الصفة، والفرق أن التأكيد مقصود التقوية وإبعاد المجاز وذلك يناسبه كثرة التعبير، وإعادة الألفاظ حتى تتظافر الدلالة، فيبعد المجاز، فإذا جاء الحذف والاختصار اختل هذا المعنى، بخلاف حذف الموصوف، فإن مقصود الصفة، وهو التخصيص بذكرها وحدها. ( الاستغناء في الاستثناء : ٢٩٩ على ٣٠٢ ).
١ سورة الحاقة آية : ٨..
٢ سورة الإنسان آية : ١..
٣ سورة الشرح آية : ١..
٤ - قال الزجاج :"فالمعنى – والله أعلم- :"إلا من جهل نفسه"، أي لم يذكر في نفسه". ن : معاني القرآن : ١/٢١١.
والزجاج هو إسحاق بن إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج (ت : ٣١١ هج)، عالم بالنحو واللغة والقراءات والتفسير، أخذ عن المبرد والثعلب. وعنه أخذ علي بن عبد الله الجوهري. ن : طبقات الداودي : ١/٤٩..

٥ - هو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس، المعروف بثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة (ت : ٢٩١ هج). من مصنفاته :"الفصيح" و"معاني القرآن" و"قواعد الشعر" وغيرها. ن : تذكرة الحفاظ : ٢/٢١٤. الأعلام : ١/٢٦٧. تاريخ بغداد : ٥/٢٠٤..
٦ - هو أبو العباس محمد بن يزيد عبد الأكبر بن عمر الأزدي البصري. (ت : ٢٨٦ هج). إمام الأدب واللغة والقراءات في عصره أخذ عنه المازني وأبي حاتم السجستاني. من مؤلفاته المطبوعة :"المقتضب" و"الكامل في الأدب". ن : أعلام النبلاء : ١٣/٥٧٦..
٧ - هو أبو زكرياء يحيى بن زياد بن عبد الله الفراء. (ت : ٢٠٦ هج) عالم باللغة والنحو وفنون الأدب والتفسير. ففيه متكلم. أخذ عن النسائي وأبي بكر بن عياش. وعنه أخذ سلمة بن عاصم ومحمد بن الجهم. ن :"طبقات الزبيدي" : ١٣١."أعلام النبلاء" : ١٠/١١٨. "تهذيب التهذيب": ١١/ ١٨٦..
٨ - هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه، (ت : ١٨٠ هج) إمام أهل اللغة والنحو، وأول من بسط الكلام فيه، أخذ عن الخليل وأبي عمرو بن العلاء. كما أخذ عنه الكسائي والفراء والأخفش. أشهر مؤلفاته "الكتاب". ن : طبقات الزبيدي : ٦٦. وأنباء الرواة : ٢/٣٤٦..
٩ هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب، أبو محمد السلمي، المغربي الأصل، الدمشقي مولدا المصري دارا ووفاة. لقب بسلطان العلماء. درس على يد ابن عساكر والآمدي وغيرها. كما أخذ عنه القرافي وابن دقيق العيد والباجي وغيرهم. (ت : ٦٦٠ هج). ن : البداية والنهاية : ١٣/٢٣٥. طبقات الشافعية الكبرى : ٨/٢٠٩. حسن المحاضرة : ١/٣١٤. فوات الوفيات : ١/٥٤٩..
١٠ هو مكي بن أبي طالب، الأندلسي القيسي. عالم بالتفسير والعربية. (ت : ٤٣٧ هج). من مصفناته :"مشكل إعراب القرآن" و"الكشف عن وجوه القراءات" و"الهداية إلى بلوغ النهاية" ن : ترجمته في : وفيات الأعيان : ٢/١٢٠ إنباء الرواة : ٣/٣١٣. الأعلام : ٧/٢٨٦..
٥١- الموت لا ينهى عنه، فيتعين حمله على سبب يقتضي حصول الموت في حالة الإسلام، وهو تقدير الإسلام قبل ذلك والتصميم عليه، فيأتي الموت حينئذ في حالة الإسلام. ( الفروق : ٢/١٩ )
٥٢- أي : " لا تموتن في حالة من الحالات إلا في حالة الإسلام ". والواو في قوله تعالى ﴿ وأنتم ﴾ واو الحال، فهو استثناء من الحال استثناء متصلا من الجنس.
فإن قلت : اللفظ يقتضي النهي عن الموت في غير هذه الحالة، والموت لا يمكن أن ينهى عنه مطلقا لا في هذه الحالة ولا في غيرها، فكيف جاء النهي عنه ؟.
قلت : القاعدة أن النهي لا يرد، إلا فيما يمكن كسبه جلبا ودفعا، وأن ما لا يمكن اكتسابه جلبا ولا دفعا إذا ورد طلب جلبه أو دفعه بالأمر أو النهي يتعين صرف ذلك إما إلى ثمرته أو إلى سببه.. ( الاستغناء في الاستثناء : ٥٣٢ ).
٥٣- هذه الآية معناها : " اجتنبوا الأسباب التي يأتيكم معها الموت وأنتم غير مسلمين، بأن تحصلوا الإسلام، وتواظبوا عليه وعلى مداومته، وتشييد قواعده، فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم مسلمون ". فهو من باب النهي عن الشيء في اللفظ، فالمراد سببه.
( نفسه : ٥٣٣ ).
٥٤- لفظ " الآباء "، قال صاحب المنتفى : " يدخل الآباء والأمهات والأجداد والجدات والعمومات وإن بعدوا لقوله تعالى :﴿ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ﴾. واختلف في الأخوال والخالات، والاختيار دخولهن. قال : وهذه المعاني مجاز، ومقتضى مذهب مالك : اعتبار الحقائق إلا أن يغلب مجاز في الاستعمال ". ( الذخيرة : ٦/٥٣٧ ).
٥٥- أمره تعالى بأن نؤمن بما أنزل على أهل الكتاب صحيح، ولكن أين ذلك المنزل، والله إن وجوده أعز من عنقاء١ المغرب.
( الأجوبة الفاخرة : ١٢٥ ).
٥٦- قال ابن القاسم : " إن شتم الأنبياء أو أحدا منهم أو نقصه قتل ولم يستتب ". ( الذخيرة : ١٢/٢٠ ).
١ - قيل : عنقاء المغرب لا أصل لها... قال الزجاج :"العنقاء المغرب طائر لم يره أحد" ن : اللسان : ١٠/٢٧٦..
٥٧- قال أئمة اللغة والمفسرون : " الوسط " الخيار، سمي الخيار وسطا لتوسطه بين طرفي الإفراط والتفريط، وإنما يحسن هذا المدح إذا كانوا على الصواب. ( شرح تنقيح الفصول : ٣٢٤ ).
٥٨- ﴿ لتكونوا شهداء على الناس ﴾ : المراد بهذه الآية الدار الآخرة، والشهادة على الأمم يوم القيامة. ( نفسه : ٣٢٤ ).
٥٩- الضمير في " كانت " عائد على القبلة التي هي بيت المقدس، أو إلى التحويل إلى الكعبة.
وقال ابن زيد : يرجع إلى الصلاة التي صليت إلى بيت المقدس، أي الذي هدى الله تعالى لا يعظم في صدورهم ترك بيت المقدس ولا التحويل للكعبة ولا يتألمون من الصلاة إلى بيت المقدس قبل ذلك، لأن من الهداية أن يعلم أن المنسوخ قبل نسخه حق وقربة، فلا يتألم من نسخه. والجاهل إذا رأى شيئا نسخ يعتقد أنه قد كان غير معتد به. وكذلك نقل١ عن جماعة أنهم أسفوا على من مات قبل تحويل الصلاة للكعبة، فأخبر الله تعالى أنه لا يضيع تلك الصلاة بقوله :﴿ ما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾٢. ( الاستغناء في الاستثناء : ١٥٩ )
٦٠- ﴿ وما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾ أي : صلاتكم لبيت المقدس ". ( الذخيرة : ١٣/٣٠٣ والفروق : ٤/٢٥٦ ).
١ روى ابن إسحاق بسنده عن البراء قال : قال رجال من المسلمين :"وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة وكيف بصلاتنا قبل بيت المقدس فانزل الله تعالى :﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾" ن : لباب النقول في أسباب النزول : للسيوطي ص : ١٩..
٢ - سورة البقرة آية : ١٤٢..
٦١- يجوز نسخ السنة بالكتاب خلافا للشافعي وبعض أصحابه١، لنا : نسخ القبلة بقوله تعالى :﴿ وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ﴾ ولم يكن التوجه إلى بيت المقدس ثابتا بالكتاب عملا بالاستقراء٢. ( تنقيح الفصول في الأصول : المطبوع مع الذخيرة : ١/١١١. وشرح التنقيح : ٣١٢ ).
٦٢- في كون التوجه لبيت المقدس ليس من القرآن فيه نظر من جهة أن القاعدة : " أن كل بيان لمجمل يعد مرادا من ذلك المجمل وكائنا فيه. ( شرح تنقيح الفصول : ٣١٢ )
٦٣- " الشطر " في اللغة : النصف، وهو أيضا الجهة. وهو المراد هاهنا فيجب على العالم أن يكونوا مستقبليها بوجوههم كالدائرة لمركزها. ( الذخيرة : ١/١٤١ ).
١ - يقول د. مصطفى زيد :"إن معظم علماء القرآن وأصول الفقه متفقون على أن السنة لا تنسخ القرآن إذا لم تكن متواترة" ن : النسخ في القرآن : ٢/٥٩٦..
٢ - أخرج ابن جرير بسنده إلى ابن عباس قال :"كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أهلها اليهود، وأمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر في السماء، فأنزل الله تعالى :﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء (على قوله تعالى) فولوا وجوهكم شطره﴾" الحديث. ن : جامع البيان : ٢/٥٢٦. وما بعدها..
٦٤- فيه من الأسئلة : ما معنى " الشطر " ؟ و " ليلا " بأي شيء تتعلق ؟ وكيف تكون الحجة للذين ظلموا على المؤمنين ؟ وهل هو استثناء متصل أو منقطع ؟ وكيف يكون منقطعا مع قوله : " منهم " ؟.
والجواب : أن " الشطر " في اللغة له معنيان : النصف نحو قولهم : شطر المال والجهة أيضا : فشطر البيت الحرام : جهته. و " ليلا " متعلقة بفعل مأخوذ من معنى الكلام، تقديره : " عرفكم وجه الصواب في قبلتكم لتنتفي الحجة للناس عليكم ". وأما حجة الظالمين فاختلف العلماء في ذلك، فقيل : الناس عام في اليهود والعرب وغيرهم. وقيل : اليهود فقط، فيكون خاصا لا عاما، وقال صاحب هذا القول : إن المستثنى كفار العرب. وضعف هذا القول لقوله تعالى : " منهم " وذلك يقتضي اتحاد المستثنى والمستثنى منه.
والقول الأول يرى صاحبه أن الاستثناء متصل، ويقول : الحجة المثبتة على وجه التهكم، أي : " حجة داحضة للذين ظلموا من اليهود وغيرهم من كل تكلم في النازلة، مثل قولهم : " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " وقول قريش : " ما رجع لقبلتنا إلا وهو عازم عن إتباع ديننا "، و " قد تحير محمد في دينه "، إلى غير ذلك من الكلام الذي يخرجونه، فخرج مخرج الحجة وليس بحجة.
فيكون الاستثناء متصلا من الجنس، وحكم بنقيض ما تقدم غير أن المجاز دخل في إطلاق الحجة على ما تصور بصورة الحجة وإن لم يكن حجة. فهو من باب التهكم نحو قوله تعالى :﴿ هذا نزلهم يوم الدين ﴾١.
والنزل : ما يصنع للضيف – عند نزوله- من الكرامة، وهذا عذاب وهوان، لكن إطلاق اللفظ الحسن على المعاني الرديئة. أو الكرامة على المذمة، مثل قوله تعالى :﴿ ذق إنك أنت العزيز الكريم ﴾٢، تهكم عند أهل علم البيان.
ويجوز أن يكون من مجاز الاستعارة ؛ لأجل الشبه في الصورة، فجعل المتكلم الجميع حجة وجنسا واحدا مثاله في بعضه لأجل غرض التهكم والازدراء بالبعض الحقير، ثم استثنى منه فلابد من المجاز، أو الانقطاع في الاستثناء، والأصح عند المفسرين متصل على هذا النوع من المجاز.
ويتحصل من هذه الآية بحثان جليلان :
البحث الأول : أن مجاز الاستعارة هل يتصور فيه معنى المجاز أم لا ؟
فالمشهور أنه مجاز، وأن اللفظ فيه مستعمل في غير ما وضع له. وقيل : بل هو حقيقة، واللفظ فيه مستعمل فيما وضع له، واحتجوا على ذلك بأن القائل إذا قال : " رأيت أسدا " فما أطلق لفظ الأسد على زيد. وإذا أطلق اللفظ عليه حينئذ كان اللفظ مطلقا على معناه في اللغة. ولو لم يتخيل معنى الأسد في زيد لم يطلق الأسد عليه، فصار إطلاق لفظ الأسد على زيد مشروطا بحصول معنى الأسد، فلا يكون اللفظ فيه مجازا.
وأجابهم الجمهور ؛ بأن العرب لم تضع لفظ الأسد لزيد المتخيل المتوهم المفروض، إنما وضعته للأسد المتحقق في الخارج.
فإطلاقه على المتخيل إطلاق للفظ على غير ما وضع له، فيكون مجازا. وكذلك القول في بقية ألفاظ الاستعارة ؛ لأن هذا هو الفرق بين مجاز الاستعارة وغيره من أنواع المجاز : أن المجاز الاستعارة العلاقة فيه شبه محل الحقيقة لمحل المجاز، والعلاقة في غيرها لازمة أو سببية أو غير ذلك من العلاقات على ما هو مقرر في موضعه.
إذا تقرر هذا البحث ب ين الفريقين، فعلى المشهور القائل بأنه مجاز يلزم أن يكون إطلاق " الحجة " الواهية إنما هو مجاز وعلى غير مسمى اللفظ، فإن العرب إنما وضعت لفظ الحجة للحجة التي يتصور أن تثبت المحتج عليه.
فإطلاق الحجة على ما لا يكون مثبتا مجاز، وعلى غير مسمى اللفظ، فيلزم أن يكون الاستثناء في الآية منقطعا.
والجمهور عدوه متصلا، ومتى كان الاستثناء حكم فيه بعد " إلا " على غير مسمى اللفظ الأول كان منقطعا، والجمهور أن الاستثناء متصل، فيبطل ولا يستقيم، فتأمله. ولا يتصور في هذه الآية الاستثناء المتصل حتى يكون لفظ الحجة مستعملا في الحجة الحقيقية. ولم يقل أحد أنه بقي لأحد على المؤمنين حجة حقيقية.
البحث الثاني : يحكى عن الشيخ الإمام أبي عمرو بن الحاجب٣ رحمه الله أنه كان يقول : " قد يكون المذكور بعد " إلا " من مسمى اللفظ السابق، ويكون الاستثناء منقطعا بأن يقول القائل : " رأيت إخوتك " وتريد بعض إخوتك على التعيين، وتذكر بعد " إلا " زيدا ويكون هذا زيد ليس من أولئك المعينين، فتقول : " رأيت إخوتك إلا زيدا " ويكون الاستثناء منقطعا على هذا التقدير، لأن زيدا ليس بعض من أطلق عليه اللفظ أولا، فصار " زيد " كجنس آخر فيكون منقطعا.
فإن قيل له : الاستثناء في كل صورة لابد أن يكون ما بعد " إلا " فيه غير مراد باللفظ الأول فلا يخرج " إلا " من غير مراد، فيلزم أن يكون كل استثناء منقطعا، لأنه ليس من الفريق المراد.
يقول : ليس كذلك، بل لابد من صفة تكون قيدا في المذكور أولا، منفية في المذكور بعد " إلا ".
وهو لو قال : " رأيت إخوتك الفقهاء إلا زيدا "، وزيد ليس بفقيه، كان منقطعا. وكذلك هاهنا، إذا قال : " رأيت القوم " وأراد بلام التعريف العهد، فكأنه قال : " رأيت القوم المعهودين إلا زيدا "، وزيد ليس من المعهودين فأشبه استثناء زيد الذي ليس بفقيه من الأخوة أو من الفقهاء، أو من القوم الفقهاء.
إذا تقرر هذا البحث الذي يحكى عنه رحمه الله كان قوله تعالى :﴿ ليلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ﴾ استثناء منقطعا أيضا، باعتبار الناس المستثنى منهم لا باعتبار الحجة، بل هو نوع آخر من الانقطاع، بأن يكون " الناس " المراد بهم اليهود، والمراد ب " الذين ظلموا " عبدة الأوثان أو نحو ذلك من الاعتبارات وتصير اليهودية أو غيرها من الصفات، كالمنطوق بها في اللفظ. ولو قال تعالى : " ليلا يكون لليهود عليكم حجة إلا عبدة الأوثان " كان منقطعا، فكذلك إذا أريدت الصفة باللفظ لم ينطق بها، فتصور الانقطاع وإن شمل السابق قبل " إلا " ما ذكر بعدها.
فرأيت جماعة من المفسرين وافقوا أبا عمرو في هذا البحث في آيات كثيرة من القرآن، وقع فيها هذا المعنى، وصرحوا بأنه منقطع على الوجه الذي قرره الشيخ أبو عمرو رحمه الله تعالى. ولعله إنما نقل ذلك من كلامهم، وهو الظاهر.
وعلى هذين البحثين كان ينبغي أن تذكر هذه الآية في الاستثناء المنقطع، لكون الاستثناء فيها منقطعا إما باعتبار الجنس أو باعتبار أن الحكم فيها وقع بغير النقيض. وإنما ذكرها في باب الاستثناء المتصل لأني رأيت رأي الجمهور على أنها متصلة، فأحببت موافقتهم. ( الاستغناء في الاستثناء : ٣٠٢ إلى ٣٠٦ ).
١ - الواقعة : ٥٦..
٢ الدخان : ٤٩..
٣ - هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس المصري، الملقب بجمال الدين، والمكنى بأبي عمرو، المشهور بابن الحاجب :(ت : ٦٤٦ هج) من مصنفاته :"الكافية في النحو" و"الشافية" في الصرف- و"الأمالي" النحوية- و"جامع الأمهات" في الفقه وغيرها.
ن : ترجمته في الديباج : ١٨٩- شذرات الذهب : ٥/٣٤ وشجرة النور : ١٦٧- وفيات الأعيان : ٣/٢٤٨..

٦٥- قال الصحابة : " نبدأ بما بدأ الله به "، فاستدل به من يقول : الواو للترتيب، ولا حجة فيه لأن البداءة صرحت بالتقديم بالحقيقة الزمانية المجمع عليها. ( الفروق : ١/١١٦ ).
٦٦- عن عروة١ عن أبيه قال : قلت لعائشة رضي الله عنها :" أرأيت قوله تعالى :﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ﴾. ما على الرجل ألا يطوف بهما ؟. قالت عائشة رضي الله عنها : " كلا، لو كان كما تقول، لكانت : " فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " إنما نزلت في الأنصار، وكانوا يهلون لمناة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزلها الله٢. تشير رضي الله عنها إلى قاعدة أصولية وهي : " أن نفي الحرج إثبات للجواز "، وثبوت الجواز لا ينافي الوجوب، بل الجواز من لوازم الوجوب، فلو نفي الحرج عن الترك أبطل الوجوب، وهي جديرة بذلك رضي الله عنها لقوله صلى الله عليه وسلم : " خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء " ٣. ( الذخيرة : ٣/٢٥٠ ).
١ - هو عروة بن الزبير، أحد الفقهاء السبعة أخذ العلم عن خالته عائشة رضي الله عنها. روى عن علي وأبي هريرة ومحمد بن مسلمة. لم يدخل نفسه في شيء من الفتن (ت : ٩٣ هج). ن : وفيات الأعيان : ١/٣١٦. صفوة الصفوة : ٢/٤٧. حلية الأولياء : ٢/١٧٦..
٢ - ن : لباب النقول للسيوطي : ٢٠ والدر المنثور : ١/٢٩١ وما بعدها..
٣ - قال محقق الذخيرة :"هذا الحديث مشهور البطلان عند المحدثين، قال الحافظ ابن حجر : لا أعرف له إسنادا، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في "النهاية" لابن الأثير ولم يذكر من خرجه". ن : ٣/٢٥٠..
٦٧- قال أشهب١ : " من ظهرت توبته جازت شهادته، حد في قذف أو غيره من الحدود٢ لقوله تعالى :﴿ إلا الذين تابوا ﴾. ( الذخيرة : ١٠/٢١٧ ).
١ - هو أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي العامري الجعدي، روى عن مالك والليث والفضيل بن عياض وغيرهم. وروي عن الحارث بن مسكين، ويونس الصدفي وسحنون وغيرهم. (ت : بمصر ٢٠٤ هج). ن : ترجمته في الديباج : ١/٣٠٧، وشجرة النور : ٥٩. والمدارك : ٣/٢٦٢. وتهذيب التهذيب : ١/٣٥٩..
٢ - وهو رأي مالك أيضا، قال :"تجوز شهادته إذا ظهرت توبته وحسنت حاله..." ن : المدونة: ٤/٢٣..
٦٨- أي : ولا باغ في المعصية ولا متعد ما يجوز له منها. ( نفسه : ٤/١١٠ ).
٦٩- فقوله تعالى :﴿ إلا النار ﴾ مفرغ للمفعول. والمراد ب " الكتاب " ك التوراة والإنجيل فيحتمل الضمير من " به " أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتموه من الكتاب، ويحتمل جميع ما كتموه، و " الثمن القليل " : ما يحصل من الدنيا بسبب ذلك.
وقوله تعالى :﴿ ما يأكلون في بطونهم إلا النار ﴾ فيه المجاز من وجوه :
أحدها : أن الأكل إنما يكون في الفم، فجعله في البطن دليل على أنه ضمن معنى يحشون في بطونهم ". والتضمن هو الجمع في اللفظ بين مسماه الحقيقي والمجازي. أو يكون استعمل مجازا صرفا ولم يرد مسمى اللفظ. مع أن التضمين أيضا مجاز لأن اللفظ لم يوضع للمجموع، لكنه نوع خاص من المجاز.
ثانيها : أنه عبر بهذا المعنى عن غلط طباعهم وبعدهم عن الآدمية وهنا شبههم للبهائم التي لا همة لها إلا في بطنها، وأنهم شهوة بلا عقل، عكس الملائكة عقل بلا شهوة.
ثالثها : أن تسمية ما يأكلون نارا من باب إطلاق اسم المسبب على السبب لأن ما يأكلون سبب النار فسمي نارا.
وقيل : إن الله عز وجل يعذبهم في جهنم بأكل النار فيكون اللفظ حقيقة. واللفظ يقبله لأنه لم يتعرض للوقت الذي يأكلون النار فيه.. ( الاستغناء في الاستثناء : ١٥٩ ).
٧٠- أي : بما التزموه، ومنه عهدة الرقيق، أي : ما يلزم فيه، وهو كثير في مواد الاستعمال، فعهد الله تعالى : " إلزامه لخلقه تكاليفه وإلزامه أمره ونهيه ". ( الفروق : ٣/٣١ ).
٧١- قال ابن يونس : قال مالك : " قاتل العمد إذا طلبت منه الدية فأبى إلا أن يقتلوه ليس لهم إلا القتل لقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص ﴾ ". ( الذخيرة : ١٢/٤١٢ ).
٧٢- القصاص لغة : المماثلة. ( الذخيرة : ١٢/٣٢٠ و ٣٣٧ ).
٧٣- مشروعية الوصية قوله تعالى :﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ﴾. ( نفسه : ٧/٥ ).
٧٤- قيل : المراد من لا يرث من الأقربين كالعبيد والكفار، أو مسلم غير مستحق، ولم تنسخ.
وقيل : منسوخة في الوالدين دون الأقارب. وقيل : منسوخة في الجميع بآية المواريث١. ورجح الطبري٢ وغيره الأول، لأن عدم النسخ أولى مهما أمكن٣ قال صاحب المقدمات٤ : والمشهور : النسخ – قاله مالك- بآية المواريث٥ " وهذا لا يعلم إلا توقيفا، إذ ليس في آية المواريث ما يقتضي النسخ لإمكان الجمع بين الفرض والوصية، ويمكن التمسك في النسخ بقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد فرض لكل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث " ٦ على من يجيز نسخ القرآن بالسنة٧، وقاله مالك أيضا. وقال علي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم : " المراد بالخير، المال الكثير الذي لا ضرر على الورثة فيه " ٨. ( نفسه : ٧/٦ )
٧٥- يدل على عدم الوجوب ( أي وجوب الوصية ) قوله تعالى في آية الوصية :﴿ بالمعروف حقا على المتقين ﴾ والمعروف يختص بالمندوب، والواجب لا يختص بالمتقين. ( الذخيرة : ٧/٧ ).
٧٦- إنما أفردهما ( أي الوالدين ) لعظمهما. ( نفسه : ٧/٢٢ ).
١ - ن : أحكام القرآن لابن العربي ك ١/٧١..
٢ - هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، أبو جعفر الطبري البغدادي، شيخ المفسرين وكبير المؤرخين (ت : ٣١٠ هج) من مؤلفاته :"جامع البيان عن تأويل آي القرآن" و"تاريخ الأمم والملوك" و"اختلاف الفقهاء" وغيرها. ن : ترجمته في" ميزان الاعتدال للذهبي" : ٣/٤٩٨. و"الفهرست" لابن النديم : ٣٢٦. و"معجم الأدباء" لياقوت الحموي: ١٨/٤٤..
٣ - ن : جامع البيان : ٣/٣٨٥-٣٨٨..
٤ - هو محمد بن أحمد بن رشد المالكي، يكنى بأبي الوليد، قرطبي (ت : ٥٢٠ هج). من مصنفاته :"البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعديل" و"المقدمات" مطبوع مع المدونة. ن : ترجمته في الديباج ٢/٢٤٨ وشجرة النور : ١٢٩..
٥ - ن : الموطأ : ٢/١٢٩..
٦ - رواه الترمذي في كتاب الوصايا من سننه، باب ما جاء في "لا وصية لوارث. والنسائي في سننه كتاب الوصايا، باب : إبطال الوصية للوارث. عن عمرو بن خارجة..
٧ - يقول د. مصطفى زيد :"يمكن أن يقال : إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا وصية لوارث" ليس لآية الوصية، وإنما هو تخصيص لها عند من يجيز تخصيص الكتاب بالحديث المشهور" ن : النسخ في القرآن : ٢/٥٩٥..
٨ - ن : تفسير ابن كثير : ١/٣١٦. و"الدر المنثور" : ١/٣١٨. وما بعدها..
٧٧- أي : التزمتم الصيام كما ألتزمه الذين من قبلكم. ( نفسه : ١١/٢٤٧ ).
٧٨- قيل : المراد بها المرضع والحامل والشيخ. ( نفسه : ٢/٥١٥ ).
٧٩- معنى شهد في لسان العرب ثلاثة أمور متباينة :
" شهد " بمعنى حضر، ومنه شهد بدرا، وشهدنا صلاة العيد، قال أبو علي١ : ومنه قوله تعالى :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾ قال : معناه : " حضر منكم المصر في الشهر فليصمه "، أو من حضر منكم الشهر في المصر فليصمه، فإن الصوم لا يلزم المسافر، فالمقصود إنما هو الحاضر المقيم. فهذا أحد مسميات شهد.
والمعنى الثاني : " شهد " بمعنى أخبر، ومنه : " شهد عند الحاكم ". أي : أخبر بما يعتقد في حق المشهود له أو عليه ".
والمعنى الثالث : " شهد " بمعنى : علم، ومنه قوله تعالى :﴿ والله على كل شيء شهيد ﴾٢ أي : عليم. وقد وقع التردد لبعض العلماء في قوله تعالى :﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ﴾٣ هل هو من باب العلم لأن الله يعلم ذلك، أو من باب الخبر لأن الله أخبر عباده عن ذلك، فهو محتمل للأمرين. فهذه الثلاثة هي معاني شهد. ( الفروق : ١/١٧ و ١٧٩-١٨٠ ).
٨٠- اختلف في أول صوم وجب في الإسلام : فقيل : عاشوراء وقيل : ثلاثة أيام من كل شهر، وأول ما فرض رمضان خير بينه وبين الطعام، ثم نسخ الجميع بقوله تعالى :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾. ( الذخيرة : ٢/٤٨٥ ).
٨١- ما قال : " صوموا للهلال "، بل قال :﴿ من شهد منكم الشهر فليصمه ﴾ فجعل السبب للمشاهدة له دونه. قال سند : " فلو كان الإمام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع لإجماع السلف على خلافه ". ( الذخيرة : ٢/٤٩٣ ).
٨٢- يكفي في رمضان نية واحدة عند مالك وابن حنبل، خلافا لأبي حنيفة والشافعي لأن قوله تعالى :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾ يقتضي صومه ليلا ونهارا وأنه عبادة واحدة تجزئ بنية واحدة، خصص الليل وبقي ما عداه على الأصل، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " ٤ ومقتضاه إجزاء رمضان بنية واحدة لعموم الألف واللام خصص ما عدا الشهر بالإجماع، فيبقى الشهر. ( نفسه : ٣/٣٣٩ ).
٨٣- اشتقت الشهور من بعض عوارضها التي تعرض فيها، فرمضان من الرمضاء التي هي الحجارة الحارة، لأنه قد يأتي في الحر ( ثم ذكر بعض الشهور ) إلى أن يقول : ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقولوا جاء رمضان، فإن رمضان من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا جاء شهر رمضان " ٥ قال الفراء : " ويجمع على رمضانين ". وقال الجوهري : " يجمع على أرمضاء ورمضانات ". ( الذخيرة : ٢/٤٨٦ ).
١ هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي (ت : ٢٧٧ هج) له تصانيف قيمة في اللغة والقراءات منها :"الحجة في علل القراءات" و"الإيضاح" و"التكملة" ن : ترجمته في : طبقات الزبيدي : ١٢٠. وأنباه الرواة : ١/٢٧٣. أعلام النبلاء : ١٦/٣٧٩..
٢ - سورة المجادلة : آية ٦..
٣ - سورة آل عمران : آية ١٨..
٤ - نسب القرافي الحديث نفسه إلى النسائي (الذخيرة ٢/٤٩٨). وقد خرجه أصحاب السنن في كتاب الصوم عن سالم بن عبد الله عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ متقاربة..
٥ - رواه البيهقي في السنن الكبرى وضعفه : ٤/٢٠١-٢٠٢..
٨٤- الرفث : الجماع. ( نفسه : ٣/٣٩٣ ).
٨٥- أوجب الصيام إلى الليل، وأبيح الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء أو ينام، فيحرم جميع ذلك إلى الفجر، فاختان عمر – رضي الله عنه- امرأته في أنها نامت ووطأها، فنزل قوله تعالى :﴿ علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ﴾١. ( نفسه : ٢/٤٨٥-٤٨٦ ).
٨٦- الأصل في الليل الصوم. وكذلك كان في صدر الإسلام، ثم رخص فيه فكان من نام لا يحل له بعد ذلك وطء امرأته حتى نزل قوله تعالى :﴿ علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾ فأباح الله تعالى المفطرات إلى هذه الغاية رخصة. ( الفروق : ٢/١٨٧-١٨٨ ).
٨٧- اختلف في الغاية هل تدخل مع المغيا أو لا تدخل، أو يفرق بين ما هو من الجنس فيدخل أو من غيره فلا يدخل، أو يفرق بين الغاية المنفصلة بالحس كقوله تعالى :﴿ ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾ فإن الليل منفصل عن النهار بالحس فلا تدخل. ( الذخيرة : ١/٢٥٦ ).
٨٨- إن التحريم إنما يتناول شهوتي الفم والفرج لقوله تعالى :﴿ فالآن باشروهن ﴾ بقي ما عدا ذلك على الأصل وإلا فالجسد يتغذى من خارجه بالدهن وغيره ولا يفطر إجماعا. ( نفسه : ٢/٥٠٥ ).
٨٩- ﴿ ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾ الأمر الوجوب. ( نفسه : ٢/٥١٣ ).
٩٠- يقتضي ثبوت الصيام بوصف التمام قبل غروب الشمس ويتكرر إلى غروب الشمس، وليس كذلك إجماعا، بل لا يتم الصوم إلا بغروب الشمس أو لا يثبت قبله حتى يثبت البتة فتشكل الآية على هذا. نعم لو قال : " صوموا إلى الليل " انتظم، لأن الصوم الشرعي ثابت قبل الليل متكرر إليه بخلاف الصوم بوصف التمام..
أورد هذا السؤال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله، وأجاب عنه : " بأن المراد : أتموا كل جزء من أجزاء الصوم بسننه وفضائله وكرروا ذلك إلى الليل في الأجزاء، فانتقلوا من جزء إلى جزء حتى يأتي الليل فإن الكمال في الصوم قد يحصل في جزء من أجزاء النهار دون جزء من جهة اجتناب الغيبة والكذب والنميمة وغير ذلك مما يأباه الصوم، وكذلك آدابه الخاصة به كترك السواك بالأخضر واجتناب البخورات والتفكير في أمور النساء وغير ذلك مما نص عليه الفقهاء ".
فأمرنا بتكرير هذا إلى غروب الشمس فثبت المغيا قبل الغاية ويتكرر إليها، فيحصل مقصود القاعدة. ( العقد المنظوم : ٢/٣٧٣ ).
٤٨ :﴿ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ﴾ آية : ١٨٦.
٩١- عكف يعكف، بضم الكاف وكسرها، وهو في الشرع : " الاحتباس في المساجد للعبادة على وجه مخصوص ". ( الذخيرة : ٢/٥٣٤ ).
٩٢- قال سند : " فإن اعتكف في غير الجامع فأتت الجمعة خرج اتفاقا ". ( نفسه : ٢/٥٣٦ ).
٩٣- نهى عن مطلق المباشرة فيعم، قال سند : " إن وقع اللمس لغير شهوة فلا شيء عليه إجماعا "، وفي الموطإ عن عائشة – رضي الله عنها- كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله " ٢. ( نفسه : ٢/٥٤٤ ).
١ - ن : لباب النقول : ٢٣-٢٤..
٢ - خرجه مالك في الموطإ. كتاب الطهارة. ح : ١٢٠. ومسلم في صحيحه. كتاب الحيض. ح : ٤٤٥..
٩٤- هو عام في جملة الأهلة فتكون ميقاتا للحج. ( الذخيرة : ٣/٢٠٥ ).
٩٥- لا يفهم منه إلا : الأمر بقتل المشركين في جميع البقاع. ( الفروق : ١/٩٧ ).
٩٦- الاستثناء مفرغ للمفعول، لأن المجرور في معنى المفعول.
و " الفتنة " ها هنا المراد بها الكفر، أي : " قاتلوا لغرض ذهاب الكفر عن الأرض، ويفعل الله تعالى في ملكه ما يشاء. فإن أسلم الكفار أو أعطوا الجزية فلا عدوان بعد ذلك إلا على القوم الظالمين ".
وفيها ثلاثة أسئلة :
الأول : لم سمي الكفر فتنة ؟
الثاني : إذا انتهوا، ما بقي ظالم، فلم قال بعد ذلك :﴿ فلا عدوان إلا على الظالمين ﴾ مع أن التقدير : لم يبق ظالم بالانتهاء ؟
الثالث : لم سمي قتالنا للظالمين عدوانا مع أنه مشروع، بل واجب ؟
الجواب عن الأول : إن أصل الفتنة في اللغة هو الاختيار، سمي فتنة، قال تعالى :﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴾١.
فجعل جميع ما في العالم فتنة لأنه ما من شيء إلا لأحد فيه ميل أو نفور، فيحتاج أن يستعمل موجب الشرع في ميله أو نفوره، ويسلك في ذلك ما يصلحه في آخرته، فإن فعل ذلك نجا وإلا هلك.
فقد صار جميع الأشياء يحصل بها الاختبار والامتحان بالنسبة على جماعة في الوجود. فالكفر له عصبة وزخارف وأنصار ومعظمون وكذلك الإيمان، كما أن له أعداء وغوائل مردية. والبابان متقابلان : حزب الشيطان وحزب الرحمان. فربما مال الهوى إلى الكفر بسبب زخارفه، وربما غلب العقل فمال إلى الإيمان لحسن عواقبه وعاجل بهجته ومصالحه فصار فتنة.
وعن الثاني : أن هذا الضمير في قوله :﴿ فإن انتهوا ﴾ ثم عاد على ما تقدم في قوله تعالى :﴿ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ﴾٢ ثم انتهت الضمائر إلى هذا الضمير، والذين يقاتلوننا هم بعض الكفار فأمكن أن يبقى بعدهم قوم آخرون موصوفون بالظلم نقاتلهم، وإن لم يقاتلونا، فإن الجهاد واجب فيمن قاتل ومن لم يقاتل، لأنه الذي استقر عليه آخر أمر القتال، ولو كان الضمير عاما تعين حمله على بعض أفراده جمعا بين أول الآية وآخرها.
وعن الثالث : أن تسميته عدوانا من باب إطلاق المسبب على السبب لأن سبب هذا القتال من عدوانهم بالكفر فسمي مسببه عدوانا مجازا كما قال تعالى :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾٣ فجعل الجزاء والقصاص سيئة، وقال تعالى :﴿ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه... ﴾٤. فسمى القصاص عدوانا مع أن هنالك في تلك الآية مجازات أخر ونوعا من التصرف لا تأتي ها هنا من جهة المقابلة، وإمكان الحمل على الحقيقة، لأن القصاص يسوء الجاني كما ساءت المجني عليه الجناية.
