ﰡ
إن قلتَ : كيف أفرد نبيّه بالخطاب، مع أنه جمعه مع غيره عقبه ؟ !
قلتُ : أفرده به أولا لأنه إمام أمّته( ١ )، وسادّ مسدَّهم، أو معناه : يا أيها النبي قل لأمتك ﴿ إذا طلقتم النساء ﴾ أي أردتم طلاق نسائكم فطلّقوهن... الخ.
ذكره ثلاث مرات، وختم الأول بقوله :﴿ يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾ [ الطلاق : ٢، ٣ ].
والثاني بقوله تعالى :﴿ يجعل له من أمره يسرا ﴾ [ الطلاق : ٤ ].
والثالث بقوله تعالى :﴿ يكفّر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ﴾ [ الطلاق : ٥ ].
إشارة إلى تَعْداد النِّعم المترتّبة على التقوى، من أن الله يجعل لمن اتّقاه في دنياه، مخرجا من كُرَب الدنيا والآخرة، ويرزقه من حيث لا يخطر بباله، ويجعل له في دنياه وآخرته من أمره يسرا، ويكفّر عنه في آخرته سيّئاته، ويعظم له أجرا.
إن قلتَ : كيف قال ما ختم به في الأول، مع أنّا نرى كثيرا من الأتقياء مضيَّقا عليهم رزقهم ؟
قلتُ : معناه ما مرّ ثَمَّ، وذلك لا ينافي تضييق الرّزق( ١ )، أو معناه أنه يجعل لكل متّق، مخرجا من كل ما يضيق على من لا يتّقي، مع أنّ في تضييقه في المتقي لطفا له ورحمة، لتقلّ عوائقه عن الاشتغال بمولاه في الدنيا، ويتوفر حظّه، ويخفّ حسابُه في الآخرة.
إن قلتَ : كيف قيّد عدّة الآيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر بارتيابنا، مع أنه ليس بقيد ؟
قلتُ : المراد بالارتياب الشكّ، بمعنى الجهل بمقدار عدّتهما، وإذا كان هذه عدّة المرتاب فيها، فغيرها أولى.
فائدة ذكر الغاية فيه، رفع توهّم أن النفقة تتقيّد، بمضيّ مقدار عدّة الأقراء( ١ )، أو أنه إذا طالت مدّة الحمل، لا تجب النفقة من الإطالة.
لا ينافي قوله :﴿ فإن مع العسر يسرا ﴾ [ الشرح : ٦ ] لأن " مع " بمعنى بعد، وإلا فيلزم اجتماع الضّدين وهو محال.
إن قلتَ : كيف قال فيها ﴿ فحاسبناها حسابا شديدا وعذّبناها عذابا نكرا ﴾ [ الطلاق : ٨ ] بلفظ الماضي، مع أن الحساب والعذاب المرتّبين على العُتوّ إنما هما في الآخرة ؟
قلتُ : أتى بذلك على لفظ الماضي، تحقيقا له وتقريرا، لأن المنتظر من وعد الله ووعيده، آت لا محالة، ونظيره قوله تعالى :﴿ ونادى أصحاب النار ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ].