ﰡ
أحدها : نجوم القرآن إذا نزلت لأنه كان ينزل نجوماً، قاله مجاهد.
الثاني : أنها الثريا، رواه ابن أبي نجيح، لأنهم كانوا يخافون الأمراض عند طلوعها.
الثالث : أنها الزهرة، قاله السدي، لأن قوماً من العرب كانوا يعبدونها.
الرابع : أنها جماعة النجوم، قاله الحسن، وليس بممتنع أن يعبر عنها بلفظ الواحد كما قال عمر بن أبي ربيعة :
أحسن النجم في السماء الثريا | والثريا في الأرض زين النساء |
وفي قوله تعالى ﴿ إِذَا هَوى ﴾ ستة أقاويل :
أحدها : النجوم إذا رقي إليها الشياطين، قاله الضحاك.
الثاني : إذا سقط.
الثالث : إذا غاب.
الرابع : إذا ارتفع.
الخامس : إذا نزل.
السادس : إذا جرى، ومهواها جريها، لأنها لا تفتر في جريها في طلوعها وغروبها، وهذا قول أكثر المفسرين.
وهذا قسم، وعلى القول الخامس في انقضاض النجوم خبر.
﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ يعني : محمداً ﷺ، وفيه وجهان :
أحدهما : ما ضل عن قصد الحق ولا غوى في اتباع الباطل.
الثاني : ما ضل بارتكاب الضلال، وما غوى بأن خاب سعيه، وألفى الخيبة كما قال الشاعر :
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره | ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً |
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وما ينطق عن هواه، وهو ينطق عن أمر الله، قاله قتادة.
الثاني : ما ينطق بالهوى والشهوة، إن هو إلا وحي يوحى بأمر ونهي من الله تعالى له.
﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ أي يوحيه الله إلى جبريل ويوحيه جبريل إليه.
﴿ ذو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : ذو منظر حسن، قاله ابن عباس.
الثاني : ذو غناء، قاله الحسن.
الثالث : ذو قوة، قاله مجاهد وقتادة، ومن قول خفاف بن ندبة :
إني امرؤ ذو مرة فاستبقني | فيما ينوب من الخطوب صليب |
كنت فيهم أبداً ذا حيلة | محكم المرة مأمون العقد |
قد كنت عند لقاكم ذا مرة | عندي لكل مخاصم ميزانه |
أحدها : فاستوى جبريل في مكانه، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : قام جبريل على صورته التي خلق عليها لأنه كان يظهر له قبل ذلك في صورة لا رجل. حكى ابن مسعود أن النبي ﷺ لم ير جبريل على صورته إلا مرتين : أما واحدة، فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق. وأما الثانية، فإنه كان معه حين صعد، وذلك قوله ﴿ وَهُوَ بِاْلأُفُقِ الأَعْلَى ﴾.
الثالث : فاستوى القرآن في صدره، وفيه على هذا وجهان :
أحدهما : فاعتدل في قوته.
الثاني : في رسالته.
الرابع : يعني : فارتفع، وفيه على هذا وجهان :
أحدهما : أنه جبريل ارتفع إلى مكانه.
الثاني : أنه النبي ﷺ، ارتفع بالمعراج.
﴿ وَهُوَ بِلأُفُقِ الأَعْلَى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه جبريل حين رأى النبي ﷺ بالأفق الأعلى، قاله السدي.
الثاني : أنه النبي ﷺ رأى جبريل بالأفق الأعلى، قاله عكرمة. وفي الأفق الأعلى ثلاثة أقاويل :
أحدها : هو مطلع الشمس، قاله مجاهد.
الثاني : هو الأفق الذي يأتي منه النهار، قاله قتادة، يعني طلوع الفجر.
الثالث : هو أفق السماء وهو جانب من جوانبها، قاله ابن زيد، ومنه قول الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم | لنا قمراها والنجوم والطوالع |
أحدهما : أنه جبريل، قاله قتادة.
الثاني : أنه الرب، قاله ابن عباس.
وقوله ﴿ فَتَدَلَّى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعلق فيما بين والسفل لأنه رآه منتصباً مرتفعاً ثم رآه متدلياً، قاله ابن بحر.
الثاني : معناه قرب، ومنه قوله تعالى :﴿ وَتُدلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾ أي تقربوها إليهم، وقال الشاعر :
أتيتك لا أدلي بقربى قريبة | إليك ولكني بجودك واثق |
﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : قيد قوسين، قاله قتادة والحسن.
الثاني : أنه بحيث الوتر من القوس، قاله مجاهد.
الثالث : من مقبضها إلى طرفها، قاله عبد الحارث.
الرابع : قدر ذراعين، قاله السدي، فيكون القاب عبارة عن القدر، والقوس عبارة عن الذراع.
أحدها : أنه جبريل من ربه، قاله مجاهد وهو قول ابن عباس.
الثاني : أنه محمد ﷺ من ربه، قاله محمد بن كعب.
الثالث : أنه جبريل من محمد ﷺ.
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى ﴾ في عبده الموحى إليه قولان :
أحدهما : أنه جبريل عليه السلام أوحى إليه ما يوحي إلى رسول الله ﷺ، قالته عائشة، والحسن، وقتادة.
الثاني : أنه محمد ﷺ أوحي إليه على لسان جبريل، قاله ابن عباس والسدي.
﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ في الفؤاد قولان :
أحدهما : أنه أراد صاحب الفؤاد فعبر عنه بالفؤاد لأنه قطب الجسد وقوام الحياة.
الثاني : أنه أرد نفس الفؤاد لأنه محل الاعتقاد وفيه قولان :
أحدهما : معناه ما أوهمه فؤداه ما هو بخلافه كتوهم السراب ماء، فيصير فؤاده بتوهم المحال كالكاذب له، وهو تأويل من قرأ ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ ﴾ بالتخفيف.
الثاني : معناه ما أنكر قلبه ما رأته عينه، وهو تأويل من قرأ ﴿ كَذَّبَ ﴾ بالتشديد.
وفي الذي رأى خمسة أقاويل :
أحدها : رأى ربه بعينه، قاله ابن عباس.
الثاني : في المنام، قاله السدي.
الثالث : أنه بقلبه روى محمد بن كعب قال : قلنا يا رسول الله [ هل رأيت ربك ] ؟ قال :« رَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ » ثم قرأ :﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾.
الرابع : أنه رأى جلاله، قاله الحسن، وروى أبو العالية قال : سئل رسول الله ﷺ قال :« رَأَيتُ نَهْرَاً وَرَأَيتُ وَرَاءَ النَّهْرِ حَجَاباً ورَأَيتُ وَرَاءَ الحِجَابِ نُوراً لَمْ أَرَ غَيَرَ ذَلِكَ ».
الخامس : أنه رأى جبريل على صورته مرتين، قاله ابن مسعود.
﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أفتجادلونه على ما يرى، قاله إبراهيم.
الثاني : أفتجادلونه على ما يرى، وهو مأثور.
الثالث : أفتشككونه على ما يرى، قاله مقاتل.
﴿ وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ يعني أنه رأى ما رآه ثانية بعد أُولى، قال كعب : إن الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى عليهما السلام، فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين.
﴿ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ﴾ روي فيها خبران.
أحدهما : ما روى طلحة بن مصرف عن مرة عن ابن مسعود قال : لما أسري بالنبي ﷺ انتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها الخبر.
الثاني : ما رواه معمر عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال :« رُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ الْمُنتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثَمَرُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجْرٍ، وَوَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ، يَخْرُجُ مِن سَاقِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بِاطِنَانِ، قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ : أَمَّا النَّهْرَانِ البَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا النَّهْرانِ الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ ».
أحدها : لانه ينتهي علم الأنبياء إليها، ويعزب علمهم عما وراءها، قاله ابن عباس.
الثاني : لأن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها، قاله الضحاك.
الثالث : لانتهاء الملائكة والنبيين إليها ووقوفهم عندها، قاله كعب.
الرابع : لأنه ينتهي إليها كل من كان على سنة رسول الله ﷺ ومنهاجه، قاله الربيع بن أنس.
الخامس : لأنه ينتهي إليها كل ما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها، قاله ابن مسعود.
﴿ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : جنة المبيت والإقامة، قاله علي، وأبو هريرة.
الثاني : أنها منزل الشهداء، قاله ابن عباس، وهي عن يمين العرش وفي ذكر جنة المأوى وجهان على ما قدمناه في سدرة المنتهى :
أحدهما : أن المقصود بذكرها تعريف موضعها بأنه عند سدرة المنتهى، قاله الجمهور.
﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الذي يغشاها فراش من ذهب، قاله ابن مسعود ورواه مرفوعاً.
الثاني : أنهم الملائكة، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه نور رب العزة، قاله الضحاك.
فإن قيل لم اختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قيل : لأن السدرة تختص بثلاثة أوصاف : ظل مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولاً وعملاً ونية، فظلها بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لكمونه، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره.
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ في زيغ البصر ثلاثة أوجه؛ أحدها : انحرافه.
الثاني : ذهابه، قاله ابن عباس.
الثالث : نقصانه، قاله ابن بحر.
وفي طغيانه ثلاثة أوجه :
أحدها : ارتفاعه عن الحق.
الثاني : تجاوزه للحق، قاله ابن عباس.
الثالث : زيادته، ويكون معنى الكلام أنه رأى ذلك على حقه وصدقه من غير نقصان عجز عن إدراكه، ولا زيادة توهمها في تخليه، قاله ابن بحر.
﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما غشي السدرة من فراش الذهب، قاله ابن مسعود.
الثاني : أنه قد رأى جبريل وقد سد الأفق بأجنحته، قاله ابن مسعود أيضاً.
الثالث : ما رأه حين نامت عيناه ونظر بفؤاده، قاله الضحاك.
أحدهما : أنه كان صنماً بالطائف زعموا أن صاحبه كان يلت عليه السويق لأصحابه، قاله السدي.
الثاني : أنه صخرة يلت عليها السويق بين مكة والطائف، قاله عكرمة. وأما من شددها فلهم فيها قولان :
أحدهما : أنه كان رجلاً يلت السويق على الحجر فلا يشرب منه أحد إلا سمن معبوده، ثم مات فقلبوه على قبره، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثاني : أنه كان رجلاً يقوم على آلهتهم ويلت لهم السويق بالطائف قاله السدي، وقيل إنه عامر بن ظرب العدواني ثم اتخذوا قبره وثناً معبوداً، قال الشاعر :
لا تنصروا اللات إن الله مهلكها | وكيف ينصركم من ليس ينتصر. |
أحدهما : أنه صنم كانوا يعبدونه، قاله الجمهور.
الثاني : أنها شجرة كان يعلق عليها ألوان العهن تعبدها سليم، وغطفان، وجشم، قال مقاتل : وهي سمرة، قاله الكلبي : هي التي بعث إليها رسول الله ﷺ خالد بن الوليد حتى قطعها، وقال أبو صالح : بل كانت نخلة يعلق عليها الستور والعهن.
وقيل في اللات والعزى قول ثالث : أنهما كانا بيتين يعبدهما المشركون في الجاهلية، فاللات بيت كان بنخلة يعبده كفار قريش، والعزى بيت كان بالطائف يعبده أهل مكة والطائف.
﴿ وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الأَخْرَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه كان صنماً بقديد بين مكة والمدينة، قاله أبو صالح.
الثاني : أنه بيت كان بالمسلك يعبده بنو كعب.
الثالث : أنها أصنام من حجارة كانت في الكعبة يعبدونها.
الرابع : أنه وثن كانوا يريقون عنده الدماء يتقربون بذلك إليه، وبذلك سميت منى لكثرة ما يراق بها من الدماء.
وإنما قال : مناة الثالثة الأخرى، لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات والعزى، وروى سعيد بن جبير وأبو العالية الرياحي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي ﷺ ﴿ أَفََرأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ﴾ الآية. ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم ترتجى، وفي رواية أبي العالية : وشفاعتهم ترتضى ومثلهم لا ينسى، ففرح المشركون وقالوا : قد ذكر آلهتنا، فنزل جبريل فقال : أعرض عليّ ما جئتك به فعرض عليه، فقال : لم آتك أنا بهذا وهذا من الشيطان، فأنزل الله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُوْلٍ وَلاَ نَبِّيٍ إلاَّ إذا تََمَنَّى ألْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾.
﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى ﴾ حيث جعلوا الملائكة بنات الله.
﴿ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : قسمة عوجاء، قاله مجاهد.
الثاني : قسمة جائرة، قاله قتادة.
الثالث : قسمة منقوصة، قاله سفيان وأكثر أهل اللغة، قال الشاعر :
فإن تنأى عنا ننتقصك وإن تقم | فقسمك مضئوز وأنفك راغم |
الرابع : قسمة مخالفة، قاله ابن زيد.
﴿ أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من البنين أن يكونوا له دون البنات.
الثاني : من النبوة أن تكون فيه دون غيره.
﴿ فَلِلَّهِ الأخِرَةُ وَالأُولَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني أنه أقدر من خلقه، فلو جاز أن يكون له ولد - كما نسبه إليه المشركون حين جعلوا له البنات دون البنين وتعالى عن ذلك علواً كبيراً - لكان بالبنين أحق منهم.
الثاني : أنه لا يعطي النبوة من تمناها، وإنما يعطيها من اختاره لها لأنه مالك السموات والأرض.
أحدها : أنه الشرك بالله، حكاه الطبري.
الثاني : أنه ما زجر عنه بالحد، حكاه بعض الفقهاء.
الثالث : ما لا يكفر إلا بالتوبة، حكاه ابن عيسى.
الرابع : ما حكاه شرحبيل عن ابن مسعود قال : سئل رسول الله ﷺ عن الكبائر فقال :« أن تدعو لله نداً وهو خلقك وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك وأن تزاني حليلة جارك »
الخامس : ما روى سعيد بن جبير أن رجلاً سأل ابن عباس عن الكبائر أسبع هي؟ قال : إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبعة، لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار، فكأنه يذكر أن كبائر الإثم ما لم يستغفر منه.
وأما الفواحش ففيها قولان :
أحدهما : أنها جميع المعاصي.
الثاني : أنها الزنى. وأما اللمم المستثنى ففيه ثمانية أقاويل :
أحدها : إلا اللمم الذي ألموا به في الجاهلية من الإثم والفواحش فإنه معفو عنه في الإسلام، قاله ابن زيد بن ثابت.
الثاني : هو أن يلم بها ويفعلها ثم يتوب منها، قاله الحسن ومجاهد.
الثالث : هو أن يعزم على المواقعة ثم يرجع عنها مقلعاً وقد روى عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال :
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمْ تغفر جَمَّاً | وَأَي عَبْدٍ لَّكَ لاَ أَلَمَّا |
الخامس : أن اللمم الصغائر من الذنوب.
السادس : أن اللمم ما لم يجب عليه حد في الدنيا ولم يستحق عليه في الآخرة عذاب، قاله ابن عباس، وقتادة.
السابع : أن اللمم النظرة الأولى فإن عاد فليس بلمم، قاله بعض التابعين، فجعله ما لم يتكرر من الذنوب، واستشهد بقول الشاعر :
وما يستوي من لا يرى غير لمة | ومن هو ناو غيرها لا يريمها |
وذكر مقاتل بن سليمان أن هذه الآية نزلت في رجل كان يسمى نبهان التمار كان له حانوت يبيع فيه تمراً، فجاءته امرأة تشتري منه تمراً، فقال لها : إن بداخل الدكان ما هو خير من هذا، فلما دخلت راودها عن نفسها، فأبت وانصرفت، فندم نبهان وأتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع، فقال :
﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ ﴾ يعني أنشأ آدم.
﴿ وَإذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ قال مكحول : في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط، وكنا فيمن بقي، ثم صرنا يفعة فهلك منا من هلك، وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شباباً فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شيوخاً لا أبالك فما بعد هذا تنتظر؟
﴿ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني لا تمادحوا، قاله ابن شوذب.
الثاني : لا تعملوا بالمعاصي وتقولوا نعمل بالطاعة، قاله ابن جريج. الثالث : إذا عملت خيراً فلا تقل عملت كذا وكذا.
ويحتمل رابعاً : لا تبادلوا قبحكم حسناً ومنكركم معروفاً.
ويحتمل خامساً : لا تراؤوا بعملكم المخلوقين لتكونوا عندهم أزكياء.
﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ قال الحسن : قد علم الله كل نفس ما هي عاملة وما هي صانعة وإلى ما هي صائرة.
أحدها : أنه العاص بن وائل السهمي، قاله السدي.
الثاني : أنه الوليد بن المغيرة المخزومي، قاله مجاهد، كان يأتي النبي ﷺ وأبا بكر رضي الله عنه يسمع ما يقولان ثم يتولى عنهما.
الثالث : أنه النضر بن الحارث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد عن دينه وضمن له أن يتحمل مأثم رجوعه، قاله الضحاك.
﴿ وَأعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه أعطى قليلاً من نفسه بالاستمتاع ثم أكدى بالانقطاع، قاله مجاهد.
الثاني : أطاع قليلاً ثم عصى، قاله ابن عباس.
الثالث : أعطى قليلاً من ماله ثم منع، قاله الضحاك.
الرابع : أعطى بلسانه وأكدى بقلبه، قاله مقاتل.
وفي ﴿ أَكْدَى ﴾ وجهان :
أحدهما : قطع، قاله الأخفش.
الثاني : منع، قاله قطرب.
﴿ أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيبِ فَهُوَ يَرَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه أعلم الغيب فرأى أن ما سمعه باطل.
الثاني : أنزل عليه القرآن فرأى ما صنعه حقاً، قاله الكلبي.
ويحتمل ثالثاً : أعلم أن لا بعث، فهو يرى أن لا جزاء.
﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ فيه سبعة أقاويل :
أحدها : وفّى عمل كل يوم بأربع ركعات في أول النهار، رواه الهيثم عن أبي أمامة عن رسول الله ﷺ.
الثاني : أن يقول كلما أصبح وأمسى ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِيْنَ تُمْسُونَ وَحِيْنَ تُصْبِحُونَ ﴾ الآية. رواه سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه عن النبي ﷺ.
الثالث : وفيما أمر به من طاعة ربه، قاله ابن عباس.
الخامس :﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ لأنه كان بين نوح وإبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة ابنه وأبيه فأول من خالفهم إبراهيم، قاله الهذيل.
السادس : أنه ما أُمر بأمر إلا أداه ولا نذر إلا وفاه، وهذا معنى قول الحسن.
السابع : وفَّى ما امتحن به من ذبح ابنه وإلقائة في النار وتكذيبه.
أحدهما : إلى إعادتكم لربكم بعد موتكم يكون منتهاكم.
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قضى أسباب الضحك والبكاء.
الثاني : أنه أراد بالضحك السرور، وبالبكاء الحزن.
والثالث : أنى خلق قوتي الضحك والبكاء، فإن الله ميز الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان، فليس في سائر الحيوان ما ضحك ويبكي غير الإنسان، وقيل إن القرد وحده يضحك ولا يبكي، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك.
ويحتمل وجهاً رابعاً : أن يريد بالضحك والبكاء النعم والنقم.
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : قضى أسباب الموت والحياة.
الثاني : خلق الموت والحياة كما قال تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْمَوتَ وَالْحَيَاةَ ﴾ قاله ابن بحر.
الثالث : أن يريد بالحياة الخصب وبالموت الجدب.
الرابع : أمات بالمعصية وأحيا بالطاعة.
الخامس : أمات الآباء وأحيا الأبناء.
ويحتمل سادساً : أن يريد به أنام وأيقظ.
﴿ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾ وجهان :
أحدهما : إذا تخلق وتقدر، قاله الأخفش.
الثاني : إذا نزلت في الرحم، قاله الكلبي.
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ﴾ فيه ثمانية تأويلات :
أحدها : أغنى بالكفاية وأقنى بالزيادة، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني : أغنى بالمعيشة وأقنى بالمال، قاله الضحاك.
الثالث : أغنى بالمال وأقنى بأن جعل لهم قنية، وهي أصول الأموال، قاله أبو صالح.
الرابع : أغنى بأن مَوّل وأقنى بأن حرم، قاله مجاهد.
الخامس : أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه، قاله سليمان التيمي.
السادس : أغنى من شاء وأفقر من شاء، قاله ابن زيد.