وكونه يمكن أن يكون من مجاز التشبيه لشبه الجناية بالقصاص في الصور، وها هنا لا يشبه الكفر القتال فافترق المواطنان. ( الاستغناء في الاستثناء : ١٦٠ ).
٩٧- الجهاد معتبر في أصل وجوبه، ويتجه أن يكون إزالة منكر الكفر فإنه أعظم المنكرات، ومن علم منكرا وقدر على إزالته عليه ازالته، ويدل على هذا قوله تعالى :﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ﴾. ( الذخيرة : ٣/٣٨٧ ).
١ - سورة الأنبياء : آية ٣٥..
٢ - سورة البقرة : آية : ١٨٩..
٣ - سورة الشورى : آية : ٧٣..
٤ - سورة البقرة : آية : ١٩٣. وتمام الآية :﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾..
٩٨- إن قوله تعالى :﴿ عليكم ﴾ إنما يتناول نفوسنا دون أموالنا. ( نفسه : ٨/٩٤ ).
٩٩- قوله تعالى :﴿ عليكم ﴾ أي : أنفسكم، إنما تناول أنفسنا لأنه ضمير الأنفس. ( الفروق : ٤/٣١ ).
١٠٠- أي : لا تركبوا الأخطار التي دلت العادة على أنها مهلكة. ( نفسه : ٤/٢٧٣ ).
١٠١- في " الصحاح " ١ : الحج في اللغة القصد. ورجل محجوج أي مقصود. وحج فلان فلانا أي أطال الاختلاف إليه. والحج – بالكسر- الاسم. والحجة : المراد الواحدة، وهو شاذ لأن القياس الفتح، وهي أيضا شحمة الأذن " ٢.
قال سند : " الحج : التردد للقصد. قال الخليل٣ : هو كثرة القصد، وسميت الطريق محجة لكثرة التردد. ووافقه صاحب المقدمات. وقيل : إنما سمي الحاج حاجا لأنه يتكرر للبيت لطواف القدوم والإفاضة والوداع. والمصدر : حج- بفتح الحاء وكسرها- وقرئ بهما في قوله تعالى :﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾٤.
والحجيج والحجاج : جمع حاج. ثم نقل الحج في الشرع إلى قصد مخصوص كسائر الأسماء الشرعية. ( الذخيرة : ٣/١٧٣ ).
١٠٢- العمرة في اللغة : الزيارة، اعتمر فلان٥ فلانا : إذا زاره. وفي الشرع : زيارة مخصوصة للبيت. ( نفسه : ٣/٣٧٣ ).
١٠٣- ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾ هو الذي نزل في سنة ست، وهو لا يقتضي وجوب الحج، بل إتمامه. ( نفسه : ٣/١٨١ ).
١٠٤- تنبيه : قال الله تعالى :﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾ ولم يقل في الصلاة وغيرها : لله لأنهما مما يكثر الرياء فيهما جدا. ويدل على ذلك الاستقراء، حتى أن كثيرا من الحجاج لا يكاد يسمع حديثا في شيء من ذلك إلا ذكر ما اتفق له أو لغيره في حجه، فلما كانا مظنة الرياء قيل فيهما : لله، اعتناء بالإخلاص. ( نفسه : ٣/١٧٣ ).
١٠٥- ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ قال اللخمي٦ : اختلف في حصر وأحصر، فقال أبو عبيدة٧ : أحصر بالألف : في المرض، وذهاب النفقة. وحصر : في الحبس لقول ابن عباس رضي الله عنه : لا حصر إلا في عدو٨ ". ( الذخيرة : ٣/١٨٦ ).
١٠٦- وقال ابن فارس٩ : الإحصار عن البيت بالمرض وغيره. فسوى. ( نفسه : ٣/١٨٦ ).
قال أبو عمر١٠ : " وحصرني وأحصرني : إذا حبسني١١ لقوله تعالى :﴿ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ﴾ يريد : أحصرهم الفقر ". وقيل : حصره : إذا ضيق عليه. وأحصره : إذا منعه شيئا وإن لم يضيق عليه غيره. فمن منع من الخروج من البلد فقد حصر لأنه ضيق عليه، أو منع من دخولها فقد أحصر.
١٠٧- قوله تعالى :﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم ﴾ معناه : لا يحلق بعضكم رؤوس بعض. ( الذخيرة : ٣/٣٠٩ ).
١٠٨- قوله تعالى :﴿ فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ﴾ التمتع مأخوذ من المتاع، وهو ما ينتفع به كيفما كان لقول الشاعر :
وقفت على قبر غريب بقفره*** متاع قليل من حبيب مفارق
فجعل وقوف الإنسان بالقبر متاعا، والمتع فيه إسقاط أحد السفرين فإن شأن كل واحد من النسكين أن يحرم به من الميقات، وأن يرحل إلى قطره، فقد سقط أحدهما، فجعل الشرع الدم جابرا لما فاته، ولذلك لم يجب على المكي لأنه ليس من شأنه الميقات ولا السفر. وقال عطاء في الواضحة١٢ : " إنما سميت متعة لأنهم يتمتعون بين العمرة والحج بالنساء والطيب ". ( الذخيرة : ٣/٢٩٢ ).
١٠٩- ﴿ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ﴾ وحرف " إلى " للغاية، فجعل آخر العمرة متصلا بالحج. ( الذخيرة : ٣/٢٩٧ ).
١١٠- ﴿ فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾. تقديره : " فحلق ففدية "، والمرض : القروح، والأذى : القمل. وألحق الفقهاء بالرأس الشارب والإبط والعانة وإزالة سائر الشعت، وخصصه أهل الظاهر بالرأس. ( نفسه : ٣/٣٠٨ ).
١١١- في " الكتاب " ١٣ : هل الفدية على التخيير لورود الآية بصيغة " أو " وهي تقتضي التخيير لغة ؟ وفي الموطإ : " كان كعب بن عجرة معه صلى الله عليه وسلم محرما فأذاه القمل في رأسه فأمره صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه، وقال : صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مدين لكل مسكين، أو انسك بشاة، أي ذلك فعلت أجزأ عنك " ١٤ ولا يفتقر إلى الحكمين، وإن كانت القاعدة حمل المطلق على المقيد، وقد أطلقت الكفارة ههنا وقيدت في الصيد بالحكم لاختلاف السبب، وهو قتل الصيد، والترف، والحكم وهو لوجود الشبه تمة، وشاة كيف كانت ههنا، والحمل إنما يكون إذا اتحد السبب، كالوضوء والتيمم فإن السبب : الحدث، أو اتحد الحكم كالعتق في القتل والظهار على الخلاف في ذلك. ويستوي في التخيير المضطر والجاهل. والنسك : شاة يذبحها حيث شاء، ولا يشترط خروجها إلى الحل ولا دخولها فيه، وكذلك الإطعام، وهو ستة مساكين مدين لكل مسكين بمده صلى الله عليه وسلم من عيش ذلك البلد برا أو شعيرا. ولا يجزئ الغذاء والعشاء لتعيينه صلى الله عليه وسلم مدين ". ( نفسه : ٣/٣٤٧ ).
١١٢- ﴿ فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ﴾.
اللفظ نص قطعي في السبعة والثلاثة لا احتمال في الدليل من هذا الوجه أصلا. ( الفروق : ٢/٩٢ ).
١١٣- ﴿ وسبعة إذا رجعتم ﴾ أي : من منى. ( الذخيرة : ٣/٣٥٢ ).
١١٤- من أيسر قبل صيامه، ومن وجد من يسلفه فلا يصم ويتسلف إن كان موسرا ببلده. ( نفسه : ٣/٢٥١ ).
١١٥- ﴿ ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ﴾ قال أبو حنيفة : " والإشارة " بذلك إلى التمتع، فلذلك أضافه إلى اللام، واو أراد الهدي لأضافه بعلى لأن اللام لما يرغب و " على " لما يرهبن لذلك نقول : شهد له، وشهد عليه ".
جوابه : أن الإشارة " بذلك " إلى الهدي، لأن الإشارة كالضمير يجب عودها إلى أقرب مذكور، وهو أقرب، ولما كان الحكم شرعيا حسن إضافته باللام، تقديره : " ذلك مشروع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ". فيسقط عن المكي. قال أبو الطاهر١٥ : قال عبد الملك : " على المكي دم القران بخلاف المتمتع، لأنه أسقط أحد العملين مع قيام موجبه ".
وجوابه : بأن موجب الدم نقصان النسكين لعدم الإحرام من الميقات لهما منفردين، وهو مشترك بين المكي وغيره لإيجاد الإحرام. ( نفسه : ٣/٢٩١ ).
١ - هو كتاب "تاج اللغة وصحاح العربية" لإسماعيل بن حماد الجوهري، أحد أعلام اللغة (ت : ٦٦٩ هج) ن : كشف الظنون : ٢/١٧٠١ ومرآة الجنان : ٢/٦٤٤..
٢ - ن : الصحاح : ١/٣٠٣-٣٠٤ بتصرف..
٣ - هو الخليل بن أحمد بن عمر بن تميم الفراهيدي، عالم النحو والعروض المشهور (ت : ٧٠ هج، وقيل : ٧٥ هج) من مصنفاته :"العين" و"الشواهد" وغيرهما. ن : وفيات الأعيان ٢/٢٤٤ وما بعدها، وإنباء الرواة : ١/٣٤٧..
٤ - سورة آل عمران : ٩٧..
٥ - في الأصل المطبوع : اعتمر فلانا فلانا..
٦ - هو علي بن محمد الربيعي، المكنى بأبي الحسن، والمعروف باللخمي. (ت : ٤٧٨ هج) من مصنفاته :"التبصرة" وهو تعليق على كتاب "المدونة". ن : المدارك : ٤/٧٩٧ والديباج : ٢/١٠٤..
٧ - هو معمر بن المثنى التيمي بالولاء، البصري. من أئمة اللغة والأدب (ت : ٢٠٩ هج) له عدة مؤلفات، منها :"مجاز القرآن" "المثالب" و"إعراب القرآن" وغيرها. ن : تذكرة الحفاظ : ١/٣٣٨. وميزان الاعتدال : ٣/١٩٨..
٨ - عبارة أبي عبيدة هي :"فإن أحصرتم، أي : قام بكم بعير، أو مرضتم، وذهبت نفقتكم أو فاتكم الحج. فهذا كله محصر. والمحصور : الذي جعل في بيت، أو دار أو سجن" ن : مجاز القرآن : ١/٦٩..
٩ - هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت : ٣٩٥ هج) من مصنفاته :"أبيات الاستشهاد" و"الإتباع والمزاوجة" و"أصول الفقه" و"الأمالي" و"الصاحبي" وغيرها بلغت حوالي سبعة وأربعين مصنفا حسب ما أثبته ذ. أحمد صقران : الصاحبي ص :(ه-و-ز-) ن : ترجمته في : إنباه الرواة : ١/٩٥- معجم الأدباء : ٤/٨٩..
١٠ - هو يوسف بن عبد الله بن عبد البر، النمري القرطبي المالكي، أبو عمر من كبار حفاظ الحديث المغاربة (ت : ٤٦٣ هج) من مصنفاته :"جامع بيان العلم وفضله"- "التمهيد لما في الموطإ من المعاني والأسانيد"- "الدرر في اختصار المغازي والسير" وغيرها.
ن : وفيات الأعيان : ٢/٣٤٨. والمغرب في حلى المغرب : ٢/٤٠٧..

١١ - ن : اللسان : ٤/١٩٣..
١٢ - الواضحة : كتاب لعبد الملك بن حبيب السلمي القرطبي، قيل له يوما : كم تبلغ كتبك؟ قال : هي ألف وعشرون كتابا". (ت : ٢٣٨ هج). ن : المدارك : ٣/٢٣٠ والديباج : ٢/٨ وشجرة النور : ٧٤. أما الواضحة فكتاب مختصر للمدونة..
١٣ - المدونة : ١/٤١٢ وما بعدها..
١٤ - الموطأ : كتاب الحج، باب فدية من حلف قبل أن ينحر..
١٥ - هو أبو الطاهر نفيس الدين مكي بن إسماعيل، له عدة مؤلفات منها : شرح كتاب التهذيب (أي تهذيب المدونة للبرادعي) وشرح على كتاب الجلاب. ولم يعرف تاريخ وفاته رحمه الله. ن: الديباج – ١/٢٩٣. وشجرة النور : ١٦٥. وحسن المحاضرة : ١/٤٥٣..
١١٦- ينحصر١ ميقات الحج الزماني في ثلاثة أشهر. ( العقد المنظوم : ١/٣٧١ )
١١٧- ﴿ الحج أشهر معلومات ﴾ مبتدأ وخبر. فيجب أن يرجعا لعين واحدة، والأشهر زمان، والحج ليس بزمان، فيتعين حذف أحد المضافين تصحيحا للكلام. تقديره : " زمان الحج أشهر معلومات ". أو : " الحج ذو أشهر معلومات " فيتحد المبتدأ والخبر في الزمن أو في الأفعال ثم المبتدأ يجب أن يكون محصورا في الخبر. فيجب انحصار الحج في الأشهر. ( الذخيرة : ٣/٢٠٤ )
١١٨- تقديره : " زمان الحج أشهر معلومات "، فيكون وقت الحج محصورا في هذه الأشهر وهي :
شوال وذو القعدة وذو الحجة، وهو الميقات الزماني. وهل هذا الحصر باعتبار الإجزاء، وهو مذهب الشافعي، فلا يحرم بالحج قبله أو باعتبار الفضيلة، وهو مذهب مالك، فيكره الإحرام قبله. ( الفروق : ٢/٤٧ ).
١١٩- ﴿ فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ﴾.
الرفث : الجماع، لقوله تعالى :﴿ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ﴾٢. وفي الموطإ : قال صلى الله عليه وسلم : " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب " ٣. ( الذخيرة : ٣/٣٣٩ ).
١٢٠- إن السلب محكوم به على كل فرد من أفراد الرفث والفسوق والجدال. ( الاستغناء : ٤٦١ )
١٢١- ﴿ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ﴾ :
قال ابن يونس٤ : أكره للمحتاج الخروج للحج أو الغزو ويسأل الناس، لقوله تعالى :﴿ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ﴾ نزلت في هؤلاء، أي : " خير الزاد ما وقاكم السؤال والسرقة "، وليس المراد التقوى المعهودة. ( الذخيرة : ٦/٢٩٠ ).
١٢٢- أي : الواقية لكم من الحاجة إلى السؤال والسرقة، فإنهم كانوا يسافرون إلى الجهاد والحج بغير زاد "، فربما بعضهم في إحدى المفسدتين المذكورتين ؛ فأمرهم الله بالتزام العوائد، وحرم عليهم تركها، فإن المأمور به منهي عن ضده، بل أضداده. ( الفروق : ٤/٢٧٣ ).
١ - الآية عند القرافي تفيد الحصر لانحصار المبتدإ في الخبر، وفي الكلام حذف مضاف تقديره: "أشهر الحج أشهر معلومات". ولولا هذا الإضمار لكان القياس نصب "أشهر" على الظرف. ن : معاني القراء : ١/١١٩. وإعراب النحاس : ١/٢٤١..
٢ - سورة البقرة : ١٨٦..
٣ - أخرجه مالك في كتاب الحج باب : نكاح المحرم..
٤ - هو أبو حامد محمد بن يونس الملقب بعماد الدين الموصلي (ت : ٦٠٨ هج) من مصنفاته :"المحيط في الجمع بين المهذب والوسيط". و"شرح الوجيز" للغزالي ن : وفيات الأعيان : ٦/٢٦٨- مرآة الجنان : ٣/٤٣٤..
١٢٣- يكثر الراكب والماشي من ذكر الله تعالى وتحميده وتمجيده وتهليله في السير لمزدلفة ومقامه بمنى لقوله تعالى :﴿ فاذكروا الله عند المشعر الحرام ﴾. ( الذخيرة : ٦/٢٦١ ).
١٢٤- فجعل الذكر ذكرا كما تقول : زيد أفضل أبا، أي : هو له أب مفضل على الآباء، وهو كثير في كتاب الله تعالى. ( الاستغناء : ٣٢ ).
١٢٥- وهي أيام منى. ( الذخيرة : ٣/٢٦١ ).
١٢٦- وهي أيام التشريق. ( نفسه : ٣/٢٧٦ ).
١٢٧- في الجلاب١ : " ويجوز لرعاة الإبل إذا رموا جمرة العقبة الخروج عن منى إلى رعيهم فيقيمون فيه يومهم وليلتهم وغدهم ثم يأتون في اليوم الثالث من يوم النحر فيرمون ليومهم الذي مضى وليومهم الذي هم فيه ثم يتعجلون إن شاءوا أو يقيموا " ٢. ( نفسه : ٣/٢٨١ ).
١ - هو أبو القاسم عبيد الله بن الحسين بن الحسن المغربي المالكي. أخذ عنه الأبهري والقاضي عبد الوهاب وغيرهما. (ت : ٣٧٨ هج) وكتابه المذكور وهو :"التفريع في الفروع الفقهية" وقد شرحه الإمام القرافي لكن هذا الشرح مفقود. ن : المدارك : ٤/٦٠٥. وشجرة النور : ٩٢..
٢ - كتاب التفريع : ١/٣٤٧..
١٢٨- هو استثناء مفرغ، لأن " أن " وما بعدها مفعول " ينظرون " فهو مفرغ للمفعول والاستفهام على الله تعالى محال، بل يقع إما ثبوتا صرفا كقوله تعالى :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر ﴾١ أي : قد أتى. أو نفيا صرفا كقوله تعالى :﴿ فهل ترى لهم من باقية ﴾٢ أي : ما ترى لهم من باقية. والاستفهام المتردد بين النفي والثبوت محال، لأنه طلب الفهم، وطلب الفهم محال على من هو بكل شيء عليم.
و " ينظرون " معناه : ينتظرون.
وإتيان الله تعالى إما مجاز، أو على الحذف.
أما المجاز : فتقريره أن اللفظ استعير لما يتعلق بمسماه، كما تقول : " جاء الملك " والمراد عساكره أو رسوله أو نحو ذلك، فيستعمل لفظ الملك مجازا في عقابه، ولا يكون هنالك مضاف محذوف، كذلك ها هنا الآتي هو وعيد الله تعالى في الغمام مع الملائكة، فعبر بلفظ " الله " عن وعيده.
وقد جاء هذا المجاز فيما عرب من الكتب القديمة، فما عرب من التوراة : " جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعير واستعلن من جبال فاران " ٣.
والمراد : " كتب الله ورسائله وهدايته الواردة في هذه المواطن، " فسيناء " وطور سيناء وما جاء فيه من التوراة على موسى عليه السلام. و " ساعير " : الجبل الذي نزل فيه الإنجيل على عيسى عليه السلام أو موضع ليس بجبل. و " فاران " في الكتب القديمة : مكة. والآتي فيها القرآن الكريم نزل لسيد المرسلين على أوضح الطرق وأتم البيان والهداية " فلذلك قال : " جاء الله من سيناء أي : ما تقدم. وأشرق، أي : ظهر من ساعير، فإن التوراة قويت بمعاصرة الإنجيل وأيدت به، وإشراق الشيء : قوة ظهوره. واستعلن من جبال فاران، أي : قوي جدا إلى أقصى الغايات. والعلن والعلانية : الظهور. فهذا كله مجاز من غير حذف.
