تفسير سورة العاديات

معاني القرآن
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحا ﴾.
قال ابن عباس : هي الخيلُ، والضبيح : أصواتٍ أنفاسها إذا عدون. قال : حدثنا الفراء قال : حدثني بذلك حِبَّان بإسناده عن ابن عباس.
وقوله عز وجل :﴿ فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً ﴾.
أورت النار بحوافرها، فهي نار الحُباحب. قال الكلبي بإسناده : وكان الحباحب من أَحياء العرب، وكان من أبخل الناس، فبلغ به البخل، أنه كان لا يوقد ناراً إِلاَّ بليل، فإذا انتبه منتبه ليقتبس منها أطفأها، فكذلك ما أورت الخيل من النار لا ينتفع بها، كما لا ينتفع بنار الحباحب.
وقوله عز وجل :﴿ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحا ﴾.
أغارت الخيل صبحا، وإنما كانت سريَّة بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني كنانة، فأبطأ عليه خبرها، فنزل عليه الوحي بخبرها في العاديات، وكان علي بن أبي طالب رحمه الله يقول : هي الإبِلُ، وذهب إلى وقعة بدر، وقال : ما كان معنا يومئذ إلا فرس عليه المقداد بن الأسود.
وقوله عز وجل :﴿ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ﴾.
والنقع : الغبار، ويقال : التراب.
وقوله عز وجل :﴿ بِهِ نَقْعاً ﴾ يريد [ ١٤٦/ب ] : بالوادي، ولم يذكره قبل ذلك، وهو جائز ؛ لأن الغبار لا يثار إلاّ من موضع، وإن لم يذكر، وإذا عرف اسم الشيء كُنّى عنه وإن لم يَجْرِ له ذكر.
قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾، يعني : القرآن، وهو مستأنف سورة، وما استئنافه في سورة إِلاّ كذكره في آية قد جرى فيما قبلها، كقوله :﴿ حم، والكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنا أَنْزَلْناهُ ﴾، وقال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حتَّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ ﴾ يريد : الشمس، ولم يجر لها ذكر.
وقوله عز وجل :﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾.
اجتمعوا على تخفيف ( فوسطن )، ولو قرئت «فوسّطن » كان صوابا ؛ لأن العرب تقول : وسَطت الشيء، ووسَّطته وتوسَّطته، بمعنى واحد.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾.
قال الكلبي : وزعم أنها في لغة كندة وحضرموت :«لَكَنُود » : لَكفور بالنعمة.
وقال الحسن :﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ قال : لَوّام لربه يُعد المسيئات، وينسى النعم.
وقوله عز وجل :﴿ وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾.
يقول : وإن الله على ذلك لشهيد.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾.
قد اختلف في هذا ؛ قال الكلبي بإسناده : لشديد : لبخيل، وقال آخر : وإنه لحب الخير لقويٌّ، والخير : المال. ونرى -والله أعلم- أن المعنى : وإنه لِلْخير لشديد الحب، والخير : المال، وكأن الكلمة لما تقدم فيها الحب، وكان موضعه أن يضاف إليه شديد، حذف الحب من آخره لما جرى ذكره في أوله، ولرؤوس الآيات، ومثله في سورة إبراهيم :﴿ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ والعصُوف لا يكون للأَيام ؛ إنما يكون للريح [ ١٤٧/ا ] فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره، كأنه قيل : في يوم عاصف الريح.
وقوله عز وجل :﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ ﴾.
رأيتها في مصحف عبد الله :«إذا بحث ما في القبور »، وسمعت بعض أعراب بني أسد، وقرأها فقال :«بحثر » وهما لغتان : بحثر، وبعثر.
وقوله عز وجل :﴿ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ ﴾ بُيّن.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ﴾.
وهي في قراءة عبد الله :«بأنه يومئذ بهم خبير ».
Icon