السابع : أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا، قاله سفيان.
الثامن : أغنى عن أن يخدم وأقنى أن يستخدم، وهذا معنى قول السدي.
ويحتمل تاسعاً : أغنى بما كسبه [ الإنسان ] في الحياة وأقنى بما خلفه بعد الوفاة مأخوذ من اقتناء المال وهو استبقاؤه.
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾ والشعرى نجم يضيء وراء الجوزاء، قال مجاهد : تسمى هوزم الجوزاء، ويقال إنه الوقاد، وإنما ذكر أنه رب الشعرى وإن كان رباً لغيره لأن العرب كانت تعبده فأعلموا أن الشعرى مربوب وليس برب.
واختلف فيمن كان يعبده فقال السدي : كانت تعبده حمير وخزاعة وقال غيره : أول من عبده أبو كبشة، وقد كان من لا يعبدها من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم، قال الشاعر :
مضى أيلول وارتفع الحرور | وأخبت نارها الشعرى العبور |
أحدهما : أن عاد الأولى عاد بن إرم، وهم الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية، وعاداً الآخرة قوم هود.
الثاني : أن عاداً الأولى قوم هود والآخرة قوم كانوا بحضرموت، قاله قتادة.
﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ﴾ والمؤتفكة المنقلبة بالخسف، قاله محمد بن كعب : هي مدائن قوم لوط وهي خمسة : صبغة وصغيرة وعمرة ودوماً وسدوم وهي العظمى، فبعث الله عليهم جبريل فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى أن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ثم كفأها على وجهها ثم أتبعها بالحجارة كما قال تعالى :﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حَجَارةً مِن سِجِّيْلٍ ﴾ قال قتادة : كانوا أربعة آلاف ألف.
الثاني : أنهم أكثر ارتكاباً للهوى حتى حل بهم ما حل من البلاء.
﴿ فَعَشَّاهَا مَا غَشَّى ﴾ يعني المؤتفكة، وفيما غشاها قولان :
أحدهما : جبريل حين قلبها.
الثاني : الحجارة حتى أهلكها.
﴿ فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾ وهذا خطاب للمكذب أي فبأي نعم ربك تشك فيما أولاك وفيما كفاك.
وفي قوله :﴿ فَغَشَّاهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : ألقاها.
الثاني : غطاها.
أحدهما : أن محمداً نذير الحق أنذر به الأنبياء قبله، قاله ابن جريج.
الثاني : أن القرآن نذير بما أنذرت به الكتب الأولى، قاله قتادة.
ويحتمل قولاً ثالثاً : أن هلاك من تقدم ذكره من الأمم الأولى نذير لكم.
﴿ أَزِفَتِ الأزِفَةُ ﴾ أي اقتربت الساعة ودنت القيامة، وسماها آزفة لقرب قيامها عنده.
﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ أي من يكشف ضررها.
﴿ أَفَمِنَ هَذا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من القرآن في نزوله من عند الله.
الثاني : من البعث والجزاء وهو محتمل.
﴿ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : تضحكون استهزاء ولا تبكون انزجاراً.
الثاني : تفرحون ولا تحزنون، وهو محتمل.
﴿ وَأَنْتُم سَامِدُونَ ﴾ فيه تسعة تأويلات :
أحدها : شامخون كما يخطر البعير شامخاً، قاله ابن عباس.
الثاني : غافلون، قاله قتادة.
الثالث : معرضون، قاله مجاهد.
الرابع : مستكبرون، قاله السدي.
الخامس : لاهون لاعبون، قاله عكرمة.
السادس : هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا، وهي لغة حمير، قاله أبو عبيدة.
السابع : أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين قاله علي رضي الله عنه.
الثامن : واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام، قاله الحسن، وفيه ما روي عن النبي ﷺ أنه خرج والناس ينتظرونه قياماً فقال : ما لي أراكم سامدين.
التاسع؛ خامدون قاله المبرد، قال الشاعر :
رمى الحدثان نسوة آل حرب | بمقد سمدن له سموداً |
أحدهما : أنه سجود تلاوة القرآن، قال ابن مسعود، وفيه دليل على أن في المفصل سجوداً.
الثاني : أنه سجود الفرض في الصلاة.