وأما الحذف فيكون التقدير : " إلا أن يأتيهم عذاب الله " فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
والأول أولى لما تقرر في علم الأصول : أنه إذا تعارض المجاز والإضمار فالمجاز أولى. وقيل : هما سواء لاحتياج كل منهما إلى قرينة مرشدة.
و " الظلل " : جمع ظلة، وهي ما أظل من فوق.
و " الغمام " : أرق السحاب وأصفاه وأحسنه، وهو الذي ظلل بني إسرائيل، وقيل : هو ضباب أبيض. واختلف العلماء هل المراد أن ذلك يوم القيامة أو يأتيهم ذلك في الدنيا. ( الاستغناء : ١٦٢-١٦٣ ).
١ - سورة الإنسان : ١..
٢ - سورة الحاقة : ٧..
٣ - الكتاب المقدس. تثنية ٣٣/١-٢. طبعة بيروت نقلا عن المحقق لكتاب الاستغناء (محمد عبد القادر عطا) هامش : ١٦٣..
١٢٩- هذه الآية مقيدة، وتلك الآية١ مطلقة، والمطلق يحمل على المقيد وإليه ذهب الشافعي. ( الذخيرة : ٤/٣٣٧ ).
١٣٠- تحقيق القاعدة الأصولية : أن المطلق يحمل على المقيد، فتحمل الآية الأولى على الثانية، فلا يحصل الحبوط بمجرد الردة حتى يتصل بها الموت، والجواب لمالك رحمه الله : أن الآية رتب فيها أمران، هما : حبوط العمل والخلود في النار على أمرين، وهما : الردة والوفاة عليها، فجاز أن يكون الأول للأول والثاني للثاني، فلم يتعين صرف الآية الأولى للثانية لعدم التعارض، ولا يكونان من باب المطلق والمقيد. ( الذخيرة : ١/٢١٧ ).
١٣١- فمالك أبقى المطلق على إطلاقه وأفتى بحبوط العمل بمجرد الردة مات عليها أو تاب ورجع إلى الإسلام٢.
وحمل الشافعي رضي الله عنه المطلق على المقيد فلم يقل بحبوط العمل في حق من أسلم من المرتدين، بل إذا مات على الكفر.
قال : ويمكن أن يقال : المطلق هاهنا خطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم والمقيد عام، فما استوى البابان. ( العقد المنظوم : ٢/٤٧٢-٤٧٣ ).
١ - يقصد قوله تعالى :﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ : الزمر : ٦٥..
٢ - أحكام ابن العربي : ١/١٢٣-١٤٧- والجامع للقرطبي : ١٥/٢٧٧. حيث قال مالك :"يحبط عمل المرتد بنفس الردة لقوله تعالى :﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾..
١٣٢- العفو : الفاضل. ( الذخيرة : ٦/٢٥٩ ).
١٣٣- قرئ قوله تعالى :﴿ يسألونك ماذا ينفقون قل العفو ﴾. بالرفع والنصب١ على أحد التأويلين٢. ( العقد المنظوم : ١/٤٩٨ ).
١ - قرأ أبو عمرو : قل العفو- بالرفع- وقرأ الباقون : قل العفو – بالنصب- فمن جعل "ما" اسما و"ذا" خبرها، وهي في موضع الذي رد "العفو" فرفع، كأنه قال : ماذا ينفقون؟ فقال : العفو، فيخرج الجواب على معنى لفظ السؤال. ومن نصب "العفو" جعل "ماذا" اسما واحدا بمعنى الاستفهام، أي: أي شيء ينفقون؟ رد العفو عليه فينصب، فخرج الجواب على لفظ السؤال منصوبا. ن : معاني الزجاج : ١/٤٩٣..
٢ - لعله يقصد ما قاله سيبويه في "الكتاب" : ٢/٤١٦ :"وفي "ماذا" وجهان : أحدهما أن تكون "ما" بمعنى : أي شيء، و"ذا" بمعنى : الذي"..
﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ ﴾
١٣٤- أي : لضيق عليكم. ومنه التعنت في الصحبة. ( الذخيرة : ٤/٣٤٥ ).
١٣٥- قال اللخمي : لا يجوز وطء الوثنيات بنكاح ولا ملك لعموم قوله تعالى :﴿ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ﴾ وقيل : الصابئون من النصارى والسامرية من اليهود. وقيل : ليسموا منهما. ( الذخيرة : ٤/٣٢٢ ).
١٣٦- قيل : المشركات خاص بالوثنيات وإن أشرك اليهود بعزير والنصارى بعيسى عليهما السلام لقوله تعالى :﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين.... ﴾١ فباين بينهم في آيات كثيرة من الكتاب. ( نفسه : ٤/٣٢٣ ).
١٣٧- يقتضي تحريم نكاحهن كما مر٢ في حالة مطلقة لا في جميع أحوال القاعدة المتقدمة٣. ( العقد المنظوم : ٢/٣٩٠ ).
١ - سورة البينة : ١..
٢ - ن : تحرير ذلك في العقد المنظوم : ٢/٣٨٨ وما بعدها..
٣ - وهي قوله :"إن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات" ن : العقد : ٢/٣٨٩..
١٣٨- ﴿ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ﴾ فحرم ونبه على سبب المنع وهو الأذى، وهذا الظاهر يقتضي اعتزالهن على الإطلاق، وقد قال به بعض العلماء لا سيما إذا قلنا في المحيض اسم زمان الحيض، فإن هذا البناء يصلح للمصدر والزمان والمكان. وظاهر التحريم يقتضي اقتصار تحريم المباشرة للفرج فقط١، لا سيما إن قلنا إن المحيض اسم مكان الحيض وهو قول أصبغ٢ وابن حبيب. ولولا السنة لكان النظر معهما لأن النصوص تتسع عللها. ( الذخيرة : ١/٣٧٦-٣٧٧ ).
والمذهب المشهور جمع بين الكتاب والسنة، ففي الموطإ والصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : " كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم فتأتزر بإزار ثم يباشرها " ٣. وفي أبي داود عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم " يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين أو الركبتين " ٤.
فائدتان : الأولى : سبب سؤالهم له حتى نزل قوله تعالى :﴿ ويسألونك عن المحيض ﴾ فقيل : كانوا يعتزلون مواضع الحيض كاليهود، فسألوا عن ذلك فأخبرهم الله تعالى أن الحرام الجماع٥ بقوله تعالى :﴿ في المحيض ﴾. ويدل على ذلك في الآية أمران :
أحدهما : قوله تعالى :﴿ فإذا تطهرن فأتوهن ﴾ والمراد بالإتيان : الوطء، فدل ذلك على أن الممنوع منه هو الوطء، وأنه هو المغيا بحتى ليلتئم السياق.
وثانيهما : أنا نحمل المحيض على اسم مكان المحيض. وقيل : سألوا لأنهم يجتنبون الحيض في القبل، ويأتوهن في الدبر، فأمرهم الله بالاعتزال في الموضعين، وأباح بعد الطهر القبل فقط بقوله :﴿ من حيث أمركم الله ﴾.
الثانية : ليس على واطئ الحائض كفارة لأنها ليست من لوازم التحريم٦ بدليل الغصب والغيبة والنميمة وغير ذلك، فلابد حينئذ من دليل يقررها ولم يوجد، فيقرر.
١٣٩- ﴿ ولا تقربوهن حتى يطهرن ﴾ ألفاظ الغاية هي : " حتى " و " إلا " كقوله تعالى :﴿ ولا تقربوهن حتى يطهرن ﴾. ( العقد المنظوم : ٢/٣٦٩ ).
١٤٠- تحريم مغيا احتمل أن تتعقبه الإباحة واحتمل أن يتعقبه عدم الحكم بالكلية، فإن عدم التحريم أعم من الإباحة، فأعاد الله تعالى الغاية بعد هذه الغاية بقوله تعالى :﴿ فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ﴾ ليترتب عليه الإذن الشرعي. فما في الآية تأكيد، ولا فيها غايتان كما ظنه بعض الفضلاء. ( نفسه : ٢/٣٧٥ ).
١٤١- ﴿ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ﴾ مدحا وحثا على التطهير. ( الذخيرة : ١/٣٧٧ ).
١٤٢- إن أهل قباء٧ كانوا يجمعون بين الماء والحجر٨، فمدحهم الله تعالى بقوله :﴿ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ﴾. ( الذخيرة : ١/٢٠٨ ).
١ - قال ابن عطية : قال مالك :"جماعهن بأن يشد الرجل إزار الحائض، ثم شأنه بأعلاها". ن : المحرر الوجيز : ٢/١٨٠. وفي روح المعاني للألوسي م ١- ج ٢/١٢٣ :"اخرج مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال له صلى الله عليه وسلم :"لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها"..
٢ - وقفت على ثلاثة علماء بهذا الاسم تكاد تكون عصورهم متقاربة ولعل أصبغ الذي ينقل عنه القرافي هو المصري نظرا لانتمائهما إلى نفس الموطن. كما أن أصبغ المصري أكثر تأليفا من الآخرين. وهو أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع مولى عبد العزيز بن مروان يكنى أبا عبد الله (ت : ٢٢٥ هج) من مؤلفاته :"الأصول" و"تفسير غريب الموطإ" و"آداب الصيام" وغيرها. ن : وفيات الأعيان : ١/٢٤٠ وشذرات الذهب : ٢/٥٦. والديباج : ٩٧-٩٨..
٣ - خرجه البخاري في صحيحه : كتاب الحيض. ح : ٢٩١. ومسلم في صحيحه : كتاب الحيض. ح : ٤٤٠..
٤ - خرجه أبو داود في سننه كتاب الطهارة. ح : ٣٣٣..
٥ "روى مسلم والترمذي عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت. فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله :﴿ويسألونك عن المحيض﴾ فقال : اصنعوا كل شيء إلا النكاح. ن : لباب النقول : ٣٢..
٦ - روى يحيى عن مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلا عن الحائض يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل؟ فقالا :"لا، حتى تغتسل". ن : الموطأ : ١/٥٨. كتاب الطهارة باب : ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض..
٧ - ذكر السيوطي أن مدح الله لأهل قباء في الآية : ١٠٩ من سورة التوبة وهي قوله تعالى :﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين﴾ وجاء بعدة روايات في نفس السبب- لباب النقول : ١١٢-١١٣..
٨ - أي في الاستحياء..
١٤٣- في الجوهر : " عقد النكاح يبيح كل استمتاع إلا الوطء في الدبر، وقاله الأئمة١، ونسبته إلى مالك كذب، قال ابن وهب٢ : " قلت لمالك : إنهم حكوا عنك حله ( أي الوطء في الدبر ). فقال : معاذ الله، أليس أنتم قوما عربا ؟ قلت : بلى ؟ قال : قال الله تعالى :﴿ نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم ﴾ وهل يكون الحرث إلى في موضع الزرع أو موضع النبت ؟ " وقال إسرائيل بن روح٣ : " سألته عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال : ما أنتم قوم عرب ؟ هل يكون الحرث إلا في موضع الزرع ؟ ألا تسمعون الله يقول :﴿ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ﴾ قاعدة وقائمة وعلى جنبها، ولا يتعدى الفرج. قلت : يا أبا عبد الله إنهم ينقلون عنك حله فقال : " يكذبون علي، يكذبون علي، يكذبون علي "، رواه الدارقطني.
وقال علي بن زياد٤ : " يا أبا عبد الله، عندنا قوم بمصر يحدثون عنك أنك تجيز الوطء في الدبر، فقال : كذبوا علي " ٥.
فالروايات متضافرة عنه بتكذيبهم وكذبهم عليه. وعزي إلى الشافعي، ونقل المازني٦ تكذيبه لذلك كمالك.
وظاهر الآية يقتضي التحريم خلاف ما يتوهمه المعنى لقوله تعالى :﴿ نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم ﴾ والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر لقوله صلى الله عليه وسلم : " تحريمها وتحليلها التسليم٧ " و " ذكاة الجنين ذكاة أمه " ٨ فلا يحصل تحريم بغير تكبير، ولا تحليل بغير سلام. ولا ذكاة الجنين بغير ذكاة أمه ؛ ولا النسل في غير حالة الحرث الذي هو الفعل المفضي إلى النسل. وروى ابن ماجة : قال صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها " ٩ وروى ١٠ قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ". وروى الزمدوني قال صلى الله عليه وسلم : " من أتى حائضة أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد " ١١ ولأن الشرع إنما حرم اللواط والاستمناء ليلا يستغني بهما عن الوطء الموجب للنسل الموجب لبقاء النوع والمكاثرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته، وهذا المعنى قائم هاهنا، فيحرم لاندراجه في قوله تعالى :﴿ ويحرم عليهم الخبائث ﴾١٢ وتلطخ الإنسان بالعذرة من الدبر من أخبث الخبائث، ولا يميل إلى ذلك في الذكور والإناث إلا النفوس الخبيثة، خسيسة الطبع بهيمة الأخلاق، والنفوس الشريفة بمعزل عن ذلك. ( نفسه : ٤/٤١٦-٤١٧-٤١٨ ).
١ - يقصد بهم : الإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد بن حنبل. ن : الذخيرة : ١/٣٨..
٢ - هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، أحد الأئمة الأعلام، روى عن مالك وطبقته، وتفقه على الليث. وقد صحب مالكا من سنة ١٤٨ هجرية إلى أن توفي، وكان مالك يكتب إليه :"إلى فقيه مصر" (ت : ١٩٩ هج) ن : تذكرة الحفاظ : ١/٢٧٧ وتهذيب التهذيب : ٦/٧١. وشجرة النور : ٥٨..
٣ - قال الذهبي في الميزان : ١/٢٠٨ :"إسرائيل بن روح الساحلي يروي عن مالك، لا يدري من ذا"..
٤ - هو علي بن زياد، أبو الحسن التونسي العبسي. سمع من مالك والثوري والليث بن سعد، وغيرهم. قال سحنون :"ما أنجبت إفيرقية مثل علي بن زياد" (ت : ١٨٣ هج) ن : الديباج : ٢٩٢..
٥ - ن : الجواهر الثمينة : ٢/٨٣-٨٤ بتصرف..
٦ - هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى صاحب الإمام الشافعي، وهو من أهل مصر، كان زاهدا عالما. صنف كتبا كثيرة في مذهب الإمام الشافعي. (ت : ٢٦٤ هج) ن : وفيات الأعيان : ١/٢١٧. وشذرات الذهب : ٢/١٤٨. وأعلام النبلاء : ١٢/٤٩٢..
٧ - هو جزء من حديث، رواه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها عن أبي سعيد، وله شواهد عند أبي داود عن علي بن أبي طالب، في الطهارة باب : فرض الوضوء..
٨ - أخرجه أبو داود في كتاب "الأضاحي" باب : في ذكاة الجنين، رواه الدارمي في السنن. باب الذكاة عن جابر بن عبد الله..
٩ - في كتاب النكاح، والترمذي في الرضاع، باب : ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن، عن ابن عباس..
١٠ - كذا في الأصل المطبوع، والحديث رواه أبو يعلى الموصلي في "المسند" عن عمر بن الخطاب بلفظ :"استحيوا فإن الله..." الحديث. ورواه ابن ماجة في "السنن". والنسائي عن خزيمة بن ثابت بأسانيد مختلفة. كما خرجه الترمذي في سننه : كتاب الرضاع باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن..
١١ - الحديث رواه الترمذي في كتاب الطهارة، باب في كراهية إتيان الحائض عن أبي هريرة. ورواه ابن ماجة في الطهارة..
١٢ - سورة الأعراف : ١٥٧..
١٤٤- العدد يذكر فيه المؤنث ويؤنث فيه المذكر، ولذلك قلنا : إن المراد بقوله تعالى :﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾ : الأطهار دون الحيض، لأن الطهر مذكر، والحيضة مؤنث، وقد ورد النص بصيغة التأنيث، فيكون المعدود مذكرا لا مؤنثا. ( تنقيح الفصول المطبوع مع الذخيرة : ١/٧٥ )
١٤٥- ﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ﴾ وهذا عام، ثم قال :﴿ وبعولتهن أحق بردهن ﴾ وهذا خاص بالرجعيات، نقله الباجي منا خلافا للشافعي والمزني. ( نفسه : ١/٩٢ )
١٤٦- المطلقات عام يقتضي شمول حكم التربص ثلاثة قروء في كل مطلقة ثم قال تعالى :﴿ وبعولتهن أحق بردهن ﴾ أي : في أجل العدة، وهذا الضمير ليس عاما في نفسه إلا بالإضافة إلى ظاهره، فإن الضمائر من حيث هي ضمائر ليس فيها عموم ولا خصوص، وإنما هي تتبع ظواهرها.
فضمير العام عام، وضمير الخاص خاص، ولا يقضى على الضمير من حيث هو ضمير بشيء من العموم ولا الخصوص، فيحصل حينئذ في الرجعيات باعتبار أن ﴿ بعولتهن ﴾ أولى بهن من جهة الضمير مع إضافة اللفظ الظاهر إليه، مع أن ذلك اللفظ الظاهر أيضا لم يشعر بهذا الحكم البتة الذي هو أولوية الأزواج بالرجعية نفيا ولا إثباتا، فالظاهر لا يقتضي التعميم في هذا الحكم، والضمير لا يقتضيه، ومجموعها يقتضيه. ( العقد المنظوم : ١/٣٩٠ )
١٤٧- هذا عام في جميع المطلقات لأجل لام التعريف، وقوله تعالى :﴿ وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ﴾ خاص بالرجعيات.
فلا يقال : إن العطف اقتضى العموم، والإجماع المنعقد في قصره على الرجعيات موجب لتخصيصه وأن التعارض واقع بينهما.
غير أن ها هنا قاعدة أخرى١ وهي : أن الضمير الذي يعود إلى ظاهر الأصل أن يكون هو نفس الظاهر، لكن الضمير في ﴿ بعولتهن ﴾ يعود على جميع المطلقات، فيكون هو أيضا يدل على أن جميع المطلقات بعولتهن أحق بردهن، إلا أن ذلك خلاف الإجماع، فيكون الإجماع هو المانع من إجرائه على عمومه لأن العموم منتف، وهذا إشكال في الآية نشأ من جهة الضمير الظاهر من جهة العطف، فإن النحاة قد تصوروا على أن العطف إنما يقتضي التشريك في أصل الحكم إلا٢ في أربعة وهي : ظرف الزمان، وظرف المكان، والمتعلقات، والأحوال. ( نفسه : ٢/٨١. وشرح تنقيح الفصول : ٢١٩ )
١٤٨- ﴿ وبعولتهن أحق بردهن ﴾ أي : في العدة إجماعا. ( الذخيرة : ٤/٣٢٨ )
١٤٩- العطف على العام لا يقتضي العموم نحو قوله تعالى :﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾. ثم قوله تعالى :﴿ وبعولتهن أحق بردهن ﴾ فهذا الضمير لا يلزم أن يكون عاما في جملة ما تقدم، لأن العطف مقتضاه التشريك في الحكم الذي سبق الكلام لأجله فقط.
الضمير خاص بالرجعيات، لأن وصف الأحقية للأزواج إنما هو فيهن، وإذا كان ضمير العام خاصا هل يتعين أن يكون المراد بالعموم الأول ما أريد بالضمير فقط، لأن القاعدة : استواء الظاهر والضمير في المعنى، أو يحمل الظاهر على عمومه، لأن صيغته صيغة عموم، والضمير على الخصوص لانعقاد الإجماع على استواء الزوج والأجنبي في البائن، هذا هو الصحيح، لأن الأصل عدم التخصيص، فلا يكون الظاهر خاصا ولا الضمير عاما. ( شرح التنقيح : ١٩١ )
١٥٠- تضافرت مباحث المفسرين والنحاة في قوله تعالى :﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾ فقالوا : كيف جمع بين لفظ الثلاثة التي هي دون العشرة، وبين لفظ القرء الذي وزنه " فعول " الذي هو من جموع الكثرة بخروجه عما تضمنه البيت المتقدم٣ مع أن الممكن أن يقال : ثلاثة أقراء ". على وزن " أفعال " الذي هو موضوع لما دون العشرة، فلا يتناقض لفظ الثلاثة.
وأجابوا عن ذلك ب : أن اللفظ في الآية مجاز موضوع موضع أقراء، وهو يؤكد ما تقدم، ولم أر في هذا الباب نقلا يناقض هذا النقل، وطلبته أنا وجمع كثير من الفضلاء في كتب النحاة والأصوليين فلم أجده. ( العقد المنظوم : ٢/١٦٣-١٦٤ )
١٥١- يقتضي أن تكون عدتهن بالأذى٤ في حالة ما، وهو كذلك لم يتعين بشيء من العموم بهذا التفسير عن حالة، فلا يكون تخصيصا، لأنهن في حالة عدم الحمل تكون عدتهن بالأقراء، وهذه حالة مخصوصة، وإذا ثبت حكم العموم بجميع أفراده في حالة مخصوصة ثبت في مطلق الحال ضرورة استلزام الخاص المطلق فما خرج شيء من العموم البتة.
نعم لو قال : بعض المطلقات لا تعتد بالأقراء في حالة ما، أعني في جميع الأحوال، صدق التخصيص لأن العموم اقتضى مطلق الحالة، وهي موجبة جزئية في الأحوال، فلا يناقضها إلا السالبة الكلية فيتحقق التخصيص حينئذ، لأن من شرط التخصيص المنافاة، أما ما يمكن اجتماعه مع العموم فليس مخصصا، وهذا يمكن اجتماعه فلا يكون مخصصا. ( العقد المنظوم : ٢/٣٨٩ )
١٥٢- كون الأزواج أحق، حكم شرعي، لأنه تقديم من قبل صاحب الشرع، وإباحة للأزواج المطلقات طلاقا رجعيا، وهذا الحكم لا يأتي إلا في الرجعيات، ولا يتناول هذا الضمير من جهة المعنى غيرهن. ( نفسه : ٢/٤٦٤ )
١٥٣- عام في كل مطلقة، خصصه الله تعالى بقوله :﴿ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ﴾٥. ( شرح تنقيح الفصول : ٢٠٢ )
١٥٤- استشكل جماعة من المفسرين والنحاة قوله تعالى :﴿ ثلاثة قروء ﴾، فقالوا : ثلاثة دون العشرة، كان المنطبق عليها " أقراء " الذي هو " أفعال " لأنه من صيغ جموع القلة، أما " قروء " الذي على وزن " فعول " فهو من جموع الكثرة، فلم عبر عن الثلاثة مع إمكان التعبير بما ينطبق على الثلاثة ؟ وهذا كله يقتضي أن جمع الكثرة، لم يتناول ما دون العشرة إلا مجازا ولا يتناوله حقيقة، ويشكل جعل أقل مسماه ثلاثة بل أحد عشر، وهذا موضع صعب. وأجاب عنه بعض الفضلاء :
قال : الجواب عنه أن الكلام في هذه المسألة إنما هو في الحقيقة العرفية دون اللغوية، والعرف سوى بين القسمين : القلة والكثرة، فلذلك أطلقت الفتيا في القسمين. ( شرح تنقيح الفصول : ٢٣٤ )
١٥٥- هو جواب لا يصح لأن بحث العلماء في أصول الفقه المهم منه الحقيقة اللغوية دون غيرها وهي المراد بقولنا : الأمر للوجوب، والأمر للتكرار، والصيغة للعموم، والأمر للفور، والنهي للتحريم وغير ذلك من المباحث إنما يريدون الحقيقة اللغوية، وهي المهمة في أصول الفقه، حتى إذا تقررت حمل عليها الكتاب والسنة. ( نفسه : ٢٣٤ ).
١ - ذكر القرافي القاعدة الأولى حيث قال :"قال الأصوليون : العطف على العام لا يقتضي العموم لأن مقتضى العطف الجمع في أصل الحكم الذي سبق الكلام لأجله وذلك جائز بين العام والخاص" ن : العقد المنظوم : ٢/٨١..
٢ - في الأصل المطبوع (لا)، ولعل الصواب ما أثبتنا..
٣ - يقصد البيت المذكور في : ٢/١٦٠ من كتاب "العقد" حيث قال القرافي :"ومن جموع التكسير ما هو موضوع للعشرة فما دونها. ولا يتناول ما فوقها أيضا وهو ما تضمنه قول الشاعر :
بافعل، وأفعل، وأفعلة *** وفعلة يعرف الأذى من العدد.

٤ - المراد بالأذى : الحيض، لقوله تعالى :﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى﴾ فعبر عن الموصوف بالصفة..
٥ - سورة الطلاق : ٤..
١٥٦- أي : الطلاق الرجعي. ( الذخيرة : ٤/٣١٦ )
١٥٧- معناه : لا يحل لكم أخذ شيء من الصداق في حالة من الحالات إلا في حالة يخافا ألا يقيما حدود الله تعالى فيما وجب من جميل العشرة.
فإذا حصلت هذه الحالة جاز الخلع وأخذ ما أعطته المرأة من صداقها أو غيره لأن الضرر من قبل الزوج، والكراهة جاءت من قبلها، أما إذا انعكس الحال وصار الزوج هو المضار، فيحرم الخلع في هذه الحالة، فهذا استثناء من الأحوال، وهو متصل من غير المنطوق. ( الاستغناء : ٥٣٤ ).
١٥٨- وهذه ثالثة لذكرها بعد اثنتين. ( الذخيرة : ٤/٣١٦ )
١٥٩- النكاح في اللغة : التداخل، تقول : أنكحت الأرض البذر، ونكحت الحصاة خف البعير.
والوطء تداخل فسمي نكاحا، ويطلق على العقد مجازا من باب إطلاق المسبب على السبب، ويقال كل نكاح في كتاب الله تعالى فالمراد به العقد إلا قوله تعالى :﴿ حتى تنكح زوجا غيره ﴾ ويطلق على الصداق لأنه سبب كالعقد نحو قوله تعالى :﴿ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ﴾١ أي : صداقا ويحتمل أن يكون من باب الإضمار، أي سبب النكاح، لكن المجاز أولى من الإضمار على ما تقرر في الأصول. ( نفسه : ٤/١٨٨ ).
١٦٠- النكاح حقيقة في التداخل، مجاز في العقد، والأصل عدم المجاز، يقول سعيد بن المسيب٢ رضي الله عنه : بل هو مشترك بين التداخل والعقد لأنه مستعمل فيهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة فيكون مجملا، فيسقط الاستدلال به. ( شرح التنقيح : ١٢٣ ).
١٦١- وفي الجواهر : " يشترط علم الزوجة بالوطء دون علم الزوج عند ابن القاسم لقوله تعالى :﴿ حتى تنكح زوجا غيره ﴾ ولم يقل :( حتى ينكحها زوج غيره ) ولأنه أوقع في أدب المطلق " ٣. ( الذخيرة : ٤/٣١٧ )
١٦٢- " حتى " للغاية، فيثبت بعدها نقيض ما قبلها، والمرأة لا تحل بوطء الثاني، بل حتى تطلق وتعتد ويعقد الأول، فهل ترك مقتضى الآية أو هو باق ؟
فنقول : التحريم يتضاعف بسبب اجتماع الأسباب كالزنا بمحرم، وبالأم أشد، وبها في الصوم أشد، ومع الإحرام أشد، وفي الكعبة كذلك، هذه محرمة لكونها أجنبية ومطلقة ثلاثا، والمعنى إنما هو تحريم الثلاث، وهو يرتفع بوطء الثاني ويبقى تحريم الأجنبية، وكونها زوجة للغير فإذا طلقها ارتفع كونها زوجة للغير، وبقي كونها أجنبية، فإذا عقد حلت مطلقا. ( نفسه : ٤/٣١٧ )
١٦٣- قال بعض الفضلاء : مقتضى : " حتى " التي هي حرف غاية أن يكون ما قبلها مخالفا لما بعدها، ويكون ما بعدها نقيض ما قبلها، ويظهر من هذه القاعدة أن تكون المرأة حلالا إذا عقد عليها زوج آخر ووطئها، وليس الأمر كذلك إجماعا، بل هي حرام على حالها حتى يطلقها هذا الزوج، وإذا طلقها لا تحل حتى يعقد عليها الزوج الأول، وإذا عقد عليها الزوج الأول لا تحل حتى تنفى موانع الوطء من الحيض والصيام والإحرام وغير ذلك من الموانع، فلم يحصل مقتضى الغاية. فهل هذه هي٤ الغاية باقية على بابها مقتضية لثبوت النقيض أو هي مستثناة عن قاعدة الغايات بالإجماع ؟ الجواب : أنها باقية على بابها. ( الفروق : ٣/١٣١ ).
١ - سورة النور : ٣١..
٢ - هو أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي المدني، سيد التابعين أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، (ت : ٩٤ هج) ن :"صفوة الصفوة" : ٢/٧٩ وتهذيب الأسماء : ١/٢١٩..
٣ - ن : الجواهر الثمينة : ٢/٤٩..
٤ - كذا في الأصل المطبوع ولعل الصواب حذف ضمير "هي"..
١٦٤- إن النكاح حقيقة في الوطء، وهو متعذر من المرأة١، وإذا تعذرت الحقيقة فحمله على التمكين منه أولى، لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة. ويوضحه قوله تعالى :﴿ لا تنكحوا الأيامى منكم ﴾٢ " فخاطب الأولياء دون النساء، وقوله صلى الله عليه وسلم عند الدارقطني٣ : " لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " وقال : هذا حديث صحيح.
قوله تعالى :﴿ فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ﴾. ( الذخيرة : ٤/٢٠١ )
١٦٥- سؤال : النكاح مباح وقد نهى الأب عن منع ابنته منه، فلا تجب طاعته في ترك المباح ولا في ترك المندوب بطريق الأولى ؟
جوابه : إن البنت لها حق الإعفاف في التصون ودفع الضرر ومواقعة الشهوة وسد ذرائع الشيطان عنها بالتزويج، فإذا كان ذلك حقا لها، وأداء الحقوق واجب على الآباء للأبناء، ولا يلزم من وجوب الحق عليهم، للأبناء جواز إذاية الآباء باستيفاء ذلك الحق. ألا ترى أن مالكا في المدونة منع من تحليف الأب في حق له، وقال : " إن حلفه جرحة في حق الولد. فالآية ما دلت إلا على الوجوب على الآباء لا على إباحة إذايتهم بالمخالف ". ( الفروق : ١/١٤٦ ).
١ - رد الإمام القرافي بذلك على الإمام أبي حنيفة الذي يرى جواز عقد الرشيدة على نفسها بدليل قوله تعالى :﴿أن ينكحن أزواجهن﴾ وقوله تعالى :﴿حتى تنكح زوجا غيره﴾ حيث أضاف العقد إليها.. ن : الذخيرة : ٤/٢٠١ و ٤/٢١٦..
٢ - سورة النور : ٣٢..
٣ - خرجه ابن ماجة في السنن : كتاب النكاح، باب : لا نكاح إلا بولي..
١٦٦- في الكتاب : " تجبر ذات الزوج على إرضاع ولدها إلا أن يكون لا يرضع مثلها١ لقوله تعالى :﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ﴾ ولأنها دخلت على ذلك عرفا فيلزمها شرعا، فإن مات الأب قال : فلها الاستئجار من ماله على إرضاعه إلا أن لا يقبل غيرها بالأجرة من ماله، وإن لم يكن له مال لزمها إرضاعه. " ٢ قال ابن يونس : يريد : وإن قبل غيرها، بخلاف النفقة، لأن أصل الإرضاع واجب عليها. وقال عبد الوهاب٣ : لا يلزمها إلا أن يقبل غيرها، لأن الأصل عدم تعلق حقه بها. قال مالك : " وإذا لم يكن للأم لبن أو لها، وليس له مال فعليها إرضاعه للآية وتأخيره عليه السلام الغامدية حتى إذا أرضعت ولدها حينئذ رجمها٤، فدل ذلك على تعيينها له٥.
وفي الكتاب : " على الرجعية الإرضاع كالزوجة، فإذا انقضت العدة أو كانت بائنا فعلى الأب أجر الرضاع، فإن اختلفا في مقدار الأجرة فالأم أحق بما يرضى به غيرها، وليس للأب التفرقة بينهما، فإن أبت فلا حق لها إلا أن لا يقبل الولد غيرها فتجبر عليه. ٦ قال ابن يونس : يريد الأم أحق بأجرة المثل لا بما زاد، سواء وجد من يرضع غير الأم أم لا. ولو كان الأب معدما فوجد من يرضعه باطلا٧ قيل للأم : إما أن ترضعه باطلا أو تسلمه، وكذلك إن كان الأب لا يقدر على أجرة المثل، ووجد من يرضعه بدونها، وإن كان موسرا أو وجد من يرضعه باطلا فليس ذلك له. وروي عنه أنها لا تأخذه إلا بما وجد. قال : والأولى أحسن لقوله تعالى :﴿ فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ﴾٨. ( الذخيرة : ٤/٢٧٠-٢٧١ )
١٦٧- قوله تعالى :﴿ لا تضار والدة بولدها ولا مولود بولده ﴾ قال صاحب البيان٩ :
" إذا طلقها ليس لها طرح ولدها من حينه حتى يجد مرضعاه لقوله تعالى :﴿ لا تضار والدة بولدها ولا مولود بولده ﴾ ". ( ١٦٧- الذخيرة : ٤/٢٧٢ ).
١ - يقصد المرأة ذات الشرف واليسار الكثير : ن : المدونة: ٢/٣٠٤..
٢ - ن : المدونة : ٢/٣٠٤ وما بعدها، والبيان والتحصيل : ٥/١٤٧..
٣ - هو القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي الفقيه المالكي (ت : ٤٢١ هج) من مصنفاته :"النصر لمذهب مالك" و"شرح رسالة ابن أبي زيد" و"التلقين" و"التلخيص" وغيرها، ن : وفيات الأعيان : ٣/٢١٩، والبداية والنهاية : ١٢/٣٢، ومرآة الجنان : ٣/٤٠، والديباج : ٢/٢٦..
٤ - حديث رجم الغامدية خرجه مالك في الموطإ، كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم. عن أبي مليكة مرسلا، ووصله مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى. كما خرجه أحمد في مسنده : ٥/٣٤٨..
٥ - قال ابن العربي :"قال مالك : كل أم يلزمها رضاع ولدها بما أخبر الله تعالى من حكم الشريعة" ن : الأحكام : ١/٢٠٦. وزاد قائلا :"إلا أن مالكا- دون فقهاء الأمصار- استثنى الحسيبة، فقال : لا يلزمها إرضاعه، فأخرجها من الآية وخصها فيها بأصل من أصول الفقه وهو العمل بالمصلحة." ن : أيضا المدونة : ٢/٣٠٤..
٦ - ن : المدونة : ٢/٣٠٤ وما بعدها..
٧ - يقصد : مجانا، وما زال هذا التعبير مستعملا في الدارجة المغربية، وقد استعمله كذلك ابن رشد في "البيان والتحصيل" : ٥/١٤٨..
٨ - سورة الطلاق : ٦..
٩ - هو ابن رشد، ن : البيان والتحصيل : ٥/١٥٢..
١٦٨- المراد : عشرة أيام، ولم يقل : أربعة أشهر وعشرة. ( الاستغناء : ٥٢٨ )
١٦٩- إن عادة العرب تغليب الليالي على الأيام، فمتى أرادوا عد الأيام عدوا الليالي، وتكون الأيام هي المرادة، ولذلك قال تعالى :﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ﴾ ولم يقل : " عشرة " مع أنها عشرة أيام، فذكرها بغير هاء التأنيث. قال الزمخشري : " لو قيل عشرة لكان لحنا ". ( الفروق : ٢/١٩٠ ).
١٧٠- قوله تعالى :﴿ لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ﴾ إلى قوله :﴿ إلا أن يعفون ﴾١ فإنه خاص بالرشيدات. ( شرح تنقيح الفصول : ٢٢٣ )
١٧١- في الجوهر : " الخطبة مستحبة، والتصريح بخطبة المعتدة حرام، والتعريض جائز، وهو القول المفهم لمقصود الشيء وهو ناحيته ( لأنه تحريم على النكاح )٢ من غير هجوم عليه لقوله تعالى :﴿ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ﴾ فدل على إباحة الإكنان والتعريض وتحريم المواعدة، وبهذا قال الأئمة. غير أن الشافعي وابن حنبل منعا من التعريض للرجعية لأنها زوجة، ولست أنقل فيه عندنا شيئا، غير أن الأصحاب أطلقوا الإباحة من غير تخصيص. وفي الجواهر : قال القاضي أبو بكر٣ : والذي مال إليه مالك في التعريض : أن يقول : إني بك لمعجب، ولك محب، وفيك راغب٤. قال : وهذا - عندي- أقوى التعريض وأقرب إلى التصريح. قال : والذي أرى أن يقول : إن الله تعالى سائق إليك خيرا فأنت نافعة، فإن زاد فهو تصريح " ٥. ( الذخيرة : ٤/١٩١-١٩٢ )
١٧٢- قال اللخمي : قال مالك : " لا بأس بالهدية لأنها تعريض ". ( الذخيرة : ٤/١٩٢ ).
٧٣ :﴿ ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ﴾ ٢٣٣.
١٧٣- اختلف في السر ؛ فقيل : من المسارة، وهو القول الخفي، وقيل : السر اسم للوطء نفسه، سمي سرا، وقيل : السرية مأخوذة منه.
فعلى القول الأول يكون التقدير : " لا تساروهن في أمر النكاح في حالة من الحالات إلا أن تقولوا قولا معروفا " أي : في هذه الحالة يجوز المسارة، وما عداها تحرم المسارة في ذلك.
واختلف العلماء في القول المعروف، فقيل : هو المعاريض الخفية، نحو : إن الله سائق إليك خيرا، وإني لأرجو لك خيرا.
وقيل : المعاريض القوية أيضا، مثل قوله : إني بك لمعجب، والبناء من شأني ونحو ذلك مما يقرب من التصريح. وأما التصريح فحرام، فهذا استثناء من الأحوال.
فإن قلت : الحال نكرة منصوبة، فأين ذلك هاهنا ؟.
قلت : " أن " مع الفعل بتأويل المصدر، المصدر بمعنى اسم الفاعل النكرة فيصير معنى الكلام : " ولكن لا تواعدوهن سرا إلا قائلين قولا معروفا " وكذلك إذا حملنا السر على الوطء نفسه يصير معنى الكلام : " لا تواعدوهن نكاحا في حالة من الحالات إلا قائلين قولا معروفا، فهو على التقديرين استثناء من الحالات. ( الاستغناء : ٥٣٤-٥٣٥ ).
١ - سورة البقرة : ٢٣٥..
٢ - كذا في الأصل المطبوع، أما لفظ "الجواهر الثمينة" فهو :"كأنه يحرم على النكاح" : ٢/٨..
٣ - هو محمد بن عبد الله، المعروف بأبي بكر بن العربي المعافري، من أهل إشبيلية (ت : ٥٤٣ هج) له مصنفات كثيرة، منها :"عارضة الأحوذي في شرح الترمذي" و"القبس" في شرح موطأ مالك". وترتيب المسالك" في شرح موطأ مالك" و"أحكام القرآن" و"الناسخ والمنسوخ" وغيرها ن : الديباج : ٢/٢٥٢. وفيات الأعيان : ٤/٢٩٦. طبقات الحفاظ للسيوطي : ٤٦٧. شجرة النور : ١٣٦..
٤ - ن : الموطأ : ٢/٥٢٤ كتاب النكاح : باب ما جاء في الخطبة. وأحكام القرآن لابن العربي : ١/٢١٣. وجامع القرطبي : ٣/١٨٨..
٥ - ن : الجواهر الثمينة : ٢/٨-٩ بتصرف طفيف..
١٧٤- نص تعالى على شرعية الطلاق في سورة عدم الفرض، ومشروعيته دليل صحة النكاح. ( الذخيرة : ٤/٣٥٠ )
١٧٥- مشرع الطلاق حالة عدم الفرض، وهو دليل صحة النكاح. ( نفسه : ٤/٣٦٧ )
١٧٦- المتعة- عندنا- مستحبة١، وقال الأئمة بوجوبها. ( نفسه : ٤/٤٤٨ ).
١ - روى ابن عطية عن مالك قال :"المتعة مندوب إليها في كل طلقة وإن دخل بها إلا في التي لم يدخل بها وفرض لها، فحسبها ما فرض لها ولا متعة لها" المحرر : ٢/٢٢٦. ن : كذلك الجامع لحكام القرآن : ٣/٢٠٠-٢٠١..
١٧٧- معنى الآية : " أن نصف الصداق يسقط بالطلاق قبل الدخول ويثبت نصفه في جميع الأحوال إلا في حالة واحدة، وهي حالة عفو المرأة الرشيدة غير المحجور عليها عن ذلك النصف فيسقط ".
فهو ثابت في جميع الحالات إلا في هذه الحالة، فهو استثناء من الحالات وأن وما سيقت فيه بتأويل المصدر، والمصدر في تأويل اسم المفعول المنصوب على الحال، تقديره : " فنصف ما فرضتم ثابت في جميع الحالات إلا معفوا عنه " و معفو عنه " حال منصوبة، فهو استثناء الأحوال، وهو استثناء متصل.
فإن قلت : الواو مع الفعل شأنها أن تكون ضميرا لمذكر، فما بالها وقعت هاهنا وليست ضميرا لمذكر ؟.
قلت الواو هاهنا ليست ضميرا، وإنما هي جزء الكلمة، مثل الواو في يدعو ويعلو ويسمو، وشأن ضمير جماعة النساء أن يدخل على آخر حرف الفعل فتسكنه إن كان صحيحا غير معتل، نحو : " يخرجن "، فإن كان همزة سكن أيضا نحو : " يقرأن ". وإن كان واوا أو ياء بقي على حاله نحو : " يدعون، ويغزون، ويعفون، ويرمين، ويسقين، " ولذلك قيل : يعفون هاهنا ؛ لأنها جزء الفعل، لا أنها ضمير الفاعل، وقد دخل بعض الأدباء على الخلفاء فقال له : ما تقول في قول الشاعر :
من كان مسرورا بموتة مالك*** فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه*** قد قمن قبل تبلج الأسحار
قد كن يخنئن الوجوه تسترا*** والآن حين يدون للنظار
فقال له : تقول : حين بدأن أو بدين ؟ فقال : لا أقول : " بدأن " ولا " بدين "، بل " بدون " يا أمير المؤمنين فاستحسن كلامه. ( الاستغناء : ٥٣٥-٥٣٦ )
١٧٨- أي : يعفو النساء عن النصف الذي وجب لهن فيسقط، وهذا متفق عليه بين العلماء. ثم قال :﴿ أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ﴾. المشار إليه هو الأب في ابنته والسيد في أمته١ قال أبو حنيفة والشافعي ابن حنبل : هو الزوج٢. واحتجوا على ذلك بوجهين : أحدهما : أنه قد روي٣ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صريحا.
وثانيهما : أن الأصل يقتضي عدم تسليط الولي على مال موليته.
والجواب عن الأول : أنه ضعيف٤ لا تقوم به حجة، سلمنا صحته، لكن لا نسلم أنه تفسير للآية، بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق أن له أن يفعل ذلك.
وعن الثاني : أن قاعدة الولاية تقتضي تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه، وقد يكون العفو أحسن للمرأة لاطلاع الولي على الترغيب فيها لهذا الزوج أو غيره وأن ذلك يفضي إلى تحصيل أضعاف المعفو عنه، فيفعل ذلك لتحصيل المصلحة. فمنه من ذلك تفويت لمصلحة المرأة لا رفق بها. ثم الآية تدل لنا عن عشرة أوجه :
أحدها : إن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي. والمتقدم قبل هذا الاستثناء إثبات النصف، فعلى رأينا، تعفو المرأة، فيسقط، فتطرد القاعدة، وعلى رأيهم : يعفو الزوج، فيثبت مع هذا النصف الذي تشطر بالطلاق، فلا تطرد القاعدة بوقوع الإثبات بعد الإثبات.
وثانيها : أن الأصل في العطف ب " أو " التشريك في المعنى، فقوله تعالى :﴿ إلا أن يعفون ﴾ معناه : الإسقاط، وقوله تعالى :﴿ أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ﴾ على رأينا : الإسقاط، فيحصل التشريك، وعلى رأيهم الإثبات فيحصل التشريك فيكون قولنا أرجح.
وثالثها : أن المفهوم من قولنا : إلا أن يكون كذا وكذا تنويع بذلك الكائن إلى نوعين، والتنويع فرع الاشتراك في المعنى ولا مشترك بين النفي والإثبات، والإسقاط والإعطاء حتى يحسن تنويعه.
على رأينا المتنوع الإسقاط إلى إسقاط المرأة وإسقاط الولي، فكان قولنا أرجح.
ورابعها : أن العفو ظاهر في الإسقاط، وهو ما ذكرناه، وعلى رأيهم يكون التزام ما سقط بالطلاق والتزام ما لم يجب لا يسمى عفوا.
وخامسها : إن إقامة الظاهر مقام المضمر خلاف الأصل، فلو كان المراد الزوج لقيل : " إلا أن يعفون أو تعفو عما استحق لكم "، فلما عدل إلى الظاهر دل على أن المراد غير الزوج.
وسادسها : أن المفهوم من قولنا : " بيده كذا " أن يتصرف فيه، والزوج لا يتصرف في عقد النكاح، بل كان يتصرف بالوطء بالحل، والولي الآن هو المتصرف في العقد، فيتناوله اللفظ دون الزوج.
وسابعها : سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح، لكن باعتبار ما كان ومضى فهو مجاز، والولي بيده عقدة النكاح الآن فهو حقيقة، والحقيقة مقدمة على المجاز.
وثامنها : أن المراد بقوله : " إلا أن يعفون " الرشيدات إجماعا٥، إذ المحجور عليهن لا ينفذ الشرع تصرفهن، فالذي يحسن مقابلتهن بهن المحجورات على أيدي الأولياء. أما الأزواج فلا مناسبة فيهم للرشيدات.
وتاسعها : إن الخطاب كان مع الأزواج بقوله تعالى :﴿ وقد فرضتم لهن فريضة ﴾ وهو خطاب مشافهة، فلو كان مرادين في قوله تعالى :﴿ الذي بيده عقدة النكاح ﴾ لقال : " أن تعفو "، بلفظ تاء الخطاب. فلما قال :﴿ أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ﴾ وهو خطاب غيبة لزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة، وهو وإن كان جائزا لكنه خلاف الأصل.
وعاشرها : إن وجوب الصداق أو بعضه قبل المسيس خلاف الأصل لأن استحقاق تسلم العوض يقتضي بقاء المعوض قابلا للتسليم، أما مع تعذره فلا بشهادة البيع والإجارة كذلك إذا تعذر تسليم المبيع أو المنفعة لا يجب تسليم العوض في ذلك. فإسقاط الأولياء النصف على وفق الأصل، وتكميل الزوج على خلاف الأصل، ولذلك قال مالك في المدونة : " لا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق ". قال ابن القاسم : " إلا يوجه نظر من عسر الزوج أو غيره. ولا يلحق الوصي بالأب لقصور نظره عنه. وفي الجلاب : لا يجوز للأب العفو قبل الطلاق ولا بعد الدخول بخلاف الطلاق قبل الدخول. والفرق : أن استحقاقه قبل الدخول خلاف الأصل فسلط الأب عليه إذا رآه نظرا بخلاف الدخول لتعين الاستحقاق فغلب حق الزوجة.
فائدة : يروى أن بعض الأدباء دخل على بعض الخلفاء فأنشده هذه الأبيات :
من كان مسرورا بمصرع مالك*** فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه*** قد قمن قبل تبلج الأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تسترا*** والآن حين بدون للنظار
فقال : كيف تقول : بدأن بالهمز أو بدين بالياء، فقال : يا أمير المؤمنين لا أقول بدين ولا بدأن بل بدون ". فقال له : أصبت...
وما ذكرت هذه البيات إلا لتعلقها بالآية لقوله تعالى في النساء :﴿ إلا أن يعفون ﴾ بالواو، فضعفه بعض الفقهاء بقوله : " كيف يجيء ضمير المؤنث بالواو ؟ وليس كما خطر له، وليس الواو هنا ضميرا بل من نفس الفعل لأن من " عفا، يعفو " - بالواو-، وكذلك هي في الأبيات، هو من " بدا يبدو " - بالواو، وشأن ضمير المؤنث الذي هو النون يحقق آخر الفعل، فإن كان ياء بقي ياء، وإن كان واوا بقي واوا، وإن كان همزة بقي همزة. وأي حرف كان بقي على حاله. ( الفروق : ٣/١٣٨. ١٣٩. ١٤٠. والذخيرة : ٤/٣٧١-٣٧٢-٣٧٣ ).
١٧٩- ﴿ إلا أن يعفون ﴾ خاص بالرشيدات. ( تنقيح الفصول المطبوع مع الذخيرة : ١/٩٢. و ٤/٣٧٧. والعقد المنظوم : ٢/٤٦٣ )
١٨٠- أي : يعفو النساء الرشيدات عن النصف فيسقط، وهو متفق عليه. ( الذخيرة : ٤/٣٧١ )
١٨١- وإن طلق بعد الرضا قبل البناء فنصف ما رضيا به لقوله تعالى :﴿ فنصف ما فرضتم ﴾. ( نفسه : ٤/٣٨٦ )
١٨٢- ﴿ فنصف ما فرضتم ﴾ أي : لهن. ( الذخيرة : ٤/٣٧١ )
١٨٣- فرتب النصف على الطلاق، فيكون سببه أوجب النصف بالطلاق. ( نفسه : ٤/٣٧٩ )
١٨٤- ﴿ إلا أن يعفون ﴾ استثنى العفو وأضافه للضمير الراجع للنساء، ومعلوم أن العفو لا يصح إلا من الرشيدات المالكات أمرهن دون المحجور عليهن، فهل يجب أن يقال : المحجور عليهن لجنون أو نحوها غير مرادات بلفظ النساء، وهو العموم٦ السابق في أول الكلام، لأن القاعدة العربية : أن الضمير هو عين الظاهر، فإذا كان الضمير المراد به الرشيدات كان الظاهر كذلك، وإلا اختلف الظاهر والمضمر، وهو خلاف القاعدة الموجبة لاتحادهما في المعنى حتى يدل الدليل على خلافه. ( العقد المنظوم : ٢/٤٦٣ )
١٨٥- ﴿ إلا أن يعفون ﴾ هذه " النون " ضمير خاص بالرشيدات، وهو لا عموم فيه ولا خصوص، وإذا اعتبر مع ظاهره الموجب للعموم في الحكم المتقدم من الطلاق حصل العموم في الرشيدات باعتبار هذا الحكم الثاني الذي هو العفو، واعتبر ذلك في موارد النصوص تجده كثيرا. ( العقد المنظوم : ١/٣٩٠ ).
١ - قال مالك :"قوله تعالى :﴿إلا أن يعفون﴾ فهن النساء اللاتي قد دخل بهن. ﴿أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح﴾ فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته". ن : الموطأ : ٢/٥٢٨. كتاب الطلاق، باب ما جاء في الصداق- أو أحكام ابن العربي : ١/٢٢٢..
٢ - ن : بداية المجتهد : ٤/٢٤٥..
٣ - وهو قوله صلى الله عليه وسلم :"ولي عقدة النكاح الزوج" رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن لهيعة عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده. كما أخرجه أيضا ابن أبي حاتم بسنده إلى عيسى ابن عاصم. قال :"سمعت شريحا يقول : سألني علي ابن أبي طالب عن "الذي بيده عقدة النكاح" فقلت له : هو ولي المرأة، فقال علي : لا، بل هو الزوج. وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. وهو الجديد من قول الشافعي". واختاره ابن جرير. ن :"ترتيب الفروق واختصارها". لأبي عبد الله بن محمد بن إبراهيم الباقوري (ت : ٦٥٦ هج) تحقيق الأستاذ عمر ابن عباد : ٢/٥٢ هامشا..
٤ - ووجه ضعفه أنه منقطع غير متصل السند، كما ذكره الحافظ ابن كثير حيث قال في حديث كون ولي عقدة النكاح هو "الزوج" وقد أسنده ابن جرير عن أبي لهيعة عن عمرو بن شعيب... الحديث ولم يقل عن أبيه عن جده. فالله أعلم : ١/٤٣٢. ن : ترتيب الفروق واختصارها : ٢/٥٣ هامشا..
٥ - أكد القرافي هذا التفسير في أغلب كتبه. ن : مثلا : الذخيرة : ٤/٣٧٧. وتنقيح الفصول المطبوع مع الذخيرة : ١/٩٢. وكتاب الاستغناء في الاستثناء : ٥٣٥..
٦ - يقصد لفظ :"النساء" في قوله تعالى :﴿وإذا طلقتم النساء...﴾ الآية من سورة البقرة..
١٨٦- يدل على وجوب الصلاة : الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى :﴿ حافظوا على الصلوات ﴾. ( شرح تنقيح الفصول : ٣١٧ )
١٨٧- سميت وسطى لتوسطها بين عددين، وقيل : لتوسطها بين الليل والنهار : وهي الصبح، وقيل : لتوسطها بين الأعداد الثنائية والرباعية فتتوسط الثلاثية فتكون : المغرب. وعلى القول الأول تكون : العصر، لأن قبلها الصبح والظهر، وبعدها المغرب والعشاء١. ( الذخيرة : ٢/٩ )
١٨٨- الصلاة الوسطى فيها تسعة مذاهب، قال صاحب الطراز : هي الصبح عند مالك٢ والشافعي، والظهر عند زيد بن ثابت٣، والعصر عند أبي حنيفة، والمغرب عند قبيصة بن ذؤيب٤ قال : وقيل العشاء، وقيل الصلوات الخمس، وقيل : مبهمة في الخمس كما أخفيت ليلة القدر وساعة الجمعة، قال : ولو قيل : إنها الجمعة لاتجه، ونقله المازري٥ عن غيره، ونقل بعض الأصحاب أنها : العصر والصبح.
والوسطى : مؤنث أوسط، إما من الفضيلة فلقوله تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا ﴾٦ ﴿ وقال أوسطهم ﴾٧. أو من التوسط بين صلاتين وهو مشترك في سائر الصلوات، والصبح أحق بالمعنيين. أما الأفضل فلقوله تعالى :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾٨ وفي الصحيحين : " تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح. قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ " ٩ وقوله عليه السلام : " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " ١٠. دليل فضلهما ؛ والصبح أفضلهما لما في مسلم عنه عليه السلام : " من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله " ١١ فتكون الصبح أفضل الخمس، ولأنها أكثر مشقة، وتأتي في وقت الرغبة عن الصلاة إلى النوم، فتكون أقرب للتضييع فيناسب الاهتمام بالبحث على حفظها، لتخصصها بالذكر في الكتاب العزيز، فتكون هي المرادة منه، وأما التوسط باعتبار الوقت، فلأنها منقطعة عما قبلها وعما بعدها عن المشاركة بخلاف غيرها.
حجة الظهر : توسطها وقت الظهيرة.
وحجة العصر : ما في الصحيح من قوله عليه السلام يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى : صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا " ١٢. أو أنها تأتي في وقت البيع والشراء فتضيع، فنبه على المحافظة عليها كما قال في الجمعة :﴿ وذروا البيع ﴾١٣.
حجة المغرب : توسط عددها بين الثنائية والرباعية وعدم امتداد وقتها وتجسيم الشرع لها وإتمامها في السفر.
حجة العشاء : اختصاصها بعدم تعلقها بشيء من النهار، بخلاف غيرها، لقوله عليه السلام " فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم " ١٤ ولأن النوم قد يغلب فيها فتضيع.
حجة الخمس : إنها الأوسط لها لكونها فرضا وما لا وسط له إذا أطلق عليه الوسط كان كناية عن جميعه.
والجواب عن الأول : أنها أخف مشقة من سائر الصلوات لإتيانها وقت فترة من الأعمال، والأجر على قدر النصب، فتنحط رتبتها.
وعن الثاني : أن المتروك يوم الأحزاب ثلاثة : الظهر والعصر والمغرب، فلعل الإشارة للجميع أو غيرها من الثلاث أو هي. لكن يكون تفضيلها على ما معها فلا يتناول الصبح.
وعن الثالث : أنا بينا أن الصبح أفضل بالنص الصريح، فلا يدفع بالاستدلال.
وعن الرابع : ما تقدم في الثالث.
وعن الخامس : أن الكناية لا يعدل إليها إلا عند عدم التصريح، وقد وجد كما تقدم، ولن الثالث يمكن أن يجعل وسطا للخمسة لتأخره عن اثنين وتقدمه على اثنين. ( نفسه : ٢/٣١-٣٢-٣٣ ).
١٨٩- قوله تعالى :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ في الجواهر : " يجب الإحرام والقراءة على وجه الاستقلال لقوله تعالى :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ فإن استند مع القدرة- وكان بحيث لو أزيل المستند إليه سقط- بطلت، لأنه في حكم التارك للقيام، وإلا لم تبطل مع الكراهة لتنقيص كمال القيام " ١٥. ( الذخيرة : ٢/١٦١ )
١٩٠- يطلق القنوت على طول القيام في الصلاة، وعلى الصمت، ومنه قوله تعالى :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ وعلى الدعاء، ومنه قنوت الصبح. ( نفسه : ٢/٢٣٠ ).
١ - أورد ابن الفرس كلاما مشابها لهذا في أحكام القرآن : ١٠٣..
٢ - ن : أحكام ابن العربي : ١/٢٢٤..
٣ - هو أبو سعيد زيد بن ثابت الأنصاري، شهد أحدا فما بعدها، تولى جمع المصاحف زمن أبي بكر، ونسخ المصحف زمن عثمان رضي الله عنهم جميعا. (توفي سنة نيف وأربعين). ن : شجرة النور : ٢/٨٨..
٤ - هو قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب، أبو سعيد، وقيل : أبو إسحاق (ت : ٨٦ هج) له روايات عن أبي هريرة وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وغيرهم من الصحابة. ن : أسد الغابة : ٤/٨٢..
٥ - هو محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، أبو عبد الله (ت : ٥٣٦ هج) من مصنفاته :"شرح التلقين" و"شرح البرهان" و"المعلم في شرح صحيح مسلم" وغيرها. ن : الديباج : ٢/٢٥٠. وفيات الأعيان : ٤/٢٨٥. شجرة النور : ١٢٧..
٦ - سورة النساء : ١٤٢..
٧ - سورة القلم : ٣٨..
٨ - سورة الإسراء : ٧٨..
٩ - خرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، ن : فتح الباري : ٢/١٧٣. وشرح النووي : ٣/٣١٥..
١٠ - خرجه مالك في الموطإ، ح : ٢٩٠..
١١ - ن : فيض القدير : ٦/١٦٥..
١٢ - خرجه مسلم في صحيحه. ن – شرح النووي : ٣/٣٠٧..
١٣ - سورة الجمعة : ٩..
١٤ - خرجه أبو داود في سننه : كتاب الصلاة، باب في وقت العشاء الآخرة. كما خرجه أحمد في مسند الأنصار. ح : ٢١٠٥٣..
١٥ - ن : الجواهر الثمينة : ١/١٣٥-١٣٦ بتصرف..
١٩١- قال في الكتاب : " من خاف السباع أو غيرها صلى على دابته إيماء حيثما توجهت به. فإن أمن أعاد في الوقت لقوله تعالى :﴿ فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ﴾ " ١. وفي الترمذي : " أنهم كانوا معه عليه السلام في مسيرة فانتهوا إلى مضيق، فمطروا والسماء من فوقهم والبلة من تحتهم فأذن النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأقام أو أقيم، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته فصلى بهم يومئون إيماء السجود أخفض من الركوع٢ " قال صاحب الطراز : قوله : " حينما توجهت به راحلته " معناه : إذا لم يقدر أن يتوجه بها إلى القبلة. ( نفسه : ٢/١١٩و ٤٤١ ).
١ - ن : المدونة : م ١- ج ١/٨٠..
٢ - ن : عارضة الأحوذي : ٢/٢٠٤..
١٩٢- إن الله أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد حولا بقوله تعالى :﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول ﴾ ثم نسخ بقوله تعالى :﴿ يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ﴾١. ( شرح التنقيح : ٢٣٢ ).
١ - سورة البقرة : ٢٣٢..
١٩٣- إن الواجب يعم المحسن وغيره، فلما خصصها ( أي المتعة ) دل على أنها من باب الإحسان١. ( الذخيرة : ٤/٤٤٩ )
١٩٤- المتعة عندنا مستحبة، وقال الأئمة بوجوبها لقوله تعالى :﴿ ومتعوهن ﴾٢ وقوله ﴿ وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ﴾ وظاهر الأمر الوجوب، ولأنها بدل عن نصف الصداق في غير المفروض لها، والصداق واجب فتجب.
والجواب على الأول : أن قوله تعالى فيه :﴿ حقا على المتقين ﴾ الوجوب، لأن الواجب يعم المحسن وغيره، فلما خصصها دل على أنها من باب الإحسان، وهو الجواب عن الثاني. ويرد عليهما تمسك بالمفهوم. وخصومنا تمسكوا بالمنطوق، وهو مقدم على المفهوم إجماعا. وعن الثالث : لا نسلم أنها بدل عن الصداق، بل معروف مستأنف، سلمناه، لكن وجوب النصف دون انتفاع على خلاف الأصل، فلا تكثر مخالفته. ( نفسه : ٤/٤٤٨ ).
١ - هذا التفسير رد به الإمام القرافي على الأئمة أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل القائلين بوجوب المتعة، ن : الذخيرة : ٤/٤٤٨..
٢ - سورة البقرة : ٢٣٤..
١٩٥- هذا الاستثناء يتعين عوده على الجملة الأولى دون الثانية لأن مناسبة المعنى تقتضيه. ١ ( العقد المنظوم : ٢/٣٤٧. والاستغناء : ٥٧٤. وشرح التنقيح : ٢٥٢ )
١٩٦- ﴿ فشربوا منه إلا قليلا ﴾ قال ابن الدهان٢ في " شرح الإيضاح " : على قراءة الرفع جعله صفة للواو في قوله :﴿ فشربوا ﴾ ونقله كذلك الشيخ ابن عمرون٣ في " شرح المفصل ". وكذلك قال الثمانين في " شرح اللمع " : لا تكون " إلا " و " غير " وصفين إلا لنكرة معرفة بالألف واللام.
قلت : هذا يشكل من وجهين :
أحدهما : أن المضمر لا يوصف.
وثانيهما : أن " إلا قليلا " في حكم النكرة من وجهين :
الأول : أنها حرف مع نكرة ؛ وأصل الحروف والجمل التنكير بدليل وصفهم النكرات بالجمل والمجرورات، وإذا كانت في حكم النكرة امتنع وصف المعرفة بها.
الثاني : الدال على أن " إلا " وما بعدها في حكم النكرة أنها محمولة على " غير " و " غير " نكرة. والفرع لا يكون أقوى من أصله، وهذا الإشكال يتجه أيضا على قول النحاة عن العرب أنه يجوز : " جاءني القوم إلا زيد " على الصفة. فإن " القوم " معرفة باللام. ( الاستغناء : ٢٥٩ ).
١ - الاستثناء إذا اعتقب جملتين أو جملا يمكن عوده إلى كل واحدة منهما، فإن دل دليل على تعلقها ببعض الجمل كان الاستثناء منها، وإنما قدمت الجملة الثانية ﴿ومن لم يطعمه﴾ على الاستثناء من الأول لأن الجملة الثانية تدل عليها الأولى بالمفهوم لأنه حين ذكر :"أن الله مبتليهم بنهر وأن من شرب منه فليس منه" فهم من ذلك أن من لم يشرب منه فإنه منه، فصارت الجملة الثانية كلا. فصل بين الأولى والاستثناء منها، إذ دلت عليها الأولى حتى أنه لو لم يكن مصرحا بها لفهمت من الجملة الأولى.
والمقصود من الاستثناء الرخصة في بعض الغرف لمن غلبه الظمأ. ن : معاني الفراء : ١/١٦٦. معاني الزجاج : ١/٣٣٠. البحر المحيط : ٢/٢٦٨. نقلا عن محقق العقد المنظوم : ٢/٣٤٧ هامشا..

٢ - هو سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري أبو محمد، المعروف بابن الدهان (ت : ٥٦٩ هج) من مصنفاته :"شرح الإيضاح" لأبي علي الفارسي، و"الدروس في النحو"، و"الغرة في شرح اللمع" لابن جني، وغيرها. ن : وفيات الأعيان : ١/٢٠٩. الأعلام : ٣/١٠٠. نكت : الهميان : ١٥٨..
٣ - هو محمد بن أبي علي بن أبي سعد بن عمرون الحلبي، جمال الدين أبو عبد الله. لغوي (ت : ٦٤٩ هج) من مصنفاته :"شرح المفصل" ن : معجم المؤلفين : ٣/٦٦٠..
١٩٧- ﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ﴾ فيه من الأسئلة : ما معنى الإحاطة ها هنا ؟ وهل هي مجاز أو حقيقة ؟ وكيف دخل " مِن " على علم الله تعالى وهو لا يتبعّض ؟ وكيف يمكن أن يكون الاستثناء متصلا ؟.
والجواب : أن المراد بالإحاطة هاهنا الكشف. وتسميةُ الكشفِ إحاطةً مِن مجازِ التشبيه، شبّه إحاطةَ التعلق من جهة العلم بالمعلوم بإحاطةِ الجسم بالجسم ولذلك قال الله تعالى :﴿ لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ﴾١ وقوله تعالى :﴿ وأحصى كل شيء عددا ﴾٢ فسمى تعلق علمه تعالى من مجاز الاستعارة.
وأما " من " هاهنا فهي للتبعيض وعلم الله تعالى صفة واحدة لا يدخلها التبعيض وإنما المراد هاهنا بالعلم المعلوم من مجاز التعبير بالمتعلق عن المتعلق، والمراد : " لا يحيطون بشيء من معلوماته إلا بما شاء أن يحيطوا به. فيحيطون حينئذ " فالاستثناء متصل ؛ لأن ما شاء الله من المعلومات هو بعض ما حكم عليه قبل إلا، بناء على أن الاتصال والانقطاع يكون بحسب المراد باللفظ لا بحسب مدلول اللفظ لغة، وهذا يؤيد بحث الشيخ أبي عمرو رحمه الله في المسألة المذكورة قبل هذه المسألة٣، وإلا فمقتضى اللفظ الواقع قبل إلا، وهو لفظ العلم، وتعذر التبعيض فيه أن يكون الاستثناء منقطعا فتأمل ذلك. ( نفسه : ٣٠٦-٣٠٧ )
١٩٨- ﴿ ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ﴾ أي : لا يثقله. ( الفروق : ٢/٤٠ )
١٩٩- ﴿ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ﴾.
هذه الآية تحتمل معنيين :
أحدهما : أن تكون للمصاحبة مثل قولك : " خرج زيد بثيابه "، وبعت الفرس بسرجه "، أي : " مصاحبا لثيابه وسرجه "، ويكون تقديره الآية : " لا أحد يشفع عنده إلا مصاحبا لإذن الله تعالى في ذلك " وعلى هذا التقدير لا تكون الآية من هذا الباب.
ويحتمل أن يكون معناها : " لا أحد يشفع عنده بسبب من الأسباب التي توصله بذلك، وتقدر عليه إلا بإذن الله تعالى له في ذلك "، فإن الله تعالى إذا أذن له في ذلك كان ذلك سببا لاقتداره على الشفاعة، فهذا هو الظاهر عندي. وعلى هذا تكون هذه الآية من هذا الباب. والاستفهام في الآية معناه : النفي المحض لاستحالة الاستفهام على الله تعالى. والتقدير : " لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه ".
والإذن هاهنا يحتمل أمرين :
أحدهما : الإباحة، وعلى هذا يرجع إلى صفة الكلام.
وثانيهما : أن يكون من باب القدرة مثل قوله تعالى :﴿ فيكون طائرا بإذني ﴾٤ أي : بقدرتي. ( الاستغناء : ٤٩٥ ).
١ - سورة الطلاق : ١٢..
٢ - سورة الجن : ٢٨..
٣ - يقصد قول الشيخ أبي عمرو بن الحاجب :"قد يكون المذكور بعد "إلا" من مسمى اللفظ السابق ويكون الاستثناء منقطعا بأن تقول :"رأيت إخوتك"، وتريد بعض إخوتك على التعيين، ونذكر بعد إلا زيدا، ويكون هذا زيد ليس من أولئك المعنيين، فنقول "رأيت إخوتك إلا زيدا"، ويكون الاستثناء منقطعا على هذا التقدير لأن زيدا ليس بعض من أطلق عليه اللفظ أولا..." تتمة هذه المسألة في كتاب الاستغناء : ٣٠٥..
٤ - سورة المائدة : ١١٠..
٢٠٠- أي : من أجل أن أعطاه الله الملك، فلو كان النمرود فقيرا حقيرا مبتلى بالحاجات والضرورات لم تحتد نفسه إلى منازعة إبراهيم ودعواه الإحياء أو الإماتة وتعرضه لإحراق إبراهيم عليه السلام بالنيران، وإنما وصل إلى هذه المعاطب والمهالك بسبب أنه ملك. ( الفروق : ٤/٢٢١ ).
٢٠١- هذا الاستفهام١ أيضا، المراد به العموم لأن معناه النفي، ولأنه لا يقصد أحدكم أن تكون له هذه الجنات وقد أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء، فتهلك هذه الجنات، والحالة هذه، فحصل العموم لأنه نكرة في سياق النفي. ( العقد المنظوم : ١/٥٤٨ )
١ - هو استفهام إنكاري فيه تحذير. ن :"جامع البيان" للطبري : ٣/٧٤. "التحرير والتنوير" : ٣/٥٣..
٢٠٢- أي : لا تقصدوه. ( الذخيرة : ١/٣٣٤ )
٢٠٣- المراد به : الدنية. ( نفسه : ٤/١٠٤ )
٢٠٤- التيمم في اللغة : من الأم- بفتح الهمزة- وهو القصد، يقال : أمه وأممه وتأممه : إذا قصده، وأمه أيضا : شجه في وسط رأسه. ( نفسه : ١/٣٣٤ )
٢٠٥- " ابتغاء " : منصوب على أنه مفعول من أجله، وتقدير الآية :( ما تنفقون لغرض من الأغراض إلا لغرض قصد وجه الله تعالى وطاعته والتقرب إليه ) فهذا هو السبب الذي يبعثهم دون غيره من الأسباب، فهو استثناء من الأسباب، وهي غير ملفوظ بها، وهو استثناء متصل لأنه من الجنس، وبالنقيض فإن المحكوم به بعد " إلا " الثبوت، وقبلها : السلب وهما نقيضان.
وكثير من فضلاء النحاة يعدون هذا من الاستثناء المنقطع، لأنهم يلاحظون الملفوظ، فلا يجدونه من جنس ما استثني، فيحمون بانقطاعه، وليس كذلك، بل الاستثناء من الأمور العامة التي لم يلفظ بها، والجنس فيها واحد، فتأمل ذلك. ( الاستغناء : ٥٤٧ )
٢٠٦- قال أبو عمر : وحصرني وأحصرني : إذا حبسني، لقوله تعالى :﴿ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ﴾ يريد : أحصرهم الفقر، وقيل : حصره إذا ضيق عليه، وأحصره : إذا منعه شيئا وإن لم يضيق عليه غيره، فمن منع من الخروج من البلد فقد حصر لأنه ضيق عليه، أو منع من دخولها : فقد أحصر. ( الذخيرة : ٣/١٨٧ )
٢٠٧- فالاستثناء عائد على " يقومون " دون " يأكلون ".. ( الاستغناء في الاستثناء : ٥٧٤ )
٢٠٨- تقديره : لا يقومون في حالة من الحالات إلا في حالة شبههم بمن يتخبطه الشيطان. فإن قلت : ما العامل في الكاف ؟
قلت : يجوز أن يكون الحال المحذوفة، تقديره : " إلا كائنين كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ". ويجوز أن يكون العامل فيها صفة لمصدر محذوف، تقديره : " لا يقومون إلا قياما كائنا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ".
وعلى هذا تكون هذه الآية من باب الاستثناء من المنطوق من المصادر المنطوق بها في قوله : " يقومون ".
فإن قلت : ما معنى " ما " التي دخلت عليها الكاف ؟.
قلت : مصدرية. تقديره : " كقيام الذي يتخبطه الشيطان ". و " ما " مع الفعل بتأويل المصدر. ثم هذا المصدر يختلف حاله، فإن كان العامل صفة مصدر أبقيناه مصدرا على حاله تحقيقا للتشبيه، وإن كان العامل محذوفا كان المصدر مؤولا باسم الفاعل، وفي معناه تحقيقا للتشبيه، فإن المشبه به هو اسم الفاعل، وتشبيه اسم الفاعل بالمصدر لا يصلح، بل يتعين التأويل تحقيقا للتشبيه، ويجوز أن تكون الكاف نفسها اسما في موضع نصب، بل منصوبة بمعنى " مثل " ويكون هذا المثل الذي هو الكاف هو الصفة المشبهة بها المصدر أو اسم الفاعل. ( نفسه : ٥٣٦-٥٣٧ )
٢٠٩- ﴿ وأحل الله البيع وحرم الربا ﴾ إن الصحابة خصصوا عموم قوله تعالى :﴿ وأحل الله البيع ﴾ بخبر أبي سعيد١ في المنع من بيع الدرهم بالدرهمين٢. قلت : وهذا أيضا من الطراز الأول فإن البيع له أحوال : يقع مع حالة الزيادة، ومع عدم حالة الزيادة، ومع الربويات، ومع غير الربويات.
والعام في الأشخاص مطلق في الأحوال، فلا يتناول العموم حالة الزيادة في الربويات، فلا يكون إخراجها تخصيصا. ( العقد المنظوم : ٢/٤٠٨ )
٢١٠- يقتضي حل بيع الأرز متفاضلا ونسيئة، والقياس على البقر يمنعه، فإن أعملناهما أبحنا التفاضل بالآية ومنعناه بالقياس، فيجتمع النقيضان، أو ألغيناهما فنلغي الحل من الآية، والتحريم من القياس، فيحل ولا يحل، وهو ارتفاع النقيضين، أو الجمع بين النقيضين، فإن إلغاء العموم يقتضي أن لا يحل، وإلغاء القياس أن لا يحرم، وإن قدمنا العموم لزم تقديم الأضعف، فإن العموم يجوز إطلاقه بدزن غرادة الأرز، وقياس الأرز لا يمكن أن يثبت بدون التحريم في الأرز، وهذه الدلالة مطردة في جميع صور التخصيص في هذا التقدير. ( شرح تنقيح الفصول : ٢٠٤ )
٢١١- البيع يتصور فيه الربا، والعرض بالعرض لمنفعة ربا لقوله تعالى :﴿ وحرم الربا ﴾ فإنه عام إلا ما خصه الدليل. ( الذخيرة : ٥/٢٩١ )
١ - هو أبو سعيد بن مالك الخذري الأنصاري الخزرحي. صحابي جليل كان ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم غزا اثني عشر غزوة وله في كتب الحديث ما يربو على سبعين ومائة ألف حديث. (ت : ٧٤ هج) : أسد الغابة : ٢١٣. وصفوة الصفوة : ١/٧١٤..
٢ - الحديث خرجه مالك في الموطأ عن نافع عن أبي سعيد الخذري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لا تبيعوا الذهب بالذهب... إلا مثلا بمثل- الحديث" كتاب البيوع، باب بيع الذهب بالفضة وهو لفظ البخاري أيضا في كتاب البيوع، باب : بيع الفضة بالفضة.
ومسلم في كتاب البيوع. باب : الربا..

٢١٢- الأذان بمعنى : العلم : ومنه قوله تعالى :﴿ فآذنوا بحرب من الله ﴾. ( الذخيرة : ٢/٤٣ )
٢١٣- إن القاعدة : أن ثواب الواجب أعظم من ثواب المندوب، وإنظار المعسر بالدين واجب لقوله تعالى :﴿ وأن تصدقوا خير لكم ﴾ ولأن الإبراء متضمن لمصلحة الإنظار وزيادة، فلذلك كان أعظم ثوابا منه، ولأن الأصل في كثرة الثواب والعقاب كثرة المصالح والمفاسد وقلتها. ( نفسه : ٥/٢٩٥ )
٢١٤- ظاهر قوله تعالى :﴿ فنظرة إلى ميسرة ﴾ يقتضي سقوط المطالبة. ( نفسه : ٨/١٥٩ )
٢١٥- الإشهاد في الدين مندوب لقوله تعالى :﴿ إذا تداينتم بدين ﴾ الآية. ( نفسه : ٥/٢٨٥ )
٢١٦- فالأمر بالكتابة دليل المشروعية ( أي : مشروعية القرض ). ( نفسه : ١٠/٣٨٧ )
٢١٧- ﴿ فليملل وليه بالعدل ﴾ قيل : الهاء في " وليه " عائدة على الذي له الحق. وقيل : على ولي المطلوب. وقيل : السفيه الجاهل بالأشياء. وقيل : المبذر. وقيل : الضعيف : العاجز عن الإملاء وقيل : الأحمق الضعيف عقله والذي لا يستطيع لغيبة أو عذر، ويحتمل في السفيه أنه باشر العقد، أو وليه عقد فهو أولى لأنه تصرف مأذون فيه ولي الضعيف وكيله. ( الذخيرة : ١٠/٣٨٧ )
٢١٨- مقتضاها : أن السفيه يداين ويعامل. ( نفسه : ٨/٢٤٦ )
٢١٩- ﴿ ولا يبخس منه شيئا ﴾ : دليل على جواز العقد بغير بينة. ( نفسه : ١٠/٣٨٧ )
٢٢٠- السبب الثاني من أسباب الحجر : الجنون، لقوله تعالى :﴿ فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ﴾ والمجنون ضعيف فيكون مسلوب العبارة يحجر عليه. ( نفسه : ٨/٢٤٤ )
٢٢١- السبب الثالث من أسباب الحجر : التبذير، لقوله تعالى :﴿ فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا ﴾. الآية المتقدمة، فجعله الله تعالى مسلوب العبارة في الإقرار، ومن سقط إقراره حجر عليه. ( نفسه : ٨/٢٤٥ )
٢٢٢- ﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ﴾ لا تجوز شهادة رجل وامرأتين إلا عند عدم الرجلين. وقد أجمعت الأمة على جوازه عند وجود الرجلين، وإن عدمهما ليس شرطا١. فنستفيد من هذه الآية سؤالين عظيمتين :
أحدهما : أن الصيغة لا تقتضي الترتيب.
وثانيهما : أنه لا يلزم من عدم الشرط عدم المشروط. وهو خلاف الإجماع. ( الفروق : ١/١٠٦ )
٢٢٣- سؤال : يلزم على هذه القاعدة٢ أن قوله تعالى :﴿ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ﴾ يوجب أن الإنسان يحرم عليه أن يستشهد رجلا وامرأتين عند القدرة على رجلين، أو أن يكون ذلك غير مشروع في حقه وإن لم يكن حراما، وهو خلاف الإجماع. فيلزم أحد الأمرين :- إما أن تكون هذه الصيغة لا تدل على الترتيب، وهو خلاف ما عليه الفقهاء. - أو تدل، فيلزم خلاف الإجماع في هذه الصورة.
جوابه : أن الحق في هذه المسألة أن هذه الصيغة لا تستقل بالدلالة على الترتيب، بل قد تستعمل للحصر كقولك :( إن لم يكن هذا العدد زوجا فهو فرد ) و( إن لم يكن زيدا متحركا فهو ساكن، وإن لم يكن حيا فهو ميت ) فهذا كلام عربي. والمقصود بيان الحصر في هاتين الحالتين : الزوج والفرد، والحركة والسكون، والحياة والموت. وهو مقصود الآية.
ومعناه : أن الحجة الشرعية الكاملة من الشهادة في الأموال منحصرة في الرجلين. والرجل والمرأتين. وأما الشاهد واليمين والنكول، وغير ذلك، فليس بحجة تامة من الشهادة، بل من الشهادة وغيرها، وهو اليمين، أو كلها لا شهادة فيها كاليمين والنكول. أما حجة تامة شرعية كلها ليس إلا هذين القسمين، فإذا تعذر أحدهما تعين الآخر فتصير هذه الآية دليلا على عدم قبول أربع نسوة في الأموال كما نقل عن الشافعي رضي الله عنه. ومتى استعملت هذه الصيغة لبيان الحصر لا تدل على أن أحد القسمين لا يشرع إلا عند عدم الآخر، بل تدل على أن المشروع محصور فيهما في ذلك الباب الذي سبق الكلام لأجله.
وإذا تقرر هذا تعين أن هذه الصيغة تصلح للترتيب ولبيان الحصر، واللفظ الصالح للمختلفات لا يثبت به أحدهما إلا بدليل منفصل، فتحصل أن الحق أنها لا تستقل بالدلالة على الترتيب بمجردها، وحينئذ نقول : قرينة كون الوضع لا يصلح للحصر قرينة دالة على أنها للترتيب، فإنه لا يحسن استعمالها لغيرهما، لو قلت :( إن لم يكن العدد عشرة فهو مائة ) لم يصح، أو :( إن لم يكن زيد في البيت فهو في السوق ) حيث لا يعلم الحصر، لم يكن كلاما عربيا. فهذا هو تلخيص هذا الوضع، وهو موضع حسن غريب وينشأ منه سؤالان :
احدهما : في الآية في اقتضائها الترتيب، وهو خلاف الإجماع.
ثانيهما : على قاعدة الترتيب فيقال : قد تستعمل للحصر. ( شرح التنقيح : ١٥٤-١٥٥ ).
٢٢٤- ﴿ فرجل وامرأتان ﴾ معنى الآية : أنهما يقومان مقام الرجل في الحكم بدليل الرفع، ولو كان المراد ما ذكرتم٣ لقال :( فرجلا وامرأة )٤ بالنصب لأنه خبر كان، ويكون تقديره : فإن لم يكن الشاهدان رجلين، فيكونان رجلا وامرأتين، فلما رفع على الابتداء، كان تقديره : رجل وامرأتان يقومان مقام الشاهدين. فحذف الخبر. ( الذخيرة : ١٠/٢٥٤ )
٢٢٥- ﴿ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ﴾ المراد : الماهية بقيد الوحدة، ولكن في سياق الثبوت. ( العقد المنظوم : ٢/٤٣٦ )
٢٢٦- النساء غير موثوق بحفظهن لضعف عقلهن، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ﴾. ( الذخيرة : ١٠/٢٤٦ )
٢٢٧- إن الأصل قبول المرأة الواحدة لوجود وصف العدالة، وإنما أضاف الله تعالى امرأة أخرى للتذكير خشية النسيان لقوله تعالى :﴿ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ﴾. ( نفسه : ١٢/٣٧٧-٣٧٨ )
٢٢٨- ﴿ ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ﴾ قال مالك : " إذا دعوا للأداء ". ٥ وقال عطاء٦ : " معناه : الأداء والتحمل ". ( نفسه : ١٠/١٥٢ ).
٢٢٩- ﴿ إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ﴾ تقديره : " اكتبوا المال في كل حالة من الحالات إلا في حالة كونها تجارة جاهزة فلا تؤمرون بالكتابة حينئذ "، فهذه الحالة مستثناة من الأحوال التي لم ينطق بها، و " أن تكون " في موضع نصب على الحال.
و " أن " مع الفعل الذي بعدها هو " تكون " في تأويل المصدر، والمصدر في تأويل اسم الفاعل المنصوب على الحال، وتقديره : " إلا كانت تجارة حاضرة ". ويتعين ذلك تحقيقا للحال، وكونها مشتقة، والمصدر لا يقع حالا إلا مؤولا. ( الاستغناء : ٥٣٧-٥٣٨ ).
٢٣٠- ﴿ وأشهدوا إذا تبايعتم ﴾ قال صاحب المقدمات٧ : مذهب مالك في قوله تعالى :﴿ وأشهدوا إذا تبايعتم ﴾ : الندب في الشهادة على البيع، وأوجبه بعض الظاهرية لأن الأمر للوجوب. ( الذخيرة : ١٠/١٥٢ )
٢٣١- ﴿ ولا يضار كاتب ولا شهيد ﴾ قال سفيان٨ في قوله تعالى :﴿ لا يضار كاتب ولا شهيد ﴾ : يطلبه في حال شغله. ( الذخيرة : ١٠/١٥٢ )
٢٣٢- ﴿ والله بكل شيء عليم ﴾ قال ابن جني٩ : " كلام العرب كله مجاز، وغلبة الخصوصات والعمومات حتى روي عن ابن عباس أنه قال : ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى :﴿ والله بكل شيء عليم ﴾. ( الفروق : ٤/١٠٧ ).
١ - يقول الشيخ الطاهر بن عاشور :"وجيء في الآية ب "كان" الناقصة مع التمكين من أن يقال : فغن لم يكن رجلان، لئلا يتوهم منه أن شهادة المرأتين لا تقبل إلا عند تعذر الرجلين كما توهمه قوم. وهو خلاف قول الجمهور لأن مقصود الشارع التوسعة على المتعاملين" ن :"التحرير والتنوير" : ٣/١٠٩.
ويقول ابن حزم :"اتفقوا على قول رجل وامرأتين إن لم يوجد رجلان في الديون من الأموال خاصة". ن : مراتب الإجماع : ٥٣..

٢ - يقصد قوله :"والذي رأيته للفقهاء أن الله تعالى متى قال :(افعلوا كذا، أو كذا)ـ فهو للتخيير. وكذلك : إما كذا وإما كذا. ومتى قال :(فمن لم يجد كذا فليفعل كذا، وإن لم يجد كذا فليفعل كذا...) فصورة الشرط مستند الترتيب. ولفظ "أو" موجب التخيير." ن : شرح التنقيح : ١٥٤..
٣ - ذكر الأئمة (الشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة) في هذه الآية ما نصه :"اقيم الرجل والمرأتان مقام الرجل إنما عند عدم الشاهدين". قال الإمام القرافي :"هو باطل لجوازهما مع وجود الشاهدين إجماعا، فتعين أنه تعالى أقامهما في التسمية فيكونان مرا دين". ن : الذخيرة : ١٠/٢٥٤..
٤ - كذا في الأصل المطبوع، ولعل الصواب : وامرأتين..
٥ - وضح مالك هذا التفسير بقوله :"إنما ذلك بعدما أشهدوا، وأما قبل أن يشهدوا فأرجو أن يكون في سعة، وإذا كان ثم من يشهد، وليس كل أمر يجب على الرجل أن يشهد عليه، من الأمور أمور لا يجب على الرجل أن يشهد فيها" ن :"البيان والتحصيل" لابن رشد : ١٧/٧٧..
٦ - هو أبو محمد عطاء بن أبي رباح القرشي، تابعي مفسر، سمع عبد الله بن عمر، وروى عنه عمرو بن دينار (ت : ١١٥ هج) ن :"تهذيب الأسماء" : ١/٣٣٣. "صفوة الصفوة " : ٢/٢١١..
٧ - لم أعثر على هذا النص بلفظه في "المقدمات" وإنما وقفت على عبارة لابن رشد تفيد الإباحة حيث يقول :"إن الله تبارك وتعالى أباح البيع لعباده وأذن لهم إذنا مطلقا في غير ما آية من كتابه فقال : وأشهدوا إذا تبايعتم" ملحق المدونة الكبرى : ٥/٣٧٨..
٨ - لم استطع تعيين المراد منه : سفيان الثوري أم سفيان بن عيينة ؟ أم غيرها؟..
٩ - هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت : ٣٩٢ هج). إمام اللغة والنحو والقراء. لزم أبا على الفارسي حتى برع. له تصانيف في اللغة خاصة منها كتابه المشهور "الخصائص" ن : تاريخ بغداد : ١١/٣١١. إنباء الرواة : ٢/٣٣٥. وأعلام النبلاء : ١٧/١٧..
٢٣٣- الرهن : اللزوم، وكل شيء ملزوم فهو رهن، وهذا رهن، أي : محبوس دائم لك، وكل شيء ثبت ودام فقد : رهن. ويسمى آخذ الرهن مرتهنا- بكسر الهاء- وينطلق على الراهن لأنه سبيل الرهن. قال الجوهري : " يجوز : رهنته رهنا. وجمعه : رهان، كحبل وحبال. ويقال : رهن- بضمهما- جمعا لرهان مثل : فراش وفرش. ومعناه : دام وثبت. والراهن : الثابت والراهن : المهزول من الإبل والناس. وأرهنت في السلعة غاليت بها. وأرهنت فيها أي : أسلفت فيها " ١. وأصله قوله تعالى :﴿ وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ﴾.
٢٣٣- في الكتاب : " إذا اختلفا ( الدائن والمدين ) في مبلغ الدين، فالرهن شاهد للمرتهن٢ خلافا للأئمة. لنا : أن الله تعالى جعله بدلا من الشاهد بقوله :﴿ ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ﴾ والكاتب : الشاهد عند أئمة التفسير. ويدل الشيء يقوم مقامه، فيقوم الرهن مقام الشاهد فيشهد، وهو المطلوب. ( الذخيرة : ٨/١٤٧ )
٢٣٤- ﴿ فرهانٌ مقبوضة ﴾ شرط في وصف كونه رهنا القبض لأن الصفة قائمة مقام الشرط. ( نفسه : ٨/١٠٠ )
٢٣٥- قال اللخمي : الإجماع على جواز الرهن سفرا وحضرا إلا مجاهدا٣ منعه في الحضر بمفهوم قوله تعالى :﴿ وإن كنتم على سفر ﴾ فشرط السفر.
وجوابه : إنما خصّص السّفر لِغَلَبَةِ فقدان الكاتب الذي هو البينة فيه. ( نفسه : ٨/٧٥ )
٢٣٦- يجوز الرهن ولا يجب خلافا للظاهرية لقوله تعالى :﴿ فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته ﴾ ولأنه جعله بدل الشهادة، وهي لا تجب فلا يجب. ( نفسه : ٨/٧٧ ).
١ - ن : الصحاح : ٥/٢١٢٨-٢١٢٩..
٢ - ن : المدونة : ٤/١٤٥..
٣ - هو مجاهد بن جبير أبو الحجاج المكي، أحد الأعلام من التابعين والأئمة المفسرين أخذ التفسير عن ابن عباس. وروى عن جابر وأبي هريرة. كما روى عنه عدد من التابعين (ت : ١٠١ هج) ن :"صفوة الصفوة" : ٢/٢٠٨. "تهذيب الأسماء" : ٢/٨٣..
٢٣٧- يجوز تكليف ما لا يطاق خلافا للمعتزلة والغزالي١ وإن كان لم يقع في الشرع٢ خلافا للإمام فخر الدين٣. لنا قوله تعالى :﴿ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ﴾ فسؤال دفعه يدل على جوازه وقوله تعالى :﴿ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ﴾ يدل على عدم وقوعه. وهاهنا دقيقة وهي أن ما لا يطاق قد يكون عاديا فقط كالطيران في الهواء، أو عقليا فقط كإيمان الكافر الذي علم الله تعالى أنه لا يؤمن، أو عاديا وعقليا معا كالجمع بين الضدين. والأول والثالث هما المرادان هاهنا دون الثاني. ( تنقيح الفصول المطبوع مع الذخيرة : ١/٨٠-٨١ وشرح التنقيح : ١٤٣ )
٢٣٨- ﴿ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ﴾ تقديره : " لا يقع التكليف من الله تعالى للنفس في حالة من الحالات إلا مطيقة لذلك التكليف ".
فالوسع مصدر عبر به عن اسم الفاعل حتى يحسن حالا من النفس وتقديره مؤنثا لأجل صاحب الحال. ( الاستغناء : ٥٣٨ )
٢٣٩- التكليف مع عدم العلم تكليف بغير الوسع. ( شرح تنقيح الفصول : ٧٩ )
٢٤٠- إذا أراد الداعي بقوله :﴿ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ﴾ أي : من البلايا والرزايا والمكروهات جاز له لأنه لم تدل النصوص على نفي ذلك، بخلاف التكاليف الشرعية فإنها مرفوعة بقوله تعالى :﴿ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ﴾ فيقتضي طلب رفع ذلك، فإن أطلق العموم من غير تخصيص لا بالنية ولا بالعبادة عصى لاشتمال العموم على ما لا يجوز، فيكون ذلك حراما لأن فيه طلب تحصيل الحاصل. ( الفروق : ٤/٢٧٦ )
١ - هو أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، المكنى بالغزالي (ت : ٥٠٥ هج). له تصانيف عديدة فاقت أربعين مصنفان منها "إحياء علوم الدين". "جواهر القرءان ودرره". "المستصفى". وغيرها. ن :"شذرات الذهب" : ٤/١١. "طبقات الشافعية الكبرى" : ٤/١٠٢. "الوافي بالوفيات" : ١/٢٧٥..
٢ - نقل عن الغزالي عكس ما ذهب إليه القرافي، حيث قال في تفسير الآية نفسها :"يجوز على الله سبحانه أن يكلف الخلق ما لا يطيقون، خلافا للمعتزلة ولو لم يجز ذلك لاستحال سؤال دفعه وقد سألوا ذلك فقالوا :﴿ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به﴾ ولأن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن أبا جهل لا يصدقه، ثم أمره بأن يصدقه في جميع أقواله وكان من جملة أقواله أنه لا يصدقه، فكيف يصدقه في أنه لا يصدقه، وهل هذا إلا محال وجوده؟ الإحياء : ١/١٣٣.
.

٣ - هو محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، الملقب بفخر الدين والمكنى بأبي عبد الله الرازي الشافعي. (ت : ٦٠٦) له مصنفات عديدة، منها :"المحصول" و"مفاتيح الغيب" و"الأربعين في أصول الدين" و"لباب الإشارات" وغيرها. ن : طبقات الشافعية الكبرى : ٨/٨١. الوافي بالوفيات : ٢/٢٤٨. البداية والنهاية : ١٣/٥٥..
Icon